بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فقد وقفت على كلام بعض العلماء في إثبات صفة الجنب لله عز وجل عزمت أمري أن أبحث في المسألة لأني وقفت فيما سبق على كلام الإمام الدارمي لم يثبت الصفة فأردت أن أبحث في هذه المسألة فأبدأ باسم الله:

قال الله تعالى: { وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ }


قال الإمام البغوي ينقل تفسير السلف رضي الله عنهم:
{عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56]

1_ قَالَ الْحَسَنُ: قَصَّرْتُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ.



2_ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي أَمْرِ اللَّهِ.



3_ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. فِي حَقِّ اللَّهِ.


وَقِيلَ: ضَيَّعْتُ فِي ذَاتِ اللَّهِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ قصرت في الجانب الذي يردني إِلَى رِضَاءِ اللَّهِ. وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْجَنْبَ جَانِبًا اهـ.



ونقل الطبري عن بعض الأئمة مثل ذلك:

4_ عَنِ السُّدِّيِّ، فِي قَوْلِهِ: {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر: 56] قَالَ: «تَرَكْتُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ».



5_ وعَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} قَالَ: " فَلَمْ يَكْفِهِ أَنْ ضَيَّعَ طَاعَةَ اللَّهِ حَتَّى جَعَلَ يَسْخَرُ بِأَهْلِ طَاعَةِ اللَّهِ، قَالَ: هَذَا قَوْلُ صِنْفٍ مِنْهُمْ "



وهذا ظاهر كلام ابن القيم في تفسير الآية وأما بعض أهل البدع فأخذ بعض كلام ابن القيم رحمه الله وترك بعضه الآخر مع أنه في نفس الموضع وقد رد عليهم الشيخ عبد الرزاق البدر جزاه الله خيرا
وأذكر هنا كلام ابن القيم الذي يهمنا.



وفي كلام ابن القيم بيان أن ظاهر القرآن ليس فيه إثبات الجنب.
6_ قال الإمام ابن القيم رحمه الله: السادس: أن يقال: من أين في ظاهر القرآن إثبات جنب واحد هو صفة الله؟ ومن المعلوم هذا لا يثبته أحد من بني آدم وأعظم الناس إثباتا للصفات هم أهل السنة والحديث الذين يثبتون لله الصفات الخبرية ولا يقولون لله جنبا واحدا ولا ساقا واحدة ..-ثم نقل كلام الدارمي أنقله فيما بعد وابن القيم نقل كلام الدارمي ولم يسنكره بل نقله ردا على هؤلاء يدل على إقرار بكلام الدارمي ثم ذكر الآية فقال:-

فهذا إخبار عما تقوله هذه النفس الموصوفة بما وصفت به وعامة هذه النفوس لا تعلم أن لله جنبا ولا تقر بذلك كما هو الموجود منها في الدنيا. فكيف يكون ظاهر القرآن أن الله أخبر عنهم بذلك وقد قال عنهم:
{يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله}
والتفريط فعل أو ترك وهذا لا يكون قائما بذات الله لا في جنب ولا في غيره بل يكون منفصلا عن الله وهذا معلوم بالحس والمشاهدة.

وظاهر القرآن يدل على أن قول القائل: { يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله }

ليس أنه جعل أو تركه في جنب يكون من صفات الله وأبعاضه فأين ظاهر القرآن ما يدل على أنه ليس لله إلا جنب واحد يعني به الشق. اهـ.


قلت هذا كلام ابن القيم وهو واضح في أنه ليس في ظاهر القرآن إثبات الجنب ثم تنزل فقال:
السابع: أن يقال هب أن القرآن دل ظاهره على إثبات جنب هو صفة فمن أين يدل ظاهره أو باطنه على أنه جنب واحد وشق واحد ومعلوم أن إطلاق مثل هذا لا يدل على أنه شق واحد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: [ صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب ] وهذا لا يدل على أنه ليس لعمران بن حصين إلا جنب واحد

فإن قيل: المراد على جنب من جنبيك قلنا: فقد علم أن ذكر الجنب مفردا لا ينفي أن يكون معه غيره ولا يدل ظاهر اللفظ على ذلك بوجه اهـ.( الصواعق المرسلة:1/247/251) ويراجع كتاب الشيخ عبد الرزاق البدر: القول السديد في الرد على من أنكر تقسيم التوحيد:96)



ويقول ابن القيم أيضا رحمه الله:
لفظة الذات في اصطلاحهم قد صارت عبارة عن الشيء نفسه وحقيقته وعينه فلما استعملوها استعمال النفس والحقيقة عرفوها باللام وجردوها ومن هنا غلطهم السهيلي فإن هذا الإستعمال والتجريد أمر اصطلاحي لا لغوي فإن العرب لا تكاد تقول رأيت الشيء لعينه ونفسه وإنما يقولون ذلك لما هو منسوب إليه ومن جهته وهذا كجنب الشيء إذا قالوا هذا في جنب الله لا يريدون إلا فيما ينسب إليه من سبيله ومرضاته وطاعته لا يريدون غير هذا البتة اهـ. (بدائع الفوائد)

وقد نبه شيخ الإسلام ابن تيمية أن بعض المثبتة للصفات يقع في الخطأ في عدم فهمه لسياق الكلام وضرب مثال على ذلك في قوله تعالى { ما فرطت في جنب الله }



7_ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْقُرْبِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ قُرْبُهُ يُرَادُ بِهِ قُرْبُهُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَبْقَى هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ وَيُنْظَرُ فِي النَّصِّ الْوَارِدِ فَإِنْ دَلَّ عَلَى هَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى هَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ . وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ قَدْ دَلَّ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ هُوَ يَأْتِي فَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِعَذَابِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ } وقَوْله تَعَالَى { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا } . فَتَدَبَّرْ هَذَا فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا تَنَازَعَ الْنُّفَاةِ وَالْمُثْبِتَةُ فِي صِفَةٍ وَدَلَالَةٍ نُصَّ عَلَيْهَا يُرِيدُ الْمُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ اللَّفْظَ - حَيْثُ وَرَدَ - دَالًّا عَلَى الصِّفَةِ وَظَاهِرًا فِيهَا . ثُمَّ يَقُولُ النَّافِي : وَهُنَاكَ لَمْ تَدُلَّ عَلَى الصِّفَةِ فَلَا تَدُلُّ هُنَا . وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُ الْمُثْبِتَةِ : دَلَّتْ هُنَا عَلَى الصِّفَةِ فَتَكُونُ دَالَّةً هُنَاكَ ؛ بَلْ لَمَّا رَأَوْا بَعْضَ النُّصُوصِ تَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ جَعَلُوا كُلَّ آيَةٍ فِيهَا مَا يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى - إضَافَةَ صِفَةٍ - مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } . وَهَذَا يَقَعُ فِيهِ طَوَائِفُ مِنْ الْمُثْبِتَةِ والْنُّفَاةِ وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْغَلَطِ فَإِنَّ الدَّلَالَةَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِحَسَبِ سِيَاقِهِ . وَمَا يُحَفُّ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ اهـ. (مجموع الفتاوى:6/14)
تأمل كيف جعل شيخ الإسلام هذا من خطأ المثبتة وقال أيضا:

وأما قولهم وجنب فإنه لا يعرف عالم مشهور عند المسلمين ولا طائفة مشهورة من طوائف المسلمين أثبتوا لله جنبا نظير جنب الإنسان وهذا اللفظ جاء في القرآن في قوله

أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله

فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله

صفة له بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق كقوله تعالى بيت الله و ناقة الله و عباد الله بل وكذلك روح الله عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم

ولكن إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره مثل كلام الله وعلم الله ويد الله ونحو ذلك كان صفة له
وفي القرآن ما يبين أنه ليس المراد بالجنب ما هو نظير جنب الإنسان فإنه قال

أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله
والتفريط ليس في شيء من صفات الله عز و جل

والإنسان إذا قال فلان قد فرط في جنب فلان أو جانبه لا يريد به أن التفريط وقع في شيء من نفس ذلك الشخص بل يريد به أنه فرط في جهته وفي حقه

فإذا كان هذا اللفظ إذا أضيف إلى المخلوق لا يكون ظاهره أن التفريط في نفس جنب الإنسان المتصل بأضلاعه بل ذلك التفريط لم يلاصقه فكيف يظن أن ظاهره في حق الله أن التفريط كان في ذاته
وجنب الشيء وجانبه قد يراد به منتهاه وحده ويسمى جنب الإنسان جنبا بهذا الاعتبار قال تعالى تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا

وقال تعالى

الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم

وقال النبي لعمران بن حصين صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب
-إضافة: هنا تأمل كلامه وقارنه بكلام تلميذه ابن القيم أنه لو قلنا وسلمنا لكم أنه من باب الصفات- وإذا قدر أن الإضافة هنا تتضمن صفة الله كان الكلام في هذا كالكلام في سائر ما يضاف إليه تعالى من الصفات وفي التوراة من ذلك نظير ما في القرآن .. اهـ (الجواب الصحيح)

