أبو أنس بشير بن سلة الأثري
24-Oct-2012, 02:30 PM
كلمات نيرة مشرفة للإمام الألباني تزلزل عروش بدعية منهج " حمل المجمل على المفصل "
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد :
فلا شك أن الله عز وجل قضى وأراد الاختلاف كونا كما قال تعالى : (( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك)) [هود: 118-119]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((… فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا )) ([1]) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة …))([2] )
فالخلاف مما قضاه الله وأراده كونا لحكمة بالغة؛ حتى يتميز المتبع من المبتدع، ويقوم المتبع بمجاهدة المبتدع بالحجة والبيان ([3] ) ، ولكي يعرف من كان قصده طلب الحق ومن هو زاهد فيه ومؤثر غيره عنه من زبالات وآراء الخلق التي ما يجنى منها إلا المحن والضيق وترجع على أهلها بالآلام والنعيق لما هم فيه من الخنق ، وإلا فلو رجعوا وفروا إلى سعة دين الخالق لأتضح لهم الدليل وأنارت لهم السبيل وبانت لهم حقيقة تلك الأضاليل وما عليها أهلها من التبديل وما هم فيه من التحويل وبعدهم عن سواء السبيل ، وإن كان قد شرف الله تعالى أهل الدليل وأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بمعرفة ووقوف على مضار زكام تعاليل أهل التضليل التي أرادوا أن يعالجوا بها تلك الأشاليل التي أصابت مفاصل رموزهم وجماعاتهم فما زادوا الأمر بها إلا الإغراق وإيغال أتباعهم وممن انخدع بهم في الأوحال ونهيك عن ما هم في من التصفيق والتزيين لضلال وزبالات زعمائهم واحتضانهم لها بكلتي أيديهم ، مماكانت سببا في استحكام الأمراض والعلل في عشائرهم ، وكان أولى بهم قطع تلك المفاصل التي كانت سببا في نقل العدوى إلى من جاورها والانتشار تلك العلل الخبيثة في الأمة الإسلامية ، فقد عمت وطمت بليتهم حتى أصيب وأبتلي من أبتلي من أهل السنة بجراثيمها المسمومة المنومة للولاء والبراء وأصبح شبابها في حيرة من أمرهم لخفاء كثير من معالم الحق عليهم وإشتباه الباطل بالحق وهو في هذا قد لبس لباسه وإن كان شفافا ، وحججه أوهى من بيوت العنكبوت وإلا " فالحق أبلج والباطل لجلج ، واستحضار هذا الأصل العظيم مفتاح لطلب الحق وتحريه ، أما اعتقاد عكسه وظن أن الحق غامض فهذا يوعر الطريق على قاصده وربما يصده عن طلب الحق وأدلة الشرع كثيرة ظاهرة في تقرير هذا الأصل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في " مجموع الفتاوى " (27 / 315 ـ 316) : (( فَالْحَقُّ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَإِنَّ الْحَقَّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ لَا يَشْتَبِهُ بِغَيْرِهِ عَلَى الْعَارِفِ كَمَا لَا يَشْتَبِهُ الذَّهَبُ الْخَالِصُ بِالْمَغْشُوشِ عَلَى النَّاقِدِ . وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْضَحَ الْحُجَّةَ وَأَبَانَ الْمَحَجَّةَ بِمُحَمَّدِ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ . وَأَفْضَلِ النَّبِيِّينَ وَخَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ . فَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ بَيَانُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَرَدُّ مَا يُخَالِفُهُ)) ا.هـ
وقال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ في " أدب الطلب ومنتهى الإرب " - (ص 85) (( فالوقوف على الحق والاطلاع على ما شرعه الله لعباده ، قد سهله الله على المتأخرين ويسره على وجه لا يحتاجون فيه من العناية والتعب إلا بعض ما كان يحتاجه من قبلهم )) ا.هـ
ولكن ـ مع الأسف ـ هذه الأسباب الميسرة لطلب الحق ، قد جلبت الكسل لكثير من الناس وفرطوا في طلب ما يوصلهم للحق قال العلامة محمد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ([4] ) : (( ورب تيسير جلب التعسير ، فإن هذا التيسير رمى العقول بالكسل والأيدي بالشلل )) ا.هـ ([5] )
إذاً والحالة هذه فما على شباب أهل السنة والأثر إلا أن ينهضوا بهذا الحق وليرفعوا به أصواتهم إلى أن يبلغ أقصى الدنيا ولا يلتفتون في هذا إلى لومة لائم ولا يصغون إلى أراجيف كل غيان ولا يغترون بأباطيل حزب الشيطان ، كيف وهم ذوي البرهان وكفاهم شرفا أنهم حزب الرحمان المؤيدون بالحجة والسلطان الذي قهر كل أباطيل وأبكم كل ناعق وفتان ، وليشمروا عن ساعد الجد وليشهروا سلاحهم في هتك وفتك أباطيل وقواعد أهل الفاسد والإفساد التي اصطنعوها واخترعوها لترميم باطلهم وحماية عروشهم وطقوسهم ورموزهم ، ومن ذلك لا يخفى عليكم ـ بارك الله فيكم ـ ما أرجف به المأربي وحزبه المميع وأخدانه وأشباهه ومن ركب سفينته المخروقة من القواعد العاطلة والأصول الباطلة ومن بينها قاعدة :« حمل المجمل على المفصل » ، التي قهرتها رماح وسهام إمامنا وشيخنا المجاهد المحدث العلم ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ ، فقد صال عليها بالحجج القرآنية والسنن النبوية والآثار السلفية حتى ألقاها طريحة جيفة تفوح منها الروائح النتنة ، فابتعدت منها النفوس السليمة وعافتها العقول الصحيحة ، وإن حامت واجتمعت حولها الكلاب الغاوية والذئاب العاوية تنهش وتأكل منها على قدر غرضها الخسيس ، وما عسانا أن نقول في هذا الصنف إلا كما قال القائل
لقد أسمعْتَ لو ناديْتَ حيّاً ... ولكن لا حياة لمن تنادِي .
ويا ليت والحالة هذه سكتوا وسلم من رشق ألسنتهم أهل الحديث والأثر، بل جن جنونهم و أقاموا الدنيا وما أقعدوها !! وخاصة على الشيخ الوالد ربيع بن هادي فكم بنوا من القصور والعلالي الباطلة في تشويه المنهج الذي هو يسير عليه بما أوتوا من الأساليب والوسائل الخبيثة ، فجيشوا الجيوش من الصبيان والرعاع والمجاهيل والفسقة والسفهاء والسفلة والصعافقة ولقنوهم الأباطيل والأكاذيب لغزو الشيخ ـ ثبته الله على الحق ونصر به الدين ـ فما رجعوا إلا بالخيبة والعار والشنار ، وذلك أن المنهج الذي يسير عليه الشيخ ـ حفظه الله ـ ما هو إلا منهج أهل الحديث والأثر الذي توعد الله من سلكه بالفوز والظفر وكتب لسالكه العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة ، وإلا فليس شيخنا بدعا فيما أنكره على أصحاب « حمل المجمل على المفصل » ، بل لو رجع أحدنا إلى مصنفات ومؤلفات ومسموعات أئمة الدعوة والإصلاح لجمع في ذلك مصنفا عزيزا في بيان وكشف هذه البدعة الخبيثة ، ومن أولئك الأئمة الجحاجحة الذين ردوا هذا الباطل العاطل ، الإمام المحدث ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ فمسيرته السنية الإصلاحية تزخر وتنادي على أهل الباطل ببيان ما هم فيه من الأباطيل والبدع الهالكة ، فحسبنا أن نكتفي به في صفحاتنا هذه بالتدليل بشيء من كلامه الزاهي والوافي في البيان هذا المنهج الخلفي .
فقال رحمه الله في الشريط 33 / الدقيقة 37 من فتاوى جدة :
(( إياك وما يعتذر منه : " لا تتكلمن بكلام تعتذر به عند الناس " .
دائما الناس يقولون : والله أنا قصدت كذا ، يا أخي قصدك في قلبك لا يعرفه إلا ربك ، ولكن أحسن التعبير عن قصدك بلفظك ، ألم تسمع إنكار الرسول عليه السلام الشديد على ذلك الصحابي الذي سمع موعظة من النبي صلى الله عليه وسلم فقام ليظهر خضوعه وإتباعه وإطاعته للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " ما شاء الله وشئت يا رسول الله " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أجعلتني لله ندا ! قل ما شاء الله وحده " .
أترون بأن هذا الصحابي قصد بقوله مخاطبا لنبيه " ما شاء الله وشئت " أن يجعله شريكا مع الله ؟ ما أمن برسول الله صلى الله عليه وسلم يقينا إلا فرارا من الشرك ، إذاً لماذا بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنكار عليه بهذه العبارة الشديدة " أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده " ؟
إذاً لا ينبغي أن تسوغوا أخطائكم اللفظية بصوابكم القلبي ، هذا لا يسوغ ذاك ، فعلينا إذا تكلمنا بالكلام أن يكون كلامنا مطابقا لحسن قصدنا وان لا يكون كلامنا سيئا وقصدنا حسنا بل يجب أن يطابق اللفظ ما في القلب . )) ا.هـ
وقال في الشريط 34 / الدقيقة 37 من فتاوى جدة :
(( إن في التصوف أمورًا منكرة جدًا ، أخطرها ما يدندن حوله كبيرهم المعروف بابن عربي ، الذي دفن في دمشق ، فإنه رافع راية القول: بوحدة الوجود ، والمقصود بوحدة الوجود هو أنه ليس هناك خالق والمخلوق ، إنما هي الطبيعة ، كما يقول الشيوعيون ، والدهريون ، الذين لا يؤمنون بأن لهذا الكون خالقًا ، تبارك وتعالى عما يقول هؤلاء الظالمون علوا كبيرا ، ابن عربي باتفاق كل من ينتمي إلى التصوف ، ما وجدنا واحدًا منهم يتبرأ منه ، وهو الذي يدندن دائما وأبدًا حول هذه الضلالة الكبرى ، ألا وهي وحدة الوجود ، هو يقول مثلًا في بعض كتبه : " وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة " ، ويقول: " كل ما تراه بعينك فهو الله " ويقول من يجري على نسقه وعلى مبدأه : " لما عبد المجوس النار ، ما عبدوا إلا الواحد القهار ".
هذا هو إمام الصوفية ، ما نجد أحدًا من هؤلاء الصوفية الذين يتأولون التصوف بأنه عبارة عن سلوك في حدود الشرع ، والتمسك بالأخلاق المحمدية ، ما نجد واحدًا من هؤلاء يتبرأ من ابن عربي، ونحن التقينا مع كثير من هؤلاء المتصوفة ، وناقشناهم في عبارات ابن عربي الكافرة ، وقد ذكرت لكم أنفا أمثلة منها ، فما وجدنا منهم تجاوبًا معنا على إنكارها ، بل قال لي أحدهم : أنا إذا قرأت كتاب" الفتوحات المكية " مثلًا لابن عربي ، وأشكلت عليّ عبارة – هكذا يقول – أضعها على الرف مؤقتًا وكلما مررت بمثلها من العبارات المشكلة ، أيضًا وضعته على الرف ، حتى يتوفر لدي عبارات كثيرة من عبارات ابن عربي ، يقول بعد ذلك : أخلو في خلوة ... قال لي : فإذا تجمعت عندي بعض المشكلات عملت خلوة ، وانفردت عن الناس ، وأذكر الله وأعبد الله ، يقول : الله يفتح علي ويفهم تلك العبارات على الوجه الصحيح ، فقلنا له : هب أن هذه العبارات يمكن أن يستخرج بعض منها معاني صحيحة ، ولكن أين أنتم مما أدبنا النبي صلى الله عليه وسلم بمثل قوله كما ذكرت لكم في بعض الجلسات السابقة : " لا يتكلمن بكلام تعتذر به عند الناس " ، يقول لذلك الصحابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " ما شاء الله وشئت يا رسول الله " ، " أجعلتني لله ندًا ! قل ما شاء الله وحده " ، أين قول هذا الصحابي : " ما شاء الله وشئت " ، من قول ابن عربي : " كل ما تراه بعينك فهو الله" ، فهذا كفر صريح ، فلو فرضنا المستحيل أن لمثل هذه العبارات معاني صحيحة ، لكن لا يجوز التلفظ بها لأنها خلاف تأديب الرسول عليه السلام لأمته )) ا.هـ
قلت ( بن سلة ) : رحم الله الإمام الجهبذ ناصر الدين الألباني كم أجرى الله على يديه من الخير الجميل الذي يرجع على الأمة بالنفع الجليل وعلى صاحبه بالثواب الجزيل ، فقد قطع بتقريره هذا أطماع وأنفاس أصحاب « بدعة حمل المجمل على المفصل » و « بدعة الموازنات» ، لو كانت هاتان البدعتان من الدين لاعتذر بهما النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لذلك الصحابي ـ رضي الله عنه ـ ومن هو في الشرف والفضل ، وخاصة في ذلك المقام والمجمع وبتلك المناسبة التي بينها الشيخ رحمه الله، وعجيب أن أهل التصوف والرفض والخوارج والقدرية والفلاسفة والجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من الملل الضلال ما تفطنوا لهاتين البدعتين الخبيثتين طول هذه السنين كلها لحماية بدعهم ورموزهم حتى يأتي أدعياء السلفية في أزمنتنا هذه فيخترعونها ، ما ذاك إلا أن نفوسهم هانت عليهم ، وأضحى الكذب ظاهرا على ألسنتهم لا يحتشمون من أحد ، مما قد جرهم وحملهم ذلك على الابتداع ما شاؤوا والكلام بما شاؤوا والاعتذار بكل ما يظهر لهم ويخطر ببالهم والله المستعان ، أين تلك أخلاق العرب من الصدق وغيره ، وإلا فالإسلام خير وأفضل ، وفي الأخير نكتفي بهذا القدر فيما أتحفنا به من كلام الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في إسقاط هذه الساقطة فهو يكفي ويشفي وكما قيل " لا عطر بعد عروس " ، والحمد لله رب العالمين
([1]) رواه أحمد في المسند ( 4 / 126 ) وأبوداود ( رقم : 4607 ) وصححه ابن حجر في تخريج " مختصر ابن الحاجب " ( 1 / 137 )
([2]) انظر " كتاب السنة لابن أبي عاصم " ( 63 ـ 71 ) وتعليق الألباني عليه
([3]) انظر على كتاب " دراسة نقدية لقاعدة المعذرة والتعاون " ( 30 )
([4]) " جريدة البصائر " عدد ( 9 ) سنة 1947 م ، بواسطة مجلة " الأصالة " عدد 27
([5]) فليرجع إلى كتابين " الصوارف عن الحق " ( 11 ) ، و" دراسة نقدية لقاعدة المعذرة والتعاون " ( 54 ) للشيخ المفضال حمد بن إبراهيم العثمان ـ حفظه الله ـ في وقوف على ما بينه من تقرير هذا الأصل الأصيل
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
أما بعد :
فلا شك أن الله عز وجل قضى وأراد الاختلاف كونا كما قال تعالى : (( ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك)) [هود: 118-119]، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((… فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا )) ([1]) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (( ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة …))([2] )
فالخلاف مما قضاه الله وأراده كونا لحكمة بالغة؛ حتى يتميز المتبع من المبتدع، ويقوم المتبع بمجاهدة المبتدع بالحجة والبيان ([3] ) ، ولكي يعرف من كان قصده طلب الحق ومن هو زاهد فيه ومؤثر غيره عنه من زبالات وآراء الخلق التي ما يجنى منها إلا المحن والضيق وترجع على أهلها بالآلام والنعيق لما هم فيه من الخنق ، وإلا فلو رجعوا وفروا إلى سعة دين الخالق لأتضح لهم الدليل وأنارت لهم السبيل وبانت لهم حقيقة تلك الأضاليل وما عليها أهلها من التبديل وما هم فيه من التحويل وبعدهم عن سواء السبيل ، وإن كان قد شرف الله تعالى أهل الدليل وأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم بمعرفة ووقوف على مضار زكام تعاليل أهل التضليل التي أرادوا أن يعالجوا بها تلك الأشاليل التي أصابت مفاصل رموزهم وجماعاتهم فما زادوا الأمر بها إلا الإغراق وإيغال أتباعهم وممن انخدع بهم في الأوحال ونهيك عن ما هم في من التصفيق والتزيين لضلال وزبالات زعمائهم واحتضانهم لها بكلتي أيديهم ، مماكانت سببا في استحكام الأمراض والعلل في عشائرهم ، وكان أولى بهم قطع تلك المفاصل التي كانت سببا في نقل العدوى إلى من جاورها والانتشار تلك العلل الخبيثة في الأمة الإسلامية ، فقد عمت وطمت بليتهم حتى أصيب وأبتلي من أبتلي من أهل السنة بجراثيمها المسمومة المنومة للولاء والبراء وأصبح شبابها في حيرة من أمرهم لخفاء كثير من معالم الحق عليهم وإشتباه الباطل بالحق وهو في هذا قد لبس لباسه وإن كان شفافا ، وحججه أوهى من بيوت العنكبوت وإلا " فالحق أبلج والباطل لجلج ، واستحضار هذا الأصل العظيم مفتاح لطلب الحق وتحريه ، أما اعتقاد عكسه وظن أن الحق غامض فهذا يوعر الطريق على قاصده وربما يصده عن طلب الحق وأدلة الشرع كثيرة ظاهرة في تقرير هذا الأصل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في " مجموع الفتاوى " (27 / 315 ـ 316) : (( فَالْحَقُّ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَإِنَّ الْحَقَّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرُّسُلَ لَا يَشْتَبِهُ بِغَيْرِهِ عَلَى الْعَارِفِ كَمَا لَا يَشْتَبِهُ الذَّهَبُ الْخَالِصُ بِالْمَغْشُوشِ عَلَى النَّاقِدِ . وَاَللَّهُ تَعَالَى أَوْضَحَ الْحُجَّةَ وَأَبَانَ الْمَحَجَّةَ بِمُحَمَّدِ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ . وَأَفْضَلِ النَّبِيِّينَ وَخَيْرِ خَلْقِ اللَّهِ أَجْمَعِينَ . فَالْعُلَمَاءُ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ بَيَانُ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَرَدُّ مَا يُخَالِفُهُ)) ا.هـ
وقال الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ في " أدب الطلب ومنتهى الإرب " - (ص 85) (( فالوقوف على الحق والاطلاع على ما شرعه الله لعباده ، قد سهله الله على المتأخرين ويسره على وجه لا يحتاجون فيه من العناية والتعب إلا بعض ما كان يحتاجه من قبلهم )) ا.هـ
ولكن ـ مع الأسف ـ هذه الأسباب الميسرة لطلب الحق ، قد جلبت الكسل لكثير من الناس وفرطوا في طلب ما يوصلهم للحق قال العلامة محمد البشير الإبراهيمي ـ رحمه الله ـ([4] ) : (( ورب تيسير جلب التعسير ، فإن هذا التيسير رمى العقول بالكسل والأيدي بالشلل )) ا.هـ ([5] )
إذاً والحالة هذه فما على شباب أهل السنة والأثر إلا أن ينهضوا بهذا الحق وليرفعوا به أصواتهم إلى أن يبلغ أقصى الدنيا ولا يلتفتون في هذا إلى لومة لائم ولا يصغون إلى أراجيف كل غيان ولا يغترون بأباطيل حزب الشيطان ، كيف وهم ذوي البرهان وكفاهم شرفا أنهم حزب الرحمان المؤيدون بالحجة والسلطان الذي قهر كل أباطيل وأبكم كل ناعق وفتان ، وليشمروا عن ساعد الجد وليشهروا سلاحهم في هتك وفتك أباطيل وقواعد أهل الفاسد والإفساد التي اصطنعوها واخترعوها لترميم باطلهم وحماية عروشهم وطقوسهم ورموزهم ، ومن ذلك لا يخفى عليكم ـ بارك الله فيكم ـ ما أرجف به المأربي وحزبه المميع وأخدانه وأشباهه ومن ركب سفينته المخروقة من القواعد العاطلة والأصول الباطلة ومن بينها قاعدة :« حمل المجمل على المفصل » ، التي قهرتها رماح وسهام إمامنا وشيخنا المجاهد المحدث العلم ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ ، فقد صال عليها بالحجج القرآنية والسنن النبوية والآثار السلفية حتى ألقاها طريحة جيفة تفوح منها الروائح النتنة ، فابتعدت منها النفوس السليمة وعافتها العقول الصحيحة ، وإن حامت واجتمعت حولها الكلاب الغاوية والذئاب العاوية تنهش وتأكل منها على قدر غرضها الخسيس ، وما عسانا أن نقول في هذا الصنف إلا كما قال القائل
لقد أسمعْتَ لو ناديْتَ حيّاً ... ولكن لا حياة لمن تنادِي .
ويا ليت والحالة هذه سكتوا وسلم من رشق ألسنتهم أهل الحديث والأثر، بل جن جنونهم و أقاموا الدنيا وما أقعدوها !! وخاصة على الشيخ الوالد ربيع بن هادي فكم بنوا من القصور والعلالي الباطلة في تشويه المنهج الذي هو يسير عليه بما أوتوا من الأساليب والوسائل الخبيثة ، فجيشوا الجيوش من الصبيان والرعاع والمجاهيل والفسقة والسفهاء والسفلة والصعافقة ولقنوهم الأباطيل والأكاذيب لغزو الشيخ ـ ثبته الله على الحق ونصر به الدين ـ فما رجعوا إلا بالخيبة والعار والشنار ، وذلك أن المنهج الذي يسير عليه الشيخ ـ حفظه الله ـ ما هو إلا منهج أهل الحديث والأثر الذي توعد الله من سلكه بالفوز والظفر وكتب لسالكه العاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة ، وإلا فليس شيخنا بدعا فيما أنكره على أصحاب « حمل المجمل على المفصل » ، بل لو رجع أحدنا إلى مصنفات ومؤلفات ومسموعات أئمة الدعوة والإصلاح لجمع في ذلك مصنفا عزيزا في بيان وكشف هذه البدعة الخبيثة ، ومن أولئك الأئمة الجحاجحة الذين ردوا هذا الباطل العاطل ، الإمام المحدث ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ فمسيرته السنية الإصلاحية تزخر وتنادي على أهل الباطل ببيان ما هم فيه من الأباطيل والبدع الهالكة ، فحسبنا أن نكتفي به في صفحاتنا هذه بالتدليل بشيء من كلامه الزاهي والوافي في البيان هذا المنهج الخلفي .
فقال رحمه الله في الشريط 33 / الدقيقة 37 من فتاوى جدة :
(( إياك وما يعتذر منه : " لا تتكلمن بكلام تعتذر به عند الناس " .
دائما الناس يقولون : والله أنا قصدت كذا ، يا أخي قصدك في قلبك لا يعرفه إلا ربك ، ولكن أحسن التعبير عن قصدك بلفظك ، ألم تسمع إنكار الرسول عليه السلام الشديد على ذلك الصحابي الذي سمع موعظة من النبي صلى الله عليه وسلم فقام ليظهر خضوعه وإتباعه وإطاعته للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " ما شاء الله وشئت يا رسول الله " ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أجعلتني لله ندا ! قل ما شاء الله وحده " .
أترون بأن هذا الصحابي قصد بقوله مخاطبا لنبيه " ما شاء الله وشئت " أن يجعله شريكا مع الله ؟ ما أمن برسول الله صلى الله عليه وسلم يقينا إلا فرارا من الشرك ، إذاً لماذا بالغ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإنكار عليه بهذه العبارة الشديدة " أجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده " ؟
إذاً لا ينبغي أن تسوغوا أخطائكم اللفظية بصوابكم القلبي ، هذا لا يسوغ ذاك ، فعلينا إذا تكلمنا بالكلام أن يكون كلامنا مطابقا لحسن قصدنا وان لا يكون كلامنا سيئا وقصدنا حسنا بل يجب أن يطابق اللفظ ما في القلب . )) ا.هـ
وقال في الشريط 34 / الدقيقة 37 من فتاوى جدة :
(( إن في التصوف أمورًا منكرة جدًا ، أخطرها ما يدندن حوله كبيرهم المعروف بابن عربي ، الذي دفن في دمشق ، فإنه رافع راية القول: بوحدة الوجود ، والمقصود بوحدة الوجود هو أنه ليس هناك خالق والمخلوق ، إنما هي الطبيعة ، كما يقول الشيوعيون ، والدهريون ، الذين لا يؤمنون بأن لهذا الكون خالقًا ، تبارك وتعالى عما يقول هؤلاء الظالمون علوا كبيرا ، ابن عربي باتفاق كل من ينتمي إلى التصوف ، ما وجدنا واحدًا منهم يتبرأ منه ، وهو الذي يدندن دائما وأبدًا حول هذه الضلالة الكبرى ، ألا وهي وحدة الوجود ، هو يقول مثلًا في بعض كتبه : " وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسة " ، ويقول: " كل ما تراه بعينك فهو الله " ويقول من يجري على نسقه وعلى مبدأه : " لما عبد المجوس النار ، ما عبدوا إلا الواحد القهار ".
