بسم الله الرحمن الرحيم
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ..
كلمة ألقيت في المدينة النبوية بتاريخ/ 21-07-1435 هـ
الصوتية من هنا
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين . اللهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا وزدنا علمًا وأصلح لنا شأننا كله ، اللهم بارك لنا في مجلسنا هذا وألهِمنا فيه الصواب وجنِّبنا الزلل ، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . أما بعد :
يقول الله جل وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[آل عمران:102] أمَرَ الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة بتقواه ، وتقوى الله عز وجل : أن تجعل بينك وبين ما تخشاه من سخط الله وعقابه وقايةً تقيك ، وذلك بفعل المأمور وترك المحظور . فتقوى الله عز وجل : عَمَلٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ رَجَاءَ ثواب اللَّهِ ، وتَرْك لمَعْصِيَةِ اللَّهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللَّهِ خِيفَةَ عَذَابَ اللَّهِ .
وقوله جل وعلا { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ؛ أمرٌ بالاستقامة على طاعة الله والمداومة على عبادته ، لأن المرء لا يدري متى يأتيه الموت ومتى يفجؤه الأجل ؛ ولهذا أُمِر المسلم أن يداوم على الطاعة وأن يستقيم على العبادة ليكون في أيِّ وقتٍ يأتيه الموت مستعدًا له متهيئًا ، وهذا معنى قوله { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ؛ لا يدري المرء متى يموت فالمراد الاستقامة والمداومة على طاعة الله وعبادته سبحانه ، نظير قوله جل وعلا : {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:99] أي الموت . والمراد : المداومة على عبادة الله سبحانه وتعالى ، وأن الواجب على المسلم في أمور العبادة والديانة والطاعة والتقرب لله جل وعلا أن يكون شأنه إذا أمسى لا ينتظر الصباح ، وإذا أصبح لا ينتظر المساء ؛ ولهذا العبادة لا يصلح فيها التسويف والتأجيل وتأخير العمل ، وكم من إنسان أخَّر العمل فداهمته المنية فلم يتمكن من العمل ، وكم من إنسان أخَّر التوبة وداهمته المنية قبل أن يتوب ، وكم من إنسانٍ أرجئ العبادة إلى سن معيَّن فداهمته المنية قبل أن يقوم بذلك .
والعاقل الحصيف يتنبه لهذا الأمر ويُعِدَّ نفسه للموت ويكون الموت على ذكرٍ منه «تذكروا هادم اللذات» ؛ فإذا تذكر الموت تهيئ له واستعد ، قد قال عليه الصلاة والسلام للرجل الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه قال : «قُلْ لِي فِي الْإِسْلَامِ قَوْلًا لَا أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا غَيْرَكَ» ، قَالَ: ((قُلْ آمَنْتُ بِاللهِ ، ثُمَّ اسْتَقِمْ)) ؛ وهذا المعنى هو المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة { وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} : أي استقيموا على طاعة الله وداوِموا على عبادة الله والتقرب إليه سبحانه وتعالى بما يحبه ويرضاه .
{ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ؛ الإسلام : العمل ، فالمراد المداومة على العبادة والعمل والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بما يحب ويرضى ، بحيث لا يأتيه الموت حين يأتيه إلا وهو على طاعة وعبادة وحسن تقربٍ إلى الله سبحانه وتعالى .
وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وبأنه الله الذي لا إله إلا هو أن يصلح لنا أجمعين شأننا كله ، وأن لا يكِلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، وأن يحيينا مسلمين ، وأن يتوفانا مؤمنين غير ضالين ولا مضلين إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء وهو أهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل .
وصلى الله وسلَّم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .