بسم الله الرحمن الرحيم :
*****************
تعليق :ـ وهنا ينبغي تحديد المفهوم الصحيح لمن يطلق عليه لفظ العالم ، وهذا من الأهمية بمكان ،إذ بسبب عدم الإدراك من الكثيرين تخلل صفوف العلماء من ليس منهم ،فوقعت الفوضى العلمية التي نتجرع الأن مرارتها ، فأصبح الكثير من الناس عامة وطلبة العلم خاصة يظن أن كل من ألف كتابا ، أو أخرج محطوطة ، أو خطب ، أو ألقىمحاضرة ،هو العالم .
إن من يستحق أن يطلق عليه إسم العالم في هذا الزمن هم قليل ، وأقل القليل ، بل قليل جدا ، وذلك لأن للعالم صفات ، قد لا ينطبق كثيرا منها على كثير من ينتسب إلى العلم اليوم ، وليس العالم من كان فصيحا بليغا في خطبه ومحاضراته ونحو ذلك ، وليس العالم من ألف كتابا ، أو حقق مؤلفا أو مخطوطة وأخرجها.
إن وزن العالم بهذه الأمور فحسب هو المترسب ـ وللأسف ـ في أذهان كثير من الشباب والعامة ، يقول الحافظ بن رجب ـ رحمه الله ـ في ذلك : "وقد ابتلينا بجهلة من الناس ، يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه عالم ،ممن تقدم ، فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كل من تقدم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله".
ويقول : "وقد فتن كثيرا من المتأخرين بهذا ، وظنوا أن من كثر كلامه ، وجداله ، وخصامه ، في مسائل الدين فهو أعلم ممن ليس كذلك ".
قلت (جمال بن فريحان الحارثي ):هذا في زمن ابن رجب ـ رحمه الله ـ ، فكيف لو اطلع على متعالمه زماننا الذين يملئون الأشرطة والكتب بكلامهم ، فيغتر الناس بهم لكثرة ما يصدرون من أشرطة كل أسبوع ، ويخرجون الكتب كل شهر ،فيظنونهم هم العلماء .
ويقول ابن رجب ـ رحمه الله ـ أيضا :"فيجب أن يعتقد أنه ليس كل من كثر بسطه للقول وكلامه في العلم كان أعلم ممن ليس كذلك " انتهى من كتاب بيان فضل علم السلف على علم الخلف"(ص 38. 40).
ومما ينبغي أن يميز به من يطلق عليه لفظ "عالم" في هذا الزمن كبر السن ، وأن يكون أخذ العلم من الكبار شرطا في تلقي العلم ، وفي هذا الزمن بخاصة ، لأن الكبير يكون أغزر علما ، وأكمل عقلا ، وأبعد عن غلبة الهوى وغير ذلك .
وفي ذلك يقول ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ "لا يزال الناس بخيلر ما أخذوا العلم عن أكابرهم ، وعن أمنائهم وعلمائهم ، فإذا أخذوا من صغارهم وشرارهم هلكوا".
وروى الخطيب البغدادي ـ رحمه الله ـ بسنده في كتابه :"نصيحة أهل الحديث "، عن ابن قتيبة ـ رحمه الله ـ أنه سئل عن معنى هذا الأثر فأجاب :"يريد: لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ ، ولم يكن علماؤهم الأحداث " . ويعلل هذا التفسير فيقول :"لأن الشيخ زالت عنه متعة الشباب ، وحدته ، وعجلته ، وسفهه ، وأستسحب التجربة والخبرة ، فلا يدخل عليه في علمه الشبهة ، ولا يغلب عليه الهوى ، ولا يميل به الطمع ، ولا يستزله الشيطان استزلال الحدث ، مع السن الجلالة والوقار والهيبة ، والحدث قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ ، فإذا دخلت عليه وأفتى هلك وأهلك "(ص7).
وقد عقد ابن عبد البر في كتابه :"جامع بيان العلم وفضله" بابا بعنوان :"من يستحق أن يسمى فقيها أو عالما حقيقة أو مجازا ، ومن يجوز له الفتيا عند العلماء ؟"فليراجعه طالب العلم والحق فإنه مهم ، والله أعلم .
*************************************
المصدر.التعليق الرقم على الهامش:(145)/ الصفحة (130. 131. 132) / الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة .
تـ :أبوهنيدة ياسين / ش الأمين السلفية .




رد مع اقتباس