رد العلامة ابن عثيمين على من نسب أسباب الزلازل إلى غضب الطبيعة.

الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور والحمد لله الذي يقدر على عباده ما فيه الحزن والسرور فبيده ملكوت السماوات والأرض وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثير.
أما بعد:
أيها المسلمون فإنه لا إنكار أن الله خلق السماوات والأرض حتى عند المشركين الكافرين بالله ورسوله (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ) إن الكفار وهم على كفرهم وشركهم يقرون بأن الله تعالى خالق السماوات والأرض وإذا كان الله خالق السماوات والأرض فهو المتصرف فيهما كما يشاء بيده ملكوت السماوات والأرض ومن رحمته بعباده ومن نعمته عليهم أن جعل لهم الأرض قراراً يقرون فيها وجعل لها رواسي وبارك فيها وقدر فيها أقواتها وجعلها ذلولاً لعباده يسيرون فيه حيث يشاءون يكتسبون الرزق من فضله من فضله عز وجل فإذا أراد أن يريهم آية من آياته تبين قدرته عز وجل وتبين أنه غير غافل عن عباده وعن أعمالهم أخلف هذه العادة وجعلها تهتز أو تنخسف قال الله عز وجل : (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) فلا أحد يقدر على تغير هذا الأمر أن يأتي الأمر من تحت أرجلنا بالخسف أو بالزلزال ولا أدل على ذلك من ضعف بني آدم وعجزهم أن أن يحدث الزلزال بدون أن يشعر به الناس : ( يَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ولكن الخطأ كل الخطأ أن ينسب ذلك إلى الطبيعة دون أن ينسب إلى الخالق عز وجل ولا ينسبه إلى الطبيعة إلا من كان جاهلاً بالله عز وجل جاهلاً بآيته ولا شك أن هذا الزلزال الذي يصيب بعض مناطق الأرض لاشك أنه ناشئ بقدر الله عز وجل وبقدرته وتدبيره وإن كان الله تعالى قد يجعل له أسباب طبيعية تثيره وتهيجه لكن من خلق هذه الأسباب أليس هو الله وحده إن هذا هو الجواب الصحيح وعلى هذا فالواجب على المسلمين أن يتخذوا من هذه الزلازل عبره يتعظون بها ويرجعون بها إلى الله ولا شك إن ما يصيب الناس من المصائب فإنه بذنوبهم كما قال الله عز وجل : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) وقال الله تعالى يخاطب الصحابة رضي الله عنهم حين أصابهم ما أصابهم في غزوة احد قال لهم : ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ) أيها المسلمون إن الواجب علينا أن نتخذ من ذلك عبرة وأن نتوب إلى الله ونرجع إليه وأن نخشى أن يصيبنا إذا نحن ظلمنا أنفسنا ما أصاب غيرنا من هذه الزلازل المدمرة وإن كثيراً من الناس يجادل فيقول إن المصائب قد تكون من غير الذنوب ثم يضرب لذلك مثلاً بما أصاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولكن هذا ما هو إلا جدل كما قال الله عز وجل في الذين يجادلون في عيسى بن مريم ما ضربوه لك إلا جدلا إننا نعلم أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام حالهم مستقيمة حالهم صالحة معصومون على الإقرار عن الإثم والعدوان وأنهم أشرف الخلق عند الله عز وجل ولكن الله يصيبهم بعض المصائب لينالوا أكمل درجات الصبر فإن الصبر منزلة عالية أراد الله عز وجل أن تتحقق لبعض الرسول عليهم الصلاة والسلام فيصيبهم بالمصائب حتى يكملوا درجات الصبر الثلاثة وهي الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله والصبر على أقدار الله المؤلمة أما أمم ظالمة معتدية أمم فيها من يحارب دعاة الحق أمم فيها من يحكم غير كتاب الله وسنه رسوله فإنه إذا أصابتهم مثل هذه الأمور فإننا نعلم علم اليقين أن هذا بسبب الذنوب وعليهم أن يرجعوا إلى الله عز وجل وأن يستعتبوا من ذنوبهم كما علينا نحن جميعاً أن نحذر ونخاف أن يصيبنا ما أصاب غيرنا من هذه الزلازل أيها المسلمون وإن زلزلت هذه الزلازل بعض قلوب الناس فيا أسفاه أن لا تحرك من القلوب ساكناً زلزلت الدين والأخلاق التي يبثها أعداءنا لنا في كل وقت وحين وإن زلزلت الإيمان من القلوب وزلزلت اليقين من القلوب وزلزلت الأخلاق من القلوب بما يبث في وسائل الإعلام وغيرها إنه عندنا أكبر من هذه الزلازل لأن هذه الزلازل إن أصابت فإنما تصيب الناس وغاية ما يكون الموت الذي هو مآل كل حي ولكن زلازل القلوب والإيمان والأخلاق زلازل تبقي الأمة أمة هالكة أمة كالبهائم يتمتعون كما تتمتع الأنعام فاتقوا الله أيها المسلمون واحفظوا دينكم احفظوا دينكم وأخلاقكم عن محارم الله عز وجل احذوا أعداءكم من النصارى واليهود والوثنين والشيوعيين والمنافقين وغيرهم كونوا أمة صالحة كونوا أمة يقظة كونوا أمة لا ترعى ولا تراعى إلا مستقبلها المحتوم وهو يوم القيامة الذي هو مآل كل حي إن الدنيا مهم طالت بكم ومهما نعمة لكم فإنما هي زائلة إما أن تزول من بين أيديكم بالخسارات والنفقات والنكبات وإما أن تزولوا عنه هذا هو الحقيقة فاتقوا الله عباد الله أقبلوا إلى الله أعينوا من أطاع الله كونوا مع دعاة الحق كونوا مع الأمرين بالمعروف والناهيين عن المنكر وكونوا عباد الله إخوانا لا تتفرقوا لا تختلفوا لا تتحاسدوا إذا أنعم الله على أحدكم بنعمة فأسالوا الله من فضله فإن ذلك هو الطريق الصحيح لا تكرهوا نعم الله على غيركم فإن ذلك هو الحسد الذي يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أيها المسلمون أمة محمد إنكم بقية في الأرض فاتقوا الله عز وجل في هذه البقية اتقوا الله في أنفسكم أرجعوا إلى دينكم رجوعاً جميلا أحسنوا معاملتكم مع الله يحسن الله ما بينكم وبين الله فإن الإنسان متى ما أصلح ما بينه وبين الله فإن الله يصلح ما بينه وبين الناس وإن الإنسان إذا أفسد ما بينه وبين الله فإنه لن يصلح ما بينه وبين الناس مهما بلغ من القوة ومهم أوتي من السلطة إنه لا إصلاح بين الإنسان وبين الخلق إلا إذا أصلح ما بينه وبين ربه اللهم إن نسألك في مقامنا هذا أن تصلح قلوبنا اللهم أصلح قلوبنا اللهم أصلح قلوبنا اللهم اصلح ما بيننا وبينك حتى يصلح ما بيننا وبين عبادك يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم اللهم أبرم أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك اللهم أعز أهل طاعتك اللهم أعز أهل طاعتك اللهم أعز أهل طاعتك اللهم أذل أهل معصيتك اللهم أذل أهل معصيتك اللهم أذل أهل معصيتك اللهم من أراد بالمسلمين سوء فاجعل كيده في نحره وشتت شمله وفرق جمعه وأكشف سره وأفضح أمره يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم اللهم إن نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا يا ذا الجلال والإكرام يا جبار يا قوي يا عزيز نسألك اللهم أن تنزل بأسك بالقوم المجرمين اللهم أنزل بأسك بالقوم المجرمين اللهم أنزل بأسك بالملحدين اللهم أنزل بأسك بالمنافقين اللهم أنزل بأسك بمن أراد بنا سوءاً يا رب العالمين اللهم أنصر المسلمين في كل مكان اللهم أنصر المسلمين في كل مكان اللهم أنصر المسلمين في كل مكان اللهم لا تسلط عليهم أعداءهم اللهم أهزم أعداءهم يا ذا الجلال والإكرام اللهم أنصر المسلمين في البوسنة والهرسك اللهم دمر أعداءهم اللهم أردد أعداءهم على أعقابهم يا ذا الجلال والإكرام بمنك وقوتك اللهم منا وأعداء إخواننا المسلمين من اليهود والنصارى فأفسد عليه أمره وشتت شمله واجعل بأسهم بينهم وأفسد عليهم أمورهم يا رب العالمين اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم ومن شر كل ذي شر يا رب العالمين ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وآيتا ذو القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وافوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزيدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .

المصدر : موقع الشيخ رحمه الله