شبكة الأمين السلفية - Powered by vBulletin
لا إلهَ إلاَّ اللَّه وحْدهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحمْدُ، وَهُو عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ  |  لا حول ولا قوة إلا بالله  |  أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوب إليه
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: الإنارة في بيان حكم زكاة عروض التجارة

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي الإنارة في بيان حكم زكاة عروض التجارة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    أما بعد :
    فالزكاة أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، وهي إحدى دعائمه ، كما تظاهرت بذلك دلالة الكتاب والسنة، وقد قرنها الله تعالى بالصلاة في كتابه في اثنين وثمانين موضعا، مما يدل على عظم شأنها، وكمال الاتصال بينها وبين الصلاة، ووثاقة الارتباط بينهما، حتى قال صديق هذه الأمة وخليفة الرسول الأول أبو بكر الصديق: "لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة".
    قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة :43] ، وقال تعالى: {فإن تابوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[التوبة :5] ، وقال تعالى : {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]
    وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ "([1])
    وتوعد الله سبحانه من منعها ، فقال تبارك وتعالى {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآءَاتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِى نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَاذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ - يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ - ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلاَ:{لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}"([2])
    وأجمع المسلمون على فرضيتها، وأنها الركن الثالث من أركان الإسلام، وعلى كفر من جحد وجوبها، وقتال من منع إخراجها.
    وهي قد فرضت في السنة الثانية للهجرة النبوية، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم السعادة لقبضها وجبايتها لإيصالها إلى مستحقتها، ومضت بذلك سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين. ([3])
    فوائد الزكاة الفردية والاجتماعية وحِكَمُها
    إن في تشريع الزكاة ، وجعلها ركنا من أركان الإسلام العظام ، والاهتمام بها ، والإثبات لها تلك المنزلة العالية ، والمكانة الرفيعة ، إلا لما يتحقق من تطبيقها والقيام بها من المقاصد الشرعية ، والفوائد العظيمة ، والحِكم القيمة التي يرجع خيرها ونفعها على المجتمع الإسلامي وأفراده بالخيرات والمنن في الدنيا والآخرة،والتي منها ([4]) :
    الأولى: إتمام إسلام العبد وإكماله؛ لأنها أحد أركان الإسلام، فإذا قام بها الإنسان تم إسلامه وكمل، وهذا لا شك أنه غاية عظيمة لكل مسلم، فكل مسلم مؤمن يسعى لإكمال دينه.
    الثانية: أنها دليل على صدق إيمان المزكي، وذلك أن المال محبوب للنفوس، والمحبوب لا يبذل إلا ابتغاء محبوب مثله أو أكثر، بل ابتغاء محبوب أكثر منه، ولهذا سميت صدقة؛ لأنها تدل على صدق طلب صاحبها لرضا الله عزّ وجل.
    الثالثة: أنها تزكي أخلاق المزكي، فتنتشله من زمرة البخلاء، وتدخله في زمرة الكرماء؛ لأنه إذا عود نفسه على البذل، سواء بذل علم، أو بذل مال، أو بذل جاه، صار ذلك البذل سجية له وطبيعة حتى إنه يتكدر، إذا لم يكن ذلك اليوم قد بذل ما اعتاده، كصاحب الصيد الذي اعتاد الصيد، تجده إذا كان ذلك اليوم متأخراً عن الصيد يضيق صدره، وكذلك الذي عود نفسه على الكرم، يضيق صدره إذا فات يوم من الأيام لم يبذل فيه ماله أو جاهه أو منفعته.
    الرابعة: أنها تشرح الصدر، فالإنسان إذا بذل الشيء، ولا سيما المال، يجد في نفسه انشراحاً، وهذا شيء مجرب، ولكن بشرط أن يكون بذله بسخاء وطيب نفس، لا أن يكون بذله وقلبه تابع له.
    وقد ذكر ابن القيم في زاد المعاد أن البذل والكرم من أسباب انشراح الصدر، لكن لا يستفيد منه إلا الذي يعطي بسخاء وطيب نفس، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرجه من يده، أما من أخرج المال من يده، لكنه في قرارة قلبه، فلن ينتفع بهذا البذل.
    الخامسة: أنها تلحق الإنسان بالمؤمن الكامل «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» فكما أنك تحب أن يبذل لك المال الذي تسد به حاجتك، فأنت تحب أن تعطيه أخاك، فتكون بذلك كامل الإيمان.
    السادسة: أنها من أسباب دخول الجنة، فإن الجنة «لمن أطاب الكلام، وأفشى السلام، وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام»، وكلنا يسعى إلى دخول الجنة.
    السابعة: أنها تجعل المجتمع الإسلامي كأنه أسرة واحدة، يضفي فيه القادر على العاجز، والغني على المعسر، فيصبح الإنسان يشعر بأن له إخواناً يجب عليه أن يحسن إليهم كما أحسن الله إليه، قال تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77] ، فتصبح الأمة الإسلامية وكأنها عائلة واحدة، وهذا ما يعرف عند المتأخرين بالتكافل الاجتماعي، والزكاة هي خير ما يكون لذلك؛ لأن الإنسان يؤدي بها فريضة، وينفع إخوانه.
    الثامنة: أنها تطفئ حرارة ثورة الفقراء؛ لأن الفقير قد يغيظه أن يجد هذا الرجل يركب ما شاء من المراكب، ويسكن ما يشاء من القصور، ويأكل ما يشتهي من الطعام، وهو لا يركب إلا رجليه، ولا ينام إلا على الأسبال وما أشبه ذلك، لا شك أنه يجد في نفسه شيئاً ، فإذا جاد الأغنياء على الفقراء كسروا ثورتهم وهدؤوا غضبهم، وقالوا: لنا إخوان يعرفوننا في الشدة، فيألفون الأغنياء ويحبونهم.
    التاسعة: أنها تمنع الجرائم المالية مثل السرقات والنهب والسطو، وما أشبه ذلك؛ لأن الفقراء يأتيهم ما يسد شيئاً من حاجتهم، ويعذرون الأغنياء بكونهم يعطونهم من مالهم، يعطون ربع العشر في الذهب والفضة والعروض، والعشر أو نصفه في الحبوب والثمار، وفي المواشي يعطونهم نسبة كبيرة، فيرون أنهم محسنون إليهم فلا يعتدون عليهم.
    العاشرة: النجاة من حر يوم القيامة فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة» وقال في الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» .
    الحادية عشرة: أنها تلجئ الإنسان إلى معرفة حدود الله وشرائعه؛ لأنه لن يؤدي زكاته إلا بعد أن يعرف أحكامها وأموالها وأنصباءها ومستحقها، وغير ذلك مما تدعو الحاجة إليه.
    الثانية عشرة: أنها تزكي المال، يعني تنمي المال حساً ومعنى، فإذا تصدق الإنسان من ماله فإن ذلك يقيه الآفات، وربما يفتح الله له زيادة رزق بسبب هذه الصدقة، ولهذا جاء في الحديث: «ما نقصت صدقة من مال»، وهذا شيء مشاهد أن الإنسان البخيل ربما يسلط على ماله ما يقضي عليه أو على أكثره باحتراق، أو خسائر كثيرة، أو أمراض تلجئه إلى العلاجات التي تستنزف منه أموالاً كثيرة.
    الثالثة عشرة: أنها سبب لنزول الخيرات، وفي الحديث: «ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء» .
    الرابعة عشرة: «أن الصدقة تطفئ غضب الرب» كما ثبت ذلك عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم .
    الخامسة عشرة: أنها تدفع ميتة السوء .
    السادسة عشرة: أنها تتعالج مع البلاء الذي ينزل من السماء فتمنع وصوله إلى الأرض .
    السابعة عشرة: أنها تكفر الخطايا، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار» .
    لقد اعتنى الإسلام ببيان أحكام الزكاة وآدابها في الكتاب العزيز والسنة المطهرة ، فشأنها شأن الصلاة إذ جاء ذكرها في القرآن مجملا ، فبين تفاصيلها وأحكامها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة ([5]) ، فجعل لها من الشروط التي بوجودها وتوفرها تجب الزكاة وبعدمها تنعدم، وهذا من حكمة الله عزّ وجل وإتقانه في فرضه وشرائعه، أنه جعل لها شروطاً؛ أي: أوصافاً معينة لا تجب إلا بوجودها؛ لتكون الشرائع منضبطة، لا فوضى فيها ، إذ لو لم يكن هناك شروط لكان كل شخص يقدر أن هذا واجب، وهذا غير واجب فإذا أتقنت الفرائض بالشروط وحددت لم يكن هناك اختلاف، وصار الناس على علم وبصيرة، فمتى وجدت الشروط في شيء ثبت، ومتى انتفت انتفى. ([6])
    شروط وجوب الزكاة ([7] )
    1 ـ الحرية: وضدها الرق، فلا تجب الزكاة على رقيق، أي: على عبد؛ لأنه لا يملك، فالمال الذي بيده لسيده ، ودليل ذلك: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مَنْ باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع» .
    2 ـ الإسلام : وضده الكفر فلا تجب على كافر، سواء أكان مرتداً أم أصلياً؛ لأن الزكاة طهرة، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة: 103] والكافر نجس، فلو أنفق ملء الأرض ذهباً لم يطهر حتى يتوب من كفره.
    3 ـ ملك نصاب: النصاب هو القدر الذي رتب الشارع وجوب الزكاة على بلوغه، وهو يختلف، فلا بد أن يملك نصاباً، فلو لم يملك شيئاً كالفقير فلا شيء عليه، ولو ملك ما هو دون النصاب فلا شيء عليه.
    ودليل اشتراط ملك النصاب قوله صلّى الله عليه وسلّم: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا فيما دون خمس أواق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة» ، وقال في الغنم: «إذا بلغت أربعين شاةً شاةٌ» وغير ذلك من الأدلة، ولأن ما دون النصاب لا يحتمل المواساة.
    4 ـ استقراره: أي: استقرار الملك. ومعنى كونه مستقراً: أي أن ملكه تام، فليس المال عرضة للسقوط، فإن كان عرضة للسقوط، فلا زكاة فيه.
    5 ـ مضي الحول: أي: تمام الحول؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول»
    حكم زكاة عروض التجارة
    أعلم أن من جملة الأموال التي حث الشارع على إخراج صدقة مالها أموال التجارة ،التي ذهب الجمهور إلى وجوب زكاة عروضها ، ونقل في ذلك ابن المنذر إجماع .
    وخالفهم في ذلك علماء الظاهرية إذ لم يوجبوا فيها الزكاة وردوا قول الجمهور ، وممن ذهب إلى قولهم هذا ، ونصرهم فيه من أئمة الحديث والفقه : العلامة الشوكاني و العلامة صديق حسن خان والإمام ناصرالدين الألباني والعلامة مقبل بن هادي الوادعي ـ رحمهم الله ـ ، وقالوا في شأن صدقتها ([8] ) : أنها صَدَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ، لَكِنْ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُس أصحابها، وَتَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا يَشُوبُ الْبَيْعَ مِمَّا لَا يَصِحُّ مِنْ لَغْوٍ وَحَلِفٍ ، لما رواه قيس بن أبي غَرزَة أنه قَالَ: كُنَّا نُسَمَّى فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّمَاسِرَةَ فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ ([9])
    قال العلامة ابن حزم ـ رحمه الله ـ في (المحلى)(7/ 598) : (( أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْفَرْضِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «شُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» يَقْتَضِي الْمُدَاوَمَةَ وَالتَّكْرَارَ فِي مَوْضُوعِ اللُّغَةِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق. ))
    وهم في ذلك لا يضرهم مخالفتهم للجمهور إذا أقاموا لقولهم حجة ، وبينوا ضعف قول الطرف الثاني ، إذ أن الحجة في الكتاب والسنة وإن قال به القليل وخالفه الكثير .
    قال الإمام الألباني في ( العقيدة الطحاوية شرح وتعليق)(80 ـ 81) :(( ليس من الشذوذ في شيء أن يختار المسلم قولا من أقوال الخلاف لدليل بدا له ولو كان الجمهور على خلافه خلافا لمن وهم فإنه ليس في الكتاب ولا في السنة دليل على أن كل ما عليه الجمهور أصح مما عليه مخالفوهم عند فقدان الدليل !
    نعم إذا اتفق المسلمون على شيء دون خلاف يعرف بينهم فمن الواجب اتباعه لقوله تعالى:
    {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}[النساء: 115] ، وأما عند الاختلاف فالواجب الرجوع إلى الكتاب والسنة فمن تبين له الحق اتبعه ومن لا استفتى قلبه سواء وافق الجمهور أو خالفهم وما أعتقد أن أحدا يستطيع أن يكون جمهوريا في كل ما لم يتبين له الحق بل إنه تارة هكذا وتارة هكذا حسب اطمئنان نفسه وانشراح صدره وصدق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إذ قال: " استفت قلبك وإن أفتاك المفتون " )) ا.هـ
    الحجج والبراهين الدالة على أن زكاة أموال التجارة زكاتها مطلقة بخلاف ما ذهب إليه الجمهور
    الأول : قد ذكرنا أن من شروط استحقاق الزكاة تمام الحول وبلوغ النصاب ، وهذا لا يتأتى مع أموال عروض التجارة ، إذ أنه ليس هناك دليل من الكتاب والسنة يدل على أن أموال التجارة إذا تم حولها وبلغ نصابها المقدر يجب إخراج زكاتها .
    قال الإمام الألباني :(( إن العقارات المعدة للإجارة وللبيع والشراء ليس عليها الزكاة ، وبصورة عامة كل عروض التجارة ليس عليها الزكاة ، وحينما أقول : ليس عليها الزكاة ، إنما أعني الزكاة المعروفة بالشروط المذكورة في كتب الفقه مثلا : لا زكاة حتى يحول عليه الحول ، لا زكاة حتى يبلغ النصاب ... هذه الزكاة ذات النصاب مع حولان الحول لا ترد أولم تشرع بالنسبة للعقارات ، بل وعروض التجارة كلها ، هذه الزكاة ذات النصاب ، وذات شرط حولان الحول لم يأت في الكتاب ، بل ولا في السنة ما يدل على وجوب إخراج الزكاة السنوية عن أي عروض التجارة )) ([10])
    ويقول العلامة ابن حزم في (المحلى)(4/ 40) مبينا ضعف حجج ممن أوجب هذه الزكاة : (( لَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لَبَيَّنَ وَقْتَهَا وَمِقْدَارَهَا وَكَيْفَ تُخْرَجُ، أَمِنْ أَعْيَانِهَا، أَمْ بِتَقْوِيمٍ، وَبِمَاذَا تُقَوَّمُ؟ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُوجِبُ عَلَيْنَا زَكَاةً لَا يُبَيَّنُ كَمْ هِيَ. وَلَا كَيْفَ تُؤْخَذُ.))
    الثاني : الأصل في الأموال التحريم إلا ما أباحه النص ، وبالعبارة أوضح لا يجوز أن يؤخذ من أموال الناس شيئا إلا ما فرضه الشارع عليهم وبينه بأوضح البيان ، فلو فرض الشارع على التجار زكاة عروض تجارتهم لنقل وبيّن وقتها ومقدارها وكيف تخرج .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في (مجموع الفتاوى)(3/ 283) : (( وَالْأَصْلُ أَنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ مُحَرَّمَةٌ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لَا تَحِلُّ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.
    قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَطَبَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ " {إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ
    عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا} " وَقَالَ " {كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ} ".))
    يقول ابن حزم في شأن هذا الأمر في (المحلى)(4/ 39) : (( قَدْ قُلْنَا: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .
    فَلَا يَجُوزُ إيجَابُ فَرْضِ زَكَاةٍ فِي مَالٍ لَمْ يَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ إيجَابُهَا.))
    وقال ناصر الدين الألباني في ( مجالس الكويت)( الفنطاس / ش : 2 / د : 12): (( نحن نقول : إن من المتفق عليه بين علماء المسلمين أن الأصل في الفروج التحريم إلا ما أباحه النص ، والأصل في الدماء التحريم إلا ما أباحه النص ، والأصل كذلك في الأموال التحريم إلا ما أباحه النص الملزم بالأخذ به ، وهذا مأخوذ من النصوص من أقواها وأشهرها ما خطب به النبي صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع حين قال :" ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في عامكم هذا في بلدكم هذا ، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد " .
    الأصل في الأموال كهو في الدماء وفي الفروج ، المنع إلا بالنص يبيح ذلك ، فمثلا واضح جدا أنه لا يجوز للمسلم أن يتمتع بامرأة بغير طريق النكاح أو طريق التسري ولو هي رضيت بذلك ، وأباحت عرضها لأي رجل كان ، لأن الأصل في الفروج التحريم إلا بالنص ، وعلى ذلك فقل بالنسبة للدماء وهو أوضح ، ثم يأتي أخيرا الأموال لا يجوز أن يؤخذ من أموال الناس شيئا ما فرضه الله تبارك وتعالى عليهم ، أما الصدقة بالنافلة ، فهذا بحر لا ساحل له ، إنما البحث ، الفرض والإيجاب ، الأصل في الأموال التحريم .... مما يدل على ما ذكرنا من عدم فرضية أموال زكاة العروض بعض الآثار التي جاءت عن بعض العلماء تتلخص بأنه لا زكاة على الثمار إلا ما كان تمرا أو عنبا ، وما كان من الحبوب قمحا أو شعيرا ، احتجوا على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذا إلى اليمن قال :" لا تأخذ الصدقة منهم إلا من التمر والزبيب والقمح والشعير " ، هذا يدل على أن الأصل المنع ، لأنه نهاه ـ عليه الصلاة والسلام ـ على أن يأخذ الصدقة من غير هذه الأصناف الأربعة من الثمار والحبوب . ))
    وقال رحمه الله في (تمام المنة)(ص 363 ـ 364) : (( والحق أن القول بوجوب الزكاة على عروض التجارة مما لا دليل عليه في الكتاب والسنة الصحيحة مع منافاته لقاعدة "البراءة الأصلية" التي يؤيدها هنا قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد..". الحديث ، رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في "الإرواء" 1458.
    ومثل هذه القاعدة ليس من السهل نقضها أو على الأقل تخصيصها ببعض الآثار ولو صحت كقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:"ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة".
    أخرجه الإمام الشافعي في "الأم" بسند صحيح.
    ومع كونه موقوفا غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس فيه بيان نصاب زكاتها ولا ما يجب إخراجه منها فيمكن حمله على زكاة مطلقة غير مقيدة بزمن أو كمية وإنما بما تطيب به نفس صاحبها فيدخل حينئذ في عموم النصوص الآمرة بالإنفاق كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم ... } وقوله جل وعلا: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} .
    وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:"ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا" ، رواه الشيخان وغيرهما. وهو مخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم 920. )) ا.هـ
    وقال : ((رد الشوكاني على صاحب "حدائق الأزهار" قوله بالوجوب في كتابه "السيل الجرار" 2 / 26 - 27 فليراجعه من شاء ، وقد رد عليه أيضا قوله بوجوب الزكاة على "المستغلات"1 الذي تبناه بعض الكتاب في العصر الحاضر فقال الشوكاني رحمه الله (2 /27) : "هذه مسألة لم تطن على أذن الزمن ولا سمع بها أهل القرن الأول الذين هم خير القرون ولا القرن الذي يليه ثم الذي يليه وإنما هي من الحوادث اليمنية والمسائل التي لم يسمع بها أهل المذاهب الإسلامية عنى اختلاف أقوالهم وتباعد أقطارهم ولا توجد عليها أثارة من علم ولا من كتاب ولا سنة ولا قياس. وقد عرفناك أن أموال المسلمين معصومة بعصمة الإسلام لا يحل أخذها إلا بحقها وإلا كان ذلك من أكل أموال الناس بالباطل. وهذا المقدار يكفيك في هذه المسألة". )) ([11])
    وقال العلامة مقبل بن هادي الوادعي : ((الشوكاني رحمه الله تعالى وفيما يظهر لي أيضاً الصنعاني لا يريان في عروض التجارة زكاة ، ويقولان : الأصل هو حرمة المال المسلم : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا " رواه البخاري من حديث ابن عباس ورواه البخاري ومسلم من حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنهم ، أيضاً جاء عن صحابة آخرين .
    فالذي يظهر من هذه الأدلة أن عروض التجارة ليس فيها زكاة ، فإن قال قائل : أنا أريد أن أتصدق لله عز وجل فلا بأس أن تتصدق )) ا.هـ ([12])
    الثالث : قال الإمام الألباني : (( قد جاء هناك ما يؤكد عدم وجوب الزكاة في غير المنصوص عليه مثلا فيما يتعلق بالمواشي قال عليه الصلاة والسلام :" لا صدقة في فرس الرجل ولا في عبده " ، وبناء على هذا الحديث الصحيح جاء في مسند الإمام أحمد أن جماعة من التجار جاءوا في زمن عمر بخيل للتجارة ، جاءوا إلى عمر ، فقالوا : يا أمير المؤمنين خذ منها زكاتها ، فقال رضي الله عنه : إنه لم يفعله صاحباي من قبل ـ يعني رسول عليه السلام و أبوبكر ـ ، إنه لم يفعله صاحباي من قبل ، وكان في المجلس علي بن أبي طالب رضي الله عنهم جميعا ، فلما رأى أن القوم التجار ألحوا على عمر من أن يأخذ منها الزكاة ، قال علي : خذها يا أمير المؤمنين على أنها صدقة تطوع ، فأخذها منهم فطابت بذلك نفوسهم ، وهذا ما لا يقع اليوم وإنما يقع العكس ، الكثير من الناس تجب عليهم الزكاة فيحتالون لكي يتخلصوا منها بشتى أنواع الحيل ، ولكن هؤلاء بطيب أنفوسهم رأوا أن عليهم بهذه الأموال ..، ولما أبى عمر أن يأخذ منها الزكاة و أوجد علي بن أبي طالب حلا ، أن يأخذ منهم على أنها تطوع ، أخذها منهم طابت أنفوسهم.
    الشاهد أن هذا يدل على أنه عروض التجارة ليس عليها الزكاة مفروضة معينة .)) ([13])
    مناقشة أدلة الجمهور
    الأول : قد استدل الجمهور على ثبوت زكاة عروض التجارة بما ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقا فقال: منع العباس وخالد وابن جميل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم تظلمون خالدا، إن خالدا قد احتبس أدراعه وأعتده في سبيل الله »
    قالوا : دل ذلك على أن الزكاة طلبت منه في دروعه وأعتاده وهي لا زكاة فيها، إلا أن تكون عروضا جعلت للتجارة،وخالد لم يجعلها عروضا للتجارة، وإنما احتبسها في سبيل الله .
    الرد :
    قال ابن حزم في ( المحلى)(4/ 44) : (( لَيْسَ فِي الْخَبَرِ لَا نَصٌّ وَلَا دَلِيلٌ وَلَا إشَارَةٌ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ادَّعَوْهُ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ ظَلَمُوا خَالِدًا إذْ نَسَبُوا إلَيْهِ مَنْعَ الزَّكَاةِ وَهُوَ قَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْبُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَطْ، صَدَقَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إذْ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ عَاقِلٌ ذُو دِينٍ يُنْفِقُ النَّفَقَةَ الْعَظِيمَةَ فِي التَّطَوُّعِ ثُمَّ يَمْنَعُ الْيَسِيرَ فِي الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ هَذَا حُكْمُ الْحَدِيثِ، وَأَمَّا إعْمَالُ الظَّنِّ الْكَاذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَبَاطِلٌ.)) ([14])
    قلت (بشير) : إن ما بينه العلامة ابن حزم هنا ، وكذا العلامة صديق حسن خان في(التعليقات الرضية على الروضة الندية) وأقره عليه الإمام الألباني ، في رد ما ذهب إليه الجمهور من استدلالهم بقصة خالد على ثبوت زكاة عروض التجارة لوجه وقوي ، لأن القصة ليس دالة دلالة واضحة بينة على أن ما طُلب من خالد رضي الله عنه هو زكاة عروض التجارة، ولهذا قال العلامة ابن دقيق العيد ـ رحمه الله ـ في ( إحكام الأحكام)(1/382 ـ 383) : ((وَقَدْ أَدْخَلَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي " بَابِ أَخْذِ الْعَرَضِ فِي الزَّكَاةِ " فَيَدُلُّ: أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ.
    وَأَقُولُ: هَذَا لَا يُزِيلُ الْإِشْكَالَ ، لِأَنَّ مَا حُبِسَ عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ تَعَيَّنَ صَرْفُهُ إلَيْهَا، وَاسْتَحَقَّهُ أَهْلُ تِلْكَ الْجِهَةِ مُضَافًا إلَى جِهَةِ الْحَبْسِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ طَلَبَ مِنْ خَالِدٍ زَكَاةَ مَا حَبَسَهُ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ تَعَيُّنِ مَا حَبَسَهُ لِمَصْرِفِهِ؟
    وَإِنْ كَانَ قَدْ طَلَبَ مِنْهُ زَكَاةَ الْمَالِ الَّذِي لَمْ يَحْبِسْهُ - مِنْ الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ فَكَيْفَ يُحَاسَبُ بِمَا
    وَجَبَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ تَعَيَّنَ صَرْفُ ذَلِكَ الْمُحْبَسِ إلَى جِهَتِهِ؟ ....
    السَّادِسُ: أَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ هَذَا: وُجُوبَ زَكَاةِ التِّجَارَةِ. وَأَنَّ خَالِدًا طُولِبَ بِأَثْمَانِ الْأَرْبَعِ وَالْأَعْتُدِ.
    قَالُوا: وَلَا زَكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ لِلتِّجَارَةِ. وَقَدْ اُسْتُضْعِفَ هَذَا الِاسْتِدْلَال، مِنْ حَيْثُ إنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ، غَيْرِ مُتَعَيَّنٍ لِمَا ادَّعَى.
    السَّابِعُ: مَنْ قَالَ بِأَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ كَانَتْ تَطَوُّعًا. ارْتَفَعَ عَنْهُ هَذَا الْإِشْكَالُ. وَيَكُونُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اكْتَفَى بِمَا حَبَسَهُ خَالِدٌ عَلَى هَذِهِ الْجِهَاتِ عَنْ أَخْذِ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ. وَيَكُونُ مَنْ طَلَبَ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ - مَعَ مَا حَبَسَهُ مِنْ مَالِهِ وَأَعْتُدِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - ظَالِمًا لَهُ فِي مَجْرَى الْعَادَةِ، وَعَلَى سَبِيلِ التَّوَسُّعِ فِي إطْلَاقِ اسْمِ الظُّلْمِ. ))
    الثاني : أيضا استدلوا بما رواه أبو داود عن سمرة بن جندب قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعده للبيع »
    الرد :
    قال الإمام الألباني في (إرواء الغليل)(3/ 310) : (( ضعيف.
    أخرجه أبو داود (1562) وعنه البيهقى (4/146 ـ 147) عن سليمان بن موسى أبى داود حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب حدثنى خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان عن سمرة بن جندب قال: " أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " ورواه الدارقطنى (ص 214) والطبرانى , وعنه عبد الغنى المقدسى فى " السنن " (ق 133/2) عن جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب عن خبيب بن سليمان بن سمرة بن جندب عن أبيه عن سمرة بن جندب به بلفظ: " كان يأمر برقيق الرجل والمرأة الذين هم تلاده , وهم فى عمله , لا يريد بيعهم , وكان يأمرنا أن نخرج الصدقة من الذى يعد للبيع ".
    وقال المقدسى: " وهو إسناد حسن غريب ".
    وكذلك حسنه ابن عبد البر كما فى الزيلعى (2/376)
    قلت: بل هو ضعيف , جعفر بن سعد وخبيب بن سليمان وأبوه كلهم مجهولون , وقال الذهبى: " هذا إسناد مظلم لا ينهض بحكم ".
    وقال الحافظ فى " التلخيص " (2/179) : " وفى إسناده جهالة ". )) ا.هـ
    وقال في شأنه العلامة ابن حزم في ( المحلى)(4/ 40 ـ 41) : (( أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَسَاقِطٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ رُوَاتِهِ مَا بَيْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَسَمُرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَجْهُولُونَ لَا يُعْرَفُ مَنْ هُمْ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ هِيَ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ؛ بَلْ لَوْ أَرَادَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِهَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ لَبَيَّنَ وَقْتَهَا وَمِقْدَارَهَا وَكَيْفَ تُخْرَجُ، أَمِنْ أَعْيَانِهَا، أَمْ بِتَقْوِيمٍ، وَبِمَاذَا تُقَوَّمُ؟
    وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يُوجِبُ عَلَيْنَا زَكَاةً لَا يُبَيَّنُ كَمْ هِيَ ، وَلَا كَيْفَ تُؤْخَذُ.
    وَهَذِهِ الصَّدَقَةُ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مَوْكُولَةً إلَى أَصْحَابِ تِلْكَ السِّلَعِ.
    كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا مُعَاوِيَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ «قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرْزَةَ قَالَ: مَرَّ بِنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ، إنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» .
    فَهَذِهِ صَدَقَةٌ مَفْرُوضَةٌ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ، لَكِنْ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَكُونُ كَفَّارَةً لِمَا يَشُوبُ الْبَيْعَ مِمَّا لَا يَصِحُّ مِنْ لَغْوٍ وَحَلِفٍ. )) ا.هـ
    قلت ( بشير) : إن ما نحى إليه ابن حزم من حمل حديث سمرة ـ إن صح ـ على أن تلك الصدقة المذكورة فيه تحمل على صدقة مطلقة غير مقيدة بزمن أو كمية وإنما بما طابت به نفس صاحبها ، هو الذي دلت عليه الأصول ويحمل عليه كلام السلف ، ومن ذلك ما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول: "لا بأس بالتربص حتى المبيع والزكاة واجبة فيه" ، وأيضا بما صح عن ابن عمر رضي الله عنه من أنه قال: "ليس في العروض زكاة إلا أن تكون لتجارة "
    قال الإمام الألباني في (تمام المنة)(ص364 ـ 366) : (( ومثل هذه القاعدة ليس من السهل نقضها أو على الأقل تخصيصها ببعض الآثار ولو صحت كقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:"ليس في العروض زكاة إلا ما كان للتجارة" ، أخرجه الإمام الشافعي في "الأم" بسند صحيح.
    ومع كونه موقوفا غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ليس فيه بيان نصاب زكاتها ولا ما يجب إخراجه منها فيمكن حمله على زكاة مطلقة غير مقيدة بزمن أو كمية وإنما بما تطيب به نفس صاحبها فيدخل حينئذ في عموم النصوص الآمرة بالإنفاق كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ ... } ، وقوله جل وعلا: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} ، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا"، رواه الشيخان وغيرهما
    وهو مخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" برقم 920.
    وقد صح شيء مما ذكرته عن بعض السلف فقال ابن جريج: قال لي عطاء: "لا صدقة في اللؤلؤ ولا زبرجد ولا ياقوت ولا فصوص ولا عرض ولا شيء لا يدار أي لا يتاجر به وإن كان شيئا من ذلك يدار ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع" ، أخرجه عبد الرزاق 4 / 84 / 7061 وابن أبي شيبة 3 / 144 وسنده صحيح جدا.
    والشاهد منه قوله: "ففيه الصدقة في ثمنه حين يباع".
    فإنه لم يذكر تقويما ولا نصابا ولا حولا ...
    قال إبراهيم الصائغ: "سئل عطاء: تاجر له مال كثير في أصناف شتى حضر زكاته أعليه أن يقوم متاعه على نحو ما يعلم أنه ثمنه فيخرج زكاته؟ قال: لا ولكن ما كان من ذهب أو فضة أخرج منه زكاته وما كان من بيع أخرج منه إذا باعه" ، أخرجه ابن زنجويه في كتابه "الأموال" 3 / 946 / 1703 بسند حسن كما قال المعلق عليه الدكتور شاكر ذيب فياض وهو شاهد قوي لرواية ابن جريج المتقدمة.)) ا.هـ
    الثالث : وأيضا استدلوا بما رواه الدارقطني عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البز صدقته » ولا خلاف في أنها لا تجب في عين البز، فثبت أنها واجبة في قيمته، وذلك إنما يكون إذا جعل للتجارة
    الرد :
    قد أجاد وأفاد الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في بيان علة هذا الحديث ، إذ قال في (سلسلة الأحاديث الضعيفة)(3/ 324 ـ 326) : (( أخرجه الدارقطني في " سننه " (ص 203) : حدثنا دعلج بن أحمد من أصل كتابه:حدثنا هشام بن علي: حدثنا عبد الله بن رجاء: حدثنا سعيد بن سلمة: حدثنا موسى عن عمران بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الحديث.
    قلت : وهذا إسناد ضعيف من أجل موسى هذا وهو ابن عبيدة - بضم أوله - وهو ضعيف
    كما قال الحافظ في " التقريب ".
    وهشام بن علي هو السيرافي كما في الرواة عن عبد الله بن رجاء من " التهذيب "،ولكني لم أجد من ترجمه، ويظهر أنه من المشهورين فقد ذكره الذهبي فيمن سمع عنهم دعلج بن أحمد من " تذكرة الحفاظ " (3/92) .
    ثم رأيت ابن حبان قد أورده في كتابه " الثقات " (9/234) وقال:" مستقيم الحديث، كتب عنه أصحابنا " ، وتوفي سنة (284) كما ذكر الذهبي في ترجمة أحمد بن المبارك النيسابوري من "التذكرة ". فموسى بن عبيدة هو العلة.
    والحديث أخرجه الحاكم (1/388) بهذا السند عن هذا الشيخ لكن وقع في سنده سقط لا أدري أهو من الحاكم أو شيخه حين حدثه به والأغلب على الظن الأول، فقال الحاكم: أخبرني دعلج بن أحمد السجزي - ببغداد -: حدثنا هشام بن علي السدوسي: حدثنا عبد الله بن رجاء: حدثنا سعيد بن سلمة بن أبي الحسام: حدثنا عمران بن أبي أنس به.
    فسقط من السند موسى بن عبيدة وهو علة الحديث، فاغتر الحاكم بظاهره فقال:" إسناد صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي! ! على أن عمران بن أبي أنس وسعيد بن سلمة لم يحتج بهما البخاري كما بينته في " التعليقات الجياد " (3/86) فتصحيحه على شرطهما خطأ بين.
    ومما يؤيد خطأ إسناد الحاكم أن البيهقي أخرج الحديث (4/147) من طريق أخرى عن هشام بن علي مثل رواية الدارقطني، فقال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان: أنبأ أحمد بن عبيد الصفار: حدثنا هشام بن علي: حدثنا ابن رجاء: حدثنا سعيد هو ابن سلمة بن الحسام: حدثني موسى عن عمران بن أبي أنس به. دون قوله: " وفي البقر صدقتها "
    ثم قال:" سقط من هذه الرواية ذكر البقر، وقد رواه دعلج بن أحمد عن هشام بن علي السدوسي فذكر فيه " وفي البقر صدقتها "، أخبرنا بذلك أبو عبد الله الحافظ: أخبرني دعلج بن أحمد السجزي ببغداد حدثنا هشام بن علي السدوسي فذكره ".
    قلت: وأبو عبد الله الحافظ شيخ البيهقي في إسناده الثاني هو صاحب " المستدرك".
    وصنيع البيهقي في روايته لهذا الحديث عنه يدل على أن إسناد الحاكم فيه موسى بن عبيدة أيضا وإلا لذكر البيهقي الخلاف بين هذا الإسناد والإسناد الذي ساقه قبله كما هي عادة المحدثين في مثل هذا الاختلاف، وكما فعل البيهقي هنا في بيان الخلاف في موضع من متنه. فهذا يؤيد خطأ الحاكم في " المستدرك " فتنبه.
    وقد كنت اغتررت تبعا للنووي وابن حجر بظاهر رواية الحاكم هذه فحكمت بحسنها في" التعليقات الجياد "، والآن هداني الله لعلة هذا الحديث فبادرت لأعلن أنه ضعيف الإسناد من أجلها، وإن كان رواه ابن جريج عن عمران بن أبي أنس، فإن ابن جريج مدلس وقد عنعنه ولم يسمعه منه كما بينته هناك، ويأتي أيضا.
    والحديث عزاه السيوطي في " الدر المنثور " (3/233) لابن أبي شيبة وابن مردويه عن أبي ذر بتمامه، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا مثله.
    قلت: وطريق أبي هريرة لابد أن يكون ضعيفا، وحسبك دليلا على ذلك تفرد ابن مردويه به!
    ثم عزا الحديث في " الجامع الصغير " لابن أبي شيبة وأحمد والحاكم والبيهقي عن أبي ذر بتمامه، وعزوه لأحمد فيه تساهل لأنه لم يرومنه إلا الشطر الأول وليس عنه: " ومن رفع ... " إلخ، وهو عنده من طريق ابن جريج عن عمران وصرح فيه أنه بلغه عن عمران كما ذكرته في المصدر المشار إليه آنفا.
    ثم رأيت الحديث في " مصنف ابن أبي شيبة " (3/213) : حدثنا زيد بن حباب قال:حدثني موسى بن عبيدة قال: حدثني عمران بن أبي أنس به. إلا أنه لم يذكر صدقة الغنم والبقر والبز. فهذا يؤكد وهم الحاكم وأن الحديث مداره على موسى هذا الضعيف، والله تعالى ولي التوفيق. )) ا.هـ
    وقال في (تمام المنة)(ص363) : (( ثم إن الحديث فيه لفظة اختلفت النسخ فيها وهي: "البز" فهي في بعضها البز بفتح الموحدة والزاي المعجمة وقد صرح بذلك موسى بن عبيدة وقد علمت ضعفه وفي بعضها "البر" بالباء المضمومة والراء المهملة ولم يتبين لنا ولا لكثيرين قبلنا أيهما الأرجح وهذا كما قال صديق خان في "الروضة":"مما يوجب الاحتمال فلا يتم الاستدلال".
    قلت: هذا لو صح الحديث فكيف به وهو ضعيف؟! )) ا.هـ
    الرابع : وأيضا استدلوا بما رواه أَبِو عَمْرِو بْنِ حَمَاسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرَّ بِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا حَمَاسُ، أَدِّ زَكَاةَ مَالِك. فَقُلْت: مَا لِي مَالٌ إلَّا جِعَابٌ وَأَدَمٌ. فَقَالَ: قَوِّمْهَا قِيمَةً ثُمَّ أَدِّ زَكَاتَهَا.
    الرد :
    قال المحدث الألباني في (إرواء الغليل)(3/ 311) : (( قلت: وهذا سند ضعيف , أبو عمروبن حماس: " مجهول " كما قال الذهبى فى " الميزان " ، ومن طريقه أخرجه الشافعى أيضا (1/236) والدارقطنى (213) والبيهقى (4/147) , وكذا أحمد وابن أبى شيبة وعبد الرزاق وسعيد بن منصور عن أبى عمرو بن حماس نحوه كما فى " التلخيص " (185) . )) ا.هـ
    وقال في (تمام المنة)(ص 368) : (( أما الأثر الذي أورده المؤلف في حكم زكاة التجارة عن عمر فهو ضعيف لأن أبا عمرو بن حماس ووالده مجهولان كما قال ابن حزم ولا يخدج فيه توثيق ابن حبان للوالد لما نبهنا عليه مرارا أن توثيق ابن حبان لا يوثق به لتساهله في ذلك ولذلك لم يعتد الحافظ به فصرح في "بلوغ المرام" بأن إسناده لين!
    وأما ما نقله المؤلف عقب ذلك عن "المغني" قال: "وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر فيكون إجماعا"!
    فيقال: أثبت العرش ثم انقش على أنه لو ثبتت القصة فليس فيها ما يدل على الإجماع البتة يوضحه قول ابن رشد بعد أن أشار إلى هذه القصة وقول ابن عمر المتقدم: "ولا مخالف لهم من الصحابة وبعضهم يرى أن مثل هذا إجماع من الصحابة أعني إذا نقل عن واحد منهم قول ولم ينقل عن غيره خلافه وفيه ضعف". )) ا.هـ
    الخامس : واستدلوا أيضا بخبر عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ أنه قَالَ: كُنْت عَلَى بَيْتِ الْمَالِ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ إذَا خَرَجَ الْعَطَاءُ جَمَعَ أَمْوَالَ التُّجَّارِ ثُمَّ حَسَبَهَا، غَائِبَهَا وَشَاهِدَهَا، ثُمَّ أَخَذَ الزَّكَاةَ مِنْ شَاهِدِ الْمَالِ عَنْ الْغَائِبِ وَالشَّاهِدِ.
    الرد :
    قال ابن حزم في (المحلى)(4/ 41) : (( أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِيّ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ تِلْكَ الْأَمْوَالَ كَانَتْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ وَقَدْ كَانَتْ لِلتُّجَّارِ أَمْوَالٌ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يُزَادَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيَحْصُلُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ عَلَى الْكَذِبِ. )) ا.هـ
    وقال رحمه الله : (( أَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: فَصَحِيحٌ ([15] ) ؛ إلَّا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ، وَابْنَهُ. مِنْهَا لِلْمَالِكِيِّينَ الرِّوَايَةُ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ؛ وَلِلْحَنَفِيِّينَ حُكْمُهُ فِي زَكَاةِ الرَّقِيقِ؛ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا - وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ وَابْنُهُ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ دُونَ آخَرَ.
    وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: خَالَفُوا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا؛ فَمَالِكٌ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُدِيرِ وَغَيْرِ الْمُدِيرِ، وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّنْ بَاعَ عَرَضًا بِعَرَضٍ، مَا لَمْ يَنِضَّ لَهُ دِرْهَمٌ، وَلَيْسَ هَذَا فِيمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِهِ.
    وَالشَّافِعِيُّ: يَرَى أَنْ لَا يُزَكِّيَ الرِّبْحَ مَعَ رَأْسِ الْمَالِ إلَّا الصَّيَارِفَةُ خَاصَّةً، وَلَيْسَ هَذَا عَنْ عُمَرَ، وَلَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ. وَكُلُّهُمْ يَرَى فِيمَنْ وَرِثَ عُرُوضًا أَوْ ابْتَاعَهَا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ: أَنَّهَا لَا زَكَاةَ فِيهَا، وَلَوْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ سِنِينَ؛ وَلَا فِي ثَمَنِهَا إذَا بَاعَهَا؛ لَكِنْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا؛ وَهَذَا خِلَافُ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ؛ فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. وَقَدْ جَاءَ خِلَافُ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ عُمَرَ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - )) ([16])
    السادس : اعتمادهم على الإجماع الذي نقله ابن المنذر على وجوب الزكاة في قيمة عروض التجارة ، وزعمهم أنه لم يخالف في ذلك إلا داود الظاهري !
    الرد :
    قال الإمام الألباني في (تمام المنة )(ص 365 ـ 366) : (( إن مما يبطل هذا الزعم أن أبا عبيد رحمه الله قد حكى في كتابه "الأموال" 427 / 1193 عن بعض الفقهاء أنه لا زكاة في أموال التجارة. ومن المستبعد جدا أن يكون عنى بهذا البعض داود نفسه لأن عمره كان عند وفاة الأمام أبي عبيد أربعا وعشرين سنة أو أقل ومن كان في هذا السن يبعد عادة أن يكون له شهرة علمية بحيث يحكي مثل الإمام أبي عبيد خلافه وقد توفي سنة 224 وولد داود سنة 200 أو 202 فتأمل.
    ولعل أبا عبيد أراد بذاك البعض عطاء بن أبي رباح فقد قال إبراهيم الصائغ: "سئل عطاء: تاجر له مال كثير في أصناف شتى حضر زكاته أعليه أن يقوم متاعه على نحو ما يعلم أنه ثمنه فيخرج زكاته؟ قال: لا ولكن ما كان من ذهب أو فضة أخرج منه زكاته وما كان من بيع أخرج منه إذا باعه" ، أخرجه ابن زنجويه في كتابه "الأموال" 3 / 946 / 1703 بسند حسن
    كما قال المعلق عليه الدكتور شاكر ذيب فياض وهو شاهد قوي لرواية ابن جريج المتقدمة.
    وجملة القول أن المسألة لا يصح ادعاء الإجماع فيها لهذه الآثار وغيرها مما ذكره ابن حزم في "المحلى" الأمر الذي يذكرنا بقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "من ادعى الإجماع فهو كاذب وما يدريه لعلهم اختلفوا".
    وصدق - جزاه الله خيرا - فكم من مسالة ادعي فيها الإجماع ثم تبين أنها من مسائل الخلاف وقد ذكرنا أمثلة منها في بعض مؤلفاتنا مثل "أحكام الجنائز" و "آداب الزفاف" وغيرها.
    وقد أشبع ابن حزم القول في مسألتنا هذه وذهب إلى أنه لا زكاة في عروض التجارة ورد على أدلة القائلين بوجوبها وبين تناقضهم فيها ونقدها كلها نقدا علميا دقيقا فراجعه فإنه مفيد جدا في كتابه "المحلى" 6 / 233 - 240.
    وقد تبعه فيما ذهب إليه الشوكاني في "الدرر البهية" وصديق حسن خان في شرحه "الروضة الندية" 1 / 192 - 193 ورد الشوكاني على صاحب "حدائق الأزهار" قوله بالوجوب في كتابه "السيل الجرار" 2 / 26 - 27 فليراجعه من شاء. )) ا.هـ
    ثانيا : لو لم يخالف في هذه المسألة الجمهور إلا أهل الظاهر لاعتبر خلافهم وخرم الإجماع المدعى ، فكيف إذا وافقهم على ذلك غيرهم من أئمة الحديث والفقه كما بيّن ذلك الشيخ الألباني .
    يقول الإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في ( شرح الأصول من علم الأصول)(ص 489) :(( بعض العلماء يحصل منهم بعض الخطأ في بعض الطوائف حيث لا يعتبرون إجماعهم ، فيرى بعض الفقهاء وأصحاب الرأي أن خلاف الظاهرية لا يعتبر ، ويقول : إن الأمة تجمع ويحكم بإجماعها ولو خالفها أهل الظاهر في هذا الحكم
    فمثلا عندهم ابن حزم وأبو داود الظاهري وغيرهما من أهل الظاهر لا يعتد بخلافهم إذا أجمع الفقهاء على قول ، وهؤلاء المخالفون لهم ، فإجماع الفقهاء حجة ملزمة ، وللكن هذا القول ضعيف .
    والصواب : أن القول الظاهرية يخرم الإجماع إن كان مخالفا له لأن الظاهرية لاشك أن مذهبهم صحيح ، وإن كان عندهم خطأ كثير لكن خطؤهم لا يوجب رد قولهم مطلقا ، فلهم أقوال صحيحة موافقة لظاهر النصوص والصواب فيها معهم .
    فالصواب أن قول أهل الظاهر معتبر ، وأنه إذا خالف قول غيرهم لم يكن ثم إجماع كما أن الصحيح أن قول الرجل والرجلين يخرم الإجماع ، ولو أنه وجد خلاف ولو من واحد ممن يعتبر قولهم كالفقهاء فإنه لا إجماع في المسألة )) ا.هـ
    ثالثا : قد قيل أن العلامة ابن المنذر ـ رحمه الله ـ هو ممن يتساهل في نقل الإجماع ، ولا عبرة بما ينقل ، وإن كانت هذه في حقه مجازفة ، لكن لابد أن يحتاط في كل ما نقل من الإجماعات منه أو من غيره ، خاصة إذا بانت مخالفتها للنصوص والأصول ، ووجد المخالف الذي يخرم ذلك الإجماع كما هو الشأن في مسألتنا .
    يقول الإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في ( القول المفيد على كتاب التوحيد)(ص349)
    (( قالوا:" لا عبرة بتصحيح الحاكم، ولا بتوثيق ابن حبان، ولا بوضع ابن الجوزي، ولا بإجماع
    ابن المنذر."
    وهذا القول فيه مجازفة في الحقيقة; لأن كلمة (لا عبرة) ; أي: لا يلتفت إليه، والصواب أنه لا يؤخذ مقبولا في كل حال، مع أني تدبرت كلام ابن المنذر رحمه الله، ووجدت أنه دائما إذا نقل الإجماع يقول: إجماع من نحفظ قوله من أهل العلم، وهو بهذا قد احتفظ لنفسه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها. )) ا.هـ
    وقال في (شرح الأصول من علم الأصول)(ص500) عند شرح قوله :" للإجماع شروط منها :
    1 ـ أن يثبت بطريق صحيح .." (( وهذا مهم ، لكن عندنا الآن من تعدّى ما يذكر عن ابن المنذر ، فابن المنذر يقولون إنه يتساهل في نقل الإجماع ...))
    فإذا عرفت يا أيها القارئ أنه قد وجد في هذه المسألة من خالف الجمهور فيها ، فادعاء الإجماع في مثلها مما يحمل المحققين على أن لا يتسرعوا في قبول كل إجماع يرد ذكره ونقله .
    قال العلامة الألباني في (صلاة التراويح)(ص83 ـ 85) : (( وادعاء مثل هذا الإجماع مما يحمل المحققين على أن لا يتسرعوا في قبول كل إجماع يرد ذكره في بعض الكتب فقد ثبت بالتتبع أنه لا يصح كثير مما يذكر فيها ومن الأمثلة أيضا على ذلك الإجماع الذي نقله بعضهم في أن الوتر ثلاث ركعات مع أنه ثبت عن غير واحد من الصحابة الإيتار بركعة واحدة فقط ... ولهذا قال المحقق صديق حسن خان في مقدمة كتابه " السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج " (1 / 3) : " وقد حصل التساهل البالغ في نقل الإجماعات وصار من لا يجب (كذا الأصل ولعل الصواب: نصيب) له من مذاهب أهل العلم يظن أن ما اتفق عليه أهل مذهبه أو أهل قطره هو إجماع وهذه مفسدة عظيمة فيأتي هذا الناقل بمجرد الدعوى بما تعم به البلوى ذاهلا عن لزوم الخطر العظيم على عباد الله تعالى من هذا النقل الذي لم يكن على طريق التثبت والورع وأما أهل المذاهب الأربعة فقد صاروا يعدون ما اتفق عليهم بينهم مجمعا عليه ولا سيما المتأخر عصره منهم كالنووي في شرحه لمسلم ، ومن فعل كفعله ، وليس هذا هو الإجماع الذي تكلم العلماء بحجيته فإن خير القرون [القرن الأول] ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم هم كانوا قبل ظهور المذاهب ثم كان في عصر كل واحد من الأئمة الأربعة من أكابر أهل العلم الناهضين بالاجتهاد من لا يأتي عليه الحصر وهكذا جاء بعد عصرهم إلى هذه الغاية ، وهذا يعرفه كل عارف منصف ، ولكن الإنصاف عقبة كؤود لا يجوزها إلا من فتح الله تعالى له أبواب الحق وسهل عليه الدخول منها ، قال العلامة الشوكاني في " وبل الغمام حاشية شفاء الأوام ": إن الإجماعات التي يحكونها في المصنفات ليست إلا باعتبار أن الحاكي لم يعلم بوقوع خلاف في المسألة وعدم علمه بالوقوع لا يستلزم العدم غاية ما هناك أن حصل له ظن بالإجماع ومجرد ظن فرد من الإفراد لا يصلح أن يكون مستندا للإجماع و لا طريقا من طرقه ومن قال بحجية الإجماع لا يقول بحجية ، فهو مجرد ظن لفرد من أفراد الأمة ، ولم يتعبد الله أحدا من خلقه بمثل ذلك ، فإنه لو قال المطلع: لا أعلم في هذه المسألة دليلا من السنة أو دليلا من القرآن لم يقل عاقل فضلا عن عالم أن هذه المقالة حجة. إذا تقرر هذا هان عليك الخطب عند سماع حكاية الإجماع ،لأنه ليس بالإجماع الذي اختلفت الأمة في كونه حجة أم لا ، مع أنه قد ذهب الجمهور من أهل الأصول إلى أن الإجماع لا تقبل فيه أخبار الآحاد كما صرح بذلك القاضي في " التقريب " والغزالي في كتبه إلى آخر ما قال ، وقد أوردت حجج هذه المسألة في كتابي " حصول المأمول من علم الأصول " وأوردها الولدان الصالحان في " الاقليد " و " الطريقة المثلى " فمن رام انثلاج خاطره فيرجع إليها وإلى " دليل الطالب " وغيره من مؤلفاتنا )) ا.هـ
    السابع : قالوا : إن القول بعدم وجوب زكاة عروض التجارة فيه إضاعة لحق الفقراء والمساكين في أموال الأغنياء والمثرين.
    الرد :
    قال الإمام الألباني في (تمام المنة)(ص367 ـ 368) : (( والجواب من وجهين:
    الأول: أن الأمر كله بيد الله تعالى فليس لأحد أن يشرع شيئا من عنده بغير إذن من الله عز وجل {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} ألا ترى أنهم أجمعوا على أنه لا زكاة على الخضروات على اختلاف كثير بينهم مذكور عند المصنف وغيره واتفقوا على أنه لا زكاة على القصب والحشيش والحطب مهما بلغت قيمتها فما كان جوابهم عن هذا كان الجواب عن تلك الدعوى على أن المؤلف قد جزم أنه لم تكن تؤخذ الزكاة من الخضروات ولا من غيرها من الفواكه إلا العنب والرطب.
    فأقول: فهذا هو الحق وبه تبطل الدعوى من أصلها.
    والآخر: أن تلك الدعوى قائمة على قصر النظر في حكمة فرض الزكاة أنها لفائدة الفقراء فقط والأمر على خلافه كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ. }
    فإذا كان الأمر كذلك ووسعنا النظر في الحكمة قليلا وجدنا أن الدعوى المذكورة باطلة لأن طرح
    الأغنياء أموالهم ومتاجرتهم بها أنفع للمجتمع - وفيه الفقراء - من كنزها ولو أخرجوا زكاته ولعل هذا يدركه المتخصصون في علم الاقتصاد أكثر من غيرهم والله ولي التوفيق.))
    وقال في ( مجالس الكويت)( الفنطاس / ش : 2 / د : 21) : (( هنا يرد إشكال : يقولون : إنه إذا قيل : ليس في عروض التجارة الزكاة ، أصاب من ذلك الفقراء ضرر كبير ، لأنه حينئذ سوف لا يتقدم الأغنياء إليهم بشيء من زكاة أموالهم ؟
    وجوابنا على ذلك من ناحيتين :
    الناحية الأولى : إننا قلنا لا يجب الزكاة في أموالهم الزكاة المقننة المفروضة المحددة ، لكن الزكاة المطلقة من باب تطهير المال ، بل تطهير النفس مما جبلت عليه كما قال الله تعالى :{وأحضرت الأنفس الشح} ، فهذا لابد منه ، لكن لا يقال انتظر حتى يحول الحول ، أو تعجل قبل ما ينتهي الحول ..، لكن أخرج ما تطيب به نفسك من أي نوع عندك سواء كان من الدراهم أو الدنانير أو البضاعة كالرز أو السكر أو أي شيء من العقاقير هذا الجواب الأول .
    الجواب الثاني : إن كثير من الناس يقعون في غفلة عجيبة وتتبين هذه الغفلة حينما يورد السؤال الأتي ألا وهو : لاشك أنه يجوز للغني أن يحصر أو يكنز ماله من الذهب والفضة في صندوق حديد ولا يطرحه في السوق في التجارة بشرط أن يخرج الزكاة عن هذا المال في كل السنة ، هذا أظن معروف لدى الجميع ، حينئذ نقول : من فعل هذا هل عليه المؤاخذة إذا أخرج زكاة ماله كل سنة ؟
    الجواب : لا ، تاجر آخر ليس في صندوقه ولا درهم ولا دينار كل مطروح في التجارة ، ونفترض أن كل من التاجرين ماله مساويا لمال الآخر من حيث الكمية هذا مثلا رأس ماله مليون ، وهذا رأس ماله مليون .
    الأول : المليون مكنوز في الصندوق وكل سنة بطالب بميتين ونصف .
    الثاني مليون تاعه مطروح في السوق في أي عرض من عروض التجارة ، الآن السؤال يأتي : أي الغنيين من هذين أمره انفع للفقير ألأول أم الأخر ؟...
    هو إذا صح إذا قلنا : أضر بالفقراء هو الرجل الأول ، حبس ماله ... لكن الشارع قال له مادام تخرج الزكاة فليس عليك من الإثم ، فحينئذ كيف يقال إن هذا أضر بالفقراء !
    إذا كان أحد أضر من الجنسين أو النوعين إنما هو الرجل الأول .
    نقول أخيرا : الرجل الثاني هو الذي ينفع الفقراء ، لأن لما يشغل رأس ماله ، يوجد الحركة في البلد ، يوجد العمل للفقراء ، لو فرضنا كل الأغنياء من نمط الجنس الأول ، لأصيبت بطالة العمال والفقراء والمحتاجين ، والعكس بالعكس تماما ، فإذًا يجب أن نلاحظ الآن شيء هام جدا ، أن الله عز وجل حينما لم يفرض على عروض التجارة زكاة ، والعكس من ذلك فرض على الأموال المكنوزة زكاة ، كأن ربنا عز وجل يقول للأغنياء اطرحوا أموالكم بين الأيدي ، واشتغلوا بها في عروض التجارة فذلك خير للناس من أن تكنزوها في صناديقكم وفي بيوتكم .
    فإذًا هنا حكمة بالغة أن الله عز وجل حينما لا نجد في كتاب الله ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا يلزم هذا الغني الذي طرح رأس ماله في السوق أنه يجب عليه في كل سنة أن يعمل إحصاء ويقوم هذه الأموال الطائلة ، إنما تسامح معه هذا التسامح لأنه يستحق ، لأنه أنفع بعمله هذا للفقراء من ذاك الغني الذي كنز ماله ، ومع ذلك تسامح الله معه مادام أنه يخرج من هذه الأموال المكدسة المكنوزة بميتين ونصف .
