ذكر شيخنا الألباني رحمه الله تعالى لهذا الحديث طرقاً وشواهد أوردها في " السلسلة الصحيحة " 750 وانتهى إلى صحة الحديث ؛ فقال رحمه الله تعالى :
(ورد من حديث عبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر وعبد الله بن عباس وعصمة بن مالك.
1 - أما حديث ابن عمرو، فله عنه طريقان:ع
الأولى: عن محمد بن هدية الصدفي عنه. أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد "
(451) ومن طريقه أحمد (2 / 175) وعنه ابن بطة في " الإبانة " (5 / 48 /2) والبخاري في " التاريخ الكبير "
(1 / 1 / 257 / 822) والفريابي في "صفة النفاق " (ص 53 - 54) : حدثنا عبد الرحمن بن شريح المعافري: حدثني
شراحيل بن يزيد عنه به. وقال بعضهم: شرحبيل بن يزيد، وشراحيل أصح كما قال البخاري وابن أبي حاتم (4 / 1 / 115) عن أبيه.
وأخرجه أحمد أيضاً والفريابي (ص 54) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن شريح به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير محمد بن هدية، فلم أر من وثقه.
الثانية: يرويه ابن لهيعة حدثنا دراج عن عبد الرحمن بن جبير عنه.
أخرجه أحمد وابن بطه.
وإسناده حسن في المتابعات، فإن دراجاً فيه ضعف، ومثله ابن لهيعة، لكن
الراوي عنه عند ابن بطه عبد الله بن وهب، وهو صحيح الحديث عنه، لأنه سمع منه
قديما، وكذلك عبد الله بن المبارك وعبد الله ابن يزيد المقري.
2 - وأما حديث عقبة، فيرويه عنه مشرح بن هاعان، وله عنه طريقان:
الأولى: عن ابن لهيعة حدثنا مشرح به.
أخرجه أحمد (4 / 151، 154 - 155) والفريابي وابن بطة وابن قتيبة في "
غريب الحديث " (1 / 105 / 1) وابن عدي في " الكامل (211 / 1) والخطيب في
" تاريخ بغداد " (1 / 56 / 6) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10 / 19 / 1)
من طرق عنه.
وهذا إسناد حسن، مشرح ثقة، وفيه كلام يسير من قبل حفظه، لا يضر، وابن لهيعة ثقة إذا روى عنه أحد العبادلة، وهذا قد رواه عنه العبادلة الثلاثة :
عبد الله بن يزيد عند أحمد، وابن المبارك عند الفريابي، وابن وهب عند ابن بطة، لاسيما وقد توبع، وهو فيما يأتي.
والأخرى: قال أحمد: حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا الوليد بن المغيرة حدثنا مشرح بن هاعان به.
وأخرجه الفريابي (53) من هذا الوجه.
قلت : وهذا إسناد جيد، الوليد بن المغيرة ثقة.
وأبو سلمة الخزاعي - واسمه منصور بن سلمة - ثقة ثبت كما في " التقريب ".
ومشرح عرفت حاله وصدقه.
3 - أما حديث ابن عباس، فيرويه حفص بن عمر العدني قال: حدثنا الحكم بن أبان
عن عكرمة عنه. أخرجه العقيلي في ترجمة العدني هذا وقال (99) :
" لا يتابع عليه من حديث ابن عباس، وقد روي هذا عن عبد الله بن عمرو عن النبي
صلى الله عليه وسلم بإسناد صالح ".
4 - وأما حديث عصمة بن مالك، فيرويه الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب
عنه. أخرجه ابن عدي في ترجمة الفضل هذا وقال في آخرها (324 / 1) :
" عامة حديثه مما لا يتابع عليه، إما سندا، وإما متنا ".
وقال أبو حاتم: " أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل ". ومن طريقه رواه
الطبراني كما في " فيض القدير " للمناوي وقال: " وهو ضعيف ".
قلت: وبالجملة فالحديث صحيح بالطرق التي قبل هذه. والله أعلم ) .
انتهى النقل من " السلسلة الصحيحة " .

ولنأت الآن إلى التعليقات الضرورية على بعض عبارات شيخنا رحمه الله تعالى وأعلا درجته في عليين :
قوله رحمه الله تعالى : ( وهذا إسناد رجاله ثقات غير محمد بن هدية، فلم أر من وثقه ) .
ومحمد بن هدية هو الصدفي : وثقه جماعة من المتساهلين في التوثيق وهم : ابن حبان والعجلي ويعقوب بن سفيان ؛ وتوثيق هؤلاء لا يعتمد عليه كما قال المعلمي ؛ ولهذا لم يعتمد الذهبي هذا التوثيق فقال عن محمد بن هدية هذا : لا يعرف . " الميزان " و " المغني " .
وهذا يعني أن محمد بن هدية هذا مجهول العين ؛ لأنه لم يروا عنه سوى واحد ؛ ولم يوثقه معتبر !
فهذه الطريق منكرة جداً .
وقول شيخنا عن الطريق الثانية : ( وإسناده حسن في المتابعات، فإن دراجاً فيه ضعف ... ) !
فالجواب : دراج مختلف فيه ؛ بل قال النسائي والدارقطني : متروك .
وقال الذهبي في " المغني " : ضعفه أبو حاتم، وقال أحمد: أحاديثه مناكير .
فمثله لا يُحتمل منه التفرد بهذا الحديث ؛ فيكون منكراً ؛ وبخاصة أن له أصحاباً انفرد هو بالرواية عن عبد الرحمن بن جبير من دونهم .
وقول شيخنا متابعاً : ( ومثله ابن لهيعة، لكن
الراوي عنه عند ابن بطه : عبد الله بن وهب، وهو صحيح الحديث عنه، لأنه سمع منه قديماً، وكذلك عبد الله بن المبارك وعبد الله ابن يزيد المقري ) .
فهذا فيه خلاف ؛ فإن من الأئمة من لم يقبل ابن لهيعة قبل احتراق كتبه وبعد ذلك ؛ فقالوا هو ضعيف على كلا الحالتين !
والخلاصة في هذه الطريق أنها منكرة كذلك .
هذا ما يتعلق بحديث عبد الله بن عمرو بن العاص .
أما حديث عقبة :
فالطريق الأولى فيها ابن لهيعة ؛ وتقدم أنه ضعيف عند بعض الأئمة قبل وبعد احتراق كتبه !
ومشرح بن عاهان : وثقه ابن معين وابن حبان ؛ وتوثيقهما فيه تساهل معروف ؛ فإن المعلمي اليماني ذكر أن ابن معين كان يوثق الراوي بمجرد وقوفه على حديث أو حديثين له وبخاصة إذا كان من طبقة التابعين أو أتباع التابعين ؛ وهذه فائدة مهمة جداً .
وأما ابن حبان فزاد : ( يخطيء ويخالف ) في ( الثقات ) ثم قال في ( الضعفاء ) : ( يروى عن عقبة مناكير لا يتابع عليها ، فالصواب ترك ما انفرد به ) .
قلت: وهو انفرد بالرواية عن عقبة بهذا الحديث !
والخلاصة : لا يحتمل من مشرح بن عاهان هذا الحديث مع ما فيه من ضعف في الحفظ مع الجهالة ؛ فيكون الحديث من هذا الوجه منكراً أيضاً .
أما الطريق الأخرى التي فيها متابعة الوليد بن المغيرة لابن لهيعة ؛ فلا قيمة لها كذلك ؛ فمدارها على مشرح بن عاهان ؛ وقد تقدم أن فيه ضعفاً وجهالة !
أما حديث ابن عباس ؛ فأتعجب كثيراً من شيخنا رحمه الله تعالى كيف سكت عن بيان حال هذا السند !
فقد ذكر رواية العقيلي له من طريق : حفص بن عمر العدني ؛ ولم يبين حال العدني هذا عند العقيلي الذي قال عن هذا الراوي : يحدث بالأباطيل !!
وقد ضعفه جداً عدد من الأئمة منهم : أحمد وأبو داود والنسائي والدارقطني وابن معين !
فهذه الرواية منكرة جداً لا قيمة لها أصلاً !
أما حديث عصمة بن مالك ؛ فقد كفانا الشيخ أنه من رواية الفضل بن مختار ؛ وهو يروي الأباطيل ؛ بل والموضوعات ؛ فهي رواية باطلة لا أصل لها !

ثم انتهى شيخنا الألباني إلى تصحيح الحديث بقوله :
" وبالجملة فالحديث صحيح بالطرق التي قبل هذه. والله أعلم " .
قلت : قد تبين لي بحمد الله تعالى أن أحسن الطرق في هذا الحديث هي الطريق التي فيها : مشرح بن عاهان ؛ وقد بينا بما لا مجال للشك فيه أن هذا الراوي فيه جهالة وضعف ؛ وقد تفرد بهذا الحديث ؛ ولم يتابعه أحد عليه ؛ فهو حديث منكر على مذهب الأئمة الكبار : أحمد والبخاري ومسلم وأبي حاتم وأبي زرعة والنسائي والبرديجي وغيرهم رحمهم الله تعالى .
كما هو مذهب الذهبي وابن رجب والمعلمي اليماني ؛ والله تعالى يغفر ويرحم الجميع ؛ فإن من اجتهد – وكان أهلاً للاجتهاد – فأخطأ كان له أجر واحد ؛ ومن أصاب – وهذا هو المذهب الذي سرنا عليه بحمد الله تعالى – فله أجران بنص الحديث الصحيح .
منقول