قالوا في "الوَحَـْم" - زعموا - : أن المرأة الحامل إذا نظرت الى شخص قبيح أو حيوان فإن الجـنين يأتي بتلك الصورة .وهذا مردود من أوجه :الأول : أن هذا قول وتقول على الله وعلى رسوله بغير علم . لأن مثل هذا يلزم دليل من الشرع ، وشرعنا لم يترك لنا شيئاً إلا بينه .ثانياً : أن فيه تشاؤم ؛ وهذا من الطيرة المنهي عنها .ثالثاً : يلزم من ذلك أن المرأة في حال حملها وخاصة في بدايته : أن تنظر وتتحرى النظر في الرجال الوسيمين وتتمعنهم وتركز فيهم كي يخرج ولدها نحو صورته .والنظر للأجانب والتمعن فيهم من المرأة حرام بنص القرآن ، بل مأمورة بغض البصر عنهم .رابعاً : فيه مخالفة صريحة للسنة المطهرة ، إذْ لا علاقة لهذا الشخص الذي نظرت إليه المرأة الحامل بعينه في شكل المولود .فقد صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنْ يَخْلُقَ النَّسَمَةَ ، فَجَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ ، طَارَ مَاؤُهُ فِي كُلِّ عِرْقٍ وَعَصَبٍ مِنْهَا . فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ ؛ أَحْضَرَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ عِرْقٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ . ثُمَّ قَرَأَ : {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} ) . "الصحيحة" (3330) .أما عن مسألة "الوَحَـْم" – بتحريك الواو ، والحاء تُحرك وتُسكّن - ؛ أي : الأحوال التي تعتري المرأة حال حملها وأنها تكره هذا الشيء وتحب هذا ، ويظهر على جلد ولدها الشيء الذي كانت تحبه ولم تحصل عليه أثناء حملها ، أو كرته فجاء ولدها نحوه او او .فلا أعلم في السنة نصاً صحيحاً صريحاً في ذلك ؛ ولا أثراً عن السلف ، ولا من علمائي الذين تذاكرتُ معهم هذه المسألة أتاني بدليل ونص في ذلك . وعندها ؛ أقول : لا أنفي ولا أثبت الأحوال والأطوار التي تعتري المرأة في "الوَحَـْم" ، حتى يأتي الدليل القاطع .وأعلا ما وجدت لأهل العلم ؛ كلام لشيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله ؛ إذْ يقول :"فإن قيل فما السبب في أن النساء الحبالى يشتقن في الشهر الثاني والثالث إلى تناول الأشياء الغريبة التي لا يعتد بها طباً قيل إن دم الطمث لما احتبس فيهن بحكمة قدرها الله وهي أن صرفه غذاء للولد ومقدار ما يحتاج إليه يسير فتدفعه الطبيعة الصحيحة إلى فم المعدة فيحدث لهن شهوة" . "التبيان في أقسام القرآن" (ص 358) . الفقي . قال أهل اللغة عن "الوحم" :"وَحْم": "قَالَ اللَّيْث : يُقَال للْمَرْأَة الحُبْلَى إِذا اشتهت شَيْئاً : قد وَحِمَتْ" . "تهذيب اللغة" (5/181) .وقال الجوهري : "وليس الوِحَامُ إلاّ في شهوة الحبل خاصَّةً" ."الصحاح تاج اللغة" (5/2049) .وقال الزبيدي : "الوَحَمُ ، محرَّكةً : شِدَّةُ شَهْوَةِ الحُبْلى لمَأْكَلٍ ، هَذَا هُوَ الأَصْل ، ثمَّ استُعْمِل لكل من أفْرَطَتْ شهوتُهُ فِي شَيْء . وقِيلَ : "الوَحَمُ": الشَّهْوَةُ ، فِي كُلِّ شَيْءٍ ؛ مُسْتَعارٌ مِنْ وَحَمِ الحُبْلَى. و"الوَحُمُ" ، أَيْضاً : شَهْوَةُ النِّكَاحِ ، وأَنْشَدَ ابْن الأَعْرَابِيّ :كَتَمَ الُحبُّ فَأَخْفَاهُ كَمَا ... تَكْتُمُ البِكْرُ مِنَ النَّاسِ الوَحَمْ". "تاج العروس" مادة (و ح م) .وفي الختام لنا قوله صلى الله عليه وسلم : (أَنْتُم أعلم بِأُمُور دنياكم) . فما يتعلقُ بأمورِ الدُّنيا فليسَ بيانُه من وظائفِ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ .كتبه /أبو فريحان جمال بن فريحان الحارثي13 / 1 / 1437هـ .


رد مع اقتباس