تابع: أسئلة وأجوبة مهمة في علوم الحديث للشيخ المحدث العلامة ربيع بن هادي المدخلي
السؤال : أحسن الله إليكم وجزاكم الله خيراً , سائل يقول : كيف يستفيد طالب علم الحديث من كتب التّراجم , وهل يجب عليه إذا قرأ كتاب ( تهذيب التّهذيب ) مثلاً أن يقرأه بالتّفصيل أو يرجع إليه عند الحاجة ,وما هي الطريقة المثلى لقراءة كتب التّخريج وبأيّ كتاب يبدأ ؟ وبارك الله فيكم .
الجواب : لا نستطيع أن نوجب عليه أن يقرأ كتاب ( تهذيب التّهذيب) وإنّما إذاكان يريد أن يحكم على الأحاديث بالصّحة والضعف وغيرها من الأحكام والأسانيد فعليه أن لا يصدر حكماً إلاّ بعلم ؛ يعرف قواعد المصطلح ويعرف قواعد الجرح والتّعديل ويعرف كلام العلماء في أبواب الجرح والتعديل وما يلزم ويتطلبه الحكم على حديث أو شخص مجروح أو توثيق من يستحق مرتبة الثقة فلا يتكلم إلاّ بعلم ,وكلّ هذا يدخل في قول الله تبارك وتعالى ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ) .
وإذا قرأ كتب التخريج ويريد الاستفادة منها فبالممارسة يعرف كيف يستفيد ,ثم يقرأ كتب العلل لابن أبي حاتم وللدار قطني وغيرهما وينظر كيف يعللون وكيف يحكمون وكيف يرجحون عند الاختلاف فيعرف منهجهم ,ويقرأ كذلك في كتب التخريج مثل نصب الراية للزيلعي والتلخيص الحبير لابن حجر وكتب الألباني ,وبقراءة هذه الكتب وممارستها ومعرفة طرق التصحيح والتضعيف والتعليل والترجيح وما شاكل ذلك يعرف بعد ذلك إن كان مؤهلا ؛لأن الناس يتفاوتون ,فيه أناس أعطاهم الله ذكاء ومواهب وأهّلهم لأن يسيروا في ركاب أئمة الحديث وأئمة الجرح والتعديل .
وهناك أناس ليسوا مؤهلين لهذا ,حتى كثير من المحدثين لم يدخلوا في باب الجرح والتعديل ولا باب التصحيح والتضعيف والتعليل ,تركوا هذا الشأن لأهله من كبار النقاد من أمثال شعبة وسفيان الثوري ويحي بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي ثم طبقة تلي هؤلاء مثل الإمام أحمد ويحي بن معين وعلي بن المديني ثم البخاري وأقرانه كأبي زرعة وأبي حاتم وهكذا إلى يومنا هذا لا يتصدى لهذه الأمور إلا أناس منحهم الله مواهب وأهّلهم بها للنهوض بهذا الشأن .
الفرق بين الشاذ والمنكر
السؤال : هل يظهر أثر في التفريق بين مصطلح الشاذ والمنكر ؟
الجواب : والله السلف ما كان عندهم ذاك التفريق الكبير لكن المتأخرين دققوا بناءً على قرائن وعلى معرفة و إحاطة ,فرقوا بينهما خاصة الحافظ ابن حجر ,
ولا ينبغي أن تقوم ضجّة على هذا التفريق لأنّ النتيجة واحدة , المنكر لا يقبل والشاذ لا يقبل ,كلّها حكمها واحد ,وابن الصلاح لم يفرق بين الشاذ والمنكر لأنّ المسألة سهلة. لكن هؤلاء يجعلون من الحبّة قبّة و ينفخون فيها و يكبرونها و يضخمونها ويؤلفون فيها المؤلفات , هؤلاء أهل الفتن .
يعني البدع والضلالات والإلحاد والشرور تنهك بالمسلمين والإسلام وهم في الشاذ والمنكر وزيادة الثقة.... الخ يشغلون الناس ,لا يتكلمون في البدع والضلالات والكفر والإلحاد والأشياء هذه أبدا إنّما شغلهم في إثارة الفتن بين أهل العلم والمشتغلين بالسنة , فألّفوا المؤلفات في هذه الأشياء كلها كلام فارغ .
مفهوم كلام الإمام مسلم في حكايته الإجماع على قبول السند المعنعن
السؤال : كيف نحمل قول الإمام مسلم -رحمه الله- في مقدمة صحيحه وقد حكى الإجماع على قبول السند المعنعن مع المعاصرة وإمكانها وبعضهم يقول لا يبعد أن يكون مذهب البخاري هو مذهب مسلم بناء على الإجماع الذي حكاه الإمام مسلم -رحمه الله - ؟
الجواب : هناك فرق بين شرط البخاري و شرط مسلم , هذا بالاستقراء , باستقراء عمل البخاري وكتابته في التأريخ تبين لهم أنّ البخاري يشترط ثبوت السماع وسماع الراوي عن شيخه , لابدّ أن يكون السماع واللقاء ولو مرة واحدة فإذا تبت سماعه كان الأصل في كل ما يرويه عن شيخه السماع , يكفي هذا ما لم يكن مدلسا , إذا كان مدلسا فيستوي فيه البخاري ومسلم و غيرهما من أئمة الحديث , إذا كان مدلسا وجاء بصيغة تحتمل السماع وعدم السماع مثل : (قال) و (أنّ) و (عن) وما شاكل ذلك وهو مدلس فلا نقبل روايته حتى نجد منه تصريحا بالسماع والتحديث .
الشاهد أن المسألة الناس ينفخون فيها نسأل الله العافية , مسلم حكى الإجماع حسب اجتهاده على أنّه إذا كان المحدث غير مدلس وعاصر شيخه وأمكن لقاؤه لشيخه فإنّ هذا يُكتفى منه بما يرويه عن شيخه بالعنعنة , يكتفى عنه بهذا , والأصل فيه أنّه سمع من شيخه وإن لم يثبت لنا بالنص أنّه لقي شيخه و سمع منه لكن عاصره وأمكن لقاءه وهو غير مدلس , هذه الأمور كما يحكي مسلم كان العلماء يقبلون ما هذا شأنه ولم يشترطوا ثبوت اللقاء فيه , و إذا درست للبخاري و لأبي حاتم و أحمد بن حنبل و غيرهم تجدهم ينصّون: فلان لم يسمع من فلان , فلان لم يلق فلانا , فلان لم ...الخ و هكذا ممّا يدلّ والله أعلم على أنّهم يشترطون ثبوت اللقاء ولكن كما يقول الشيخ الألباني هذا شرط كمال وليس هو شرط صحّة , شرط كمال فيه يكون أكمل و أقوى إذا ثبت لنا سماعه من شيخه وآخر غير مدلس و روى عن شيخه بالعنعنة وهو معاصر له وأمكن لقاؤه هذا صحيح وهذا صحيح , لكن شرط البخاري أمكن وأقوى ولكنّه لا يشترط فيه يعني وجوب ثبوت اللقاء .
كيف يتدرب طالب العلم على التخريج ؟
السؤال : كيف يتدرب طالب العلم على التخريج ؟
الجواب : يبدأ على شيخ يعلمه ثم يمشي إن شاء الله و ينظر في عمل الألباني في الصحيحة والضعيفة ,وينظر في العلل لابن أبي حاتم , نصب الراية للزيلعي , التلخيص الحبير لابن حجر , ثم يحتاج إلى معرفة العلل بارك الله فيكم , يعرف الصحيح من الضعيف .
التخريج بدون معرفة وبدون التمييز بين الصحيح والضعيف ,وبين المعلل والشاذ وما شاكل ذلك فهذا التخريج لا ينفع ؛قد يضرّ ولا ينفع , فلابدّ أن يكون عنده أولا أصول وعنده معرفة وتمييز بين الصحيح والضعيف , دراسة كتب العلل وكتب التخريج وما شاكل ذلك , ولا يتصدّى للتخريج وهو جاهل فإنّ هذا ضرره أكبر من نفعه , فالعلم في الإسلام مشترط في كلّ عمل والإحسان في كلّ شيء , إنّ الله عزَّ وجلَّ كتب الإحسان على كلّ شيء حتّى في ذبح الدجاجة وغيرها لا بد أن يحسن الذّبح , كيف في عرض العلم, العلم الذي تقوم عليه حياة المسلمين , لا بدّ أن يكون عندك خبرة و علم فيما تكتب فيه .
السؤال : وضِّحوا لنا المتابعة التامة والقاصرة ؟
الجواب : المتابعة التامة هي أن يتابع هذا الذي يُرى أنه تفرد وأغرب بالرواية أن يتابعه شخصٌ أو أشخاص في شيخه الذي ظُنَّ أنه تفرد عنه بتلك الرواية ,فإذا جاءت المتابعة له في نفس شيخه ثم استمر الإسناد هكذا إلى الصحابي ,إلى النبي صلى الله عليه وسلم فهذه هي المتابعة التامة .
والمتابعة القاصرة أن تكون في شيخ شيخه فما فوقه إلى الصحابي ,هذه تسمى قاصرة ؛لأنها قاصرة عن التامة ,فالتامة من أول الإسناد إلى نهايته ,والقاصرة تكون في جزء من الإسناد فهي قاصرة بهذا الاعتبار .
أسئلة في الجرح والتعديل
السؤال : لقد ذكر بعض العلماء أن علم الجرح والتعديل كان خاصا بزمن الرواة لكن الآن عام ألف وأربع مائة وعشرين ليس هناك شيئا اسمه الجرح والتعديل فما هو الصواب في ذلك ؟
الجواب : هذا والله من المهازل والمضحكات المبكيات:أن يقال مثل هذا الكلام ,لماّ تكثر البدع ويكثر الإلحاد ويكثر العلمانيون والشيوعيون والروافض والصوفية والأحزاب الضالة توقف الإسلام وأطلق العنان للناس يمرحون ويسرحون ويقولون ما يشاءون ولا أحد يقول هذا غلط أو هذا منكر ولا أحد يقول هذا مفسد وهذا مصلح ؟!
هذا من الضياع وعدم الفقه في دين الله عزوجل ؛فالسلف ألفوا كتبا في العقائد ينتقدون فيها أهل البدع والضلال وسمّوا أفرادا وجماعات فهل هذا يعني انتهى أيضا ؟!
ونقول: إن المبتدعين الذين كانوا في عهد السلف يناقشون ويُبيّن ضلالهم والآن لا يجوز ,حرام ,الآن الكلام على أهل البدع حرام وعلى العلمانين حرام وعلى الزنادقة حرام وعلى الروافض حرام وعلى الصوفية حرام ماشاء الله هذه دعوة إلى وحدة الأديان أو ماذا ؟! نستغفر الله ونتوب إليه ,هذا ضلال ,يجب أن يبقى الجرح والتعديل يُذَبُّ به عن دين الله وعن سنة رسول الله إلى يوم القيامة ,وأن تُسلّ السيوف أكثر من ذلك لإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى ودحض الكفر والباطل .
والسلف قالوا : إن الذبّ عن السنة أفضل من الضرب بالسيوف ,فالذبّ عن السنة يكون بالجرح والتعديل .
وبهذه المناسبة أقول لكم : إن الحاكم رحمه الله في كتابه (معرفة علوم الحديث) قال وكلامه حق : الجرح والتعديل علمان : علم الجرح وهو علم مستقل وهذا يرد منهج الموازنات الباطل ,علم الجرح علم مستقل ولهذا ألّف كثيرٌ من الأئمة كتباً مستقلة في الجرح فقط ,خصّصوها للجرح مثل البخاري في الضعفاء والنسائي في المتروكين وابن حبان في المجروحين وابن عدي في الكامل وهكذا الذهبي وابن حجر وغيرهم كثيرون ألفوا مؤلفات خاصة بالجرح فقط لأنه علم مستقل ,وهذا يقصم ظهر منهج الموازنات ويقصم ظهور أهله . وأئمة آخرون ألفوا كتباً في الثقات مثل الثقات للعجلي والثقات لابن
حبان عرفتم هذا ؟ إذا كان السلف يؤمنون بأن الجرح والتعديل علمان مستقلان فكيف تأتي الموازنات ,واحد يؤلّف كتابا خاصا بالجرح ليس فيه أيّ ثغرة لمنهج الموازنات ,فهمتم هذا بارك الله فيكم .
الجرح والتعديل باقٍ إلى يوم القيامة ,الناس يريدون أن يستفيدوا من هذا العالم ,فتقول لهم هذا عالم فاضل وعلى السنة ,تزكيه بارك الله فيك ,وهذا العالم رافضي ,هذا صوفي يقول بوحدة الوجود ,هذا علماني ,هذا شيوعي يتستر بالإسلام ..هذا كذا ..هذا كذا ... واجب عليك أن تبيّن ,هذا واجب وهو من الجهاد ولا ينقطع وليس خاصا بالرواة .
ولمّا ذكر الترمذي في كتابه العلل الذي هو في آخر سننه قال : هذا العلم يعني الناس استنكروا على علماء الحديث الجرح قال: وقد جرح فلان وفلان ,جرح فلان معبد الجهني وجرح فلان جابر الجعفي فبدأ بأهل البدع ,لماذا ؟ لأن هذا يُنتقد لبدعته لا لأنه راوٍ .
ثم ألّف السلف في الرد على أهل البدع كما قلنا ولم يخصصوا الجرح والتعديل بالرواة فقط مبتدع ليس من أهل الحديث أبدا ,معتزلي ,جهمي ,مرجئ ...الخ ليس له علاقة بالرواية لكنه مبتدع فجرحوه ,فمن أين لهؤلاء أن باب الجرح أغلق ,هذه مثل دعوة المذهبيين المتعصبين أن باب الاجتهاد أغلق من القرن الثاني وبعضهم يقول الثالث وبعضهم يقول الرابع يعني خلاص الله عز وجل شلّ عقول المسلمين من ذلك الوقت إلى الآن عقولهم مشلولة لا يستطيعون أن يفهموا كلام الله ولا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا حكم جائر وافتراء على الله تبارك وتعالى وكذلك هذه فرية ؛الذي يقول : إن الجرح انقطع وأغلق بابه هذا والله يجني على الإسلام ,اتق الله يا أخي لا تسدّ باب الجرح والتعديل ولن يسمع لك أهل الحق وأهل السنة .
السؤال : هل يجوز جرح شخص ما بسببٍ مختلفٍ في كونه سببٌ جارح ,أم لا يُجرّح إلا بما هو متفق عليه فقط ؟
الجواب : أسباب الجرح معروفة كالكذب أو التهمة بالكذب أو فحش الغلط ...إلى آخر أسباب الجرح وهي عشرة أسباب ذكرها الحافظ ابن حجر في نزهة النظر .
كذلك المفسقات مثل الزنا وشرب الخمر وتعاطي الربا وأكل مال اليتيم ,والكبائر التي تتجاوز السبعين كما يقول ابن عباس بل هي إلى السبعمائة أقرب ,فهذه من الأسباب المتفق على أنها تجرح وتسقط العدالة ويحكم على من ارتكب كبيرة منها بالفسق فلا تقبل روايته ولا شهادته .
والأسباب المختلف فيها : قد يكون هذا الخلاف لا قيمة له ,قد يعارض شخص في جارح ويقول : هذا غير جارح ويكون لا قيمة لكلامه ,وقد يكون لكلامه وزن ,والجارح ينظر ويجتهد في هذا هل هو جارح أو لا ويظهر له من خلال الدراسة أن هذا جارح فيجرح به وهناك أمور ينبغي أن لا نسمّيها مختلفا فيها بل نقول :متفقٌ على أنها ليست مما يجرح كقول الجارح في الراوي : رأيته يركب على برذون ,أو قوله :سمعت كذا من بيته ...الخ فهذا لا يقال :إنه جرح مختلف فيه بل متفق على عدم اعتباره وقد شذّ من يراه جارحاً .
الشاهد أنه لا يُجرح الشخص إلا بجارح معتبرٍ عند الأئمة ,والأمور التي قد يختلف فيها بعض الناس يرجح هذا العالم ما يراه راجحا .
السؤال : ماذا يُقصد بالدليل في الجرح المفسر ,وهل الدليل يكون من الكتاب والسنة ؟
الجواب : نعم ؛لأن الأمور ترجع إلى الكتاب والسنة ,لو جرحه بالزنا ,أو بشرب الخمر أو بتعاطي الربا ,أو بأكل مال اليتيم ,أو بأيّ كبيرة من الكبائر المعروفة الثابتة بالكتاب والسنة ,هذا هو المراد بالدليل وليس المقصود أن يقول: قال الله في فلان كذا ,وقال رسول الله في فلان كذا ,ليس المراد هذا ,المراد أن تذكر جرحاً معتبراً في الشريعة الإسلامية نصّ عليه الكتاب والسنة بأنه من المعاصي الكبيرة .
السؤال : هل يكفي نقل كلام الأئمة في الجرح المفسر ؟
الجواب : كيف لا يكفي ؟! إذا نقل الأئمة الجرح المفسر لا نقبل !ولو إمام واحد نقل الجرح المفسر يكفينا ,وتقدم لكم أنه لو جرح واحد بجارح معتبر وجاء من يعارضه ويزكي هذا المجروح أنه يسقط ويسقط كلامه .
السؤال : رجل من أئمة الحديث عادة ما يجرح ولكنه يتراجع عن هذا فهل نقبل تجريحه بدون تفسير ؟
الجواب : قد يتراجع عن التعديل لأنه تبين له أن الجرح فيه حق فيتراجع عن تعديله ويقول: عدلته بظاهر حاله ,لكن هذا الذي يجرح شخصا ثم يتراجع عن جرحه لا أعرف لهذا مثالاً يعني عالم جرح شخصا ثم تراجع عن جرحه اللهم إلا إذا ظنّ أن عنده بدعة ثم تبين له أن هذا الأمر لا يُبَدَّع به فرجع عنه . أما أنه يجرحه بمفسق ثم يقول: لا ,أنا أتراجع لا أعرف مثل هذا ,ثم لو فرضنا أنه تراجع وبقي غيره على تجريحه فيعتبر جرح هذا الذي ثبت على جرحه .
السؤال : هل يُتصور أن يكون هناك صاحب بدعة غير داعية إلى بدعته ,بمعنى أنه لو سئل عن بدعته فإنه سيمدحها ؟
الجواب : على كل حال وُجِد هذا فعلاً أن هناك رواةً وُصِمُوا بالبدعة وهم لا يدعون إلى بدعتهم .
السؤال : هل هذا القول صحيح : كلّ حديث ضعيف هو على ضعفه صحيح المعنى ؟
الجواب : من قائل هذا الكلام أولا ؟ من أين له هذه الكلية ؟ ما أعتقد أن أحداً يقول : كلّ حديث ضعيف هو على ضعفه صحيح المعنى ,لا أحد يقول هذه الكلّية والله أعلم لا يقولها عاقل ,لكن بعض الأحاديث قد تكون ضعيفة لكن معناها صحيح ,أما هذه الكلية كل حديث ضعيف لا بد أن يكون صحيح المعنى أعوذ بالله ,إذن لماذا يتعب أهل الحديث في التمييز بين الصحيح والضعيف ,بين الكذابين والضعفاء والثقات ...الخ
كم من حديث ضعيف ومعناه باطل لا يمكن أن يصحّ بحالٍ من الأحوال .
السؤال : هل يؤخذ بالأحاديث الضعيفة في العقيدة ؟
الجواب : الأحاديث الضعيفة إذا كان هناك ما يسندها من السنة الصحيحة و يسندها من القرآن فيستأنس بها , يعني لا يعتمد على الحديث الضعيف و إنّما يستأنس بها في العقيدة و الأحكام ؛إذا كان الضعف مما ينجبر ويصلح للاعتضاد فيؤخذ به اعتضادا و استئناسا لا اعتمادا حتى في الحلال والحرام لا يجوز الأخذ بالأحاديث الضعيفة و كذا في السنن
والمستحبات والواجبات و إلى آخره , لا يعتمد على الأحاديث الضعيفة لكن إذا كان في الباب حديث هو الأصل أو آية هي الأصل , يستأنس بالضعيف .
السؤال : هل تعتضد رواية المستور بالمستور الآخر وترتقي إلى درجة الحسن لغيره ,وهل يكون كذلك مجهول العدالة باطنا وظاهرا ؟
الجواب : نعم ؛لأن هذا ضعيف خفيف الضعف وهذا ضعيف خفيف الضعف كما يقال ضعيفان يغلبان قويا فيحصل تعاضد بين هذا الضعيف وهذا الضعيف ويرتقيان معا إلى درجة القبول إلى مرتبة الحسن لغيره .
كذلك المرسل : المرسل فيه ضعف فإذا اعتضد بمرسل آخر أو بمسند تقوّى ,فإذا كان المرسل يتقوى بالمرسل فكذلك المستور يتقوى بالمستور .
أما مجهول العدالة باطنا وظاهرا فهو أقلّ درجة منهما ؛إذا جاء مجهول ومجهول مثله فلا يتقوّيان ,لكن إذا جاء حديث مقبول بعض العلماء وليس كلهم يقوِّي رواية المجهول منهم ابن تيمية وابن حجر .
السؤال : رواية الصحابي الذي لم يُسمّ ألا يمكن أن يكون مختلفاً في صحبته فيقبله قوم ويرده آخرون ؟
الجواب : إذا كان هذا الصحابي غير مختلف في صحبته فلا إشكال وإذا كان مختلفاً في صحبته فينظر في الأدلة ,فإن ترجّحت لنا صحبته ألحقناه بركب إخوانه وإذا ترجح لنا العكس وأنه تابعي فله حكم التابعين .
عذر الحاكم في تساهله في كتابه المستدرك
السؤال : قال المعلمي في الأضواء الكاشفة وهو يعتذر للحاكم فيما جمعه في مستدركه أنه قصد بذلك الرد على من سبّ أهل الحديث على أن ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قليل فجمع كل ما يجد من الأحاديث دون تدقيق في الشروط فهل هذا الاعتذار سليم ؟
الجواب : نعم هذا صحيح ,هذا هو الدافع ,ذكره الحاكم نفسه في مقدمة المدخل ,وأن بعض الشيوخ الكبار يأسف لأنهم قالوا : هذا البخاري جمع عشرين ألف ترجمة ولم يرو إلا عن عدد قليل ,وأنتم تقولون أحاديث الرسول كثيرة ..وكذا ..وكذا ,فأخذه الحماس والغيرة على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شكّ في ذلك ,وجمع هذا الكتاب لكن الأعذار هي ما سبق ذكره يعني كيف يحشر هذه الأحاديث وفيها الموضوع والضعيف و..و ..الخ ,فقالوا :إنه ألّفه في آخر حياته ومنهم من قال : لا ,جمعها لينقحها فلم يتمكن واخترمته المنية ,وذكر الحافظ أن قريبا من الثلث الأول كان قد أملاه بنفسه وهذا يعني أقلّ ضعفاً من القسم المتبقي الذي لم يتمكن من إملائه .
على كل حال لا نشك في نيته وأنه يحب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يذب عنها وألف هذا الكتاب للذب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ,لكن نحن لا نمشي مع العواطف ,نمشي مع الحجة والبرهان ,مهما بلغ به الحماس لسنة النبي صلى الله عليه وسلم فكان عليه أن يتحرّى ,فهذا جهده على كل حال وما جامله أهل الحديث والحمد لله بيّنوا أخطاءه وتقصيره ,ونرجو أن يثيبه الله على نيته الطيبة وعلى اجتهاده ويدخل إن شاء الله في عداد ( من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد ) .
السؤال : هل مجهول العدالة باطنًا وظاهرًا هو نفسه مجهول العين ؟
الجواب : والله هذا هو الظاهر ؛لأن هذا التفريق الذي فرقوه بينهما فيه خلل ,ولهذا الحافظ ابن حجر بعدهم ضبط الأمر في نوعين : مجهول العين ومجهول العدالة ,هذا في كتبه ,في مقدمة التقريب وفي نزهة النظر ,وهذا أضبط لأن هذا التفريق الذي ذُكر يشوش فالصواب ما ذكره الحافظ .
أما المبهم فهو الذي لم يُسمّ ويُستعان على تعيينه بوروده من طرق أخرى ,وقد ألفوا فيه كتب المبهمات الخطيب وغيره .
السؤال : كيف ترفع جهالة العين وجهالة الحال عن الراوي ؟
الجواب : جهالة العين تُرفع براية اثنين من العدول عنه ,وجهالة الحال ترفع بالتزكية .
السؤال : ما صحة حديث ( من نصر باطلا وهو يعلمه فلا يزال في سخط الله حتى يدع ما قال ) ؟
الجواب : الذي أعرفه أن الحديث صحيح ,ونسأل الله العافية ؛رأينا كثيرا من الناس في هذا الوقت يعرفون الحق فيحاربونه ويحاربون أهله وينصرون الباطل ويستميتون في نصرة الباطل ويذبون عنه وعن أهله ويرفعونهم إلى منازل الشهداء والمجاهدين و ..و.. إلى آخر التمجيدات التي يُطلقونها على أهل الضلال وعلى أهل الباطل .
هذا أمر خطير والله ,لا يزال في سخط الله حتى يدع ما قال ,فنسأل الله أن يوفقنا وإيّاهم لأن ينزعوا عن هذا الباطل وعن نصرته .
السؤال : إذا كان الحديث المقلوب من أقسام الحديث الضعيف ,إذن نحكم على الحديث الذي في صحيح مسلم بالضعف وهو حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله حين قال الراوي ( ورجل تصدق بشماله حتى لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله ) .
الجواب : الحديث صحيح إلا هذه اللفظة فهي غلط ,وصحيح مسلم صحيح لا شكّ بعضهم يجعله في مرتبة البخاري وبعضهم يقدمه على البخاري ,والكلام كثير في هذا فهو مع البخاري أصحّ كتاب بعد كتاب الله عز وجل ,لكن ليس معنى هذا أنه لا توجد فيه أيّ لفظة غلط ؛فيه بعض الأسانيد تكون فيها علل مثل بعض أحاديث الكسوف ضعيفة وأنا لماّ ناقشت الدارقطني في كتابي ( بين الإمامين ) بَقِيَت عليّ ثمانية أحاديث لم أستطع أن أحكم عليها بالصحة يعني عجزت ,فإذا كان هناك شباب عندهم نشاط فيحاولون تصحيح هذه الأحاديث لا سيما والكتب الآن متوفرة وفيه مصادر جديدة لم تكن موجودة في ذلك الوقت ,فيبحثون لها عن طرق تقويها ويصححونها .
فإذا قلنا هو صحيح ليس معناه أنه أيّ لفظة فيه من أوله إلى آخره كالقرآن ,لا مسلم رحمه الله
اجتهد وتحرّى بارك الله فيكم ,وقد يكون يرى صحة هذا الحديث أو سهى أو غفل وفقنا الله وإيّاكم .
نصيحة غالية للمتعجلين في باب التصحيح والتضعيف والتخريج
السؤال : ما رأيكم في بعض الطلاب الذين لم ترسخ أقدامهم في علم التخريج والتصحيح والتضعيف والتأليف ثم يرون أنهم يجلسون في بيوتهم للتخريج والتضعيف والتصحيح والتأليف فقط ولا يحضرون دروس المشايخ بحجة أنهم لا يستفيدون من دروسهم ؟ آمل من الله ثم من فضيلتكم أن توجهوا لهم نصيحة .
الجواب : والله ننصح هؤلاء بطلب العلم واحترام العلماء وملازمتهم ؛لأن هذا العالم أو الأستاذ عنده خبرة وقد يأتيك بالفائدة التي لا تقف عليها إلا بعد بحث طويل وزمن مديد فملازمة المشايخ علامة على استقامة هذا الإنسان وبعده عن الغرور والإعجاب بالنفس فتواضع يا أخي ,خذ عن العالم القوي والعالم الضعيف تلازمه تقرأ عليه البخاري ومسلم ,تقرأ عليه كتابا من كتب التفسير حتى ولولم يكن ذلك العالم قوياً ,لكن بملازمتك له يحصل لك هذا الخير ,البخاري كان يأخذ عمّن دونه ويستدرك على العالم الكبير وهو في الحادية عشر من عمره واستمر في طلب العلم طول حياته ,الناس الآن دونه بمراحل ,فلا تستكبر ولا ترفع نفسك فوق من ترى من العلماء أنهم لا يروون غليلك من العلم ,فلن تجد مثل الإمام أحمد ولا مثل ابن تيمية وغيرهما ,لن تحصل هذه الأصناف ,خذ من الموجودين واستفد منهم ولازمهم تكسب خيرا كثيرا إن شاء الله .
أنا أخاف على كثير من هؤلاء المغرورين - ولا أريد أن أسمي - يعني يجلس أحدهم في بلاد العلماء سنين طويلة لا يجلس عند العالم أبدا ,ويعكف على الكتب ثم يطلع بالدواهي والطوام على الأمة والمشاكل ,وقديما قالوا : من كان شيخه كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه وكانوا يُسمون هؤلاء بالصحفيين لأنه لم يتلق العلم من أفواه الرجال وإنما تلقاه من الصحف .
ويحتجون بالشيخ الألباني - يعني أنه أخذ من الكتب - ! يا أخي الشيخ الألباني له شيوخ ثم هو رجل فذ لا تقاس عليه هذه الأصناف ,الله أعطى هذا الرجل ووهبه يمكن هو مثل البخاري في الإدراك والوعي والذكاء ,أنا قرأت في ترجمته الأيام القريبة يعني في بداية طلبه للعلم ناقش رئيس القراء فغلبه في فنه ,فإذا كنت أنت من هذا النمط فتفرغ ,لكن هذا نادر بارك الله فيكم ,ثم لما بدأ الشيخ في التصحيح والتضعيف والتخريج بدأ بخبرة يعني ما بدأ في التصحيح والتضعيف إلا بعدما درس وتمرس ومارس وكتب تخريج الإحياء للحافظ العراقي بيده وعرف مناهج العلماء وأساليبهم .. و.. الخ ,بعد هذا كله نزل في الميدان يحقق ويصحح ويضعف ولم يلحقه أحد لا علماء الأزهر ولا غيرهم فعلى
من يأخذ ويدرس ؟ لكن أنت الناس كلهم فوقك يا أخي فتعلم وتواضع .
- قام بجمع هذه المادة وتفريغها من عدة أشرطة
وترتيبها وعرضها على الشيخ - حفظه الله - :
أخوكم فواز الجزائري
- غفر الله له-
عشية الجمعة 17/02/1427 هـ .
منقول من شبكة الصوتيات