مشاركة هذا الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي
-
معنى الحديث (زادك الله حرصا ، و لا تعد " ) للشيخ الالباني رحمه الله
- معنى الحديث (زادك الله حرصا ، و لا تعد " )
- و القصد من ذكره هنا أن ظاهره يدل على أنه لا يجوز الركوع دون الصف ثم المشي
- إليه ، على خلاف ما دل عليه الحديث السابق ، فكيف التوفيق بينهما ؟ فأقول :
- إن هذا الحديث لا يدل على ما ذكر ، إلا بطريق الاستنباط لا النص ، فإن قوله صلى
- الله عليه وسلم : " لا تعد " يحتمل أنه نهاه عن كل ما ثبت أنه في هذه الحادثة ،
- و قد تبين لنا بعد التتبع أنها تتضمن ثلاثة أمور :
- الأول : اعتداده بالركعة التي إنما أدرك منها ركوعها فقط .
- الثاني : إسراعه في المشي ، كما في رواية لأحمد ( 5 / 42 ) من طريق أخرى عن
- أبي بكرة أنه جاء و النبي صلى الله عليه وسلم راكع ، فسمع النبي صلى الله عليه
- وسلم صوت نعل أبي بكرة و هو يحضر ( أي يعدو ) يريد أن يدرك الركعة ، فلما انصرف
- النبي صلى الله عليه وسلم قال : من الساعي ؟ قال أبو بكرة : أنا . قال : فذكره
- و إسناده حسن في المتابعات ، و قد رواه ابن السكن في " صحيحه " نحوه و فيه
- قوله : " انطلقت أسعى ... " و أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من الساعي
- ... " و يشهد لهذه الرواية رواية الطحاوي من الطريق الأولى بلفظ .
- " جئت و رسول الله صلى الله عليه وسلم راكع ، و قد حفزني النفس فركعت دون الصف
- .. " الحديث . و إسناده صحيح ، فإن قوله " حفزني النفس " معناه اشتد ، من الحفز
- و هو الحث و الإعجال ، و ذلك كناية عن العدو .
- الثالث : ركوعه دون الصف ثم مشيه إليه .
- و إذا تبين لنا ما سبق ، فهل قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تعد " نهي عن هذه
- الأمور الثلاثة جميعها أم عن بعضها . ذلك ما أريد البحث فيه و تحقيق الكلام
- عليه فأقول :
- أما الأمر الأول ، فالظاهر أنه لا يدخل في النهي ، لأنه لو كان نهاه عنه لأمره
- بإعادة الصلاة لكونها خداجا ناقصة الركعة ، فإذ لم يأمره بذلك دل على صحتها ،
- و على عدم شمول النهي الاعتداد بالركعة بإدراك ركوعها ، و قول الصنعاني في
- " سبل السلام " ( 2 / 23 ) :
- " لعله صلى الله عليه وسلم لم يأمره لأنه كان جاهلا للحكم ، و الجهل عذر " .
- فبعيد جدا ، إذ قد ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة أمره صلى الله عليه
- وسلم للمسيء صلاته بإعادتها ثلاث مرات مع أنه كان جاهلا أيضا فكيف يأمره
- بالإعادة و هو لم يفوت ركعة من صلاته و إنما الاطمئنان فيها ، و لا يأمر
- أبا بكرة بإعادة الصلاة و قد فوت على نفسه ركعة ، لو كانت لا تدرك بالركوع ،
- ثم كيف يعقل أن يكون ذلك منهيا و قد فعله كبار الصحابة ، كما تقدم في الحديث
- الذي قبله ؟ ! فلذلك فإننا نقطع أن هذا الأمر الأول لا يدخل في قوله صلى الله
- عليه وسلم " لا تعد " .
- و أما الأمر الثاني ، فلا نشك في دخوله في النهي لما سبق ذكره من الروايات
- و لأنه لا معارض له ، بل هناك ما يشهد له ، و هو حديث أبي هريرة مرفوعا :
- " إذا أتيم الصلاة فلا تأتوها و أنتم تسعون ، و أتوها و عليكم السكينة
- و الوقار " الحديث متفق عليه .
- و أما الأمر الثالث ، فهو موضع نظر و تأمل ، و ذلك لأن ظاهر رواية أبي داود هذه
- : " أيكم الذي ركع دون الصف ، ثم مشى إلى الصف ، مع قوله له :
- " لا تعد " ، يدل بإطلاقه على أنه قد يشمل هذا الأمر ، و إن كان ليس نصا في ذلك
- لاحتمال أنه يعني شيئا آخر غير هذا مما فعل ، و ليس يعني نهيه عن كل ما فعل ،
- بدليل أنه لم يعن الأمر الأول كما سبق تقريره . فكذلك يحتمل أنه لم يعن هذا
- الأمر الثالث أيضا . و هذا و إن كان خلاف الظاهر ، فإن العلماء كثيرا ما يضطرون
- لترك ما دل عليه ظاهر النص لمخالفته لنص آخر هو في دلالته نص قاطع ، مثل ترك
- مفهوم النص لمنطوق نص آخر ، و ترك العام للخاص ، و نحو ذلك ، و أنا أرى أن ما
- نحن فيه الآن من هذا القبيل ، فإن ظاهر هذا الحديث من حيث شموله للركوع دون
- الصف مخالف لخصوص ما دل عليه حديث عبد الله بن الزبير دلالة صريحة قاطعة ،
- و إذا كان الأمر كذلك فلابد حينئذ من ترجيح أحد الدليلين على الآخر ، و لا يشك
- عالم أن النص الصريح أرجح عند التعارض من دلالة ظاهر نص ما ، لأن هذا دلالته
- على وجه الاحتمال بخلاف الذي قبله ، و قد ذكروا في وجوه الترجيح بين الأحاديث
- أن يكون الحكم الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقا به و ما تضمنه الحديث الآخر يكون
- محتملا . و مما لا شك فيه أيضا أن دلالة هذا الحديث في هذه المسألة ليست قاطعة
- بل محتملة ، بخلاف دلالة حديث ابن الزبير المتقدم فإن دلالته عليها قاطعة ،
- فكان ذلك من أسباب ترجيحه على هذا الحديث .
- و ثمة أسباب أخرى تؤكد الترجيح المذكور :
- أولا : خطبة ابن الزبير بحديثه على المنبر في أكبر جمع يخطب عليهم في المسجد
- الحرام و إعلانه عليه أن ذلك من السنة دون أن يعارضه أحد .
- ثانيا : عمل كبار الصحابة به كأبي بكر و ابن مسعود و زيد بن ثابت كما تقدم
- و غيرهم . فذلك من المرجحات المعروفة في علم الأصول . بخلاف هذا الحديث فإننا
- لا نعلم أن أحدا من الصحابة قال بما دل عليه ظاهره في هذه المسألة ، فكان ذلك
- كله دليلا قويا على أن دلالته فيها مرجوحة ، و أن حديث ابن الزبير هو الراجح في
- الدلالة عليها . و الله أعلم .
- و قد قال الصنعاني بعد قول ابن جريج في عقب هذا الحديث :
- " و قد رأيت عطاء يصنع ذلك " . قال الصنعاني ( 2 / 24 ) :
- " قلت . و كأنه مبني على أن لفظ " و لا تعد " بضم المثناة الفوقية ، من الإعادة
- أي زادك الله حرصا على طلب الخير و لا تعد صلاتك فإنها صحيحة و روي بسكون العين
- المهملة من العدو ، و تؤيده رواية ابن السكن من حديث أبي بكرة ( ثم ساقها ،
- و قد سبق نحوها من رواية أحمد مع الإشارة إلى رواية ابن السكن هذه ، ثم قال )
- و الأقرب أن رواية ( لا تعد ) من العود أي لا تعد ساعيا إلى الدخول قبل وصولك
- الصف ، فإنه ليس في الكلام ما يشير بفساد صلاته حتى يفتيه صلى الله عليه وسلم
- بأن لا يعيدها ، بل قوله " زادك الله حرصا " يشعر بأجزائها ، أو " لا تعد " من
- ( العدو ) " .
- قلت : لو صح هذا اللفظ لكانت دلالة الحديث حينئذ خاصة في النهي عن الإسراع
- و لما دخل فيه الركوع خارج الصف ، و لم يوجد بالتالي أي تعارض بينه و بين حديث
- ابن الزبير ، و لكن الظاهر أن هذا اللفظ لم يثبت ، فقد وقع في " صحيح البخاري "
- و غيره باللفظ المشهور : " لا تعد " . قال الحافظ في " الفتح " ( 2 / 214 ) :
- " ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله و ضم العين من العود " .
- ثم ذكر هذا اللفظ ، و لكنه رجح ما في البخاري فراجعه إن شئت .
- و يتلخص مما تقدم أن هذا النهي لا يشمل الاعتداد بالركعة و لا الركوع دون الصف
- و إنما هو خاص بالإسراع لمنافاته للسكينة و الوقار كما تقدم التصريح بذلك من
- حديث أبي هريرة ، و بهذا فسره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
- " قوله : لا تعد . يشبه قوله : لا تأتوا الصلاة تسعون " . ذكره البيهقي في
- " سننه " ( 2 / 90 ) .
- فإن قيل : قد ورد ما يؤيد شمول الحديث للإسراع و يخالف حديث ابن الزبير صراحة
- و هو حديث أبي هريرة مرفوعا .
- " إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف " .
- قلنا : لكنه حديث معلول بعلة خفية ، و ليس هذا مكان بيانها ، فراجع " سلسلة الأحاديث الضعيفة " ( رقم 981 ) .
- السلسلة الصحيحة/1/229.
قال أبو الدرداء -رضي الله عنه - : إني لآمركم بالأمر و ما أفعله ، ولكن لعلّ الله يأجرني فيه .
سير أعلام النبلاء4/19.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة أبى ياسر عبد الحميد السلفي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 09-Jan-2021, 09:49 AM
-
بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 28-Aug-2017, 11:16 PM
-
بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى مكتبة الأمين العلمية الــشـاملة
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 28-Mar-2016, 06:29 PM
-
بواسطة سعيد ابو زكريا المغربي في المنتدى منبر الرد على أهل الفتن والبدع والفكر الإرهابي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 10-Nov-2012, 09:47 PM
-
بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 17-Jun-2010, 11:08 PM
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى