كِتَابُ الأَْطْعِمَةِ
الأَصْلُ فِيهَا الْحِلُّ، .............. قوله: «الأطعمة» جمع طعام، وهو كل ما يؤكل أو يُشرب، أما كون ما يؤكل طعاماً فأمره ظاهرٌ؛ وأما كون ما يشرب طعاماً فلقوله تعالى: {{فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي}} [البقرة: 249] ، فجعل الشرب طعْماً، ولأن الشارب يطعم الشيء المشروبَ، فهو في الواقع طعامٌ. واعلم أن كون الإنسان يحتاج إلى الطعام دليلٌ على نقصه، ولهذا برهن الله عزّ وجل على أن عيسى وأمه ليسا بإلهين بقوله: {{كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ}} [المائدة: 75] ، وتمدَّح سبحانه وتعالى بكونه يُطْعِم ولا يُطْعَم {{وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ}} [الأنعام: 14] ، فالحاجة إلى الطعام لا شك أنها نقص؛ لأن الإنسان لا يبقى بدونه، وكونه لا يأكل الطعام أيضاً نقص؛ لأن عدم أكله الطعام خروج عن الطبيعة التي خُلق عليها، والخروج عن الطبيعة يعتبر نقصاً. إذاً فالإنسان إن أكل فهو ناقص، وإن لم يأكل فهو ناقص، وهذا يتبين به كمال الله عزّ وجل، ونقص ما سواه. فالإنسان مضطر إلى الطعام، سواء كان مأكولاً أم مشروباً، والأصل فيه الحلّ كما قال المؤلف: «الأصل فيها الحِل» «فيها» أي: في الأطعمة، وهذا أمر مجمع عليه، دل عليه القرآن قي قوله تعالى: {{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}} [البقرة: 29] ، و«ما» اسم موصول، والاسم الموصول يفيد العموم، كما أنه أكَّد ذلك العموم بقوله: {{جَمِيعًا}}، فكل ما في الأرض فهو حلالٌ لنا، أكلاً، وشرباً، ولُبساً، وانتفاعاً، ومَنِ ادَّعى خلاف ذلك فهو محجوج بهذا الدليل، إلا أن يقيم دليلاً على ما ادَّعاه، ولهذا أنكر الله ـ عزّ وجل ـ على الذين يُحرِّمون ما أحل الله من هذه الأمور فقال: {{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}} [الأعراف: 32] . وقوله: «الأصل فيها الحل» وهذا الأصل ليس ثابتاً لكل إنسان، بل هو للمؤمن خاصة، أما الكافر فالأطعمة عليه حرام؛ لأن الله يقول: {{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}}، فقوله: {{قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا}}، يُخرج غير الذين آمنوا، وكذلك قال ـ تعالى ـ في سورة المائدة: {{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}، فمفهومها أن غيرهم عليهم جناح فيما طعموا، ومع ذلك ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا بشرط ألا يستعينوا بذلك على المعصية، ولهذا قال الله تعالى: {{إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}} [المائدة: 93] . ووالله ما ندري هل نحن مُطبقون لهذه الشروط، أو أننا نأكل الشيء وعلينا جناحٌ فيه؟ وهي سبعة شروط، مؤكدة بـ«ما» الزائدة، فإن «ما» من المتعارف عليه من حروف الزيادة، وقد قيل: يا طالباً خُذْ فائدة *** (ما) بعد (إذا) زائدة وكل حروف الزيادة في القرآن، أو في السنَّة، أو في كلام العرب للتوكيد. إذاً الأصل في الأطعمة الحل للمؤمنين، أما غيرهم فلا؛ فإن الكافر لن يرفع لقمة إلى فمه إلا عُوقب عليها يوم القيامة، ولن يبتلع جُرعة من ماء إلا عوقب عليها يوم القيامة، ولن يستتر، أو يدفئ نفسه بسلكٍ من قطن، إلا حوسب عليه يوم القيامة. وهذه القاعدة العظيمة التي دل عليها الكتاب، ودلت عليها السنة، قال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها» [(1)]، وقال: «ما سكت عنه فهو عفو»[(2)]، فهذا الأصل الذي دل عليه الكتاب، والسنة، وأجمع عليه المسلمون في الجملة نستفيد منه فائدة، وهي أن كل إنسان يقول: إن هذا الشيء حرام، مما يؤكل، أو يشرب، أو يُلبس أيضاً، نقول له: هاتِ الدليل؛ لأن عندنا أدلة تدل على حله. فلو قال قائل: الدخان حلال فلا نطالبه بالدليل؛ لأن الأصل الحل. فإذا قال الثاني: بل هو حرام، نقول لهذا: هات الدليل، ولا شك أن من تأمَّل نصوص الكتاب، والسنة، ونظر نظراً صحيحاً تبيَّن له أن الدخان حرام، وليس هذا موضع ذكر أدلة تحريمه. وربما يأتي لاحقاً من كلام المؤلف نفسه. قال المؤلف تفريعاً على هذه القاعدة: فَيُبَاحُ كُلُّ طَاهِرٍ لاَ مَضَرَّةَ فِيهِ،..................................... «فيباح» الفاء هنا للتفريع، يعني فبناءً على ذلك يباح كل طاهر لا مضرة فيه. قوله: «كل طاهر» خرج به ما كان نجساً أو متنجِّساً، فالنَّجس نجاسته عينية، والمتنجِّس نجاسته حكمية. فالنجس مثل: الميتة، والخنزير، والدم المسفوح، قال الله تعالى: {{قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}} [الأنعام: 145] والضمير عائد على الثلاثة المذكورة، فإذا قال قائل: لو كان كذلك لقال: فإنها رجس. والمراد بالدم هنا الدم المسفوح وهو الذي يكون قبل موت البهيمة أما ما كان بعد الموت فإنه طاهر وحلال قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أحل لنا ميتتان ودمان، أما الميتان فالجراد والحوت وأما الدمان فالكبد والطحال»[(3)]. والجواب: أن قوله: {{قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}}، معناه إلا أن يكون ذلك الشيء المحرم على الطاعم الذي يطعمه {{مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ}} أي: ذلك الشيء {{رِجْسٌ}} أي: نجس. فإن قال قائل: النجس واضح تحريمه؛ لأنه نجس العين، وكل نجس حرام، وليس كل حرام نجساً، وهذه القاعدة مرَّت علينا في الآنية[(4)]، فما الدليل على أن المتنجِّس حرام؟ الجواب: لأن المتنجِّس متأثر بالنجاسة، مختلط بها، فالنجاسة لم تزل فيه، فإذا أكَلْتَهُ، أو شَرِبْتَه فقد باشرت النجاسة، أكلت النجاسة وشربتها، ولهذا نقول: المتنجس محرَّم؛ لأنه ليس بطاهر، وإذا كان الشرع يأمرنا بإزالة النجاسة من ظاهر أجسامنا، فكيف نُدخل النجاسة باطن أجسامنا؟! قوله: «لا مضرة فيه» خرج بذلك الطاهر الذي فيه مضرة، فالطاهر الذي فيه مضرة لا يجوز، بل هو حرام، وسواء كانت المضرة في عينه، أو في غيره. في عينه كالسُّم، فالسم ضرره في عينه، وكذلك الدخان فإنه ضارٌّ في عينه، وضرره مُجمعٌ عليه بين الأطباء اليوم، لا يختلف في ذلك اثنان منهم؛ لما يشتمل عليه من المواد السامة المفسدة للدم. والضار في غيره مثل أن يكون هذا الطعام لا يلتئم مع هذا الطعام، بمعنى أنك إذا جمعت بين الطعامين حصل الضرر، وإذا أكلتهما على انفرادٍ لم يحصل الضرر، ومن ذلك الحُمْية للمرضى، فإن المريض إذا حُمي عن نوع معينٍ من الطعام، وقيل له: إن تناوله يضرك، صار عليه حراماً، ومن ذلك على تمثيل النحويين: «لا تأكلِ السمكَ وتشربَ اللبن» بالفتح، ولكننا نقول للنحويين في هذه القاعدة، أو هذا الضابط: ما هذا عِشك فادرجي؛ فإن الأطباء الآن يقولون: إنه لا يضر، وقد رأينا أهل جدة يأكلون السمك، ويشربون اللبن، ولا يضرهم ذلك شيئاً. قال شيخ الإسلام رحمه الله: «وإذا خاف الإنسان من الأكل أذًى أو تخمة حَرُمَ عليه». فإذا قال الإنسان: أنا إذا ملأتُ بطني من هذا الطعام فإنه سيحتاج إلى ماء، فإذا أضفتُ إليه الماء فلا أكاد أمشي، وأتأذى، فإن جلست تأذيت، وإن ركعتُ تأذيت، وإن استلقيت على ظهري تأذيت، وإن انبطحت على بطني تأذيت، وفي هذا يقول شيخ الإسلام: إذا خاف الأذية فإنه يحرم عليه الأكل، وما قاله ـ رحمه الله ـ صحيح؛ لأنه لا يجوز للإنسان أن يأكل ما يؤذيه، أو يلبس ما يؤذيه، أو يجلس على ما يؤذيه، حتى الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في السجود، كانوا إذا أذاهم الحر يبسطون ثيابهم، ويسجدون عليها[(5)]؛ لئلا يتأذوا، ولأجل أن يطمئنوا في صلاتهم. وهذا الذي ذكره شيخ الإسلام خوف الأذية والتُّخمة ممَّا ضرره في غيره، وهو الإكثار، يعني هو بنفسه ليس بضار، لكن الإكثار منه يكون ضاراً مؤذياً، حتى وإن لم يتضرر، لكن الظاهر لي من الناحية الطبية أنه يتضرر؛ لأن المعدة إذا ملأتها سوف تتأذى وتتعب. وهل الشِّرِّية في قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه» تعتبر شراً شرعياً أو أنه من الناحية العادية؟ هذا محل توقف وتأمل ولا شك أن الأحسن والأفضل هو ما أرشد إليه النبي صلّى الله عليه وسلّم وجرِّب تجد. وقد قيل: إن من الأمور المهلكة إدخال الطعام على الطعام، فإذا صح ذلك كان ـ أيضاً ـ حراماً؛ لأن الله يقول: {{وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}} [النساء: 29] . ولا يبعد أن يكون هذا صحيحاً، وهو أمر مجرَّب، وقد ضربوا له مثلاً، برجل أعطى عُمَّالاً عملاً يقومون به، وقبل أن يستكملوا العمل أضاف إليهم عملاً آخر، ومعلوم أنهم لا يمكن أن يشتغلوا بالعَمَلين إلاَّ على حساب أحدهما، فإذا بدؤوا بالشغل الجديد فالشغل القديم يختل، والمعدة إذا استقبلت الطعام الجديد اختل هضمها للطعام الأول، ولا سيما أن الهضم جعل الله له غدداً تفرز مواد بحسب بقائه في المعدة. وللهضم عند الأطباء مراتب: النضج الأول، والثاني، والثالث، والرابع، فلا بد أن يكون هناك موازنة، حتى يَعرف الإنسان ما مرتبة، أو ما درجة الطعام الأول؟ وهل يمكن أن يضيف إليه طعاماً آخر أو لا؟ مِنْ حَبٍّ وَثَمَرٍ وَغَيْرِهِمَا، وَلاَ يَحِلُّ نَجِسٌ، كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَلاَ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ كَالسُّمِّ وَنَحْوِهِ،........ قوله: «من حَبٍّ» هذا بيان لقوله: «كل طاهر» والحب مثل: البر، والأرز، والشعير، والعدس، والفول، وما أشبه ذلك. قوله: «وثمر وغيرهما» : كالتمر، والتين، والعنب، والبرتقال، ونحوها، فتعداد الأنواع قد يصعب ولا نحيط بها، لكن عندنا القاعدة العامة «كل طاهر لا مضرة فيه». قوله: «ولا يحل نجس كالميتة والدم» ونضيف إليه ثالثاً: الخنزير؛ لقوله تعالى: {{قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ}}، والاستدلال بهذه الآية أولى من الاستدلال بالآية التي ذكرها صاحب «الروض»[(6)] وهي قوله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}...} إلى آخره؛ لأن هذه الآية ليس فيها التصريح بأنها نجسة. قوله: «ولا ما فيه مضرة» الدليل على تحريم ما فيه مضرة من القرآن والسنة. فمن القرآن: قال الله تعالى: {{وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}} [البقرة: 195] ، وقال عزّ وجل: {{وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}} [النساء: 29] ، والنهي عن قتل النفس نهيٌ عن أسبابه أيضاً، فكل ما يؤدي إلى الضرر فهو حرام، وقال النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «لا ضرر ولا ضرار»[(7)]، وربما يستدل له أيضاً بقوله تعالى: {{وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}} [المائدة: 6] ، ووجه ذلك أن الله تعالى أوجب التيمم على المريض حمايةً له عن الضرر. فعدل به عن الماء الذي قد يتضرر باستعماله في البرد والمرض ونحوهما إلى التيمم. قوله: «كالسم ونحوه» السم يحرم، وليس بنجس، بل هو طاهر ولكنه حرام لضرره، وكذلك الخمر فإنه حرام لضرره العقلي، والبدني، والاجتماعي، لكنه طاهر على القول الراجح؛ لأنه ليس هناك دليل على نجاسته، وقد سبق ذلك مفصلاً بأدلته[(8)]. والسم أحياناً يستعمل دواءً، فيوجد أنواع من السموم الخفيفة تخلط مع بعض الأدوية فتستعمل دواءً، فهذه نص العلماء على أنها جائزة، لكن بشرط أن نعلم انتفاء الضرر، فإذا خلطت بعض الأدوية بأشياء سامَّة، لكن على وجهٍ لا ضرر فيه فإنها تُباح؛ لأن لدينا قاعدة فقهية مهمة، وهي أن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، فإذا استُعمل السم، أو شيء فيه سم على وجه لا ضرر فيه كان ذلك جائزاً، لكن لا يكثر الإنسان من هذا، أو مثلاً يوصف له هذا الدواء الذي فيه شيء من السم بقدرٍ معين، ثم لقوة الأَلَمِ فيه يقول: أنا آخذ بدل القرص عشرة أقراص، فربما إذا فعل ذلك يتضرر ويهلك، بل لا بد في مثل هذه الأمور أن تكون بمشورة أهل العلم بذلك، وهم الأطباء. وَحَيَوَانَاتُ البَرِّ مُبَاحَةٌ إِلاَّ الْحُمُرَ الأَهْليَّةَ، ........................... قوله: «وحيوانات البر مباحة» كأن المؤلف قسَّم الموجودات إلى قسمين: حيوان وجماد، فالجماد تقدم الكلام عليه وأن الأصل فيه الحل، وكذلك الحيوان الأصل فيه الحل، لكن الحيوان ينقسم إلى قسمين: بحري، وبري. أما البحري فكلُّه حلال، وليس فيه شيء حرام، فكل حيوانات البحر مباحة بدون استثناء، حيِّها وميِّتها، لقول الله تعالى: {{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}} [المائدة: 96] ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: صيد البحر، ما أُخذ حيّاً، وطعامه ما أُخذ ميتاً[(9)]، يعني ما ألقاه البحر مثلاً، أو طفا على ظهره ميتاً. يقال: إن في البحر ثلاثة أضعاف ما في البر من الحيوان، وأن في البحر من أجناس الحيوانات وأنواعها أشياء ليست موجودة في البر، وكلها حلال. مسألة: هل يحل آدمي البحر؟ قد يوجد أسماك تشبه الآدميين، على شكل أجمل الرجال، وأجمل النساء، وقد قرأت قديماً أنه موجود، وما يستبعد أنه كان موجوداً ثم انقرض، والله أعلم، فعلى كل حالٍ القاعدة العامة: أن كل حيوانات البحر حلال. وقوله: «وحيوانات البر مباحة» الأصل في حيوانات البر الحل؛ لعموم قوله تعالى: {{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}} [البقرة: 29] فكل الحيوانات من طيور وغيرها الأصل فيها الحل. فإذا قال قائل: هذا الطير حلال، لا نقول له: هات الدليل؛ لأن الأصل معه، وإذا قال: هذا حرام، قلنا: عليك الدليل. وقوله: «وحيوانات البر مباحة» أي قد أباحها الله تعالى خرج به حيوانات البحر، وقد تقدم الكلام عليها. والإباحة بمعنى التحليل. قوله: «إلا الحُمر الأهلية» وفي نسخة «الإنسية» والمعنى واحد و «الحُمُر» : جمع حمار، ولا يصح أن تنطق بها بسكون الميم، لأنك إذا قلت: «الحُمْرُ» فهي جمع أحمر أو حَمْراء، لكن يجب أن نقول: «الحُمُر». والحمر الأهلية هي الحمر التي يركبها الناس وهي معروفة، وهي حرام، وخرج بذلك الحمر الوحشية فهي حلال. فالذي يقول: إن الحمر الوحشية حلال هل نطالبه بالدليل؟ الجواب: لا، لكن إن جاء بالدليل فقد زادنا خيراً، وأما الذي يقول: إن الحمر الأهلية حرام، فإننا نطالبه بالدليل. ودليل تحريم الحمر الأهلية ما ثبت في «الصحيحين» من حديث أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم يوم خيبر أبا طلحة فنادى: «إن الله ورسوله ينـهـيانـكـم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس» [(10)]، فثبت الحكمُ مقروناً بعلَّـتـه وهـو قـولـه صلّى الله عليه وسلّم: «فإنها رجس» . والحُمُر الوحشية قلنا: لا يحتاج حلها إلى دليل؛ لأنه الأصل؛ لكن مع ذلك ثبت في «الصحيحين» أن الصعب بن جثَّامة ـ رضي الله عنه ـ أهدى إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم حماراً وحشياً، وهو بالأبواء، سائراً إلى مكة في حجة الوداع، ولكنه صلّى الله عليه وسلّم ردَّه، وعلل الردَّ قائلاً: «إنا لم نرده عليك إلاَّ إنا حُرُم»[(11)] أي: مُحرِمون، وأنت صِدْتَه لنا فلا نأكله. مسألة: لو تأهَّل الحمار الوحشي فهل يحرم أكله؟ لا؛ لأن العبرة بالأصل. فانتبه لعدّ الأشياء المحرمة من الحيوانات؛ لأن الأشياء المحرمة من الحيوانات أقل بكثير من الأشياء المحللة، فهي محصورة، فالأول: «الحمر الأهلية». وَمَا لَهُ نَابٌ يَفْتَرِسُ بِهِ غَيْرَ الضَّبُعِ ................................... الثاني: قوله: «وما له نابٌ يفترس به» يعني ما له ناب يفترس به من السِّباع، ومعنى «يفترس به» أي: يصطاد به، فينهش به الصيد ويأكله، والدليل أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن كل ذي نابٍ من السباع[(12)]، والأصل في النهي التحريم، فلا يحل أكل كل ذي ناب من السباع؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عنه؛ ولأن الحكمة تقتضيه؛ لأن للغذاء تأثيراً على المُتَغَذِّي به، فالإنسان ربما إذا اعتاد التغذِّي على هذا النوع من اللحوم صار فيه محبة العدوان على الغير؛ لأن ذوات الناب من السباع تعتدي؛ فإن الذئب مثلاً إذا رأى الغنم عدى عليها، ومع ذلك فإن بعض الذئاب إذا دخل في القطيع ما يكتفي بقتل واحدة ويأكلها، بل يمر على القطيع كله فيقتله كله، ويأكل ما شاء ثم يخرج. فإذا اعتاد الإنسان التغذي بهذه الأمور فربما يكون فيه محبة العدوان، وهذه من حكمة الشرع، بل إنه يقول بعض العامة ـ ولكنه قول خطأ ـ: إن الذي يأكل كبد الذئب لا يمكن أن يهاب شيئاً أبداً. قوله: «غير الضَّبُع» هذا مستثنى، يعني أنه حلال، وكلام المؤلف يدل على أن الضبع من ذوات الناب التي تفترس بنابها، ولكن هذا غير مسلَّم، فإن كثيراً من ذوي الخبرة يقولون: إن الضبع لا تفترس بنابها، وليست بسَبُع، ولا تفترس إلا عند الضرورة، أو عند العدوان عليها، يعني إذا جاعت جداً ربما تفترس، وليس من طبيعتها العدوان، أو إذا اعتدى أحدٌ عليها فربما تفترسه، مثل أن يأخذ أولادها من بين يديها، وما أشبه ذلك، وإلا فليست كذلك. ولكن على كل حال فإن استثناء المؤلف إيّاها يجعلنا نطالبه بالدليل؛ لأن استثناءه إيّاها من ذلك يدل على أنه يرى أنها من السباع التي تفترس بنابها، والدليل على إخراجها أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جعل فيها شاةً إذا قتلها المُحْرِم[(13)]، وهذا يدل على أنها من الصيد؛ لأن الله ـ تعالى ـ يقول: {{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}} [المائدة: 