شبكة الأمين السلفية - Powered by vBulletin
النتائج 1 إلى 24 من 24

الموضوع: رسالة " حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه " الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,557

    افتراضي رد: رسالة " حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه " الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله

    أقوال علماء المالكية في بدعة المولد النبوي
    أقوال علماء المالكية في بدعة المولد النبوي


    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
    فهذه طائفة من أقوال علمائنا المالكية في حكم الاحتفال بالمولد النبوي, يعرف من خلالها لمنصف المتجرد من الهوى أن هذا الاحتفال بدعة عند المحققين من العلماء المالكية,وأن من يستحسن هذه البدعة إنما يفعل ذالك إتباعا للهوى وإرضاء لعامة الناس,وفي هذه النقول كذالك رد على من رمى المنكرين للبدع "بالوهابية" فهل يقال لهؤلاء العلماء الأجلاء وهابية لأنهم أنكروا بدعة المولد؟!!
    وليعلم القارئ أن المتأخرين من المالكية ألحقوا بمذهب مالك إستحسانات ليس عليها دليل, مما لو سمعها الإمام مالك رحمه الله لتبرأ منها،كيف لا وهو المعروف بشدة تمسكه بالسنة والأثر ونبذه لما لم يكن عليه العمل في القرون المفضلة , فنسأل الله الهداية والثبات :

    قال العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندراني المشهور بـ: (الفاكهاني 734 هـ )
    في رسالته في المولد المسماة بـ "المورد في عمل المولد":"(ص20-21) :«لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً.وهو ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؛ لأن حقيقة الندب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون ولا العلماء المتدينون- فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت.
    ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين.فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو حراماً».
    ثم صور الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرنا بأنه: "هو أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئاً من الآثام، قال: «فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام، سُرُجُ الأزمنة وزَيْن الأمكنة»

    ومن علماء المالكية الشيخ الإمام المحقِّق أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله790 هـ)
    ، قال في بعض فتاواه: «..فمعلوم أن إقامة المولد على الوصف المعهود بين الناس بدعة محدثة وكل بدعة ضلالة, فالإنفاق على إقامة البدعة لا يجوز والوصية به غير نافذة بل يجب على القاضي فسخه ...» (فتاوى الشاطبي203ـ 204)

    قال العلامة ابن الحاج المالكي - رحمه الله - في "المدخل" (2/312) :

    «فإن خلا - أي عمل المولد- منه - أي من السماع - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الاخوان ,وسلم من كل ما تقدم ذكره - أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس إتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له ولسنته صلى الله عليه وسلم ، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم... الخ».
    وقال كذالك : «وبعضهم- أي المشتغلين بعمل المولد- يتورع عن هذا- أي سماع الغناء وتوابعه- بقراءة البخاري وغيره عوضاً عن ذلك، هذا وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات وفيها البركة العظيمة والخير الكثير، لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي لا بنية المولد، ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى، ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذموماً مخالفاً، فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها»

    ومن علماء المالكية المتأخِّرين بمصر الشيخ المفتي محمَّد عليش المالكي، من علماء الأزهر وكبار فقهاء المالكية في زمانه من نحو قرن:
    قال في كتابه فتح العلي المالك: «عمل المولد ليس مندوبًا، خصوصًا إن اشتمل على مكروه، كقراءة بتلحين أو غناء، ولا يسلم في هذه الأزمان من ذلك وما هو أشدّ».

    ومن علماء المالكية المعتمدين في مغربنا الشيخ البناني:
    فذكر أنَّ من أنواع الوصيَّة بالمعصية إقامة المولد على الوجه الذي كان يقع عليه في زمانه كاختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك من المحرَّمات، فماذا لو رأى زماننا؟! وعبارته " أَوْ يُوصِيَ بِإِقَامَةِ مَوْلِدٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ مِنْ اخْتِلَاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ وَالنَّظَرِ لِلْمُحَرَّمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرِ" أنظر.
    حاشية الدسوقي على الشرح الكبير - (ج 19 / ص 390)

    ومن علماء المالكيَّة الإمام العلامة الأستاذ أبو عبد الله الحفَّار قال :
    «وليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة, ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة ,لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعظم إلا بالوجه شرع فيه تعظيمه,وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله ,لكن يتقرب إلى الله جل جلاله بما شرع، والدليل على أن السلف الصالح لم يكونوا يزيدون فيها زيادة على سائر الليالي أنهم اختلفوا فيها ,فقيل إنه صلى الله عليه وسلم ولد في رمضان وقيل في ربيع, واختلف في أي يوم ولد فيه على أربعة أقوال, فلو كانت تلك الليلة التي ولد في صبيحتها تحدث فيها عبادة بولادة خير الخلق صلى الله عليه وسلم, لكانت معلومة مشهورة لايقع فيها اختلاف ولكن لم تشرع زيادة تعظيم ... ولو فتح هذا الباب لجاء قوم فقالوا يوم هجرته إلى المدينة يوم أعز الله فيه الإسلام فيجتمع فيه ويتعبد, ويقول آخرون الليلة التي أسري به فيها حصل له من الشرف ما لايقدر قدره,فتحدث فيها عبادة,فلا يقف ذلك عند حد, والخير كله في إتباع السلف الصالح الذين اختارهم الله له,فما فعلوا فعلناه وما تركوا تركناه, فإذا تقرر هذا ظهر أن الاجتماع في تلك الليلة ليس بمطلوب شرعا , بل يؤمر بتركه." المعيار المعرب للونشريسي "7/ 99ـ 100" ط " دار الغرب الإسلامي"

    الشيخ محمد البشير الإبراهيمي : قال رحمه الله « الحب الصحيح لمحمد صلى الله عليه وسلم هو الذي يدع صاحبه عن البدع’ ويحمله على الإقتداء الصحيح, كما كان السلف يحبونه, فيحبون سنته, ويذودون عن شريعته ودينه ,من غير أن يقيموا له الموالد وينفقوا منها الأموال الطائلة التي تفتقر المصالح العامة إلى القليل منها فلا تجده" آثار البشير الإبراهيمي 2/341 .

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,557

    رد: رسالة " حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه " الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله

    حكم الإحتفال بالمولد النبوي للشيخ أي عبد المعزمحمد علي فركوس حفظه الله تعالى


    حكم الإحتفال بمولد خير الأنام عليه الصلاة و السلام

    في شرط قَبول العبادة

    الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
    فقد قَرَّرَ أهلُ السُّنَّة والجماعةِ أنّ العبادةَ لا تقع صحيحةً ولا مقبولةً إلاَّ إذا قامت على أصلين عظيمين:
    أولهما: عبادة الله وحده لا شريك له، أي: الإخلاص، بأن تكون العبادةُ خالصةً لله تعالى من شوائبِ الشِّرك، إذ كلُّ عبادةٍ خالطها شركٌ أبطلها؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخَاسِرِينَ، بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ﴾ [الزمر: 65-66]، وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام: 88].
    كما أنَّ الأصلَ يقتضي أن يكون الله سبحانه وتعالى هو المشرِّع الوحيد لها، قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللهُ﴾ [الشورى: 21]، وقال تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18]، وقال سبحانه عن نبيِّه: ﴿قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ [الأحقاف: 9]، ومعنى ذلك أنَّ العبادة التي شرعها الله تعالى توقيفيةٌ في هيئتها وعددِها ومواقيتِها ومقاديرِها، لا يجوز تعديها وتجاوزها بحال، ولا مجال للرأي فيها، قال تعالى: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [هود: 112].
    ثانيهما: عبادة الله بما شرع على لسان نَبيِّه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، ويظهر من هذا الأصل أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم هو المبلِّغُ الوحيدُ عن الله تعالى، والمبيِّنُ لشريعته قولاً وفِعلاً، أي: هو القُدوة في العبادة، ولا يُقضى بصلاح العبادة وصوابها إلاَّ إذا قُيِّدَتْ بالسُّنَّة والإخلاص، قال تعالى: ﴿فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاً يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: 110]. وقد أمر اللهُ تعالى بطاعته، وجعل طاعتَه من طاعة الله، قال تعالى: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ [النساء: 80]، وقال تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾ [الحشر: 7]، وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]، وقال صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: »مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ«ٌ (١- أخرجه مسلم في «الأقضية»: (4590)، وأحمد: (25870)، والدارقطني في «سُننه»: (4593)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
    ولقد بيَّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم هذا الدِّينَ وأدّى واجبَ التبليغِ خيرَ أداءٍ، وقد امتثل لأمر ربِّه في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ﴾ [المائدة: 67]، وقام به أتمَّ قيام، وقد أتمَّ اللهُ به هذا الدِّينَ فلا ينقصه أبدًا ورضيه فلا يسخطه أبدًا، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ [المائدة: 3]، فَكَمُلَتِ الشريعةُ واستغنَت عن زيادةِ المبتدعين واستدراكاتِ المستدركين، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «وَأَيْمُ اللهِ لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ البَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ»(٢- أخرجه ابن ماجه في «المقدمة» رقم: (5)، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، وحسَّنه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» رقم: (9)، وفي «السلسلة الصحيحة»: (688))، وقد شَهِدَتْ له أُمَّتُهُ بإبلاغ الرِّسالة وأداءِ الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خُطبته يومَ حَجَّة الوداع، وقد سار على هديه الشريفِ أهلُ الإيمان من سلفنا الصالح من الصحابة والذين اتبعوهم بإحسان، غير مبدِّلين ولا مغيِّرين، سالكين السبيل المستقيمَ، فمن جانبه وحادَ عنه ساء مصيرُه، قال تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
    حدث الاحتفال بالمولد
    ومصدره الأوّل
    فهؤلاء هم أهلُ محبَّةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، الصادقون في توقيره وتعظيمه والتزام شرعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتسليم لأحكامه، والتأسي به في الظاهر والباطن، استجابة لله سبحانه في قوله: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]، قال ابن كثير -رحمه الله-: «هذه الآية الكريمة حاكمة على كلِّ مَن ادَّعَى محبةَ الله وليس هو على الطريقة المحمَّدية، فإنه كاذب في نفس الأمر حتى يتبع الشرعَ المحمَّدِيَّ والدِّين النبوي في جميع أقواله وأفعاله كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أنه قال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(٣- تقدم تخريجه)،… وقال الحسن البصريُّ وغيرُه من السلف: «زعم قوم أنهم يحبّون الله فابتلاهم بهذه الآية: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾ [آل عمران: 31]»»(٤- «تفسير القرآن العظيم» لابن كثير: (1/358)).
    وتفريعًا على ما تقدَّم فإنَّ الاحتفالَ بالمولد النبويِّ الذي أحدثه بعضُ الناس إمَّا مضاهاةً للنصارى في ميلاد عيسى عليه السلام، وإمَّا محبّةً للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وتعظيمًا له -زعموا-، يُعتبر من البدع المحدثة في الدِّين التي حَذَّرَ الشرع منها؛ لأنَّ هذا العملَ ليس له أصلٌ في الكتاب والسُّنَّة، ولم يتخذ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم موالد لأحدٍ من سابقيه من الأنبياء والصالحين، ولا لأبيه آدم -عليه السلام-، ولا لمن مات قبله مثل: عمِّه حمزة، وزوجته خديجة رضي الله عنهم، ولم يُؤْثَرْ عن الصحابة والتابعين إحياءُ مِثْلِ هذه الموالدِ والاحتفال بها، أي: لم ينقل عن أهل القرون المفضَّلة إقامة هذا العمل، ولا عن الأئمَّة أصحاب المذاهب الأربعة: أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فلو كان الاحتفال بالمولد مشروعًا لكان محفوظًا؛ لأنَّ الله تعالى تكفَّل بحفظ شرعه، قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9]، ولو كان محفوظًا ما تركه الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون رضي الله عنهم، ولو كانت عبادة خيِّرة متجلية في محبة الرسول صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لسبقونا إليها، فلمَّا لم يفعلوا عُلم أنَّه ليس من دين الله تعالى، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(٥- أخرجه البخاري في «الصلح»: (2697)، ومسلم في «الأقضية»: (4589)، وأبو داود في «السُّنَّة»: (4608)، وابن ماجه في «المقدمة»: (14)، وأحمد: (26786)، من حديث عائشة رضي الله عنها)، وفي رواية لمسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(٦- تقدم تخريجه)، وقال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «فَإِنَّ خَيْرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»(٧- أخرجه مسلم في «الجمعة»: (2005)، وأحمد: (14566)، من حديث جابر رضي الله عنها)، قال حذيفة رضي الله عنه: «كُلُّ عِبَادَةٍ لاَ يَتَعَبَّدُهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَعَبَّدُوهَا، فَإِنَّ الأَوَّلَ لَمْ يَدَعْ لِلآخِرِ مَقَالاً»(٨- أخرجه ابن المبارك في «الزهد»: (47)، وابن نصر في «السُّنَّة»: (89)، وابن وضَّاح في «البدع»: (11)، وابن عبد البر في «الجامع»: (1809) من طريق عبد الله بن عون عن إبراهيم، والأثر صحَّحه مشهور سلمان في تحقيقه لكتاب «الاعتصام» للشاطبي: (1/122))، وقال عبدُ الله بن مسعود رضي الله عنه: «اتَّبِعُوا ولاَ تَبْتَدِعُوا فقَدْ كُفِيتُمْ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»(٩- أخرجه الدارمي في «سننه»: (209)، والطبراني في «الكبير»: (8770)، والبيهقي في «شعب الإيمان»: (2216)، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد»: (1/434): «رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح»، واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد»: (1/96). وصحَّحه الألباني في «تحقيقه لإصلاح المساجد»: (12)).
    وَخَيْرُ الأُمُورِ السَّالِفَاتِ عَلَى الهُدَى
    وَكُلُّ خَيْرٍ فِي اتِّبَاعِ مَنْ سَلَفَ

    وَشَرُّ الأُمُورِ المُحْدَثَاتِ البَدَائِعُ
    وَكُلُّ شَرٍّ فِي ابْتِدَاعِ مَنْ خَلَفَ

    هذا، وإنَّما حدث ذلك في دولة بني عُبَيْدٍ من الشِّيعة الرافضة، المتسمِّين بالفاطميِّين، وقد أحدث القومُ عِدَّة موالدَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، ولآل البيت، ولغيرهم من الأولياء والصالحين، بل لغيرهم من أهل الضلال والباطل من الخرافيِّين والقبوريِّين، فاحتفلوا بموسم رأس السَّنَة اقتداء باليهود، ومولد النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم اقتداءً بالنصارى، وبيوم عاشوراء، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومولد فاطمة رضي الله عنها، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه، وعيد الغدير، وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النَّوْرُوزِ، وغيرها كثير.
    وأوَّل من أحدثه المعزّ لدِين الله سَنَة (362ﻫ) بالقاهرة، واستمرَّ الاحتفال به إلى أن ألغاه الأفضل أبو القاسم أمير الجيوش ابن بدر الجمالي، ووزير الخليفة المستعلي بالله، سنة (490ﻫ)(١٠- انظر: «المواعظ والاعتبار» للمقريزي: (1/432-433)، «صبح الأعشى» للقلقشدي: (3/398)، «الإبداع» لعلي محفوظ: (126)، «القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم»، لإسماعيل الأنصاري: (68)).
    ثمَّ جاء من بعدهم عمر بن محمَّد المُلا الإِرْبِليّ(١١- إِرْبِل: مدينة كبيرة من أعمال المَوْصِلِ، والمَوْصِل مدينة عتيقة، قديمة الأساس على طرف دِجلة من أعظم المدن بالعراق سميت بذلك لأنَّها وصلت بين الجزيرة والعراق، وقيل: وصلت بين الفرات ودِجلة. [انظر: «الروض المعطار» للحميري: (563)، «اللباب» لابن الأثير: (1/39، 3/269)، «مراصد الاطلاع» للصفي البغدادي: (1/51، 3/1333)]) أحد الصوفية المشهورين(١٢- هو عمر بن محمّد بن خضر الإربلي الموصلي أبو حفص معين الدين شيخ الموصل المعروف بالملاّ، له أخبار مع الملك نور الدين محمود ابن زنكي توفي سنة: (570). [انظر ترجمته في: «البداية والنهاية» لابن كثير: (12/282)، «الأعلام» للزركلي: (5/60)])، فكان أول من أعاد إحياء بدعة المولد بالموصل(١٣- انظر: «الباعث على إنكار البدع والحوادث» لأبي شامة (24))، وبه اقتدى ملك إربل(١٤- هو الملك المظفر: أبو سعيد كُوكُبرى بن زين الدين بن بُكْتِكين، كانت وفاته بقلعة إربل سنة: (630). [انظر: «البداية والنهاية» لابن كثير: (13/136)، «وفيات الأعيان» لابن خلكان: (4/113)، و«شذرات الذهب» لابن العماد: (5/138)]) وغيره.
    ومعنى ذلك أنَّ هذه الموالدَ من حوادث الفاطميِّين الباطنيِّين الروافض، وهم أول المروِّجين لها، الساعين لنشرها كما ذكرت كتب التاريخ، تشبّهًا بمن أُمرنا بمخالفتهم وتقليدًا بمن نُهينا عن اتباعهم من اليهود والنصارى في قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلكتُمُوهُ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، اليَهُودَ والنَّصَارَى ؟ قَالَ: فَمَنْ ؟!»(١٥- أخرجه البخاري في «الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة»: (7320)، ومسلم في «العلم»: (6952)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه)، ولا ريب أنَّ الرافضة من أشدِّ الناس تأثُّرًا باليهود والنصارى لذلك شابهوهم في كثرة الأعياد، والصور، ومعظم الأفكار والمعتقدات، إذ لا يخفى على مُتمعِّنٍ في أصول الروافض أنَّ الجذور العقدية للتشيُّع تحمل بصمات وثنية آشورية بابلية ظاهرة، كما أنَّ أقوالهم في عليِّ بنِ أبي طالبٍ رضي الله عنه وفي الأئمَّة من آل البيت تلتقي مع أقوال النصارى في المسيح عيسى عليه السلام جملةً وتفصيلاً، ولا غَرْوَ في ذلك، فإنّ مؤسِّس الأصول العقدية للرافضة هو: عبد الله بن سبأ اليهودي الحميري من اليمن، الذي أسلم ظاهرًا ونقل ما وجده في الفكر اليهودي ومعتقده إلى التشيُّع(١٦- انظر: الدراسات على الشيعة في المراجع التالية: «تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة» للدكتور عبد الله فياض، «الشيعة والتشيُّع»، و«الشيعة وأهل البيت» لإحسان إلهي ظهير، و«الصراع بين الشيعة والتشيع» للدكتور موسى الموسوي، وغيرها.. ).
    حوادث ومنكرات
    لم يعرف المسلمون الموالدَ قبل القرن الرابع الهجري، ولم يفعله السلفُ مع قيام المقتضي له، وانتفاءِ المانع، ولو كان هذا خيرًا محضًا أو راجحًا لكان السلف رضي الله عنهم أحقَّ به مِنَّا؛ فإنَّهم كانوا أشدَّ محبةً لرسوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وتعظيمًا له منَّا، وهم على الخير أحرص، كما صرَّح بذلك شيخ الإسلام في «الاقتضاء»(١٧- «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية: (2/123))، عِلمًا أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»(١٨- أخرجه الترمذي: (2891)، وابن ماجه في «المقدمة»: (44)، وأحمد: (17606)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (936))، والمهديُّون من الخلفاء لم يفعلوا هذا العمل، وإنَّما مصدر الحدث الفاطميُّون الروافض أوّلاً، ثُمَّ تَلَقَّتْهُ عنهم الصوفية مشاكلة، فاتخذوا المولدَ النبويَّ عِيدًا دينيًّا، فأبدعوا في الاحتفال به بدعًا محدثة بدعوى محبَّة النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم -زعموا- من إيقاد الشموع وإشعال الأضواء وتنوير البيوت والمساجد والأضرحة بها، مع تهييج الوضع بالمفرقعات بشتَّى ألوانها وأنواعها على وجه المرح واللعب، والإسراف في نفقات الزينة وتبذير الأموال لإقامة الحفلات وإطعام الطعام، وما ترتِّبه وسائلُ الإعلام السمعية والمرئية بهذه المناسبة من الأغاني والموسيقى والمدائح الشعبية، واختلاط الرجال بالنساء على وجهٍ غير مرضي، وما ينشط فيه الكُتَّاب والشعراء في مدح النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وذِكْرِ سيرته بمساعدة بعض الصحف والجرائد التي تفسح مجالاتٍ لأهل الهوى والرَّدَى ومرضى القلوب في نشر مقالات التهكُّم والتضليل والتمييع، مع ما فيها من غلوٍّ وخطإ في المعلومات المبثوثة والأحكام الشرعية المعروضة، مصحوبة بطابع الاستفزاز والتحدِّي، والأدهى والأَمَرُّ طريقةُ أهل الطرق الصوفية في الاحتفال بالمولد النبوي أنَّهم يجسدون المظهر الديني بالاجتماع حول الضريح وإنشاد المدائح والأذكار الخاصَّة، وما يقرأونه من المؤلَّفات الموضوعة بصاحب المولد متبوعًا بدق الطُّبول والرقص البهلواني والتصفيق، وقِلَّة احترام لكتاب اللهِ فَضلاً عمَّا تتضمَّنه قصائدُهم ومدائحُهم النبوية من غلوٍّ وإطراءٍ حذَّر منه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بقوله: «لاَ تُطْرُوني كَمَا أَطْرَتِ النَّصارَى عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّما أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»(١٩- أخرجه البخاري في «الأنبياء»: (3261)، والدارمي في «سننه»: (2682)، وأحمد في «مسنده»: (333)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه).
    وهذا غَيْضٌ من فَيْضٍ من الأعمال التي لا تخرج -في طابعها العامِّ- عن الاحتفال الشعبي «الفولكلوري» المصطبغ بالصبغة الدينية، وترعاه الهيئات الرسمية التي تعتبر المولدَ النبويَّ عيدًا شرعيًّا وتمنح فيه الإجازات والعطل الرسمية مع أنَّ الشارعَ حَدَّدَ أعياد المسلمين بعِيدَيْنِ دون غيرهما، فقد روى أنسٌ رضي الله عنه قال: «قَدِمَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فيهِمَا فَقَالَ: مَا هَذَانِ اليَوْمَانِ ؟ قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا في الجَاهِليَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ قَدْ أبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الفِطْرِ»(٢٠- أخرجه أبو داود في «الصلاة»: (1134)، والحاكم في «المستدرك»: (1091)، وأحمد في «مسنده»: (12416)، من حديث أنس رضي الله عنه. والحديث صحَّحه ابن حجر في «فتح الباري»: (2/513)، والألباني في «صحيح الجامع»: (4381)).
    وعجبي لا ينقطع من فئةٍ من الدعاة تدَّعي سلوكَ الطريقة التي كان عليها الصحابة والتابعون ومَن تبعهم بإحسان من التمسُّك بالكتاب والسُّنَّة، وتقديمهما على ما سواهما، والعمل على مقتضى فهم السلف الصالح الذين اتفقت الأُمَّة على إمامتهم وعدالتهم، ثمّ لَمَّا قَويت شوكةُ الصُّوفية في البلاد تجدهم يشاركونهم في الموكب، ويجتمعون معهم على الموائد والزُّرَد والصُّحُون، ويبذلون الجهد في تسويغ أفعالهم بالبحث عن الشُّبُهات وحَشْدِ أقوالِ العلماء وينسجونها نسجًا ليُكوِّنوا بها أدلَّةً - زعموا - بُغْيَةَ إضفاء الشرعية على مواقفهم، ولئلاَّ تضيع مختلف مصالحهم وشتى مآربهم، يُرضُونهم مداهنة ممتثلين بمقولة القائل: «ودَارِهِمْ مَا دُمْتَ في دَارِهِمْ، وأَرْضِهِمْ مَا دُمْتَ في أَرْضِهِمْ»، وقد غفلوا أنَّ الله تعالى أحقُّ أن يُرضُوه إن كانوا مؤمنين وصادقين، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ أرْضَى اللهَ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللهُ النَّاسَ، وَمَنْ أسْخَطَ اللهَ بِرِضَى النَّاسِ وَكَلَهُ اللهُ إِلَى النَّاسِ»(٢١- أخرجه ابن حبان في «صحيحه»: (277)، والشهاب القضاعي في «مسنده»: (501)، والحديث صحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (2311)).
    والأعجب من ذلك أنَّه إذا ما اجتمعت كلمةُ أهلِ السُّنَّة على الحقِّ والدِّين وتعزَّزت وِحدتها غيَّروا موافقتهم وتدافعوا إلى طليعتها موجِّهين ومنذرين، وقد أخبر الله تعالى عن مثل هذا الصِّنف من الناس بقوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ، وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ [العنكبوت: 10-11].
    شبهات وتلبيس

    وعادة أهل الأهواء التمسُّك بالشُّبُهات يُلبِّسونها على العوامِّ وسائرِ من سار على طريقتهم، يحسبها الجاهل - بحسن ظنِّه - أدلة الشرع وأحكامه(٢٢- قد يقوم بالمولد من كان مجتهدًا مُتأوِّلاً أو مُقلِّدًا جاهلاً بحُكمه وهو حسن القصد فإنَّه يعذر بجهله لعدم بلوغ الخطاب، أو لمعارضته تأويل باجتهاد أو تقليد بخلاف العالم بحكمه، العامل على غير مقتضى ما عَلِم. وهذا هو مقصود شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- حيث قال في «الاقتضاء» (2/162): «فتعظيم المولد واتخاذه موسمًا، قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده، وتعظيمه لرسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم كما قدمته لك أنّه يحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدّد». [انظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (22/23)])، ﴿وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران: 78].
    ومن جُملة الشُّبهات وأهمِّ التعليلات: استنادهم إلى قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، على أنَّ في الآية أمرًا بالفرح بمولده صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم والاحتفال به، وبقوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: 5]، ليشكروا اللهَ على نعمة مَولد النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، ففي الآية دليلٌ -في اعتقادهم- على جواز تخصيص شهر ربيع الأول، وليلة: «12 ربيع الأول» منه للابتهاج والفرحة بمولده، وإفهام الناس سيرة النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وأخلاقه ومعجزاته وشمائله، وما لقيه في دعوته من المِحَنِ والشدائد، وهو صبَّار على طاعة الله وعن محارمه وعلى أقداره، شكورٌ قائمٌ بحقوق الله يشكر اللهَ على نعمه، كُلُّ ذلك من التذكير بأيَّام الله، وجاء تأييدهم لذلك بما ورد في صحيح مسلم: أنَّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم سُئِلَ عن صوم الاثنين ؟ فقال: «فِيهِ وُلِدْتُ، وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَيَّ»(٢٣- أخرجه مسلم في «الصيام»: (2807)، وأبو داود في «الصوم»: (2428)، وأحمد: (23215)، من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه)، ووجهه يدلُّ على شرف ولادته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، ويفيد شرعية الاحتفال بمولده، كما احتجُّوا على جواز المولد بأنَّ أبا لهب يُخفَّف عنه العذاب كلَّ اثنين لأنَّه أعتق ثويبة إثر بشارتها له بولادة النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم على ما جاء في البخاري: «قَالَ عُرْوَةُ: وَثُوَيْبَةُ مَوْلاَةٌ لأَبِي لهَبٍ وَكَانَ أَبُو لَهبٍ أَعْتَقَها فَأَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا مَاتَ أَبُو لَهبِ أُرِيَهُ بَعْضُ أَهْلِهِ بِشَرِّ حِيبَةٍ، قَالَ لَهُ: مَاذَا لَقِيتَ ؟ قَالَ أَبُو لَهبٍ: لَمْ ألْقَ بَعْدَكُمْ غَيْرَ أَنِّي سُقِيتُ فِي هَذِهِ بِعَتَاقَتِي ثُوَيْبَةَ»(٢٤- أخرجه البخاري في «النكاح»: (9/140) باب ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، من حديث عروة بن الزبير)، ولَمَّا كان فرحه بولادة النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم سببًا في تخفيفِ العذاب عنه فذلك دليلٌ على جواز الفرح والابتهاج بيوم مولِدِه والاحتفال به(٢٥- انظر: «المواهب اللدنية» للقسطلاني: (1/260))؛ ولأنَّ الغرض من إقامة مولده صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - كما قرَّره أهل الطرق - هو شُكْرُ الله على نعمة إيجاده، وتخصيص شكر الله تعالى عليه إنما يكون بإقامة الولائم وإطعام الطعام والتوسعة على الفقراء - زعموا -، فضلاً عن أعمال البِرِّ الأخرى النافعة كالاجتماع على قراءة القرآن وتلاوته، والذِّكْرِ والصلاة على النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وسماع شمائله الشريفة وقراءة سيرته العطرة؛ كُلُّ ذلك - عندهم - محمودٌ غيرُ محظورٍ بل مطلوبٌ إحياءً للذِّكرى، معلِّلين ذلك بما حثَّ الرسولُ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أُمَّته على صومِ عاشوراءَ شُكْرًا للهِ على نجاةِ موسى ومن معه، فإنَّ ذلك كُلَّهُ يُستفادُ منه شرعيةُ الاحتفال بالمولد(٢٦- انظر: «الفتاوى الحديثية» لابن حجر الهيثمي: (909، 974)، و«الحاوي للفتاوى» للسيوطي: (1/260))، ويعكس - حالَ الاجتماع عليه - محبَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وتعظيمَهُ، ويذهبُ بعضُهم إلى أنَّ أعيادَ الميلاد من عادات أهلِ الكتاب، والعادة إذا تَفَشَّتْ عند المسلمين أصبحت من عاداتهم، والبدعةُ لا تلج العادات وإِنَّمَا تدخل في العبادات.
    تفنيد الشبهات ومختلف التعليلات

    ولا يخفى أنَّ تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 58]، بمولده صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لا يَشهدُ له أيُّ تفسيرٍ، وهو مخالِفٌ لما فَسَّرَهَا به الصحابة الكرام والأئمَّة الأعلام، وقد جاء عنهم أَنَّ المرادَ بفضل الله: القرآن، ورحمتِه: الإسلام، وبهذا قال ابنُ عباس وأبو سعيد الخدري رضي الله عنهم، وعنهما -أيضًا-: فضل الله: القرآن ورحمته: أن يجعلكم من أهله، وقيل: العكس(٢٧- «تفسير القرطبي»: (8/353)، «تفسير ابن كثير»: (2/402-403)).
    فالحاصلُ أنَّ اللهَ تعالى لم يأمر عبادَه بتخصيص ليلةِ المولد بالفرح والاحتفال، وإنَّما أمرهم أن يفرحوا بالإسلام وهو دِين الحقِّ الذي أنزل على نبيِّه صَلَّى الله عليه وآله وسَلَّم ويدلُّ عليه قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]، وقد تعرَّضت الآية للبِعثة ولم تتعرَّض لولادته، قال تعالى -مُمْتَنًّا على المؤمنين-: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: 164]، وفي «صحيح مسلم»: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً(٢٨- أخرجه مسلم في «البر والآداب والصلة»: (6778)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)»(٢٩- «حوار المالكي» لابن منيع: (85))، وفي رواية في «صحيح مسلم» - أيضًا - أَنَّه لَمَّا سُئِلَ عن صوم الاثنين قال: «وَيَوْمٌ بُعِثْتُ فِيهِ»(٣٠- أخرجه مسلم في «الصيام»، باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر: (2747)، من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه).
    أمّا قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ [إبراهيم: 5]، فالمراد بأن يُذكِّرَهم بنِعم اللهِ ونقمه التي انتقم فيها من قوم نوح وعاد وثمود، والمعنى: أن يَعظهم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد، فإنَّ في التذكير بها لدلالات عظيمة على التوحيد وكمال القدرة لكلِّ مُؤمن، وأُردفت الآيةُ بالوصفين المذكورين وهما: «الصبر والشكر»؛ لأنَّهما ملاك الإيمان(٣١- «تفسير ابن كثير»: (2/523)، «فتح القدير» للشوكاني: (3/94))، وفيما صحَّ من حديثِ رسولِ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أنّه قال: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ «شَكَرَ» فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ «صَبَرَ»، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»(٣٢- أخرجه مسلم في «الزهد والرقائق»، باب المؤمن أمره كلّه خير: (7500)، من حديث صهيب رضي الله عنه).
    ولا يخفى أنّ الصحابة رضي الله عنهم ومَن بعدَهم من أهل الإيمان الذين يصبرون في الضرَّاء ويشكرون في السَّرَّاء ويحيون سُنَّته ويتَّبعون هديَه لم يفهموا من الآية الاحتفال بالمولد لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ، ولا أقاموه، وإنَّما حدث بعد القرون الثلاثة المفضَّلة.
    أمَّا شبهتهم بالحديث فغاية ما يدلُّ عليه الترغيب في الصيام يوم الاثنين(٣٣- ومن التناقضات العجيبة أنَّ أهل إحياء المولد يكرهون الصيام يوم الاثنين إن وافق المولد لكونه عيدًا يلزم فيه الفرح والسرور ويستقبح في مثله الصيام، في حين أنَّ صاحب الشريعة يندب إلى صيام يوم الاثنين، فقد صامه النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ورغَّب في صيامه، قال الحطاب في «مواهب الجليل» (2/406): «قال الشيخ زروق في شرح القرطبية صيام المولد كَرِهَه بعضُ من قرب عصره ممّن صحّ علمُه وورعه، قال: إنه من أعياد المسلمين فينبغي أن لا يصام فيه، وكان شيخنا أبو عبد الله القوري يذكر كثيرًا ويستحسنه؟!!») وقد اكتفى به، وما كفى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم يكفي أُمَّتَه، وما وسعه يسعها، ولذلك كان شكر الله على نعمة ولادته بنوع ما شكر به صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم إنَّما يكون في هذا المعنى المشروع، ومن ناحية أخرى أنَّ يوم الاثنين الذي هو يوم مولده صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ومبعثه - كما ورد في الحديث - وافق يوم وفاته بلا خلاف(٣٤- «فتح الباري»: (8/129))، وعلى المشهور - أيضًا - أنَّ ولادته ووفاته كانتَا في شهر ربيع الأول، فلماذا يفرح الناس بولادته ولا يحزنون على وفاته، إذ ليس الفرح أولى من الحزن فيه، علمًا بأنَّ وفاتَه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم مِن أعظم ما ابتلي به المسلمون، وأفجعِ ما أُصيبت به أُمَّة الإسلام، قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّمَا أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، -أَوْ مِنَ المُؤْمِنِينَ- أُصِيبَ بِمُصِيبَةٍ فَلْيَتَعَزَّ بِمُصِيبَتِهِ بِي، عَنِ المُصِيبَةِ الَّتِي تُصِيبُهُ بِغَيْرِي، فَإِنَّ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِي لَنْ يُصَابَ بِمُصِيبَةٍ بَعْدِي، أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ مُصِيبَتِي»(٣٥- أخرجه ابن ماجه في «الجنائز»: (1599)، والبيهقي في «شعب الإيمان»: (10154)، من حديث عائشة رضي الله عنه. والحديث صحَّحه بشواهده الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (3/98)).
    قال ابن الحاج المالكي -رحمه الله-: «العجب العجيب كيف يعملون المولد بالمغاني والفرح والسرور - كما تقدَّم - لأجل مولده صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في هذا الشهر الكريم، وهو صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فيه انتقل إلى كرامة ربِّه عزَّ وجلَّ، وفُجعت الأُمّة وأُصيبت بمصاب عظيم لا يعدل ذلك غيرها من المصائب أبدًا، فعلى هذا يتعيَّن البكاء والحزن الكثير، وانفراد كُلِّ إنسان بنفسه لما أصيب به لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «ليعزّى المسلمون في مصائبهم المصيبة بي»»(٣٦- «المدخل» لابن الحاج: (2/16-17)).
    وليس لليوم الثاني عشر من ربيع الأول - إن صحَّ أنّه مولده - من ميزةٍ دون الأيام الأخرى؛ لأنّه لم يُنقل عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم أنّه خصَّصه بالصيام أو بأيِّ عملٍ آخرَ، ولا فعله أهلُ القرون المفضَّلة من بعده، فدلَّ ذلك على أنَّه ليس له من فضلٍ على غيره من الأيام.
    وحقيقٌ بالتنبيه أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومَن معه من الصحابة الكرام أجمعوا على ابتداء التقويم السنوي الإسلامي من التاريخ الهجري، وقد خالفوا في ذلك النصارى في البداءة حيث ابتدأوا تقويمَهم السَّنوي من يوم ولادة المسيح عيسى عليه السلام فعن سعيد بن المسيِّب قال: «جمع عمرُ الناسَ فسألهم: من أيِّ يوم يكتب التاريخ ؟ فقال علي بن أبي طالب: مِن يوم هاجر رسولُ الله وترك أرضَ الشرك، ففعله عمر رضي الله عنه»(٣٧- أخرجه الحاكم في «المستدرك»: (3/15) رقم: (4287)، وقال عنه: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه». عن عثمان بن عبيد الله أبي رافع، عن سعيد بن المسيِّب -رحمه الله-).
    ولم يُنقل عنهم أنهم اتخذوا مولِدَه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ولا مبعثَه ولا هجرتَه ولاَ وفاتَه عيدًا يحتفلون به، كما أنَّهم لم يقتدوا بالنصارى في وضع التاريخ الإسلامي، إذ المعلوم أنَّ من سنَّة النصارى اتخاذ موالد الأنبياء أعيادًا، فكيف العدول عن سُنَن الخلفاء الراشدين المهديِّين والاستنان بسُنَّة النصارى الضالين ؟! وقد قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»(٣٨- أخرجه أبو داود في «السُّنَّة»: (4607)، والترمذي في «العلم»: (2891)، وابن ماجه في «المقدمة»: (44)، وأحمد: (17606)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. وصحَّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (936)).
    ولا يخفى أنَّ سبيل الصحابة رضي الله عنهم حقّ لازم اتباعه وقد جاء الوعيد بمخالفة اتباع غيرِ سبيل المؤمنين في قوله تعالى: ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 115].
    أمَّا من رأى أبا لهب بعد موته في النوم أنه خُفِّف عنه بعض العذاب كلَّ ليلة الاثنين(٣٩- «المواهب اللدنية» للقسطلاني: (1/260))، فجوابه من عِدَّة وجوه:
    الأول: إنَّه ليس في حديث البخاري أنَّه يخفَّف عنه كلّ اثنين، ولا أنه أعتق ثويبة من أجل بشارتها إيَّاه بولادته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وقد ذكر ابنُ حجر أنَّه أعتقها أبو لهب بعد هجرة رسول الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم(٤٠- «الإصابة» لابن حجر: (4/258))، وروي أنَّه أعتقها قبل ولادته بزمن طويل(٤١- «شرح الزرقاني» على «المواهب اللدنية»: (1/259)).
    الثاني: إنَّه خبر مرسل أرسله عروة ولم يذكر من حدَّثه به.
    الثالث: وعلى تقدير أنَّه موصول فالذي في الخبر رؤيا منام فلَا حُجَّة فيه كما صَرَّح الحافظ ابنُ حَجَر(٤٢- «فتح الباري» لابن حجر: (9/145))، قال المعلمي -رحمه الله-: «اتفق أهلُ العلم على أَنَّ الرُّؤْيَا لا تصلح للحُجَّة، وهي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حُجَّة شرعية صحيحة»(٤٣- «التنكيل» للمعلمي: (2/242)).
    الرابع: إنَّ الرائي في المنام: له أَخُوهُ العباس رضي الله عنه وذلك بعد سَنَةٍ من وفاة أبي لهب بعد وقعة بدر ذكره السُّهيلي(٤٤- «البداية والنهاية» لابن كثير: (2/273))، ولعلَّ الرَّائي لم يكن إذ ذاك قد أسلم(٤٥- «الإصابة» لابن حجر: (2/271)).
    الخامس: إنَّ الخبر مخالِفٌ لظاهر القرآن والإجماع، قال تعالى: ﴾وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾ [الفرقان: 23]، ولقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ [النور: 39]، وقوله تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ [إبراهيم: 18]، ولقد كان أبو لهب من أشدِّ الناس عداوةً للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم ومُبالغةً في إيذائه، الأمر الذي يهدم ما سلف من الفرح به لو صحَّ ذلك، وقد ذكر القاضي عياض انعقاد الإجماع على أنَّ الكُفَّار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا تخفيف عذابٍ وإن كان بعضهم أشدَّ عذابًا من بعض(٤٦- «فتح الباري» لابن حجر: (9/145)).
    السادس: وعلى فرض التسليم والقَبول جَدَلاً بأن خفِّف عنه لإعتاقه ثويبة بسبب ولادته وإرضاعه؛ فإنَّ هذا الأمر لا يخفى عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، كما لم يَخْفَ عنه تخفيف العذاب عن أبي طالب لأجل حمايته ونصرته، ومع هذا العلم لم ينقل عنه اتخاذ يوم مولده عيدًا، ولا أصحاب القرون المفضّلة بعده.
    وأمَّا التوسعة على الفقراء بإطعام الطعام وغيرها من أفعال البِرِّ والإحسان إن وقعت على الوجه الشرعي فهي من أعظم القربات والطاعات، لكن تخصيصها على الوجه الذي لا يثبت إلاَّ بنصٍّ شرعيٍّ، إذا انتفى تنتفي المشروعية، عملاً بقاعدة: «إِذَا سَقَطَ الأَصْلُ سَقَطَ الفَرْعُ»(٤٧- وهذه القاعدة مطردة في المحسوسات والمعقولات؛ لأنّ الأساس إذا انهدم انهدم معه ما بُني عليه. [انظر: «الأشباه والنظائر» للسيوطي: (119)، و«الأشباه والنظائر» لابن نجيم: (134)]).
    أمّا الدروس والعِبر والعِظَات وتلاوةُ القرآن والذِّكر والصلاة على النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وقراءة سيرته وغيرها فإنَّما تشرع كلَّ وقتٍ، وفي كلِّ مكان من غير تخصيصٍ كعموم المساجد والمدارس والمجالس العامَّة والخاصَّة، وتسري عليها القاعدة السابقة: «إِذَا سَقَطَ الأَصْلُ مَعَ إِمْكَانِهِ فَالتَّابِعُ أَوْلَى»(٤٨- عبّر عنها النووي بهذه الصيغة. انظر: «المجموع» للنووي: (1/392)).
    وإن أُريد بالدروس والعظات وقراءة سيرته إحياء الذكرى به فإنَّ الله تكفَّل برفع ذكره في الدنيا والآخرة على مدار الأزمنة والدهور، فيُذكر مع الله في الأذان والخُطَب والصَّلوات والإقامة والتشهُّد ونحو ذلك، فَقَصْرُ ذِكره في يومِ مولدِه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم جفاءٌ في حَقِّهِ وتقصيرٌ في تعظيمه وتفريطٌ في توقيره ومحبّته.
    وأمّا عاشوراء الذي حثَّ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم على صيامه شُكرًا لله على نجاةِ موسى ومَنْ معه فإنَّما كان امتثالاً لأمرِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وطاعةً له وهو شُكْرٌ لله على تأييده للحقِّ على الباطل، لكن ليس فيه دليلٌ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ على إقامة الموالد والاجتماع إليها وإحداث المواسم الدينية، لربط الأزمنة بالأحداث - زعموا -، وإنَّما التوجيه النبوي لأُمَّته أن يعبِّروا على شكر الله بتجسيده بالصيام لا باتخاذه عيدًا يحتفل به حتَّى يُلحقَ به مولدُه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، إذ لا يعرف في الإسلام من الأعياد السنوية إلاَّ عيد الأضحى وعيد الفطر -كما تقدَّم- ولو شرعه لنا عيدًا لندب إليه ولأمَر بترك صومه؛ لأنَّ الناس يعتبرون في العيد ضيوفًا عند الله تعالى، والصوم إعراض عن الضيافة، لذلك يفسد إلحاق حكم المولد قياسًا على عاشوراء لقادح المنع، وهو منع حكم الأصل.
    ثمّ إنَّ الاحتفال بعيد ميلاد عيسى -عليه السلام- ليس من عادات الكفار، وإنَّما هو من عباداتهم، كما أفصح عن ذلك ابن القيم -رحمه الله- بقوله: «من خصَّ الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا، كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسم وعبادات، كيوم ميلاده، ويوم التعميد(٤٩- التعميد أو المعمودية عند النصارى: أن يغمس القِسُّ الطفل في الماء باسم الأب والابن وروح القدس، ويتلو عليه بعض فِقَرٍ من الإنجيل، تعبيرًا عن تطهير النفس من الخطايا والذنوب، وهو آية التنصير عندهم. [انظر: «المعجم الوسيط»: (2/626)، «المسيحية» لأحمد شبلي: (30/168/169)] )، وغير ذلك من أحواله»(٥٠- «زاد المعاد» لابن القيم: (1/59)).
    وإذا سلَّمنا - جدلاً - أنَّه من عاداتهم، فقد نُهينا عن التشبُّه بأهل الكتاب، وتقليدهم، سواء في أعيادهم أو في غيرها لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(٥١- أخرجه أبو داود في «اللباس»: (4033)، وأحمد: (5232)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه العراقي في «تخريج الإحياء»: (1/359)، وحسَّنه ابن حجر في «فتح الباري»: (10/288)، والألباني في «الإرواء»: (1269))، وأقلُّ أحوال الحديث اقتضاء تحريم التشبُّه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبِّه بهم كما في قوله تعالى: ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: 51](٥٢- انظر: «اقتضاء الصراط المستقيم» لابن تيمية: (1/270))، ومعلوم أنَّ المشابهة إذا كانت في أمور دنيوية فإنَّها تورث المحبَّة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية ؟ فإنَّ إفضاءَها إلى نوعٍ من الموالاة أكثر وأشدُّ، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان، كما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-(٥٣- انظر المصدر السابق: (1/550)).
    طاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
    عنوان محبته وتعظيمه
    وليس من محبَّته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وتعظيمِه ارتكاب البدع التي حذَّر منها، وأخبر أنَّها شرٌّ وضلالة، وإنَّما تتجلَّى محبَّتُه في طاعته، والاستقامة على أمره، والتسليم لأحكامه، واتباع هديه، وسلوك طريقته، والتأسِّي به في مظهره ومخبره، قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [آل عمران: 31]، وقال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21]، وقد كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم أشدَّ محبَّةً للنبِّيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وتعظيمًا له مِنَّا، وأحرصَ على الخير ممَّن جاء بعدَهم، وأسبقَ إليه من غيرهم، وكانوا أعلمَ الناس بما يصلح له النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فلو كان في إقامة مولده صَلَّى اللهُ وعليه وآله وسلم والاحتفال به واتخاذه عيدًا أدنى فضل ومحبَّة له وتعظيم له صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم لكانوا رضي الله عنهم أسرعَ الناسِ إليه وأحرصَهم على إقامته والاحتفال به، لكن لم يُنقل عنهم ذلك، وإنَّما أُثِرَ عنهم ما عرفوه من الحقِّ من محبَّته وتعظيمه بالإيمان به وطاعته واتباع هديه، والتمسُّك بسُنَّته ونشر ما دعا إليه، والجهاد على ذلك بالقلب واللسان، وتقديم محبَّته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم على النفس والأهل والمال والولد والناس أجمعين(٥٤- انظر المصدر السابق: (2/132))، تلك هي المحبة الصادقة التي تنعكس على المحبوب بالطاعة والتزام شرعه واتباع هديه، إذ طاعة المحبوب عنوان محبَّته وتعظيمه، قال محمَّد البشير الإبراهيمي -رحمه الله-: «الحبُّ الصحيح لمحمَّد صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم هو الذي يَدَعُ صاحبَه عن البدع، ويحملُه على الاقتداء الصحيح، كما كان السلف يحبُّونه، فيحبُّون سُنَّته، ويَذُودون عن شريعته ودينه، من غير أن يقيموا له الموالد، وينفقُوا منها الأموال الطائلة التي تفتقر المصالحُ العامَّةُ إلى القليل منها فلا تَجدُه»(٥٥- «آثاره»: (2/341)).
    هذا، وليست البدعة من محبَّته وتعظيمه ولو كانت حسنةً في نظر فاعلها؛ لأنه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم عَمَّمَ فقال: «كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ(٥٦- سبق تخريجه)، وقال: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ»(٥٧- سبق تخريجه)، وفي رواية مسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»(٥٨- سبق تخريجه)، ثمّ إنَّه كيف تكون حسنةً لأنَّ المُحَسِّنَ لها إمَّا الشرع فتنتفي البدعةُ، وإمَّا العقلُ فلا مدخلَ له في إثبات الأحكام الشرعية، ولا في تعلُّق المدح والذمِّ بالأفعال عاجلاً، أو تعلُّق الثواب والعقاب بها آجلاً -عند أهل السُّنَّة- وإنَّما طريق ذلك السمع المجرَّد.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «معلوم أنَّ كُلَّ ما لم يَسُنَّهُ ولا استحبَّه رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، ولا أحدٌ مِن هؤلاء الَّذين يقتدي بهم المسلمون في دينهم، فإنَّه يكون من البدع المنكرات، ولا يقول أحدٌ في مثل هذا إنَّه بدعةٌ حسنةٌ»(٥٩- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (27/152)).
    هذا، وأخيرًا فإنَّنا نحمد الله تعالى على نِعمة ولادة النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وعلى نعمة النُّبوَّة والرِّسالة، فهو الذي أنزل عليه القرآنَ، وأتمَّ به الإسلامَ، وبيَّنه أتمَّ البيان، وبلَّغه على التمام، وبهذا نفرح ونبتهج من غير غُلُوٍّ ولا إطراءٍ، ونَسْتَلْهِمُ العِبَرَ والعِظاتِ من سيرتِه العَطِرة، ومن شمائله الشريفة، وسائرِ مواقفه المشرفة في ميادين الجهاد والتعليم، من غير تخصيص بزمان ولا مكان ولا هيئة، ونحرص على اتباع هديه صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، والتمسُّكِ بسُنَّته على ما مضى عليه سلفنا الصالح -رحمهم الله تعالى-.
    والموفَّقُ السعيدُ من انتظم في سلك من أحيا سُنَّة وأمات بدعة.
    ونسأل اللهَ بأسمائه الحسنى وصفاته العُلَا أن يُرِيَنَا الحقَّ حَقًّا ويرزقَنَا اتباعَهُ، والباطلَ باطِلاً ويرزقَنَا اجتنابَهُ، ولا يجعلَه مُتَلَبِّسًا علينا فنَضِلَّ، وأن يكون لنا عونًا على أداء واجب الدعوة والنذارة امتثالاً لقوله تعالى: ﴿وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122].
    وآخرُ دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
    أبو عبد المعز محمَّد علي فركوس
    الجزائر في: 18 صفر 1426ﻫ
    الموافق ﻟ: 28 مارس 2005

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,557

    افتراضي رد: رسالة " حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه " الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله

    حكم الاحتفال بالمولد
    للشيخ محمد ناصر الدين الألباني
    إن الحمد لله نحمده ونستعينة ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
    {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
    { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا}
    { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما}
    أما بعد، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الامر محدثاتها ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
    وبعد فقد بدا لي أن أجعل كلمتي في هذه الليلة بديل الدرس النظامي حول موضوع احتفال كثير المسلمين بالمولد النبوي وليس ذلك مني كل قياما بواجب التذكير وتقديم النصح لعامة المسلمين فإنه واجب من الواجبات كما هو معلوم عند الجميع، جرى عرف المسلمين من بعد القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية على الاحتفال بولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ الاحتفال بطريقة وانتهى اليوم إلى طريقة وليس يهمني في هذه الكلمة الناحية التاريخية من المولد وما جرى عليه من تطورات إنما المهم من كلمتي هذه أن نعرف موقفنا الشرعي من هذه الاحتفالات قديمها وحديثها فنحن معشر أهل السنة لا نحتفل احتفال الناس هؤلاء بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم ولكننا نحتفل احتفالاً من نوع آخر ومن البدهي أنني لا أريد الدندنة حول احتفالنا نحن معشر أهل السنة وإنما ستكون كلمتي هذه حول احتفال الآخرين لأبين أن هذا الاحتفال وإن كان يأخذ بقلوب جماهير المسلمين لأنهم يستسلمون لعواطفهم التي لا تعرف قيداً شرعياً مطلقا وإنما هي عواطف جانحة فنحن نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء بالدين كاملا وافيا تاما والدين هو كل شئ يتدين به المسلم وأن يتقرب به إلى الله عز وجل ليس ثمة دين إلا هذا، الدين هو كل ما يتدين به ويتقرب به المسلم إلى الله عز وجل ولا يمكن أن يكون شئ ما من الدين في شئ ما إلا إذا جاء به نبينا صلوات الله وسلامه عليه أما ما أحدثه الناس بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فلا سيما بعد القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية فهي لاشك ولا ريب من محدثات الأمور وقد علمتم جميعا حكم هذه المحدثات من افتتاحية دروسنا كلها حيث نقول فيها كما سمعتم آنفا "خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" ونحن وإياهم مجمعون على أن هذا الاحتفال أمر حادث لم يكن ليس فقط في عهده صلى الله عليه وسلم بل ولا في عهد القرون الثلاثة كما ذكرنا آنفا ومن البدهي أن النبي صلى الله عليه وسلم في حياته لم يكن ليحتفل بولادته ذلك لأن الاحتفال بولادة إنسان ما إنما هي طريقة نصرانية مسيحية لا يعرفه الإسلام مطلقا في القرون المذكورة آنفا فمن باب أولى ألا يعرف ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن عيسى نفسه الذي يحتفل بميلاده المدعون إتباعه عيسى نفسه لم يحتفل بولادته مع أنها ولادة خارقة للعادة وإنما الاحتفال بولادة عيسى عليه السلام هو من البدع التي ابتدعها النصارى في دينهم وهي كما قال عز وجل {ابتدعوها ما كتبناها عليهم} هذه البدع التي اتخذها النصارى ومنها الاحتفال بميلاد عيسى ما شرعها الله عز وجل وإنما هم ابتدعوها من عند أنفسهم فلذلك إذا كان عيسى لم يحتفل بميلاده ومحمد صلى الله عليه وسلم أيضا كذلك لم يحتفل بميلاده والله عز وجل يقول {وبهداهم اقتده} فهذا من جملة الإقتداء نبينا بعيسى عليه الصلاة والسلام وهو نبينا أيضا ولكن نبوته نسخت ورفعت بنبوة خاتم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهما ولذلك فعيسى حينما ينزل في آخر الزمان كما جاء في الأحاديث الصحيحة المتواترة إنما يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم فإذاً محمد صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بميلاده وهنا يقول بعض المبتلين بالاحتفال غير المشروع الذي نحن في صدد الكلام عليه يقولون محمد صلى الله عليه وسلم ما راح يحتفل بولادته طيب سنقول لم يحتفل بولادته عليه السلام بعد وفاته أحب الخلق من الرجال إليه وأحب الخلق من النساء إليه ذالكما أبو بكر وابنته عائشة رضي الله عنهما ما احتفلا بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك الصحابة جميعا كذلك التابعون كذلك أتباعهم وهكذا إذا لا يصح لإنسان يخشى الله ويقف عند حدود الله ويتعظ بقول الله عز وجل، {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} فلا يقولن أحد الناس الرسول ما احتفل لأنه هذا يتعلق بشخصه لأنه يأتي بالجواب لا أحد من أصحابه جميعا احتفل به عليه السلام فمن الذي أحدث هذا الاحتفال من بعد هؤلاء الرجال الذين هم أفضل الرجال ولا أفضل من بعدهم أبدا ولن تلد النساء أمثالهم إطلاقا من هؤلاء الذين يستطيعون بعد مضي هذه السنين الطويلة ثلاثمائة سنة يمضون لا يحتفلون هذا الاحتفال أو ذاك وإنما احتفالهم من النوع الذي سأشير إليه إشارة سريعة كما فعلت آنفا فهذا يكفي المسلم أن يعرف أن القضية ليست قضية عاطفة جانحة لا تعرف الحدود المشروعة وإنما هو الاتباع والاستسلام لحكم الله عز وجل ومن ذلك { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } فرسول الله ما احتفل إذا نحن لا نحتفل إن قالوا ما احتفل لشخصه نقول ما احتفل أصحابه أيضا بشخصه من بعده فأين تذهبون؟ كل الطرق مسدودة أمام الحجة البينة الواضحة التي لا تفسح مجالاً مطلقا للقول بحسن هذه البدعة وإن مما يبشر بالخير أن بعض الخطباء والوعاظ بدأوا يضطرون ليعترفوا بهذه الحقيقة وهي أن الاحتفال هذا بالمولد بدعة وليس من السنة ولكن يعودهم ويحتاجون إلى شئ من الشجاعة العلمية التي تتطلب الوقوف أمام عواطف الناس الذين عاشوا هذه القرون الطويلة وهم يحتفلون فهؤلاء كأنهم يجبنون أو يضعفون أن يصدعوا بالحق الذي اقتنعوا به ولذلك لا تجد يروق ولا أريد أن أقول يسدد ويقارب فيقول صحيح أن هذا الاحتفال ليس من السنة ما احتفل الرسول ولا الصحابة ولا السلف الصالح ولكن الناس اعتادوا أن يحتفلوا ويبدو أن الخلاف فقري، هكذا يبرر القضية ويقول الخلاف شكلي لكن الحقيقة أنهم انتبهوا أخيرا إلى أن هذا المولد خرج عن موضوع الاحتفال بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحيان حيث يتطرف الخطباء أمورا ليس لها علاقة بالاحتفال بولادة الرسول صلى الله عليه وسلم أريد ألا أطيل في هذا ولكني أذكر لأمر هام جدا طالما غفل عنه جماهير المسلمين حتى بعض إخواننا الذين يمشون معنا على الصراط المستقيم وعلى الابتعاد من التعبد إلى الله عز وجل بأي بدعة، قد يخفى عليهم أن أي بدعة يتعبد المسلم بها ربه عز وجل هي ليست من صغائر الأمور ومن هنا نعتقد أن تقسيم البدعة إلى محرمة وإلى مكروهة يعني كراهه تنزيهيه هذا التقسيم لا أصل له في الشريعة الإسلامية كيف وهو مصادم مصادمة جلية للحديث الذي تسمعونه دائما وأبدا (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) فليس هناك بدعة لا يستحق صاحبها النار ولو صح ذلك التقسيم لكان الجواب ليس كل بدعة يستحق صاحبها دخول النار لم؟ لأن ذاك التقسيم يجعل بدعة محرمة فهي التي تؤهل صاحبها النار وبدعة مكروهة تنزيها لا تؤهل صاحبها للنار وإنما الأولى تركها والإعراض عنها والسر وهنا الشاهد من إشارتي السابقة التي لا ينتبه لها الكثير، والسر في أن كل بدعة كما قال عليه الصلاة والسلام بحق ضلالة هو أنه من باب التشريع في الشرع الذي ليس له حق التشريع إلا رب العالمين تبارك وتعالى فإذا انتبهتم لهذه النقطة عرفتم حينذاك لماذا أطلق عليه الصلاة والسلام على كل بدعة أنها في النار أي صاحبها ذلك لأن المبتدع حينما يشرع شيئا من نفسه فكأنه جعل نفسه شريكا مع ربه تبارك وتعالى والله عز وجل يأمرنا أن نوحده في عبادته وفي تشريعه فيقول مثلاً في كتابه (ولا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) أندادا في كل شئ من ذلك في التشريع ومن هنا يظهر معشر الشباب المسلم الواعي المثقف الذي انفتح له الطريق إلى التعرف على الإسلام الصحيح من المفتاح لا إله إلا الله وهذا التوحيد الذي يستلزم كما بين ذلك بعض العلماء قديما وشرحوا ذلك شرحا بينا ثم تبعهم بعض الكتاب المعاصرين أن هذا التوحيد يستلزم إفراد الله عز وجل بالتشريع يستلزم ألا يشرع أحد مع الله عز وجل أمرا ما سواء كان صغيرا أم كبيرا جليلا أم حقيراً لأن القضية ليست بالنظر إلى الحكم هو صغير أم كبير وإنما إلى الدافع إلى هذا التشريع فإن كان هذا التشريع صدر من الله تقربنا به إلى الله وإن كان صدر من غير الله عز وجل نبذناه وشرعته نبذ النواة ولم يجز للمسلم أن يتقرب إلى الله عز وجل بشيء من ذلك وأولى وأولى ألا يجوز للذي شرع ذلك أن يشرعه وأن يستمر على ذلك وأن يستحسنه، هذا النوع من إفراد الله عز وجل بالتشريع هو الذي اصطلح عليه اليوم بعض الكتاب الإسلاميين بتسمية بأن الحاكمية لله عز وجل وحده لكن مع الأسف الشديد أخذ شبابنا هذه الكلمة كلمة ليست مبينة مفصلة لا تشتمل كل شرعة أو كل أمر أدخل في الإسلام وليس من الإسلام في شئ أن هذا الذي أدخل قد شارك الله عز وجل في هذه الخصوصية ولم يوحد الله عز وجل في تشريعه، ذلك لأن السبب فيما أعتقد في عدم وضوح هذا المعنى الواسع لجملة أن الحاكمية لله عز وجل هو أن الذين كتبوا حول هذا الموضوع أقولها مع الأسف الشديد ما كتبوا ذلك إلا وهم قد نبهوا بالضغوط الكافرة التي ترد بهذه التشريعات وهذه القوانين من بلاد الكفر وبلاد الضلال ولذلك فهم حينما دعوا المسلمين وحاضروا وكتبوا دائما وأبدا حول هذه الكلمة الحقة وهي أن الحاكمية لله عز وجل وحده كان كلامهم دائما ينصب ويدور حول رفض هذه القوانين الأجنبية التي ترد إلينا من بلاد الكفر كما قلنا لأن ذلك إدخال في الشرع ما لم يشرعه الله عز وجل هذا كلام حق لاشك ولا ريب ولكن قصدي أن ألفت نظركم أن هذه القاعدة الهامة وهي أن الحاكمية لله عز وجل لا تنحصر فقط برفض هذه القوانين التي ترد إلينا من بلاد الكفر بل تشمل هذه الجملة هذه الكلمة الحق كل شئ دخل في الإسلام سواء كان وافدا إلينا أو نابعا منا مادام أنه ليس من الإسلام في شئ، هذه النقطة بالذات هي التي يجب أن نتنبه لها وأن لا نتحمس فقط لجانب هو هذه القوانين الأجنبية فقط وكفرها واضح جدا نتنبه لهذا فقط بينما دخل الكفر في المسلمين منذ قرون طويلة وعديدة جدا والناس في غفلة من هذه الحقيقة فضلاً عن هذه المسائل التي يعتبرونها طفيفة لذلك فهذا الاحتفال يكفي أن تعرفوا أنه محدث ليس من الإسلام في شئ ولكن يجب أن تتذكروا مع ذلك أن الإصرار على استحسان هذه البدعة مع إجمال جميل كما ذكرت آنفا أنها محدثة فالإصرار على ذلك أخشى ما أخشاه أن يدخل المصر على ذلك في جملة {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} وأنتم تعلمون أن هذه الآية لما نزلت وتلاها النبي صلى الله عليه وسلم كان في المجلس عدي بن حاتم الطائي وكان من العرب القليلين الذين قرأوا وكتبوا وبالتالي تنصروا فكان نصرانيا فلما نزلت هذه الآية لم يتبين له المقصد منها فقال يا رسول الله كيف يعني ربنا يقول عنا نحن النصارى سابقا (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) ما اتخذناهم أحبارنا أربابا من دون الله عز وجل كأنه فهم أنهم اعتقدوا بأحبارهم ورهبانهم أنهم يخلقون مع الله يرزقون مع الله وإلى غير ذلك من الصفات التي تفرد الله بها عز وجل دون سائر الخلق فبين له الرسول عليه السلام بأن هذا المعنى الذي خطر في بالك ليس هو المقصود بهذه الآية وإن كان هو معنى حق يعني لا يجوز للمسلم أن يعتقد أن إنسانا ما يخلق ويرزق لكن المعنى هنا أدق من ذلك فقال له (ألستم كنتم إذا حرموا لكم حلالاً حرمتموه؟ وإذا حللوا لكم حراما حللتموه؟ قال أما هذا فقد كان فقال عليه السلام، فذاك اتخاذكم إياهم أربابا من دون الله " لذلك فالأمر خطير جدا استحسان بدعة المستحسن وهو يعلم أنه لم يكن من عمل السلف الصالح ولو كان خيرا لسبقونا إليه، قد حشر نفسه في زمرة الأحبار والرهبان الذين اتخذوا أربابا من دون الله عز وجل والذين أيضا يقلدونهم فهم الذين نزل في صددهم هذه الآية أو في أمثالهم { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } غرضي من هذا أنه لا يجوز للمسلم كما نسمع دائما وكما سمعنا قريبا معليش الخلاف شكلي، الخلاف جذري وعميق جدا لأننا نحن ننظر إلى أن هذه البدعة وغيرها داخلة أولاً في عموم الحديث السابق "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" وثانيا ننظر إلى أن موضوع البدعة مربوط بالتشريع الذي لم يأذن به الله عز وجل كما قال تعالى { أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله } وهذا يقال كله إذا وقف الأمر فقط عند ما يسمى بالاحتفال، بولادته عليه السلام بمعنى قراءة قصة المولد أما إذا انضم إلى هذه القراءة أشياء وأشياء كثيرة جدا منها أنهم يقرءون من قصته عليه الصلاة والسلام قصة المولد أولا مالا يصح نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وثانيا يذكرون من صفاته عليه السلام فيما يتعلق بولادته ما يشترك معه عامة البشر بينما لو كان هناك يجب الاحتفال أو يجوز على الأقل بالرسول صلى الله عليه وسلم كان الواجب أن تذكر مناقبه عليه الصلاة والسلام وأخلاقه وجهاده في سبيل الله وقلبه لجزيرة العرب من الإشراك بالله عز وجل إلى التوحيد من الأخلاق الجاهلية الطالحة الفاسدة إلى الأخلاق الإسلامية كان هذا هو الواجب أن يفعله لكنهم جروا على نمط من قراءة الموارد لا سيما إلى عهد قريب عبارة عن أناشيد وعبارة عن كلمات مسجعة ويقال في ذلك من جملة ما يقال مثلا مما بقى في ذاكرتي والعهد القديم "حملت به أمه تسعة أشهر قمرية" ما الفائدة من ذكر هذا الخبر؟ وكل إنسان منا تحمل به أمه تسعة أشهر قمرية، القصد هل أفضل البشر وسيد البشر عليه الصلاة والسلام يذكر منه هذه الخصلة التي يشترك فيها حتى الكافر إذا خرج القصد من المولد خرج عن هدفه بمثل هذا الكلام الساقط الواهي، بعضهم مثلا يذكرون بأنه ولد مختونا مشروع وهذا من الأحاديث الضعيفة والموضوعة فهكذا يمدح الرسول عليه السلام؟ يعني نقول أن الاحتفال في أصله لو كان ليس فيه مخالفة سوى أنه محدث لكفى وجوبا الابتعاد عنه للأمرين السابقين لأنه محدث ولأنه تشريع والله عز رجل لا يرضى من إنسان أن يشرع للخلق ما يشاء فكيف وقد انضم إلى المولد على مر السنين أشياء وأشياء مما ذكرنا ومما يطول الحديث فيما لو استعرضنا الكلام على ذلك فحسب المسلم إذا التذكير هنا والنصيحة أن يعلم أن أي شئ لم يكن في عهد الرسول عليه السلام وفي عهد السلف الصالح فمهما زخرفه الناس ومهما زينوه ومهما قالوا هذا في حب الرسول وأكثرهم كاذبون فلا يحبون الرسول إلا باللفظ وإلا بالغناء والتطريب ونحو ذلك مهما زخرفوا هذه البدع فعلينا نحن أن نظل متمسكين بما عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين وتذكروا معنا بأن من طبيعة الإنسان المغالاة في تقدير الشخص الذي يحبه لاسيما إذا كان هذا الشخص لا مثل له في الدنيا كلها ألا وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن طبيعة الناس الغلو في تعظيم هذا الإنسان إلا الناس الذين يأتمرون بأوامر الله عز وجل ولا يعتدون فهم يتذكرون دائما وأبدا مثل قوله تبارك وتعالى { وتلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } فإذا كان الله عز وجل قد اتخذ محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا فهو قبل ذلك جعله بشرا سويا لم يجعله ملكا خلق من نور مثلا كما يزعمون وإنما هو بشر وهو نفسه تأكيداً للقرآن الكريم { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي... الخ الآية} هو نفسه أكد ذلك في غير ما مناسبة فقال "إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني" وقال لهم مرة "لا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله فيها وإنما ضعوني حيث وضعني ربي عز وجل عبداً رسولاً" لذلك في الحديث الصحيح في البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" هذا الحديث تفسير للحديث السابق "لا ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله بها" فهو يقول لا تمدحوني كما فعلت النصارى في عيسى بن مريم كأن قائلا يقول كيف نقول يا رسول الله كيف نمدحك؟ قال "إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله" ونحن حينما نقول في رسولنا صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله فقد رفعناه ووضعناه في المرتبة التي وضعه الله عز وجل فيها لن ننزل به عنها ولم نصعد به فوقها هذا الذي يريده رسول الله صلى الله عليه وسلم منا ثم نجد النبي صلوات الله وسلامه عليه يطبق هذه القواعد ويجعلها حياة يمشي عليها أصحابه صلوات الله وسلامه معه فقد ذكرت لكم غير ما مرة قصة معاوية بن جبل رضي الله عنه حينما جاء إلى الشام وهي يومئذ من بلاد الروم بلاد النصارى يعبدون القسيسين والرهبان بقى في الشام ما بقى لتجارة فيما يبدو ولما عاد إلى المدينة فكان لما وقع بصره على النبي صلى الله عليه وسلم هم ليسجد لمن؟ لسيد الناس فقال له عليه الصلاة والسلام "مه يا معاذ- شو هذا- قال يا رسول الله إني أتيت الشام فرأيت النصارى يسجدون لقسيسيهم وعظمائهم فرأيتك أنت أحق بالسجود منهم فقال عليه الصلاة والسلام "لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها" وهذا الحديث جاء في مناسبات كثيرة لا أريد أن أستطرد إليها وحسبنا هنا أن نلفت النظر إلى ما أراد معاذ بن جبل أن يفعل من السجود للنبي صلى الله عليه وسلم ما الذي دفعه على هذا السجود ؟ هل هو بغضه للرسول عليه السلام؟ بطبيعة الحال لا إنما هو العكس تماما هو حبه للنبي صلى الله عليه وسلم الذي أنقذه من النار لولا، هنا يقال الواسطة لا تنكر لولا الرسول عليه السلام أرسله الله إلى الناس هداية لجميع العالم لكان الناس اليوم يعيشون في الجاهلية السابقة وأضعاف مضاعفة عليها فلذلك ليس غريبا أبداً لاسيما والتشريع بعد لم يكن قد كمل وتم ليس غريبا أبدا أن يهم معاذ بن جبل بالسجود للنبي صلى الله عليه وسلم كإظهار لتبجيله واحترامه وتعظيمه لكن النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان قرر في عقولهم وطبعهم على ذلك يريد أن يثبت عمليا بأنه بشر وأن هذا السجود لا يصلح إلا لرب البشر ويقول لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها، في بعض روايات الحديث "ولكن لا يصلح السجود إلا لله عز وجل" إذا نحن لو استسلمنا لعواطفنا لسجدنا لنبينا صلى الله عليه وسلم سواء كان حياً أو ميتا لماذا؟ تعظيما له لأن القصد تعظيمه وليس القصد عبادته عليه السلام ولكن إذا كنا صادقين في حبه عليه الصلاة والسلام فيجب أن تأتمر بأمره وأن ننتهي بنهيه وألا نضرب بالأمر والنهي عرض الحائط بزعم أنه نحن نفعل ذلك حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف هذا؟ هذا أولاً عكس للنص القرآني ثم عكس للمنطق العقلي السليم ربنا عز وجل يقول (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فإذا اتباع الرسول عليه السلام هو الدليل الحق الصادق الذي لا دليل سواه على أن هذا المتبع للرسول عليه السلام هو المحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن هنا قال الشاعر قوله المشهور:
    تعصى الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرك في القياس بديع
    لو كان حبك صادقاً لاطعته إن المحب لمن يحب مطـيع
    هناك مثال دون هذا ومع ذلك فرسول الله صلى الله عليه وسلم ربى أصحابه عليه ذلك أن الناس في الجاهلية كانوا يعيشون على عادات جاهلية وزيادة أخرى عادات فارسية أعجمية ومن ذلك أنه يقوم بعضهم لبعض كما نحن نفعل اليوم تماما لأننا لا نتبع الرسول عليه السلام ولا نصدق أنفسنا بأعمالنا أننا نحبه عليه الصلاة والسلام وإنما بأقوالنا فقط ذلك أن الناس كان يقوم بعضهم لبعض أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان أصحابه معه كما لو كان فرداً منهم لا أحد يظهر له من ذلك التبجيل الوثني الفارسي الأعجمي شيئا إطلاقا وهذا نفهمه صراحة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال "ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم و كانوا لا يقومون لما يعلمون من كراهيته لذلك" أنظروا هذا الصحابي الجليل الذي تفضل الله عليه فأولاه خدمة نبيه عشرة سنين أنس بن مالك كيف يجمع في هذا الحديث بين الحقيقة الواقعة بينه عليه السلام وبين أصحابه من حبهم إياه وبين هذا الذي يدندن حوله أن هذا الحب يجب أن يقيد بالإتباع وأن لا ينصاع وأن لا يخضع صاحبه من هوى وحبك الشيء يعمي ويصم فهو يقول حقا ما كان شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه حقيقة لا جدال فيها لكنه يعطف على ذلك فيقول وكانوا لا يقومون لما يعلمون من كراهيته لذلك إذا لماذا كان أصحاب الرسول عليه السلام لا يقومون له؟ إتباعا له تحقيقا للآية السابقة (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) فاتباع الرسول هو دليل حب الله حبا صحيحاً ما استسلموا لعواطفهم كما وقع من الخلف الطالح نحن نقرأ في بعض الرسائل التي ألفت حول هذا المولد الذي نحن في صدد بيان أنه محدث جرت مناقشات كثيرة مع الأسف والأمر كالصبح أبلج واضح جداً فناس ألفوا في بيان ما نحن في صدده أن هذا ليس من عمل السلف الصالح وليس عبادة وليس طاعة وناس تحمسوا واستسلموا لعواطفهم وأخذوا يتكلمون كلاماً لا يقوله إلا إنسان ممكن أن يقال في مثله إن الله عز وجل إذا أخذ ما وهب أسقط ما أوجب لماذا؟ لأن في المولد حتى الطريقة القديمة ما أدري الآن لعلهم نسخوها أو عدلوها كانوا يجلسون على الأرض فكانوا إذا جاء القارئ لقصة ولادة الرسول عليه السلام ووضع أمه إياه قاموا جميعاً قياماً وكانوا يبطشون بالإنسان إذا لم يتحرك وظل جالساً فجرت مناقشات حول هذا الموضوع فألف بعضهم رسالة فقال هذا الإنسان الأحمق قال لو استطعت أن أقوم لولادة الرسول عليه السلام على برأسي لفعلت، هذا يدري ما يقول الحق ما قال الشاعر:
    فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
    ترى إذا عملنا مقابلة بين هذا الإنسان الأحمق وبين صحابة الرسول الكرام حسبنا واحد منهم مش الصحابة حتى ما نظلمهم ترى من الذي يحترم ويوقر الرسول عليه السلام أكثر أذاك الصحابي الذي إذا دخل الرسول عليه السلام لا يقوم له أم هذا الخلف الأحمق يقول لو تمكنت لقمت على رأسي؟ هذا كلام إنسان مثل ما قلنا آنفاً يعني هايم ما يدري ما يخرج من فمه وإلا إذا كان يتذكر سيرة الرسول عليه السلام وأخلاقه وتواضعه وأمره للناس بأنه ما يرفعوه إلى آخر ما ذكرنا آنفاً كما تجرأ أن يقول هذه الكلمة لاسيما وهو يقول ذلك بعد وفاته عليه السلام حيث الشيطان يتخذ طريقا واسعا جدا لإضلال الناس وإشكال الناس لنبيهم بعد وفاته أكثر منه في حياته عليه السلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو حي يرى فينصح ويذكر ولمعلم وهو سيد المعلمين فلا يستطيع الشيطان أن يتقرب إلى أحد بمثل هذا التعظيم الذي هو من باب الشرك أما بعد وفاته عليه السلام فهنا ممكن أن الشيطان يتوغل إلى قلوب الناس وإخراجهم عن الطريق الذي تركهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ما يقوم له أحد وهو أحق الناس بالقيام لو كان سائغاً فنحن نعلم من هذا الحديث حديث أنس أن الصحابة كانوا يحبون الرسول عليه السلام حبا حقيقياً وأنهم لو تركوا لأنفسهم لقاموا له دائما وأبداً ولكنهم هم المجاهدون حقاً تركوا أهواءهم إتباعاً للرسول عليه السلام ورجاء مغفرة الله عز وجل ليحفظوا بحب الله عز رجل لهم فيغفر الله لهم هكذا يكون الإسلام فالإسلام هو الاستسلام هذه الحقيقة هي التي يجب دائما نستحضرها وأن نبتعد دائماً وأبداً عن العواطف التي تفق الناس كثيراً وكثيراً جداً فتخرجهم عن سواء السبيل لم يبق الآن من تعظيم الرسول عليه السلام في المجتمعات الإسلامية إلا قضايا شكلية أما التعظيم من حق كما ذكرنا وهو إتباعه فهذا أصبح محصوراً و محدوداً في أشخاص قليلين جداً وماذا يقول الإنسان في الاحتفالات اليوم رفع الصوت والتطريب وغناء لو رفع صوته هذا المغني واضطرب وحرك رأسه ونحو ذلك أمام الرسول صلى الله عليه وسلم لكان ذلك لا أقول هل هو الكفر وإنما هو إهانة للرسول عليه السلام لكان ذلك لا أقول هل هو الكفر وإنما هو إهانة للرسول عليه السلام وليس تعظيما له وليس حبا له لأنه حينما ترونه يرفع صوته ويمد ويطلع وينزل في أساليب موسيقية ما أعرفها وهو يقول يفعل ذلك حبا في رسول الله أنه كذاب ليس هذا هو الحب، الحب في اتباعه ولذلك الآن تجد الناس فريقين فريق يقنعون لا ثبات أنهم محبون للرسول عليه السلام على النص على الصمت وهو العمل في أنفسهم في أزواجهم في ذرياتهم وناس آخرون يدعون هذا المجال فارغا في بيوتهم في أزواجهم في بناتهم في أولادهم لا يعلمونهم السنة ولا يربونهم عليها كيف وفاقد الشيء لا يعطيه؟ وإنما لم يبق عندهم إلا هذه المظاهر إلا الاحتفال بولادة الرسول عليه السلام ثم جاء الظغث على إبالة كما يقال فصار عندنا أعياد واحتفالات كثيرة كما جاء الاحتفال بسيد البشر تقليداً للنصارى كذلك جرينا نحن حتى في احتفالنا بمواليد أولادنا أيضاً على طريقة النصارى وإن تعجب فعجب من بعض هؤلاء المنحرفين عن الجادة يقولون النصارى يحتفلوا بعيساهم بنبيهم نحن ما نحتفل بميلاد نبينا عليه الصلاة والسلام؟ أقول هذا يذكرنا بما حينما كان في طريق في سفر فمروا بشجرة حنخمة للمشركين كانوا يعلقون عليها اسلحتهم فقالوا كلمة بريئة جداً ولكنها في مشابهة لفظية قالوا "يا رسول الله أجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط قال عليه السلام الله أكبر هذه السنن لقد قلتم كما قال قوم موسى لموسى أجعل لنا إلها لما لهم آلهة" قد يستغرب الإنسان كيف الرسول عليه السلام يقتبس من هذه الآية حجة على هؤلاء الذين ما قالوا أجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة وإنما قالوا اجعل لنا شجرة نعلق عليها أسلحتنا كما لهم شجرة فقال له هذه السنن -يعني بدأتهم تسلكون سنن من قبلكم كما في الأحاديث الصحيحة- قلتم كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة فكيف بمن يقول اليوم صراحة النصارى يحتفلوا بعيساهم نحن ما نحتفل بنبينا عليه السلام؟ الله أكبر هذه السنن وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال "لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعا بذراع حتى دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى هم قال فمن الناس؟ " أخيرا أقول إن الشيطان قاعد للإنسان في المرصاد فهو دائماً وأبداً يجتهد لصرف المسلمين عن دينهم ولا يصرفهم معلنا"

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,557

    افتراضي رد: رسالة " حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه " الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله

    حكم الاحتفال بالمولد
    الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمه الله ـ

    سئل فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله كما في " فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين " إعداد وترتيب أشرف عبد المقصود ( 1 / 126 ) :
    ما الحكم الشرعي في الاحتفال بالمولد النبوي ؟
    فأجاب فضيلته :
    ( نرى أنه لا يتم إيمان عبد حتى يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ويعظمه بما ينبغي أن يعظمه فيه ، وبما هو لائق في حقه صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أقول مولده بل بعثته لأنه لم يكن رسولاً إلا حين بعث كما قال أهل العلم نُبىءَ بإقرأ وأُرسل بالمدثر ، لا ريب أن بعثته عليه الصلاة والسلام خير للإنسانية عامة ، كما قال تعالى : ( قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورَسُولِهِ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) ( الأعراف : 158 ) ، وإذا كان كذلك فإن من تعظيمه وتوقيره والتأدب معه واتخاذه إماماً ومتبوعاً ألا نتجاوز ما شرعه لنا من العبادات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى ولم يدع لأمته خيراً إلا دلهم عليه وأمرهم به ولا شراً إلا بينه وحذرهم منه وعلى هذا فليس من حقنا ونحن نؤمن به إماماً متبوعاً أن نتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده أو بمبعثه ، والاحتفال يعني الفرح والسرور وإظهار التعظيم وكل هذا من العبادات المقربة إلى الله ، فلا يجوز أن نشرع من العبادات إلا ما شرعه الله ورسوله وعليه فالاحتفال به يعتبر من البدعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل بدعة ضلالة " قال هذه الكلمة العامة ، وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بما يقول ، وأفصح الناس بما ينطق ، وأنصح الناس فيما يرشد إليه ، وهذا الأمر لا شك فيه ، لم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم من البدع شيئاً لا يكون ضلالة ، ومعلوم أن الضلالة خلاف الهدى ، ولهذا روى النسائي آخر الحديث : " وكل ضلالة في النار " ولو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من الأمور المحبوبة إلى الله ورسوله لكانت مشروعة ، ولو كانت مشروعة لكانت محفوظة ، لأن الله تعالى تكفل بحفظ شريعته ، ولو كانت محفوظة ما تركها الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم ، فلما لم يفعلوا شيئاً من ذل علم أنه ليس من دين الله ، والذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة أن يتجنبوا مثل هذه الأمور التي لم يتبن لهم مشروعيتها لا في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا في عمل الصحابة رضي الله عنهم ، وأن يعتنوا بما هو بيّن ظاهر من الشريعة ، من الفرائض والسنن المعلومة ، وفيها كفاية وصلاح للفرد وصلاح للمجتمع .
    وإذا تأملت أحوال هؤلاء المولعين بمثل هذه البدع وجدت أن عندهم فتوراً عن كثير من السنن بل في كثير من الواجبات والمفروضات ، هذا بقطع النظر عما بهذه الاحتفالات من الغلو بالنبي صلى الله عليه وسلم المودي إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه يحارب الناس عليه ، ويستبيح دماءهم وأموالهم وذراريهم ، فإننا نسمع أنه يلقى في هذه الاحتفالات من القصائد ما يخرج عن الملة قطعاً كما يرددون قول البوصيري :

    يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم
    إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي صفحاً وإلا فقل يا زلة القدم
    فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
    مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل ، وأنا أعجب لمن يتكلم بهذا الكلام إن كان يعقل معناه كيف يسوغ لنفسه أن يقول مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام : ( فإن من جودك الدنيا وضرتها ) ومن للتبعيض والدنيا هي الدنيا وضرتها هي الآخرة ، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام ، وليس كل جوده ، فما الذي بقي لله عز وجل ، ما بقي لله عز وجل ، ما بقي له شيء من الممكن لا في الدنيا ولا في الآخرة .
    وكذلك قوله : ( ومن علومك علم اللوح والقلم ) ومن : هذه للتبعيض ولا أدري ماذا يبقى لله تعالى من العلم إذا خاطبنا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الخطاب .
    ورويدك يا أخي المسلم .. إن كنت تتقي الله عز وجل فأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلته التي أنزله الله .. أنه عبد الله ورسوله فقل هو عبدالله ورسوله ، واعتقد فيه ما أمره ربه أن يبلغه إلى الناس عامة : ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) ( الأنعام : 50 ) ، وما أمره الله به في قوله : ( قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً ) ( الجن : 21 ) ، وزيادة على ذلك : ( قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً ) ( الجن : 22 ) ، حتى النبي عليه الصلاة والسلام لو أراد الله به شيئاً لا أحد يجيره من الله سبحانه وتعالى .
    فالحاصل أن هذه الأعياد أو الاحتفالات بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام لا تقتصر على مجرد كونها بدعة محدثة في الدين بل هي يضاف إليها شئ من المنكرات مما يؤدي إلى الشرك .
    وكذلك مما سمعناه أنه يحصل فيها اختلاط بين الرجال والنساء ، ويحصل فيها تصفيق ودف وغير ذلك من المنكرات التي لا يمتري في إنكارها مؤمن ، ونحن في غِنَى بما شرعه الله لنا ورسوله ففيه صلاح القلوب والبلاد والعباد )

    " فتاوى الشيخ محمد الصالح العثيمين "

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,557

    افتراضي رد: رسالة " حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه " الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله

    حكم الاحتفال بذكرى المولد النبوي
    فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد :
    فلا يخفى ما ورد في الكتاب والسنة مــن الأمـــر باتباع ما شرعه الله ورسوله، والنهي عن الابتداع في الدين، قال - تعالى - :(( قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)) [آل عمران : 31]، وقال - تعالـى - : ((اتَّـبـِعُوا مَا أُنزِلَ إلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ ولا تَتَّبِعُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ)) [الأعراف : 3]،، وقــال - تعالى - :(( وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ)) [ الأنعـام : 153]، وقال -صلى الله عليه وسلم- : إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هـدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وقال -صلى الله عليه وسلم- : من أحدث في أمرنا هـــــذا ما ليس منه فهو رد(1)، وفي رواية لمسلم : من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد..
    وإن مـــــن جملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي في شهر ربيع الأول؛ وهم في هذا الاحتفال على أنواع :
    فمنهم من يجـعـلـه مجرد اجتماع تقرأ فيه قصة المولد، أو تقدم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة.
    ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك ويقدمه لمن حضر.
    ومنهم من يقيمه في المساجد، ومنهم من يقيمه في البيوت.
    ومـنـهــم من لا يقتصر على ما ذكر، فيجعل هذا الاجتماع مشتملاً على محرمات ومنكرات من اخـتلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء، أو أعمال شركية كالاستغاثة بالرسول -صلى الله عـلـيــه وسلم- ونـدائـــه والاستنصار به على الأعداء وغير ذلك، وهو بجميع أنواعه واختلاف أشكاله واختلاف مـقـاصد فاعليه لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة محدثة بعد القرون المفضلة بأزمان طويلة؛ فأول من أحدثه الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول الـقـــــرن السابع الهجري، كما ذكره المؤرخون كابن كثير وابن خلكان وغيرهما.
    وقال أبو شامة : وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره.
    قـال الـحـافــظ ابن كثير في البداية (2) في ترجمة أبي سعيد كوكبوري : وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالاً هائلاً... إلى أن قال : قال السبط : حكى بعض من حضر سـمـــــــاط المظفر في بعض الموالد أنه كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعـشــرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى... إلى أن قال : ويعمل للصوفية سماعاً من الظهر إلى الفجر ويرقص بنفسه معهم ا. هـ.
    وقال ابن خلـكـــــان في وفيات الأعيان (3) : فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المتجملة، وقعد في كل قبة جوق من الأغاني، وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي، ولم يـتـركــــوا طبقة من تلك الطبقات (طبقات القباب) حتى رتبوا فيها جوقاً.
    وتبطل معايش الناس في تلك المدة، وما يبقى لهم شغل إلا التفرج والدوران عليهم... إلى أن قال : فإذا كان قبل يوم المولد بيومين أخرج من الإبل والبقر والغنم شيئاً كثيراً زائداً عن الوصف وزفها بجميع ما عنده من الطبول والأغاني والملاهي، حتى يأتي بها إلى الميدان... إلى أن قال : فإذا كانت ليلة المولد عمل السماعات بعد أن يصلي المغرب في القلعة. ا. هـ.
    فهــذا مبدأ حدوث الاحتفال بمناسبة ذكرى المولد، حدث متأخراً ومقترناً باللهو والسرف وإضاعة الأموال والأوقات، وراء بدعة ما أنزل الله بها من سلطان.
    والـــذي يليق بالمسلم إنما هو إحياء السنن وإماتة البدع، وأن لا يقدم على عمل حتى يعلم حكم الله فيه.
    هذا ؛ وقد يتعلق من يرى إحياء هذه البدعة بشبه أوهى من بيت العنكبوت، ويمكن حصر هذه الشبه فيما يلي :
    1- دعواهم أن في ذلك تعظيماً للنبي -صلى الله عليه وسلم- .
    والجواب عن ذ لك أن نقول : إنما تعظيمه -صلى الله عليه وسلم- بطاعته وامتثال أمره واجـتـنــاب نهـيـــــه ومحبته -صلى الله عليه وسلم-، وليس تعظيمه بالبدع والخرافات والمعاصي، والاحتفال بذكـــــــرى المولد من هذا القبيل المذموم، لأنه معصية. وأشد الناس تعظيماً للنبي -صلى الله عليه وسلم- هم الصحابة - رضي الله عنهم -، كما قال عروة بن مسعود لقريش : يا قوم! والله لـقــــــد وفدت على كسرى وقيصر والملوك، فما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محـمــد محمداً -صلى الله عليه وسلم-، والله ما يمدون النظر إليه تعظيماً له، ومع هذا التعظيم مـا جعلوا يوم مولده عيداً واحتفالاً، ولو كان ذلك مشروعاً ما تركوه.
    2- الاحتجاج بأن هذا عمل كثير من الناس في كثير من البلدان.
    والجــواب عن ذلك أن نقول : الحجة بما ثبت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- . والثابت عــن الـرسـول -صلى الله عليه وسلم- النهي عن البدع عموماً، وهذا منها. وعمل الناس إذا خالف الدلـيـــل فـلـيــس بحجة، وإن كثروا :(( وإن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)) [الأنعام : 116]، مع أنه لا يزال - بحمد الله - في كل عصر من ينكر هذه البدعة ويبين بطلانها، فـلا حجة بعمل من استمر على إحيائها بعد ما تبين له الحق. فممن أنكر الاحتفال بـهـــــذه المناسبة شيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم "، والإمام الشاطبي في "الاعتصام"، وابن الحاج في "المدخل"، والشيخ تاج الدين علي بن عمر اللخمي ألف في إنكاره كتاباً مستقلاً، والشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في كتابه "صيانة الإنسان"، والسيد محـمـــــد رشيد رضا ألف فيه رسالة مستقلة، والشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ألف فيه رسالة مستقـلـة، وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، وغير هؤلاء ممن لا يزالون يكتبون في إنكار هذه البدعــــة كــل سـنــة في صفحات الجرائد والمجلات، في الوقت الذي تقام فيه هذه البدعة.
    3- يقولون : إن في إقامة المولد إحياء لذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- .
    والجواب عن ذلك أن نقول : إحياء ذكر النبي -صلى الله عليه وسلـم- يكــون بما شرعه الله من ذكره في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وقراءة سنته واتباع ما جاء به، وهذا شيء مستمر يتكرر في اليوم والليلة دائماً، لا في السنة مرة.
    4- قد يقولون : الاحتفال بذكرى المولد النبوي أحدثه ملك عادل عالم، قصد به التقرب إلى الله!
    والجواب عن ذلك أن نقول : البدعة لا تقبل من أي أحد كان، وحسن القصد لا يسوغ العمل السيء، وكونه عالماً وعادلاً لا يقتضي عصمته.
    5- قولهم : إن إقامة المولد من قبيل البدعة الحسنة؛ لأنه ينبئ عن الشكر لله على وجود النبي الكريم!
    ويجاب عن ذلك بأن يقال : ليس في البدع شيء حسن، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: مــن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، ويقال أيضاً : لماذا تأخر القيام بهذا الشكر - على زعمكم - إلى آخر القرن السادس، فلم يقم به أفضل القرون من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، وهم أشد محبة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأحرص على فعل الخير والقيام بالشكر، فهل كان من أحدث بدعة المولد أهدى منهم وأعظم شكراً لله - عز وجل- ؟ حاشا وكلا.
    6- قد يقولون : إن الاحتفال بذكرى مولده -صلى الله عليه وسلم- ينبئ عن محبته -صلى الله عليه وسلم- فهو مظهر من مظاهرها وإظهار محبته -صلى الله عليه وسلم- مشروع
    والجواب أن نقول : لا شك أن محبته -صلى الله عليه وسلم- واجبة على كل مسلم أعظم من محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين - بأبي هو وأمي صلوات الله وسلامه عليه -، ولكن ليس معنى ذلك أن نبتدع في ذلك شيئاً لم يشرعه لنا، بل محبته تقتضي طاعته واتباعه، فإن ذلك من أعظم مظاهر محبته، كما قيل :
    لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع
    فمحبته -صلى الله عليه وسلم- تقتضي إحياء سنته والعض عليها بالنواجذ ومجانبة ما خالفها من الأقوال والأفعال، ولا شك أن كل ما خالف سنته فهو بدعة مذمومة ومعصية ظاهرة، ومن ذلك الاحتفال بذكرى مولده وغيره من البدع. وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين؛ فإن الدين مبني على أصلين : الإخلاص، والمتابعة، قال - تعالى - :(( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وجْهَهُ لِلَّهِ وهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [البقرة : 112]، فإسلام الوجه هو الإخلاص لله، والإحسان هو المتابعة للرسول وإصابة السنة.
    وخلاصة القول : أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي بأنواعه واختلاف أشكاله بدعة منكرة يجب على المسلمين منعها ومنع غيرها من البدع، والاشتغال بإحياء السنن والتمسك بها، ولا يغتر بمن يروج هذه البدعة ويدافع عنها، فإن هذا الصنف يكون اهتمامهم بإحياء البدع أكثر من اهتمامهم بإحياء السنن، بل ربما لا يهتمون بالسنن أصلاً، ومن كان هذا شأنه فلا يجوز تقليده والاقتداء به، وإن كان هذا الصنف هم أكثر الناس، وإنما يقتدي بمن سار على نهج السنة من السلف الصالح وأتباعهم وإن كانوا قليلاً، فالحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق.
    قال -صلى الله عليه وسلم- : فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة(4)، فبين لنا -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الشريف بمن نقتدي عند الاختلاف، كما بين أن كل ما خالف السنة من الأقوال والأفعال فهو بدعة وكل بدعة ضلالة.
    وإذا عرضنا الاحتفال بالمولد النبوي لم نجد له أصلاً في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا في سنة خلفائه الراشدين، إذاً فهو من محدثات الأمور ومن البدع المضلة، وهذا الأصل الذي تضمنه هذا الحديث قد دل عليه قوله تعالى: ((فَإن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ والرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) [النساء:59].
    والرد إلى الله هو الرجوع إلى كتابه الكريم، والـــرد إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو الرجوع إلى سنته بعد وفاته، فالكتاب والسنة هـمــــا المرجع عند التنازع، فأين في الكتاب والسنة ما يدل على مشروعية الاحتفال بالمولد الـنـبــوي؟ فالواجب على من يفعل ذلك أو يستحسنه أن يتوب إلى الله - تعالى - منه ومن غيره من البدع؛ فهذا هو شأن المؤمن الذي ينشد الحق، وأما من عاند وكابر بعد قيام الحجة فإنما حسابه عند ربه.
    هذا؛ ونسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يرزقنا التمسك بكتابه وسنة رسوله إلى يوم نلقاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه.

    =======
    الهوامش :
    (1) رواه البخاري، ح/2697، ومسلم، ح /1718.
    (2) البداية والنهاية، (13 /137)..
    (3) وفيات الأعيان، (3/ 274).
    (4) أحمد، ح /16692، والترمذي، ح /2676.


    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,557

    افتراضي رد: رسالة " حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه " الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله

    حكم الاحتفال بالمولد النبوي
    يقول السائل: ما حكم المولد النبوي؟ وما حكم الذي يحضره؟ وهل يعذب فاعله إذا مات وهو على هذه الصورة؟

    المولد لم يرد في الشرع ما يدل على الاحتفال به، لا مولد النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، فالذي نعلم من الشرع المطهر وقرره المحققون من أهل العلم أن الاحتفالات بالموالد بدعة لا شك في ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أنصح الناس وأعلمهم بشرع الله، والمبلغ عن الله لم يحتفل بمولده صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم، فلو كان حقاً وخيراً وسنة لبادروا إليه، ولما تركه النبي صلى الله عليه وسلم، ولعَلَّمه أمته، أو فعله بنفسه، ولفعله أصحابه، وخلفاؤه رضي الله عنهم، فلما تركوا ذلك عَلِمْنا يقيناً أنه ليس من الشرع، وهكذا القرون المفضلة لم تفعل ذلك، فاتضح بذلك أنه بدعة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، في أحاديث أخرى تدل على ذلك. وبهذا يعلم أن الاحتفالات بالمولد النبوي في ربيع الأول أو في غيره، وكذا الاحتفالات بالموالد الأخرى كالبدوي والحسين وغير ذلك، كلها من البدع المنكرة التي يجب على أهل الإسلام تركها، وقد عوضهم الله بعيدين عظيمين: عيد الفطر، وعيد الأضحى، ففيهما الكفاية عن إحداث أعياد واحتفالات منكرة مبتدعة. وليس حب النبي صلى الله عليه وسلم يكون بالموالد وإقامتها، وإنما حبه صلى الله عليه وسلم يقتضي اتباعه والتمسك بشريعته، والذب عنها، والدعوة إليها، والاستقامة عليها، هذا هو الحب الصادق، كما قال الله عز وجل: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[1]، فحب الله ورسوله ليس بالموالد ولا بالبدع. ولكن حب الله ورسوله يكون بطاعة الله ورسوله وبالاستقامة على شريعة الله، وبالجهاد في سبيل الله، وبالدعوة إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمها والذب عنها، والإنكار على من خالفها، هكذا يكون حب الله سبحانه وحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويكون بالتأسي به، بأقواله وأعماله، والسير على منهاجه عليه الصلاة والسلام، والدعوة إلى ذلك، هذا هو الحب الصادق الذي يدل عليه العمل الشرعي، والعمل الموافق لشرعه. وأما كونه يعذب أو لا يعذب هذا شيء آخر، هذا إلى الله جل وعلا، فالبدع والمعاصي من أسباب العذاب، لكن قد يعذب الإنسان بسبب معصيته وقد يعفو الله عنه؛ إما لجهله، وإما لأنه قلد من فعل ذلك ظناً منه أنه مصيب، أو لأعمال صالحة قدمها صارت سبباً لعفو الله أو لشفاعة الشفعاء من الأنبياء والمؤمنين أو الأفراط. فالحاصل: أن المعاصي والبدع من أسباب العذاب، وصاحبها تحت مشيئة الله جل وعلا إذا لم تكن بدعته مكفرة، أما إذا كانت بدعته مكفرة من الشرك الأكبر فصاحبها مخلد في النار - والعياذ بالله -، لكن هذه البدعة إذا لم يكن فيها شرك أكبر وإنما هي صلوات مبتدعة، واحتفالات مبتدعة، وليس فيها شرك، فهذه تحت مشيئة الله كالمعاصي؛ لقول الله سبحانه في سورة النساء: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء[2]. وأما الأشخاص الذين يجعلون لأنفسهم عيداً لميلادهم فعملهم منكر وبدعة كما تقدم. وهكذا إحداث أعياد لأمهاتهم أو لآبائهم أو مشايخهم، كله بدعة يجب تركه والحذر منه. وأما ما أحدثه الفاطميون المعروفون، فإن ذلك كان في مصر والمغرب في القرن الرابع والخامس. وقد أحدثوا موالد للرسول صلى الله عليه وسلم، وللحسن والحسين، وللسيدة فاطمة، ولحاكمهم، ثم وقع بعد ذلك الاحتفالات بالموالد بعدهم من الشيعة وغيرهم، وهي بدعة بلا شك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو المعلم المرشد، وأصحابه أفضل الناس بعد الأنبياء، وقد بلغ البلاغ المبين، ولم يحتفل بمولده عليه الصلاة والسلام، ولا أرشد إلى ذلك، ولا احتفل به أصحابه أفضل الناس، وأحب الناس للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة الثلاثة. فعلم أنه بدعة، ووسيلة إلى الشرك والغلو في الأنبياء وفي الصالحين، فإنهم قد يعظمونهم بالغلو والمدائح التي فيها الشرك بالله، الشرك الأكبر، كوصفهم لهم بأنهم يعلمون الغيب، أو أنهم يدعون من دون الله، أو يستغاث بهم، وما أشبه ذلك. فيقعون في هذا الاحتفال في أنواع من الشرك وهم لا يشعرون، أو قد يشعرون. فالواجب ترك ذلك، وليس الاحتفالات بالمولد دليلاً على حب المحتفلين بالنبي صلى الله عليه وسلم وعلى اتباعهم له، وإنما الدليل والبرهان على ذلك هو اتباعهم لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو الدليل على حب الله ورسوله الحب الصادق، كما قال عز وجل: قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ[3]. فمن كان يحب الله ورسوله فعليه باتباع الحق، بأداء أوامر الله، وترك محارم الله، والوقوف عند حدود الله، والمسارعة إلى مراضي الله، والحذر من كل ما يغضب الله عز وجل، هذا هو الدليل، وهذا هو البرهان، وهذا هو ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعهم بإحسان. أما الاحتفال بالموالد للنبي صلى الله عليه وسلم، أو للشيخ عبد القادر الجيلاني، أو للبدوي، أو لفلان وفلان فكله بدعة، وكله منكر يجب تركه؛ لأن الخير في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم واتباع أصحابه والسلف الصالح، والشر في الابتداع والاختراع ومخالفة ما عليه السلف الصالح، هذا هو الذي يجب وهذا هو الذي نفتي به، وهذا هو الحق الذي عليه سلف الأمة، ولا عبرة لمن خالف ذلك وتأول ذلك، فإنما هُدم الدين في كثير من البلدان، والتبس أمره على الناس بسبب التأويل والتساهل، وإظهار البدع، وإماتة السنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله المستعان.
    [1] آل عمران: 31.

    [2] النساء: 48.

    [3] آل عمران: 31.



    فتاوى نور على الدرب الجزء الأول

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,557

    افتراضي رد: رسالة " حكم الاحتفال بالمولد والرد على من أجازه " الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله

    إتحاف المؤمنين بحكم الاحتفال بمولد خاتم النبيين الشيخ ابو بكر يوسف لعويسي -حفظه الله-

    إتحاف المؤمنين بحكم الاحتفال بمولد خاتم النبيين الشيخ ابو بكر يوسف لعويسي
    بسم الله الرحمن الرحيم

    المقـدمـة:

    إن الحمـــد للــه نحمــده ونستعينــه ، ونستغفــره ونتـــوب إليـه ، ونعوذبالله مــن شــرور أنفسنا وسيئــات أعمالنــا ، مــن يهدي الله فهــو المتهـديومــن يضلل فلا هادي لـــــه ، وأشهــد أن لا إلــــــه إلا الله ، وحــده لا شريكلــه ، القائل في كتابه الكريم : {{ وأن هــذا صــراطي مـستقيما فاتبعــوه ولاتتبعـوا السبل ، فتفرق بكم عن سبيــله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون }} الأنعــام :153]، وأشهــد أن محمدا عبده ورســــــوله ، بلغ الرسالــة ، وأدى الأمــانةونصــح الأمــة ، وحــذرها من البدع والتشبــه بالكفــار فقال:<<..وإياكمومحدثات الأمــور ، فإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بــدعة وكل بدعــةضــلالة ... >>[ 1 ] وقال:<<لتتبعن سنن مــن كان قبلكم شبرا بشبـر وذراعابــذراع حتى لو دخــلوا جحــر ضب لدخلتمــوه >>. قالـوا يا رسول الله ، اليهودوالنصـارى قال :<< فمــن>>[2] وصلى الله عليه وعلى آلــه وأصحــابه ، ومناهتــدى بهديه واقتفى أثـره إلى يوم الدين.
    إن مســـألـــة الأعياد ، والاحتفالاتالبـــدعية ، مــن أشــد وأخطـــر ما تساهــل فيه المسلمـــون ، بعــد القــرونالفاضلـة ، فقد ســارع كثيــر منهم إلى التشبه بالأمــم الأخـرى ، في أعيادها ،واحتفالاتهــا.
    فأحــدث بعضهــــــم بـــدعة الاحتفــالبالمــــولد النبوي والاحتفال بليلــة الإســـراء والمعراج والنصف من شعبان ، ورأسالعام ، وهــذه الأعياد الوطنيــة والقوميــة ، التي تزداد يوما بعد يوم بينالمسلمين ، وغيرها .. من البدع والأغــلال والآصـار ، والمفاسد والأضرار ، التي غزانا بها الكفار ، يريدون بنا الدمار ، وبعض أبناء أمتنا الفجار ، الذين لم يرضوا إلا الإبحار ، في سوق المحدثات وشرائها من التجار ، ثم قدموا بها علينا بإعجاب وانبهار ، وأحيوها بالليل والنهار ، ولم ينجو منها إلا أهل السنن والآثار ، القابضون على الجمر النزاع الأخيار ، وهو يحرق منهم الأفئدة والأفكار ، قد اشتدت عليهم غربتهم وسط الديار ، ديار قومهم الذين تسلط عليهم الأشرار ، فهم ويجاهدونهم أشد من جهادهم للكفار ، فبلية الأمة بهم عظيمة لا يعلمها إلا الواحد القهار ، فالله أسأل أن يثبتنا وإياهم إلى دار القرار .والصلاة والسلام على النبي المختار وعلى آله الشرفاء الأطهار ، وصحابته الغر الميامين الأبرار ، وعنا معهم بعفو ورحمتك يا غفار.
    ولقد هالني ما رأيت وقرأت مــن المنكــرات وأبصرت، وقول الزور والبهتان على الله ، ورسوله ، والانــتكاسات التي كانت سببا في هذا الانحطــاطالذي تعيشه الأمة ، والذل والهوان الذي سببه لها هؤلاء المبتدعون ، من حزبيين مميعين ، وعلمانيين منسلخين ، حتى أصبح البون شـاسعا ، والمسافـة بعيدة جــدابين ما أراده الله بالإســلام للمسلمين أن يكونـوا عليه ، وما أرادوه هــم لأنفسهـــــم بسبب قبولهم الابتداع في الدين ، ومشاقتهم للرسول وبعدهم عن سبيل المؤمنين ، لذا أجريت القلـــم لأظهر عقيدتي وحجتي ، وأبرأ بذلك ذمتي يوم القدوم على الله في
    آخرتي ، فأبين بعض الحقائق التي غشنا فيهابعض الأغــرار المتعالميــن والسفهاء المحتالين ممن قلبوا فيها وجـه الحــق ، وغشوا بها الخلق ، ومن أهمهــــاوأخطرها هذه المســألــة في هذه العجالة :"بدعـة المولــد النبوي" التي يحبها كل بدعي ، فقد تكلم فيهاالكثير في هــذه الأيام إحياء لما مضى في تلك الحقب والأعوام ، يشغب بها على كثير من العوام ، وكتب فيها الكثير ممـن يهرفون بما لا يعرفون ، ويقولون مالا يعلمــون ، فأتى فيما كتب بالعظائم ، وتجرأ على الله بغير علم ، وفي مقـدمتهــم الذي جاء من بعدهم ، صاحب " القول الجلي في بيان حكم الاحتفـال بمولــدالنبي صلى الله عليه وسلم " الذي نشــر مقالـه في جــريدة " عالم السياســة " العدد[[ 92 ]]، التي خرجت عن الساسة ، تنشر البدعة وتحارب السنة بشراسة .
    لقد حز فينفسي كثيرا أن يصــدر مثل هذا الخلــط ، والخبط في فهم الأدلة وتحريفها من طالب علمينتسب إلى العلوم الشرعية –زعم - وللأسف الشــديد ، وهذا من أكبر الدوافع التيحفزتني أن أكتب في الموضوع وأجليــه ، وبأدلة أزينه وأحليه ، على قلة البضاعة ، ومرور الوقت وجريان الساعة ، وضعف الهمة ، وتردد في العزيمة ،وبعد الاستخارة قلت لابد من نصرة الأمة فالله أســالالإعــانة فيما توفيت من الإبانة ، لهذه المسألة من الديانة ، إنه بالإجابة جــدير وهو على كل شيء قدير ، كماأسألــه سبحانه أن ينفع به كاتبه وقارئه ، وأن يجعله ذخرا لي يوم الورود على الرحيم الودود ، يوم العرض والإقبال على الحوض، يوم يقول النبي صلى الله عليه وسلم:<< ألا سحقا لمن بدل ألا سحقا لمنبدل >>وفي رواية:<< لمن أحدث >>[3].
    تمهيــــد:

    لقد بين لنا الشارع أنه لم يشـرّع للمسلمينإلا عيدين هما: عيد الأضحى ، وعيد الفطر، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عناتخاذ الأعياد ســواء كانت أعيادا جـديدة ، أو أعيادا قديمة تُحيى ، كما بين لنا أنمسـألة الأعياد من المسـائل الشرعية التعبدية ، التي لا يجـوز الابتـداع فيها ، ولاالزيادة ، ولا النقـص في المشروع في حدود الاستطاعة، وعليه فلا يجـوز إحـداث أعيادغير ما شرعه الله ورسوله.
    وقد بين علماؤنا قديما وحديثا أن كل اجتماع عام يحدثهالناس ، ويعتادونه في زمان معين، أو مكان معين ، أو هما معا ، فإنه عيد ، كما أن كلأثر من الآثار القديمة أو الجديدة يحييه النّاس ويرتادونه ، فإنه يكون عيدا ، وذلككآثار الجاهلية ، وأوثانها . فقد كان للنّاس فبل الإســلام أعياد ، زمانية ومكانيةكثيرة ، وكلها حرمها الإســلام ، وأماتـها ، وشرع للمسلميــن عيدين فقــط .
    فقد دلتالسنة على ذلك بوضوح وصراحة ، فقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم غاية التحذير من الإحداث في دينه ، كما دل عليه فعل المسلمين وأقوالهم في صــدر الإســلام ؛ وأتباعالسلف الصالح وإجماعهــم ، وما أثر عنهم من النهي عن ذلك والتحذير منه أكثر من أنيحصى . فإذا عرفنا ذلك ، وعرفنا أن ما شاع بين المسلميــن من أعياد واحتفالات لم يكنيفعلـــه الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل نهى عنه ، ولم يكن الصحابة ولا التابعونخلال القرون الفاضلة ،
    وأجيال الخيرية يفعلون ذلك ، بل كانـوا ينهون ويحذرون من الوقــوع فيه ،فهذا يكفي للحكم على هــذه الأعياد ، والاحتفالات المحدثة ، بأنهـا دسيســة من دسائسالمبطلين ، وغفلــة وجهل من أكثر المسلمين ، مهما بررها النّاس ورضوهــا ،والتمســوا لها الفتاوى والتأويلات التي لا تستنــد إلى كتاب الله وسنة رسولــه ،فأي عيد ، أو احتفال ليس له في كتاب الله وسنة رسولــه صلى الله عليه وسلم أصل ،ولم يعهد في عصر الصحابة ، والقرون المفضلــة ، فإنما قام على الباطل ، وما بني علىباطل فهو باطل ، والخير كل الخير في إتباع من سلف ، والشر كل الشـر في إتباع من خلف، وكل عبادة لم تكن في عصر التشريع من الزيغ والسرف ، ويقال لمن فعلــه أو أحلــه بعد ذلك : هاتـوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولن يجــدواإلا قول من سبقوهم:{{إنا وجـدنا آباءناعلى أمـة،وإنا على آثارهــم مهتـدون }}[ الزخـرف : 22].
    وإن أقوى حجـة يستنـد إليهـا المتشبثــونبهذه الأعياد والاحتفالات المبتــدعة ، قولهــم بأن ذلك ـ خاصة الاحتفال بالمولدالنبوي ـ مما تعارف عليه المسلمــون ، وعمله ورضيه بعض العلماء والملوك المسلميــن، وقول عبد بن مسعود ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ، وكذلك تمسكـوا ببعض الأحاديث والآثار منها ما هو ضعيف ، ومنها ما هو موضوع ؛ وقليلمنها ثابت صحيح ، ولكن بعدما لووا رؤوسهــا نحو ما يوافـق أهواءهـم ، ليدلسـوا بهاعلى الأمــة ويزينــوا بها باطلهــم.
    وبالرغم من أن عصرنا هذا، من أسوأ عصورالمسلمين في انتشار الفساد وكثرة البدع ، وأكثرها انحرافا بسبب هؤلاء الأئمة المضلين الذين تخوف النبي صلى اللهعليه وسلم على أمته منهم ، إلا أننا نجـد طائفة من أهل العلم والعدل الغرباء ، والنزاع من القبائل الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنته ، لا تزال تصدعبالحق ـ بحمد الله ـ وتحذر المسلميـن من الوقوع في البدع، والشركيات ، وهم الذين أشار إليهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : << لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتى يأتي أمر الله >> أخرجاه .
    وإقتداء بهموجريا على منهاجهم لعلي أحشر في زمرتهم ، إن لم كان منهم ، أخذت قلمي لأكشف القناع عن دعاواهم الواهيةوحججهـم المحرفة الباطلة ،ولكن بعد أن أعرف بمعنى الاحتفال بالمولد النبوي ؛ واتخاذهعيدا وموسما وشعيرة تعبدية ؛ وبعدها أعرف بالعيد، وأبين الأعياد التي شرعها الله لنا، وأذكر شيئا من الآثار التي فيها النهي عن التشبه بالكفار في أعيادهم، ثم أنقل بعضكلام الذين ألفـوا في هذه المسألة أو تكلموا فيها في هذه الأيام، وبعدها أخص صاحبالقول الجلي بالرد والمناقشة العلمية البعيدة عن سوء الأدب الذي يتهمنها به المخلف ، فالسلفيون مؤدبون ،والتحريف والتطفيف وتغليظ القول ليس من منهجهم إلا ما لا بد منه عملا بقوله تعالى:{{ لا يحب اللهالجهر بالسوء من القول إلا من ظلم }} [النساء:148 ].
    وقد ظلم صاحبنا أهل العلمواتهمهم بالجهل ، وسأنقل بعض كلامهــم رحمهم الله ليظهر للقارئ من الجهول من العدول؟ في آخــر الرد ثم أختم بحثي بخلاصة أذكر فيها النتيجة التي توصلت إليها من خلالدراستي لهذا الموضوع ،ومسك الختـام أذكر نبذة قصيرة عن سـيرة صاحب المولد العطرة ،كنسبه ، وأسمائه، وصفاته الخِلقية والخـُلقية و...الخ ، وذلك معنى الإيمان بشهادةأنّ محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أجعل فهرسا مفصلا للمراجع والمصادرالتي استقيت منها بحثي ، وآخر لمحتويات البحث والله أسأل التوفيق والسداد.
    تعريف كلمة الاحتفال بالمولد النبوي:كلمة احتفال تعطى في اللغـة معنى الاهتمام والكثرةوالاجتماع، يقال : فلان لم يحفل أو لم يحتفل بكذا ، أي لم يبال ولم يهتم به ، ويقالالعروس تكتحل وتحتفل ، أي تتزين وتحتشد للزينــة ، ويقال شاة حافل أي كثيرة اللبن ،والجمع حًـفل ، وبقرة محفلة ، أي جمع لبنها في ضرعها ولم يحلب أياما لترويج بيعها ،والمحفل مجتمع النّاس[4].
    والاهتمام الفردي أو الجماعي بأمـر منالأمــور من طبيعة البشـر ، يدفع إليه جلب خير أو دفـع شـر ، والمحتفل به قد يكونأمرا واقعا حاضرا أو ماضيا ، أو منتظر وقوعـه ، فمن الاحتفال بالواقـع الحاضر ،الفرح بالمولــود عند ولادته أو ختانه ، وبالزواج عند العقد والتمليك أو الزفاف.
    ومن الاحتفالبالماضي، تذكر أحداث وقعت في أماكن أو أوقات محددة، تستعيدها الذاكرة لتجدد فرحهاوسرورها ، أو لتأخـذ العبرة والموعظـة منها.
    وكلمة المولد: جمع مواليد، وموالدوهو: اليوم الذي يزداد فيــه المولود (5 ).وأن كلمة مولد مدلولها لا يختلف بينإقليم إسلامي وآخــر، إلا أنها لا تطرد بنفس اللفظ في كل البلاد الإسلامية،إذ أهلبلاد المغرب الأقصى (مراكش) يسمونها بالمواسم فيقال:موسم مولاي إدريس مثلا،وأهلالمغرب الأوسط ( الجزائر ) يسمونها بالزِرد جمع زردة، فيقال زردة ( سيدي بالحملاوي)مثلا، وأهـل مصر والشرق الأوسـط عامة يسمونها الموالد ، فيقولون مولد السيدة زينب، ومولد السيد البدوي مثلا ، وسماها أهل المغرب بالمواسم لأنهم يفعلونها موسميا أيفي العام مـرة ، وسماها أهل الجــزائر بالزردة باعتبار ما يقع فيها من ازدرادالأطعمة التي تطبخ على الذبائح التي تذبح للولي ، أو عليه بحسب نيات ومقاصدالمتقربين.
    وسماها منسماها بالحضرة إما لحضور روح النبي والولي فيها ، ولو بالعناية والبركة ، أو لحضورالمحتفلين لها وقيامهم عليها.
    هـذا بالنسبة إلى مجرد التسمية أما بالنسبةإلى ما يجري فيها من أعمال فإنها تختلف كيفا وكما بحسب وعي أهل الإقليــم ، وفقرهم، وغناهم ، والقاسم المشترك بينهم فيها ما يلي:
    1 ـ ذبـح النـذور والقرابين لمن يقام لهالموسم ، أو الزردة ، أو المولد ، أو الحضرة والتقرب له بذلك وهذا نوع من الشرك..
    2 ـ اختلاطالرجـال الأجانب والنســاء الأجنبيات بعضهم ببعض ( بمعنى غير المحارم).
    3 ـ الشطــحوالرقص ، والتغبير ، وضرب الدفوف والطبول والتزمير بالمزامير المختلفة.
    4 ـ إقامةالأسـواق للبيع والشـراء ، وخاصـة الأمـور التي يقام بها المولد أو الموسم أوالزردة.
    5 ـ دعـاءالولي أو السيـد والاستغاثة به ، وطلب الشفاعة والولد والشفاء منه ، وهذا شركوالعياذ بالله.
    6 ـ قد يحصل فيها من الفجــور وشرب الخمـور ، ولكن لا يطرد هـذا في كل البلاد ، ولافي كل الموالـد.
    7 ـ مساعدة الحكام والملوك على إقامة هــذه المواسم بنوع من التسهيلات ، بالترخيص لهاوالإنفاق عليها ، وتعطيل العمل ودفع أجور العمال لذلك اليوم (6).
    هــذا هو المولـدفي عرف النّاس اليوم ، ومنــذ ابتداعــه على الفاطميين أو عهـد الملك المظفـر في بداية القرنالسابع الهجري ، أوفي أواخر القرن السادس ، أما حكمـه في الشريعة الإسلامية فسأذكرهفي خلاصة البحـث.
    والنبــوي: إضافــة إلى المكان أو اليوم الذي ولــد فيه صاحب النبــوة . والاحتفال بهذا اليومفي كل عام ، يجعلــه عيدا ، فما هو العيد ؟
    تعريف العيـد لغة :هو كل يوم فيه جمـع ،واجتماع ، واشتقاقه من عاد يعود ، كأنهـمعادوا إليه وقيل: اشتقاقه من العادة لأنهم اعتادوه ، والجمع أعياد ، وعيّدالمسلمون : شهدوا عيدهم (7]
    والعيد في عرف الشرع :اسم لما يعود من الاجتماعالعام على وجه معتاد عائد ، إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع ، أو الشهر ، ونحو ذلك[8].
    قال ابنالقيم رحمه الله : العيد : ما يعتاد مجيئه وقصده ، من زمان ، ومكان . مأخوذ منالمعودة والاعتياد[9]فإذا كان اسما للمكان ، فهو المكان الذي يقصد فيهالاجتماع ، والانتياب بالعبادة وبغيرها ، كما أن المسجد الحرام ، ومنى ، ومزدلفة ،وعرفة ، والمشاعر ، جعلها الله تعالى عيدا للحنفاء ، ومثابة للناس ، كما جعل أيامالعيد منها عيدا .وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية ، فلما جاء الإســلام أبطلها، وعوض الحنفاء منها عيد الفطــر ، وعيد النحــر ، كما عوضهم عن أعياد المشركينالمكانية بدار الكعبة ، والمشاعـر[ 10].
    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فالعيد : يجمع أمورا : منها يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة ومنها: اجتماعفيه.ومنها أعمال تتبع ذلك: من العبادات والعادات،وقد يختص العيد بمكان بعينه ، وقديكون مطلقا، وكل من هذه الأمور قد يسمى عيدا.
    فالزمان : كقوله صلى الله عليه وسلم ليومالجمعة:<<إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدا>>والاجتماع والأعمال ،كقول ابن عباس:<<شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم>>والمكان : كقوله صلى الله عليه وسلم:<<لا تتخذوا قبري عيدا >>وقديكون لفظ: العيد اسما لمجموع اليوم والعمل فيه، وهو الغالب كقول النبي صلى الله عليهوسلم:<<دعهما يا أبا بكـر فإن لكل قوم عيدا وإن هـذا عيدنا>>[11].
    ونستخلص من هــذا : أن كلمة أعياد تطلق على ما يعود ويتكـرر ، ويغلب أن تكون علىمستوى الجماعة أيا كانت هـذه الجماعة ، أسرة أو أهل قرية أو إقليم أو دولـة.
    والمناسبات التيتقام لها هذه الأعياد قد تكون ماضية تتجــدد ، وقد تكون واقعة متجـددة بنفسها يحتفلبها كلما وقعت ،فالأولى كذكرى تأسيس دولة أو وقـوع معركة ، والثانية كالمهرجاناتالتي توزع فيها الهدايا على النوابغ في ميدان العلم ،أو الإنتاج المثمر المتميز فيأي ميدان آخــر.
    وهذه المناسبات التي يحتفل بها قد تكون دنيوية محضة ، وقد تكون دينية أوعليها مسحـة دينية ، والإســلام بالنسبة لما هو دنيوي لا يمنع منه إلا ما كانتالنية فيه غير طيبة وفاسدة ، وما كانت مظاهره خارجـة عن حــدود الشــرع ، مما ينتج عنالنيــة السيئة ، أما ما هو ديني فقد يكون منصوصا على الاحتفال به ، وقد يكون غيرمنصوص عليه ،بل منهي عنه ، فما كان منصوصا فهو مشروع بشرط أن يؤدى على الوجــه الذيشرع ، ولا يخرج عن حـدود الدين العامة ، أما ما لم يكن منصوصا عليه فللنّـاس فيهموقفان ، فموقف جمهــور علماء السلــف قديما وحديثا المنـع لأنـه بدعــة ، وذهببعــض فقهــاء الخــلف إلى الجــواز لعــدم النص على منعـه وهذا ليس بشيء ، ولايعد علما ، وقد عرفت أن القول بالتنصيص على كل مسألــة يجعلنا ندخــل كثيرا منالبدع في الدين لأن الشارع لم ينص عليها بعينها ، والله سبحانه وتعالى لم يفرط فيشيء من أمــور الدين مما يحتاج إليه عباده ، فقد أكمل لهم الدين وأتم عليهم النعمة .
    قال سبحانه :{{ مافرطنا في الكتاب من شيء}}وكلمة<<شيء>>نكرة والنكرة في سياق النفي،أو النهي، أو الاستثناء تعم كل شيء، صغيرا كان أو كبيرا، وقال سبحانه وتعالى:{{...تبيانا لكل شيء}}.وقال عز وجل :{{ وقد فصل لكم ما حرم عليكم }} وقد حرم علينا الإحداث في الدين ..
    الأعياد التي شرعها الله لهذه الأمة عوضا عن أعياد الجاهلية:

    عن أنس بنمالك رضي الله عنه قال:قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهميومان يلعبون فيهما . فقال : ( ما هذان اليومان ؟) قالــوا : كنا نلعب فيهما فيالجاهلية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما:يومالأضحى ويوم الفطــر>>[12]،وقد سمى النبيصلى الله عليه وسلم الجمعة : عيدا في غير ما موضع ونهى عنإفراده بالصوم . لما فيه من معنى العيد ، ففي سنـن ابن ماجـة ومسند أحمد من حديثأبي لبابة بن المنذر قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:<<..وهو أعظمعند الله من يوم الأضحى ، ويوم الفطرـ [13].
    النهي عن التشبه بالكفار أو مشاركتهـمفي أعيادهم:
    فوجه الدلالــة من الحديث الأول: أن العيدينالجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة ، بل قال: << إن الله أبدلكم بهما خيرا منهما>> الإبدال من الشيء يقتضي تركالمبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه ، ولهذا لا تستعمل
    هذه العبارة إلافيما ترك اجتماعهما ، كقوله سبحانه:{{أفـتـتـخذونه وذريــتـه أولياء مندوني وهم لكم عدو بئـس لـلـظـالمين بدلا}}الكهف:50] وقوله تعالى :{{ ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب}} [النساء : 2].
    فقول النبي صلى الله عليه وسلم:<<إن الله أبدلكم بهما خيرا منهما>>يقتضي ترك الجمع بينهما لاسيما وقوله:<<خيرا منهما>>يقتضي الاعتياض بما شرع لنا ، عما كان في الجاهلية. ففيما شرع الخير ممن كان عليه أهل الجاهلية ،وأيضا فقوله:<<إن الله قد أبدلكـم>> لمّــا ســألـهـم عـنالـيـومـيـن فـأجـابوه:<<بأنهما يومان كانـوا يلعبون فيهما في الجاهلية>> دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضا بيومي الإســلام ، إذ لو لم يقصد النهيلم يكن ذكر هذا الإبدال مناسبا ، إذ أصل شرع اليومين الإسلاميين كانوا يعلمونه ،ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية[ 13].
    وفيه أن الإبدال يكون لله تعالى وليس لأحد ،فلا يكون بالذوق ، ولا بالإتباع لما كان عليه أهل الجاهلية ، ولا بالتشبه للكفار ..

    ووجـه الدليل من الحديث الثاني: أن الله أضل عن الجمعة من كان قبلنافكان لليهود يوم السبت ، وكان للنصارى يوم الأحــد ، فجاء الله بنا فهدانا ليومالجمعة ، فجعل الله ثلاثة أعياد الجمعة والسبت والأحـد ، ثم جعل كل واحد منها مختصابما جعل فيه له ، ولا يشركه فيه غيره فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت ، أوعيدهم يوم الأحـد ، خالفنا هذا الحديث ، وإذا
    كان هذا في العيد الأسبوعي ، فكذلك فيالعيد الحولي ( 14 ). فكذلك يقال في الأعياد المكانية لقولـه عليه الصلاة والسلام:<<فهل كان بها عيدا من أعيادهم ؟>>وقد جعل الله لكل من هؤلاء شرعةومنهاجا فقال سبحانه وتعالى :{{ لكل جعلنا منكم شرعــة ومنهاجا}}المائدة : 48].
    وقال عليه الصــــلاة والسلام :<< إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا>>وهذا الاختصاص يقتضي النهي عن مشاركتهم ومشابهتهم في أعيادهم.
    الأدلــة التي فيها النهي عنمشابهة، ومشاركة الكفار والمشركين في أعبادهم.
    إذا تقرر هذا الأصل في مشابهتهم ، فموافقتهم في أعيادهملا تجــوز من طريقين:
    الطريقالأول:العام ـ لقوله عليه الصلاة والسلام:<<مــن تـشبـه بقــومفـــهو منهم>> [15] وقولـه في غير ما حديث:<<خالفوا المشركين ،خالفوا اليهود خالفوا النصارى>>فإن موجب هذا : تحريم التشبه بهم مطلقا.
    الطريق الثاني الخاص:في نفسأعيادهم : فالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار . أما الكتاب : فمما تأولـه غيرواحــد من التابعيـن وغيرهم ، في قولـه تعالى:{{ والذين لا يشهدون الزور ، وإذا مروا باللغــو مرواكراما }}[ الفرقان :72 ] روى الخلال عن محمد بن سرين في قوله تعالى:{{ والذين لا يشهدون الزور }} قال : هو الشعانين [ 16]،وهو عيد للنصارى يقيمونه يوم الأحـد السابق لعيد الفصـيح؛ يحتفلون به ذكرى لدخولالمسيح بيت المقدس.
    وكذلك ذكـر عن مجاهد قال : هو أعياد المشركيــن ، وكذلك قالالربيع بن أنس :هو أعياد المشركين [ 17].
    وذكرهالسيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس( 18 ) ، وكذلك عن الضحاك وعمرو بن مرة وعطاء بنيسار وغيرهم ( 19 ) ووجه تفسير هؤلاء السلف المذكورين : أن الزور هو المحسن المموه ،حتى يظهر بخلاف ما هو عليه في الحقيقة ، وقال الله:{{واجتنبوا قول الزور}}الحج :30 ] ففاعل الزور كذلك .
    أما السنة فقد مرت معكقبل هذه الصفحة أحاديث كحديث:<<هل كان بها عيد من أعياد الجاهلية >>وحديث: <<لكل قوم عيد وهذا عيدنا>>الــخ.
    وقال عمر رضي الله عنه:<<إياكم ورطانةالأعاجــم أن تدخــلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهــم>>[20].
    وأما الإجماع:قال شيخالإســلام ابن تيمية :( 21 ) في تقرير الإجماع ما ذكره علماء الإسلام من المتقدمين ،والأئمـة المتبوعين وأصحابهم في تعليل النهي عن أشياء بمخالفة الكفار ، أو مخالفةالنصارى ، أو مخالفة الأعاجــم ، وهو أكثر من أن يمكن استقصاؤه ، وما من أحـد لهأدنى نظـر في الفقه إلا وقد بلغه من ذلك طائفة ، وهذا بعد التأمل والنظر ، يورثعلما ضروريا ، باتفاق الأئمـة ، على النهي عن موافقة الكفار والأعاجم والأمـربمخالفتهم . ثم نقل رحمه الله أشياء كثيرة عن الأئمة المتبوعين وأصحابهم من المذاهبالأربعة .
    وأذكر هنا أثرا واحــدا من مذهب مالك والشافعي، قال بعض أصحاب مالك:منذبح بطيخـة في أعيادهم فكأنما ذبح خنزيرا، وكذلك ذكر أصحاب الشافعي هذا الأصل فيغير موضع من مسائلهم( 22].
    ولعلصاحبنا وغيره من المثقفين ثقافة علمانية غربية أو حزبية متمسلمة، أو صوفية طرقية أو فكريةعصرانية عقلانية اعتزالية على هذا فيقولون : إن هؤلاء الذين قالــوا مثل هــذا الكلام وعلى رأسهــم مالكرحمه الله ، جهلــة ، لا يفقهــون شيئامن دين الله.
    نقل بعض شبه الذين ألفـوا في هذه المسألة أو تكلموا فيهاهذه الأيام والرد عليهم:
    قولهــم : إن الاحتفــال بالمولــد النبوي مما تعارف عليه المسلمون وعمله ورضيه بعضالعلماء المعتبرين ، وأجمعت عليه الأمة.
    2 ـ قولهم : كونها ذكرى سنوية يتذكـر فيها المسلموننبيهم صلى الله عليه وسلم ، فيزداد حبهم وتعظيمهم له.
    3 - سماع بعض الشمائل المحمدية ، ومعرفة النسب النبويالشريف.
    4 ـ إظهار الفرح بولادة الرسوللما يدل ذلك على حب الرسول وكمال الإيمــان به.
    5 ـ إطعام الطعام وهو مأمور به ، وفيه أجر كبير لا سيمابنية الشكر لله تعالى.
    الرد عليهم:أولا: هـذه دعوة واهية لا تستنــد إلىدليل شرعي من كتاب الله وسنة رسول وإجماع سلف الأمــة من القرون المفضلــــة أهلالخيرية الذين أمرنا بإتباع سبيلهم وعدم مشاقتهم لأن مشاقتهم مشاقة لله وللرسول..
    ثانيا: لم يتعارف جميع المسلميــن على أن الاحتفال بالمولدعبادة شرعية نتقرب بها إلى الله ، ولم يرضـه أكثر العلمــاء المعتبريـن قديماوحديثا وهذه كتبهـم تشهــد على ذلك، ومازالت طائفة منهم تنكــر ذلك وتبينه للمسلمين، وسيأتي - إن شاء الله - وأذكر طائفة من أقوالهــم رحمهــم الله.
    ثالثا: على فرض التسليم لكم وتنزلا أنهم تعارفوا عليه ، فهل تقولون إن الفساد الذي تعارف عليه المسلمون اليوم من التبرج والعري ، والنظم الديمقراطية، والعلمانية ، والعولمة وغير ذلك مما أصبح فاشيا بين المسلمين ، يجب أو يستحب أن يدخل في الدين وأن نقبله كما قبلنا هذه البدعة ؟
    رابعا:إن الأعياد من جملــةالشــرائع والمناسك ، كالصــلاة ، والصيام ، والقبلـة ، والحــج ... الخ ، فهي لاتشرع إلا عن توقيف ،وليست مجــرد عادات ، وهنا يكون أمر التشبه والتقليــد فيهاللكافرين أشــد وأخــطر ، وكذلك تشريع أعياد لم يشرعها الله ، ويكون حكما بغير ماأنزل الله ، وقولا على الله بغير علم ، وافتراءا عليه ، وابتــداعا في دينه.

    إن الاحتفالات والأعياد البدعية ، منشرائع الكفار ، ومن شعائر أديانهـم الباطلــة المحرفة ، لأن الله أبدلنا بأعيادالجاهلية أعيادا محــددة في زمـن محــدد بضوابط محــددة ، فلا يجوز للمسلمين أنيتشبهــوا بما هو من خصائص الكفار وشعائرهم الباطلة.وإلا فما فائدة الإبدال .
    فإذا لم يتقيد المسلمون بالضوابط الشرعية ، فسيفتح البابعلى مصراعيه ويؤدي ذلك إلى فعل الكثير من الأعياد – كما هو حاصل -، ومن ثم تكثر الأعيادوالاحتفالات وتشغل المسلمين عن المشــروع من العبادات .
    وهذا ما حــدث فعلا الآن ، فكل بلد من بلاد المسلميناليوم له أعياد واحتفالات ، فعيد لميلاد الرسول ، وآخر للمسيح ، وثالث للرئيس ،ورابع للوطن ، وخامس للاستقلال ، وسادس للشهيد ، وسابع للمرأة ، وثامن للأم ، وتاسع للطفل، وعاشر للشبيبــة ، وحادي عشر للشجــرة وثاني عشر للطالب ، وثالث عشر للحرية ،ورابع عشر للعجزة والمسنين وخامس عشر للحب وسابع للمشروبات الروحية وهكــذا ... الخ مما لايحصى من الأعياد التي أولها قطر وآخرها طوفان وطغيان..
    ويضاف إلى ذلك ما تستنزفــه هــذه الأعياد من الأمــوالوالجهــود ، والطاقات والأوقات ، التي تضيع هــدرا على المسلميـن ، في سبيل الشيطان، وتشغلهــم عن ذكر الله وعن الصــلاة ، وعن كثير من الفروض والواجبات التي شرعهاالله ، وسنها رسولــه كما أنها مفتاح اللهو والعبث والمجــون والانحــلال في حياةالفرد والمجتمـع .حتى أصبح الكثير منها متعرفا عليه يستنكر على من أنكره ، ويشنع عليه ، انه يفسد على الناس احتفالاتهم ، ولم يدروا أن فساد الدين بهذه الاحتفالات أعظم وأعظم ، فهل يفطن أولئك الذين لا يزالون يبيحــون للمسلميــن مثل هــذهالأعياد والاحتفالات ، ويشرعونها لهم ، ويزعمـون زورا أن الإسـلام لم يحرم هــذا ؟فإذا عميت بصائرهم عن الدليل الحــق ، فهل عميت أبصارهـم عن الواقــع ؟ ومن لم يجعلالله له نورا ، فما لـه من نور.
    رابعـــــا: قولهم كون المولد ذكرى ..الخ . هــذه تصلــح أن تكونعلة لو كان المســلم لا يذكـر النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم عشرات المرات ،فتقام له ذكرى سنوية أو شهرية يتذكر فيها نبيه ليزداد إيمانه به وحبه له . وعليهفإن الذي تقام له الذكرى خوفا من نسيانه هو من لا يذكر ، أما من يجري ذكره في عروقنا كما يجري الدم ، واسمه منقوش على صفحة سويداء الفؤاد ، لأنه جزء من عقيدتنا كيف ينسى فلا يذكر إلا مرة في السنة ؟ أين الحب المزعوم له ؟
    خامـسـا:قولهم : أنهم يسمعون شيئا من الشمائلالمحمدية ..الخ . سبحان ربي!!كيف يتركالمؤمن سماع شمائله ونسبه طوال السنة ؟ ثم يأتي مرة في العام ليسمعها ، وهي جزء منعقيدتـه ودينه ، ولا تكتمل عقيدته ودينه إلا بمعرفتها والإيمان بها ، والعمل بما تقتضيه ، لأن الواجب على المسلم أن يعرف نبيه بذاته وأسمائه وصفاته الخِلقية والخُلقية ونسبه وأحواله ، كما يعرف ربه تعالى بأسمائه وصفاته ، وإلاّ كان يعبد مجهولا، ويتبع مجهولا ، وإذا كان الأمر كذلك فلا محبة ولا طاعة ، ولاإتباع.
    ســادســا: قولهم: إعـلان الفرح.. الخ . وهذه علـة واهية أيضا، إذ الفرح إما أن يكون بالرسول صلى اللهعليه وسلم ، أو بيوم ولد فيه ، فإن كان بالرسول فليكن دائما كلما ذكرناه ، ولا يختصبوقت دون وقت آخر ، وإن كان باليـوم الذي ولد فيه ، فإنه أيضا اليوم الذي مات فيه كما سنعرف ، ولا يوجد عاقل يقيم احتفال فرح وسرور باليوم الذي مات فيه حبيبـه ،والرسول أحب حبيب إلى نفس المسلم ، وموته أعظم مصيبة أصابت المسلمين.فكيف يجمع المسلم بين ألم المصيبة ، والفرح ، مع أن الفرح سابق والمصيبة متأخرة ، فكان الأولى ، ان نبكي على فراقه ، وأن نعزي نفوسنا في مصابه .وليس أن نحتفل به ليلة واحدة أو يوما واحدا ثم نترك سنته ونأتي كل الذي يكره ..
    سـابــعاقولهم : إطعام الطعام ..الخ . فهذا كــلام ساقط من الأصللأن إطعام الطعام مندوب إليه مرغب فيه كلما دعت الحاجــة إليه، وليس خاصات بيوم مولده ، فهو أيضا يوم وفاته ، فهل تأكلون الطعام وتنعمون وتفرحون في يوم موت حبيبكم ؟ ألكم عقول وأنتم تفعلون ذلك ؟؟

    تخصيص صاحبالقول الجلي بالرد.
    إن قولـــه : ( إن أول من أحـدث عملالاحتفال بذكرى ولادة حبيب الله صلى الله عليه وسلم الملك المظفر صاحب إربل ) إلىآخـر كـلام ابن كثير -رحمه الله -الذي نقله عنه لي عليه فيه ثلاث مؤاخــذات.
    الأولى: عدم الأمانة العلمية، بتدليسـه على الأمــة، وتحريفـه الكلم عن مواضعــه فإنابن كثير قال :[[ .. كان يعمل المولــد الشريف]][23] فجاء هو وغيرهابقولـه :[[ إنأول من أحدث عمل الاحتفال بذكرى ولادة حبيب الله صلى اللهعليه وسلم..]]وفرق كبير بين قول ابن كثير: [[ كان يعمل ] وبين:[[ إنأول من أحدث..]]
    لأن المعروف أن أول من أحدث الاحتفالبالمولد النبوي الشريف هـم الفاطميون المتصوفــة ، ولا يوجد في التحقـيق الدقيق على وجهالتحديد إلا ما ذكره المقريزي في كتابه الخطط [1/ 490] والقلقشندي في صبح الأعشى [3/ 498] والسندوبي في تاريخ الاحتفال بالمولد [69] ومحمد بخيث المطيعي في أحسنالكلام [44/45] وعلي محفوظ في الإبداع [ص126]وإسماعيل الأنصاري في" القول الفصل في حكمالاحتفال بمولد خير الرسل" [ص64] والراجح أن أول من أحدث هذه البدعة هم الفاطميون ، وبالتحديد هوالمعز لدين الله [سنة 362هـ ] بالقاهرة ، واستمر الاحتفال به إلى أن ألغاه الأفضل أبوالقاسم أمير الجيوش ابن بدر الحَمالي ووزير الخليفة المستعلي بالله سنة [488هـ] ثمأعيد الاحتفال مرة ثانية بعد وفاة الخليفة سنة [490هـ] وذكر بعضهم أن أول من أحدثهصاحب إربل الملك المظفر ، ولا يبعد أن يكون عمل الاحتفال بالمولد تسرب إلى صاحبإربل من العبيديين فإنهم أخذوا الموصل سنة [347هـ] كما في البداية والنهاية [11/2323] والملك المظفر
    تولى الملك بعد وفاة أبيه سنة [563هـ] كما في سير أعلامالنبلاء [22/ 335] فأول من أحياه العبيديون ، ثم مات في الناس فأحياه مرة أخرى الملك المظفر صاحب إربل .
    قال الشيخ محمد عبد السلام الشقيري : [24] فاتخاذ مولــده موسماوالاحتفال به بدعــة منكــرة ، وضلالــة لم يرد بها شرع ولا عقل ، ولو كان في هـذاخير فكيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وسائر الصحابة والتـابعيــنوتابعيهــم والأئمــة وأتباعهــم ؟ لاشك أن ما أحدثه إلا المتصوفــون الأكالــونالبطالون أصحاب البدع وأتباعهــم ، وتبع النّاس بعضهــم فيه بعضا إلا مَـن عصمهالله ووفقــه لفهــم حقائق الإســلام.
    المؤاخـذة الثانيــة:حذف بعض الجمل حتى يأتي الكلام على نسق هواه وما ذهبإليه ، فعبارة ابن كثير هكــذا:[[وقد طالت مدته في الملك في زمان الدولةالصلاحية ، وقد كان محاصرا ( عكــا ) والى هــذه السنة محمود السيرة والسريـرة]]فجاء هو وحذف جملــة[[في زمان الدولـة الصلاحية]]وجعلمكانها جملــة:[[..إلى أن مات..]]كما حذف جملة: [[والى هـذهالسنة]]وجعل مكانها جملة:[[سنة ثلاثين وستمائة]]ولا توجـدهذه الجملة الأخيرة في نص ابن كثير ، وفعل ذلك لأمرين.
    الأول : ليدلل على أن هـذا الملك كان لهآثار وسنة، وكان من الأمجــاد والكبراء إلى أن مات ، وهو ليس كذلك فقد كان صوفيامسرفا للأمــوال ، يغني ويرقص من الظهر إلى صلاة الفجــر..
    قال محمد رشيد رضا -رحمه الله -: والمشهور أنالمحدث لهذه البدعة هو أبو سعيد كوكبوري الملقب الملك المعظم مظفر الدين . مقدمةلذكرى المولد النبوي ( ص1 ) فقـوله : والمشهور.. فيه دليل على أن هناك خلاف فيمنكان أول من أحدثها . وفي تاريخ ابن خلكان (ج 4/ 117)وهو شاهد عيان ، وليس الخبر كالمعاينة.الذي لخص منه محمد رشيدرضا كلامه لم يذكر ابن خلكان أنه هو الذي أحدث المولد، وإنما وصف كيفية إقامته له، وقال ابن خلكان: فيه شيء عجيب يطول شرحه . فهذه زيادة أيضا من رشيد رضا .
    وهذا عجيب من الشيخ رشيد رضا ، الذي حرف أيضا عبارة ابن خلكان وجعل الأمر مشهوراعن ذلك الملك... كما حرف صاحبنا عبارة ابن كثير ... وقد بسط ذلك العجب الذي أشارإليه ابن خلكان الحافظ ابن كثير غاية البسط فقال [25]:
    فقال: ... وكان يمد في ذلك السماط خمسةآلاف رأس مشوي ، وعشرة آلاف دجاجــة ومائة زبدية وثلاثين ألف صحن حلوى ..وقال أيضا:وكان يحضر عنده أعيان علماء الصوفية فيخلع عليهم ، ويطلق لهم ، ويعمل للصوفية سماعا منالظهر إلى الفجــر ، ويرقص بنفسه معهم ، إلى أن قال : وكان يصرف على المولد في كلسنة ثلاثمائة ألف دينار:[ 26].
    الأمر الثاني: ليدلل على أنالاحتفال بالمولــد إنما أحدث في هــذه السنة وإنما هــذه السنة هي التي توفي فيهاهذا الملك ، كما بوب لها ابن كثير. مع أن الاحتفال بالمولد أحدث قبل ذلك بكثير كماأشرت آنفا نقلا عن أولئك العلماء.
    والمؤاخـذة الثالثة هي: عزوه كلامابن كثير إلى الجزء الثالث ( 3 ) صـفـحة (136) من البداية والنهاية .وهـذا وهـم ،والصحيح الجزء (13 / 147 ) وهـذه الملاحــظة ربما تكون خــطـأً مطبعيا ، أو من تصرفالقائمين على الجريــدة ، وإذا كان الأمـر كذلك ، فهو مخالف للأمانة العلمية ، ولايجــوز لهم أن ينشــروا كلامــه الذي تصرفــوا فيه إلا بعد أن يطلعوه عليه ،ويراجعـه ثم يأذن لهم فيه فلماذا سكت عنهم بعد نشره ؟ والسكوت علامة الرضا.فلم يأت بعدها تصحيح لذلك .
    وإذا تأملنا كلامابن كثير وما كان عليه عمل المولد في زمـن ذلكم الملك ، ونظرنا بعين الحــق إلى ماعليه أصحاب هـذه البدعة في الزوايا والمحافل الرسمية ، نجدهم على نفس الشاكلــة ،لا يحتفلــون بهذا المولــد إلا من أجــل ( الزردة ، أو الحضرة ) فيأكلون ويشربون ،ويغنون ، ويغبرون ويرقصون ..و..و... ولا يذكــرون الله إلا قليلا.
    قلت: فأي فائــدةتعــود وأي ثــواب في هــذه الأمــوال الباهظــة التي تعلــق بها هــذه التعاليــق، وتنصب بها هــذه ( الِزِرد ) ؟ وأي رضا للـه في اجتماع الرقّاصين والرقّاصات ،والبطاليــن والزمارين والمحتاليــن ، والمشعــوذين ؟ والحشاشين ؟ وأي خير في اجتماع ذويالعمائم الحمــراء ، والخضــراء ، وأصحاب الجبات الطويلة ،وأهل الإلحــاد في أسماء الله وصفاته، وأهل الشخير والنخير، والصفير ، والتصفيق والشهيق والنعيــق ، ما فائــدة هــذا كلــه ؟
    فائدتــه سخرية الكفار بناوبديننا ، وأخــذ صور هــذه الجماعات في هذه المحافل والموالد لأهل الكفر، فيفهمــونأن محمـدا صلى الله عليه وسلم ـ حاشاه ، حاشاه ـ كان كذلك هو وأصحــابه ، فإنّاللـه وإنا إليه راجعـــون ، من أمة جعلت دينها الرقص والغناء والتغبير والتغيير ،وأخرى جعلت دينها كذلك وزادت اللطم والشق والنياحة.
    ثم هو خــراب ودمار فوق ما فيه النّاس منفقــر وجــوع وغلاء وجهــل ، وأمــراض ، وفتن فلماذا لا تنفــق هــذه الأمــوالالطائلــة على طلاب العلم ، أو فيما يعــود على الأمــة أفرادا وشعبا بالنفــع الخالــص ، حتى يقضى علىهـذه الأمــراض والأزمات والبطالة ولو نسبيا..
    وقـول صاحب القول الجلي:[[ إنالاحتفــال بمـولــد رسول الله صلى الله عليه وسلم مــن البدع الحسنــة]]نقضــه بنفســه بقولــه:[[ فهذا العمل لم يكن في عهد النبي صلى الله عليهوسلم ولا فيما يليـه ، إنما أحدث في أوائل القرن السابع الهجري]].
    وزيادة على ذلكأقـول لـه : أنه أخطأ في تحديد سنة إحداث المولد ،وتنازلا معه فرضيا أن الأمر كماقال ،فيقال له : أتــرى تلك القرون الستــة لم تهتد إلى هــذه البدعة الحسنــةوالفضيلــة المستحسنــة ؟ وفاتت كل تلك الأجيال ؟ لو كان شيئا من الاختراعاتالكونية لقلنا لك نعم ، ولكن أن يتركــوا شيئا تعبدنا الله به ، فهذا لا يقولــهعاقل فضلا عن طالب علـم عرف حال القوم وحرصهم على السبق إلى كل الفضائل والخير.