هذا هو إمام الصوفية ، ما نجد أحدًا من هؤلاء الصوفية الذين يتأولون التصوف بأنه عبارة عن سلوك في حدود الشرع ، والتمسك بالأخلاق المحمدية ، ما نجد واحدًا من هؤلاء يتبرأ من ابن عربي، ونحن التقينا مع كثير من هؤلاء المتصوفة ، وناقشناهم في عبارات ابن عربي الكافرة ، وقد ذكرت لكم أنفا أمثلة منها ، فما وجدنا منهم تجاوبًا معنا على إنكارها ، بل قال لي أحدهم : أنا إذا قرأت كتاب" الفتوحات المكية " مثلًا لابن عربي ، وأشكلت عليّ عبارة – هكذا يقول – أضعها على الرف مؤقتًا وكلما مررت بمثلها من العبارات المشكلة ، أيضًا وضعته على الرف ، حتى يتوفر لدي عبارات كثيرة من عبارات ابن عربي ، يقول بعد ذلك : أخلو في خلوة ... قال لي : فإذا تجمعت عندي بعض المشكلات عملت خلوة ، وانفردت عن الناس ، وأذكر الله وأعبد الله ، يقول : الله يفتح علي ويفهم تلك العبارات على الوجه الصحيح ، فقلنا له : هب أن هذه العبارات يمكن أن يستخرج بعض منها معاني صحيحة ، ولكن أين أنتم مما أدبنا النبي صلى الله عليه وسلم بمثل قوله كما ذكرت لكم في بعض الجلسات السابقة : " لا يتكلمن بكلام تعتذر به عند الناس " ، يقول لذلك الصحابي الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : " ما شاء الله وشئت يا رسول الله " ، " أجعلتني لله ندًا ! قل ما شاء الله وحده " ، أين قول هذا الصحابي : " ما شاء الله وشئت " ، من قول ابن عربي : " كل ما تراه بعينك فهو الله" ، فهذا كفر صريح ، فلو فرضنا المستحيل أن لمثل هذه العبارات معاني صحيحة ، لكن لا يجوز التلفظ بها لأنها خلاف تأديب الرسول عليه السلام لأمته )) ا.هـ
قلت ( بن سلة ) : رحم الله الإمام الجهبذ ناصر الدين الألباني كم أجرى الله على يديه من الخير الجميل الذي يرجع على الأمة بالنفع الجليل وعلى صاحبه بالثواب الجزيل ، فقد قطع بتقريره هذا أطماع وأنفاس أصحاب « بدعة حمل المجمل على المفصل » و « بدعة الموازنات» ، لو كانت هاتان البدعتان من الدين لاعتذر بهما النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لذلك الصحابي ـ رضي الله عنه ـ ومن هو في الشرف والفضل ، وخاصة في ذلك المقام والمجمع وبتلك المناسبة التي بينها الشيخ رحمه الله، وعجيب أن أهل التصوف والرفض والخوارج والقدرية والفلاسفة والجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم من الملل الضلال ما تفطنوا لهاتين البدعتين الخبيثتين طول هذه السنين كلها لحماية بدعهم ورموزهم حتى يأتي أدعياء السلفية في أزمنتنا هذه فيخترعونها ، ما ذاك إلا أن نفوسهم هانت عليهم ، وأضحى الكذب ظاهرا على ألسنتهم لا يحتشمون من أحد ، مما قد جرهم وحملهم ذلك على الابتداع ما شاؤوا والكلام بما شاؤوا والاعتذار بكل ما يظهر لهم ويخطر ببالهم والله المستعان ، أين تلك أخلاق العرب من الصدق وغيره ، وإلا فالإسلام خير وأفضل ، وفي الأخير نكتفي بهذا القدر فيما أتحفنا به من كلام الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في إسقاط هذه الساقطة فهو يكفي ويشفي وكما قيل " لا عطر بعد عروس " ، والحمد لله رب العالمين
([1]) رواه أحمد في المسند ( 4 / 126 ) وأبوداود ( رقم : 4607 ) وصححه ابن حجر في تخريج " مختصر ابن الحاجب " ( 1 / 137 )
([2]) انظر " كتاب السنة لابن أبي عاصم " ( 63 ـ 71 ) وتعليق الألباني عليه
([3]) انظر على كتاب " دراسة نقدية لقاعدة المعذرة والتعاون " ( 30 )
([4]) " جريدة البصائر " عدد ( 9 ) سنة 1947 م ، بواسطة مجلة " الأصالة " عدد 27
([5]) فليرجع إلى كتابين " الصوارف عن الحق " ( 11 ) ، و" دراسة نقدية لقاعدة المعذرة والتعاون " ( 54 ) للشيخ المفضال حمد بن إبراهيم العثمان ـ حفظه الله ـ في وقوف على ما بينه من تقرير هذا الأصل الأصيل