بسم الله الرحمن الرحيمفي مَعْنَى (رَهْوًا) في آيةِ سُورَةِ الدُّخَانالحمدُ للهِ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على رسولِ اللهِ، وبعدُ:• قالَ ربُّنا -تباركَ وتعالى- في سورةِ "الدُّخان":{فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلاً إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ (23) وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24)}.وفي تفسير الآيةِ الكريمة عمومًا، وفي تفسيرِ كلمة (رهْوًا) خصوصًا، أنقلُ ما جاءَ في ذلكَ من تفسير الإمامِ الطّبريّ -رحمَهُ اللهُ-: "جامع البيان"، مع شيءٍ من الاختصار ، والتّصرُّفِ في ترتيب تسلسلِ المعلوماتِ فقط، كي نفهمَ في البدايةِ معنى (رهْوًا)، ثم ننتقل منها إلى معنى الآيةِ الكريمة، من التّفسيرِ السّابقِ ومن تفسير ابن كثير -رحمهُ اللهُ-.• الأقوالُ في تفسيرِ كلمةٍ (رَهْوًا):جاء في "تفسير الطبريّ: "جامع البيان":"اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى (الرَّهْوِ):- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا}، يَقُولُ: (سَمْتًا).- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: (الرَّهْوُ): أَنْ يُتْرَكَ كَمَا كَانَ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَخْلُصُوا مِنْ وَرَائِهِ.- عن ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أنَّهُ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا}، قَالَ: (طَرِيقًا)- وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: (اتْرُكْهُ سَهْلًا).- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا}، قَالَ: يُقَالُ: {الرَّهْوُ}: (السَّهْلُ).- عنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا}، قَالَ: (سَهْلًا دَمِثًا).- وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ: (وَاتْرُكْهُ يَبَسًا جَدَدًا).- عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: " يَابِسًا كَهَيْئَتِهِ بَعْدَ أَنْ ضَرَبَهُ، يَقُولُ: لَا تَأْمُرْهُ يَرْجِعُ، اتْرُكْهُ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ.- عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {رَهْوًا}، قَالَ: (طَرِيقًا يَبَسًا).- عَنْ قَتَادَةَ، {وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا}: (كَمَا هُوَ طَرِيقًا يَابِسًا)".• أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ:"وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ -فِي ذَلِكَ- بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ:مَعْنَاهُ: اتْرُكْهُ عَلَى هَيْئَتِهِ؛ كَمَا هُوَ عَلَى الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا حِينَ سَلَكْتَهُوَذَلِكَ أَنَّ (الرَّهْوَ) فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: (السُّكُونُ)كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:كَأَنَّمَا أَهْلُ حُجْرٍ يَنْظُرُونَ مَتَى ... يَرَوْنَنِي خَارِجًا طَيْرٌ يَنَادِيدِطَيْرٌ رَأَتْ بَازِيًا نَضَحَ الدِّمَاءَ بِهِ ... وَأُمُّهُ خَرَجَتْ رَهْوًا إِلَى عِيدِيَعْنِي: (عَلَى سُكُونٍ).وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ؛ كَانَ لَا شَكَّ أَنَّهُ (مَتْرُوكٌ سَهْلًا دَمِثًا)، وَ(طَرِيقًا يَبَسًا)لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَطَعُوهُ حِينَ قَطَعُوهُ، وَهُوَ كَذَلِكَفَإِذَا تُرِكَ الْبَحْرُ (رَهْوًا) كَمَا كَانَ حِينَ قَطَعَهُ مُوسَى (سَاكِنًا) لَمْ يَهِجْ؛ كَانَ -لَا شَكَّ- أَنَّهُ بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفْتُ".• في تفسيرِ الآيةِ الكريمة: {وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ (24)}:"يَقُولُ: وَإِذَا قَطَعْتَ الْبَحْرَ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ، فَاتْرُكْهُ (سَاكِنًا) عَلَى حَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا حِينَ دَخَلْتَهُوَقِيلَ: إِنَّ اللَّهَ -تَعَالَى ذِكْرُهُ- قَالَ لِمُوسَى هَذَا الْقَوْلَ بَعْدَ مَا قَطَعَ الْبَحْرَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ؛ وَهُوَ: فَسَرَى مُوسَى بِعِبَادِي لَيْلًا، وَقَطَعَ بِهِمُ الْبَحْرَ، فَقُلْنَا لَهُ بَعْدَ مَا قَطَعَهُ، وَأَرَادَ رَدَّ الْبَحْرِ إِلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَبْلَ انْفِلَاقِهِ: (اتْرُكْهُ رَهْوًا).- عَنْ قَتَادَةَ: لَمَّا خَرَجَ آخِرُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَرَادَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ، حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ؛ مَخَافَةَ آلِ فِرْعَوْنَ أَنْ يُدْرِكُوهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: {اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ}.- وعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا قَطَعَ الْبَحْرَ، عَطَفَ لِيَضْرِبَ الْبَحْرَ بِعَصَاهُ لِيَلْتَئِمَ، وَخَافَ أَنْ يَتْبَعَهُ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ، فَقِيلَ لَهُ: {اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا}؛ كَمَا هُوَ {إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ}" اهـإلى هنا انتهى النّقل من "تفسير الطّبريّ"، (22/ 28-31)، ط1 (1420هـ)، تحقيق: أحمد شاكر، مؤسّسة الرّسالة.وفي تفسير ابن كثير: "تفسير القرآن العظيم":"{وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ}: وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا جَاوَزَ هُوَ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ، أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَضْرِبَهُ بِعَصَاهُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا كَانَ، لِيَصِيرَ حَائِلًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ فِرْعَوْنَ، فَلَا يَصِلُ إِلَيْهِمْ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ (سَاكِنًا)، وَبَشَّرَهُ بِأَنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَا يَخَافُ دَرَكًا وَلَا يَخْشَى" اهـ(7/ 252): ط2 (1420هـ)، تحقيق: سامي سلامة، دار طيبة للنّشر والتّوزيع.• وقفةٌ في المعَاجم:- "معجم مقاييس اللغة"، (2/ 446):"(رَهَوَ) الرَّاءُ وَالْهَاءُ وَالْحَرْفُ الْمُعْتَلُّ أَصْلَانِ، يَدُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى:- دَعَةٍ وَخَفْضٍ وَسُكُونٍ.- وَالْآخَرُ عَلَى مَكَانٍ قَدْ يَنْخَفِضُ وَيَرْتَفِعُ.فَالْأَوَّلُ (الرَّهْوُ): الْبَحْرُ السَّاكِنُ.وَيَقُولُونَ: عَيْشٌ رَاهٍ؛ أَيْ: سَاكِنٌ...." اهـ- "لسان العرب"، (14/ 340):(رَهَا): رَهَا الشَّيءُ رَهْوًا: سَكَنَ. وعَيْشٌ رَاهٍ خَصِيبٌ: سَاكنٌ رَافِهٌوخِمْسٌ رَاهٍ: إذَا كَان سَهْلاًوكلُّ سَاكِنٍ لَا يتحَرَّكُ: (رَاهٍ).." اهـسُبحانك لا علمَ لنا إلَّا ما علَّمتنا إنَّكَ أنتَ العليم الحكيم.- - -الأحد 10 ذو القعدة 1437هـ
مرسلة بواسطة حَسَّانَة بنت محمد ناصر الدين الألبانيّ


رد مع اقتباس