مشاركة هذا الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي
-
حكم من خالف أهل بلده فصام قبلهم أو بعدهم
حكم من خالف أهل بلده فصام قبلهم أو بعدهم، أو أفطر شوال قبلهم أو بعدهم، أو نحر قبلهم
من المعلوم اليوم؛ أن لكل حاكمٍ حصلت له الولاية على قطر؛ أن تكون ولايته على أهل بلده، وتَنْفُذ فيهم أوامره، وتجب عليهم طاعته في غير معصية الله تعالى، دون أهل البلد الآخر الذي عليه حاكم مستقل به.
إذا عُلِم هذا، فليس لأحدٍ من الرعية تابع لحكم هذا السلطان، أو ذاك؛ أن يخرج عن قول أميره ـ الذي جعل الله ورسوله طاعته واجبة في غير معصيته ـ.
قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ. [النساء: 59].
فنصيحتي للإخوة الذين يخالفون في صيامهم، وفطرهم، ونحرهم؛ إمامهم في أي بلد إسلامي يعيشون فيه، أن يتقوا الله تعالى ولا يخالفونه، ولا يختلفون عليه؛ إذا أعلن دخول شهر رمضان أو الفطر، مهما كان ذلك الحاكم على مخالفات في دين الله تعالى؛ ما لم يكن هناك كفرٌ ظاهر واضح كوضوح الشمس في رابعة النهار؛ يُخرجه من الملة.
وإن من يخالف إمامه في هذا، ويخالف جماعة المسلمين في بلده؛ فقد اتصف بصفة الخوارج، ألا وهي الخروج على الحاكم فيما يأمر ـ في غير معصية الله ـ، وقد أمرنا الله تعالى بطاعة ولي الأمر فقال جلّ وعلا:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً . [النساء: 59].
وأمر رسوله بطاعته فقال:
( تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع ). أخرجه مسلم (1847)، وغيره.
والخوارج من أبرز سماتهم؛ هي مخالفة الحاكم، وإثارة الفتنة عليه، بإيغاهم صدور العامة؛ حتى يضيقوا ذرعاً بالحاكم فيفضي ذلك إلى عدم السمع والطاعة له فيما يأمر وينهى ـ في غير معصية الله ـ، فتعم الفوضى أرجاء البلاد، بسبب هؤلاء الخوارج، الذين كان أول بذرتهم: "ذو الخويصرة زهير بن حرقوص التميمي"، الذي قال لسيد الأنام : إعدل يا محمد. وغيرها من الألفاظ السقيمة التي أخرجها في حق نبي الرحمة والهدى ـ التي جاءت بها الروايات ـ.
وثانيهم: ابن سبأ اليهودي الذي قدم من اليمن وأظهر الإسلام وأبطن النفاق، فأثار الفتنة في زمن ذو النورين ـ عثمان بن عفان رضي الله عنه ـ، حتى خرج الهمج الرعاع على الخليفة الراشد فقتلوه وهو في داره يتلو كلام ربه العلي المتعال.
ثم خرجوا في زمن الخليفة الراشد الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقاتلهم في النهروان، ثم تآمروا عليه فقتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي وهو خارج لصلاة الفجر.
فالله الله في أن تقدموا الإمام بشيء؛ فتخرجوا عن الهدي النبوي، وقد أخرج البخاري في "تاريخه الكبير" (4/271/2773):
عن شميم بن عبد الرحمن قال: كنت عند الحجاج في اليوم يُشَك فيه، فأرسل إلى عبد الله بن عكيم، فقال له: أكنت شهدت هذا الشهر مع النبي ؟ قال: لا. ولكن مع عمر بن الخطاب، قال: فكيف كان يقول؟ قال: "كان يقول صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ألا لا تقدموا الإمام"، فقال الحجاج: كلمة لم أفهمها؛ قال أصحابنا: قال: هذا والله السنة. قال عبد الله: إنه كان والله للمتقين إماماً. انتهى.
قلت: عبدالله؛ هو البخاري رحمه الله، وهو يعني ـ بقوله ـ عمر بن الخطاب .
فهذا عمر d ينهى من أن يتقدم أحدٌ على الأمير في الصوم أو الفطر، فهل يعي المسلمون هذا، ويتبعوا السنة لعلهم يفلحوا وينجحوا. والله الهادي إلى سواء السبيل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في "الفتاوى": (25/118):
"شرط كونه هلالاً وشهراً؛ شهرته بين الناس. واستهلال الناس به حتى لو رآه عشرة؛ ولم يشتهر ذلك عند عامة أهل البلد لكون شهادتهم مردودة أو لكونهم لم يشهدوا به؛ كان حكمهم حكم سائر المسلمين، فكما لا يقفون ولا ينحرون ولا يصلون العيد إلا مع المسلمين؛ فكذلك لا يصومون إلا مع المسلمين، وهذا معنى قوله: (صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، و أضحاكم يوم تضحون ). ولهذا قال أحمد في روايته:
يصوم مع الإمام وجماعة المسلمين في الصحو والغيم. قال أحمد: يد الله على الجماعة". انتهى.
وقال رحمه الله (25/204ـ205):
"فالمنفرد برؤية هلال شوال لا يفطر علانية باتفاق العلماء، إلا أن يكون له عذر يبيح الفطر، كمرض وسفر، وهل يفطر سراً؟
على قولين للعلماء:
أصحهما: لا يفطر سراً. وهو مذهب مالك، وأحمد في المشهور في مذهبهما.
وقد روي، أن رجلين في زمن عمر بن الخطاب d: رأيا هلال شوال، فأفطر أحدهما، ولم يفطر الآخر، فلما بلغ ذلك عمر، قال للذي أفطر: لولا صاحبك لأوجعتك ضرباً.
والسبب في ذلك؛ أن الفطر يوم يفطر الناس، وهو يوم العيد، والذي صامه المنفرد برؤية الهلال ليس هو يوم العيد الذي نهى النبي عن صومه، فانه نهى عن صوم يوم الفطر ويوم النحر، وقال: (أما أحدهما؛ فيوم فطركم من صومكم، وأما الآخر؛ فيوم تأكلون فيه من نسككم)، فالذي نهى عن صومه هو اليوم الذي يفطره المسلمون، وينسك فيه المسلمون". انتهى.
و ابن القيم رحمه الله تعالى في "تهذيب السنن" (3/214) في تعليقه على حديث: (وفطرُكم يوم تفطرون ...)، قال:
" وقيل: إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال، ولم يحكم القاضي بشهادته؛ أنه لا يكون هذا له صوماً، كما لم يكن للناس". انتهى.
قال الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (1/392ـ394):
" وقال أبو الحسن السندي في "حاشيته على ابن ماجه" ـ بعد أن ذكر حديث أبي هريرة عند الترمذي ـ: " والظاهر أن معناه: أن هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل، وليس لهم التفرد فيها إلى الإمام والجماعة، ويجب على الآحاد اتباعهم للإمام والجماعة، وعلى هذا، فإذا رأى احد الهلال، ورد الأمام شهادته؛ ينبغي أن لا يثبت في حقه شيء من هذه الأمور، ويجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك".
قلت : وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث ، ويؤيده احتجاج عائشة به على مسروق حين امتنع من صيام يوم عرفة خشية أن يكون يوم النحر, فبينت له أنه لا عبرة برأيه، و أن عليه إتباع الجماعة، فقالت:
" النحر يوم ينحر الناس ، والفطر يوم يفطر الناس" .
قلت: وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيد صفوفهم، وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية، فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد – ولو كان صواباً في وجهة نظره- في عبادة جماعية كالصوم والتعييد وصلاة الجماعة، ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعض؛ وفيهم من يرى أن مس المرأة، والعضو، وخروج الدم؛ من نواقض الوضوء، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يتم في السفر، ومنهم من يقصر، فلم يكن اختلافهم هذا وغيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد، والاعتداد بها، وذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين؛ شر من الاختلاف في بعض الآراء، ولقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الاعتداد بالرأى المخالف لرأي الإمام الأعظم في المجتمع الأكبر كمنى؛ الى حد ترك العمل برأيه إطلاقاً في ذلك المجتمع فراراً مما ينتج من الشر بسبب العمل برأيه.
فليتأمل في هذا الحديث، وفي الأثر المذكور، أولئك الذين لا يزالون يتفرقون, و أولئك الذين يدَّعون العلم، ممن يصوم ويفطر وحده متقدماً، أو متأخراً عن جماعة المسلمين، معتداً برأيه وعلمه، غير مبال بالخروج عنهم، فليتأمل هؤلاء جميعاً فيما ذكرناه من العلم، لعلهم يجدون شفاء لما في نفوسهم من جهل وغرور، فيكونوا صفاً واحداً مع إخوانهم المسلمين فإن يد الله على الجماعة". انتهى من "الصحيحة".
فعلى هذا؛ لا ينبغي للأفراد، ولا الجماعات أن يصوموا، أو يفطروا من رمضان؛ بإعلان رؤية بلد آخر للهلال؛ ما لم يعلنه ولي أمره ويستهل الشهر. والله ولي التوفيق.
الشيخ جمال الحارثي في كتابه كشف اللباس عن أحكام رؤية الهلال للناس
منــقـــــول.
قال أبو الدرداء -رضي الله عنه - : إني لآمركم بالأمر و ما أفعله ، ولكن لعلّ الله يأجرني فيه .
سير أعلام النبلاء4/19.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 14-May-2018, 03:28 PM
-
بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 17-Jan-2018, 09:18 AM
-
بواسطة أبو يوسف عبدالله الصبحي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 01-Dec-2012, 05:51 PM
-
بواسطة أبو مالك محمد المغربي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 02-May-2011, 03:50 PM
-
بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 08-Apr-2010, 11:22 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى