مشاركة هذا الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي
-
معنى الاستواء المذكور في قوله تعالى {ثم استوى إلى السماء} عند السلف
الحمد لله وصلى الله على محمد
أما بعد
يقول الله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}
قال الطبري في تفسيره ( 591 ) : حدثني موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسباط، عن السُّدّيّ في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس - وعن مُرَّة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات" قال : إن الله تبارك وتعالى كان عرشه على الماء، ولم يخلق شيئًا غير ما خلق قبل الماء.
فلما أراد أن يخلق الخلق، أخرج من الماء دخانًا، فارتفع فوق الماء فسما عليه، فسماه سماء... ثم ذكر بقية الأثر
قال الشيخ الألباني في مختصر العلو : اسناده جيد ا.هــــ
و أسباط بن نصر قد أخرج له مسلم في صحيحه وقال عنه البخاري : صدوق . ووثقه موسى بن هارون وابن حبان وابن معين في رواية عنه وتكلم في ضبطه آخرون وعلى كل لا يضر ذلك لأن روايته هنا إنما هي صحيفة منقولة فأمنا من سوء ضبطه
قال الشيخ الفاضل خالد بن عبدالرحمن المصري في مقدمة تفسيره :
وأسباط وإن كان من رجال مسلم فالخلاف فيه معروف وقال الحافظ في تقريب التهذيب ج1: ص 98 : صدوق كثير الخطأ يغرب. ا.هـــ
ولا يضر ذلك هنا فإنما روايته هنا رواية كتاب وهو تفسير السدي كما سيأتي ...
ثم ذكر كلاماً للشيخ أحمد شاكر
وقال : رحم الله شيخ أهل الحديث فقد أطال النفس فأجاد وأفاد
ومما يؤيد ما ادعاه الشيخ شاكر أن السدي قد ألف كتابه هذا؛
ما ذكره الإمام ابن ماكولا – رحمه الله - في الإكمال ج7/ص61 قال:
وأحمد بن إسماعيل بن جبريل بن الفيل بن شيبان أبو حامد المقري الصرام سمع تفسير السدي من أحمد بن نصر عن عمرو بن طلحة عن أسباط عنه
وتفسير الكلبي من يوسف بن بلال عن محمد بن مروان عن الكلبي وسمع كتب أبي حنيفة وأبي يوسف من أحمد بن نصر عن أبي سليمان الجوزجاني عن محمد وغير ذلك توفي سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وهو ابن اثنتين وثمانين سنة.
وما نقله السيوطي عن الخليلي وقفت عليه في الإرشاد في معرفة علماء الحديث ج1/ص398 قال – رحمه الله تعالى -: وروى عن السدي الأئمة مثل الثوري وشعبة لكن التفسير الذي جمعه رواه عنه أسباط بن نصر وأسباط لم يتفقوا عليه غير أن أمثل التفاسير تفسير السدي.
وقال السمعاني في الأنساب ج2/ص360: أبو بكر محمد بن خزر الصوفي الخزري العالم بهمذان كان يروي تفسير السدي عاليا وكانت له رقة في بعض الأوقات إذا قرئ عليه شيء يتغير عليه. ا. هــ
وقد ذكر القسطنطيني تفسير السدي في ضمن التفاسير المؤلفة فقال في كشف الظنون ج1/ص448: تفسير السدي على طريق الرواية. ا.هــ
وكل ذلك يدل على صواب ما رجحه العلامة أحمد شاكر – رحمه الله وجزاه عنا خيرا . ا.هـ كلام الشيخ خالد
وما نقل عن الامام أحمد رحمه الله وجهه الشيخ أحمد شاكر في تفسير ابن جرير ( 1-156 ) بقوله في الحاشية : أما كلمة الإمام أحمد بن حنبل في السدي "إلا أن هذا التفسير الذي يجيء به ، قد جعل له إسنادًا واستكلفه" فإنه لا يريد ما قد يفهم من ظاهرها : أنه اصطنع إسنادا لا أصل له ؛ إذ لو كان ذلك ، لكان -عنده- كذابًا وضاعًا للرواية . ولكنه يريد -فيما أرى ، والله أعلم- أنه جمع هذه التفاسير ، من روايته عن هؤلاء الناس : عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من الصحابة ، ثم ساقها كلها مفصلة ، على الآيات التي ورد فيها شيء من التفسير ، عن هذا أو ذاك أو أولئك ، وجعل لها كلها هذا الإسناد ، وتكلف أن يسوقها به مساقًا واحدًا .
أعني : أنه جمع مفرق هذه التفاسير في كتاب واحد ، جعل له في أوله هذه الأسانيد . يريد بها أن ما رواه من التفاسير في هذا الكتاب ، لا يخرج عن هذه الأسانيد . ولا أكاد أعقل أنه يروي كل حرف من هذه التفاسير عنهم جميعا . فهو كتاب مؤلف في التفسير ، مرجع فيه إلى الرواية عن هؤلاء ، في الجملة ، لا في التفصيل . ا.هــ المراد
وقد ذهب الى تصحيح هذا الإسناد جمع من أهل العلم –قبل شيخ الاسلام ابن تيمية- منهم ابن منده فقد قال عنه : إسناد ثابت .
والحاكم والذهبي في إسناده الى ابن مسعود خاصة .
وقال شيخ الإسلام أبوالعباس ابن تيمية –رحمه الله- في المجموع ( 5-518 ) : الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ كَانُوا يُقِرُّونَ أَفْعَالَهُ مِنْ الِاسْتِوَاءِ وَالنُّزُولِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " تَفْسِيرِهِ " ثَنَا عِصَامُ بْنُ الرواد ثَنَا آدَمَ ثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ } يَقُولُ : ارْتَفَعَ . قَالَ : وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ يَعْنِي الْبَصْرِيَّ وَالرَّبِيعَ بْنَ أَنَسٍ مِثْلُهُ كَذَلِكَ .
وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي " صَحِيحِهِ " فِي " كِتَابِ التَّوْحِيدِ " قَالَ : قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ : { اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ } ارْتَفَعَ فَسَوَّى خَلْقَهُنَّ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ : { اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } عَلَا عَلَى الْعَرْشِ . وَكَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي " تَفْسِيرِهِ " فِي قَوْلِهِ : { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } وَرُوِيَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَعَنْ الْحَسَنِ وَعَنْ الرَّبِيعِ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي الْعَالِيَةِ . وَرُوِيَ بِإِسْنَادِهِ { ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ } قَالَ : فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ .
وقال أيضاً في ( 5-521 ) : وَمَنْ قَالَ : اسْتَوَى بِمَعْنَى عَمَدَ : ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ : { ثُمَّ اسْتَوَى إلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ } لِأَنَّهُ عُدِّيَ بِحَرْفِ الْغَايَةِ كَمَا يُقَالُ : عَمَدْت إلَى كَذَا وَقَصَدْت إلَى كَذَا وَلَا يُقَالُ : عَمَدْت عَلَى كَذَا وَلَا قَصَدْت عَلَيْهِ
مَعَ أَنَّ مَا ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ لَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا وَلَا هُوَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ مُفَسِّرِي السَّلَفِ ؛ بَلْ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ السَّلَفِ قَوْلُهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ بَعْضِهِمْ .
وَإِنَّمَا هَذَا الْقَوْلُ وَأَمْثَالُهُ اُبْتُدِعَ فِي الْإِسْلَامِ لَمَّا ظَهَرَ إنْكَارُ أَفْعَالِ الرَّبِّ الَّتِي تَقُومُ بِهِ وَيَفْعَلُهَا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ ؛ فَحِينَئِذٍ صَارَ يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ مَنْ يُفَسِّرُهُ بِمَا يُنَافِي ذَلِكَ كَمَا يُفَسِّرُ سَائِرُ أَهْلِ الْبِدَعِ الْقُرْآنَ عَلَى مَا يُوَافِقُ أَقَاوِيلَهُمْ . وَأَمَّا أَنْ يُنْقَلَ هَذَا التَّفْسِيرُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ فَلَا بَلْ أَقْوَالُ السَّلَفِ الثَّابِتَةُ عَنْهُمْ مُتَّفِقَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ ؛ لَا يُعْرَفُ لَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ ؛ كَمَا قَدْ يَخْتَلِفُونَ أَحْيَانًا فِي بَعْضِ الْآيَاتِ . ا.هـــ كلامه رحمة الله عليه
وقال شيخ الإسلام الثاني العلامة ابن القيم كما في مختصر الصواعق ص349 : لَفْظَ الِاسْتِوَاءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِلُغَتِهِمْ وَأَنْزَلَ بِهَا كَلَامَهُ نَوْعَانِ: مُطْلَقٌ وَمُقَيَّدٌ، فَالْمُطَلَّقُ مَا لَمْ يُوصَلْ مَعْنَاهُ بِحَرْفٍ مِثْلُ قَوْلِهِ: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} وَهَذَا مَعْنَاهُ كَمُلَ وَتَمَّ، يُقَالُ: اسْتَوَى النَّبَاتُ وَاسْتَوَى الطَّعَامُ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَثَلَاثَةُ أَضْرَابٍ: أَحَدُهَا: مُقَيَّدٌ بِإِلَى
كَقَوْلِهِ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} وَاسْتَوَى فُلَانٌ إِلَى السَّطْحِ وَإِلَى الْغُرْفَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ هَذَا الْمُعَدَّى بِإِلَى فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ: فِي الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} وَالثَّانِي فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} وَهَذَا بِمَعْنَى الْعُلُوِّ وَالِارْتِفَاعِ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ، كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَنَذْكُرُ أَلْفَاظَهُمْ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَالثَّانِي: مُقَيَّدٌ بِعَلَى كَقَوْلِهِ: {وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} وَقَوْلِهِ: {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} وَهَذَا أَيْضًا مَعْنَاهُ الْعُلُوُّ وَالِارْتِفَاعُ وَالِاعْتِدَالُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ اللُّغَةِ
الثَّالِثُ: الْمُقِرُّونَ بِوَاوِ (مَعَ) الَّتِي تُعَدِّي الْفِعْلَ إِلَى الْمَفْعُولِ مَعَهُ، نَحْوَ: اسْتَوَى الْمَاءُ وَالْخَشَبَةَ بِمَعْنَى سَاوَاهَا، وَهَذِهِ مَعَانِي الِاسْتِوَاءِ الْمَعْقُولَةِ فِي كَلَامِهِمْ، لَيْسَ فِيهَا مَعْنَى اسْتَوْلَى الْبَتَّةَ، وَلَا نَقَلَهُ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ الَّذِينَ يُعْتَمَدُ قَوْلُهُمْ، وَإِنَّمَا قَالَهُ مُتَأَخِّرُو النُّحَاةِ مِمَّنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ، يُوَضِّحُهُ: .. ا.هــ
وبهذا يتبين أن ما ذكره (بعض) العلماء الفضلاء من المتأخرين أو المعاصرين في تفسير الاستواء المتعدي بإلــــى "بالقصد والعمد" مخالف لإجماع السلف
قال الإمام البخاري في رفع اليدين (103) حدثنا قتيبة ، حدثنا سفيان ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد قال : « ليس أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يؤخذ من قوله ويترك ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم »
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع ( 11-208 ) : وَقَدْ اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ا.هــ
و صلى الله على محمد .
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 10-Sep-2018, 03:51 PM
-
بواسطة أم محمد محمود المصرية في المنتدى مـنــبر الأســـرة المـــســلـــمـــة
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 08-Feb-2015, 08:47 PM
-
بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى منبر العلوم الشرعية
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 29-Nov-2014, 10:16 PM
-
بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 13-Apr-2013, 07:21 PM
-
بواسطة أبو يوسف عبدالله الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 04-Sep-2012, 07:06 PM
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى