قطوف الريحان لبيان أن الجرح لا يقبل إلا إذا كان بحجة وبرهان

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :-
فإن ما قد عُنوِن له أمر مهم غاية الأهمية إذ لو كان كل ما قيل في العلماء من بعضهم البعض مقبولاً لقل أن ينجو أحد من ذلك قال الإمام البخاري رحمه الله :-
ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم نحو ما يذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي وكلام الشعبي في عكرمة، وفيمن كان قبلهم ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة ولم يسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة، والكلام في هذا كثير أ. ه جزء القراءة خلف الإمام (ص81)
وقال الزركشي رحمه الله :-
ولو ذهب العلماء الى ترك كل من تكلم فيه لم يبق بأيدي أهل هذا الشأن من الحديث إلا اليسير أ. ه النكت ( 3/345 )
ومن ذا الذي ينجو من الناس سالما ........ و للناس قال بالظنون و قيل
وقال الإمام النووي رحمه الله :-
أخطأ غير واحد من الأئمة بجرحهم لبعض الثقات بما لا يجرح أ. ه التقريب مع التدريب (2/ 1010)
وقال الإمام ابن عبد البر رحمه الله :
...أن السلف رضوان الله عليهم قد سبق من بعضهم في بعض كلام كثير في حال الغضب ومنه ما حمل عليه الحسد كما قال ابن عباس ومالك بن دينار وابن حازم ومنه على جهة التأويل مما لا يلزم تقليدهم في شيء منه دون برهان ولا حجة توجبه ونحن نورد في هذا الباب من قول الأئمة الجلة الثقاة السادة بعضهم في بعض ما لا يجب أن يلتفت فيهم إليه ولا يخرج عليهم ما يوضح لك صحة ما ذكرنا وبالله التوفيق أ. ه جامع بيان العلم وفضله ( 1/ 152 )

و لذلك كان الجرح لا يقبل إلا إذا كان مبنياً على دليل معتبر عند أهل هذا الشأن فقد يضعف زيدٌ عمراً لسبب يعتقده موجب للجرح و هو ليس كذلك
قال الشافعي رحمه الله : -
حضرت بمصر رجلاً مزكياً يجرح رجلاً فسُئل عن سببه وألح عليه فقال : رأيته يبول قائماً ، قيل : وما في ذلك ؟ قال : يرد الريح من رشاشه على يده وثيابه فيصلي فيه . قيل : هل رايته أصابه الرشاش وصلى قبل أن يغسل ما أصابه؟قال : لا ولكن أراه سيفعل أ. ه قاعدة في الجرح والتعديل (ص53)
وقيل لشعبة بن الحجاج : ( لمَ تركت حديث فلان ؟ قال : رأيته يركض على بِرْذَوْن فتركته ) كما في نزهة النظر ( 69 )
وكذلك ما حكاه عن نفسه رحمه الله قال : أتيت أبا الزبير وفخذه مكشوفة ، فقلت له : غط فخذك . فقال : لا بأس بذلك . فلذلك لم أرو عنه أ. ه كما في السير ( 7 / 223 )
وقد يضعفه على سبيل المزاح كما ذكر الذهبي في ترجمة عفان بن مسلم الصفار قال :-
قال جعفر بن محمد الصائغ : اجتمع عفان ، وعلي بن المديني ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأحمد بن حنبل ، فقال عفان : ثلاثةٌ يُضعَّفون في ثلاثة : عليٌ في حماد بن زيد ، وأحمد في إبراهيم بن سعد ، وأبو بكر في شريك ، فقال له علي بن المديني : وعفان في شعبة أ. ه ميزان الاعتدال (3 / 82)
قال الحافظ ابن حجر بعد إيراد هذه الحكاية : قال عمر بن أحمد الجوهري : وكل هؤلاء أقوياء ليس فيهم ضعف ولكن قال هذا على وجه المزاح أ. ه تهذيب التهذيب (5/ 598)
وقد يجرحه للإختلاف في الإعتقاد قال ابن حجر :-
وممن ينبغي أن يتوقف في قبوله قوله في الجرح : من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد ، فإن الحاذق إذا تأمل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب ، وذلك لشدة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيع ، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة ، وعبارة طلقة ، حتى أنه أخذ يلين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيد الله بن موسى وأساطين الحديث وأركان الرواية ، فهذا إذا عارضه مثله أو أكبر منه ، فوثق رجلا ضعفه ؛ قبل التوثيق ويلتحق به عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المحدث الحافظ ، فإنه من غلاة الشيعة ، بل نسب إلى الرفض ، في جرحه لأهل الشام للعداوة البينة في الاعتقاد أ.ه لسان الميزان ( 1 / 108 - 109 )
قال ابن عدي :-
سمعت أحمد بن محمد بن سعيد يقول : سمعت ابن خراش يحلف بالله : " إن أبا مسعود أحمد بن الفرات يكذب متعمدا – ثم قال ابن عدي - وهذا الذي قاله ابن خراش لأبي مسعود هو تحامل ، ولا أعرف لأبي مسعود رواية منكرة ، وهو من أهل الصدق والحفظ أ. ه الكامل ( 1 / 312 )
وكذلك لإختلاف المذهب قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم :-
وقال عباس بن محمد الدوري : سمعت يحيى بن معين يقول : " أصحابنا يفرطون في أبي حنيفة وأصحابه " فقيل له : أكان أبو حنيفة يكذب ؟ فقال : " كان أنبل من ذلك أ. ه جامع بيان العلم وفضله (ج 2 / ص 290)
وقد يجرحه للتنافس في المراتب بتعاصرهما قال ابن حجر :
وممن ينبغي أن يتوقف في قبول قوله في الجرح ...... ويلتحق بذلك ما يكون سببه المنافسة في المراتب ما يقع بين العصريين من الاختلاف والتباين وغيره فكل هذا ينبغي أن يتأنى فيه ويتأمل أ. ه لسان الميزان ( 1 / 108 - 109 )
ومن ذلك كلام الأقران في بعضهم البعض إذا لم يكن بحجة قال الحافظ الذهبي
: (... كثير من كلام الأقران بعضهم في بعض ينبغي أن يُطوى ولا يُرْوى ويُطرح ولا يجعل طعناً ويعامل الرجل بالعدل والقسط ) من تُكُلِّمَ فيه وهو مُوَثَّق (ص 46)
وقد يكون جرحه لاعتماده على نقل عن إمام لكنه لم يصح النقل فيرد هذا الجرح قال الحافظ ابن حجر: ونقل ابن الجوزي من طريق الكُديْمي عن ابن المديني عن القطان أنه قال: أنا لا أروي عنه - يعني أبان بن يزيد العطار- وهذا مردود لأن الكُديْمي ضعيف هدي الساري (ص 387) وانظر ضوابط الجرح والتعديل للدكتور عبد العزيز بن محمد العبد اللطيف (ص52)
و قد يكون جرحه لكنه- المجرَّح - كان ممن استفاضت عدالته واشتهرت إمامته فقد تكلم ابن معين في الشافعي ولم يعتبر ما قاله فيه قال الذهبي رحمه الله :-
قد آذى ابن معين نفسه بذلك ولم يلتفت الناس إلى كلامه في الشافعي ولا إلى كلامه في جماعة من الأثبات، كما لم يلتفتوا إلى توثيقه لبعض الناس، فإنَّا نقبل قوله دائماً في الجرح والتعديل ونُقدِّمُه على كثير من الحفّاظ ما لم يخالف الجمهور في اجتهاده، فإذا انفرد بتوثيق من ليَّنه الجمهور، أو بتضعيف من وثَّقه الجمهور وقَبِلُوه فالحكم لعموم أقوال الأئمة لا لمن شذّ...الخ من تُكُلِّمَ فيه وهو مُوَثَّق ص 49
وأسباب غيرها والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

تنبيه : هذا الموضوع مأخوذ من مذكرة لي

وفقك الله وكتب لك الأجر الثواب

وإياك يا أخي أبا الوليد