بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِـــيمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدِّين، أما بعد ...
فقال الشيخ الفاضل عبدالله بن عبدالرحيم البخاري حفظه الله تعالى:
"الواجب على الإنسان أن يكون حريصـًا على وقتِهِ، شحيحـًا عليه، أشح مِنَ الدينار والدرهم، يذهب الدينار ويذهب الدرهم ويأتي إذا كَتَبَ اللهُ له ماذا؟ العود.
أمَّا الوقت إذا ذهب لا يَرجِع، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "ضيـاع الوقت أشدُّ من الموت، فإنَّ الموتَ يقطعك عن الناس، وأمَّا ضياع الوقت فيقطعك عن الله وعن الدار الآخرة"[1] ولهذا إذا ذهب الوقت وفات ما يمكن أن تُرجِعه ولا شيء ولا شيء أبدًا، ذهب بما فيه؛ ولهذا قال بعضُ السلف: "الدنيا مزرعةُ الآخِرة".
كان الواحدُ منهم أشح على وقته من ماذا؟ مِن شُح الناس على الدينار والدرهم، ما يُضَيِّعُ الوقت كما قال الفراهيدي رحمه الله ـ الخليل بن أحمد ـ: "ما أعلمُ أني ضيعْتُ وقتي ـ نعم ـ في لهوٍ أو لعب"[2] ما ضيَّع وقته ولا ساعة من ساعات عمره في لهوٍ أو ماذا؟ أو لعب.
ويقول عبدالوهاب كما في [معرفة القُرَّاء] يقول: "أثقل الساعات عليَّ ساعةُ أكلُ فيها"[3] لأنها تمنعه عن ماذا؟ عن القراءة والمطالعة والكتابة وغير ذلك؛ ولعل عند كثيرين أنَّ ساعةَ الأكلِ مِن ألذِّ وأمرح الساعات، ولعل العكسَ أنَّ في طلب العلمِ والتزامِ الحقِّ ـ نعم ـ والتهجد لله جَلَّ وعَلا وإرغام النفس ومجاهدتها على الاستقامة على السُّـنَّة تكون هذه من أثقل الساعات عليه، نعوذُ بالله من انتكاس الفِطَر.
أقـولُ: جاء في ترجمة الإمام صفوان بن سُلَيم المدني رحمه الله، هذا الإمام العَلَم كانت أوقاتُه كُلها معمورة في طاعة الله: علمٌ، وتعليمٌ ـ نعم ـ، وصيامٌ، وقيامٌ، وتلاوةٌ للقرآن وغير ذلك، ونُصْرَةٌ للسُّـنَّة، جاء في ترجمته أنَّه لو قيل له: "إنَّ مَلَك الموت قد توجَّه إليك ما استطاع أن يزيد على ما كان يعمل مِن شيء"[4] ما عنده وقت! ما يستطيع أن يزيد! وهكذا جاءت هذه العبارة ونحوِها عن جمعٍ من السلف.
استغلالٌ للأوقات، حرصٌ على الوقت في النافع المفيد، في ما يقرِّبُه من الله جَلَّ وعلا، يقول الله جَلَّ وعلا مخاطبـًا نبيَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ، وَإِِلَى رَبِّكَ) ماذا؟! (فَارْغَبْ)أمَّا أن تضيع الوقت ساعات في المباحات، تقول: "هذا مباح!" نعم هو مباح؛ لكن أنتَ خَفِّفْ من المباح؛ لأن وقوعك في المباحات وإكثارك من المباحات سببٌ لوقوعك في المكروهات، ولعلنا ذَكَرْنا لكم غير مرة ونقلنا لكم كلام الإمام ابن القيم رحمه الله في مفاسد اجتماع الإخوة، تذكرون[5]؟! مفاسد اجتماع الإخوة على الطاعة!!
قد يجتمعون وفيه ثمة مفاسد يجب الحذر منها إذن يجب أن تشتغل بالنافع المفيد الذي يقربك من الله جَلَّ وعلا، ولا تَكُنْ مِن ماذا؟! ممن انساق إلى الشيطان بغير زِمَام، قالَ: (فإنْ أعجزَه العبدُ من هذه المرتبة وكان حافظـًا لوقته، شحيحـًا به ...)[6] شحيحـًا به؛ ليش نقول شحيحـًا؟!
لابُدَّ أن تكون شحيحـًا به ...
لابُدَّ أن تكون شحيحـًا به ...
وهنا ننبــه كما يُقال بين مُعْتَرِضَتينِ وهو رجــاءٌ أيضـًا:
بعض الإخوة ـ جزاهم الله خيرًا ـ وهذا من حُسن ظنهم بالمشايخ يُكثرون ... أقول: يُكثرون جــدًا، لا نمنعُ، ولا يُمنع أن يكون هناك صاحب حاجة وصاحب استشكال أو إشكال، يوجد هذا؛ لكن من كثرة تبذيره للوقت وعدم شُحِّهِ به: ذاهب آيب، ذاهب آيب، إلى فلان إلى علان، تجده خاصةً المشايخ الذين هم أئمة للمساجد ـ ها ـ يصلي، قال: "هو شيخ يصلي بالناس في المسجد نُدْركه إما كذا وإما كذا" وإذا جاء ليته جاء إلى شيءٍ ماذا؟ عظيم ومهمٍ ويحتاج إلى ماذا؟! إلى تأملٍ منكَ!!
يا شيـخ ما نصيحتُك؟! ماذا نفعل؟!
كُلّ يوم والمشايخ ينصحون! وكُلّ يوم والمشايخ يُبينون! وكُلّ لحظةٍ يلتقون فيها مع الطلاب يُبينون وينصحون، كُلّ واحد يريد له نصيحة واحدة لشخصه بس!!
ما يصلح هذا!
احترمــوا أوقـات المشايـخ، واحترموا أوقاتكم، احترمــوا أوقـات المشايـخ، واحترموا أوقاتكم، بارك الله فيكم.
هذا للتنبيه، مَن حَزَبَه أمرٌ، والأمرُ جَلل ويحتاج إلى استفتاء فلا يُمنع من ذلك، أمَّا أن يأتي ....
الآن القادمون يرغبون في نصيحة، والذاهبون يرغبون في نصيحة، طلاب الجامعة كل واحد يريد أن يرجع لبلده: "يا شيخ نريد نصيحة" نحن ننصح طوال العام، في كل الدروس، والمشايخ ينصحون في كل مقام، ويمشي.
والآتي للعمرة أيضـًا له نصيب ـ وهو كذلك ـ وهذا سبيل، أمَّا الذاهب والآيب والقادم والـ .... يعني الإنسان إذا هناك شيءٌ مهم وضروري فنعم، فمرحبـًا، أمَّا إذا كانت الأمور لا تتحمل هذا فاحرصْ على وقتك، وراجعْ تسجيلات المشايخ ونصائحهم تستفد منها، لعل ما ترغب فيه قد تكلموا فيه مرارًا فهذا تحفظ به وقتك وتحفظ عليهم ماذا؟ أوقاتهم. بارك الله في الجميع.
انتهى كلام الشيخ عبدالله البخاري حفظه الله تعالى
والمنتقى من محاضرة بعنوان (أسباب الانحراف عن السُّـنَّة)
ألقيت في جامع الرضوان في المدينة النبويـة
بتاريخ 4/رمضان/1435 للهجرة.
الرابط الصوتي للمقطع:
https://soundcloud.c...ia/ut2owv2avnvo

الرابط الصوتي للمحاضرة كاملة من إذاعة ميراث الأنبياء السلفية جزاهم الله خيرًا:
http://ar.miraath.net/audio/9094

أم سلمة المالكية
2/ 12/ 1435 للهجرة



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] نص العبارة: "إضاعة الوقت أشدُّ من الموت؛ لأنَّ إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها" كما وردت في كتاب الفوائد لابن القيم الجوزية: ص44، ط. المجمع.
[2] وهذه العبارة نفسها قالها قاضي المرستان الحنبلي محمد بن عبدالباقي رحمه الله تعالى. ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي: 20/ 26، ط. الرسالة.

[3] وهذه العبارة نفسها قالها الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله تعالى. ينظر: الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه لأبي هلال العسكري: 87، نسخة الشاملة.

[4] نص العبارة "لَوْ قِيْلَ لَهُ: غَداً القِيَامَةُ، مَا كَانَ عِنْدَه مَزِيْدٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ العِبَادَةِ". ينظر لمزيد فائدة ترجمته في سير أعلام النبلاء للذهبي: 5/ 364، ط. الرسالة.

[5] وهو نقل ذكره الشيخ البخاري حفظه الله تعالى في دروس سابقة. ينظر: الفوائد لابن القيم: 71، ط. المجمع، وسأنقله بعد الانتهاء من التفريغ إن شاء الله تعالى.

[6] بدائع الفوائد لابن القيم: 2/ 801، ط. المجمع.



سحاب