بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ في (السير)(6/ 495)
قَالَ الأَثْرَمُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ فَقَالَ: هُوَ حَسَنُ الحَدِيْثِ ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَذَكَرَهُ فَقَالَ: دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ.
قَالَ الخَطِيْبُ: ذَكرَ بَعْضُهُم: أَنَّ مَالِكاً عَابَه جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العِلْمِ فِي زَمَانِهِ بِإِطلاَقِ لِسَانِه فِي قَوْمٍ مَعْرُوْفِيْنَ بِالصَّلاَحِ، وَالدِّيَانَةِ، وَالثِّقَةِ، وَالأَمَانَةِ.
قُلْتُ ( الذهبي ) : كَلاَّ مَا عَابَهُم إلَّا وَهُم عِنْدَهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، وَهُوَ مُثَابٌ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ أَخْطَأَ اجْتِهَادُه رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ." ا.هـ
قلت ( بشير) : فكيف إذا كان قد أصاب إمام من أئمة الجرح والتعديل في جرحه لأهل البدع والحزبية وأقام الأدلة الساطعة والبراهين القاطعة على فسادهم وانحرافهم وختم على تصويبه وأحقيته علماء السنة والحديث أهل عصره ومصره فيما انتقده على أولئك المخالفين الهالكين كما هو شأن المحدث الناقد المجاهد المبجل ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ورعاه ـ في نقده لأولئك المخالفين وموافقة العلماء له في نقده لهم .
ثم تعجب أن يأتي بعد ذلك من يشغب ويكذب ويتلاعب بعقول شباب الأمة ، ويقول : إن الشيخ ربيعا المدخلي قد عاب خيار الأمة ولم يوافقه علماء السنة على ذلك ، وأصل هذه التشغيبة هي في أناس من المخالفين لمنهج أهل السنة والجماعة قد جرحهم الشيخ ربيع المدخلي وغيره من علماء السنة ممن وقف على أخطائهم ومخالفاتهم ، وأثنى أو سكت عنهم غيرهم ممن لم يخبر حالهم ويقف على أقوالهم ، فيأتي أهل التشغيب والتشويش والتلبيس فيوهمون الأمة أن علماء السنة مختلفون في هؤلاء الأشخاص ، وما سبب اختلافهم إلا أن المسائل التي وقع فيها الاختلاف في تخطئة هؤلاء الأشخاص هي من قبيل المسائل الاجتهادية !!
وهذا منهم من التلبيس واللعب على الأمة والكذب على العلماء وكتمان الحق الذي هو من أظهر علاماتهم البادية الظاهرة عليهم لحماية الباطل وأهله .
وإلا فهذه التشغيبة لو أرجعناها إلى أصول العلم لتهاوت على أم رأسها وانكشفت وظهر عوارها .
وذلك أنه ما من رجل مثلوا به في التقرير هذه البدعة المحدثة والتشغيبة المكشوفة إلا وقد بانت حزبيته وذاعت وانكشفت وتكلم فيه من كان يثني عليه أو ساكتا عنه ردحا من الزمان، وحكم بأحقية وصحة ردود الشيخ ربيع المدخلي عليه ، من أمثال عبدالرحمن عبدالخالق وسلمان العودة وسفر الحوالي وعدنان عرعور والمغراوي والمأربي وفالح الحربي والحلبي وغيرهم .
وإذا كان كذلك فما فائدة من تشبثهم بأقوال وأحكام قد رجع عنها أهلها وقالوا بخلافها ونقضوها بأقوال وأحكام جديدة، إلا أن يكون هذا منهم من حيلهم الخبيثة وأساليبهم الشيطانية التي يسلكها أهل الفساد والضلال في كل زمان ومكان لإنفاذ باطلهم في المجتمعات المسلمة
قال الشيخ حمد بن إبراهيم العثمان في ( الصوارف عن الحق)(ص 138 ـ 139)
(( التعلق بالنصوص المنسوخة والأقوال التي نزع عنها أصحابها :
ومن حيل أهل الباطل أنهم يعارضون النصوص المحكمة بالنصوص المنسوخة ، وكذلك يعتزون إلى أقوال هجرها وتركها أصحابها لما تبين لهم ضعفها ، فيذكرونها للناس على أنها أقوال مستقرة لأولئك العلماء ...
قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في (فتح الباري)(1/ 388) :" والمخالف يشغب بذكر الأحاديث التي رجع عنها رواتها، ويقول: هي صحيحة الأسانيد، وربما يقول: هي أصح إسناداً مِن الأحاديث المخالفة لها.
ومن هنا: كره طوائف مِن العلماء ذكر مثل هَذهِ الأحاديث والتحديث بها؛ لأنها تورث الشبهة في نفوس كثير مِن الناس. " )) ا.هـ
واعلم يا أيها القارئ الكريم أن تسليك هذا المنهج الخبيث والسكوت عنه يؤول أمره إلى هدم كتب الجرح والتعديل التي اعتنت ببيان أحوال الرواة وينسف أحكام أئمة الحديث والسنةقديما وحديثا في أهل البدع والضعفاء والمتروكين ويضمن لهم البقاء والهيمنة والحماية .
فعلى قاعدتهم الخبيثة لا يتجرأ أحدا أن يتكلم في المارق الخارجي عبدالرحمن بن ملجم لأنه قيل أنّ عُمَر كتب إِلَى عَمْرو بْن العاص: أنْ قَرّبْ دار عَبْد الرَّحْمَن بْن مُلْجم من المسجد ليُعَلِّم النّاس القرآن والفقه، فوسَّع له مكان داره . ([1]) ولا أن يتكلم في المعتزلي عمرو بن عبيد لأن الإمام الحسن قال فيه : " هذا سيد شباب أهل البصرة إن لم يحدث."([2]) ، ولا في غيرهما من رؤوس أهل البدع والضلال الذين لهم بعض الثناءات من أئمة أهل السنة والجماعة . وبهذا العمل نقضي وننسف على (باب تعارض الجرح والتعديل وضوابطه) ، ونغلق علم الجرح والتعديل ودفن أصوله ونعطل شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر !!
ونترك أهل البدع والكذبة والمجرمين والمفسدين يفعلون ما يشاؤون ويخربون كيف يشاؤون ، لأن هذه القواعد المميعة المحدثة الجديدة قد ضمنت لهم الحماية والعصمة والنجاة ، والله المستعان .
والحمد لله رب العالمين .
فائدة كتبها ونبه عليها أخوكم في الله : بشير بن سلة الجزائري
([1]) (تاريخ الإسلام )(2/ 373)
([2]) (تهذيب الكمال )(22/ 128)