بهجة التحديث بأحكام العلاّمة ربيع على الأحاديث - الحلقة الأولى -

بسم الله الرحمن الرحيم

بهجة التحديث بأحكام العلاّمة ربيع على الأحاديث
- الحلقة الأولى -

طلبُ الحديث في هذا الزّمان أفضل من سائر أنواع التطوّع لأجل دروس السّنن وخمولها وظهور البدع واستعلاء أهلها

الخطيب البغدادي

فما الذي نقوله اليوم ؟!!

المقدّمة :
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين , وعلى آله الأطهار, وصحابته الأخيار, ثم أما بعد :
فهذا جمع -آمل- أن يكون مفيدا في بابه, جمعت فيه ما قدّر لي من أحكام على أخبار وآثار، جادت بها قريحة الإمام العلامة المحدّث ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-،جمعتها بجهد مهزوز, من ثنايا مصنفات الشيخ -حفظه الله-،فقدر الباري أن تخرج هذه الحلقة الأولى والتي أقدّمها خدمة للعلم وأهله, والله أسأل التوفيق والسداد

سبب الكتابة :
من أهمّ الأسباب التي دفعتني لجمع هذا البحث :
أولا : خدمة دين الله الحنيف
ثانيا : المساهمة في إثراء الساحة الحديثية
ثالثا : نشر علم الإمام الهمام ربيع السنة, وهذا من أعظم ما يخدم به العالم
رابعا : إسكات الحاقدين على علمائنا !
خامسا: وفاء لشيخنا, وردّا لبعض حقوقه عليّ .

أهميّة الموضوع :
إنّ أهميّة الكتابة في هذا الموضوع, تظهر عندما يتيقّن القارئ أنّ شيخنا الهمام ربيع -حفظه الله- من أماثل أهل الحديث, ومن الأفراد القلائل المحققين لفنونه في العصر الحديث! ولا نكارة على قائل ذلك ومعتقده البتّة ! حيث شهد على ما قرّرنا علماء العصر، وكلماتهم أشهر من نّار على علم .

المنهجيّة المتّبعة في البحث :
1 - حاولت جاهدا نقل نصّ الحديث أو الأثر, فإذا وُجد نصّ الحديث في كلام الشيخ أنقله كما هو, أمّا إذا ذُكر بالمعنى, فأحاول قدر الإمكان نقله من مصدره .
2 - أكتفي بالأهمّ من كلام الشيخ -حفظه الله- فأنقل ما يناسب وجازة البحث, إلا في حالات يسيرة يجد القارئ الكريم أنّي أنقل الكلام بطوله, وذلك لكبير فائدته, أو لضرورة سياقه
3 - لم أجد حاجة في نقل أقوال العلماء وأحكامهم على الأحاديث, ولم أشر إلى أيّ خلاف واقع في بعضها، تفاديا لإتعاب القارئ !
4 - رأيت أن أُخرج هذا البحث في صورة حلقات عديدة مختصرة، حتى لا تنفر نفس القارئ من الإطالة المملّة، وأقتصر في كل حلقة على ثلاثين من الأحاديث والآثار
5 - لم ألتزم في بحثي هذا نقل أحكام الشيخ -حفظه الله- على الأحاديث المرفوعة فحسب, وإنّما جعلت أحكام الشيخ هي أصل المبحث, سواء كانت على المرفوع أو الموقوف أوالمقطوع
6 - في بعض الأحيان ينقل الشيخ -حفظه الله- أحكام بعض العلماء أو حتى بعض المحققين على بعض الأحاديث، ويقرّهم ويوافقهم على أحكامهم،فرأيت أنه من اللائق نقل ذلك, مشيرا إليه في موضعه .

البداية في صلب البحث

1 - عن عروة بن الزبير أنه قال : ( أدركت زمن عثمان ـ رضي الله عنه ـ وما من نفسٍ مسلمة إلا ولها في مال الله حق ) .
2 - عن ابن سيرين قال : ( لم تكن الدراهم في زمان أرخص منها في زمان عثمان ـ رضي الله عنه ـ، إن كانت الجارية لتباع بوزنها، وإن الفرسَ ليبلغ خمسين ألفـًا مما يعطيهم )
قال الشيخ - حفظه الله - عن هذين الأثرين : (هذان الخبران ثابتان)
وقال عن الأثر الأول، أثر عروة بن الزبير: ( هذا السند جيّد ) (1)

3 - لما قدم أبو ذر على عثمان من الشام قال : ( يا أمير المؤمنين ! أتحسب أني من قوم ؟ والله ما أنا منهم، ولا أدركهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يرجعون إليه حتى يرجع السهمُ على فوقه، سيماهم التحليق؛ والله، لو أمرتني أن أقوم ما قعدت ما ملكتني رجلاي، ولو وثقتني بعرجون في قدمي ما حللته حتى تكون أنت الذي تحلني )
قال الشيخ - حفظه الله - : ( وهذا إسناد صحيح ) (2)

4 - عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ : ( أنه جاء يستأذن على عثمان بن عفان فأذن له وبيده عصاه، فقال عثمان : يا كعب! إن عبد الرحمن توفي وترك مالاً فما ترى فيه ؟، فقال : إن كان يصل فيه حق الله فلا بأس عليه، فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبـًا، وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (ما أحب لو أن لي هذا الجبل ذهبـًا أنفقه ويتقبل مني أذر خلفي منه ست أواق). أنشدك الله يا عثمان أسمعته ؟، ثلاث مرات، قال : نعم)
قال الشيخ - حفظه الله - : ( .. الحديث بهذا الإسناد ضعيف، لكن يقويه ما رواه ابن شبة من طريق عبد الله بن الصامت عن أبي ذر، وفيه قال :

5 - ودخل عليه وهو يقسم مال عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ بين ورثته، وعنده كعب، فأقبل عثمان ـ رضي الله عنه ـ فقال : يا أبا إسحاق! ما تقول في رجل جمع هذا المال, فكان يتصدّق منه في السبيل، ويصل الرحم ؟ فقال : إني لأرجو له (خيرًا)، فغضب أبو ذر، ورفع عليه العصى وقال : ما يدريك يا ابن اليهودية؟ ليودن صاحب هذا المال يوم القيامة أن لو كان عقارب تلسع السويداء من قبله ) (3)

6 - عن كريمة بنت المقداد : ( أن المقداد أوصى للحسن والحسين بستة وثلاثين ألفـًا، ولأمهات المؤمنين لكل واحدة بسبعة آلاف درهم).

7- وقال ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني موسى بن يعقوب عن عمته عن أمّها قالت : (بعنا طعمة المقداد التي أطعمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر خمسة عشر وسقـًا شعيرًا من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم) .
قال الشيخ -حفظه الله- عن الخبرين (6) و (7) : ( والروايتان كما ترى غير ثابتة؛ فالأولى لا إسناد لها، والثانية فيها الواقدي، وفيها عمة موسى وهي قريبة فيها جهالة) (4)

8 - قال علي - رضي الله عنه - : ( أيها الناس!... ألا لا يقولن رجال منكم غدًا ـ وقد غمرتكم الدنيا فامتلكوا العقار وفجّروا الأنهار واتخذوا الوصائف المرققة إذا منعتهم ما كانوا يخوضون فيه وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون : حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا، ألا وأيما رجل من المهاجرين والأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى أن الفضلَ له على سواه بصحبته فإن الفضلَ غدًا عند الله وثوابه وأجرُه على الله، ألا وأيما رجل استجاب لله ولرسوله، فصدّق ملتنا، ودخلَ ديننا، واستقبل قبلتنا فقد استوجب حقوق الإسلام وحدوده؛ فأنتم عباد الله، والمالُ مالُ الله يقسم بينكم بالسوية، ولا فضلَ لأحدٍ على أحد، وللمتقين عند الله أحسنُ الجزاء )
حكم عليها الشيخ - حفظه الله - بالوضع والكذب فقال - حفظه الله - : ( إنّ واضع هذه الخطبة مع كذبه فهو من أجهل الناس بتاريخ علي نفسه ) (5) وقال أيضا - حفظه الله - : ( إنّ مما يؤكد كذب هذه الخطبة ... ) (6)

9 - حديث : ( إياكم وذكر أصحابي وأصهاري وأختاني )
أقرّ الشيخ - حفظه الله - حكم المعلّق على الحديث وقال: : ( الحديث ضعيف ) (7)

10 - حديث : «ذروا أصحابي لا تقولوا فيهم إلا خيرا»
قال - حفظه الله - : ( ضعيف .. بهذا اللفظ، هو ضعيف ) (8)

11 - حدِيث : ( أَرحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكرٍ )
قالَ ـ حفِظهُ اللهُ ـ : ( وحاصِلُ مَا ظهَر لِي وترجَّحَ عِندِي مِن دِراسَةِ طُرقِ هذَا الحَدِيث كمَا سلَفَ أنَّ الحَدِيثَ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ مِن طَرِيق سُفيانَ الثَّورِي، ووُهَيبِ بنِ خالِدٍ، وعَبدِ الوَهَّابِ الثَّقَفِي، عَن خالِدٍ الحَذَّاء، عَن أبِي قِلَابَةَ، عَن أَنَسٍ رضي الله عنه، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم، وشَجَّعنِي علَى هذَا التَّصحِيحِ والتَّرجِيحِ مَواقِفُ الأئِمَّةِ الَّذِين صَحَّحُوه، والَّذِين سلَفَ ذِكرُهم ـ رَحِم اللهُ الجَمِيع ـ ) (28)

12 - حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم بلجام من نار )
قال الشيخ - حفظه الله - : ( الحديث صحيح ) (9)

13 - حديث بهز بن حكيم عن أبيه, عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من كذب عليّ متعمّدا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله منه صرف ولا عدل )
قال - حفظه الله - : ( الحديث ضعيف ) (10)

14 - عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( فإن من ورائكم أيام الصبر, الصبر فيه مثل قبض على الجمر, للعامل فيهم مثلأجر خمسين رجلا يعماون مثل عمله ) قال : يا رسول الله أجر خمسين منهم ؟ قال : ( أجر خمسين منكم )
قال الشيخ - حفظه الله - : ( في الجملة هو صحيح إلا جملة : أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : منكم ,هذه فيها نظر.. ) (11)

15- حديث عائشة - رضي الله عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا أحلّ المسجد لحائض ولا لجنب )
قال - حفظه الله - : ( ضعيف ) (12)

16 - ساق الإمام الآجرّي -رحمه الله- بسنده قول وهب بن منبه -رحمه الله-: " الفقيه : العفيف الزاهد المتمسك بالسنة. أولئك أتباع الأنبياء في كل زمان"
قال الشيخ - حفظه الله - : ( إسناده ضعيف؛ لأن فيه سقطاً بين الآجري وبين محمد بن بكير، فهو قطعاً ليس شيخاً للآجري؛ لأنه ممن روى عن الدراوردي وهشيم وطبقتهما، ويظهر أنه من طبقة شيوخ البخاري، وذكر صاحب الكمال أن البخاري روى عنه، لكن المزي أنكر ذلك، انظر "تهذيب التهذيب" (9/81). قال الحافظ ابن حجر فيه: "صدوق يخطئ".) (13)

17 -ساق الإمام الآجرّي - رحمه الله - بإسنادين خطبة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشام وفيها : ( فقال : قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل قيامي فيكم، فقال : ( من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة . فإن الشيطان مع الواحد ، وهو من الاثنين أبعد )
قال الشيخ - حفظه الله - : (هذان الإسنادان عن عمر –رضي الله عنه – مدارهما على عاصم بن أبي النجود، وهو أحد القراء، قال فيه الذهبي في "الكاشف": "وثق، وقال الدارقطني: في حفظه شيء" وقال الحافظ ابن حجر:" صدوق له أوهام، حجة في القراءة"وحديثه في الصحيحين مقرون، فحدبثه هذا حسن إن شاء الله. ) (14)

18 - قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : ( خط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوماً خطا ، قال بإصبعه على الأرض خطه . قال : هذه سبيل الله ، ثم خط خطوطا عن يمين الخط و يساره ، وقال: هذه سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ، ثم تلا : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ )، الخطوط التي عن يمينه ويساره )
قال الشيخ - حفظه الله - : ( حسن لاعتضاده بحديث جابر الآتي.) (15)

19- حديث جابر - رضي الله عنه - : قال : "كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فخط خطاً، وخط خطين عن يمينه ، وخط خطين عن يساره ، ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال : هذا سبيل الله ، ثم تلا هذه الآية : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)" .
قال الشيخ -حفظه الله-: (حديث حسن بما قبله من حديث ابن مسعود) (16)

20 - قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - : " إن هذا الصراط محتضر، تحضره الشياطين ينادون : يا عبد الله هلُمَّ هذا الصراط، ليصدوا عن سبيل الله ، فاعتصموا بحبل الله ، فإن حبل الله هو كتاب الله" .
قال الشيخ - حفظه الله - : ( صحيح ) (17)

21 - عن عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه- أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:( من حدّث بحديث فعمل به أعطي أجر ذلك )
قال الشيخ - حفظه الله - : ( واه جدّا ) (18)

22 - عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جدّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من كذب عليّ متعمّدا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, لا يقبل الله عنه صرف ولا عدل )
قال الشيخ - حفظه الله - : ( الحديث ضعيف ) (19)

23 - عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يأتي معي من أمتي يوم القيامة مثل الليل والسيل، يحطم الناس حطمة واحدة، تقول الملائكة : لم جاء مع محمد من أمته أكثر مما جاء مع سائر الأنبياء؟)
قال الشيخ - حفظه الله - : (حديث ضعيف ) (20)

24 - عن أبي الطفيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إن لي عند ربي عز وجل عشرة أسماء » قال : أبو الطفيل : قد حفظت منها ثمانية : محمد، وأحمد، وأبو القاسم، والفاتح ، والخاتم، والماحي، والعاقب، والحاشر. قال أبو يحيى التيمي : وزعم سيف أن أبا جعفر قال له : إن الاسمين الباقيين : طه، وياسين"
قال الشيخ - حفظه الله - : (حديث ضعيف ) (21)

25 - عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس قواما، وأحسن الناس وجها، وأحسن الناس لونا، وأطيب الناس ريحا، وألين الناس كفا، ما شممت رائحة قط مسكة ولا عنبرة أطيب منه، ولا مسست خزة ولا حريرة، ألين من كفه، وكان ربعة، ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا الجعد ولا السبط، إذا مشى أظنه قال: يتكفأ»
قال الشيخ - حفظه الله - : (حديث صحيح) (22)

26 - روى الآجرّي - رحمه الله - بسنده كما في ( الشريعة ) : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين أخرج من مكة: خرج منها مهاجرا إلى المدينة هو وأبو بكر رضي الله عنه، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة، ودليلهما الليثي عبد الله بن أريقط، مروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، فسألوها لحما أو تمرا ليشتروه منها فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مشتين، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: «ما هذه الشاة يا أم معبد؟» قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم قال: «هل بها من لبن؟» قالت: هي أجهد من ذلك قال: «أتأذنين لي أن أحلبها؟» قالت: بأبي أنت وأمي نعم إن رأيت بها لبنا فاحلبها، فدعا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح بيده ضرعها، وسمى الله عز وجل ودعا لها في شاتها، فتفاجت عليه، ودرت، واجترت، ودعا بإناء يربض الرهط، فحلب فيه ثجا حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه، حتى رووا، ثم شرب آخرهم صلى الله عليه وسلم، ثم أراضوا، ثم حلب فيه ثانيا بعد بدء، حتى ملأ الإناء ثم غادره عندها وبايعها، وارتحلوا عنها، فقل ما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد، يسوق أعنـزا عجافا يتشاركن هزلا ضحى مخهن قليل، فلما رأى أبو معبد، اللبن عجب، وقال: من أين لك هذا اللبن يا أم معبد، والشاء عازب حيال ولا حلوبة في البيت؟ قالت: لا والله، إلا أنه مر بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا قال: صفيه لي يا أم معبد قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه، حسن الخلق، لم تعبه نحلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره غطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطع، وفي لحيته كثاثة، أزج أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل، لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن، ربعة، لا بائن من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفونه، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا معتد.
قال أبو معبد: هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا فأصبح صوت بمكة عاليا، يسمعون ولا يدرون من صاحبه؟ وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه *** رفيقين حلا خيمتي أم معبد
هما نزلاها بالهدى، فاهتدت به *** فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فيا لقصي، ما زوى الله عنكم *** به من فعال لا تجازى وسؤدد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم *** ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها *** فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلبت *** عليها صريحا ضرة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها لحالب *** يرددها في مصدر ثم مورد

قال: فلما سمع حسان بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، بهتف الهاتف، شبب يجاوب الهاتف، وهو يقول:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيهم *** وقدس من يسري إليهم ويغتدي
ترحل عن قوم، فضلت عقولهم *** وحل على قوم بنور مجدد
هداهم به بعد الضلالة ربهم *** وأرشدهم، من يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلال قوم تسفهوا *** عمايتهم هاد به كل مهتدي
وقد نزلت منه على أهل يثرب *** ركاب هدى، حلت عليهم بأسعد
نبي يرى ما لا يرى الناس حوله *** ويتلو كتاب الله في كل مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب *** فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جده *** بصحبته، من يسعد الله يسعد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم *** ومقعدها للمؤمنين بمرصد )
قال الشيخ - حفظه الله - : (حديث أم معبد وما يتبعه من شعر الهاتف وشعر حسان بن ثابت –رضي الله عنه- فيه مجاهيل فهو ضعيف.
فيه بعض الألفاظ حُكيت في هجرة النبي – صلى الله عليه وسلم -.
أما قصة حلبه -صلى الله عليه وسلم – فقد وهم فيها بعض هؤلاء المجهولين.
وقصة هجرته – صلى الله عليه وسلم – رواها البخاري من حديث البراء في "مناقب الأنصار" حديث (3917)
ففي حديث البراء أن الغنم لرجل من قريش يرعاه غلام وأن الحالب إنما هو الغلام أو أبو بكر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً في ظل صخرة فقدم أبو بكر لرسول الله هذا الحليب، فليس الحالب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الغنم غنم أبي معبد وأم معبد ) (23)

27 - روى الآجرّي - رحمه الله - بسنده كما في ( الشريعة ) عن يحيى بن قرة الخزاعي ثم الكعبي ، قال يحيى : لما هتف الهاتف بمكة لمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يبق بيت من بيوت المشركين ، إلا انتبه بهتف الهاتف ، واستيقظوا ، فلما أن أصبحوا اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض : سمعتم ما كان البارحة ؟ قالوا : نعم سمعناه ، قالوا : فقد بان لكم مخرج صاحبكم على طريق الشام ، من حيث تأتيكم الميرة على خيمتى أم معبد بقديد ، فاطلبوه ، فردوه من قبل أن يستعين عليكم بكلبان العرب ، فجمعوا سرية من خيل ضخمة ، فخرجت في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزلوا بأم معبد ، وقد أسلمت وحسن إسلامها ، فسألوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشفقت عليه منهم وتعاجمت وقالت : إنكم لتسألون عن أمر ما سمعت به قبل عامي هذا -وهي صادقة لم تسمعه إلا من رسول الله صلى الله عليه وسلم - تخبروني أن رجلاً يخبركم بما في السماء ؟ والله إني لأستوحش منكم ، ولئن لم تنصرفوا عني لأصيحن في قومي عليكم ، فانصرفوا ، ولم يعلموا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجه ولو قضى الله الكريم أن يسألوا الشاة من حلبك ؟ لقالت : محمد رسول الله، وذلك أنها جعلت شاهدة ، فعمى الله الكريم عليهم، فتركوا مساءلة الشاة، وسألوا أم معبد فكتمتهم"
قال الشيخ - حفظه الله - : ( خبر يحيى بن قرة ضعيف؛ لأن راويه يحيى بن قرة لم أقف له على ترجمة، فهو مجهول، ولو كان معروفاً وثقة لكان خبره هذا ضعيفاً للإعضال في إسناده ولمخالفته لأحاديث هجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- ) (24)

28 - عن عطية العوفي في قول الله عز وجل : { وإنك لعلى خلق عظيم }
قال : ( أدب القرآن )
قال الشيخ - حفظه الله - : ( إسناده حسن) (25)

29 - عن أبي أيوب الأنصاري قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأبي بكر رضي الله عنه طعامًا قدر ما يكفيهما فأتيتهما به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الأنصار» قال: فشق ذلك علي، ما عندي شيء أزيده قال: فكأني تثاقلت، فقال: «اذهب وادع لي ثلاثين رجلا من أشراف الأنصار» فدعوتهم فجاءوا، فقال: «اطعموا» فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله، ثم بايعوه قبل أن يخرجوا، ثم قال: «اذهب فادع لي ستين من أشراف الأنصار» قال أبو أيوب: فوالله لأنا بالستين أجود مني بالثلاثين قال: فدعوتهم قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترفعوا» فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا ثم قال: «اذهب فادع لي تسعين من الأنصار» قال: فلأنا أجود مني بالتسعين مني بالستين والثلاثين، فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا، ثم شهدوا أنه رسول الله، وبايعوه قبل أن يخرجوا قال: فأكل من طعامي مائة وثمانون رجلا كلهم من الأنصار"
قال الشيخ - حفظه الله - : ( حديث ضعيف ) (26)

30 - عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: «أتي بالبراق ليلة أسري به مسرجا ملجما فاستصعب عليه، فقال له جبريل: اسكن، فما ركبك أحد أكرم على الله عز وجل منه فارفض عرقا»
قال الشيخ - حفظه الله - : ( إسناده ضعيف ) (27)



جمع وإعداد
أبو معاذ محمد مرابط
الجزائر العاصمة
06 / رجب / 1433

يتبــع إن شاء الله

الهامش :
(1) (مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ص: 230)
(2)(مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ص: 250-251)
(3) (مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ص : 255 - 256 )
(4) ( مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ص : 291 )
(5) ( مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ص : 175 )
(6) حاشية رقم : 1 ص : 175 من نفس المصدر
(7) (شرح السنة للبربهاري 769/2
(8) شرح السنة للبربهاري 823/2
(9) ( شرح الشريعة 3 / 159 )
(10) (المدخل إلى الصحيح 1/138)
(11) ( مرحبا ياطالب العلم , ص : 333 )
(12) ( مرحبا ياطالب العلم , ص :340 )
(13) ( 1 / 4 من شرح الشريعة - مخطوط - )
(14) ( 1/15 من شرح الشريعة - مخطوط - )
(15) ( 1/20 من شرح الشريعة - مخطوط - )
(16) ( 1/21 من شرح الشريعة - مخطوط - )
(17) ( 1/23 من شرح الشريعة - مخطوط - )
(18) ( المدخل إلى الصحيح 1/136 )
(19) ( المدخل إلى الصحيح 1/146 )
(20) شرح الشريعة 3 / 14
(21) شرح الشريعة 3 / 19
(22) شرح الشريعة 3 / 29
(23) شرح الشريعة 3 / 29 - 30 بتصرف
(24) شرح الشريعة 3 / 39
(25) شرح الشريعة 3 / 47
(26) (شرح الشريعة 3 / 113)
(27) شرح الشريعة 3 / 59)
(28) رسالة : (دراسة حديث "أرحم أمتى بأمتى أبو بكر .." ص : 24)