8_ قال الإمام الدارمي رحمه الله:

وادعى المعارض أيضا زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قول الله يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله قال يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو وليس على ما يتوهمونه
فيقال لهذا المعارض ما أرخص الكذب عندك وأخفه على لسانك فإن كنت صادقا في دعواك فأشر بها إلى أحد من بني آدم قاله وإلا فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم بهذا التفسير منك وأبصر بتأويل كتاب الله منك ومن إمامك إنما تفسيرها عندهم تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله واختاروا عليها الكفر والسخرية بأولياء الله فسماهم الساخرين فهذا تفسير الجنب عندهم فما أنبأك أنهم قالوا جنب من الجنوب فإنه لا يجهل هذا المعنى كثير من عوام المسلمين فضلا عن علمائهم اهـ. (نقض الدارمي على المريسي)

وهذا فيه بيان معنى الآية عند السلف رحمهم الله.


9_ وذهب ابن بطة إلى ان الآية ليست في الصفات كما نقله القاضي الفراء وسيأتي في القسم الثاني.



10_ القاضي أبو يعلى قال رحمه الله:

ونقلت من خط أَبِي حفص البرمكي: قَالَ ابن بطة قوله: " بذات اللَّه " أمر اللَّه كَمَا تقول: فِي جنب اللَّه، يَعْنِي فِي أمر اللَّه وهذا مِنْهُ يمنع أَنْ يَكُونَ الجنب صفة ذات، وَهُوَ الصحيح عندي، وأن المراد بذلك التقصير فِي طاعة اللَّه، والتفريط فِي عبادته، لأَنَّ التفريط لا يقع فِي جنب الصفة وإنما يقع فِي الطاعة والعبادة، وَهَذَا مستعمل فِي كلامهم: فلان فِي جنب فلان، يريدون بذلك فِي طاعته وخدمته والتقرب مِنْهُ ويبين صحة هَذَا التأويل مَا فِي سياق الآية من قوله: {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} {لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} وَهَذَا كله راجع إِلَى الطاعات اهـ. (إبطال التأويلات:428)



11_ وقال أبو منصور الأزهري رحمه الله في (تهذيب اللغة:11/117) قال الفراء: (الجنب) القرب وقوله: { على ما فرطت في جنب الله } أي: في قرب الله وجواره ونقل عن ابن الأعرابي مثله اهـ. (مستفاد من تحقيق الشيخ الرياشي على النقض للدارمي:510)



12_ قال الشيخ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله:

و {تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} أي: في جانب حقه. {وَإِنْ كُنْت} في الدنيا {لَمِنَ السَّاخِرِينَ} في إتيان الجزاء، حتى رأيته عيانا اهـ. (تفسير السعدي)



13_ قال الشيخ صالح آل الشيخ في شرحه للطحاوية: ..

الواجب هو الإيمان بظاهر الكلام، وهل الظاهر هنا في إطلاق صفة الجنب هل هو الظاهر الصفة؟ أم الظاهر غير ذلك؟

الراجح أنَّ الظاهر غير ذلك وأنه ليس المقصود من قوله: {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} أنَّ المقصود الجنب الذي هو الجنب، لأنَّ العرب تستعمل هذه الكلمة وتريد بها الجَنَاب لا الجَنْبْ يعني الجهة، إنما تقصد الجناب المعنوي. ?عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ? يعني في حق الله، في ما يستحق الله اهـ.



*إشكال يقول أهل البدع انتم تزعمون أنكم تثبتون الصفات ولا تحرفون فكيف لا تثبتون هذه الصفة؟
والجواب على هذه الشبهة الفاسدة نقول أننا كتبنا في هذه المسألة وتفنيد هذه الشبهة في: ( البيان في خطأ من قال أن ابن عباس رضي الله عنهما لم يأخذ بظاهر القرآن في {يوم يكشف عن ساق} ) وبحث آخر.
وأنقل كلامي هنا:
وقد نبه شيخ الإسلام ابن القيم على أن السياق يبين لك مراد المتكلم فقال:
السياق يرشد إلى تبيين المجمل وتعيين المحتمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الدلالة
وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم فمن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظرته فانظر إلى قوله تعالى { ذق إنك أنت العزيز الكريم} كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير اهـ. (بدائع الفوائد)



وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْقُرْبِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَوْضِعٍ ذُكِرَ فِيهِ قُرْبُهُ يُرَادُ بِهِ قُرْبُهُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَبْقَى هَذَا مِنْ الْأُمُورِ الْجَائِزَةِ وَيُنْظَرُ فِي النَّصِّ الْوَارِدِ فَإِنْ دَلَّ عَلَى هَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى هَذَا حُمِلَ عَلَيْهِ وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي لَفْظِ الْإِتْيَانِ وَالْمَجِيءِ . وَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ قَدْ دَلَّ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ هُوَ يَأْتِي فَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِعَذَابِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ } وقَوْله تَعَالَى { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا } . فَتَدَبَّرْ هَذَا فَإِنَّهُ كَثِيرًا مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إذَا تَنَازَعَ الْنُّفَاةِ وَالْمُثْبِتَةُ فِي صِفَةٍ وَدَلَالَةٍ نُصَّ عَلَيْهَا يُرِيدُ الْمُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ اللَّفْظَ - حَيْثُ وَرَدَ - دَالًّا عَلَى الصِّفَةِ وَظَاهِرًا فِيهَا . ثُمَّ يَقُولُ النَّافِي : وَهُنَاكَ لَمْ تَدُلَّ عَلَى الصِّفَةِ فَلَا تَدُلُّ هُنَا . وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُ الْمُثْبِتَةِ : دَلَّتْ هُنَا عَلَى الصِّفَةِ فَتَكُونُ دَالَّةً هُنَاكَ ؛ بَلْ لَمَّا رَأَوْا بَعْضَ النُّصُوصِ تَدُلُّ عَلَى الصِّفَةِ جَعَلُوا كُلَّ آيَةٍ فِيهَا مَا يَتَوَهَّمُونَ أَنَّهُ يُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى - إضَافَةَ صِفَةٍ - مِنْ آيَاتِ الصِّفَاتِ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ } . وَهَذَا يَقَعُ فِيهِ طَوَائِفُ مِنْ الْمُثْبِتَةِ والْنُّفَاةِ وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْغَلَطِ فَإِنَّ الدَّلَالَةَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ بِحَسَبِ سِيَاقِهِ . وَمَا يُحَفُّ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ اهـ. (مجموع الفتاوى:6/14)



*من أثبت الجنب لله.
أقدم من وقفت عليه أنه أثبت الجنب لله عز وجل
1_ أبو عمر أحمد الطلمنكي وقد استدرك عليه قال الإمام الذهبي رحمه الله:

رأيت له كتابا في السنة في مجلدين عامته جيد، وفي بعض تبويبه ما لا يوافق عليه أبدا مثل: باب الجنب لله، وذكر فيه: (يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) [ الزمر: 56 ] فهذه زلة عالم اهـ. (السير:في ترجمته)
ونقل القاضي أبو يعلى عن بعض أصحابه أنه أخذ بظاهر الآية وقد سبق معنا أن هذا ليس ظاهر الآية.



2_ قال أبو يعلى وأما قوله تَعَالَى: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} فحكى شيخنا أَبُو عبد اللَّه رحمه فِي كتابه عَن جماعة من أصحابنا الأخذ بظاهر الآية فِي إثبات الجنب صفة لَهُ سُبْحَانَهُ

400 - ونقلت من خط أَبِي حفص البرمكي: قَالَ ابن بطة قوله: " بذات اللَّه " أمر اللَّه كَمَا تقول: فِي جنب اللَّه، يَعْنِي فِي أمر اللَّه وهذا مِنْهُ يمنع أَنْ يَكُونَ الجنب صفة ذات، وَهُوَ الصحيح عندي، وأن المراد بذلك التقصير فِي طاعة اللَّه، والتفريط فِي عبادته، لأَنَّ التفريط لا يقع فِي جنب الصفة وإنما يقع فِي الطاعة والعبادة، وَهَذَا مستعمل فِي كلامهم: فلان فِي جنب فلان، يريدون بذلك فِي طاعته وخدمته والتقرب مِنْهُ ويبين صحة هَذَا التأويل مَا فِي سياق الآية من قوله: {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} {لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} وَهَذَا كله راجع إِلَى الطاعات اهـ.



3_ الشيخ صديق حسن القنوجي في قطف الثمر رحمه الله.


وعلى هذا ذهب بعض أهل العلم على أن العلماء اختلفوا في الجنب لله عز وجل والصحيح أن السلف لم يثبت عنهم أنهم أثبتوا هذه الصفة لله عز وجل بل كلام ابن تيمية يدل على أنه خطأ من المثبتة وابن القيم والدارمي كلامهم يدل على أن ظاهر الآية لا يدل على الصفة وإلى هذا تفسير مجاهد وغيره من السلف رحمهم الله.

ومن وجد شيئا فليذكره لكي نستفيد
والله تعالى أعلم كتبه أبو سهيلة بن موسى الأثري