بسم الله الرحمن الرحيم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نزهة المشتاق في رحاب الآداب والأخلاق(1)
*****الغيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــبة*****
الغيبة لغة(1):
الغيبة هي الاسم من الاغتياب وهو مأخوذ من مادّة (غ ي ب) الّتي تدلّ على السّتر،
يقول ابن فارس:
«الغين والياء والباء» أصل صحيح يدلّ على تستّر الشّيء عن العيون ثمّ يقاس من ذلك الغيب: ما غاب ممّا لا يعلمه إلّا اللّه. ويقال: غابت الشّمس تغيب غيبة وغيوبا وغيبا. وغاب الرّجل عن بلده، وأغابت المرأة فهي مغيبة، إذا غاب بعلها ... والغيبة: الوقيعة في النّاس من هذا، لأنّها لا تقال إلّا في غيبة، وتغيّب مثل غاب، ويتعدّى بالتّضعيف فيقال غيّبته، وهو التّواري في المغيب، واغتابه اغتيابا إذا ذكره بما يكره من العيوب، والاسم الغيبة، فإن كان باطلا فهو الغيبة في بهت.
واصطلاحا:
قال المناويّ: الغيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه، فإن كان فيه فقد اغتبته ...، قال: ومن أحسن تعاريفها «ذكر العيب بظهر الغيب».
أسباب الغيبة وبواعثها:
قال الغزاليّ- رحمه اللّه-:
للغيبة أسباب وبواعث، وفيما يلي خلاصتها:
1- شفاء المغتاب غيظه بذكر مساوىء من يغتابه.
2- مجاملة الأقران والرّفاق ومشاركتهم فيما يخوضون فيه من الغيبة.
3- ظنّ المغتاب في غيره ظنّا سيّئا مدعاة إلى الغيبة.
4- أن يبرّىء المغتاب نفسه من شيء وينسبه إلى غيره أو يذكر غيره بأنّه مشارك له.
5- رفع النّفس وتزكيتها بتنقيص الغير.
6- حسد من يثني عليه النّاس ويذكرونه بخير.
7- الاستهزاء والسّخرية وتحقير الآخرين(2) .
الفرق بين الغيبة والبهتان والشتم:
قال الجرجانيّ: الغيبة ذكر مساوىء الإنسان الّتي فيه في غيبة.
والبهتان ذكر مساوىء للإنسان، وهي ليست فيه.
والشّتم: ذكر المساوىء في مواجهة المقول فيه. وإلى هذا ذهب كلّ من المناويّ والكفويّ.
حكم الغيبة:
عدّ الإمام ابن حجر الغيبة من الكبائر وقال:
الّذي دلّت عليه الدّلائل الكثيرة الصّحيحة الظّاهرة
أنّها كبيرة: لكنّها تختلف عظما وضدّه بحسب اختلاف مفسدتها. وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم عديلة غصب المال، وقتل النّفس بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم «كلّ المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» والغصب والقتل كبيرتان إجماعا، فكذا ثلم العرض (3).
هل تحل الغيبة في بعض الأحيان؟
قال النّوويّ- رحمه اللّه-:
اعلم أنّ الغيبة تباح لغرض صحيح شرعيّ لا يمكن الوصول إليه إلّا بها، وهو ستّة أسباب:
الأوّل: المتظلّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلّم إلى السّلطان والقاضي وغيرهما ممّن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.
الثّاني: الاستعانة على تغيير المنكر، وردّ العاصي إلى الصّواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه ونحو ذلك، ويكون مقصوده التّوصّل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما.
الثّالث: الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟
وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقّي، ودفع الظّلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكنّ الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنّه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك، فالتّعيين جائز.
الرّابع: تحذير المسلمين من الشّرّ ونصيحتهم.
وذلك من وجوه:
منها: جرح المجروحين من الرّواة والشّهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة.
ومنها: المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته، ويجب على المشاور أن لا يخفي حاله، بل يذكر المساوىء الّتي فيه بنيّة النّصيحة.
ومنها: إذا رأى متفقّها يتردّد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرّر المتفقّه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النّصيحة، وهذا ممّا يغلط فيه. وقد يحمل المتكلّم بذلك الحسد، ويلبّس الشّيطان عليه ذلك، ويخيّل إليه
أنّه نصيحة فليفطن لذلك.
ومنها: أن يكون له ولاية لا يقوم بها على وجهها: إمّا بأن لا يكون صالحا لها، وإمّا بأن يكون فاسقا، أو مغفّلا، ونحو ذلك فيجب ذكر ذلك لمن عليه ولاية عامّة ليزيله، ويولّي من يصلح، أو يعلم ذلك منه، ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغترّ به، وأن يسعى في أن يحثّه على الاستقامة أو يستبدل به.
الخامس: أن يكون مجاهرا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، ومصادرة النّاس، وأخذ المكس، وجباية الأموال ظلما، وتولّي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلّا أن يكون لجوازه سبب آخر ممّا ذكرناه.
السّادس: التّعريف، فإذا كان الإنسان معروفا بلقب؛ كالأعمش والأعرج والأصمّ، والأعمى؛ والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك؛ ويحرم إطلاقه على جهة النّقص؛ ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.
فهذه ستّة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليه؛ ودلائلها من الأحاديث الصّحيحة مشهورة (4).
من مضار (الغيبة)
(1) صاحب الغيبة يعذّب في النّار بأكل النّتن القذر.
(2) ينال عقاب اللّه في قبره.
(3) تذهب أنوار إيمانه وآثار إسلامه.
(4) لا يغفر له حتّى يعفو عنه المغتاب.
(5) الغيبة معول هدّام وشرّ مستطير.
(6) تؤذي وتضرّ وتجلب الخصام والنّفور.
(7) مرض اجتماعيّ يقطع أواصر المحبّة بين المسلمين.
(8) دليل على خسّة المغتاب ودناءة نفسه.
تم الملخص والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) إحياء علوم الدين (155- 156) بتصرف.
(3) الزواجر (371).
(4) انظر رياض الصالحين (450- 451)، والزواجر لابن حجر الهيثمي (383- 384).