    خلاصة القول فيما نفهم نحن هذا الموضوع اجتمع النقل والعقل في الآن الواحد أن عروض التجارة لا زكاة عليها ، وأن رفع الشارع الحكيم الزكاة عنها هو لصالح الفقير لأنه يساعد الغني على أن لا يكنز المال ، لأنه إذا كنزه قل استفادة الفقير منه ، ومن الجهة الأخرى يساعد الغني على أن يطرح ماله في السوق فيستفيد الفقراء منه أكثر مما يستفدون من الأول )) ا.هـ
    الثامن : استدلالهم بالنصوص العامة في إيجاب زكاة عروض التجارة ، ومن ذلك قوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103]
    الرد :
    قال الإمام الألباني : (( إن هذه النصوص العامة التي يستدلون بها يوجب القول بعمومها ما لا يقول به عالم في الدنيا لا قديما ولا حديثا ، مثلا العموم يستوجب إخراج زكاة الخضر ... خاصة بزمن الحاضر الآن يعني المزارع الكبير الذي عنده الأراضي الوفيرة ، وعنده المياه الغزيرة ، يعني
    في كل شهر ، ما نقول في كل فصل ، يستثمر أرضه الألوف المؤلفة مع ذلك ما عليها الزكاة اتفاقا مع أنه مال ، كذلك في هناك مزارع تزرع نوعا من النباتات مثل قصب السكر مثلا ، وهذا يثمر
    ثمرة من حيث المال الشيء الكثير جدا في بعض البلاد كمصر وغيرها ، وعنده حقل طويل عريض كله مزروع قصب السكر ، فلما يحصد بجمع عنده الألوف المؤلفة من الدراهم أو الدنانير كما أنه عليه الزكاة.
    فمن الذي يستطيع إذًا أن يحتج بعموم قوله تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] ، مع ذلك بعض العلماء يلاحظون إن هذه " من " تبعضيه ، فيمكن أن يكون المعنى : أخذ من بعض أموالهم ، وهذا ما بينته السنة ، كما ذكرنا ذلك آنفا في حديث معاذ : "لا تأخذ الصدقة إلا من التمر والزبيب والشعير والقمح " .
    إذًا معنى ، إنه فيه هناك أشياء قد يحكم الرأي بوجوب الزكاة منها ، وقد يذهب إلى ذلك معاذ بن جبل حينما يجتهد اجتهادا دون يكون عنده النص ، فقال له سلفا : لا تأخذ من حواصل أرضهم إلا من هذه الأنواع الأربعة .
    وخلاصة القول : إن الجمهور الذين يذهبون إلى إيجاب زكاة عروض التجارة .
    أولا : ليس عندهم نص صريح في الموضوع .
    ثانيا : عندهم نصوص عامة هم أول من يخالفها .
    ثالثا وأخيرا : لما يأت في الشرع كيف تعامل هذه العروض ، فقولهم أنها تقوم ويخرج زكاتها ، هذا مجرد رأي ، فنحن ذكرنا لكم آنفا آثرا وحديثا لو صحا لأنفتح المجال للقول بوجوب أخذ الزكاة من عروض التجارة ، لكن بقي شيء هام هنالك غامض ، كيف تؤخذ الزكاة من هذه العروض ؟
    للقائل أن يقول : فيه عندك القمح ـ عفوا ـ الرز ، فيه عندك السكر ، بطالع من هذا النوع ، فيه عندك مثلا أي شيء أخر بطالع من جنسه فمن أين جاء التقويم ؟
    هذا رأي محض ليس له أي سند ، حتى ولو بأثر ضعيف ، فلهذا نحن اطمأننا بعد دراستنا المسألة من بطون الكتب المطولة ثم عرضها على بساط البحث الاقتصادي ، فوجدنا أن الشرع حينما لم يوجب على الأغنياء الزكاة على عروض التجارة وعلى العقارات إنما حقق في ذلك مصلحة الفقراء أكثر مما يحقق مصلحتهم فيما فرض على الأغنياء الذين يخرجون أموالهم بالنسبة المعروفة بميتين ونصف )) ا.هـ ([17])
    قلت (بشير) : لقد أجاد وأفاد العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في مناقشة الجمهور ونقض استدلالهم بالنصوص العامة على إيجاب الزكاة في عروض التجارة مع غفلتهم عن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإلا فلو عوّلنا على العمومات وصرفنا النظر عن البيان لانفتح باب كبير من أبواب البدعة لا يمكن سده.
    قال العلامة على محفوظ ـ رحمه الله ـ في ( الإبداع في مضار الابتداع)(ص 45 ـ 47) :(( وعلمت أن التمسك بالعمومات مع الغفلة عن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم بفعله وتركه هو من اتباع المتشابه الذي نهى الله عنه، ولو عوّلنا على العمومات وصرفنا النظر عن البيان؛ لانفتح باب كبير من أبواب البدعة لا يمكن سده، ولا يقف الاختراع في الدين عند حد ، وإليك أمثلة في ذلك زيادة على ما تقدم : ....))
    وذكرها ومنها قوله : (( الرابع : ورد في صحيح الحديث :" فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر " رواه النسائي وأبوداود وابن ماجه .
    لو أخذ بعموم هذا لوجبت الزكاة في الخضر والبقول مع إجماع العلماء إلا الإمام الأعظم على عدم وجوب الزكاة فيها ، ولا مستند لهم في عدم وجوب الزكاة سوى هذا الأصل ، وهو أن ما تركه صلى الله عليه وآله وسلم مع قيام المقتضي على فعله ، فتركه هو السنة ، وفعله هو البدعة ))
    فتأمل يا أيها القارئ الكريم إلى ما مثل به العلامة علي محفوظ في المثال الرابع في تقرير هذه المسألة ، وهي أنه لو أخذ بعموم قوله صلى الله عليه وسلم " فيما سقت السماء والعيون والبعل العشر وفيما سقى بالنضح نصف العشر " لوجبت الزكاة في الخضر ، وهذا أيضا ينصب على زكاة عروض التجارة ، مع إن تركه صلى الله عليه وسلم إياها مع قيام المقتضى فعلها وبيان تفاصلها كان موجودا في عهده ، فدل على أن تركها هو السنة .
    التاسع : مما يقوي ضعف قول الجمهور أنهم أوجبوا الزكاة في عروض التجارة بعلة أنها مما تنمى ، أما ما كانت للقنية ثم نوى بها التجارة فلا زكاة فيها ، واضطربت أقوالهم في ذلك ، مما يدل أن هذا منهم تحكم في إيجابهم الزكاة في عروض التجارة بلا برهان ،وأنها ليست من عند الله .
    قال ابن حزم في ( المحلى) (4/ 45 ـ 46) : (( أَجْمَعَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ : عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلَعًا لِلْقُنْيَةِ ثُمَّ نَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا - وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي إيجَابِهِمْ الزَّكَاةَ فِي أَثْمَانِهَا إذَا بِيعَتْ ثُمَّ اُتُّجِرَ بِهَا بِلَا بُرْهَانٍ.
    وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الزَّكَاةَ فِيمَا يَنْمَى، فَدَعْوَى كَاذِبَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ؛ لِأَنَّ عُرُوضَ الْقُنْيَةِ تَنْمَى قِيمَتُهَا كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَلَا فَرْقَ.
    فَإِنْ قَالُوا: الْعُرُوض لِلتِّجَارَةِ فِيهَا النَّمَاءُ. قُلْنَا: وَفِيهَا أَيْضًا الْخَسَارَةُ، وَكَذَلِكَ الْحَمِيرُ تَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَهُمْ، وَالْخَيْلُ تَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالْإِبِلُ الْعَوَامِلُ تَنْمَى وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، وَمَا أُصِيبَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ يَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْحَنَفِيِّينَ، وَأَمْوَالُ الْعَبِيدِ تَنْمَى، وَلَا زَكَاةَ فِيهَا عِنْدَ الْمَالِكِيِّينَ.
    قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَقْوَالُهُمْ وَاضْطِرَابُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى. )) ا.هـ
    العاشر : وأيضا مما يدل على وهاء قولهم ومأخذهم واضطراب أقوالهم في هذه المسألة مما يدل على بعدها عن الشرع قول العلامة ابن حزم في (المحلى)(4/46 ـ 47) : (( إِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ قَالَتْ: تُزَكَّى عُرُوضُ التِّجَارَةِ مِنْ أَعْيَانِهَا ، وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ.
    وَطَائِفَةً قَالَتْ: بَلْ نُقَوِّمُهَا ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا:
    فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: نُقَوِّمُهَا بِالْأَحْوَطِ لِلْمَسَاكِينِ.
    وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: بَلْ رُبَّمَا اشْتَرَاهَا بِهِ؛ فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى عَرَضًا بِعَرَضٍ قَوَّمَهُ بِمَا هُوَ الْأَغْلَبُ مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ.
    وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ عَرْضًا بِعَرْضٍ أَبَدًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ إلَّا حَتَّى يَبِيعَ وَلَوْ بِدِرْهَمٍ، فَإِذَا نَضَّ لَهُ وَلَوْ دِرْهَمٌ قَوَّمَ حِينَئِذٍ عُرُوضَهُ وَزَكَّاهَا.
    فَلَيْتَ شِعْرِي مَا شَأْنُ الدِّرْهَمِ هَاهُنَا، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ.
    فَكَيْفَ إنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ إلَّا نِصْفُ دِرْهَمٍ، أَوْ حَبَّةُ فِضَّةٍ، أَوْ فَلْسٌ؛ كَيْفَ يَصْنَعُ.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: يُقَوِّمُ وَيُزَكِّي وَإِنْ لَمْ يَنِضَّ لَهُ دِرْهَمٌ.
    وَقَالَ مَالِكٌ: الْمُدِيرُ الَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي يُقَوِّمُ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزَكِّي، وَأَمَّا الْمُحْتَكِرُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ - وَلَوْ حَبَسَ عُرُوضَهُ سِنِينَ - إلَّا حَتَّى يَبِيعَ، فَإِذَا بَاعَ زَكَّى حِينَئِذٍ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: كِلَاهُمَا سَوَاءٌ، يُقَوِّمَانِ كُلَّ سَنَةٍ وَيُزَكِّيَانِ.
    حَدَّثَنَا حُمَامٌ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ ثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ ثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ ثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي عَطَاءٌ: لَا صَدَقَةَ فِي لُؤْلُؤٍ، وَلَا فِي زَبَرْجَدٍ، وَلَا يَاقُوتٍ، وَلَا فُصُوصٍ وَلَا عَرَضٍ وَلَا شَيْءٍ لَا يُدَارُ.
    فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُدَارُ فَفِيهِ الصَّدَقَةُ فِي ثَمَنِهِ حِين يُبَاعُ - وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ مَنْ ذَكَرْنَا.
    وَقَالَ الشَّافِعِيَّ: لَا يُضِيفُ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ إلَّا الصَّيَارِفَةُ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.
    وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ؛ وَمَالِكٌ؛ بَلْ يُضِيفُ الرِّبْحَ إلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلَوْ لَمْ يَرْبَحْهُ إلَّا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكَانَ هَذَا أَيْضًا عَجَبًا.
    وَأَقْوَالُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَرِيفَةٌ جِدًّا لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ أَصْلًا، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ لَهُ قَائِلٌ قَبْلَ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء: 59] .
    فَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ رَدَّ هَؤُلَاءِ هَذَا الِاخْتِلَافَ إلَى كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
    وَهَلْ وَجَدُوا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ نَصًّا أَوْ دَلِيلًا عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْفَاسِدَةِ. ؟!
    وَكُلُّهُمْ يَقُولُ: مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً لِلْقُنْيَةِ فَنَوَى بِهَا التِّجَارَةَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، فَإِنْ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ فَنَوَى بِهَا الْقُنْيَةَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَنْهَا؛ فَاحْتَاطُوا لِإِسْقَاطِ الزَّكَاةِ الَّتِي أَوْجَبُوهَا بِجَهْلِهِمْ.
    وَقَالُوا كُلُّهُمْ: مَنْ اشْتَرَى مَاشِيَةً لِلتِّجَارَةِ، أَوْ زَرَعَ لِلتِّجَارَةِ، فَإِنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تَسْقُطُ وَتَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ؛ وَكَانَ فِي هَذَا كِفَايَةٌ لَوْ أَنْصَفُوا أَنْفُسَهُمْ، وَلَوْ كَانَتْ زَكَاةُ التِّجَارَةِ حَقًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى مَا أَسْقَطَتْهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ؛ وَلَكِنَّ الْحَقَّ يَغْلِبُ الْبَاطِلَ.
    فَإِنْ قَالُوا: لَا تَجْتَمِعُ زَكَاتَانِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ.
    قُلْنَا: فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ لَيْتَ شِعْرِي إذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَوْجَبَهُمَا جَمِيعًا أَوْ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - )) ا.هـ
    فهذا ما تيسر من بيانه وتوضحه من أنه لا زكاة مقننة محددة تذكر في عروض التجارة ، إلا ما كان من شأنها أن فيها زكاة مطلقة غير مقيدة بزمن أو كمية أو مقدار يخرجها صاحبها بطيبة نفسه يطهر بها نفسه وماله لقوله صلى الله عليه وسلم «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ» ، ويعني بالصدقة هنا الزكاة ، فَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الزَّكَاةَ صَدَقَةً ([18])
    ويعلم الله تعالى أننا لما ننصر قول من قال : أن أموال التجارة يستحق ويوجب في حقها زكاة مطلقة غير مقيدة بزمن أو كمية ، ما أردنا بذلك إلا الجهر بما يراه المسلم أنه هو الصواب الموافق للكتاب والسنة ، وهذا لا يلزم منه التنقيص بمن لم نأخذ بقولهم وهم من هم في الإمامة والسنة والاحترام والتبجيل ، وفي ذلك يقول الإمام الألباني رحمه الله :(( ثم إننا حين نصر بقوة على إيثار هذا العدد الوارد في السنة والإعراض عما زاد عليه لا يلزمنا شيء مطلقا مما نسبه إلينا من أشرنا إليه في التعليق من الطعن في الذين أخذوا بالزيادة لأننا نعتقد أنهم لم يأخذوا بها ولا بغيرها من الأقوال اتباعا للهوى... ولهذا فإننا نستغرب أن يخطر في بال مسلم أن أحدا من المسلمين يرميهم بالابتداع في الدين ، حاشاهم من ذلك ، بل هم مأجورون على كل حال كما بيناه مرارا ، كيف وهم الذين لهم الفضل في إرشادنا إلى ما دل عليه الكتاب والسنة من إيثارهما على كل قول يخالفها ، فهذا هو الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول: " أجمع المسلمون على أن من استبان له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تحل له أن يدعها لقول أحد "
    وكذلك لا يلزمنا ما قد يتوهمه البعض من أن مخالفة بعض الأئمة معناه أن المخالف يزعم لنفسه الأفضلية عليهم علما وفهما كلا ، بل هذا وهم باطل فإننا نعلم بالضرورة أن الأئمة الأربعة أعلم من تلامذتهم فمن دونهم ، ومع ذلك فقد خالفوهم في كثير من آرائهم ، ولا يزال الأمر كذلك يخالف المتأخر المتقدم ما بقي في المسلمين علماء محققون ، ومع هذا فلم توهم مخالفتهم إياهم أنهم ادعوا الأفضلية عليهم ، فكيف يتوهم ذلك من مجرد مخالفة من هم دون هؤلاء بمراحل؟
    والحقيقة أن شأننا مع الأئمة كما روي عن عاصم بن يوسف أنه قيل له: أنك تكثر الخلاف لأبي حنيفة فقال: إن أبا حنيفة قد أوتي ما لم نؤت فأدرك فهمه ما لم ندرك ونحن لم نؤت من الفهم إلا ما أوتينا ولا يسعنا أن نفتي بقوله ما لم نفهم من أين قال؟ "
    أقول هذا مع اعترافي بأن رحمة الله أوسع من أن تحصر الفضل والعلم في الأئمة الأربعة فقط ، وإن الله قادر على أن يخلق بعدهم من هو أعلم منهم مع التذكر أيضا بأنه قد يود في المفضول ما لا يوجد في الفاضل وهذا أمر معروف مسلم عند العلماء وقد قال صلى الله عليه وسلم:"أمتي كالمطر لايدرى الخير في أوله أم في آخره "رواه الترمذي (4/ 40) وحسنه ، والعقيلي (ص 110 ـ 111) وغيرهما وله طرق )) ا.هـ ([19])
    فهذا ما يسر الله تعالى لي جمعه في هذه المسألة الفقهية ، فما كان فيها من الحق والصواب فمن الله تعالى وتوفيقه لنا ، وإن أخطأت فمن نفسي ، وأنا أرجو كل من يقف على خطأي أن يرشدنا إليه
    وسبحانك اللهم بحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .
    وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    رابط تحميل الملف بصيغة pdf


    ([1]) (صحيح البخاري)(1/ 11)
    ([2]) (صحيح البخاري)(2/ 106)
    ([3]) انظر إلى ( أحكام الزكاة )(25 ـ 27) للعلامة أبي بكر محمد الإشبيلي المالكي ، و(الملخص الفقهي)
    (1/ 319) للعلامة صالح الفوزان
    ([4]) انظر إلى (الشرح الممتع على زاد المستقنع)(6/ 7 ـ 12) للعلامة ابن عثيمين
    ([5]) (مجموع الفتاوى)(25/ 7 ) لشيخ الإسلام ابن تيمية
    ([6]) (الشرح الممتع على زاد المستقنع)(6/ 14)
    ([7]) (الشرح الممتع على زاد المستقنع)(6/ 14 ـ 18) ، و( الملخص الفقهي)(1/ 322 ـ 323) ،
    و(أحكام الزكاة )(31 ـ 32)
    ([8]) (المحلى)(4/ 41)
    ([9]) (مشكاة المصابيح)(2/ 851)
    ([10]) ( مجالس الكويت)( الفنطاس / ش : 2 / د : 10)
    ([11]) (تمام المنة)(ص366 ـ 367)
    ([12]) ( موقع صفحات الشيخ أبي عبدالرحمن مقبل بن هادي الوادعي )( قسم فتاوى الزكاة والصدقات)
    ([13]) ( مجالس الكويت)( الفنطاس / ش : 2 / د : 15)
    ([14]) انظر أيضا (التعليقات الرضية على الروضة الندية)(ص 505)
    ([15]) قوله رضي الله عنه :" لَيْسَ فِي الْعُرُوضِ زَكَاةٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ لِتِجَارَةٍ."
    ([16]) (المحلى)(4/ 42)
    ([17]) ( مجالس الكويت)( الفنطاس / ش : 2 / د : 30)
    ([18]) (مجموع الفتاوى)(25/ 8) لشيخ الإسلام ابن تيمية
    ([19]) (صلاة التراويح)(ص 93 ـ 95) للعلامة الألباني

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Dec 2010
    الدولة
    تلمسان - الجزائر
    المشاركات
    350

    افتراضي رد: الإنارة في بيان حكم زكاة عروض التجارة

    جزاك الله خيرا أخانا النشيط بشير
    أسأل الله أن يجل لك هذا البحث صدقة جارية


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: الإنارة في بيان حكم زكاة عروض التجارة

    بارك الله في أخينا المفضال الحبيب العزيز زهير على مروره ، وفقه الله وسدد أقواله واعماله

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الإنارة في بيان خطأ إذاعة صلاة التراويح عبر مكبر الصوت من المنارة
    بواسطة عزالدين بن سالم أبوزخار في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-May-2019, 05:00 PM
  2. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-Apr-2018, 08:56 PM
  3. هل فعل المعاصي من رمضان يكون بسبب النفس الأمارة بالسوء؟
    بواسطة أم محمد محمود المصرية في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Jun-2017, 01:08 AM
  4. كيفية إخراج زكاة هذه التجارة
    بواسطة أبو أنس محمد لعناصري في المنتدى منبر الفتاوى الشرعية الخاصة بالشيخ أبو بكر يوسف لعويسي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 02-Dec-2011, 06:34 PM
  5. عروس القرآن
    بواسطة أبو يوسف عبدالله الصبحي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 11-Jun-2010, 05:43 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •