مناظرة بين الإمام العباس بن موسى بن مشكويه الهمداني ، عليه رحمة الله .


مع الخليفة الواثق عامله الله بعدله ؛ المناظرة التي قال عنها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : { ينبغي أن تكتب على أبواب المساجد وأن تعلم للأزواج والأولاد } .

ـــ مناظرة العبّاس بن موسى بن مشكويه الهمدانيّ بحضرة الواثق ، وهي تلخص عقيدة أهل السنة والجماعة ، وهي مهمة جداً لتصحيح الاعتقاد !

ـــ ️قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي رحمه الله : حدّثنا سلامة بن جعفرٍ الرّمليّ ، قال : حدّثنا العبّاس بن مشكويه الهمذانيّ ،

ـــ قال : أُدخلتُ على الخليفة المتكنّي بالواثق ، أنا وجماعةٌ من أهل العلم ، فأقبل بالمسألة عليّ من بينهم ؛

ـــ فقلت : يا أمير المؤمنين إنّي رجلٌ مروّعٌ ولا عهد لي بكلام الخلفاء من قبلك .

ـــ فقال : لا ترع ، ولا بأس عليك ، ما تقول في القرآن ؟

ـــ فقلت : كلام اللّه غير مخلوقٍ .

ـــ فقال : أشهدُ لتقولنّ مخلوقًا ، أو لأضربنّ عنقك .

ـــ قال : فقلت : إنّك إن تضرب عنقي ، فإنّك في موضع ذلك، إن جرت به المقادير من عند الله ، فتثبّت عليّ يا أمير المؤمنين ، فإمّا أن أكون عالمًا فتثبت حجّتي ، وإمّا أن أكون جاهلًا فيجب عليك أن تعلّمني لأنّك أمير المؤمنين ، وخليفة الله في أرضه ، وابن عمّ نبيّه .

ـــ فقال : أما تقرأ { إنّا كلّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ } و { وخلق كلّ شيءٍ فقدّره تقديرًا } .

ـــ قلت : يا أمير المؤمنين ، الكلّيّة في كتاب الله ، خاصٌّ أم عامٌّ ؟

ـــ قال : عامٌّ .

ـــ قلت : لا ، بل خاصٌّ ؛ قال اللّه عزّ وجلّ : {وأُوتيتْ من كلّ شيءٍ} .

فهل أُوتيت ملك سليمان عليه السّلام ؟

فحذفني بعمودٍ كان بين يديه ، ثمّ قال : أخرجوه ، فاضربوا عنقه .

ـــ فأُُخرجت إلى قبّةٍ قريبةٍ منه ، فشدّ عليها كتَّافي .

ـــ فناديت : يا أمير المؤمنين إنّك ضاربٌ عنقي ، وأنا متقدّمك ، فاستعدَّ للمسألة جوابًا .

ـــ فقال : أخرجوا الزّنديق وضعوه في أضيق المحابس .

ـــ ثمّ ذكرني بعد أيّامٍ وأخرجني من السّجن وأوقفني بين يديه ، وقال : عساك مقيمًا على الكلام الّذي كنتُ سمعتُه منك ؟

ـــ فقلت : والله يا أمير المؤمنين إنّي لأدعو ربّي تبارك وتعالى في ليلي ونهاري ألّا يميتني إلّا على ما كنتَ سمعتَه منّي .

ـــ قال : أراك متمسّكًا .

ـــ قلت : ليس هو شيءٌ قلتُه من تلقاء نفسي ، ولكنّه شيءٌ لقيت فيه العلماء بمكّة والمدينة والكوفة والبصرة والشّام والثّغور ، فرأيتهم على السّنّة والجماعة.

ـــ فقال لي : وما السّنّة والجماعة؟

ـــ قلت : سألت عنها العلماء فكلٌّ يخبر ويقول :
إنّ صفة المؤمن من أهل السّنّة والجماعة ؛

ـــ أن يقول العبد مخلصًا : لا إله إلّا الله ، وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله ، والإقرارُ بما جاءت الأنبياء والرّسل .

ـــ ويشهد العبد على ما ظهر من لسانه وعقد عليه قلبُه .

ـــ والإيمان بالقدر خيره وشرّه من الله .

ـــ ويعلم العبد أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأنّ ما أخطأه لم يكن ليصيبه .

ـــ والإيمانُ قولٌ وعملٌ يزيد بالطّاعة وينقص بالمعصية .

ـــ وأنّ اللّه عزّ وجلّ قد علم من خلقه ما هم فاعلون ، وما هم إليه صائرون ، فريقٌ في الجنّة وفريقٌ في السّعير .

ـــ وصلاةُ الجمعة والعيدين خلفَ كلّ إمامٍ برٍّ وفاجرٍ .

ـــ وصلاةُ المكتوبة ، من غير أن تقدّم وقتًا أو تؤخّر وقتًا .

ـــ وأن نشهد للعشرة الذين شهد لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من قريشٍ بالجنّة .

ـــ والحُبّ والبغض للّه وفي الله.

ـــ وإيقاع الطّلاق إذا جرى ، كلمةٌ واحدةٌ .

ـــ والمسحُ على الخفّين للمسافر ثلاثة أيّامٍ وللمقيم يومٌ وليلةٌ .

ـــ والتّقصير في السّفر إذا سافر ستّة عشر فرسخًا بالهاشميّ ثمانيةً وأربعين ميلًا وتقديم الإفطار وتأخير السّحور .

ـــ وتركيب اليمين على الشّمال في الصّلاة .

ـــ والجهر بآمين ، وإخفاء بسم اللّه الرّحمن الرّحيم .

ـــ وأن تقول بلسانك وتعلم يقينًا بقلبك ، أنّ خير هذه الأمّة بعد نبيّها ، أبو بكرٍ ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ عليٌّ ، رضوان اللّه عليهم .

ـــ والكفُّ عمّا شجر بين أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم .

ـــ والإيمانُ بالبعث والنّشور وعذاب القبر ومنكرٍ ونكيرٍ والصّراط والميزان .

ـــ وأنّ اللّه عزّ وجلّ يُخرج أهل الكبائر من هذه الأمّة من النّار ، وأنّه لا يخلّد فيها إلّا مشركٌ .

ـــ وأنّ أهل الجنّة يرون اللّه عزّ وجلّ بأبصارهم .

ـــ وأنّ القرآن كلام اللّه غير مخلوقٍ .

ـــ وأنّ الأرض جميعًا قبضته يوم القيامة ، والسّماوات مطويّاتٌ بيمينه ، سبحانه عمّا يشركون .

ــ قال : فلمّا سمع هذا منّي أمر بي فقَلَعَ لي أربعةَ أضراسٍ ،

وقال : أخرجوه عنّي لا يفسد عليّ ما أنا فيه ، فأُخرِجتُ ، فلقيت أبا عبد اللّه أحمدَ بنَ حنبلٍ ، فسألني عمّا جرى بيني وبين الخليفة فأخبرته .

ـــ فقال : لا نسيَّ اللّهُ لك هذا المقام حين تقف بين يديه !

ـــ ثمّ قال : ينبغي أن نكتب هذا على أبواب مساجدنا ، ونعلّمه أهلنا وأولادنا .

ـــ ثمّ التفت إلى ابنه صالحٍ ، فقال : أُكتبْ هذا الحديث واجعله في رَقٍّ أبيضَ ، واحتفظ به ، واعلم أنّه من خير حديثٍ كتبتَه ، إذا لقيت الله يوم القيامة ، تلقاه على السّنّة والجماعة .

الإبانة الكبرى ( ٦ / ٢٨٤-٢٨٨ )
















منقول للفائدة