في سؤال وجه للإمام العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله، قال السائل: «جاء في حديث عُبادة بن صامت " الصحيح " : «دعانا النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا : أن بايعنا على السمعِ والطاعةِ،في منشطِنا ومكرهِنا، وعسرِنا ويسرِنا وأثرةٍ علينا، وأن لا ننازعَ الأمرَ أهلَه، قال: إلاأن تروا كُفرًا بَواحًا، عندكم من اللهِ فيه برهانٌ»، فالسؤال المطروح : هو توضيحُ معنى الكفر البواح؟».
قال الإمام الألبانيّ –رحمه الله تعالى-: «يعْني : كفْرٌ صَرِيْحٌ الذي ليس عِنْدَ صَاحِبِهِ حُجْةٌ يَقْتَنَعُ بِها في نَفْسِهِ فَضْلًا عنْ أنْ يَسْتَطِيعَ أنْ يُقْنِعَ بِها غَيْرَهُ فالحُجْةُ هُنا هي الحُجْةُ القاطِعَةُ البَيّنةُ ، أنْ يأتيَ بالحُجْةِ على الكُفْر الذي نُسَمْيهِ نَحْنُ ،أمّا إذَا كانَ جاءَ بِحُجْةٍ هو مُقْتَنِعٌ بِها فلا يَجوزَ الخُرُوج عليهِ لأنّهُ خالفَ مَعْهودنا ، وخالفَ مَعْلوُماتِنا ، وبِهذا نُعَلل فِتْنة المأمون العباسيّ ، حيثُ خَرَجَ على العَالمِ الإسْلَاميّ في خلافَتِهِ بِقَوْلِهِ: بأنّ القُرْآنَ مخلوقٌ، فهم ما خَرَجوا عليهِ ، فنَجْد العالم الإسْلامي يومئذٍ وفيهِ العُلَماءُ الفطاحِلُ مِنَ المُحَدِثينَ ومِنَ الفُقَهاءِ ومِنَ الأئمْةِ ما خَرَجوا عليْهِم وهم كانوا –بلا شَك- أقوى مِنْا اليَومَ في الخُرُوجِ عليْهِم ، لكِنْهم لمّ كانوا يَتَبَنْونَ هذا الحُكْمَ ، وهو أنّه لا يَجوزُ للمُسْلِمِينَ أنْ يَخْرُجوا على حُكْامِهِم وأُمرائهِم إلا إذَا رأوا مِنْهم كُفْرًا بواحًا ، مارأوا مِنْهم كُفْرًا بواحًا ، لأنّ الكُفْرَ البواحَ يُمْكَن أنْ نَفْهَمَهُ بِما يُعَبْر عَنْهُ بَعْضُ العُلماءِ – في بَعْضِ المناسَباتِ – بــ "ما كانَ مَعْلومًا مِنَ الدِّينِ بالضَرورةِ".
أمّا مسألة خَلْق القُرآن صحيح أنّها خطأٌ لكنْ وينْ الدّليل ، علماءُ السلفِ ، الصحابةُ الأولونَ، ما تكَلّموا في هذه القَضِّيَةِ ، لكنْ لمّا خَرَجَتْ المُعْتَزِلةُ بهَذهِ العَقِيْدَةِ الباطِلَةِ، المُنْحَرِفَةِ – طَبْعًا – عَنِ الأدِلّةِ الشَرْعِيّةِ فقالوا : إنّ كلامِ اللهِ مَخْلوقٌ ، فاضْطَرَ عُلَماءُ السُنّةِ ، وبخاصةٍ مِنْهم "عُلَماء الحديثِ" أنْ يُقابِلوا هذا القَوْلُ بنَقِيْضِهِ وهو الصواب وأنْ يَقولوا :كلام اللهِ صِفَة مِنْ صِفاتِهِ ، ولا يُعْقَلُ أنْ يَكونَ مَخْلوقًا ، لكن هذا أشْبه شيء بما يُسمى بــ "علمِ الكلامِ " ولِنَقُلْ عبارة أُخْرى : "أشْبِه شيء بالفلسفة" ، مَنْ يَفْهم أنّ هذه الصفةَ، والصفة تبَع للذاتِ ، والذات قديمة والصفات قديمة فيلّزم مِنْهُ أنّ الكلامَ ما هو مخلوق لأنّه هذا صفةٌ للخالق ، هذه أمور اجتهادية استنباطية ، وليستْ كلُّ الأمورِ الاجْتهادية الاستنْباطية باطلةً ، ولا هي كُلُّها صوابٍ ، لكنْ يَخْتَلِف الأمر بينَ ما هو مَنْصوصٌ عليهِ وبينَ ما هو بطريقِ الاجتهادِ والاسْتِنْباطِ ، لذلكَ نَجِدّ العُلماءَ يومئذٍ ما قابلوا [دلالة] بالخروجِ عليهِ ، لأنّه – صحيح – جاء بأمْرٍ مُنْكرٍ ، لكنْ ما جاء كُفْرًا بواحًا ، ولذلكَ لقوا ما لقوا مِنَ التَعْذيبِ والسِجْنِ والموتِ والقَتْلِ وما خَرَجوا عليهم ، وهنا الآن نحنُ بَعْدَ أنْ تَبَيّنَ لنا "ما هو الكُفْرُ البواحُ" وضرَبْنا بَعْد الأمثلة ، ما فائدة فَهْم هذا الحَدِيث في هذا العَصْرِ حيثُ لا بَيْعَةِ ؟،أنا أعْتَقِدُ أنّ الذينَ يُثيرونَ هذا السؤالَ وأمثالَهُ ، هُم مِنَ الجماعَةِ الخوارِجِ المُحْدَثينَ هُم يَحَمِلونَ الفِكْر الجَدِيْدِ الذي تَبَنتهُ جماعَة سُمْوا – بِحَقٍ أو بباطِلٍ – بجماعة التَكْفيرِ والهِجْرَةِ ، هؤلاء يُرِيدونَ " أنّنا نرى الكُفْرَ البواحَ مِنْ كثيرٍ مِنْ حُكامِ المُسلمينَ إذًا يَجوز الخُروجِ عليهم ، نَحْنُ بنقول لهم [نَقولُ لهم] : أنتم في الأصل ما بايعْتم المسألة أهْون مِمّا يَتَصَورونَ لكنّها أخطر ممّا يظنون ، في الأصلِ ليسَ هُناكَ إمامٌ بِيِعَ لحتى [ حتى ] نسْحبَ البَيْعَةَ مِنْهُ التي نرى فيها الكُفر البواح لا ما فيه – مرتاحين جميعًا – ما في أصل مرتاحين ، ولا يمكننا إلا بأنْ نتحملَ ظلمَهُ وطُغْيانَهُ و، و إلى آخِرِهِ إلا نرى - أيش ؟- هذا الكُفْرَ الصريحَ "ففي الأصل [... ] ما في عنّا [عندنا] بيعة ، لكنْ الأمر أخْطر" هلْ يَجوزُ الخُروج ولو رأينا الكُفْرَ البواحَ؟".
في هذا الزمانِ الحديثِ يسمَحُ لنا لو كُنّا مبايعينَ ورأينا الكُفْرَ الصريحَ يُسْمحُ لنا بالخُروجِ عليهِ ، وبعدَمِ – أيش؟- [ ماذا ؟] طاعتِهِم ، ومِنْ بابِ أولى يُسْمحُ لنا بالخُروجِ وليس لنا بيْعَة ، ولكنْ هل يَسْمَحُ لنا الآن دِّينُنا أنْ نَخْرُجُ على هذا الحاكمِ أو ذاكَ – أظنُ عرفْتم جوابَ المسألةِ – لأنّ هذا الخُروجَ ستَكونُ عاقِبتُةُ شَرًّا مِنْ هذا الوضْعِ الذي نَعِيشُهُ الآن ، "نَعَم ، عاقِبَةُ الخروجِ" [ العلامة الألباني – رحمه الله - يوضح لمتسائل على ماهو الذي " عاقبته شرّ"؟ ] فهذا - كما أشرنا آنفًا –وقائعٌ وقَعَتْ – مع الأسف - بسَبَبِ الخروجِ غَيرِ المأذونَ فيهِ فِقْهًا، فهؤلاء جماعة الهجرة والتكْفير عرفُوا شيئًا مِنَ الإسْلامِ وتَحَمْسوا لهُ ، وانطلقوا يعْملونَ لهُ بمفْهومِهم الذي انحرفوا فيه كثيرٌ منْ جوانبِه مِن وحْيِه، فكانتْ عاقبتُهم الأذى، وفتنةً صماءَ ،بكماءَ ، وأخَروا الدّعوةَ في كثيرٍ مِنَ البلادِ عشرات السنينَ».
ملاحظات:
هذا تفريغٌ لي لجزءٍ مخصوص مِن الشريط رقم «211» السؤال التاسع مِنه وهو الأخير بالشريط منه وبداية الشريط «212» بعنوان: «ما هو الكفرُ البواحُ؟».
التفريغ لا يوجد على الشبكة يعني أنّي لم أُسبَقْ بتفريغِه – الله أسألُ أنْ ينفعَ به.
للاستماع للمادة الصوتية:
لتحميل المادة الصوتية [من هنا].