البيان والبرهان بأن اقتناء التلفاز والقنوات محرم و فتنة وأنه من خطوات الشيطان للشيخ ماهر القحطاني حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد :
فقد انتشرت في الأعصار المتأخرة فتنة عظيمة أرسل بها وأعان عليها إبليس وحزبه من شياطين الجن والإنس ما تركت من بيت كبير ولا صغير ولاغني ولا فقير إلا ولجته إ لا قليلا من البيوت من الذين امتحن الله قلوب أصحابها بالتقوى وصار من ابتلي بهذه الفتنة يحتج على من ينكر عليه اقتناءها أنها عند أكثر الناس و لكأن هذا القائل لم يسمع قول الله تعالى : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) [الأنعام:116]. ولكأن تلكم الآية ما أنزلت والتي تدل أن كثرة من يتعاطى المنكر لا يصير المنكر معروفا بل المنكر منكر وان فعله أكثر الناس بل فعل أكثر الناس له لا يصير فعله حجة ، فنسأله أن يجعل لمن فارق تلكم الفتنة ولم يغتر بما عليه أكثر الناس في بيوتهم من اقتناءها الفردوس الأعلى من الجنة والعاقبة الحسنة في الدنيا و الآخرة بما صبروا على الشهوات وتلكم الفتنة وأن يجعل لهم مغفرة وأجرا عظيما ، فكم فتنت من صاحب سنة على الفطرة كان صالحا فصار من بعد مشاهدتها وسماعها وراء الشهوة والدنيا أو البدعة والشبهة لاهث راكضا ، وكم قصمت من ظهر أسرة ففرقت شملها فتعالت من ألم الفراق والتمزق بكاء وعويل وصياح صبيانها ونسائها ، كم خطط بها قاتل وسارق لجريمته ، وكم فتنت من عفيف فأصبح من بعدها زانيا فاجرا ، فيالله كم من فتاة مسلمة عفيفة محصنة من بعدها زنت ولعقال أسرتها نكست وكم من الخمور على إثرها شربت وكم من عصابات للرذيلة والفجور بها انتشرت ، بل وكم من أنفس مسلمة مؤمنة من بعده فجرت ثم كفرت وعن الإسلام ربما ارتدت أو فيه بما تروجه من شبه في الدين فيه قد شكت أو ابتدعت ، تظهر العشق المحرم القاتل للعفة والمذهل عن توحيد الله و الأنس بذكره بمسلسلاتها الماجنة و أفلامها الهابطة ومسرحياتها وتمثيلياتها الساقطة في أبها حلة في صورة إسعاد النفس وشرح الصدر والأنس اللذيذ المستطاب فكثرت على إثر تلكم الفتنة العارمة الفواحش العاهرة ما ظهر منها وما بطن وانتشر الإثم والسوء و تواقح الأرذال فصاروا يقولون على الله ما لا يعلمون وأن تلكم المسلسلات تعالج مشكلات اجتماعية وتصلح البيوت الخاربة ، وهي تنخر بالسوس في العفة والكرامة فتعلق بها الشهوة المحرمة الدنسة ، فتنقل الأسر المسلمة من مشكلات إلى حوادث أليمة و طامات جسيمة ، فيا ليت شعري من المعالج فليعالج نفسه من خزي الكفر وعار الرذيلة وشنار الفواحش ومحق الفضيلة ، فتراه يدعى بالمخرج السينمائي وحقيقته فاتن شيطاني ، فلربما كان يهودي أو ملحد أو نصراني ، أو فاجر علماني همه الكسب المالي ، ولو حساب قتل القيم والعفة و تعظيم السنة والدين الإسلامي يظهر ذلك العاهر صاحب الفتنة العورات المحرمة للنساء الكاسيات العاريات وتبادل الأحضان والقبلات والفواحش والمجون في صورة علاقات حب عذري راقية و ألوان من التعارف البريء زاهية وهي مجمع لخطوات الشيطان ليولج هؤلاء وهؤلاء في تنور جهنم الذي أعده رب الأرض والسماء للزناة من الرجال والنساء وليحجب الناس بتلكم الفتنة عن ما نهاهم الله عنه من قربان الزنا فكيف بمن واقعه بسببه فما أعظم مقته عند الله وحسرته وما أكند عيشه وأغم قلبه وأظلم وجهه ، قال تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ) [الإسراء:32] .([1])
خرج أبوداود في سننه عن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: '' إِذَا زَنَى الرَّجُلُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ كَانَ عَلَيْهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا انْقَطَعَ رَجَعَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ''([2])
فيالله ما أعظم جرم الزاني من بعد تلكم الفتنة ، وما أخطرها على المجتمع المسلم و التي ولجت البيوت بسمومها فأقحمتها وأقحمت تلكم العفيفة المفتونة به في مهاوي الفتن والشهوات المحرمة من تشبه بالكفار والفجار وصناعة أعمال أهل الفجور والعيب والشنار ، فإن الفتى المسلم إذا وقع في الزنا انخلع الإيمان من قلبه فإذا تركه عاد إليه نسأل الله معافاته ، روى البخاري في صحيحه عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم من رؤيا فيقص عليه ما شاء الله أن يقص وإنه قال لنا ذات غداة إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي انطلق وإني انطلقت معهما ، وذكر الحديث وفيه فانطلقنا فأتينا على مثل التنور قال فأحسب أنه كان يقول فإذا فيه لغط وأصوات ، قال فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا قال قلت ما هؤلاء قالا لي انطلق انطلق قال فانطلقنا ، ثم أخبره بعدما سأله من هؤلاء فقال وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني([3]).
فيالله ما أعظم عذاب الزناة و الزواني إنه لو كان تنور خباز في الدنيا أولجت في الفتاة الزانية أو المرأة المتزوجة المحصنة الواقعة في الخيانة الزوجية فيه ودخلن في لكان عذابا أليما فكيف بنار الآخرة والتي فضلت عن نار الدنيا بتسعة وستين جزءا كلها مثل حرها
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: '' نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا''([4])
فكيف والتنور في جهنم مجمع للحرارة الشديدة التي لا تطاق قال تعالى : (فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ) [البقرة: 175]. فلم يكونوا أولئك الزناة تاركي صوم أو حج أو زكاة أو صلاة أو من المشركين برب الأرض والسموات فكانوا مسلمين لكنهم زناة ومصلين لكن قد أنتنت قلوبهم الصور المحرمة وربما تلكم الأفلام الجنسية الهابطة العاهرة حتى اخترقت قلوبهم وعفتهم تلكم السهام المسمومة السافلة ، وإن الإسلام إذا حرم مقصدا كالشرك وشرب الخمر والزنا حرم كل وسيلة تؤدي إليه ، فتلكم الفتنة هي من أعظم الوسائل والذرائع للوقوع فيه ألا وهي فتنة التلفاز والقنوات الفضائية الماجنة والمشاهدات الأنترنتية باليوتيوب الفاضحة والتي للعورات والمجون كاشفة ، والتي لم تقتصر على الدعوى للفواحش والكذب والحيل والجرائم من قتل وسرقة وقتل القيم ، بل للشرك الأكبر والبدع بما ينشرونه عن أهل الشرك من محاورات ودروس وخطب كالجفري والكبيسي وأمثالهم كالسويدان القائل لا بأس بالاعتراض على الله والرسول ، ممحوق البركة سافل الهمة ، فصاروا يعرضون مقالات أصحاب الأهواء وأهل البدع في قوالب مناظرات ومحاورات مستطرفة هادفة ومقاصد نبيلة سامية في صورة الدفاع عن الإسلام والسنة وفيها هلاك الإسلام والسنة وأهلها قال اللالكائي في شرح السنة وإنما نشرت البدع في الأمة بمناظرة أهلها فلو تركوا مكبوتين خاملين لما نشرت ولا انتشرت أو كما قال رحمه الله([5])
واعلموا عباد الله بعد هذا البيان أن مقتضى البرهان الشرعي والفقه الإسلامي تحريم هذا التلفاز لما يعرضه من تلكم الفتنة العارمة والصور الباطلة ولو كان فيه شيء من النفع من أخبار وفتاوى شرعية
فإن الخمر حرم وفيه منافع ولكن لما كان إثمه أكبر من نفعه حرم ، قال تعالى : (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) [البقرة:219].
أسأل الله أن يهدي أهل الإسلام و أن يجنبهم فتنة التلفاز وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.([6])
[1] : قال الإمام العلامة ابن باديس رحمه الله : ''فقوله تعالى : (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى) أبلغ في النهي من (و لا تزنوا) لأنه بمعنى : و لا تدنوا من الزنا . و أفاد هذا تحريم الزنا و تحريم الدنو منه ، لا بالقلب و لا بالجوارح...'' تفسير ابن باديس (1/244) تحقيق أبو عبد الرحمن محمود الجزائري.
[2] : أبوداود (4690) والترمذي(2625) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
[3] : البخاري : باب تعبير الرِؤيا بعد صلاة الصبح ، الحديث رقم (7047)
[4] : البخاري رقم (3265).
[5] : الشيخ حفظه الله يقصد هذا الكلام للإمام اللالكائي رحمه الله : '' فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة, و لم يكن لهم قهر و لا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجماعة يموتون من الغيظ, كمداً و درداً, و لا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً ".أنظر شرح اصول اعتقاد أهل السنة و الجماعة (1/19).
[6] : لم تكن في أصل المقال ، أضفتها لختم الموضوع.
و قد نقلته من موقع معرفة السنن و الآثار للشيخ ماهر القحطاني حفظه الله و قمت بتخريخ الآيات و الأحاديث بوضع رقم الآية و الحديث فالحمد لله رب العالمين الذي وفقني لهذا العمل البسيط.
رد: البيان والبرهان بأن اقتناء التلفاز والقنوات محرم و فتنة وأنه من خطوات الشيطان للشيخ ماهر القحطاني حفظه الله
رد: البيان والبرهان بأن اقتناء التلفاز والقنوات محرم و فتنة وأنه من خطوات الشيطان للشيخ ماهر القحطاني حفظه الله