باب ما جاء في الذكاة وشروطها
تعريفها
قال الإمام : الذكاة : يعني الذبح، وأصلها من الذكاء، وهو الحدة والنفوذ، ووجه الارتباط أن الذبح يكون بآلة حادة ونافذة، ومنه الذكاء؛ لأن الذكي يكون حاد الذهن، ونافذ البصيرة.
أما في الشرع : فهو إنهار الدم من بهيمة تحل، إما في العنق إن كان مقدوراً عليها، أو في أي محل من بدنه إن كان غير مقدور عليها.
والذكاة شرط لحل الحيوان المباح، فكل حيوان مباح فإنه لا يحل إلا بذكاة.
مسألة : فلو أن إنساناً اضطُر إلى حمار فهل لا بد لحله من الذكاة؟
الجواب: نعم، فلا نقول: إن هذا في الأصل حرام فيحل سواء ذكيته، أم خنقته، أم أصبته في أي موضع من بدنه، بل نقول: إنه لما أبيح للضرورة صار حكمه حكم ما أحل لغير ضرورة.([1]) شروط الذكاة
قال الإمام : يشترط لحل الحيوان بالذكاة شروط تسعة:
الأول: أن يكون المذكي ممن يمكن منه قصد التذكية، وهو المميز العاقل، فلا يحل ما ذكاه صغير دون التمييز، ولا هرم ذهب تمييزه، والتمييز فهم الخطاب والجواب بالصواب.
ولا يحل ما ذكاه مجنون وسكران ومبرسم ونحوهم؛ لعدم إمكان القصد من هؤلاء.
وإنما اشترط إمكان القصد؛ لأن الله أضاف التذكية إلى المخاطبين في قوله:{إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة: 3]
وهو ظاهر في إرادة الفعل، ومن لا يمكن منه القصد تمكن منه الإرادة.
الشرط الثاني: أن يكون المذكي مسلما أو كتابيا، وهو من ينتسب لدين اليهود أو النصارى. فأما المسلم فيحل ما ذكاه وإن كان فاسقا أو مبتدعا ببدعة غير مكفرة، أو صبيا مميزاً، أو امرأة؛ لعموم الأدلة وعدم المخصص، قال في(المغني) عن ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي، قال: وقد روي أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فأدركتها فذكتها بحجر، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" كلوها" متفق عليه.
قال: وفي هذا الحديث فوائد سبع:
إحداها: إباحة ذبيحة المرأة.
الثانية: إباحة ذبيحة الأمة.
الثالثة: إباحة ذبيحة الحائض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل.
الرابعة: إباحة الذبح بحجر.
الخامسة: إباحة ذبح ما خيف عليه الموت.
السادسة: حل ما يذبحه غير مالكه بغير أذنه.
السابعة: إباحة ذبحه لغير مالكه عند الخوف عليه. اهـ.
قلت: وفائدة ثامنة: وهي إباحة ذبح الجنب. وتاسعة: وهي أن الأصل في تصرفات من يصح تصرفه الحل والصحة حيث لم يسأل: أذكرت اسم الله عليها أم لا، وزاد في(شرح المنتهى) حل ذبيحة الفاسق والأقلف فتكون الفوائد إحدى عشرة.
وقول الشيخ رحمه الله في (المغني) : السادسة: حل ما يذبحه غير مالكه بغير إذنه، إن كان مراده بالغير من كان أمينا عليه أو ذبحه لمصلحة مالكه فمسلم وواضح، وإن كان مراده ما يشمل الغاصب ونحوه؛ ففيه خلاف يأتي إن شاء الله، والحديث المذكور لا يدل على حل ما ذكاه ولا عدمه؛ لأن الذكاة فيه واقعة من الجارية التي ترعى الغنم وهي أمينة عليها، ثم إنها لمصلحة مالكها أيضا.
وقوله: السابعة: إباحة ذبحه لغير مالكه عند الخوف عليه: إن أراد به الإباحة المطلقة التي تقتضي أن يكون مستوي الطرفين، ففيه نظر، وإن أراد الإباحة في المنع فلا تنافي الوجوب فمسلم، وذلك أن الأمين إذا رأى فيما اؤتمن عليه خوف ضياع أو تلف وجب عليه أن يتدارك ذلك؛ لأنه مؤتمن عليه، يجب عليه فعل الأصلح، ففي مثل هذه الصورة يجب على الراعي تذكيتها؛ لأنه أصلح الأمرين، وهو أمين مقبول قوله في خوف التلف، أما غير الأمين فلا يجب عليه ذلك إن خاف تبعة، والله أعلم.
ومقتضى ما سبق حل ذكاة الأقلف بدون كراهة، وهو ظاهر النصوص وإطلاق كثير من أصحابنا منهم صاحب المنتهى، ونقل في المغني عن ابن عباس: لا تؤكل ذبيحة الأقلف، وأن عن الإمام أحمد مثله، قال في(الرعاية) : وعنه تكره ذبيحة الأقلف والجنب والحائض والنفساء، وجزم بكراهة ذكاة الأقلف في (الإقناع)
وأما الكتابي: فيحل ما ذكاه بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله ـ تعالى ـ:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}[المائدة: 5]
قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: طعامهم ذبائحهم، وروي ذلك عن مجاهد وسعيد والحسن وغيرهم.
وأما السنة: ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها. الحديث ، وفي مسند الإمام عن أنس أيضا أن يهوديا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه .
والإهالة السنخة: الشحم المذاب إذا تغيرت رائحته، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مغفل قال: كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم، وفي صحيح مسلم قال: فالتزمته فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتسما .
وأما الإجماع: فقد حكى إجماع المسلمين على حل ذبائح أهل الكتاب غير واحد من العلماء، منهم صاحب (المغني) وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير في تفسيره، قال شيخ الإسلام: ومن المعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، قال: وما زال المسلمون في كل عصر ومصر يأكلون ذبائحهم، فمن خالف ذلك؛ فقد أنكر إجماع المسلمين. ا.هـ. ([2]) واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ: هل يشترط لحل ما ذكاه الكتابي أن يكون أبواه كتابيين، أو أن المعتبر هو بنفسه بقطع النظر عن أبويه؟
فالمشهور من المذهب أن ذلك شرط، وأنه لا يحل ما ذكاه كتابي أبوه أو أمه من المجوس أو نحوهم، والصحيح أن ذلك ليس بشرط، وأن المعتبر هو بنفسه، فإذا كان كتابيا؛ حل ما ذكاه، وإن كان أبواه أو أحدهما من غير أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيميه: الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم يستفيده بنفسه لا بنسبه، فكل من تدين بدين أهل الكتاب؛ فهو منهم سواء كان أبوه أو جده داخلا في دينهم، أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك والمنصوص الصريح عن أحمد وإن كان في ذلك بين أصحابه نزاع معروف وهذا القول هو الثابت عن الصحابة، ـ رضي الله عنهم ـ ولا أعلم في ذلك بينهم نزاعا، وقد ذكر الطحاوى أن هذا إجماع قديم. ا.هـ.
وأما غير الكتابي فلا يحل ما ذكاه؛ لمفهوم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}[المائدة: 5].
قال الخازن في تفسيره: أجمعوا على تحريم ذبائح المجوس وسائر أهل الشرك من مشركي العرب وعبدة الأصنام ومن لا كتاب له، وقال الإمام أحمد: لا أعلم أحدا قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة.
