في الاصطياد بدون ترخيص للشيخ أبي عبد المعز محمد علي فركوس -حفظه الله-
الفتوى رقم: 1128
الصنف: الأشربة والأطعمة - الأطعمة
في الاصطياد بدون ترخيص
السـؤال:
إنَّ الحاكم عندنا وضع قوانين تمنع صيد الغزال وظبي الصحراء، وعندنا بعض الناس يخالفون هذا الأمر، وبعضهم يصطادونهما من أجل التمتُّع، والبعض الآخر من أجل القوت، والصيد يكون بكميَّةٍ قليلةٍ أو كبيرةٍ أحيانًا، ووقع بعض الشباب من أهل السنَّة في هذا الأمر، وهذا الصيد يترتَّب عليه ضررٌ عظيمٌ ومنه: السجن وحلق اللحى وغرامةٌ ماليةٌ، وبعضهم يصطادون بأسلحةٍ غير مرخَّصةٍ، وهذا قد يسبِّب مشاكل مع الأمن.
لهذا نرجو من فضيلتكم أن توضِّحوا لنا الحكم الشرعي في هذه المسألة وتقديم نصيحةٍ للشباب من أهل السنَّة الذين وقعوا في هذا الأمر، وهل يدخل في الحكم قطعُ الأشجار من الغابات؟
وجزاكم الله كلَّ الخير.
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فاصطياد الحيوان الحلال المتوحِّش بطبعه غيرِ المقدور عليه إلاَّ بالاقتناص مباحٌ شرعًا إذا كان الاصطياد لحاجة الأكل والانتفاع، ويدلُّ عليه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: 2]، وقولُه تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ﴾ [المائدة: 4]، وقولُه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ، وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ فَكُلْ»(٢).
أمَّا إذا كان اصطياده هوايةً وتمتُّعًا من غير حاجةٍ تدفعه إلى صيده، فإذا صاد تخلَّى عنه؛ فحكمُه عدم الجواز، لأنه عبثٌ بنِعَمِ الله وإضاعةٌ للمجهود باللهو واللعب فضلاً عن إضاعة الوقت والمال.
فإن كان الصائد -في تتبُّع صيده- يعتدي على أملاك الناس بالدخول في حقولهم ومزارعهم، وينتهك حرمتهم ويُزعجهم ويشوِّش على راحتهم؛ فإنَّ اصطياده بهذا الأسلوب يَحْرُم ولو كان للحاجة إلى الأكل والانتفاع، لِما فيه من مفسدة إذاية المسلمين في مالهم وعرضهم، لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ»(٤)، والمعلوم -تقعيدًا- أنَّ «الوَسَائِلَ لَهَا حُكْمُ المَقَاصِدِ» ﻓ«كُلُّ مَا أَدَّى إِلَى حَرَامٍ فَهُوَ حَرَامٌ».
هذا، وإذا تقرَّرت الإباحة الشرعية عند انتفاء موانع الاصطياد؛ فإنَّ وليَّ الأمر (الحاكمَ)، وإن كان لا يملك -شرعًا- المنعَ من المباح أو إيجابَ فعله على وجه التشريع العامِّ، لأنه بذلك التصرُّف ينافي شرْعَ الله تعالى، وذلك غير مأذونٍ فيه لقوله تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ﴾ [الشورى: 21]، وقولِه تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ﴾ [يونس: 59]، إلاَّ أنَّ لوليِّ الأمر الحقَّ في تقييد بعض أفراد المباح بالمنع أو الإلزام إذا اقتضت المصلحة العامَّة ذلك، ويتمُّ التقييد في حالاتٍ استثنائيةٍ مخصوصةٍ، وذلك بغرض تحقيق مقصدٍ شرعيٍّ -من وراء تقييد المباح- يرمي إليه الحاكم بهذا التصرُّف، إذ إنَّ من وظائف وليِّ الأمر وسلطاتِه مراعاةَ مصالحِ المسلمين العامَّةِ، ومنْعَ ما يلحق بمجتمعهم من مفاسدَ وأضرارٍ.
غيرَ أنَّ تقييد المباح المخوَّلَ لوليِّ الأمر ينضبط بشرطين هامَّين:
أحدهما: أن يكون الفعل المباح يجرُّ ضررًا أو يؤدِّي إلى حرامٍ، فيمنعه الحاكم سدًّا لذريعة المحرَّم وعملاً بقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ»(٦). غيرَ أنَّ إثم مخالفته لا يؤثِّر في إباحة صيده لانتفاء موجِب التحريم، وقد اتَّفق العلماء على أنَّ ما صاده الإنسان من حيوانٍ فإنه يملكه، سواءً أذن الإمام أو لم يأذن، وسواءً كان الحيوان برِّيًّا أو بحريًّا(٨)، غيرَ أنَّ من خَشِيَ مِن تصرُّفِه بفعل المباح أن يوقعه في المهالك أو يجرَّه إلى متابعاتٍ قضائيةٍ تحطُّ من عزَّته الدينية فإنَّ المسلم مطالَبٌ بتجنُّب أسبابِ الذلَّة وتحقيق أسباب العزَّة الدينية.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.
الجزائر في: 19 ربيع الأوَّل 1433ﻫ
الموافق ﻟ: 11 فـبرايـر 2012م
١- أخرجه مسلم في «الصيد والذبائح» (1929)، من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه، وانظر البخاري في «الوضوء» باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان (175) من حديث عدي بن حاتم أيضًا.
٢- انظر: «المغني» لابن قدامة (8/ 539)، «شرح مسلم» للنووي (13/ 73).
٣- أخرجه البخاري في «الإيمان» بَاب المسْلِم مَن سلِم المسْلِمون مِن لِسَانِه ويدِه (10)، ومسلم في «الإيمان» (40)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
٤- أخرجه مسلم في «البر والصلة والآداب» (2564)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
٥- أخرجه ابن ماجه في «الأحكام» باب من بنى في حقه ما يضر بجاره (2430)، وأحمد (37/ 438)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه. قال النووي في الحديث رقم (32) من «الأربعين النووية»: «وله طرق يَقْوى بعضُها ببَعض»، وقال ابن رجب في «جامع العلوم والحكم» (378): «وهو كما قال»، وصححه الألباني في «الإرواء» (896). وفي السلسلة الصحيحة (250).
٦- انظر: «الفروع» لابن مفلح (7/ 302).
٧- انظر: «موسوعة الإجماع» لأبي جيب (2/ 689).
٨- انظر: «المغني» لابن قدامة (8/ 539).
المصدر : موقع الشيخ علي فركوس -حفظه الله-