المدخلية والجامية فرية إخوانية
الـبـيـان قبـل وصول الإخوان ( 7 )
المدخلية والجامية فرية إخوانية
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد :
فأهل الأهواء والبدع أقوام ضربت عليهمُ الذلة ولو مُكنوا لمسخوا الملة ، ولهذا سهام أهل السنة والأثر لهم بالمرصاد ، وهي سهام ما تذرُ من أصول أهل البدع شيئاً أتت عليه إلا جعلته كالرميم .
وللمبتدعة حيل وطرق لصد هذه السهام أو لتفاديها .
فتراهم تارة يُحدثون شعارات عريضة ، وعبارات موهمة ، يبثونها في الناس كأنها قول مأثور ، والعمل بها تمسك بصُلب الدين ، وغرضهم الأوحد منها : دفاع عوام المسلمين عنهم وعن بدعهم بهذه العبارات والشعارات من غير تفكير ولا روية .
ومن تلك الشعارات والعبارات قولهم :
" إذا حَكمْتَ حُوكمت ، و إذا دعوتَ أُجِرت " .
وقولهم : " نُصحح ولا نُجرح " .
وقولهم : " نبني ولا نهدم " .
وقولهم : " لمصلحة من إسقاط الرموز ؟!! " .
وبالطبع القاعدة الذهبية الماسونية الإخوانية : " نجتمع فيما اتفقنا علية ، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ".
فهذه حيلة ، ولهم حيل أخرى منها :
إلصاق أهل السنة الخُلصّ باسم شخص سوى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ ليظُن السامع أن هؤلاء جماعة يتحمسون لقول شيخهم ، ويقاتلون على شخصه كسائر الفرق الضالة ، وقديماً قالوا عن أهل السنة : " حنابلة " نسبة للإمام أحمد ، وقالوا عنهم : " بربهارية " نسبة للإمام البربهاري ـ صاحب شرح السنة ـ ، وقالوا : " وهابية " نسبة للإمام المُجدد محمد بن عبد الوهاب ـ رحم الله الجميع ـ .
ومن حيلهم أيضا : إحياء بدعة عقائدية يتناولونها بالتأليف والتصنيف حتى يُقال : ومن أعلم الناس منهم بها ؛ ثم يبدؤون رمي أهل السنة بهذه البدعة .
ومن أشهر الأمثلة على ذلك في العصر الحديث رميهم أهل الحديث والأثر ببدعة الإرجاء .
فقد انبعث أشقاهم المدعو : " محمد قطب" ـ مُنظر جماعة الإخوان المسلمين المعروف ـ بتناول بدعة الإرجاء بالتصنيف والتأليف ، وأزاح عنها غبار الزمان ليحييها مرة أخرى ، كما تجده في كتبه : الصحوة الإسلامية ، والتفسير الإسلامي للتاريخ ، وواقعنا المُعاصر .
ولم يكتفي بهذا بل وسوس لأحد طلابه ممن له قبول في العالم السني السلفي ـ وحاله يخفى على كثير من الخلق ـ فاخرج لنا كتابه المشهور : " ظاهرة الإرجاء " ، ثم كان أول سهم أطلقه القوم مُلطخ بتهمة الإرجاء من نصيب شيخ المُحدثين في العصر الحديث العلامة : ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ ؛ وللأسف الشديد كان لهم ما أرادوا ، واشتهرت هذه الفرية بأن الشيخ ناصر يميل للإرجاء ، حتى وصل الأمر إلى أن سُئل عن هذا فقيه الزمان العلامة العثيمين ـ رحمه الله ـ فرد بمقولته المشهورة : " قائل هذا الكلام أما أنه لا يعرف الإرجاء ، وأما أنه لا يعرف الألباني !! ".
قلت : ورمي المبتدعة أهل السنة والأثر بالبدعة من أجل تنفير الناس عنهم سنة قديمة .
قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي : سمعت أبي يقول : " وعلامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر , وعلامة الزنادقة تسميتهم أهل السنة حشوية يريدون إبطال الآثار . وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة , وعلامة القدرية تسميتهم أهل الأثر مجبرة . وعلامة المرجئة تسميتهم أهل السنة مخالفةً ونُقْصَانَيةً. وعلامة الرافضة تسميتهم أهل السنة ناصبة . ولا يلحق أهل السنة إلا اسم واحد ويستحيل أن تجمعهم هذه الأسماء " . أهـ شرح أصول الاعتقاد للالكائي .
قلت : وعلة ذلك أن المبتدع يَنقم على أهل السنة أنهم على السنة ، لأن وجود الشريف وسط اللصوص يفضحهم ، كما أن وجود العفيفة وسط البغايا يفضحهن .. وقد أثر عن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ أنه قال: " ودت الزانية لو زنت النساء جميعاً ".
فالمبتدعة يرمون أهل السنة بالبدعة حتى تتساوى الرؤوس .. وهيهات .. فلسّنّة نور و هيبة يُحسد عليها صاحبها ؛ وكأن للمبتدعة نصيب في قوله الله تعالى : { وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ... } [ البقرة : 109 ] .
وتُعد فرقة الإخوان المسلمين ـ ومن لف لفها ـ صاحبة الراية في العصر الحديث في نبز أهل الحديث والأثر بالفظائع ..
فتارة يصفونهم : بالجمود والرجعية .. أو أنهم يسكنون كوكب أخر !.
وأخرى : أنهم علماء حيض ونفاس .
ولهم في ذلك سلف ، ولكل قومٍ وارث .
ففي الاعتصام للشاطبي ( 2 / 239 ) : " عن إسماعيل بن علية قال : حدثني اليسع قال : تكلم واصل بن عطاء يوماً ـ يعني : المعتزلي ـ فقال عمرو بن عبيد : ألا تسمعون ؟! ما كلام الحسن وابن سرين ـ عندما تسمعون ـ إلا خرقة ملقاة !!
وروي َ أن زعيماً من زعماء أهل البدعة كان يريد تفضيل الكلام على الفقه ، فكان يقول : إن علم الشافعي وإبي حنيفة جملته لا يخرج عن سراويل امرأة !!
قال الشاطبي : " هذا كلام هؤلاء الزائغين ، قاتلهم الله ".
قلت : وقد تسرب من مفردات المبتدعة في زماننا وأصبح على لسان العوام قولهم على أهل السنة الخُلص : أنهم " جامية " نسبة للشيخ المُحَدث : محمد أمان الجامي ـ المدرس بقسم الحديث بالجامعة الإسلامية ـ رحمه الله ـ ، أو " مداخلة " نسبة للشيخ المُحَدث : ربيع بن هادي المَدخلي ـ رئيس قسم السنة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية سابقاً ـ .
وأكد دليل على أن هذه فرية إخوانية ، وحيلة شيطانية بثها القوم بين الناس من أجل تنفير الناس عن علم الشيخين ومن سار على ضربهم ، من أجل غرضهم الذي بيناه أنفاً وهو : أن يتقوا سهام هؤلاء العلماء التي لا تذر مبتدع ضال إلا وأصابته .
إن للشيخين جهدٌ معلوم في التحذير من أهل البدع من حركيين ، وحزبيين ، وغيرهم ، فضلاً عن اهتمامهما ببسط مسائل الاعتقاد شرحاً وتأليفاً ، وهذا من أشد الأمور على المبتدعة ، لأن الناس لو ظهرت فيهم السنة ماتت فيهم البدعة ، وهؤلاء المبتدعة كالطفيليات لا تعيش إلا على غيرها . فلو تتداوى الناس بالسنة لتعافوا من البدعة ، ولماتت البدعة وأهلها ، فالمسألة قضية حياة أو موت .
والذي يؤكد أن الطعن في الشيخين من نهج المبتدعة ، أننا لا نعلم ذكر للشيخين عند أكابر أهل السنة إلا بأطيب ثناء .
قال العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ : " إن حامل راية الجرح والتعديل اليوم في العصر الحاضر ، وبحق : هو أخونا الدكتور ربيع ؛ والذين يردُّن عليه لا يردون عليه بعلم أبداً ، والعلم معه ..." أهـ .
من شريط بعنوان الموازنات برقم : ( 86 ) من تسجيلات طيبة بالمدينة النبوية
وقال العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ : " وإخواننا المشايخ المعروفون في المدينة ليس عندنا فيهم شك ، هم أهل العقيدة الطيبة ، ومن أهل السنة والجماعة ، مثل الشيخ مُحمد أمان بن علي ، ومثل الشيخ ربيع بن هادي ، أو مثل الشيخ صالح بن سعد السحيمي ، ومثل الشيخ فالح بن نافع ، ومثل الشيخ محمد بن هادي ، كلهم معرفون لدينا بالاستقامة والعلم والعقيدة الطيبة ..." أهـ .
من شريط توضيح البيان
قلت : ولعل قائل يزعم أن هذا الكلام متقدم ولعله قد تغيير حال الشيخان ، فنقول : انظر غير مأمور إلى عامة كتب ومؤلفات الشيخ ربيع المتأخرة فستجدها من تقديم العلامة الفوزان ـ حفظه الله ـ وهذا معناه : أن الشيخ مُقر بما فيها ، وموافق لمنهج المؤلف .
أما بالنسبة للشيخ محمد أمان الجامي ـ رحمه الله ـ :
فقد قال الشيخ عبدالعزيز بن باز ـ رحمه الله ـ :
الشيخ محمد أمان : معروفٌ لديَّ بالعلم والفضل وحسن العقيدة ، والنشاط في الدعوة إلى الله سبحانه والتحذير من البدع والخرافات ، غفر الله له وأسكنه فسيح جناته ، وأصلح ذريته وجمعنا وإياكم وإياه في دار كرامته إنه سميع قريب). ـ رقم 64 في 9 /1 /1418هـ
وقال فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان:
الشيخ محمد أمان كما عرفته : إن المتعلمين وحملة الشهادات العليا المتنوعة كثيرون, ولكن قليلٌ منهم من يستفيد من علمه ويستفاد منه ، والشيخ محمد أمان الجامي هو من تلك القلة النادرة من العلماء الذين سخَّروا علمهم وجهدهم في نفع المسلمين وتوجيههم بالدعوة إلى الله على بصيرة من خلال تدريسه في الجامعة الإسلامية وفي المسجد النبوي الشريف وفي جولاته في الأقطار الإسلامية الخارجية وتجواله في المملكة لإلقاء الدروس والمحاضرات في مختلف المناطق يدعو إلى التوحيد وينشر العقيدة الصحيحة ويوجِّه شباب الأمة إلى منهج السلف الصالح ويحذِّرهم من المبادئ الهدامة والدعوات المضللة. ومن لم يعرفه شخصياً فليعرفه من خلال كتبه المفيدة وأشرطته العديدة التي تتضمن فيض ما يحمله من علم غزير ونفع كثير }.
في كتابه المؤرخ 3 /3 /1418هـ
وقال فضيلة الشيخ عبدالمحسن بن حمد العباد ـ حفظه الله ـ :
عرفتُ الشيخ محمد أمان بن علي الجامي طالباً في معهد الرياض العلمي ثم مدرِّساً بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في المرحلة الثانوية ثم في المرحلة الجامعية. عرفته حسن العقيدة سليم الاتجاه، وله عناية في بيان العقيدة على مذهب السلف، و التحذير من البدع وذلك في دروسه و محاضراته و كتاباته غفر الله له و رحمه و أجزل له المثوبة .أهـ
قلت : ويتبقى أمر يتعلق به القوم ، وهو قولهم : أن هؤلاء المشايخ خلطوا بين الجرح والتعديل الذي هو في رواة الحديث ، وبين التحذير والتنبيه من بعض طلبة العلم .
فنقول : أن هذا قصور في الفهم ، وخلط للأمور ، لأن أهل العلم أتفقوا على وجوب الرد على المخالف ؛ والتحذير من كل مخالف للسنة يدخل في جرح أئمة الحديث ، الم تروا رد الإمام أحمد على الجهمية ؟! ، وكتب الإمام الدارمي في الرد على بشر المريسي ، وما اشتهر شيخ الإسلام ابن تيمية إلا بالرد على أهل البدعة ، وحتى من يُفتي بغير علم ، بل كان شديد الإنكار عليهم .
يقول ابن القيم في إعلام الموقعين ( 4 / 217 ) :
" كان شيخنا أي : ابن تيمية ، شديد الإنكار على هؤلاء فسمعته يقول : قال لي بعض هؤلاء : أجعلت مُحتسباً على الفتوى ؟ فقلت له : يكون على الخبازين والطباخين مُحتسب ، ولا يكون على الفتوى مُحتسب ؟! ".
وقد بين الإمام ابن بطة في ( الشرح و الإبانة صـ 348 ) الحكمة من وجوب الرد على المُخالف فقال :
" أنا أذكر طرفاً من أسمائهم و شيئاً من صفاتهم ؛ لأن لهم كتباً قد انتشرت و مقالات قد ظهرت ، لا يعرفها الغرّ من الناس و لا النشء من الأحداث ، تخفى معانيها على أكثر من يقرؤها ..
فلعل الحدث يقع إليه الكتاب لرجل من أهل هذه المقالات قد ابتدأ الكتاب بحمد الله والثناء عليه والإطناب في الصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم أتبع ذلك بدقيق كفره وخفي اختراعه وشرّه ، فيظن الحدث الذي لا علم له والأعجمي الغمر من الناس أن الواضع لذلك الكتاب عالم من العلماء أو فقيه من الفقهاء ، ولعله يعتقد في هذه ما يراه فيها عبدة الأوثان ومن بارز الله ووالى الشيطان " . اهـ .
قلت : ولم يؤثر قط عن السلف أنه كان يُنهى عن الرجل من أهل السنة ، ولكن الذي كان يُمنع من مجالسته ، ويُنهى عن الاستماع إليه هو المبتدع ، وعليه : يلزم من يُحذر من الشيخين أن يُظهر لنا من كتبهما أو من كلامهما مسألة يكونا خالفا فيها السنة و فهم السلف ، فيحذر منهما بسببها ؛ والا تكون الثانية : وهي أن الذي يُحذر من الشيخين ومن سار على ضربهما فيه ما يُخشى أن يُفضح بكلامهما .
وهذا إن ـ شاء الله ـ هو الحق ، فإنه إذا حقت الحقائق ، وابتلي المؤمنون ، تميز النفيس من الخسيس ، وبان من هو على السنة والطاعة حريص ، ممن هو في الصف دسيس .
والله هو المسئول أن يرزقنا الهُدىَ المستقيم و الدين القويم ، وان يُسلمنا من الهوى والفهم العقيم ، والسعيد هو : من شرح الله صدره لما شرح له صدور سلف هذه الأمة .
والله وحده هو الهادي والموفق للصواب .
وصلى الله على محمد وعلى اله وصحبه وسلم .
جمع وترتيب
أبو صهيب وليد بن سعد
الاثنين 16/شوال/1433هـ
3 / 9 / 2012