العلَّامة محمد أمان الجامي-رحمه الله-: (لا ينبغي أن يتهاون الإنسان في ردِّ السنَّة نظرًا لمكانة القائل)
في هذا الحديث وقبل أن يصل القاضي عياض عند الحديث الذي سيأتي في إعفاء اللحية أو في إعفاء اللحى نقل عنه الإمام الشوكاني كلامًا ما كنت أظن أنَّه ينقل ويسكت عليه.
إعفاء اللحية: تركها وعدم التعرُّض لها، وعدم أخذ شيء منها، وعدم تقصيرها، كما ستأتي أحاديث فيها أوامر نحو خمس أوامر.
ولكنَّ القاضي عياض تناقض، قال: ( لا تقصّ ) هذا صحيح، ثمَّ قال: ( الأخذ من عرضها وطولها حسن )، ما معنى قولك فيما تقدَّم ( لا تقصّ )؟، ثمَّ تقول: ( الأخذ من عرضها وطولها حسن )؟، ومن الذي حسَّنه؟.
التحسين والتقبيح لا يكون إلَّا للشرع، التحسين والتقبيح العقلي لا يعمل به، إنَّما المحسِّن والمقبِّح الشرع.
إذا ثبت بأنَّ النبي-عليه الصلاة والسلام-لم يأخذ من لحيته لا من طولها ولا من عرضها لم يثبت، لا أقول: لم يرد، لأن ما ورد لم يصح، لم يثبت، إذا لم يثبت ذلك بأي شيء تحسِّن؟، وهذا التحسين يرد على القاضي عياض مع مكانته العلمية، فيقال فيه كما قال الإمام مالك: ( كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد عليه إلَّا صاحب هذا القبر محمد-صلى الله عليه وسلَّم- ).
ولا ينبغي أن يتهاون الإنسان في ردِّ السنَّة نظرًا لمكانة القائل، إذا قال قائل كلامًا يخالف السنَّة يجب أن يرد ذلك الكلام بصرف النظر عن مكانة القائل، إن أمكن التماس العذر له التُمِس، وإلَّا ترك أمره إلى الله.
ولكن لا يتَّبع كلامه وتحسينه وشرحه وتحديد خلاف السنَّة، بأنَّ تعظيم اللحية وتركها عظيمة وربَّما يؤدي إلى الشهرة، هذا كلام ما كان يتوقَّع أن يقوله عالم.
كون اللحية إذا كانت عظيمة وضخمة طويلة وعريضة تؤدي إلى الشهرة، أي شهرة؟، بل هذه موافقة لهدي رسول الله-عليه الصلاة والسلام-وقريبة من لحية النبي-عليه الصلاة والسلام-.
وصف عبد الله بن عبَّاس لحية النبي-عليه الصلاة والسلام-أنَّها كانت من هاهنا إلى هاهنا أي: من الأذن إلى الأذن حتَّى كادت تستر نحره من طولها، طويلة وعريضة.
وكيف يقال: اللحية إذا طالت وعظمت تؤدي إلى الشهرة ويستحسن أن يؤخذ من طولها وعرضها؟، هذا كلام يعتبر هفوة، لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة، هذه هفوة.
وأمَّا الاستدلال بأثر ابن عمر وأنَّه كان إذا حجَّ او اعتمر يقبض هكذا فما زاد على القبضة يقص، إن صحَّ هذا لا يصلح أثر ابن عمر بعد صحَّته أن يخصص الأحاديث المطلقة التي فيها الإعفاء والإحفاء والتوفير والإكرام كما سيأتي، لا يخصص.
ولكن قلَّما يخلوا الإنسان من الهوى، هذا الأثر-أثر ابن عمر-وافق الهوى عند كثير من الناس وتعلَّقوا به وفرحوا به كثيرًا، بينما لو جاء هذا الأثر مخالفًا لِمَا يهوونه ولِمَا الفوا قالوا: هذا أثر صحابي عادي ليس من الخلفاء الراشدين لا يعمل به.
ولماذا لم نقل هنا مثل هذا الكلام وتعلَّقنا به؟، وعلَّقنا عليه؟، وخصَّصنا به أحاديث صحيحة صريحة؟، هذا نوع من الهوى وإن كان طالب علم الذي وقف هذا الموقف لا يدرك أنَّه اتبع الهوى، مع تقديرنا واحترامنا لكثير من طلبة العلم ومن كبار طلَّاب العلم الذين تعلَّقوا بهذا الأثر فصاروا يفتون للناس بجواز الأخذ من اللحية، وربَّمَا توسَّعوا.
إذا كان عبد الله بن عمر ثبت عنه ذلك في الحج والعمرة، وهم قد زادوا في غير الحج والعمرة بعد أن عملوا بأصل الأثر.
الأصل عدم التعلق وعدم العمل بمثل هذا الأثر، إذا جاء مخالفًا لسنَّة صريحة، ويعتذر للقائل من الصحابة بعدم الاطلاع على تلك الأوامر الكثيرة التي عدَّد منها الشوكاني خمس أوامر ستأتي.
فإذا اعتذر له كما هو المعتاد أو المتَّبع من عادة أهل العلم، إذا عثر لعالم صحابيًا كان أو تابعيًّا أو من بعدهم على قول مخالف للسنَّة يعتذر له، قال ما هو معروف بتتبع السنَّة وخصوصًا عبد الله بن عمر، كان حريصًا على اتباع السنَّة، بل حتَّى العادات، غير الشرع-غير الشريعة-، يعتذر لأمثاله بأنَّه لم يطَّلع على هذه الأحاديث.
ولكنَّ المشكلة عندما يسرد عالم من العلماء تلك الأحاديث ويقول: تدل هذه الأحاديث على أنَّه لا تقصُّ اللحية ولا يؤخذ منها، ثمَّ يأتي فيقول: إذا عظمت يستحسن أن يؤخذ من طولها وعرضها!، هذا الكلام لا ينبغي الاغترار به لكون القائل له مكانة علمية.
وهذا لا يجعلنا ندع السنَّة ونترك السنَّة تقديرًا لذلك القائل، بل يجب أن تقدَّر السنَّة، هذا يذكِّرنا ما قال العلَّامة ابن القيِّم وهو يناقش الهروي في بعض المسائل، قال: (...شيخ الإسلام الهروي حبيب ولكنَّ الحق أحبُّ إلينا...)، شيخ الإسلام حبيب ينبغي أن نقدِّره ونأخذ كلامه ولكنَّ الحق أحب، هكذا ينبغي أن يقال في مثل هذا المقام[1].
[1] لفضيلة الشيخ العلَّامة محمد أمان بن علي الجامي-رحمه الله-/ تعليق على حديث: (خمس من الفطرة) من شرحه لنيل الأوطار كتاب الطهارة الشريط الثالث عشر.
رد: العلَّامة محمد أمان الجامي-رحمه الله-: (لا ينبغي أن يتهاون الإنسان في ردِّ السنَّة نظرًا لمكانة القائل)
حكم الأخذ من اللحية
السؤال: الأخـذ من اللحية هل يجوز أم لا؟.
الجواب:
اللحية، الواجب إعفاؤها وإبقائها وتوفيرها، هذا الواجب، وليس لأحدٍ من الناس الأخذ منها ولا حلقها ولا تقصيرها، بل يجب إعفاؤها وتوفيرها وإرخاؤها عملاً بقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: (قصوا الشوارب واعفوا اللحى، خالفوا المشركين)، وعملاً بقوله-صلى الله عليه وسلم-: (جزوا الشوارب واعفوا اللحى،خالفوا المجوس).
فالرسول-صلى الله عليه وسلم-أمر بإرخائها، وتوفيرها وإعفائها فدل ذلك على وجوب هذا الأمر وأنه واجب على المسلمين طاعة النبي-صلى الله عليه وسلم-في ذلك وأن يعفوا اللحى ويوفروها ويرخوها ولا يعرضوها لقصٍ ولا حلق.
أما ما يروى عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عند الترمذي أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها هذا رواه الترمذي وهو حديث باطل عند أهل العلم، ليس بصحيح، لأن في إسناده عمر ابن هارون البلخي وهو متهم بالكذب، فلا يجوز لأحد أن يعتمد عليه وإن كان رواه الترمذي، فالترمذي قد يروي أحاديث غير صحيحة ومنها هذا الحديث وهو: أن النبي-صلى الله عليه وسلم-كان يأخذ من لحيته، من طولها و عرضها، هذا خبر باطل، لا صحة له، وقد يتعلق به من لا يعرف الأحاديث.
فينبغي للمسلم التنبه لهذا وأن هذا الحديث عند أهل العلم ليس بصحيح وإنما المحفوظ عنه-صلى الله عليه وسلم-أنه أمر بإعفاء اللحى وتوفيرها وإرخائها، كما في الصحيحين عن ابن عمر، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه تعالى-عنهما وفي أحاديث أخرى.
من موقع الشيخ ابن باز-رحمه الله-
رد: العلَّامة محمد أمان الجامي-رحمه الله-: (لا ينبغي أن يتهاون الإنسان في ردِّ السنَّة نظرًا لمكانة القائل)
حكم قص وتقصير اللحية
السؤال: إذا قص أحدهم من اللحية فما الحكم؟.
الجواب:
لا يجوز، تنصحه تقول له: قال النبي-صلى الله عليه وسلم-: ((قصوا الشوارب وأعفوا اللحى قصوا الشوارب ووفروا اللحى خالفوا المشركين))[1]، ((جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس))[2] تنصحه تبين له، بعض الناس يذكر حديثاً للنبي-صلى الله عليه وسلم-: (كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها)[3] وهذا حديث لا يصح عن النبي-عليه الصلاة والسلام-.
[1] أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب تقليم الأظفار برقم 5892 ومسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة برقم 259.
[2] أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة برقم 260.
[3] أخرجه الترمذي في كتاب الأدب، باب ما جاء في الأخذ من اللحية برقم 2762.
موقع الشيخ ابن باز-رحمه الله-
رد: العلَّامة محمد أمان الجامي-رحمه الله-: (لا ينبغي أن يتهاون الإنسان في ردِّ السنَّة نظرًا لمكانة القائل)
حد طول اللحية وحكم تقصيرها أو حلقها
السؤال: ما هي السنة في طول اللحية، ودليل ذلك، وهل من قصر لحيته يعتبر عاصياً، وهل هي من المعاصي الكبيرة أو من الصغائر، وتعليقكم على هذا بكل وضوح؟ جزاكم الله خيراً.
الجواب:
اللحية يجب إعفاؤها وتوفيرها، وليس لذلك حد في أصح قولي العلماء، بل الواجب إعفاؤها وإرخاؤها وتوفيرها، لما ثبت في الصحيحين عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (قصوا الشوارب وأعفو اللحى، خالفوا المشركين).
وفي اللفظ الآخر: (قصوا الشوارب ووفروا اللحى، خالفوا المشركين).
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة-رضي الله عنه-عن النبي-صلى الله عليه وسلم-أنه قال: (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس)، ولم يحدد حداً-عليه الصلاة والسلام-، فدل ذلك على أن الواجب إرخاؤها وتوفيرها وعدم قصها، لا يجوز قصها ولا حلقها، ولو طالت ليس له قصها وليس له حلقها عملاً بهذه الأحاديث الثابتة عن رسول الله-عليه الصلاة والسلام-؛ ولأن في ذلك مخالفة لأهل الشرك، وبعداً عن مشابهة النساء.
أما ما روى الترمذي-رحمه الله-عن أبي هريرة-رضي الله عنه-أن النبي-عليه السلام-كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها، فهو حديث غير صحيح عند أهل العلم، وفي إسناده متهم بالكذب وهو عمر بن هارون البلخي، فهو حديث باطل ليس بصحيح عن رسول الله-عليه الصلاة والسلام-، ومع بطلانه هو مخالف للأحاديث الصحيحة التي ذكرناها آنفاً، فلا يجوز التعويل عليه ولا التشبث به.
وأما ما ثبت عن ابن عمر-رضي الله عنهما-أنه كان يأخذ من لحيته في الحج والعمرة من طولها ما زاد على القبضة، ويتأول قوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)(29) سورة الحـج، فهذا من رأيه واجتهاده، كان يقبض عليها فما خرج من بعد القبضة من أسفل اليد قصه في حجه وعمرته، ويرى أن ذلك من تأويل قوله تعالى: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ)، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه مخالف للأحاديث الصحيحة، والله يغفر له-رضي الله عنه-هذا اجتهد فيه-رضي الله عنه-.
والمعول على السنة على كلام النبي-صلى الله عليه وسلم-، وما عارض كلام النبي-صلى الله عليه وسلم-لا يعول عليه، وقصارى ذلك أن يقال: عفا الله عنه، اجتهد فأخطأ والله يعفو عنه.
يسأل سماحة الشيخ: هل الأخذ منها أو حلقها أو تقصيرها يعتبر من الصغائر أو من الكبائر؟.
الجواب: هو معصية لله-عز وجل-، أما كونه من الكبائر محل نظر، لكنه من المعاصي التي حرمها الله-جل وعلا-، ونهى عنها نبينا-صلى الله عليه وسلم-، أما كون ذلك من الكبائر فقد يقال أنه من الكبائر لأنها تشبه بأهل الشرك، والنبي-عليه السلام-: (من تشبه بقوم فهو منهم)، وهذا وعيد عظيم.
وقد يقال أنها من الصغائر لأنه لم يرد فيها وعيد ولا لعن، والكبيرة عند العلماء ما ورد فيها وعيد بالعذاب أو جاء فيها لعن أو حد في الدنيا. فالحاصل أنها محتملة أن تكون كبيرة، ومحتملة أن تكون صغيرة، ليس هناك دليل واضح فيما أعلم يقتضي أنها كبيرة، فالواجب طاعة الله ورسوله، سواء كانت المعصية كبيرة أو صغيرة، يجب الحذر من معصية الله-سبحانه وتعالى-.
من موقع الشيخ ابن باز-رحمه الله-
رد: العلَّامة محمد أمان الجامي-رحمه الله-: (لا ينبغي أن يتهاون الإنسان في ردِّ السنَّة نظرًا لمكانة القائل)
حكم الأخذ من اللحية وتهذيبها
السؤال: هل يجوز الأخذ من اللحية وتهذيبها بحيث تصبح نصف قبضة؟.
الجواب:
لا يجوز ذلك بل يجب تركها وإعفاؤها على حالها لقول النبي- صلى الله عليه وسلم- : (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، خالفوا المشركين) ، ولقوله-صلى الله عليه وسلم : (قصوا الشوارب ووفروا اللحى، خالفوا المشركين)، وفي الفظ الأخر (أرخوا اللحى) ، هذا كله يدل على أنها لا يتعرض لها بشيء لا بقص ولا بتهذيب.
من موقع الشيخ ابن باز-رحمه الله-.