الشرط الثالث: أن يقصد التذكية، فإن لم يقصد التذكية؛ لم تحل الذبيحة، مثل أن تصول عليه بهيمة فيذبحها للدفاع عن نفسه فقط، أو يريد قطع شيء فتصيب السكين حلق بهيمة فلا تحل؛ لقوله ـ تعالى ـ:{إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة: 3] فأضاف الفعل إلى المخاطبين، وهو فعل خاص (تذكية) فيحتاج إلى نيته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ".
وهل يشترط مع ذلك أن يقصد الأكل؟
على قولين:
أحدهما: لا يشترط فلو ذكاها لإراحتها أو تنفيذا ليمين حلف به كقوله: والله لأذبحن هذه الشاة، فذبحها لتنفيذ يمينه فقط حلت لعموم الأدلة.
القول الثاني: أنه يشترط، اختاره الشيخ تقي الدين فقال: وإذا لم يقصد المذكي الأكل أو قصد حل يمينه لم تبح الذبيحة. ا.هـ.
وفي (سنن النسائي) عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ما من إنسان قتل عصفوراً فما فوق بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها " وفي رواية:"عنها يوم القيامة"، قيل يا رسول الله، فما حقها؟ قال :"حقها أن تذبحها فتأكلها، ولا تقطع رأسها فترمي بها "، وله من حديث عمرو
بن الشريد عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"من قتل عصفوراً عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول: إن فلانا قتلني عبثا، ولم يقتلني لمنفعة" .
ونقل صاحب الفروع عن صاحب الفنون وهو ابن عقيل الحنبلي أن بعض المالكية قال له: الصيد فرجة ونزهة ميتة لعدم قصد الأكل، قال: وما أحسن ما قال؛ لأنه عبث محرم، ولا أحد أحق بهذا من مذهب أحمد حيث جعل في إحدى الروايتين كل حظر في مقصود شرعي يمنع صحته. ا.هـ.
الشرط الرابع: أن لا يذبح لغير الله، مثل أن يذبح تقربا لصنم أو وثن أو صاحب قبر، أو يذبح تعظيما لملك أو رئيس أو وزير أو وجيه أو والد أو غيرهم من المخلوقين، فإن ذبح لغير الله لم يحل وإن ذكر اسم الله عليه؛ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} إلى قوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}[المائدة: 3] وقول النبي صلى الله عليه وسلم :"لعن الله من ذبح لغير الله" . رواه مسلم من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه .
الشرط الخامس: ألا يهل لغير الله به، بأن يذكر عليه اسم غير الله مثل أن يقول: باسم النبي، أو باسم جبريل، أو باسم الحزب الفلاني، أو الشعب الفلاني، أو الملك، أو الرئيس، أو نحو ذلك، فإن ذكر عليه اسم غير الله لم يحل وإن ذبح لله أو ذكر معه اسمه؛ لقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}[المائدة: 3] إلى قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} ، وقد ذكر ابن كثير في تفسير الإجماع على تحريم ما أهل لغير الله به.
الشرط السادس: أن يسمي الله عليها؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 118]، وقوله :{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}[الأنعام: 121] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم :"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا". أخرجه الجماعة واللفظ للبخاري .
فشرط النبي صلى الله عليه وسلم للحل ذكر اسم الله عليه مع إنهار الدم.
ويشترط أن تكون التسمية عند إرادة الذبح، فلو فصل بينهما وبين الذبح بفاصل كثير لم تنفع؛ لقوله ـ تعالى ـ: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام 18] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وذكر اسم الله عليه" ، وكلمة (عَلَيْهِ) تدل على حضوره وأن التسمية تكون عند الفعل، ولأن التسمية ذكر مشترط لفعل فاعتبر اقترانها به لتصح نسبتها إليه، لكن لو كان الفصل من أجل تهيئة الذبيحة كإضجاعها وأخذ السكين لم يضر ما دام يريد التسمية على الذبح لا على فعل التهيئة، قياسا على ما لو فصل بين أعضاء الوضوء لأمر يتعلق بالطهارة.
ويشترط أن تكون بلفظ بسم الله، فلو قال بسم الرحمن أو باسم رب العالمين لم تجز، هذا هو المشهور من المذهب، والصواب أنه إذا أضاف التسمية إلى ما يختص بالله كالرحمن ورب العالمين ومنزل الكتاب وخالق الناس أو إلى ما يشركه فيه غيره وينصرف إليه تعالى عند الإطلاق ونواه به، كالمولى والعظيم ونحوهما مثل أن يقول: باسم الرحمن أو باسم العظيم وينوي به الله؛ فإنه يجزئ لحصول المقصود بذلك، والله أعلم.
ويعتبر أن تكون التسمية على ما أراد ذبحه، فلو سمى على شاة ثم تركها إلى غيرها أعاد التسمية، وأما تغيير الآلة فلا يضر، فلو سمى وبيده سكين ثم ألقاه وذبح بغيرها فلا بأس.
واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ فيما إذا ترك التسمية على الذبيحة فهل تحل الذبيحة؟
على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها تحل سواء ترك التسمية عالما ذاكرا أم جاهلا ناسيا، وهو مذهب الشافعي بناء على أن التسمية سنة ، لا شرط.
الثاني: أنها تحل إن تركها نسيانا، ولا تحل إن تركها عمدا ولو جاهلا، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه، وهنا فرقوا بين النسيان والجهل، فقالوا: إن ترك التسمية ناسياً حلت الذبيحة، وإن تركها جاهلا لم تحل، كما فرق أصحابنا بين الذبيحة والصيد، فقالوا في الذبيحة كما ترى، وقالوا في الصيد: إن ترك التسمية عليه لم يحل سواء تركها عالما ذاكرا أم جاهلاً ناسيا.
القول الثالث: أنها لا تحل سواء ترك التسمية عالما ذاكرا أم جاهلا ناسيا، وهو إحدى الروايتين عن أحمد قدمه في الفروع، واختاره أبو الخطاب في خلافه وشيخ الإسلام ابن تيمية وقال: إنه قول غير واحد من السلف ، وهذا هو القول الصحيح؛ لقوله تعالى ـ: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام: 121] ، وهذا عام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا" ، فقرن بين إنهار الدم وذكر اسم الله على الذبيحة في شرط الحل، فكما أنه لو لم ينهر الدم ناسيا أو جاهلا لم تحل الذبيحة، فكذلك إذا لم يسم؛ لأنهما شرطان قرن بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في جملة واحدة، فلا يمكن التفريق بينهما إلا بدليل صحيح، ولأن التسمية شرط وجودي، والشرط الوجودي لا يسقط بالنسيان كما لو صلى بغير وضوء ناسيا، فإن صلاته لا تصح، وكما لو رمى صيدا بغير تسمية ناسيا، فإن الصيد لا يحل عند المفرقين بين الذبيحة والصيد، كما لو ذبح بغير تسمية جاهلا، فإن الذبيحة لا تحل عند المفرقين بين الجهل والنسيان، مع الجهل عذر مقرون بالنسيان في الكتاب والسنة ومساو له، وربما يكون أحق بكونه عذرا؛ كجهل حديث العهد بالإسلام الذي لم يمض عليه زمن يتمكن من العلم.
فإن قيل: ما الجواب عن قوله تعالى:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: 286]، وقد فعل سبحانه وتعالى، وقوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُم}[الأحزاب: 5] والجاهل مخطئ، والناسي لم يتعمد قلبه، وقد رفع الله عنهما المؤاخذة والجناح.
قلنا: الجواب: أننا نقول بمقتضى هاتين الآيتين الكريمتين ولا نعدو قول ربنا، فمن ترك التسمية على الذبيحة ناسيا أو جاهلا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح، لكن لا يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته، فإن حل ذبيحته أثر حكم تكليفي من شرطه الذكر والعلم، فلذلك انتفيا بانتفائهما.
يوضح ذلك: أنه لو صلى بغير وضوء ناسيا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح، ولا يلزم من انتفائهما عنه صحة صلاته، فصلاته باطلة وإن كان ناسيا لفقد شرطها الوجودي وهو الوضوء.
ويوضح ذلك أيضا: أنه لو ذبحها في غير محل الذبح ناسيا أو جاهلا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح، ولا يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته، فذبيحته حرام لفقد شرطها الوجودي، وهو إنهار الدم في محل الذبح.
فإن قيل: ما الجواب عما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها: أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: " سموا عليه أنتم وكلوه"، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر .
قلنا: الجواب: أننا نقول بمقتضى هذا الحديث، وأنه لو أتانا من تحل ذكاته من مسلم أو كتابي بلحم حل لنا أكله وإن كنا لا ندري هل ذكر اسم الله عليه أو لا، لأن الأصل في التصرفات الواقعة من أهلها الصحة حتى يقوم دليل الفساد، ولسنا مخاطبين بفعل غيرنا، وإنما نخاطب بفعلنا نحن، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حيث قال: " سموا عليه أنتم وكلوه" ، كأنه يقول: أنتم مخاطبون بالتسمية عند فعلكم وهو الأكل، فسموا عليه، وأما الذبح والتسمية عليه فمخاطب به غيركم، فعليكم ما حملتم وعليهم ما حملوا، وليس يعني أن تسميتكم هذه تغني عن التسمية على الذبح، وذلك لأن الذبح قد فات.
وليس في الحديث دليل على سقوط التسمية بالجهل، ولا على أنها ليست بشرط لحل الذبيحة؛ لأنه ليس فيه أنهم تركوا التسمية فأحل لهم النبي صلى الله عليه وسلم اللحم، وإنما فيه أنهم لا يدرون أذكروا اسم الله عليه أم لا، والأصل أن الفعل وقع على الصحة، بل قد يقال: إن في الحديث دليلا على أن التسمية شرط لحل الذبيحة، وأنه لابد منها، وإلا لما أشكل حكم هذا اللحم على الصحابة حتى سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ثم لو كانت التسمية غير شرط أو كانت تسقط في مثل هذه الحال لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: وما يضركم إذا تركوها أو نحو هذا الكلام؛ لأنه أبين وابلغ في إظهار الحكم وسقوط التسمية، ولم يرشدهم إلى ما ينبغي أن يعتنوا به وهو التسمية على فعلهم.
فإن قيل: ما الجواب عن الآثار التي احتج بها من لا يرى أن التسمية شرط لحل الذبيحة أو أنها تسقط بالنسيان؟
قلنا: الجواب: أن هذه الآثار لا تصح مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي موقوفة على بعض الصحابة على ما في أسانيدها من مقال، فلا يعارض بها ظاهر الكتاب والسنة.
فإن قيل: ما الجواب عما قاله ابن جرير رحمه الله من أن القول بتحريم ما لم يذكر اسم الله عليه نسيانا خارج عما عليه الحجة مجمعة من تحليله، يعني أن الإجماع على تحليل ما لم يذكر اسم الله عليه نسيانا؛ فالقول بتحريمه خارج عن الإجماع؟
قلنا: الجواب عليه: أنه مدفوع بما نقله غيره من الخلاف فيه، فقد قال شيخ الإسلام: إن القول بالتحريم قول غير واحد من السلف، وقد قال ابن كثير: إنه مروي عن ابن عمر ونافع مولاه وعامر الشعبي ومحمد بن سيرين، وهو رواية عن الإمام مالك ورواية عن أحمد ابن حنبل، نصرها طائفة من أصحابه المتقدمين والمتأخرين، وهو اختيار أبي ثور وداود الظاهري، واختار ذلك أبو الفتوح محمد بن محمد بن على الطائي من متأخري الشافعية في كتابه (الأربعين) ، قال ابن الجوزي: وإلى هذا المعنى ذهب عبد الله بن يزيد الخطمي. قلت: واختاره ابن حزم وذكر أدلته، وأجاب عن الآثار المروية في الحل.
فإن قيل: إن تحريمها إضاعة للمال، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال.
فالجواب: أن الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها ليست بمال؛ لأنها ميتة حيث لم تذك ذكاة شرعية لفقد شرط من شروط الذكاة، فليس تحريمها بإضاعة للمال، وإنما هو امتثال وطاعة لله تعالى في قوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام: 121] على أن تحريم أكلها لا يمنع من الانتفاع بشحمها وودكها على وجه لا يتعدى كطلي السفن وإيقاد المصابيح " لو أخذتم إهابها "، فقالوا: إنها ميتة. قال: "يطهرها الماء والقرظ" أخرجه أبو داود النسائي ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا دبغ الإهاب فقد طهر" رواه مسلم . وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال: "هلا استمتعتم بإهابها"، قالوا: إنها ميتة. قال: "إنما حرم أكلها" . رواه البخاري .
فإن قيل: إن في تحريمها حرجا وتضييقا على الناس حيث يكثر نسيان التسمية فيكثر ما يضيع عليهم من أموالهم، وقد نفى الله سبحانه الحرج في الدين فقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: 78].
فالجواب: أننا نقول بمقتضى هذه الآية الكريمة، وأن دين الإسلام ليس فيه ـ ولله الحمد ـ حرج ولا ضيق، فكل شيء أمر الله به؛ فلا حرج في فعله، وكل شيء نهى الله عنه؛ فلا حرج في تركه لمن قويت عزيمته، وصحت رغبته في دين الله، وها هو الجهاد أمر الله به وهو من أشق شيء على النفوس من حيث طبيعتها لما فيه من عرض الرقاب للسيوف وترك الأموال والأولاد والمألوف، ومع هذا نفى بعد الأمر به أن يكون قد جعل علينا في الدين حرجاً فقال تعالى:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: 78] ، وأي حرج في اجتناب ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها يتركها طاعة لربه في قوله :{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْه} ،وهو ليس مضطراً إليها، ولو اضطر إليها في مخمصة غير متجانف لإثم لو سعته رحمة ربه وحلت له.
ثم إن في تحريم الذبيحة إذا لم يذكر اسم الله عليها نسيانا تقليلا للنسيان، فإن الإنسان إذا حرمها بعد أن ذبحها وتشوفت نفسه لها من أجل أنه لم يسم الله عليها؛ فسوف ينتبه في المستقبل ولا ينسى التسمية.
وبعد، فإنما أطلنا الكلام في هذا لأهميته؛ ولأن الإنسان ربما لا يظن أن القول بتحريم الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها نسيانا يبلغ إلى هذا المكان من القوة، والله الموفق.
تتمه : يشترط التلفظ بالتسمية إلا مع العجز عن النطق، فتكفي الإشارة.
الشرط السابع: أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم غير سن وظفر من حديد وحجر وخشب وزجاج وغيرها، لحديث رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً، وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة" رواه الجماعة . وقوله :"وسأحدثكم عن ذلك" إلى آخره زعم ابن القطان أنها مدرجة، نقله ابن حجر في (الدراية) وهذا الزعم مردود بما جاء في بعض روايات البخاري بلفظ:" غير السن والظفر، فإن السن عظم، والظفر مدى الحبشة"، وبأن الأصل عدم الإدراج، فلا يصار إليه إلا بدليل لفظي أو معنوي.
فإن ذبحها بغير محدد مثل أن يقتلها بالخنق أو بالصعق الكهربائي أو غيره، أو بالصدم أو بضرب الرأس ونحوه حتى تموت لم تحل، وإن ذبحها بالسن أو بالظفر لم تحل وإن جرى دمها بذلك.
وظاهر الحديث لا فرق في السن والظفر بين أن يكونا متصلين أو منفصلين من آدمي أو غيره للعموم، خلافا للحنفية حيث خصوه بالمتصل وقالوا: إنه الواقع من فعل الحبشة، وظاهر تعليلهم أنه خاص بظفر الآدمي، قال في(المغني) ردا عليهم: ولنا عموم حديث رافع، ولأن ما لم تجز الذكاة به متصلا لم تجز به منفصلا كغير المحدد. ا.هـ. وفي تشبيهه بغير المحدد غموض.
وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم منع الذكاة بالسن بأنه عظم، فاختلف العلماء رحمهم الله هل الحكم خاص في محله وهو السن أو عام في جميع العظام لعموم علته على قولين:
أحدهما: أنه خاص في محله وهو السن، وأما ما عداه من العظام فتحل الذكاة به، وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب أحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد العموم لقال غير العظم والظفر لكونه أخصر وأبين، والنبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم ومفاتيح البيان، ولأننا لا نعلم وجه الحكمة في تأثير العظم فكيف نعدي الحكم مع الجهل.
الثاني: أن الحكم عام في جميع العظام، لعموم العلة، وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد؛ لأن النص على العلة يدل على أنها مناط الحكم، متى وجدت وجد الحكم، وتخصيص السن بالذكر قد يكون من أجل أنه عادة يرتكبها بعض الناس بالتذكية به، ثم أشار إلى عموم الحكم بذكر العلة، أو يقال: إن تعليله بكونه عظما يدل على أنه كان من المتقرر عندهم أن العظام لا يذكى بها، وهذا القول أحوط.
وأما كوننا لا نعلم وجه الحكمة في تأثير العظم، فهذا لا يمنع من تعدية الحكم إلى ما ينطبق عليه اسم العظم؛ لأنه معلوم على أنه يمكن أن يقال: وجه الحكمة: أنه إن كان العظم طاهرا فهو طعام إخواننا من الجن، ففي الذبح به تلويث له بالنجاسة، وإن كان العظم نجسا فليس من الحكمة أن يكون وسيلة للذكاة التي بها تطهير الحيوان وطيبه للتضاد، والله أعلم.
وأما الظفر: فعلله النبي صلى الله عليه وسلم بمدى الحبشة، وظاهر التعليل مشكل إن قلنا: أن الحكم عام بعموم علته؛ لأنه يقتضي منع الذكاة بما يختص به الحبشة من المدى ولو كان حديدا أو خشبا أو نحوهما مما تجوز الذكاة به.
والأقرب عندي: أن الأصل في ذلك أن الحبشة كانوا يذبحون بأظافرهم، فنهى الشارع عن ذلك؛ لأنه يقتضي مخالفة الفطرة من وجهين:
أحدهما: أنه يستلزم توفير الأظافر ليذبح بها، وهذا مخالف للفطرة التي هي تقليم الأظافر.
الثاني: أن في القتل بالظفر مشابهة لسباع البهائم والطيور التي فضلنا عليها ونهينا عن التشبه به، ولذلك تجد الإنسان لا يشبه البهائم إلا في مقام الذم.
الشرط الثامن: إنهار الدم، أي إجراؤه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل"، وله حالان:
الحال الأولى: أن يكون المذكي غير مقدور عليه، مثل أن يهرب أو يسقط في بئر أو في مكان سحيق لا يمكن الوصول إليه، أو يدخل مقدمه في غار بحيث لا يمكن الوصول إلى رقبته أو نحو ذلك فيكفي في هذه الحال إنهار الدم في أي موضع كان من بدنه حتى يموت، والأولى أن يتحرى أسرع شيء في موته، وفي (الصحيحين) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فأصابوا إبلاً وغنماً فند منها بعير فرماه رجل فحبسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لهذه الإبل أوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا"، وفي لفظ لمسلم: فند علينا بعير منها فرميناه بالنبل حتى وهصناه. وهصناه : رميناه رميا شديدا حتى سقط على الأرض.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما أعجزك من البهائم مما في يديك فهو كالصيد، وفي بعير تردى في بئر من حيث قدرت عليه فذكه. رواه البخاري تعليقا. قال: ورأى ذلك علي وابن عمر وعائشة .
الحال الثانية: أن يكون مقدوراً عليه بحيث يكون حاضرا أو يمكن إحضاره بين يدي المذكي، فيشترط أن يكون الإنهار في موضع معين وهو الرقبة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الذكاة في الحلق واللبة.
وقال عطاء: لا ذبح ولا نحر إلا في المذبح والمنحر، ذكره البخاري عنهما تعليقا.
وتمام ذلك بقطع أربعة أشياء وهي:
1ـ الحلقوم، وهو مجرى النفس، وفي قطعه حبس النفس الذي لا بقاء للحيوان مع انحباسه.
2ـ المريء، وهو مجرى الطعام والشراب، وفي قطعه منع وصول الغذاء إلى الحيوان من طريقه المعتاد.
3، 4 ـ الودجان، وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء، وفي قطعهما تفريغ الدم الذي به بقاء الحيوان حيا وتنقية الحيوان من انحباس الدم الضار فيه بعد الموت.
فمتى قطعت هذه الأشياء الأربعة؛ حلت المذكاة بإجماع أهل العلم، ثم اختلفوا:
فقال بعضهم: لابد من قطع الأربعة كلها، ونقله النووي عن الليث وداود وقال: اختاره ابن المنذر.
قلت: هو رواية عن أحمد نقلها في (المغني) و (الإنصاف) وقال: اختاره أبو بكر وابن البناء، وجزم به في الروضة، واختاره أبو محمد الجوزي، قال في (الكافي) : الأولى قطع الجميع.
القول الثاني: لابد من قطع ثلاثة معينة وهي إما (الحلقوم والودجان) كما هو مذهب مالك، ونقله في الإنصاف عن الإيضاح ، وإما (المريء والودجان) نقله في (الإنصاف) عن كتاب الإشارة.
القول الثالث: لابد من قطع ثلاثة: اثنان منهما على التعيين وواحد غير معين، وهي الحلقوم والمريء وأحد الودجين وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد، وأحد القولين في مذهب أبي حنيفة.
القول الرابع: لابد من قطع ثلاثة بدون تعيين وهي: إما (الحلقوم والودجان) ، وإما (المريء والودجان) ، وإما (الحلقوم والمريء وأحد الودجين) وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة، وأحد الوجهين في مذهب أحمد، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: إن قطع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم وأبلغ في إنهار الدم.
القول الخامس: لابد من قطع اثنين على التعيين وهما: إما (الحلقوم والمريء) وهو المشهور من مذهب أحمد والشافعي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وعلى هذا فقطع أحد الودجين والحلقوم أولى بالإباحة من قطع الحلقوم والمريء. وإما (الودجان) فقط وهو إحدى الروايات عن أحمد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، ونقل عن مالك، والمشهور عنه ما سبق، وذكره في (الإنصاف) عن (الرعاية) و(الكافي) .
قلت: عبارة (الكافي) : وإن قطع الأوداج وحدها فينبغي أن تحل استدلالا بالحديث والمعنى. ا.هـ.
ويعني بالحديث ما رواه أبو داود في النهي عن شريطة الشيطان، وسنذكره إن شاء الله، ويعني بالمعنى ما قطع في الأوداج من إنهار الدم المنصوص على اعتباره.
فهذه أراء العلماء فيما يشترط قطعه في محل الذكاة، ثم اختلفوا أيضا فيما يشترط قطعه من ذلك، هل يشترط فيه تمام القطع بحيث ينفصل المقطوع بعضه عن بعض أولا يشترط؟ على قولين:
أحدهما: لا يشترط، فلو قطع بعض ما يجب قطعه؛ حلت الذبيحة وإن لم ينفصل بعض المقطوع عن بعض، وهو المشهور من مذهب أحمد، وظاهر مذهب أبي حنيفة، وهو الصواب إذا حصل إنهار الدم بذلك لحصول المقصود.
الثاني: يشترط، فيجب أن تستوعب القطع ما يجب قطعه بحيث ينفصل بعض المقطوع عن بعض، وهو قول مالك والشافعي وبعض أصحاب أحمد.
واختلفوا أيضا هل يشترط أن يكون القطع من ناحية الحلق أو لا يشترط؟ على قولين:
أحدهما: لا يشترط، فلو ذكاها من قفا الرقبة حلت إن وصل إلى محل الذكاة قبل أن تموت، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وهو الصواب لحصول الذكاة بذلك.
الثاني: يشترط فلو ذبحها من قفا الرقبة لم تحل، وهو مذهب مالك.
وسبب اختلاف العلماء فيما يشترط قطعه في الذكاة وفي كيفيته أنه ليس في النصوص الواردة ذكر ما يقطع، وإنما فيها اعتبار إنهار الدم، وفيها أيضا تعيين الأوداج بالقطع فيما رواه أبو داود عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شريطة الشيطان، وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج، ثم تترك حتى تموت ، وفيما رواه ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الذبح بالليطة ، فقال: "كل ما أفرى الأوداج إلا سناً أو ظفراً" ، وفيما أخرجه الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل ما أفرى الأوداج ما لم يكن قرض سن أو حز ظفر" ، وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة لا تقوم بها الحجة بمفردها إلا أنها تعضد بمعنى ما ثبت في الصحيحين من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفر" ، فعلق الحكم على إنهار الدم، ومن المعلوم أن أبلغ ما يكون به الإنهار قطع الودجين.
وعلى هذا فيشترط لحل الذبيحة بالذكاة قطع الودجين، فلو ذبحها ولم يقطعهما لم تحل، ولو قطعهما حلت وإن لم يقطع الحلقوم أو المريء.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما أفرى الأوداج غير مترد، ذكره عنه في (المحلى) قال: وعن النخعي والشعبي وجابر بن زيد ويحيى بن يعمر كذلك ، وقال عطاء: الذبح قطع الأوداج ، وقال سفيان الثوري: إن قطع الودجين فقط؛ حل أكله.
وليس في اشتراط قطع الحلقوم والمريء نص يجب المصير إليه، قال ابن رشد في(بداية المجتهد) : وأما من اشترط قطع الحلقوم والمريء فليس له حجة من السماع، وأكثر من ذلك من اشتراط المريء والحلقوم دون الودجين. ا.هـ.
والرقبة كلها محل للذكاة، فلو ذكى من أعلى الرقبة أو أسفلها أو وسطها حلت الذبيحة، لكن الأفضل نحر الإبل وذبح ما سواها.
والنحر: يكون في أسفل الرقبة مما يلى الصدر في الوهدة التي بين الصدر وأصل العنق.
والذبح: يكون فيما فوق ذلك إلى اللحيين، فلو ذبحها من فوق الجوزة وهي العقدة الناتئة في أعلى الحلقوم، وصارت العقدة تبع الرقبة؛ حلت الذبيحة على القول الصحيح؛ لأن ذلك من الرقبة وهي محل الذكاة.
وإن قطع الرأس مرة واحدة؛ حلت لحصول الذكاة بذلك، وقد روى ابن حزم من طريق ابن أبي شيبة عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن رجل ضرب عنق بعير بالسيف، وذكر اسم الله فقطعه، فقال علي رضي الله عنه: ذكاة وحية أي سريعة، وقال ابن عمر وابن عباس وانس رضي الله عنهم: إذا قطع الرأس فلا بأس، ذكره البخاري تعليقا.
وإن شرع يذبحها فرأى في السكين خللا فألقاها وأخذ غيرها ثم أتم الذكاة قبل موت الذبيحة حلت، وكذلك لو رفع يده بعد أن شرع في ذبحها ليستمكن منها ثم أتم الذكاة قبل موتها حلت؛ لحصول المقصود بذلك، وليست بأقل حالا مما أكل السبع فأدركناه حيا وذكيناه فإنه حلال بنص القرآن.
وإذا حصلت الذكاة لما أصابها سبب الموت؛ حلت إذا أدركها وفيها حياة، لقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة: 3] ، فالمنخنقة المنحبس نفسها، والموقوذة المضروبة بعصا ونحوها حتى تدهور حياتها، والمتردية الهاوية من جبل أو في بئر ونحوه، والنطيحة التي نطحتها أختها حتى أردتها، وما أكل السبع ما أكلها ذئب ونحوه، فكل هذه الخمس إذا ذكيت قبل أن تموت؛ فهي حلال، ويعرف عدم موتها بأحد أمرين:
الأول: الحركة، فمتى تحركت بعد ذكاتها بحركة قليلة أو كثيرة بيد أو رجل أو عين أو أذن أو ذنب حلت.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} إن مصعت بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها فكل، وقال نحوه غير واحد من السلف، ولأن الحركة دليل بين على بقاء الروح فيها إذ الميت لا يتحرك.
الأمر الثاني: جريان الدم بقوة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل" . فمتى ذكيت فجرى منها الدم الأحمر الذي يخرج من المذكى المذبوح عادة حلت وإن لم تتحرك، قاله شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: والناس يفرقون بين دم ما كان حياً ودم ما كان ميتاً، فإن الميت يجمد دمه ويسود. قلت: ولذلك يكون باردا بطيئا.
وإذا شك في وجود ما يعرف به عدم الموت بأن شك في حركتها أو في حمرة الدم وجريانه كما يجري دم المذبوح عادة ـ لم تحل الذبيحة؛ لقوله تعالى: " إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ" وما شككنا في بقاء حياته ـ لم تتحقق ذكاته.
فإن قيل: الأصل بقاء الحياة فلنحكم به فتحل الذبيحة إلا أن نتيقن الموت.
الجواب: الأصل بقاء الحياة لكن عارضه ظاهر أقوى منه وهو السبب المفضي إلى الموت، فأنيط الحكم به ما لم نتحقق بقاء حياته.
تنبيه: المنفصل من أكيلة السبع ونحوها قبل ذكاتها ليس بحلال؛ لأنه بائن من حي، وما بان من حي فهو كميته، فإن انفصل شيء من المذكاة قبل موتها فهو حلال، لكن الواجب الانتظار في قطعه حتى تموت.
الشرط التاسع: أن يكون المذكي مأذونا في ذكاته شرعاً، فإن كان غير مأذون فيها شرعاً ـ فهو على قسمين:
القسم الأول: أن يكون ممنوعاً منه لحق الله تعالى كالصيد في الحرم، أو حال الإحرام بحج أو عمرة، فمتى صاد صيدا فذبحه وهو محرم، أو ذبح صيداً داخل حدود الحرم؛ فهو حرام؛ لقوله تعالى:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[المائدة: 1]، وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[المائدة: 95] ، وقوله سبحانه:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً}[المائدة: 96]، قال في المغني: ولا خلاف في تحريم الصيد على المحرم إذا صاده أو ذبحه. ثم قال بعد فصول: وإذا ذبحه صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس، وهذا قول الحسن، والقاسم، والشافعي، وإسحاق، والأوزاعي، وأصحاب الرأي، قال: كذلك الحكم في صيد الحرم إذا ذبحه الحلال. ا.هـ.
القسم الثاني: أن يكون ممنوعاً منه لحق الآدمي، وهو ما ليس ملكا له، ولا يملك ذبحه بوكالة أو نحوها؛ كالمغصوب يذبحه الغاصب، والمسروق يذبحه السارق ونحو ذلك، ففي حله قولان لأهل العلم:
أحدهما: لا يحل، وهو قول إسحاق، وأهل الظاهر، وإحدى الروايتين عن أحمد، اختارها أبو بكر من أصحابنا، وإليه ميل البخاري، قال في(صحيحه) : باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنما أو إبلا بغير أمر أصحابها لم تؤكل؛ لحديث رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديث رافع بسنده وفيه: وتقدم سرعان الناس فأصابوا من الغنائم والنبي صلى الله عليه وسلم في آخر الناس فنصبوا قدورا، فأمر بها فأكفئت فقسم بينهم وعدل بعيراً بعشرة شياه .
وروى أبو داود من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس حاجة شديد وجهد، فأصابوا غنما فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: " إن النهبة ليست بأحل من الميتة، أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة". قال أبو داود: الشك من هناد ـ يعني أحد رواته.
القول الثاني: أنه يحل، وهو المشهور من مذهب أحمد وقول جمهور العلماء لما روى أحمد وأبو داود من حديث جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما رجع استقبله داعي امرأة ـ وفي لفظ لأحمد داعي امرأة من قريش ـ فقال يا رسول الله، إن فلانة تدعوك ومن معك إلى طعام فانصرف، فانصرفنا معه فجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم أيديهم، فنظر آباؤنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال: " أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها " ، فأرسلت المرأة ـ وفي رواية: قامت ـ فقالت: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع من يشتري لي شاة فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها، فلم أجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أطعميه الأسارى " .
هذا ما استدل به الجمهور، ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإطعامه الأسارى، ولو كان حراما ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطعامهم إياه.
وأجابوا عن دليلي القائلين بعدم الحل بأن إكفاء القدور على سبيل التعزير والمبالغة في الزجر، وهو جواب قوي لكن يعكر عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن النهبة ليست بأحل من الميتة " إلا أن يقال: المراد بيان حكم أصل النهبة، وأن من انتهب شيئا بغير حق ـ كان حراما عليه كالميتة وإن لم يكن من شرطه الذكاة، وأنه ليس المراد أن ذبح المنهوب لا يحله فيكون ميتة، والله أعلم.
وأما حديث جابر الذي استدل به الجمهور على الحل؛ فليس بظاهر الدلالة إذ ليس أخذ المرأة للشاة عدواناً محضاً، فإنما أخذتها مضمونة بالثمن من امرأة المالك، وقد جرت العادة بالسماح في مثل ذلك غالبا لاسيما وهي مقدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهو من المشتبه الذي ينبغي التنزه عنه عند عدم الحاجة إليه ولذا تنزه عنه النبي صلى الله عليه وسلم لعدم حاجته إليه، وأمر بإطعامه الأسارى لحاجتهم إليه غالبا.
وإذا تبين ألا دلالة للجمهور فيما استدلوا به ولا لمخالفيهم؛ وجب الرجوع إلى القواعد الشرعية العامة.
فنقول: المغصوب ونحوه مما أخذ بغير رضا صاحبه حرام على الغاصب ونحوه، وعلى كل من علم به، سواء أكان مما يشترط بحله في الأصل الذكاة أم لا، حتى لو غصب لحماً كان حراماً عليه وعلى من علم به وأما ذكاة الغاصب ونحوه؛ فهي ذكاة من مسلم أهل ذكر اسم الله عليها بما ينهر الدم، فكانت مبيحة للمذكى كغير الغاصب، والله أعلم بالصواب. ([3]) باب ما جاء في آداب الذكاة ومكروهاتها
قال الإمام : للزكاة شروط تجب مراعاتها، ولا تحل المذكاة بدونها، وتقدم الكلام عليها في الفصل السابق، ولها آداب ينبغي مراعاتها وتحل المذكاة بدونها، فمن آدابها:
1ـ استقبال القبلة بالذبيحة عند الذبح؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بكبشين فقال حين وجههما ... (الحديث) . رواه أبو داود وابن ماجه ، وفي إسناد مقال.
2ـ الإحسان إلى الذبيحة بعمل كل ما يريحها عند الذكاة، بأن تكون الذكاة بآلة حادة، وأن يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم؛ فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم؛ فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم .
قال الشيخ تقي الدين شيخ الإسلام ابن تيمية: في هذا الحديث أن الإحسان واجب على كل حال حتى في حال إزهاق النفوس ناطقها وبهيمها، فعليه أن يحسن القتلة للآدميين والذبحة للبهائم. وذكر في(الإنصاف) استحباب الرفق بالذبيحة، والحمل على الآلة بقوة وإسراعه بالشحط، قال: وفي كلام الشيخ تقي الدين إيماء إلى وجوب ذلك.
3ـ أن ينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى؛ لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ}[الحج: 36]
قال ابن عباس رضي الله عنهما: قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها. رواه أبو داود ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها فقال: ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم. متفق عليه .
فإن لم يتيسر له نحرها قائمة؛ جاز له نحرها باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة لحصول المقصود بذلك.
4ـ أن يذبح غير الإبل مضجعة على جنبها، ويضع رجله على صفحة عنقها ليتمكن منها؛ لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين ـ وفي رواية: أقرنين ـ فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر فذبحهما بيده. رواه البخاري .
ويكون الإضجاع على الجنب الأيسر، لأنه أسهل للذبح، فإن كان الذابح أعسر وهو الأشدف الذي يعمل بيده اليسرى عمل اليد اليمني، وكان اليسر له أن يضجعها على الجنب الأيمن، فلا بأس أن يضجعها عليه؛ لأن المهم راحة الذبيحة.
وينبغي أن يمسك برأسها ويرفعه قليلاً ليبين محل الذبح، وأما الإمساك بيدي الذبيحة ورجليها عند ذبحها لئلا تتحرك، فظاهر حديث أنس السابق أنه لا يستحب؛ لأنه لم يذكر أن أحداً امسك بها عندما ذبحها النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان مشروعاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقل عنه لأهميته كما نقل عنه وضع قدمه على صفاحهما، بل صرح النووي في شرح المهذب أنه يستحب أن لا يمسكها بعد الذبح مانعاً لها من الاضطراب، إلا أنه ذكر استحباب شد قوائهما الثلاث وترك الرجل اليميني ولم يذكر له دليلاً، وابدي بعض المعاصرين حكمة في إرسال قوائمها وعدم إمساكها بأن من فوائد إطلاقها وعدم إمساكها أن حركتها تزيد في إنهار الدم وإفراغه من الجسم، ولا أعلم للإمساك بيدي الذبيحة ورجليها عند ذبحها أصلاً سوى ما سبق من حديث أبي الأشد عن أبيه عن جده في السبعة الذين اشتركوا في أضحية وتقدم ما فيه، وأما لي يد الذبيحة من وراء عنقها كما يفعله بعض العامة فلا أصل له، ولا ينبغي فعله؛ لأنه تعذيب للبهيمة بلا فائدة ولا حاجة.
5- استكمال قطع الحلقوم والمريء والودجين، وسبق الكلام على ما يشترط قطعه من هذه الأربعة، ولا يتجاوز قطع هذه الأربعة.
6- عرض الماء عليها عند الذبح، ذكره بعض الشافعية ولم يذكروا دليله، ولا أعلم له أصلاً، لكن لو علم منها طلب الماء مثل أن تري الماء فتحاول الذهاب إليه فلا ينبغي منعها منه حينئذ.
7- أن يواري عنها السكين، يعني يسترها عنها بحيث لا تراها إلا ساعة ذبحها، قال الإمام أحمد رحمه الله: تقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً، وتوارى السكين عنها، ولا يظهر السكين إلا عند الذبح، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أن توارى الشفار. اهـ. الشفار جمع شفرة وهي السكين. وفي مسند الإمام أحمد عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلاً قال: يا رسول الله؛ إني لأذبح الشاة وأنا ارحمها أو قال: إني لأرحم الشاة أن أذبحها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والشاة إن رحمتها رحمك الله" .
وفي الصحيحين عن أسامة ابن زيد رضي الله عنه في قصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما يرحم الله من عباده الرحماء" .
وفي صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " من لا يرحم لا يرحم " .
8ـ زيادة التكبير بعد التسمية فيقول: بسم الله والله أكبر؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين يسمي ويكبر. متفق عليه ، وعموم كلام الأصحاب أن زيادة التكبير سنة في ذبيحة القربان وذبيحة اللحم. ولا تسن الزيادة في الذكر على التسمية والتكبير لعدم وروده، ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هنا؛ لأنه غير لائق بالمقام، وذكر في (شرح المهذب) عن القاضي عياض أنه نقل عن مالك وسائر العلماء كراهة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: ولا يذكر عند الذبح إلا الله وحده.
9ـ أن يسمي عند ذبح الأضحية أو العقيقة من هي له؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه فقال: " بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي " . رواه أحمد وأبو داود والترمذي . وعن أبي رافع في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين قال: فإذا صلى وخطب أتى بأحدهما فذبحه بنفسه ثم يقول: " اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ " الحديث؛ رواه أحمد . قال الهيثمي: إسناده حسن. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن وقال: " هذا عني وعمن لم يضح من أمتي " . رواه أحمد .
وإذا ذبحها ونوى من هي له بدون تسمية أجزأت النية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " .
والتسمية المشروعة هي ما ذكرناه من تسمية من هي له حال الذبح، وأما ما يفعله بعض العامة من مسح ظهر الأضحية مرددين اسم من هي له، فلا أعلم له أصلا، ولا ينبغي فعله؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد علمت كيفية تسميته.
10ـ أن يدعو عند ذبح الأضحية بالقبول؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به فقال لها: " يا عائشة، هلمي المدية "، ثم قال: " اشحذيها بحجر "، ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: " بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد " رواه أحمد ومسلم . وقولها: ثم ذبحه ثم قال: بسم الله متأول بمعنى: ثم شرع في ذبحه أو هيأه للذبح أو بأنه على التقديم والتأخير، والله أعلم.
مكروهات الذكاة
1ـ أن يذكيها بآلة كالة؛ لمخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحداد الشفرة ولما فيه من تعذيب الحيوان، وقيل: يحرم ذلك.
2ـ أن يحد السكين والبهيمة تنظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار، وأن توارى عن البهائم. رواه أحمد وابن ماجه ، ورأى رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد أردت أن تميتها موتان، هلا حددتها قبل أن تضجعها " . رواه الحاكم والطبراني. ولأن حد الشفرة وهي تنظر يوجب إزعاجها وذعرها، وهو ينافي الرحمة المطلوبة.
3ـ أن يذكيها والأخرى تنظر إليها، هكذا قال أهل العلم، وذلك؛ لأنها تنزعج إذا رأت أختها تذكى بنحر أو ذبح، فإنها تشعر بذلك كما هو مشاهد، فإنك ترى القطيع أو الذود ينفر إذا نفرت منه واحدة وإن لم ير السبب الذي نفرت منه.
4ـ أن لا يفعل ما يؤلمها قبل زهوق نفسها، مثل أن يكسر عنقها، أو يبدأ بسلخها، أو يقطع شيئا من أعضائها قبل أن تموت، وقيل: يحرم ذلك، وهو الصحيح لما فيه من الألم الشديد عليها بدون فائدة أو حاجة، وعلى هذا فلو شرع في سلخها ثم تحركت وجب عليه أن يمسك حتى يتيقن موتها.
5ـ أن يوجهها إلى غير القبلة عند الذبح، ذكره الأصحاب ولم يذكروا دليلا يوجب الكراهة، والأصل عدمها، وترك المستحب لا يلزم منه الكراهة؛ لأن الكراهة حكم وجودي يحتاج إلى دليل وإلا لقلنا: إن كل من ترك شيئا من المستحبات لزم أن يكون فاعلا مكروها، ولا شك أن الأولى توجيه الذبيحة إلى القبلة لاسيما الذبح الذي يتقرب به إلى الله كالأضحية. ([4]) ومما جاء عنه من الفتاوى في هذا الباب
1 ـ سئل - رحمه الله-: هل يشترط أن يذكر عند ذبح الأضحية أنها عن فلان؟
فأجاب بقوله: (( إن ذكر أنها عن فلان فهو أفضل، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عن محمد وآل محمد" ، وإن لم يذكره كفت النية، ولكن الأفضل الذكر، ثم إن تسمية المضحى عنه تكون عند الذبح يقول: بسم الله، الله أكبر، اللهم هذا منك عن محمدٍ أو عن فلان وفلان ويسميه، وأما ما يفعله بعض العامة إذا كان ليلة العيد ذهب إلى المواشي ليسمي من هي له، وجعل يمسحها من مقدم الرأس إلى الذيل، ويكرر التسمية، فهذا، بدعة لا أصل لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.)) ([5]) 2 ـ سئل : يشكل علي يا فضيلة الشيخ النطق بالنية إذا قال الحاج: لبيك عمرةً مثلا، أو قول المضحي: هذه عن فلان أي: تسمية صاحب الأضحية عند الذبح، فأرجو رفع الإشكال؟
فأجاب : (( لا إشكال في ذلك؛ لأن قول المضحي: هذه عني وعن أهل بيتي إخبار عما في قلبه، فهو لم يقل: اللهم إني أريد أن أضحي كما يقوله من ينطق بالنية، بل أظهر ما في قلبه فقط وإلا فإن النية سابقة من حين أن أتى بالأضحية وأضجعها وذبحها فقد نوى، وكذلك يقال في النسك: لبيك حجاً لبيك عمرة، ليس هذا من باب ابتداء النية؛ لأن الناس قد نووا من قبل، ولهذا لا يشرع أن تقول: اللهم إني أريد العمرة اللهم إني أريد الحج، لا، انو بقلبك ولبِّ بلسانك، وأما التكلم بالنية في غير الحج والعمرة والأضحية فهذا أمر من المعلوم أنه ليس بالمشروع، فلا يسن للإنسان إذا أراد أن يتوضأ أن يقول: اللهم إني أريد أن أتوضأ، أو اللهم إني نويت أن أتوضأ، أو بالصلاة اللهم إني أريد أن أصلي، اللهم إني نويت أن أصلي، كل هذا غير مشروع، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.)) ([6]) 3 ـ فضيلة الشيخ رجل ذبح أضحيته ونسي التسمية، فماذا يترتب على هذا؟ وهل يفرق بين ما إذا كان الشخص متبرعاً بالذبح أم صاحبها؟
فأجاب : (( إذا نسي التسمية فليس عليه إثم لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ولكن هل يحل لنا أن نأكل من هذه الذبيحة؟ ننظر، قال الله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:121] فأمامنا الآن فعلان: فعل الذابح وفعل الآكل، أما الذابح فمعفو عنه لماذا؟ لأنه ناسٍ، وقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] وأما الآكل فنقول: لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، ولأن التسمية على الذبيحة شرط والشرط لا يسقط بالسهو والجهل، نظير ذلك: لو أن الإنسان صلى بغير وضوء ناسياً هل يأثم؟ لا يأثم لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] لكن هل تبرأ ذمته؟ لا ، لا بد أن يتوضأ ويصلي.
ونحن إذا قلنا بهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو ظاهر النصوص -إذا قلنا به- فإن الناس لن ينسوا التسمية على الذبيحة أبداً، الإنسان يكون متذكراً، ولهذا لما أورد بعض الناس قال: إذا قلتم بأن من ذبح ناسياً التسمية فالذبيحة حرام ويجب جرها للكلاب، أتلفتم أموال الناس؛ لأن النسيان كثير ماذا نقول؟ نقول: بالعكس نحن حفظنا أموال الناس؛ لأننا إذا قلنا لهذا الرجل الذي نسي التسمية: الذبيحة حرام ولا يجوز أن نأكل منها فإنه لا يمكن أن ينسى في المستقبل، بل يجعل على باله التسمية ولا يمكن أن ينسى.
ولا فرق بين المتبرع وغير المتبرع، الذبيحة الآن لا تحل، لكن يبقى: هل يضمن الذابح لصاحب البهيمة؛ لأنه هو الذي كان سبباً في تحريمها أو لا يضمن؟ قد يقال: إنه إذا كان محسناً فلا ضمان عليه لقول الله تبارك وتعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة:91] ولأن النسيان يقع كثيراً، وقد نقول بالضمان ولو كان محسناً؛ لأنه أتلف المال على صاحبه، وإتلاف المال على صاحبه مضمون.
على كل حال: حتى لو كان الإنسان ناسياً فإنه يضمن، لو أن إنساناً نسي وأكل طعام أخيه يضمنه أو لا يضمنه؟ يضمنه، لكن الأول أصح، والأرجح أن المتبرع المحسن إذا نسي التسمية فلا ضمان عليه لكن الذبيحة لا تحل.)) ([7]) 4 ـ سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: هل يشترط أن يذبح الإنسان أضحيته بنفسه أو يحضر عند ذبح الوكيل للأضحية؟
فأجاب بقوله: (( الأفضل للإنسان أن يتولى ذبح الهدي بنفسه حتى يكون مطمئنًا عليه، ومستحضرًا؛ لأنه في عبادة يتقرب بها إلى الله )) ([8]) 5 ـ سئل : هل يجوز أن تقوم المرأة بذبح الأضحية؟
فأجاب بقوله: (( نعم المرأة يجوز أن تذبح الأضحية وغيرها؛ لأن الأصل تشارك الرجال والنساء في العبادات وغيرها، إلا بدليل، على أنه قد ثبت في قصة الجارية التي كانت ترع غنمًا بسلع فأصاب الذئب منها شاة، فأخذت حجرًا فذبحتها، وذلك في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم – فأمرهم النبي بأكلها )) ([9]) 6 ـ سئل : فضيلة الشيخ ذكرت شروط الذبح وسننه، ولم تذكر استقبال القبلة في الذبح، فما حكمه؟
فأجاب : (( استقبال القبلة للذبح ليس بواجب، والذبيحة تذبح وإن لم يكن الإنسان مستقبل القبلة، لكن العلماء رحمهم الله قالوا: الأفضل أن يستقبل بها القبلة؛ لأنها عبادة، ولكنهم لم يقولوا أنها شرط، فلو أن الإنسان ذبحها على اتجاه غير القبلة فهي حلال وليست مكروهة، وليس بها بأس خلافاً للعامة، بعض العامة يقولون: لا بد أن تستقبل القبلة، وهذا غير صحيح.)) ([10]) 7 ـ سئل : فضيلة الشيخ ، هل ذبيحة الذي لا يصلي تؤكل؟
فأجاب رحمه الله :(( ذبيحة من لا يصلي لا تؤكل؛ لأنه كافر، ولا يؤكل من ذبائح الكفار إلا اليهود والنصارى، فإن ذبائحهم حلال؛ لقول الله تبارك وتعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}[المائدة:5] )) ([11]) 8 ـ سئل - رحمه الله-: وهل ما يفعله الناس من المسح على ظهر الأضحية عند تسميتها له أصل من السنة أو من كلام أهل العلم؟
فأجاب بقوله :((.. أما ما يفعله الناس من المسح على الظهر فلا أعلم له أصلاً في السنة، ولا في كلام أهل العلم.)) ([12]) 9 ـ وسئل : هل يصح مسح ظهر الأضحية قبل ذبحها؟
فأجاب بقوله: (( رأينا أن مسح الظهر عند ذبح الأضحية من أجل تعيينها لا أصل له، وليس بمشروع، ومن فعله تقربًا إلى الله فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه.)) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 58 ـ 59)
10 ـ وقال ـ رحمه الله ـ : (( وأما ما يفعله بعض العامة إذا كان ليلة العيد ذهب إلى المواشي ليسمي من هي له، وجعل يمسحها من مقدم الرأس إلى الذيل، ويكرر التسمية، فهذا، بدعة لا أصل لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.)) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 59 ـ 60)
يتبع إن شاء الله ...
([1]) (الشرح الممتع)(15/ 53)
([2]) قال الإمام صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ في (الأطعمة وأحكام الصيد والذبائح)(102 ـ 103)
(( والحكمة في إباحة ذبائح أهل الكتاب: "أنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه تعالى وتقدس... فهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم وهم متعبدون بذلك ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ومن شابههم لأنهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة بل يأكلون الميتة بخلاف أهل الكتابين" ، لأنهم ينتسبون إلى الأنبياء والكتب، وقد اتفق الرسل كلهم على تحريم الذبح لغير الله لأنه شرك فاليهود والنصارى يتدينون بتحريم الذبح لغير الله فلذلك أبيحت ذبائح الكتابين دون غيرهم ، هذا ما ذكره بعض العلماء في الحكمة في إباحة ذبائح الكتابين فإن صح فذاك.
وإلا فالله قد أباح ذبائحهم دون غيرهم وعلينا الاستسلام لحكمه سبحانه عرفنا الحكمة أم لم نعرفها والله أعلم. ))
([3]) (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 259 ـ 279)
([4]) (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 283 ـ 288)
([5]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 59 ـ 60)
([6]) (اللقاء الشهري)(34/ 29)
([7]) (اللقاء الشهري)(43/ 20)
([8]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 60)
([9]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 81)
([10]) (اللقاء الشهري)(43/ 36)
([11]) (لقاء الباب المفتوح)(91/ 9)
([12]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 56)