95] ، وبهذا استدل الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ أن النبي صلّى الله عليه وسلّم جَعَل فيها كبشاً، وذلك يدل على أنها حلال. وتعتبر هذه الحيوانات الآن منقرضة، يعني نادراً أن تجدها في البلاد، وكانت قديماً كثيرة في الجزيرة العربية، ويقال: إن سبب انقراضها فتح قناة السويس؛ لأنها كانت تأتينا من أفريقيا، وذلك لمَّا كان بين الجزيرة العربية وأفريقيا يابس متصل، ثم لما فتحت القناة امتنعت، والله أعلم. كَالأَْسَدِ، وَالنِّمْرِ، وَالذِّئْبِ، وَالْفِيلِ، وَالْفَهْدِ، وَالْكَلْبِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَابْنِ آوَى، وَابْنِ عِرْسٍ، وَالسِّنَّوْرِ، وَالنِّمْسِ، وَالْقِرْدِ، وَالدُّبِّ، وَمَا لَهُ مِخْلَبٌ مِنَ الطَّيْرِ يَصِيدُ بِهِ، ...... قوله: «كالأسد» الأسد حيوان معروف يضرب به المثل في الشجاعة. قوله: «والنمر» حيوان بين الكلب والأسد، وله جلد مخطط. قوله: «والذئب، والفيل، والفهد، والكلب، والخنزير» وهذه كلها حيوانات معروفة. قوله: «وابن آوى» معروف، ويسمَّى في العامِّية الواوي؛ ولهذا إذا أرادوا أن يزجروا أحداً قالوا له: أنت الواوي. قوله: «وابن عرس» حيوان معروف. قوله: «والسنور» وهو القط. قوله: «والنِّمس والقرد» وكل هذه أمثلة لما له ناب يفترس به، وليس بشرط أن يفترس الرجال، أو يفترس المواشي، فقد تفترس الأشياء الصغيرة، وكلنا يعرف أن هذه كلها تفترس وتأكل ما دونها من الحيوانات. قوله: «والدب» معروف، والظاهر أنه حيوان بليد، ولذلك يضرب به المثل في الإنسان البليد يقال: «فلانٌ دُبٌّ». إذاً: الحيوانات أصناف: الأول: الحمر الأهلية الثاني: ماله ناب من السباع يفترس به، والثالث: ما له مخلب من الطير يصيد به، الرابع: ما يأكل الجيف، الخامس: ما يستخبث، السادس: ما تولد من مأكول وغيره كالبغل. الثالث: قوله: «وما له مخلب من الطير يصيد به» المخلب ما تُخلب به الأشياء، أي: تُجرح وتُشق، والمراد بها الأظفار التي يفترس بها، فإن هذه الطيور التي ذكرها المؤلف لها أظفار قوية تشق بها الجلود، حتى إنها تمر خاطفة الأرنب وهي طائرة، فتضربه بهذه الأظفار حتى تشق جلده، وليس المراد بالمخلب ذلك الشيء الذي يَخْرج في ساق الديك، فإن هذا مخلب لكنه لا يصيد به. كَالْعُقَابِ، وَالْبَازِي، وَالصَّقْرِ، وَالشَّاهِينِ، وَالبَاشِقِ، وَالحِدَأَةِ، وَالْبُومَةِ، وَمَا يَأْكُلُ الجِيَفَ كَالنِّسْرِ، وَالرَّخْمِ، وَاللَّقْلَقِ، وَالْعَقْعَقِ، وَالْغُرَابِ الأَْبْقَعِ، وَالْغُدَافِ، وَهُوَ أَسْوَدُ صَغِيرٌ أَغْبَرُ، وَالْغُرَابِ الأَْسْوَدِ الْكَبِيرِ،........... قوله: «كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والباشق والحدأة والبومة» هذه أمثلة لطيور تصيد بمخلبها وهي طيور معروفة. الصنف الرابع: قوله: «وما يأكل الجيف» توجد طيور تأكل الجيف، ولكنها لا تصيد، إذا رأَتِ الجيفة نزلت عليها وأكلت منها، ومثَّل لها المؤلف بقوله: «كالنسر، والرخم، واللقلق، والعقعق» هذه طيور معروفة، والعقعق والبوم يتشاءم بها العرب، قال الشاعر: إن مَن صاد عَقْعَقاً لمشوم كيف من صاد عقعقان وبوم؟ يعني: يصير أشد. لكن الإسلام يقول: «لا عدوى ولا طيرة» [(14)]، ومن فتح على نفسه باب الطيرة تعب. قوله: «والغُراب الأبْقَع» يعني توجد فيه بقعة بيضاء، هذا أيضاً حرام، وهو احتراز من غراب صغير يشبه الحمامة، فهذا يقولون: إنه حلال؛ لأنه لا يأكل الجيف. قوله: «والغداف وهو أسود صغير أغبر» وهو معروف عند المؤلف لكن عندنا غير معروف. قوله: «والغراب الأسود الكبير» هذا غير الأبقع، إذاً، الغِربان صارت ثلاثة أقسام: أبقع، وأسود كبير، وأسود صغير. والأسود الصغير الذي يشبه الحمامة، ومنقاره أسود، فهذا حلال، والأسود الكبير والأبقع هذان حرام. هذا الصنف الرابع يقول فيه شيخ الإسلام: «فيه روايتا الجلاَّلة» يعني أن فيه روايتين عن الإمام أحمد، رواية: أنها حرام، والثانية: أنها حلال. وعند الإمام مالك ـ رحمه الله ـ: جميع الطيور حلال لا يحرم منها شيء، وكأنه لم يبلغه حديث ابن عباس: (أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن كل ذي نابٍ من السباع، وكل ذي مخلب من الطير)[(15)]. والحكمة في تحريم ذوات المخالب التي تصيد بها ما أشرنا إليه في تحريم ما له ناب يفترس به، وهي أن الإنسان إذا تغذّى بهذا النوع من الطيور التي من طبيعتها العدوان والأذى، فإنه ربما يكتسب من طبائعها وصفاتها، ولهذا قال العلماء: لا ينبغي للإنسان أن يُرضِعَ ابنه امرأة حمقاء؛ لأنه ربما يتأثر بلبنها. والصنف الرابع: ما يأكل الجيف كالجلاَّلة وهي التي أكثر علفها النجاسة، وفيها للعلماء قولان: الأول: أنها حرام؛ لأنها تغذَّت بنجس، فأثَّر في لحمها. الثاني: أنها حلال، وهو مبنيٌّ على طهارة النجس بالاستحالة، قالوا: إن هذه النجاسة التي أكلتها استحالت إلى دم ولحم وغير ذلك مما ينمو به الجسم، فيكون طاهراً، وحينئذٍ يكون ما يأكل الجيف حلالاً. ونظير ذلك من بعض الوجوه، الشجر إذا سمُد بالعذرة، أي: بالنجاسة، هل يحرم ثمره، أو لا يحرم؟ جمهور العلماء على أنه لا يحرم ثمره؛ لأن النجاسة استحالت، إلا إذا ظهرت رائحة النجاسة، أو طعم النجاسة في الثمر فيكون حراماً، وهذا القول هو الصحيح بلا شك، أنه لا يحرم ما سمُد بالنجس ما لم يتغير. وكان الناس يسمدُون بأرواث الحمير لما كانت هي التي تستخدم لإخراج الماء من الآبار، ولكن لو قلت لهم: سمدوا بعذرة الإنسان، قالوا: نعوذ بالله، هذا ما يجوز! مع أنهم يسمدون بأرواث الحمير، ولا فرق بينهما، فكلاهما نجس! لكن العادات تؤثر في العقائد، لمَّا كانوا لا يعتادون أن يسمدوا بعذرة الإنسان قالوا: هذا حرام، ولما كانوا يعتادون أن يسمدوا بأرواث الحمير قالوا: هذا لا بأس به. ولكن الصحيح أنه لا بأس به في الموضعين، وأن ثمر النخيل، أو الأشجار التي تسمد بهذه النجاسات حلال وطاهر، ما لم يظهر على ثمرها أثر النجاسة. وَمَا يُسْتَخْبَثُ كَالْقُنْفُذِ، والنِّيصِ، وَالْفَأْرَةِ، وَالْحَيَّةِ، وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا، وَالْوَطْوَاطِ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ كَالْبَغْلِ. الصنف الخامس: قوله: «وما يُستخبث» يعني وكل ما يُستخبث، ومن الذي يستخبثه؟ قال في الروض: «ذوو اليسار»[(16)] أي: ذوو الغِنى، يعني أن الشيء الذي يستخبثه الأغنياء من الحيوانات فهو حرام، والدليل قوله تعالى في وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم: {{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}} [الأعراف: 157] قالوا: إذاً كل ما عدَّه الناس خبيثاً فهو حرام، فهذا الدليل صحيح، ولكن الاستدلال به غير صحيح؛ لأن معنى الآية أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يحرم إلا ما كان خبيثاً، وأن ما حرمه الشرع لا تسأل عنه، فهو لا يحرم إلا الخبيث، وليس المعنى كل ما عددته خبيثاً فهو حرام؛ لأن بعض الناس قد يستخبث الطيب، ويستطيب الخبيث، فَيُعلنون عن الدخان ويقولون: طيب النكهة، لذيذ في طعمه، وطيب في رائحته، وطيب في لفافته، فيُلف لفاً طيباً، وطيب في عقبه، فتنتهي السيجارة قبل أن تشوي الفم، فيولونه من الأوصاف الطيبة ما يجعله من أطيب الطيبات، فهل ينقلب هذا الخبيث طيباً؟! لا. أبداً. ورأينا من الناس من يستخبث الجراد ـ مثلاً ـ حتى إن زميلاً أذكره ـ كان يدرِّس معنا في المعهد ـ يقول: إني حاولت أكل جرادة فكادت نفسي تخرج معها، وعجزت أن أبلعها لكراهتي لها، ولولا أن الله لطف لمِتُّ، إلى هذه الحال يستخبثها!! إذاً لو رجعنا إلى هذه الأمور لصار الحِلُّ والتحريم أمراً نسبياً، فيكون هذا الشيء عند قوم حلالاً، وعند آخرين حراماً؛ لأن هؤلاء اعتادوه فاستطابوه، والآخرين لم يعتادوه فلم يستطيبوه، بل استخبثوه، ولكن لا يمكن أن يكون الشرع هكذا، فالشرع إذا حرَّم عيناً فهي حرام عند كل الناس، وليس مطلق كون الشيء خبيثاً يقتضي التحريم، بدليل قول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مسجدنا» يعني بها البصل، وقالوا: حُرِّمتْ حُرِّمتْ؟ فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «إنه ليس لي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها»[(17)]. فإذاً نقول: لا أثر لاستخباث ذوي اليسار، وأن معنى الآية أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يحرم إلا ما كان خبيثاً، فيكون الوصف بالخبث علة لما حرَّمه الشرع، وأن الشرع لا يحرم إلا خبيثاً، فإذا حرم شيئاً فلا تبحث هل هو طيب؟ أو غير طيب؟ بل إذا حرمه فاعلم أنه خبيث، أما أن نقول: كل ما استخبثه الناس، أو ذوو اليسار منهم فهو حرام، فهذا أمر لا يمكن؛ لأن معنى ذلك أن نَردَّ الأحكام إلى أعراف الناس وعاداتهم. وعليه، فإن هذا الصنف وهو الخامس الصوابُ خلافه وأن ما يُستخبث حلال، إلا إذا دخل في أحد الضوابط السابقة فيكون حراماً، مثاله: قوله: «كالقنفذ» وهو حيوان معروف صغير، له شوك، إذا أحس بأحد انكمش ودخل في هذا الشوك،ولا يقدر عليه أحد حتى الحية، إلا الحدأة تمسكه بشوكه، وتطير به في السماء، ثم تطلقه، فإذا أطلقته ووصل للأرض مات وانفتح لها، فهذا القنفذ يقول المؤلف: إنه حرام؛ لأن العرب ذوي اليسار يستخبثونه، ولو وجدنا عرباً لا يستخبثونه صار عندهم حلالاً، وقد نزل بنا رجل من بلد عربي، وتسحَّر عندنا ذات يوم في رمضان، وخرج بعد صلاة الفجر على أن يأتي ليفطر معنا ويتعشى، ولما جاء إلى الإفطار، إذا معه خيشة فيها شيء يتحرك، فقلنا: ما هذه؟ قال: هذه قنافذ، فكأنه ـ والله أعلم ـ يريد أن يهديها لنا لنطبخها له في السحور، فقلنا له: هذا ما يحل في مذهبنا، قال: إنه في مذهبنا يحل، وإنه عندنا طعام طيب نتلذذ به، فهل في هذه الحال يجب علينا أن نفتح هذه الخيشة ونخرجها؟ لا؛ لأنه عنده مال محترمٌ. قوله: «والنيص» وهو يشبه كبير القنافذ، حيوان كبير مثل الهر تقريباً، وله شوك، لكنه ليس كالقنفذ، إذا أحس بأحدٍ يلحقه، أو يريد أن يمسكه انتفض ثم انطلق عليه شوك من جسده وضربه. قوله: «والفأرة» معروفة، وواضح أنها حرام، ولكن ليس لأجل أنها خبيثة، وإنما من أجل عدوانها؛ لأنها مجبولة على العدوان، ولهذا تسمى «الفُوَيسقة»، ومثل الفأرة الجرذي، وهو فأرة البر، فلا يحل؛ لأنه يعتدي. ولذلك كان اليربوع حلالاً مع أنه قريب وشبيه بالفأرة واليربوع حيوان صغير رجلاه طويلتان ويداه قصيرتان وهو ذكي يحفر له جحراً ويجعل له أكثر من باب واحد، أحدها مخرجاً غير مرئي حتى يهرب منه عند الحاجة. قوله: «والحية» الحية حرام، وهنا قاعدة للحية، والفأرة، وشبهها، ينبغي أن نجعلها بدل قاعدة المؤلف: «الاستخباث»، وهي: (أن كل ما أمر الشارع بقتله، أو نهى عن قتله، فهو حرام). أما ما نهى عن قتله فالأمر فيه ظاهر أنه حرام؛ لأنك لو قتلته وقعت فيما نهى عنه الشارع، وأمَّا ما أمر بقتله فلأنه مؤذٍ معتدٍ. فالذي أمر بقتله مثل قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خمس من الدواب كلهن فواسق، يُقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور»[(18)]، والحية أيضاً أمر بقتلها[(19)]، والوزغ أمر بقتله[(20)]. والذي نهي عن قتله أربع من الدواب: النملة والنحلة والهدهد والصُّرَد[(21)]، والصرد طائر صغير مثل العصفور، له مِنْقَارٌ أحمر، قال بعضهم: إنه ما يُعرَف عند العامة «بالصبري». قوله: «والحشرات كلها» هذا مثال لما يستخبث، مثل: الصَّارُور، والخُنفساء، والجُعَل، والذباب، وما أشبه ذلك. قوله: «والوَطْواط» ويسمى عندنا الخُفَّاش، وهو الذي يطير في الليل. الصنف السادس: قوله: «وما تَوَلَّد من مأكول وغيره كالبغل» كل حيوان تولد من مأكول وغيره فإنه حرام؛ لأنه اختلط مباح بحرام على وجه لا يتميز أحدهما عن الآخر فكان حراماً؛ إذ لا يمكن اجتناب الحرام حينئذٍ إلاَّ باجتناب الحلال، واجتناب الحرام واجب، فكان اجتناب الحلال واجباً. فالبغل متولد من نزو الحمار على الفرس، ولهذا ورد في حديث رواه أبو داود ـ ولا بأس به ـ أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم نهى عن أن يُنزى الحمار على الفرس[(22)]، فالبغل حرام؛ والعلة في ذلك أن الله تعالى حرم الحمر، والبغل متولد من حمار وفرس، والفرس حلال، ولكن لا يمكن تمييز الحلال من الحرام فحرم الجميع؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والحاصل أننا إذا أضفنا ما ذكرتهُ إلى كلام المؤلف رحمه الله تكون الأصناف سبعة، وإذا حذفنا الخامس من كلام المؤلف صارت ستة وهي الأصناف المحرمة من حيوانات البر، أما حيوانات البحر فقد سبق أن قلنا: كلها حلال واستدللنا بقوله تعالى: { ...{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا}} [المائدة: 96] وقلنا: إن المراد بصيده ما أخذ حياً، ويطعامه ما أخذ ميتاً، هكذا فسره ابن عباس رضي الله عنهما. قوله: «وما عدا ذلك فحلال» «ما» موصولة، والمعنى والذي عدا ذلك، ويمكن أن نجعلها شرطية؛ لأن «عدا» فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدَّر على آخره، ولا يظهر عليه علامة الجزم، والأصل فيما ارتبط بالفاء أنه شرط؛ لأن «الفاء» الرابطة الأصل أن تأتي في الأدوات الشرطية؛ ولهذا إذا جاءت في خبر مبتدأ موصول نقول: شُبِّهَ الموصول بالشرط؛ لعمومه، وهذا يدل على أن الأصل هو الشرط، فإذا لم يكن في الكلام ما يُعيِّن أن تكون «ما» موصولة فلتجعل «ما» شرطية؛ لأن الأصل أن الربط بالفاء إنما يكون للشرط.
* * *
فَصْلٌ
وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَحَلاَلٌ، كَالْخَيْلِ، ......................................... إذاً قوله: «وما عدا ذلك» يعني ما تجاوزه، أي: ما سوى ذلك. وقوله: «فحلال» خبر لمبتدأ محذوف، أي: فهو حلال. فإذا قال قائل: ما الدليل؟ الجواب: الأصل، يعني أن الدليل هو عدم الدليل، أي: عدم الدليل على التحريم، مثاله: قوله: «كالخيل» وهنا قد نحتاج إلى دليل يدل على إباحة الخيل؛ لأن بعض العلماء حرَّم الخيل كأبي حنيفة، وبعضهم كرهها كمالكٍ، وبعضهم أباحها كالإمام أحمد. فلو قلنا: إن الخيل لا نحتاج إلى الاستدلال لحلّها؛ لأنه الأصل، قلنا: هذا صحيح، لكن ما دام قد عارَضَنَا بعض أهل العلم مستدلاً بدليل من القرآن، فلا بد أن نأتي بدليل واضح على حلها، فما الدليل؟ الدليل: حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ «أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن لحوم الحُمُر، وأذِنَ في لحوم الخيل»[(23)]، فهذا واضح. كذلك حديث أسماء في البخاري قالت: «نحرنا فرساً في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ونحن في المدينة فأكلناه»[(24)]، وقولها: «ونحن في المدينة» تعني أنه متأخر، وإنما نصَّت على أنه في المدينة؛ لأن سورة النحل التي فيها دليل من استدل على تحريمها مكية. إذاً الخيل مباحة، ولها دليل إيجابي ودليل سلبي، فالسلبي عدم الدليل على التحريم فيكون الأصل الإباحة، والإيجابي حديث جابر وحديث أسماء ـ رضي الله عنهما ـ. ولكن ذهب بعض العلماء إلى التحريم ـ كأبي حنيفة ـ واستدل بقوله تعالى: {{وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ *وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ *وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ *وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ *}} [النحل] . فالأنعام قال: {{لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}}، {{وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ}}، قال: {{لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}}، فقسم الله سبحانه وتعالى هذه البهائم إلى قسمين: قسم له كذا، وقسم له كذا، وذكر الخيل فيما يحرم، وهي البغال، والحمير، فلتكن محرَّمة، وذكر الحكمة وهي الركوب والزينة، ولو كان الأكل سائغاً لذكره؛ لأنه غاية لمن اقتناه. وهذا الاستدلال لولا الأحاديث لكان له وجه، ولكن إذا كانت الأحاديث مُصرِّحَة بأن الخيل حلال، فإنه لا يمكن أن يكون هذا الدليل قائماً؛ لأن السُّنَّة تفسِّر القرآن وتبينه. فإن قلت: إذاً لماذا هذا التقسيم؟ قلنا: لأن أَعمَّ منافع الخيل هو الركوب، والزينة، وفيه أيضاً إشارة ـ والله أعلم ـ أنه لا ينبغي أن تُجعَل الخيل للأكل، وإنما تُجعل للركوب، وللزينة، وللجهاد في سبيل الله، أمَّا الأكل فهناك ما يكفي عنها وهي الأنعام، فالإبل أكبر منها أجساماً، وأكثر منها لحوماً، والبقر، والغنم، ولأنها لو اتخذت للأكل لفنيت، وبطل الانتفاع بها في الجهاد في سبيل الله. فهذه هي الحكمة ـ والله أعلم ـ في أنها قرنت بالبغال والحمير. وَبَهِيمَةِ الأَْنْعَامِ، وَالدَّجَاجِ، وَالْوَحْشِيِّ مِنَ الْحُمُرِ،........................ قوله: «وبهيمة الأنعام» وهي: الإبل، والبقر، والغنم، وسُمِّيت بهيمة؛ لأنها لا تتكلم، فأَمْرُها مُبْهَم عندنا، أرأيت الشاة في البيت هل إذا جاعت تقول: أعطني علفاً؟! لا، لكن ربما تثغو، فإذا ثغت هل يتعين أن يكون ثُغَاؤهَا لطلب العلف؟ لا، ربما لطلب الماء، وربما لطلب الفَحْل، وربما لمرض فيها، المهم لها أسباب لا نعرفها فحاجتها بالنسبة لنا مبهمة ولهذا سميت بهيمة. فما الدليل على حل بهيمة الأنعام؟ الجواب: نقول: لا نحتاج إلى دليل؛ لأن هذا هو الأصل، ومع ذلك ـ والحمد لله ـ توجد أدلة كثيرة، قال الله تعالى: {{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ}} [المائدة: 1] . وقال عزّ وجل: {{ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ *وَمِنَ الإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }} [الأنعام:143] . قوله: «والدجاج» وهو حلال بناءً على الأصل، وقد وردت فيه أحاديث أنها أكلت على عهد النبي عليه الصلاة والسلام[(25)]. فيكون حل الدجاج ثابت بالنص وبالأصل. قوله: «والوحشي من الحُمر» الحمار الوحشي حلال، والدليل الأصل، ثم نقول: عندنا دليل إيجابي، وهو حديث الصعب بن جثَّامة[(26)]، وحديث أبي قتادة ـ رضي الله عنهما[(27)] ـ، وعندنا أيضاً حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: «إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمرُ الأهلية»[(28)]، فإن مفهوم «الأهلية» يدل على حل الوحشية. وَالْبَقَرِ وَالضبِ وَالظِّبَاءِ وَالنَّعَامَةِ وَالأَْرْنَبِ وَسَائِرِ الْوَحْشِ، وَيُبَاحُ حَيَوَانُ الْبَحْرِ كُلُّهُ .......... قوله: «والبقر» أي: الوحشي من البقر ـ أيضاً ـ حلال بناءً على الأصل. قوله: «والضب» [(29)] وهو حيوان معروف، وهو حلال، والدليل الأصل، وفيه ـ أيضاً ـ أحاديث صحيحة عن النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ، لكن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يأكله؛ لأنه لم يكن في أرض قومه[(30)]، فكرهه كراهة نفسية لا شرعية. قوله: «والظباء» جمع «ظبي»، وهو معروف، وهو حلال، والدليل الأصل، ولأن في صيده في حال الإحرام فدية، وكل شيء فيه فدية فإنه حلال. قوله: «والنعامة» معروفة، وهي حلال للأصل، ولأن الصحابة رضي الله عنهم قَضَوا فيها إذا صادها المحرم ببدنة[(31)]، وهذا دليل على الحل. قوله: «والأرنب» معروف، وهو حلال بناءً على الأصل. قوله: «وسائر الوحش» والمراد بالوحش هنا غير المألوف من سائر جنس الحيوانات. أي: سائر الوحش غير ما استُثني فيما سبق من المحرمات فإنه حلال، يقول في الروض: «كالزرافة، والوبر، واليربوع، وكذا الطاووس، والببَّغاء»[(32)]، فكل هذه حلال، بناءً على الأصل. قوله: «ويباح حيوان البحر كله» «كل» من ألفاظ التوكيد، لكن هل هي توكيد للبحر، أو هي توكيد للحيوان؟ الجواب: هي توكيد للحيوان، والدليل الاستثناء؛ حيث قال: «إلا الضفدع» . وقوله: «ويباح حيوان البحر كله» والدليل قوله تعالى: {{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}} [البقرة: 29] ، والدليل الخاص قوله تعالى: {{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}} [المائدة: 96] ، قال ابن عباس: {{صَيْدُ الْبَحْرِ}} ما أخذ حياً، {{وَطَعَامُهُ}} ما أخذ ميتاً[(33)]. فيباح حيوان البحر كله ولو كان على صفة الحمار، أو الكلب، أو الإنسان، إلا ثلاثة أشياء، قال: إِلاَّ الضِّفْدِعَ، وَالتِّمْسَاحَ، وَالْحَيَّةَ، وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى مُحَرَّمٍ ـ غَيْرَ السُّمِّ ـ حَلَّ لَهُ مِنْهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ،........... «إلا الضفدع، والتمساح، والحية» فهذه الثلاثة لا تُباح. قوله: «الضفدع» قال في الروض: «لأنها مستخبثة»[(34)]، مع أن الضفدع في الواقع بري بحري، إذاً ليس من حيوان البحر؛ لأن حيوان البحر هو الذي لا يعيش إلا في الماء، وإذا كانت العلةُ الاستخباث فإننا نرجع إلى ما سبق، وهو هل الاستخباث يعتبر علة مؤثرة؟ وقوله: «والتمساح» فهذا ـ أيضاً ـ يحرم، ولو كان من حيوان البحر، قال في الروض: «لأنه ذو ناب يفترس به»[(35)]. فهل هذا صحيح؟ الجواب: نعم، لكنه ليس من السباع، ولهذا ليس ما يحرم في البر يحرم نظيره في البحر، فالبحر شيء مستقل، حتى إنه يوجد غير التمساح مما له ناب يفترس به، مثل القرش، ويوجد ـ أيضاً ـ أشياء غريبة إذا شاهدت الإنسان ارتَقَت فوقه ـ كما حدثني الذين يغوصون في البحر ـ فتكون فوقه كالغمامة، ثم تنزل شيئاً فشيئاً حتى تكبس عليه، فإذا كبست عليه فإنه يموت، لكن يقول لي أحد البحَّارة: ـ سبحان الله ـ لها محل يخرج منه فضلات الطعام، إذا حكه الإنسان ارتفعت، فينجون. والحاصل أنه توجد أشياء تقتل، ومع ذلك فإنها حلال، وعليه فإننا نقول: الصحيح أنه لا يُستثنى التمساح، وأنه يؤكل. وقوله: «والحيَّة» أي: أنها حرام، قال في الروض: «من المستخبثات»[(36)]، وهذه العلة: أولاً: فيها نظر كما سبق. ثانياً: ليس ما يُستخبث في البر يكون نظيره في البحر مُستخبثاً. وعليه فالصواب أنه لا يُستثنى من ذلك شيء، وأن جميع حيوانات البحر التي لا تعيش إلا في الماء حلال، حيُّها وميتها، لعموم الآية الكريمة التي ذكرناها من قبل. وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لِدَفْعِ بَرْدٍ، أَوِ اسْتِسْقَاءِ مَاءٍ، وَنَحْوِهِ، وَجَبَ بَذْلُهُ لَهُ مَجَّاناً، ....... قوله: «ومن اضطُر» أصل اضطر في التصريف اضتر، ولا يصح أن نقول: اضْطَرَّ؛ لأن الإنسان مُلْجَأٌ وليس مُلجِئاً، نعم إن قلتَ: اضطَرَّ فلانٌ فلاناً أن يفعل كذا صَحَّ، أمَّا إذا كان وصفاً لمن وقعت به الضرورة فلا يجوز أن نقول: «اضْطَرَّ» ولهذا في القرآن: {{فَمَنِ اضْطُرَّ}} [البقرة: 173] وانتبه، فبعض الطلبة يقول: «اضْطَرَّ» وهذا خطأ، والمعنى ألجأته الضرورة، أي: أصابته ضرورة إلى فعل هذا الشيء، ويلحقه الضرر إن لم يفعله. قوله: «إلى محرم» أي: محرم من هذه الأشياء المحرمة من المأكولات. قوله: «غير السم» استثنى المؤلف السم، وسيأتي. قوله: «حلّ له منه ما يسدُّ رمقه» «يسد» أي: يكفي، «رمقه» أي: بقية حياته، ولهذا الحيوان إذا وصل إلى حال الموت يقال: هذا ما فيه رمق، أي: ما فيه بقية حياة، فيحل للمضطر أن يأكل ما يسد رمقه، يعني ما تبقى معه الحياة فقط، ولا يشبع، والدليل قوله تعالى: {{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ}} إلى أن قال: {{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}} [المائدة: 3] . وقال تعالى: {{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }} [البقرة:173] . إذاً، إذا اضطُر الإنسان إلى هذه المحرمات جاز له أكلها، لكن الله ـ عزّ وجل ـ اشترط شرطين: الأول: {{فِي مَخْمَصَةٍ}} أي: مجاعة. الثاني: {{غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ}} يعني غير مائل إلى الإثم، أي: ما ألجأه إلا الضرورة وما قصد الإثم. في الآية الثانية: {{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ}} قيل: إن الباغي هو الخارج على الإمام، والعادي الطالب للمحرَّم المعتدي. وعلى هذا؛ فإذا كان السفر محرماً، واضطر إلى أكل الميتة قلنا: لا تأكل؛ لأنك باغٍ وعادٍ، والصواب أن الباغي والعادي وصفان للتناول، أي: غير باغٍ في تناوله، أي: لا يريد بذلك أن يتناول المحرم، ولا عادٍ أي: متجاوزٍ قدرَ الضرورة؛ لتُفسَّر الآية التي في سورة «البقرة» بالآية التي في سورة «المائدة». وقوله: «حل له منه ما يسد رمقه» فهل له أن يشبع؟ الجواب: على كلام المؤلف ليس له أن يشبع؛ لأن هذا الأكل أكل ضرورة، فيتقيد بقدر الضرورة، لكن لو جاع مرة ثانية أكل ولا مانع. وقيل: له أن يشبع إن خاف أن يجوع في المستقبل، ولكن الصواب: أنه ليس له أن يشبع، وأن هذا الأكل ضرورة، فيتقيد بقدرها، وإذا خاف أن يجوع قبل أن يصل إلى بلده مثلاً، فله أن يتزود من هذا اللحم بحمله معه، وإذا تزوَّد وحمل معه فليس عليه خطر، لكن إذا شبع من هذا اللحم الخبيث، فربَّما يكون عليه تخمة، ونتن في بطنه فيتضرر، فالصواب هنا ما ذكره المؤلف أنه لا يحل له إلا ما يسد رمقه، ويرد عليه قوَّته. وقوله: «غير السم» استثنى السم، و«السم» مثلثة السين،فيصح أن تقول: «سَم» و«سُم» و«سِم» فالإنسان لا يغلط فيها، فالسم لو اضطر إليه الإنسان لا يأكل منه، لماذا؟ الجواب: لأنه إذا أكل من السم أسرع إلى نفسه القتل، وهذا أمر معلوم، وإذا لم يأكل ربما سهَّل الله له شيئاً يأكله، لكن إذا أكل السم فقد قتل نفسه فالسم لا يحل بأي حال من الأحوال. مسائل: الأولى: لو اضطُر إلى شرب لبن الأتان ـ أي: الحمارة ـ هل يحل؟ الجواب: يحل له ذلك، وكل المحرمات التي لا تضر بذاتها إذا اضطُرَّ إليها الإنسان أكل منها وشرب. وقد اشتهر عند العامة أن نوعاً من السعال (الكَحَّة) يُداوى بلبن الأتان، ويقولون: إذا حلّت الضرورة حلت المحرمات. «حلت» الأولى بمعنى نزلت، و«حلت» الثانية بمعنى أُبيحت، ففيه جناس تام، وهذا غير صحيح وليس له أصل، لأمرين: الأول: أن الله لم يجعل شفاءنا فيما حرم علينا. الثاني: أن الضرورة التي تبيح المحرم يشترط لها شرطان: الأول: أن يتعين دفع ضرورته بهذا الشيء لا بغيره. الثاني: أن تندفع ضرورته به. فهل الدواء ينطبق على هذا أو لا؟ الجواب: لا ينطبق، أولاً: لأن الإنسان قد يُشفى بدون تناول الدواء، وهذا شيء كثير، وكم شفينا ـ والحمد لله ـ من أمراض كثيرة بدون أن نتناول دواءً، وغالب الناس مر عليه هذا، إذاً لسنا في ضرورة لتناول الدواء. ثانياً: ربما يكون هناك دواء غير هذا يغني عنه، فلسنا في ضرورة إلى هذا الدواء. وقولنا: «أن تندفع ضرورته به» فهل الدواء تندفع به الضرورة؟ الجواب: قد تندفع وقد لا تندفع، يعني قد يُفيد، وقد لا يفيد، ولهذا جاء في الحديث الصحيح عن الرسول عليه الصلاة والسلام: «الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام» [(37)]، يعني الموت، فإذا لم يرد الله ـ عزّ وجل ـ أن يشفي هذا المريض لم يُشفَ ولو بالدواء. وإذا جاء الأمر بعد النهي فهو للإباحة، وإذا جاء الحل بعد التحريم فإنه يقصد به انتفاء التحريم، ولا ينفي أن يكون الشيء واجباً، فقول المؤلف: «حل له» أي: ارتفع التحريم؛ لأنه في هذه الحال إذا اضطر إلى أكل المحرم لا نقول: هو حلال، إن شئت فَكُل، وإن شئت فلا تأكل، بل يجب أن يأكل؛ لإنقاذ نفسه، وعليه فيكون التعبير هنا بالحل في مقابل التحريم، فلا ينافي الوجوب. المسألة الثانية: لو اضطر إلى شرب ماء محرمٍ هل يشرب؟ الجواب: نعم يشرب، ولو اضطر إلى شرب الخمر فلا يشرب، يقول العلماء: إن الخمر لا يغني من العطش، بل يزيد العطش، ومع ذلك إذا اضطر إليه بحيث تندفع ضرورته بتناوله حل له الخمر، ومثَّلوا لذلك برجل غصَّ بلقمةٍ ولم يكن عنده إلا كأس خمر، فله أن يتناول ما يدفع اللقمة فقط ثم يمسك؛ لأنه هنا تندفع به الضرورة، أما غيرها فلا تندفع به الضرورة. قوله: «ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه لدفع برد، أو استسقاء ماء، ونحوه وجب بذله له مجاناً» الاضطرار إلى مال الغير إما أن يكون إلى عينه، وإما أن يكون إلى نفعه. مثال الاضطرار إلى عينه: جاع إنسان وليس عنده إلا خبزٌ لغيره، ومثال الاضطرار إلى نفعه: بَرَدَ الإنسان واضطُر إلى لحاف غيره، فالاضطرار هنا إلى نفعه لا إلى عينه؛ لأن اللحاف سيبقى، والذي يُنتفع به هو التدفئة بهذا اللحاف. والفرق بينه وبين الاضطرار إلى عين المال أنَّ المضطر إلى نفع المال ستبقى عين المال، والمضطر إلى عين المال سوف تفنى عين المال، فبينهما فرق واضح. في المسألة الأولى: إذا اضطر إلى مال الغير، فإن صاحب المال إن كان مضطراً إليه فهو أحق به. مثاله: رجل معه خبزة وهو جائع وصاحبه جائع، وليس معه خبز، فالصاحب محتاج إلى عين مال الغير، لكن الغير ـ أيضاً ـ محتاج إليه، ففي هذه الحال لا يحل للصاحب أن يأخذ مال الغير؛ لأن صاحبه أحق به منه، ولكن هل يجوز لصاحبه أن يؤثره أو لا؟ الجواب: المذهب أن الإيثار في هذه الحال لا يجوز، وقد سبق لنا قاعدة في ذلك، وهي أن الإيثار بالواجب غير جائز، ومن أمثلتها في باب التيمم إذا كان الإنسان ليس معه من الماء إلا ما يكفي لطهارته، ومعه آخر يحتاج إلى ماءٍ فلا يعطيه إياه والثاني يتيمَّم؛ لأن هذا إيثار بالواجب، والإيثار بالواجب حرام. وعلى هذا فإذا كان صاحب الطعام محتاجاً إليه، يعني مضطراً إليه كضرورة الصاحب فإنه لا يجوز أن يؤثر به الصاحب؛ لأن هذا يجب عليه أن ينقذ نفسه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «ابدأ بنفسك» [(38)]، فلا يجوز أن يؤثر غيره؛ لوجوب إنقاذ نفسه من الهلكة قبل إنقاذ غيره، هذا هو المشهور من المذهب. وذهب ابن القيم ـ رحمه الله ـ إلى أنه يجوز في هذه الحال أن يؤثر غيره بماله، ولكن المذهب في هذا أصح، وأنه لا يجوز، اللهم إلا إذا اقتضت المصلحة العامة للمسلمين أن يؤثره، فقد نقول: إن هذا لا بأس به، مثل لو كان هذا الصاحب المحتاج رجلاً يُنتفع به في الجهاد في سبيل الله، أو رجلاً عالماً ينفع الناس بعلمه، وصاحب الماء المالك له، أو صاحب الطعام رجل من عامة المسلمين، فهنا قد نقول: إنه في هذه الحال مراعاة للمصلحة العامة له أن يؤثره، وأما مع عدم المصلحة العامة فلا شك أنه يجب على الإنسان أن يختص بهذا الطعام الذي لا يمكن أن ينقذ به نفسه، وصاحبه. وإذا كان طعام الإنسان كثيراً وَوَجَدَ مضطراً إليه فإنه يجب أن يبذله له وجوباً. فالخلاصة: أنه إذا اضطر إلى عين مال الغير، فإن كان الغير مضطراً إليه فهو أحق به، ولا يؤثر غيره به، وإذا كان غير مضطر إليه وجب أن يبذله لهذا المضطر وجوباً، وهل يبذله مجاناً أو بالقيمة؟ الجواب: فيه خلاف بين العلماء، قال بعضهم: يجب أن يبذله له مجاناً؛ لأن إطعام الجائع فرض كفاية، والفرض لا يجوز أن يتخذ عليه الإنسان أجراً. وقال آخرون: يجب أن يبذله له، وعلى المنتفع به القيمة؛ لأنه أتلف عين مال الغير فلزمه عوضه، قيمته إن كان متقوماً، ومثله إن كان مثلياً. وهناك تفصيل أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه إن كان مع المضطر العوض وجب بذله، وإن كان فقيراً فليس عليه شيء؛ لأن الفقير من أين يوفي؟! وإطعام الجائع واجب، بخلاف الغني فإن عنده ما يعوض به صاحب المال، وهذا قول وسط وله وجهة من النظر. فإن أبى صاحب المال، أو الطعام أن يعطيه، فهل لهذا المضطر أن يأخذه بالقوة؟ الجواب: نعم، له أن يأخذه بالقوة، وإذا لم يمكن أن يأخذه إلا بالقتال، فهل يقاتل؟ الجواب: قال العلماء: يقاتل، فإن قُتل صاحب المال فهو ظالم، وإن قُتل المضطر فهو شهيد. فإذا قُدِّر أنه عجز، ولم يتمكَّن حتى مات، فهل يضمنه صاحب الطعام؟ الجواب: قال بعض العلماء: يضمنه؛ لأنه تعدَّى بترك القيام بالواجب. وقال آخرون: إنه لا يضمن؛ لأنه لم يمت بسببه، والمشهور من مذهب الإمام أحمد أنه يضمنه إذا طلب الطعام ولم يعطه، أما لو مرَّ بشخص مضطر، ولكنه ما طلب فإنه لا يضمنه. وهل مثل ذلك لو شاهدت إنساناً غريقاً بالماء، وهو يشير أنقذني يا رجل، أنقذني، وتركتَه حتى غرق، فهل تضمن أو لا؟ الجواب: المذهب: لا يضمن، والصحيح أنه يضمن لو كان قادراً على إنقاذه، أما لو كان عاجزاً فإنه لا يضمن، وفي هذه الحال أيضاً، لا ينبغي أن تنزل إلى الماء لإنقاذ غريقٍ، إلا إذا كان لديك قوة، وأنت واثق من نفسك؛ لأن عادة الغريق إذا أمسك بالمنقِذ أنه يغرقه، ويجعله تحته حتى يركب عليه، فإذا لم يكن عند الإنسان قوة بدنية، ومعرفة بالسباحة فسوف يغرق. وغالب الناس لا يعرفون هذا الفن، وتأخذهم الشفقة والرحمة، ولكن يجب على الإنسان أن يحكِّم العقل دون العاطفة. وإذا كان رجل في مفازةٍ ومررتُ به، ولكني خشيت منه، فهل يلزمني حمله أو لا؟ الجواب: إذا كان الخوف محققاً لم يلزمك أن تحمله، ولكن يلزمك أن تنقذه، فإذا كان معك فضل ماء، أو فضل طعام، فأعطه وامشِ، أما إذا كان الخوف غير محققٍ فيجب أن تحتاط لنفسك، وتنظر هل معه سلاح، أو ليس معه سلاح، وتركبه بعيداً عنك. هنا حكم الاضطرار إلى عين مال الغير، أمّا الاضطرار إلى نفع مال الغير فيقول المؤلف: «ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه لدفع برد» كاللحاف أو النار وما أشبه ذلك. «أو استسقاء ماء» مثل: الدلو والرشاء وما أشبه ذلك. «ونحوه» كما لو اضطر إلى ماعون ليضع فيه الماء، أو ليدفِّئ به ماء، أو ليضع فيه الطعام، أو ما أشبه ذلك. وهل مثل ذلك الاضطرار إلى ركوب السيارة، مثل أن يكون في مفازة، ومرَّ به صاحب سيارة، فهو الآن مضطر إلى الركوب، فهل هذا مثله؟ الجواب: نعم؛ لأن هذا اضطرار إلى نفع هذه السيارة مثلاً، أو البعير، أو الحمار. وقوله: «وجب بذله له مجاناً» أي: بغير عوض. والفرق بين الاضطرار إلى نفع المال وبين الاضطرار إلى عين المال أن الأول ستبقى عين المال والثاني تغنى عين المال؛ لأن المضطر سيقول لصاحب المال: سيبقى لك مالك فلا تمنعني من الانتفاع به؛ لأن الله تعالى يقول: {{فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ *الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ *وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ *}} [الماعون] فمنع الماعون في هذه الحال داخل في الوعيد. وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرِ بُسْتَانٍ فِي شَجَرَةٍ، أَوْ مُتَسَاقِطٍ عَنْهُ، وَلاَ حَائِطَ عَلَيْهِ، وَلاَ نَاظِرَ، فَلَهُ الأَكْلُ مِنْهُ مَجَّاناً مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ،............................ قوله: «ومن مر بثمر بستان» «من» عامة تشمل الذكر والأنثى، والمسلم والذمي، كلَّ مَن مَرَّ، لكن اشترط المؤلف فقال: «في شجرة» كأن مررت بالنخلة، وعليها ثمرها. قوله: «متساقط عنه» كأن يكون سقط في حوض النخلة شيء من التمر، بخلاف المجموع، فلو أن صاحب الثمر جمعه، وجعله في البيدر ـ وهو المكان الذي ييبس فيه التمر ـ فليس له هذا الحكم. قوله: «ولا حائط عليه» الحائط معروف، وهو الجدار المحيط بالبستان الذي يمنع من الدخول، إلا من الباب. وقوله: «ولا ناظر فله الأكل منه مجَّاناً» وهو الحارس، فإذا كان عليه حارس وإن لم يكن عليه حائط فلا أكل، فاشترط المؤلف شروطاً: الأول: أن يكون فيه الثمر، أو متساقطاً، لا مجنياً. الثاني: ليس عليه حائط. الثالث: ليس عليه ناظر. فإن كان عليه حائط فإنه لا يأكل منه؛ لأن تحويط صاحبه عليه دليل على أنه لا يرضى أن يأكله أحد، فهو إذاً قرينة على عدم رضا صاحبه بالأكل منه، والإنسان لا يحل ماله إلا بطيب نفس منه. كذلك إذا كان عليه ناظر فهو دليل على أن صاحبه لا يرضى أن يأكل منه أحد؛ لأنه لو رضي أن يأكل منه أحد لم يجعل عليه ناظراً يحرسه، فهو قرينة على أن صاحبه لا يرضى أن يأكل منه أحد. فإذا جعل عليه شبكاً فهل له نفس الحكم، أو أن هذا الشبك عن البهائم؟ الجواب: الظاهر أن الشبك الذي فيه موانع شائكة عن البهائم فقط، والشبك الرفيع الطويل المربع، الظاهر أنه عن الجميع. والدليل على هذا أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أذن لمن مر بالحائط أن يأكل منه غير متخذٍ خُبنة[(39)]، والخبنة هي التي يجعلها الإنسان في طرف ثوبه، أي لا يحمل منه شيئاً، ولهذا قال المؤلف: «من غير حمل» . فشروط الأكل ثلاثة، وإن قلنا: شروط الأخذ فهي أربعة. فإذا كنا نتكلم عن الأكل فهذه شروطه، وإذا كنا نتكلم عن الأخذ فنزيد شرطاً رابعاً وهو ألا يحمل، فإن حمل فهو حرام؛ لأن الأصل تحريم أكل المال. ولكن في الحديث شرطاً لم يشر إليه المؤلف، وهو أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمر من دخل حائطاً أن ينادي صاحبه ثلاثاً، فإذا أجابه استأذنه، وإن لم يجبه أكل[(40)]، وهذا شرط لا بد منه؛ لأنه دل عليه الحديث، وما دل عليه الحديث وجب اعتباره، وعلى هذا فنزيد شرطاً رابعاً للأكل، وهو أن ينادي ثلاثاً، فإن أجيب استأذن، وإن لم يُجَب أكل. أيضاً اشتراط انتفاء الحائط فيه نظر؛ لأن لفظ الحديث: «من دخل حائطاً» والحائط هو المحوطُ بشيء، وعلى هذا فلا فرق بين الشجر الذي ليس عليه حائط، وبين الشجر الذي عليه حائط. فالذي تبين من السنة أن الشرط هو أن يأكل بدون حمل، وألا يرمي الشجر، بل يأخذ بيده منه، أو ما تساقط في الأرض، وأيضاً يشترط أن ينادي صاحبه ثلاثاً، إن أجابه استأذن، وإن لم يجبه أكل. هذا الذي دل عليه الحديث هو ما ذهب إليه الإمام أحمد رحمه الله. وذهب الجمهور إلى أن ذلك ليس بجائز، وحملوا الأحاديث على أول الإسلام، أو أول الهجرة، حين كان الناس فقراء محتاجين، وأما مع عدم الحاجة فلا يجوز، ولكن الصحيح أنه عامٌّ. فإذا قلت: هل لهذا القول حظ من النظر بعد أن كان له حظ من الأثر؟ فالجواب: نعم، وهو أن هذا مما جرت العادة في التسامح فيه. وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين كون الإنسان ابن سبيل، أو كان مقيماً، حتى في الحوائط التي في البلاد لا بأس إذا مررت أن تأخذ، ولكن جرت العادة عندنا هنا في القصيم أنهم قد يبيعون ثمرة النخل على رجلٍ آخر، فهل يبقى الحكم ثابتاً حتى ولو كان قد اشتراها رجل آخر؟ أو نقول: لما اشتراها مَلَكها، والسُّنة إنما جاءت بالنسبة لصاحب الحائط؟ هذا الثاني هو الأقرب، وأن اشتراء الرجل لها يكون بمنزلة حيازة صاحب الحائط لها، فإذا علمنا أن هذا النخل قد بيع ثمره فإننا لا نأكل منه. ثم شرع المؤلف ـ رحمه الله ـ هنا في بيان أحكام الضيافة، وإنما ذكرها المؤلف هنا من باب الاستطراد، لما ذكر ما حُرِّم لحق الله من الحيوانات وغيرها، ثم ذكر ما يتعلق باحترام مال المسلم، ذكر أيضاً الضيافة، فهذا وجه المناسبة من ذكرها هنا. وَتَجِبُ ضِيَافَةُ المُسْلِمِ الْمُجْتَازِ بِهِ فِي الْقُرَى يَوْماً وَلَيْلَةً. قوله: «وتجب ضيافة المسلم» «تجب» هذا بيان حكم الضيافة، والضيافة أن يتلقَّى الإنسان مَن قدم إليه، فيكرمه وينزله بيته، ويقدم له الأكل، وهي من محاسن الدين الإسلامي، وقد سبقنا إليها إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ، كما قال الله تعالى: {{هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ }} [الذاريات:24] ، أي: الذين أكرمهم إبراهيم، ولا يمتنع أن يقال: والذين أكرمهم الله ـ عزّ وجل ـ بكونهم ملائكة. فحكم الضيافة واجب، وإكرام الضيف ـ أيضاً ـ واجب، وهو أمر زائد على مطلق الضيافة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» [(41)]، أي: من كان يؤمن إيماناً كاملاً فليكرم ضيفه. وإكرام الضيف بما جرت به العادة يختلف باختلاف الضيف والمضيف، فأما المضيف فلقوله تعالى: {{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}} [الطلاق: 7] ، فإذا نزل شخص ضيفاً على رجلٍ غني، فإنه يكرمه بما وسَّع الله عليه، وإذا نزل بإنسان فقير فيكرمه بما قدر عليه، فقد ينزل هذا الرجل على شخص غني، ويكون إكرامه بأن يذبح له ذبيحة، ويدعو مَنْ حوله، وقد ينزل على آخر ويكون إكرامه له أن يقدم له صحناً من التمر؛ لأن الأول عنده مال، وهذا فقير. كذلك باعتبار الضيف، فالضيوف ليسوا على حد سواء، ينزل بك ضيف، صاحب لك، ليس بينك وبينه شيء من التكلف فتكرمه بما يليق به، وينزل عليك ضيف كبير عند الناس في ماله، وفي علمه، أو في سلطانه، فتكرمه بما يليق به، وينزل عليك شخص من سِطَة الناس تكرمه ـ أيضاً ـ بما يليق به. ومن الإكرام ـ أيضاً ـ أن لا تقدِّر عليه قِراه كما فعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإبراهيم عليه السلام لما نزل به الملائكة راغ إلى أهله، قال العلماء: انطلق مسرعاً بخفية، حتى لا يقولوا شيئاً؛ لأنه جرت العادة أن الضيف إذا أراد المضيف أن يكرمه قام يحلف: والله لا تفعل كذا، ولا تفعل كذا، فإبراهيم ذهب مسرعاً بخفية، وجاء بعجل حنيذ سمين، وبعض الناس يكرم، ثم إذا قدم الغداء يقول: تفضل، والله ما وجدنا هذا اللحم اليوم إلا الكيلو بعشرة، أو اللحم غالٍ اليوم، لكن أنتم أهل لذلك! وهذا فيه مِنّةٌ. أو يقول: والله ما وجدت هذه الشاة إلا بمائتي ريال، وأخذ الذباح لها خمسين ريالاً، وما أشبه ذلك؛ فهذا لا يجوز، ولهذا قال العلماء: يكره تقويم الطعام أمام الضيف؛ لأنه مهما كان الأمر فسوف ينكسر خاطره، ولا يمكن أن يخرج وهو مسرور بهذا العمل. وقوله: «المسلم» خرج به الكافر، وهو عامٌّ للكافر الذمي، والحربي، والمستأمِن، والمُعَاهَد، وهذا هو المشهور من المذهب، حيث اشترطوا أن يكون الضيف مسلماً، ولكن الصحيح أنه يعم المسلم وغير المسلم؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» [(42)]، وهذا عامٌّ، ولم يقل: أخاه، فإذا نزل بك الذمي، وجب عليك أن تكرمه بضيافته. قوله: «المجتاز به» يعني الذي مر بك وهو مسافر، وأما المقيم فإنه ليس له حق ضيافة، ولو كان المقيم له حق الضيافة لكان ما أكثر المقيمين الذين يقرعون الأبواب! فلا بد أن يكون مجتازاً، أي: مسافراً ومارّاً، حتى لو كان مسافراً مقيماً يومين، أو ثلاثة، أو أكثر، فلا حق له في ذلك، بل لا بد أن يكون مجتازاً. قوله: «في القرى» دون الأمصار، والقرى البلاد الصغيرة، والأمصار البلاد الكبيرة، قالوا: لأن القرى هي مظنة الحاجة، والأمصار بلاد كبيرة فيها مطاعم وفنادق وأشياء يستغني بها الإنسان عن الضيافة، وهذا ـ أيضاً ـ خلاف القول الصحيح؛ لأن الحديث عامّ، وكم من إنسان يأتي إلى الأمصار، وفيها الفنادق، وفيها المطاعم، وفيها كل شيء، لكن يكرهها ويربأ بنفسه أن يذهب إليها، فينزل ضيفاً على صديق، أو على إنسان معروف، فلو نزل بك ضيف ولو في الأمصار فالصحيح الوجوب. قال في الروض: «ولا يجب إنزاله ببيته مع عدم مسجد ونحوه»[(43)]، والصحيح أنه يجب أن ينزله في بيته ولو وجد مأوى ومساجد مفتوحة لأن هذا من إكرامه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أعطانا كلمة جامعة مانعة واضحة، وهي: «فليكرم ضيفه» [(44)]، وليس من إكرامه أنه إذا تعشى، أو تغدَّى تقول له: انصرف! إذاً نقول: يجب إكرامه بما جرت به العادة في طعامه، وشرابه، ومنامه، والحديث عامٌّ. ومناسبة ذكر الضيافة في كتاب الأطعمة: أن هذا من باب الاستطراد. لما ذكر ما حرم لحقَّ الله من الحيوانات ثم ذكر ما يتعلق باحترام مال المسلم ذكر أيضاً الضيافة فهذا وجه المناسبة. قوله: «يوماً وليلةً» لقول النبي عليه الصلاة والسلام: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته» ؟ قالوا: وما جائزته يا رسول الله؟ قال: «يوم وليلة» ، أو «يومه وليلته» ، وبعد اليوم والليلة إلى ثلاث صدقة[(45)]، وما عدا ذلك فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ولا يحل له أن يثوي فيحرجه» [(46)] «لا يحل له» أي: للضيف، «أن يثوي» أي: يبقى، إذاً الضيف إذا بقي ثلاثة أيام يغادر ولا يبقى، وقد علَّل الرسول صلّى الله عليه وسلّم ذلك فقال: «فيحرجه» فعُلم من هذا التعليل أنه إذا كان لا يحرجه فلا بأس؛ لأنه يوجد بعض الناس لو يبقى عندك أشهراً فأنت مسرور منه، ولا سيما إذا كان ضيفاً على العزاب، فالعزاب يحبون أن ينزل عليهم الضيف؛ لأنه يؤنسهم، وليس هناك نساء يخجلون، ويتعبون من الضيف. فالمهم أن قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «فيحرجه» يفيد أنه إذا لم يكن فيه إحراج فلا بأس أن يبقى الضيف، ولو فوق ثلاثة أيام. والحاصل: أن الضيافة واجبة بأربعة شروط: الأول: أن يكون الضيف مسلماً. الثاني: أن يكون مسافراً. الثالث: أن يكون في القرى. الرابع: المدة وهي يوم وليلة. ------------------------- [1] رواه الطبراني في الكبير (22/589)، والدارقطني (4/184)، والحاكم (4/115)، وعنه البيهقي (10/12) كلهم من طريق مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني به مرفوعاً، وأعله أبو مسهر الدمشقي وأبو نعيم وابن رجب بعدم سماع مكحول من أبي ثعلبة الخشني. [2] رواه البزار [مختصر زوائد البزار لابن حجر، رقم (117)]، وابن أبي حاتم الرازي في تفسير ابن كثير (مريم: الآية 64)، والحاكم (2/375)، والبيهقي (10/12) بأسانيدهم عن عاصم بن رجاء بن حيوة، عن أبيه، عن أبي الدرداء به مرفوعاً. قال البزار: «إسناده صالح» وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي. قال الهيثمي: «إسناده حسن ورجاله موثقون» المجمع (1/171). [3] رواه ابن ماجه في كتاب الأطعمة/ باب الكبد والطحال (3314). [4] الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/86). [5] أخرجه البخاري في الصلاة/ باب السجود على الثوب في شدة الحر (385)، ومسلم في المساجد/ باب استحباب تقديم الظهر في أول الوقت (620) (191). [6] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/417). [7] أخرجه الإمام أحمد (5/326 ـ 327)، وابن ماجه في الأحكام/ باب من بني في حقه ما يضر بجاره (2340) من حديث عبادة بن الصامت ـ رضي الله عنه ـ. وروي أيضاً من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، وجابر، وابن عباس، وعائشة وغيرهم. قال النووي: «حديث حسن وله طرق يقوى بعضها ببعض» قال ابن رجب تعقيباً على كلام النووي: «وهو كما قال». قال ابن الصلاح: «هذا الحديث أسنده الدارقطني من وجوه، ومجموعها يقوي الحديث ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم واحتجوا به» انظر: جامع العلوم والحكم (2/211). [8] الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/429). [9] أخرجه الدارقطني (4/270)، والبيهقي (9/255)، بلفظ: صيده ما صيد، وطعامه ما قذف، وانظر: تفسير الطبري (7/65). [10] أخرجه البخاري في الذبائح والصيد/ باب لحوم الحمر الإنسية (5528)، ومسلم في الصيد والذبائح/ باب تحريم أكل الحمر الإنسية (1940). [11] أخرجه البخاري في جزاء الصيد/ باب إذا أهدى المحرم حماراً وحشياً (1825)، ومسلم في الحج/ باب تحريم الصيد للمحرم (1193). [12] أخرجه البخاري في الذبائح والصيد/ باب أكل كل ذي ناب من السباع (5530)، ومسلم في كتاب الصيد والذبائح/ باب تحريم أكل كل ذي ناب (1932) عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه. [13] أخرجه أبو داود في الأطعمة/ باب في أكل الضبع (3801)، وابن ماجه في الحج/ باب جزاء الصيد يصيبه المحرم (3085)، وابن حبان (3964) إحسان، والدارقطني (2/246)، والحاكم (1/452)، والبيهقي (5/183) عن جابر رضي الله عنه وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. [14] أخرجه البخاري في الطب/ باب لا عدوى (5772)، ومسلم في السلام/ باب لا عدوى ولا طيرة... (2220). [15] سبق تخريجه ص(17). [16] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/424). [17] أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة/ باب نهي من أكل ثوما أو بصلاً أو كراثاً... (565) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. [18] أخرجه البخاري في جزاء الصيد/ باب ما يقتل المحرم من الدواب (1829)، ومسلم في الحج/ ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم (1198) (71) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ. [19] أخرجه مسلم في الحج/ باب ما يندب للمحرم وغيره قتله من الدواب في الحل والحرم (1200) (75). [20] أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء/ باب قول الله تعالى: {{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ}...} (3359)، ومسلم في السلام/ باب استحباب قتل الوزغ (2238) عن أم شريك ـ رضي الله عنها ـ. [21] أخرجه الإمام أحمد (6/332، 347)، وأبو داود في الأدب/ باب في قتل الذر (5267)، وابن ماجه في الصيد/ باب ما ينهى عن قتله (3224) عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وصححه ابن حبان (5646). [22] أخرجه أحمد (1/98)، والنسائي في الطهارة/ باب الأمر بإسباغ الوضوء (1/89)، وأبو داود في الصلاة/ باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر (808)، والبزار (2/259)، والبيهقي (10/23). [23] أخرجه البخاري في المغازي/ باب غزوة خيبر (4219)، ومسلم في الصيد والذبائح/ باب من أكل لحوم الخيل (1941). [24] أخرجه البخاري في الذبائح والصيد/ باب لحوم الخيل (5519)، ومسلم في الصيد والذبائح/ باب في أكل لحوم الخيل (1942). [25] أخرجه البخاري في الذبائح والصيد/ باب لحم الدجاج (5518)، ومسلم في الأيمان/ باب ندب من حلف يميناً... (1649) عن أبي موسى رضي الله عنه. [26] أخرجه البخاري في جزاء الصيد/ باب إذا أهدى المحرم حماراً وحشياً (1825)، ومسلم في الحج/ باب تحريم الصيد للمحرم (1193). [27] أخرجه البخاري في الهبة/ باب من استوهب من أصحابه شيئاً... (2570)، ومسلم في الحج/ باب تحريم الصيد للمحرم (1196) عن أبي قتادة رضي الله عنه. [28] سبق تخريجه ص(16). موجودة في بعض النسخ. [29] أخرجه البخاري في الأطعمة/ باب الشواء (5400)، ومسلم في الصيد والذبائح/ باب إباحة الضب (1945) عن ابن عباس وخالد بن الوليد ـ رضي الله عنهم ـ. [30] أخرجه الشافعي في الأم (2/190)، وعبد الرزاق في المصنف (4/398)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/182) عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن عباس ومعاوية رضي الله عنهم. [31] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/428). [32] سبق تخريجه ص(14). [33] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/430). [34] المرجع السابق. [35] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/430). [36] أخرجه البخاري في الطب/ باب الحبة السوداء (5687)، ومسلم في السلام/ باب التداوي بالحبة السوداء (2215) (88). [37] أخرجه مسلم في الزكاة/ باب الابتداء بالنفقة بالنفس (997) عن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ. [38] أخرجه أحمد (2/244)، والنسائي في قطع السارق/ باب الثمر يسرق بعد أن يؤويه الجرين (4/85)، وأبو داود في اللقطة/ باب التعريف باللقطة (1710)، والترمذي في البيوع/ باب ما جاء في الرخصة في أكل الثمرة للمار بها (1289)، وابن ماجه في الحدود/ باب من سرق من الحرز (2596)، والحاكم (4/380)، والبيهقي (4/344)، والحديث حسنه الترمذي، وصححه الحاكم. [39] أخرجه أحمد (3/7)، وأبو داود/ باب في ابن السبيل يأكل من الثمر... (2619)، والترمذي في البيوع/ باب ما جاء في احتلاب المواشي... (1296)، والبيهقي (9/359)، قال الترمذي: «حديث حسن غريب صحيح». [40] أخرجه البخاري في الرقاق/ باب حفظ اللسان (6475)، ومسلم في الإيمان/ باب الحث على إكرام الجار والضيف... (47) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ. [41] سبق تخريجه ص(48). [42] الروض المربع مع حاشية ابن قاسم (7/439). [43] أخرجه البخاري في الأدب/ باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره (6019)، ومسلم في اللقطة/ باب الضيافة ونحوها (4513) (48) عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه. [44] أخرجه البخاري في الأدب/ باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه... (6135)، ومسلم في اللقطة/ باب الضيافة ونحوها (4513) (48) عن أبي شريح العدوي رضي الله عنه. [45] أخرجه البخاري في الأدب/ باب إكرام الضيف وخدمته إياه بنفسه... (6135) عن أبي شريح الكعبي رضي الله عنه. [46] أخرجه أحمد (2/97)، وابن ماجه في الأطعمة/ باب الكبد والطحال (3314)، والبيهقي (9/257) والحديث في إسناده مقال، انظر: الخلاصة (1/11)، والتلخيص (1/25).