مشايخ ما يطلبه المشاهدون!!

مشايخُ مايطلبه المشاهدون !!

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد وصلى الله وسلّم على نبيّه أحمد وعلى آله وصحبه أمّا بعد:

بينما كنت أعيد -للمرّة الثالثة- قراءة كتاب (الدعوة إلى الإصلاح) للعلامة محمّد الخضر حسين رحمه الله تعالى توقّفتُ عند فصل من فصول الكتاب بعنوان ((الإخلاص في الدعوة)) فتأمّلتُه ملياً ثمّ شدّ انتباهي قوله رحمه الله: (الغاية من الدّعوة صلاح العالَم، وانتظام شؤونه على منهج السعادة، فإذا وجّه الداعي قصده إلى هذا الغرض وأقامه نصب عينيه، استقام على الطريقة وقضى حياته في سيرة راضية، ولو انحرف عن هذا القّصد –ولو قيد أنملة-، رأيتَهُ يضطرب في حال دعوته، كالريشة تخفق بها الرياح أينما تصرّفت.

وقد حكى التنزيلُ في مواعظه أنّ شعيباً –عليه السلام- قد برّأ نفسه ودفعها عن أن تؤمّ غرضاً من الدّعوة سوى الإصلاح، حين قال ((إن أريد إلا الإصلاح ما استطعتُ وما توفيقي إلا بالله)) ويُرشدُنا قوله تعالى ((لا أسألُكم عليه مالاً إن أجريَ إلا على الله)) إلى أنّ تشوّف الدّاعي إلى ما في أيدي القوم، وتطلُّعَه إلى أن ينال من وراء إرشاده شيئاً من متاع هذه الحياة: قادحٌ في صدقه، وداخل بالريبة في إخلاصه.

ولا يدخلُ في زمرة المصلحين من يَظهرُ بدعوى الغضب للعدالة، ويُعلنُ البغضاء لمن يروم انتهاك حرمتها، ثمّ يُبصرُ مرّة أخرى قوما يعمدون إلى حقوق قائمة فيفتلونَ أعناقها، فإذا هو يتبسّمُ لصنيعهم تبسّم المرتاح، أو يشاركهم في دفنها ولو بحثية من تراب.

ماذا حمله على حبّ العمل بالحقّ والانتصار له أوّلاً ؟ ثمّ ماذا بعثه على خذلانه والارتياح لإزهاق روحه ثانياً ؟
إقامة الحقّ في الأولى تعود عليه بمنفعة، فكان من أشياعه ! وإطفاءُ نوره في المرّة الأخرى لا يذهبُ بحظّ من لذائذه، فلم يأسف للقضاء عليه ! ...) اهـ

ثمّ وجدتني أعمل الفكر في عقد مقارنة سريعة بين كلامه الحقّ المتقدّم وبين واقع دعاة ومشايخ الفضائيات اليوم ... فانتابني شعور غريب هو مزيج بين الأسى والأسف والحزن والغضب ... ولكن سرعان ما انزاح عنّي هذا الشعور بعد الاسترجاع والاستغفار.

والذي حملني على الكتابة في هذا الموضوع هو ما شاهدته بعيني وعلى مدى سنوات من بعد هؤلاء المشايخ والدعاة عن سمت العلماء وزهدهم وورعهم والاقتصاد في المعيشة وترك الركض خلف الدّنيا وحطامها.

ومن دون إطالة وقبل أن يسرح بي الخاطر بعيداً ويجول بي خارجاً عن الموضوع أقول:

أوّلا: حقيقة القنوات الفضائية:

إنّ ممّا يجهله كثير من النّاس أنّ القنوات الفضائية بأشكالها المختلفة ومضامينها المتنوّعة هي مؤسسات ذات سجلّ تجاري ورقم جبائي لها ما للمؤسسات الاقتصادية وعليها ما عليها . فهذه القنوات تتحمّل مصاريف كبار من أجرة العمّال: من مصوّرين ومهندسي الصوت وتقنيي الإشارة ومديرين ومحاسبين ومخرجين وحرّاس وبوّابين وسائقين وغيرهم بالإضافة إلى ثمن استئجار التردد على القمر الاصطناعي وثمن استئجار المحل وفواتير الكهرباء والهاتف والانترنت والضرائب والتأمينات وغيرها من المصاريف التي تقدّر بالملايير.

فالسؤال الذي يطرح نفسهُ هو: من أين تأتي مداخيل القناة وما هو مصدر تمويل القناة وكيف لمؤسسة خدماتية = غير إنتاجية تحمّل كلّ هذه المصاريف ؟؟؟

الجواب: تغطّي القنوات الفضائية مصاريفها عن طريق ثلاثة مصادر هي:

1/ التبرّعات والصدقات والهبات، وهذه تمثّل نسبة لا بأس بها وتزيد هذه النّسبة إذا كانت القناة إسلامية ! وقد تنعدم تماماً إذا كانت غير كذلك.

2/ الرسائل القصيرة (sms) والاتصالات الهاتفية التي تصل إلى القناة سواء للدردشة والمحادثة أو لمجرّد إهداء أغنية أو إلقاء تحيّة أو لتفسير الأحلام أو للاستفتاء، وهذه تمثّل نسبة كبيرة لا يستهان بها خاصّة عند أوقات برامج تأويل الأحلام أو الفتوى، فقد يصلُ معدّل الاتّصالات والرسائل القصيرة (sms) باهضة الثمن إلى مئات الآلاف في الساعة الواحدة، والمعمول به في هذه القنوات أن تتعاقد القناة مع شركات الاتصال في العديد من البلدان على أن تزيد شركة الاتصال في تكلفة الدقيقة الواحدة على أن يكون للقناة نسبة معيّنة لا تقلّ عن 50 في المائة غالباً من ثمن المكالمة أو الرسالة القصيرة (sms) فبمجرّد أن تشكّل الرقم الذي يظهر غالباً أسفل الشاشة يتمّ استقبال مكالمتك عن طريق الموّزع الصوتي ليضعك مباشرة في قائمة الانتظار، الأمر الذي قد يدوم لدقائق عديدة وطبعاً لكي لا تسأم من طول الانتظار ستسمعُ أغنية جميلة أو موسيقى هادئة إذا كانت القناة غير إسلامية وآيات من الذكر الحكيم إذا كانت القناة إسلامية !!
وكلّ هذا بثمنه وتكلفته !!

وأحياناً يقوم عمّال القناة أنفسهم بالاتصال ويتمّ الردّ عليهم لإيهام المشاهدين أنّه من الممكن التكلّم مع المذيع أو مفسّر الأحلام أو المفتي أو الدّاعية والمفكّر أو حتى تلك الفتاة اللعوب التي تعرض أسئلة غبيّة يعلمُ الرضيع جوابها والجائزة 10 آلاف دولار !!!

فيا لله كم نهب هؤلاء السرّاق من أموال النّاس وأكلوها في بطونهم بالباطل ولكنّ الله بما يصنعون خبير.

3/ الإعلانات التجارية لمواد ومنتوجات مختلفة أغلبها مستحضرات طبيّة وخلطات نباتية وعشبية خرافية تشفي من جميع الأسقام وتبرئ من جميع الأوجاع، ولعلّ أبرز هذه المستحضرات والخلطات هي ما تعلّقت بالضعف الجنسي وسرعة القذف والعقم والسمنة المفرطة ومعالجة الصلع ... فالله حسيبهم وهو مولانا فنعم المولى ونعم الوكيل.

ومن المعلوم أن ثمن عرض إعلان تجاري أو إشهار لمنتج ما باهض جداً يُحسبُ بالملايين ويختلف الثمن من قناة إلى قناة ومن وقت إلى وقت.

فكلّما زاد الإقبال على مشاهدة قناة ما ارتفعت نسبة المشاهدة وبالتالي ارتفع سعر الدقيقة الإعلانية وهكذا.
ولكن السؤال التقليدي الذي يطرحه كلّ حريص على زيادة نسبة المشاهدة هو: كيف لي أن أجعل من قناتي تحتلّ الصدارة في نسبة المشاهدة ؟!

والجواب يختلف باختلاف القناة ومضمونها.

فإذا كانت القناة اجتماعية فالواجب عرض ما يناسب جميع أفراد المجتمع وجميع الأعمار: كالأخبار والمسلسلات والأغاني والرسوم المتحرّكة والأفلام وغيرها بل وحتى البرامج الدينية ... ولذلك لا تستغرب إذا شاهدت برنامجا دينياً يعقبه فلم عن حياة راقصة وقصّة شاذ مليء بمشاهد العهر تتوسّطه عشرة إعلانات تجارية تعرض كلّ خمس دقائق ثمّ يتبعُ الفلم بإعلان عن وقت صلاة العشاء !! وهكذا.

وإذا كانت القناة إخبارية فالواجب عرض آخر الأخبار الساخنة ساعة وقوعها مع ضرورة تزيين الشاشة بعبارة (خبر عاجل) أسفلها وكلمة (حصري) أعلاها مع شريط أسفل الشاشة لآخر الأخبار ولا تنسى العبارات الرنانة والساخنة من مثل عبارة: (معنا على المباشر من مدينة كذا مراسلنا فلان الفلاني) وإن استدعى الأمر أن يُستضاف بعض رؤوس الفتنة والزنادقة والكذّابين والمنافقين للتحليل والنّقاش والتنظير والتّقرير في مصير الأمّة فلا حرج أبداً ما دام ذلك سيضمن المزيد من المشاهدين.

وإذا كانت القناة إسلامية فالواجب جلب المشايخ الذين يتأثّر بهم الجمهور أو بالأحرى يغترّ بهم الجهمور.
وحتى يحبّهم من لا يعرفهم من الجمهور فالواجب تلميعهم وإظهارهم في صورة علماء الأمّة وفقهائها ومحدّثيها. المهمّ أن نضمن كثرة الاتصالات والاستفسارات وكثرة المشاهدة.

والأدهى من ذلك أن يتمّ هذا الأمر بعلم المشايخ بل بأمر منهم كما نعلم ذلك علم اليقين !! وما دام دخل الشيخ بالدولار مضموناً حيث يزيد صافي دخل محمّد حسّان الشهري وحدهُ على قناة النّاس فقط 10 آلاف دولار أمريكي !!! أي ما يقارب مليون دينار جزائري (=100 مليون سنتيم) وصافي دخل محمّد حسين يعقوب شهرياً على نفس القناة 50 ألف جنيه مصري !!! كما ذكر ذلك زميلهما في الغيّ الدكتور محمود عبد الرزّاق الرضواني حينما منعاه من الظهور معهما على نفس القناة = اقتسام الغلّة معهما.

بل لقد ذكر هذا الأخير –والعهدة عليه- أنّ سبب اعتزال محمّد حسّان ومحمّد حسين يعقوب لقناة النّاس كان عدم رضا هذان الشيخان بهذا الأجر الزهيد !!! كيف لا والمشايخ هم السبب في بقاء القناة التي تكسب الملايين من الدولارات؟!
وقل نفس الشيء عن عمرو خالد وعمر عبد الكافي وخالد الجندي وخالد عبد الله ومحمود المصري وطارق السويدان والقائمة طويلة... !!

ولك أن تبحث في موقع الجوجل (google images) عن منازل المشايخ المذكورين آنفاً = مشايخ الفضائيات لتشاهد أين يعيش هؤلاء المشايخ الزهّاد العبّاد !! ولك أن تشاهد قصر القرضاوي في قطر وقصر عائض القرني في الرياض وقصر سلمان العودة ومحمّد حسّان وسياراتهم الفخمة !!([1]

فلإن أجاز هؤلاء المشايخ لأنفسهم ولأذنابهم التعرّض للحكّام والتعريض بهم وبسمعتهم وسؤالهم: من أين لكم هذا ؟!
فهل يجيزون لنا أن نطرح عليهم نفس السؤال: من أين لكم هذا يا مشايخ الفضائيات ؟!

فلا تعجب إذاً إذا قرأت على قناة الحكمة تحت صورة الحويني (المحدّث العلامة الإمام) !! وتحت صورة محمّد بن عبد المقصود (العلامة الفقيه) !! وقل كذالك في محمّد حسّان ودموعه الزائفة وبكاءه المصطنع ومواقفه المتدبدبة قبل الثورة وبعدها من طاعة ولاة الأمور وحكم المظاهرات والغناء والحكم على الشيعة الراوافض وغيرها من الموبقات.

وكذا الأمر بالنّسبة إلى ابن خالته الكذّاب محمّد بن عبد الملك الزغبي وكذباته غير المحدودة والتي بلغت عنان السماء ورؤيته اليومية للأنبياء والمرسلين حسب الطلب ! ورؤياه للصحابة والتابعين ... وفتاويه المضحكة وتلوّنه العجيب بألوان الطيف السبعة فهو بالأمس القريب يجهر بولائه لحسني مبارك واليوم يقول فيه (إنّ عقوبة الإعدام أقل ما يستحقّه وأنّ فرعون أشرف منه بكثير !!) وبالأمس يحاضر عند معمّر القذّافي ويثني عليه ثناءً مبالغٌ فيه واليوم يصفه بنقيض ذلك تماماً !! حتى صار أضحوكة المجالس !! والله المستعان.

ومثله يقال في العريفي ومواقفه الجمبازية من القذّافي وغيره من الحكّام. وسلمان العودة وكذبه المتكرر على ابن باز وغيره من العلماء وتلوّنه العجيب فهو بالأمس يزور تونس ويثني على حاكمها ونظامها !! بل ويقدّم النّصح لمساجين ليبيا كي يتركوا فكرة الخروج على القذّافي ويثني على هذا الأخير وعلى ابنائه !!

وعائض القرني وكيف كان بالأمس القريب يغالي في مدح علي عبد الله صالح ثمّ بعد الإطاحة به صار يسخر منه في المجالس ويألّف في ذمّه أبياتاً من الشّعر ليُضحك بها السفهاء من أمثاله !! وصفوت حجازي وكيف كان يُظهر لأجهزة أمن الدولة بغضه للأحزاب وجماعة الإخوان المجرمين ثمّ هو اليوم قائد من قوّاد الثورة ومن أكثر النّاس حماساً لوصول الإخوان المجرمين إلى الحكم. وصوَرُهُ مع الحكّام (القذّافي وصالح وغيرهما) إلى اليوم موجودة على الشبكة !!

وياسر برهامي وصورته التذكارية مع البابا !!

وأسامة القوصي وحضوره المهرجانات السينمائية وإفتائه بحلّ مشاهدة الأفلام التي تحوي مشاهد جنسية إباحية !!

وصورته التذكارية مع الفنانات !!

كلّ هذا مسجّلٌ لدينا وموثّقٌ ونملك الأدلّة عليه !!

كلّ هذا إرضاءً للجمهور وطمعاً في ما في أيدي النّاس فتُعساً للدّرهم وللدّينار وتَعس عبّاد الدّرهم وتعس عبّاد الدينار وتعست أعمالهم وخابت نواياهم.

أخوكم الغريب
5 صفر, 1434
18/12/2012 للميلاد .

منقول من متدى التصفية و التربية

---

_{[1] : و لك أن تبحث في نفس الموقع عن صورة لمنزل الشيخ رسلان لترى الفرق ، و ابحث و سترى القرضاوي جالس مع اليهود و الشيخ رسلان في مسجده يدعو إلى الله (بلال الجزائري)}

جزاك الله خيرا على هذا النقل الطيب وجزى الله خيرا الكاتب ، ولكن أحببت أن أنبه على مسألة مهمة وردت في المقال منسوبة إلى كتاب الإصلاح ، وهي قوله : (( وقد حكى التنزيل ..)) فهذه مسألة عقدية خطيرة وهي نسبة الحكاية إلى التنزيل مما يشعر أن التنزيل هو الذي يحكي مما يشعر أنه مخلوق ، ولذا أنبه إلى أنه لا ينبغي القرآن كلام الله بأنه يحكي كما لا ينبغي وصف الله تعالى بأنه يحكي ليفهم منه أن كلامه مجرد حكايات يمكن أن تأخذ بعين الاعتبار، كما يرد في كلام كثير من الوعاظ والخطباء والمؤلفين ، فكلام الله تعالى ليس بحكاية ، إنما هو قوله وكلامه غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود فلا نصف القرآن الكريم بأنه يحكي ، أو حكاية ،ولا نصف الله تعالى إلا بما وصف به نسفه ، وأن نسبة الحكاية إلى الله هو قول بعض المتكلمين من أشاعرة وغيرهم ... نسأل الله تعالى أن يبصرنا بالحق ، ويجنبنا الباطل والسموم التي تدس في الحق المزين بها .
تنبيه :
أرجو أن تنقل هذه الملاحظة حيث نشرت المقال . وفقك الله

جزاك الله خيرا شيخنا الفاضل على هذا التنبيه و نسأل الله أن يتجاوز عنى هذا الخطأ كما نسالأه أن يرزقنا العلم النافع و العمل الصالح و بارك الله فيك شيخنا على ما تقدمه لنا

بارك الله فيكم

و فيك بارك أخي