ذكر اليتامى و ما نسخ من شأنهم من كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن لأبي عبيد القاسم بن سلام
ذكر اليتامى و ما نسخ من شأنهم من كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن لأبي عبيد القاسم ابن سلام
قال -رحمه الله تعالى-بَابُ ذِكْرِ الْيَتَامَى وَمَا نُسِخَ مِنْ شَأْنِهِمْ:
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
437 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220] قَالَ: ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا أَنْزَلَ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10] الْآيَةَ كَرِهَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَضُمُّوا الْيَتَامَى إِلَيْهِمْ وَتَحَرَّجُوا أَنْ يُخَالِطُوهُمْ فِي شَيْءٍ، وَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ} [البقرة: 220] قَالَ: «لَوْ شَاءَ لَأَحْرَجَكُمْ وَضَيَّقَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّهُ وَسَّعَ وَيَسَّرَ» فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6].
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
438 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَعُثْمَانَ بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] قَالَ: فَنَسَخَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ الظُّلْمَ وَالِاعْتِدَاءَ نَسَخَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
439 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الْيَتِيمِ عِنْدِي عُرَّةً لَا أَخْلِطُ طَعَامَهُ بِطَعَامِي وَلَا شَرَابَهُ بِشَرَابِي».
أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ قَالَ:
440 - حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي مِسْكِينٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: إِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَرَى مَالَ الْيَتِيمِ عُرَّة..
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَالَّذِي دَارَ عَلَيْهِ الْمَعْنَى مِنْ هَذَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَوْجَبَ النَّارَ لِآكِلِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى أَحْجَمَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِمْ حَتَّى مُخَالَطَتِهِمْ؛ كَرَاهِيَةَ الْحَرَجِ فِيهَا، فَنَسَخَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ذَلِكَ بِالْإِذْنِ فِي الْمُخَالَطَةِ وَالْإِذْنِ فِي الْإِصَابَةِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا كَانَتْ لِوَالِي تِلْكَ الْأَمْوَالِ الْحَاجَةُ إِلَيْهَا.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَمُخَالَطَةُ الْيَتَامَى أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمُ الْمَالُ وَيَشُقَّ عَلَى كَافِلِهِ أَنْ يُفْرِدَ طَعَامَهُ عَنْهُ، وَلَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ خَلْطِهِ بِعِيَالِهِ، فَيَأْخُذُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّهُ كَافِيهِ بِالتَّحَرِّي، فَيَجْعَلُهُ مَعَ نَفَقَةِ أَهْلِهِ، وَهَذَا قَدْ يَقَعُ فِيهِ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ، فَجَاءَتْ هَذِهِ الْآيَةُ النَّاسِخَةُ بِالرُّخْصَةِ فِيهِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} [البقرة: 220].
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهَذَا عِنْدِي أَصْلٌ لِلشَّاهِدِ الَّذِي تَفْعَلُهُ الرِّفَاقُ فِي الْأَسْفَارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ يَتَخَارَجُونَ النَّفَقَاتِ بِالسَّوِيَّةِ وَقَدْ يَتَبَايَنُونَ فِي قِلَّةِ الْمَطْعَمِ وَكَثْرَتِهِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ قَلَّ طَعَامُهُ يَطِيبُ نَفْسُهُ بِالتَّفَضُّلِ عَلَى رَفِيقِهِ، فَلَمَّا جَاءَ هَذَا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَاسِعًا كَانَ فِي غَيْرِهِمْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ أَوْسَعَ، لَوْلَا ذَلِكَ لَخِفْتُ أَنْ يُضَيَّقَ فِيهِ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ.
الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن لأبي عبيد القاسم بن سلام .
رد: ذكر اليتامى و ما نسخ من شأنهم من كتاب الناسخ والمنسوخ في القرآن العزيز وما فيه من الفرائض والسنن لأبي عبيد القاسم بن سلام
و ذكر العلامة عبد الرحمن ابن سعدي-رحمه الله تعالى- في تفسيره لقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء: 10]
ولما أمرهم بذلك، زجرهم عن أكل أموال اليتامى، وتوعد على ذلك أشد العذاب فقال: { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} أي: بغير حق. وهذا القيد يخرج به ما تقدم، من جواز الأكل للفقير بالمعروف، ومن جواز خلط طعامهم بطعام اليتامى.فمَنْ أكلها ظلمًا فـ {إنما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} أي: فإن الذي أكلوه نار تتأجج في أجوافهم وهم الذين أدخلوها في بطونهم.
{وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} أي: نارًا محرقة متوقدة. وهذا أعظم وعيد ورد في الذنوب، يدل على شناعة أكل أموال اليتامى وقبحها، وأنها موجبة لدخول النار، فدل ذلك أنها من أكبر الكبائر. نسأل الله العافية.