    وأقول لك أيضا أيها الدعي : أتراهــم لايعلمــون تاريخ ولادتـه ؟ أو أنهـم لا يحبونه حتى تركوا الاحتفال به ؟ ألا تعلمأنهــم هم الذين دونــوا لنا تاريخ ولادته على اختلافهم في ذلك ، كما سأبينه إن شاءالله ، وهم الذين كانوا يفدونه بآبائهم ،ويقدمون نفسهم على نفسه ، وإذا كان الأمــركذلك فهــم أولى بالاحتفــال بمولــده منا لقرب عهدهم من تاريخ ولادتــه ، لأنالاحتفال بعيد الميلاد كلما كان أقرب إلى تاريخ ميلاد الشخــص كلما كان أدعىللاحتفال بــه ، وهذا موجــود في الواقــع . وكلما كان أبعد كان أدعى لترك الاحتفالبه.
    فلما لم يثبتعنهم ، بل ورد عنهم التحذير منه في جملة البدع ، فهذا ابن عمر يقول:[[كلبدعة ضلالة ، وإن رآها النّاس حسنة>>[27]وقال حذيفـة بن اليمان رضي الله عنه:[[ كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله فلا تعبدوها ، فإن الأول لم يدعللآخر مقالا]] [28] وقال ابن الماجشون : سمعت مالكا رحمه الله يقول : منابتدع في الإســلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمـدا خان الرسالة ، لأن الله يقول:{{اليوم أكملت لكم دينكم }} فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا ( 29 ) وقالالشافعي رحمه الله : من استحســن فقد شرع ( 30) وقال رحمه الله : كل ما أحدث ممايخالف كتابا أو سنة أو إجماعا فهو بدعة (31).
    وزيادة بيان لهذه المسألة أقول له:إن البدع الحسنة لا تدخل في العبادات وإنما تدخل فيالمعاملات والعادات الدنيوية ويكمن أن تكون لها علاقة وارتباط بالشرع من وجه ،وتكون من هذاالوجه مصلحة مرسلة تخدم الدين ، أما أمــور العبادات فإنها لا تشرع بالقياسوالاستحسان
    لأنهـا توقيفية ، والأصل فيها الحظر حتى يأتي الدليل من الشرع المبيح ،ولأن فتح المجال لاختراع عبادات بالقياس والاستحسان يعتبر استدراكا على الشارعوالشرع الكامـــــل.ويتبين ذلك مــن تعريف البــدعة.
    تعريف البدعة: البدعة لغة هي : إنشاء الشيء وابتداؤه أولا ، ومنه قوله تعالى:{{ بديع السموات والأرض }} [البقرة : 117 ] أي محدثهماعلى غير مثال سابق.
    وفي الشرع: هي الحـدث والاختراع في الدين بعد الإكمال.[ 32 ] وقيل كلما أحـدث في الدين وليس منه ، من الأعمال والأهــواء ، وقيل ما أحدث على خــلافالحــق المتلقى عن رسول الله ، وجعله دينا قويما وصراطا مستقيما ( 33 )وعرفهاالشاطبي في الاعتصام بقوله : " البدعة عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعيةيقصد بالسلـوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه"(34 )وقسم علماء المسلمين البدعةإلى دينية ودنيوية، وكل منهما تنقسم إلى قسمين أصلية وإضافيـــة، ولا يعرف عندالسلف وجمهور العلماء إلى عهدالعز بن عبد الســلام من قسم البدعة الدينية إلى خمسةأقســام على الأحكام الشرعية ، وتقسيــم العــــز لها (35)رده جماهير العلمـــاءالذين جاؤوا من بعده، على رأسهــم أبو إسحاق الشاطبي في كتابه العظيم الاعتصام[ج1/ 197-211 ]فقد ناقشهمناقشة رائعـة ، وانتهى إلىالقول بأن هذا التقسيم لا يدل عليه دليل شرعي بل هو مخترع ، وهو من قبل المنهي عنهإما كراهة ، وإما تحريما.
    وكذلك شيخ الإســلام ابن تيمية في مواضع متعددة من كتبه (36) وغيرهماكثير(37 ) وإنما قسم العلماء البدعة الدينية إلى أقسام أربعة :( 38).
    1 ـ البدعةالمكفرة :كدعاء غير الله والاستغاثةبغيره ، وطلب تفريج الكربات وقضاء الحاجات مما لا يقدر عليه إلا الله.
    2 ـ البدعةالمحرمة:كالتوســل إلى اللهبالأمــوات جهلا،من غير اعتقاد أنه لهم تصرف أو جاه عند الله تعالى ، أو أنهم يملكون النفع والضر معه ، فإذا كان عن علم ،بذلك فهو الشرك وهي تدخل تحت النوع الأول البدعة المكفرة ، والأفضل أن يمثل للبدعة المحرمة باتخــاذ القبور مســاجد، وما في القسم الثالث .
    3ـ البدعة المكروهة تحريما:صلاة فريضـة الظهر بعد الجمعــة والاحتفـال بالمولـد.
    4ـ البدعةالمكروهة تنزيها:كالمصافحــة فيأدبار الصلوات المفروضة، ودعاء عاشوراء.
    ويمكن أن نرد القسم الثالث إلى الثاني فالبدعة المكروهة تحريما هي المحرمة ، وقد ذهب كثير من محققي العلماء إلى أن كلبدعـة في الدين صغيرة كانت أو كبيرة فهي محرمـة ،ضلالة حتى قال قائلهم : لا تنظرإلى صغر بدعتك وحسنها وأنظر إلى مكانها من الدين الكامل . واستدلوا لذلك بالأحاديثالتي جاءت في ذم البدع بصيغة العموم كحديث:<< ..فإن كل محدثة بدعـة وكل بدعةضلالة ،وكل ضلالة في النّار>>[39]وحديث:<< من عمل عملا ليس عليهأمرنا فهو رد>>>وفي رواية<< من أحدث في أمرنا هــذا ما ليس منه فهورد>>[40]
    وهذه الأحاديث تشمل كل بدعة في الدين فلاتخصيص لها إلا بدليل من كتاب الله ، أو سنة رسولـه ، أو إجماع المسلمين ، ولا تخصيصلهذه الشعيرة البتة – الاحتفال بمولد النبي- بل هي محدثة في أوائل القرن السابع علىحد قول صاحب القول الجلي - وما هو بجلي - أو قبل ذلك – وهو الحق - ، لأن قولــه : إنهــذه الأحاديث أي الناهية عن البدع هي من الأحاديث المخصوصة ، واستدل لذلك بكلامالنووي ، وهذا جهل كبير منه ، فإن ذلك التخصيص الذي ذكره النووي هو من باب التخصيصالعقلي عند الأصوليين ، ولا تخصيص للعقل في الأمــور التعبدية التوقيفية ، ولا دخلللعقل في الشرع ، فالعقل محكوم عليه لا حاكم ، ومقود لا قائد ؛ فإذا ثبت الأثر بطل النظر ، وإذا جرى نهر الله بطل نهر معقل ، وقدأكــد ذلك العموم بصيغة من صيغـه وهي : لفظة ( كــل ) لذلك لا ينبغي استثناء شيء منالبدع في الدين، وأنها كلها ضلالة كما قال صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا مكان لهاولو كانت صغيرة جدا ، فبنيان الدين كمُل بتراص دقيق وحكيم، فلم يترك الله شيئاتعبدنا به لمتكلم.
    وأما استدلاله بقولـه عليه الصلاة والسلام:<<من سن[41] في الإســلامسنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها>>[42]
    أولا : هذا الحديث إن لم يحمل على المصالحالكونية ، كان معناه أن يخترع كل ضال زنديق في دين الله ما شاء ، فيزيد في ركعاتالصــلاة وسجداتها وينقص منها ما شاء ، ويخترع أذكارا وأدعية وعبادات وصلوات وصياماغير ما عليه المسلمون ، ويستدل بهذا الحديث ..
    وهل يقول هذا من كان عنده مسكة عقل فضلاعن طالب علم ، فضلا عن عالم ؟
    ثانيا : الصحيح حمله على سبب وروده ، فإنللحديث سبب ورود يرفع الإشكال ، فكما أن للقرآن سبب نزول فللحديث سبب ورود ؛ فإذاأردنا أن نعرف المعني المقصود من الحديث
    فعليناأن ننظــر في سبب وروده ، والمناسبة التي قيل فيها الحديث حتى نفهم مراد الرسول منهوكيف فم الصحابة ذلك المراد ، وسبب وروده هو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جاءه قومحفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف ، فتمعر وجه رسول صلى الله عليهوسلم لما رأى ما بهم من الفاقة...وفيه فقامخطيبا وحث على الصدقة ، فجاء رجل من الأنصار بصُرة كادت كفاه تعجــز عنها بل قد عجزتثم تتابع النّاس ، حتى اجتمع عند النبي كومان من الصدقة ، فتهلل وجه رسول الله ... وقال:<<من سن في الإســلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها>>فهل الرجل الأنصاري جاء بشيء جديد في الدين أم كان أول من قام بأمر مأمور به في الدين ،وفرق كبير بين أن تبادر إلى أمر ميت في الناس شرعه الله فتكون أول من عمله في قريتك أو بلدك ؛ حيث يظهر لهمأنك جئت بشيء جديد لم يعرفوه قبلك ، ولكن عند التحقيق فهو أمر عليه الدليل من الكتاب أو السنة ، ولا أقصد به الدليل العام ، الذي لم يكن عليه عمل الصحابة ، وبينأن تقوم بعبادة لم يأمر بها الشرع ، ولا أتى بها دليل، فأنت أحدثت بدعة واستدركتعلى الشرع حينئذ ، حتى لو جئت بأدلة عامة تستدل بها على بدعتك ، بل
    سنقبلها عليك أكثر مما هي لك ، وبيان ذلك أن الصحابة ،والتابعين لهم بإحسان لم يفهموا ما فهمتم أنتم أيها القائلون بهذه البدعة..فلم يثبت عنهم هذا ، وهم أحسن الخلق فهما لنصوص الكتاب والسنة ، والخير كل الخير في إتباع سبيلهم ، والشر كل الشر فيما أحدث بعدهم .
    زيادة بيان لمعنىحديث النبي صلى الله عليه وسلم:<<من سن في الإســلام سنة حسنة فله أجرهاوأجر من عمل بها>>فهذا الحديث ينبغي حمله على سنن موجودة ؛ ومأمور بها فيالدين ، إلا أنها ماتت ، أو لم يقم بها أحد بعدُ كفعل الأنصاري ، أو أنها مهجورة فيالناس، ولعلك تقول : وهل هناك عبادة وسنة دينية لم يعمل بها بعدُ ، فيقال لك نعم ،هناك الكثير والكثير من السنن المهجورة ، ولك هذا المثال : أنتم في قريتكم لا يُوجد مسجدٌ عندكم ، فإذا قمت أنت ببناء المسجد ،فأنت أول من بدأ هذه العبادة العظيمة المأمور بها في كتاب الله؛ وسنة ورسوله ، وهيمن العبادات التي لم يقم بها أحد بعدُ في قريتكم ، فهي اولية بالنسبة للزمان والمكان ، فأنت سننت سنة حسنة ، وتتابع القوم بعدك على فعلها ، وهذاالمعنى يفهم من معنى السنة وورود الحديث ، فالسنة تطلق ويراد بها البيان ، قالاللحياني : وسنها الله للناس : أي بينها ، وسن الله سنة : أي بين طريقا قويما ،ومنه قوله تعالى:{{ سنة الله في الذين خلو من قبل }}[ الأحزاب/ 38-39].وتطلق ويرادبها السيرة حسنة كانت أو قبيحة ، وتطلق ويراد بها كل من ابتدأ أمرا عمل به قوم بعده.لسان العرب لابن منظور (ج 4 / ص 2124 ـ 2125].
    فإذاعرفتم هذا يقال لكم : إن كل ما فعله الأنصاري إنما هو ابتــداؤه بالصدقة في تلكالحــادثة ، وذلك الوقت ، والصــدقة مشروعة من قبلُ بالنص؛ مأمور بها في كتاب الله وسنة رسوله ،فهل ترون هذا الصحابي أتى ببدعــة جــديدة في الدين أم أحيا أمرا مشروعا سبق إلىتطبيقه لم يسبقه أحد يومها ، ففي عصرنا الحاضر لو أن إنسانا أحيا سنة مهجــورة ؛ أوماتت في الناس فيقال : أتى بسنة حسنة مشروعة ، ولا يقال : أتى ببدعة حسنة إلابالنـسبة لابتدائه ذلك الفعل المشروع الذي يراه الناس شيئا جديدا ، ويطلق عليهابدعة حسنة لغويا وليس شرعا، وعليه فالسنة الحسنة هي ما كان أصله مشروعا بدليل خاص،وترك النّاس العمل به ، أو عام فهم الصحابة أنه مراد لله فوجد فيهم من عمل به ، ثمجاء من يجــدده بين النّاس ، ومثال ذلك ما فعلــه عمر رضي الله عنه عندما أحيا سنةصلاة التراويح جماعـة، وسماها بقوله:<<نعمت البدعة هذه >>باعتبارظاهر الحال ، من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم تركها خشية أن تفرض عليهم، واتفقأنها لم تقع في زمن الصديق ، لانشغاله الكبير بأمور الدولة وأحوال الأمة ، ولم تطل خلافته ، فإحياء عمر لها يظهر من هذه الناحية شيئا جــديدا ،يطلق عليه من حيث اللغة بدعة ، أما من حيث الشرع فعمر لم يأت إلا بشيء مشروع ، وعلى هذايتنزل قول النبيصلى الله عليه وسلم: <<من أحيا سنة ماتت في الناس فله أجرها وأجر من عمل بها >>.[43]
    أعــود فأقــول : إن التخصيص لذلك العام لايخصص إلا بدليل ، وحمل الحديث على إحياء السنن المهجــورة ، أو على الأمور الكونيةهو الذي تقتضيه الأدلة ، وتخصيص البدعة الحسنة بالبدعة الدنيوية هو الذي تقتضيهالأدلة ، فقد روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهميأبرون النخل ـ فقال لهم : لو تركتمـــوه فتركــوه فشيص النخل ، ولما مر عليهم رأىنخلهم شـيص فقال لهم:<<ما بال نخلكم ؟>>فقالـوا : كنا نأبرهفنهيتنا فتركناه فـشـيـص . فقال لهم:<<أنتم أعلم بشــؤون دنياكم>>فهذا في الأمــور الكونية الدنــيوية ، وللعقل في هـذا مرتع واسع ، فمن استطـاع أنيخترع ويبدع من المنافــع والمصالح الكونية والدنيوية فليشمر على ساعدالجــد، وليتقدم فما أحوج الأمة إليه .
    ولكن الكثير منا خلط أمــور الدين بأمـور ما أنزل الله بها من سلطان ، وبقي على الجمودالفكري التقليدي يخبط خبطَ عشواء ، ولم يرض بالوحي ، واتبع ما وافق هواه بالابتداع في الدين والاستدراكعليه ؛ تارة بالدروشة والشعوذة ؛ وأخرى بعبادات وطرق ما أنزل الله بها من سلطان حتىيبرر لعجزه عن الاختراع في الأمور الكونية ، وحتى يصل على الأقل بالركب الحضاري كمايزعم الكثير. ويحضرني في هذا المقام قصة حدثنا بها أحد شيوخنا يوم كنت في معهد الحرم هي من أطرف ما سمعت : وهي : أن شابا متحمسا مرعلى شيخ وهو يدرس في الحرم المكي فيحلقة من كتاب الروض المربع (كتاب في الفقه الحنبلي) فجلس قليلا ثم قال للشيخ: ياشيخ النّاس طلعـوا إلى القمر وأنتم مازلتم في الوضوء والحيض والنفاس والطلاق ...
    فقالله الشيخ : يا بني أنت لاطلعت القمر ولا جلست معنا تدرس فقه الدين ، فأنت لا داخلالحلبة ولا خارجها . فكذلك نحن اليوم ، لا تعلمنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا على ماجاء به رسول رب العالمين ، ولا نافسنا الركب الحضاري الذي بني حضارته على ما أخذه من عندنا .
    وكذلك استدل صاحب -القول الجلي فيسنية الاحتفال بمولد النبي - بقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:<< مارآه المسلمون حسنا فهو حسن..>>.
    فهذا الأثر لا يصح مرفوعا، وعلى فرضصحته، فإن (أل) في كلمة ( المسلمون )؛ إن كانت للاستغراق أي: كل المسلمين فإجماع ،والإجماع حجة لا ريب فيه، والإجماع الأصولي المعتبر هو إجماع أهل العلم في كل عصر،وليس من شك أن المقلدين ليسوا من أهل العلم، وإن كانت للجنس؛ فيستحسـن بعض المسلمينهذا الأمر ؛ ويستقبحه آخرون كما هو الحال في أكثر البدع.
    وهنا ( أل) هي للعهد، وعليهفالمراد بهذا الأثر إجماع الصحابة واتفاقهــم على أمر كما يدل عليه سياق الحديث، أويكون من قبل ما ذكرنا، فلا يعـقل أن يقصـد به الزيادة على المشروع فهو القائــل رضيالله عنه:<< اتبعوا ولا تبتدعوا فقـد كفيتـم >> [44]وقد اشتهر رضي اللهعنه بشدة محاربته لأهـل البدع.
    وأما استدلاله بقول الشافعي رحمه الله: "ما أحـدث من الخير لا خلاف فيه لواحـد من هــذا...) فأقول أولا : على فرض صحة هذا القول ،فهو وإن كان من إمام كبير ، إلا أنه يبقى من الكلام الذي يحتج له ولا يحتج به.
    ثانيا:المعروف عن الشافعي ذمه للبدع فقد قال رحمه الله : من أستحســـن فقد شرع ، لذلك وجبحمل كلامه هذا على ما ذكرنا لأنه قال ما أحدث من الخير ، وليس من العبادات والقرب لأنذلك توقيفي لا يصح فيه الإحداث، ولم يصرح رحمه الله أن ما أحدث من الخير يعتبر بدعةحسنة، بل قال: إحداث الخير، وشرطه أن لا يكون فيه خلاف في مصلحته ومنفعتــه ، ولايخالف الشرع بوجه من الوجه ، وهذا لا خلاف فيه بل هو شيء متفق عليه، فبناء فالأوقاف، والمعاهد والمدارس ، وغيرها من أعظم الخير الذي تستفيد منه الأمة ، أما بدعةالاحتفال بالمولد فليس من الخير ، لأن ذلك من جنس العبادات كما بينته في المقدمة ،والعبادات لا يجوز القيام بها إلا عن توقيف فكيف بإحداثها ، والبدع في الدين كلهاشر، وإذا كان الأمر كذلك ، فهذه البدعة من قبيل الشر ، وليس الخير الذي قصده الشافعي، ولم يثبت عنه- رحمه الله -أنه احتفل بالمولد النبوي ، فوجب حمل كلامه على ما ذكرت .
    وأماقولــه : ما قول الجهلة، فيما فعله عبد الله بن عمر رضي الله عنه من أنه زاد فيالتشهـد:<<..وبركاته..>>
    أقول له وزاد أيضا:<< ..وحـده لاشريك لـه>>وهـذا كلام خطير للغاية ، يتهم فيه الصحابي الجليل بالبدعة، والزيادة على حد المشروع ، كما يتهم علماء الإسلام الذين استنكروا بدعة المولدبالجهل، ويسميهم الجهلة ، وفي الحقيقة هو الجاهــل لأنه ليس عنده أدنى إطلاع علىكتب الحديث ؛ ولو كان عنده شيئا من ذلك لوجد أن الزيادة الأولى:<<وبركاته>>ثبتت في الصحيحين وغيرهما مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والزيادةالثانية:<<وحـده لا شريك لـه>>ثبتت عند مسلم في صحيحـه من حديثأبي موسى الأشعري ، ومن حديث عائشة الموقوف في الموطأ ، وفي حديث ابن عمر نفسه عندالدارقطني إلا أن سـند هذا الأخير فيه ضعف.(45) فهذا قول الجهلة من أهل العلم.فإذاصحت الزيادتان مرفوعتان إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبين بذلك من الجاهل ؟ وعلى هذاأقول لـه : أيعقل أن يزيد صحابي جليل فقيهكابن عمـر رضي الله عنهما شيئا في الدين لم يكن له فيه سنة وإتباع ، وهو يقرأ قول الله تعالى:{{أم لهم شركاء شرعـوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله }}؟ [الشورى :21 ] أيعقل عنصحابي عُرف بشدة إتباعـه للنبي صلى اللهعليه وسلم حتى في الأمـور الجبلية ، حتى قال القائل:<<إياكم وتشديد ابنعمـر ، وتساهل ابن عباس>>؟ ولنفرض جدلا أنه زاد ذلك عن اجتهاد ، فنقول: قد خالـف النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الصحابة ، هذا إذا لم تثبت الزيادتانأما وقدثبتتا فلا وجه لهذا الجدال البتة ، ولا قول لابن عمر مع قول رسول الله كما قال ابنعبا س :توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم قال رسول الله وتقولون
    قال: أبو بكر وعمر..
    وقد ثبت عن ابن عمر شدة إنكاره على ولده بلال لما تأول بعض حديث رسول الله ولم يرده حقيقة ، فسبه وقال له أقول قال رسول الله ، وتقول : والله لنمنعهن ، والله لا كلمتك أبدا أترى من يقول هذا لولده يزيد شيئا في الشرع ليس له في سنة ؟ ثم أترى الصحابة الذينبلغتهم هذه الزيادة المزعومة عندك أن سكتوا جميعهم عنه ولم ينكروا عليه ، هذا منأمحل المحال لمن عرف حال القوم ، وشدة حرصهم على رد البدع.
    أما قوله-كفانا الله شره - : وكون السلف الصالح لم يفعلوا المولد صحيح، ولكنه ليسبدليل...الخ.
    أقول أولا : سبحان الله ، يا للعجب من هذا الجهل ، وهذه الجرأة ، وأين الدليل إذاإن لم يكن عمل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين أهل القرون الخيرية ، وأهل سبيل المؤمنين دليلا ؟ألم تقرأ قول الله تعالى:{{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهـدى ويتبع غيرسبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}}[ النساء:115] فمن المؤمنينالذين حدد الله سبيلهم، وجعل المخالف لسبيلهم على غير هدى ومشاقا للرسول والمشاقة له مشاقة لله تعالى غير الصحابةوالتابعين لهم بإحسان ممن رضي الله عنهم وأرضاهم؟؟؟
    ثانيا : السلف الصالح لم يفعلوا المولد، ولم يثبت عنهم أنهم احتفلـوا به؟ وأنت توافق وتقر بهذا ، وهذا يعتبر إجماعا منهم ،فماذا تحكم على من خالف إجماع السلف؟
    ثالثا : ألا تعلم أن الخير كل الخير فيإتباع من سلف، والشر كل الشر في إتباع من خلف، وأنت تقر أن المولد حدث الاحتفال بهفي عهد الخلف ونحن لا نشك في ذلك أنه حدث من طائفة منحرفة عن منهج السلف، وهمالعبيديون ، على قول جماهير العلماء ، أو الملك المظفر على قول البعض وقولك ، فكيف صاغ الكم أنتحتجوا بفعل هؤلاء ، وتتركون هدي السلف الصالح ، وأنتم تقرون أنهم ما فعلوا ذلك؟
    أما قوله:[[ولكنه ليس بدليل ولو كان دليلا لنهى الله عنه في كتابه العزيز أو نهى عنهالرسولصلى الله عنه في سنته الصحيحـة ولمينه عنه فيهما..]]
    وجواباعلى هذه الشبهة أقول: هذا جهل كبير وتدليس على الأمـة ، فلقد أكمل الله الدين وهذا يقتضيالنهي عن الإحداث فيه ، وإنما علينا العمل والتطبيق ، وقد قال الله تعالى :{{ ماآتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهـوا}}[ الحشر: 7 } ومما جاءنا به الرسول صلىالله عليه وسلم نهيه العام عن جميع المحدثات ، ألا تعلم أن دلالة الكتاب العزيز علىخصوص الأعمال وتفاصيلها ، إنما يقع بطريق بالعموم أو المطابقة أو التضمين والإلزام،وإنما السنة هي التي تفسر الكتاب وتدل عليه ، وتبينه عنه ، قال تعالى :{{ ... لتبينللناس ما أنزل إليهم... }} وقول الله تعالى :{{ تبيانا لكل شيء }} وقوله سبحانه :{{ وقد فصل لكم ما حرم عليكم ..}}وقد أمرنا الله تعالى عند التنازع بالرد إليه أي إلى كتابه ، وسنة رسوله بعد موته ، وكذلك
    رده إلى الذين يستنبطونه ، ويبينون المراد منه ، ولا شك أن تلك القرون لم يستنبطوا جواز الاحتفال به ، ولو كان شيئا مشروعا لاستنبطوه ، وبينوه ...

    وهناك أيضا من السنة مفصل ومنها ما هو عام ، من جوامع كلمه صلى اللهعليه وسلم : وهناك أحاديث كثيرة جعلها العلماء كقواعد أساسية يستنبطون منها الأحكامالموافقة لمقاصد الشرع ،ولذلك جعل كثير من العلماء حديث عائشة المخرج في الصحيحين:<<من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد >>[46]أحـد الأحاديثالأربعة التي يدور عليها الإســلام ، وهو من القواعد العظيمة المعتبرة.ولو نظرنا إلى كثير منالبدع التي نص عليها العلماء ولم يأت النهي عنها بعينها لأدخلنا كثيرا من البدعالتي ربما تصل إلى درجة الكفــر والعياذ بالله.
    وبهذا يعلم أن استدلاله بكل ما استدل بهسقط وأنه ما استدل بما استدل به إلا إتباعا لهواه أو تعصبا لطريقة القوم الصوفية. وبهذا تبين للناس عواره ، وانكشف الغطاء عن غشه وتدليسه، وجهله . والحمد لله أولا وأخيرا .

    1 - حديث صحيــح رواه بهذا اللفظ وأتم منهوأطول ابن ماجة ( ح 46 ) ورواه بألفاظ متقاربة كل من أبي داود ( 4607 ) وأحمد ( 4 / 126 ـ 127 ) والترمذي ( 2678 ) والحاكم ( 1 / 95 ـ97).
    2 - هذا الحديث من الأحاديث الصحيحـةالمستفيضة في الصحاح والسنن والمسانيد وقد أخرجاه في الصحيحين من طرق وألفاظ متعددة .
    3- رواه البخاري (13 / ص 3/ فتح الباري).
    4- لسان العرب لابن منظـور (ج 2 / 932).
    5- ترتيبالقاموس (ج 4 / 755).
    6- الإنصاف فيما قيل في المولـد مـنالغــلو والإجحاف ( 39 ـ 41).
    7- لسـان العرب لأبن منظور (ج 5 / 3159).
    8-ـ الدينالخالـص لصديق حسن خان (ج 3 / ص 595).
    9- نفس المصدر ، وهو كلام لشيخ الإســلامابن تيمية في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم ( ج 1 / 441)أخذه عنه تلميذه ، وعنه صديق حسن خان في كتابه الذكور.
    10- نفس المصدر ( ج 1 / 441).
    11-نفس المصدر السابق ( ج 1 / 441 -442)والحديث رواه البخاري في صحيحـه .
    12- رواه أبو داود في سننه ( ح /1134 ) . ورواه أحمد ، والنسائي من طريق موسىبن إسماعيل، وهذا إسناد على شرط مسلم. قاله أبن تيمية:اقـتضاء الصراط المستقيم (ج1/ 432).
    13-أخرجـه ابن ماجـة ( ح / 1084 ) وأحمد في المسند (ج 3 / 430 ) وإسنادهحسن.
    14- اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفةأصحاب الجحيـم ( ج 1/433 ـ 434).
    15- أخرجه أبو داود (ح / 4031 ) وأحمد في المسند (ج 2 / 50 ) وذكر ه ابن حجر في الفتح (ج 6 / 98 ) وذكر له شاهدا مرسلا بإسناد حسن ، وقالأبن تيمية في الفتاوى (ج 25 / 331 ) حديث جيد ، وأشار إلى تحسينه السيوطي في الجامعالصغير ( ح 8593) .وصححه الألباني في صحيح الجامع (ح 6025).
    16- اقتضــاء الصــراط المستقيــم في مخالفة أصحابالجحيم ( ج 1 / 426 ) .
    17- تفسير ابنكثيــر (ج 3 / 328 ـ 329).
    18- الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي (ج 5 / 80).
    19- تفسير ابن جرير الطبري (ج 19/31 ).
    20- أخرجه عبد الرزاق في المصنفبإسناده عن عمر ( ج 1 / 411 / ح 1608).
    21- اقتضاء الصراط المستقيــم (ج 1 / 346).
    22- للزيادة من أقوالهــم أنظر نفسالمصـــدر السابق.
    23- البداية والنهـــــاية لأبن كثيـــر( ج 13 / 147).
    24- السنــن والمبتدعــات لمحمد عبدالسلام الشقيري ( ص 143 ) وعنه البليهي في كتابه عقيدة المسلمين (ج 1 / 316).
    25- البداية والنهـــاية لابن كثيــــر(ج13 / 147 ) . وكذلك وصفه كل من ترجــم له ، أنظر وفيات الأعيان لأبن خلكان (ج4 /117 )وعنه محمد رشيد رضا في مقدمة رسالته ذكرى المولد النبوي.
    26- قال صاحب رسالة الإنصاف فيما قيل فيالمولد من الغلو والإجحاف (ص 51) فكيف تحيى أمـة ملوكها ـ أقول ـ : وحكامها ،دراويـش يرقصــون ويغنون في حفلات الباطل من الظهر إلى الفجر ...
    27- رواه الدارمي في سننـه والبيهقي فيالمدخل إلى السنن ( 191 ) وابن نصر في السنة (ص 24).

    28-رواه أبو داود في سننه.
    29-أخرجهماالدارمي في سننه، أنظر السنن والمبتدعات لمحمد عبد السلام الشقيري (ص 12).
    30-نفس المصدر.
    31-نفس المصدر.
    32- لسـان العرب لابن منظور (ج 1 / 230).
    33- السنـنوالمبتدعات لمحمد عبد السلام الشقيري ( ص 21 ) والبدعة والمصالح المرسلة للدكتورتوفيق يوسف الواعي ( ص 87 ) والبدعة لسليم الهلالي (ص 11).
    34- الاعتصامللشاطبي (ج 1 / 37).
    35-وقال بعض أهل العلم ومنم شيخنا الألباني رحمه الله إنما قصد العز بالتقسيم المذكور عنه التقسيم اللغوي،ورده طائفة بالأمثلة التي خرجها على أصوله تلميذه القرافي،ولا دليل البتة على هذاالتقسيم وقد رده الطرطوشي أيضا، أنظر البدعة والمصالح المرسلة (ص 96 ـ 102).
    36- أنظر اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفةأصحاب الجحيم (ج2 / ص 578 ـ 583).
    37- أنظر السنن والمبتدعات لمحمد عبدالسلام الشقيري (ص 23 ) والبدعة للدكتور توفيق الواعي ( 95 ).
    38-السنن والمبتدعات (ص 22 ) وهناك تقسيماتاصطلاحية أخرى أنظر البدعة لتوفيق الواعي (ص 173 / 205).
    39-مضى تخريجـه.

    40-رواه مسلـم ( ح 1718 / ج 3 /ص 1343 ، 1344 ) بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي والروايةالثانية متفق عليها.
    41- وقوله سن : بمعنى فتـح بابا للمسلميـنأدى بهـم إلى أن يفعـلوا أمرا مشـروعا في الدين كان متروكا.
    42- رواه مسلم[ج 7 /102 ـ 104 ] شرح النووي على مسلم).
    43- رواه مسلم ( ج4 / ص 2060 / ح 2674) بلفظ:<<من دعا إلى هدي...>>.
    44-أخرجه الدارمي في مقدمة سننه(1/ 69)والطبراني في المعجم الكبير(ج /9 /154 ) والبيهقي في المدخل إلى السنن (204)واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (104).
    45- عون المعبود شرح سنن أب داود (ج 3/179) و التعليق المـغـني على سنـن الدارقطني ( ج 1 / 351 ) كلاهما لمحمد شمس الحقالعظيم آبادي .
    46- مقدمة جامع العلوم والحكم لابن رجبالحنبلي فقد أجاد وأفاد في المسالة.
    نقله اخوكم ابو عبد المصور مصطفى

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. العلامة عُبيد الجابري يصف "إبراهيم الرحيلي" و "عبد العزيز الريّس" و "الحلبي" بـ: (المُتلوِّثين)
    بواسطة أبو أنس سفيان المغربي في المنتدى منبر الرد على أهل الفتن والبدع والفكر الإرهابي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 03-May-2014, 12:37 PM
  2. [جديد] العلامة عُبيد الجابري يصف "إبراهيم الرحيلي" و "عبد العزيز الريّس" و "الحلبي" بـ: (المُتلوِّثين)
    بواسطة أبومعاذ أحمد جمعة القبائلي في المنتدى منبر الرد على أهل الفتن والبدع والفكر الإرهابي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 27-Feb-2014, 08:32 AM
  3. [صوتيا] شرح رسالة "الأسباب والأعمال التي يُضاعف بها الثواب" للشيخ السعدي -رحمه الله- شرح الشيخ عبد الرزاق البدر -حفظه الله-
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى مكتبة الأمين العلمية الــشـاملة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 31-Mar-2013, 10:46 AM
  4. تأصيلاتٌ قيِّمة في الردِّ على بدعة الاحتفال بالمولد النَّبويّ الشيخ: محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله-
    بواسطة أبو ياسر إسماعيل بن علي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 20-Jan-2013, 11:30 AM
  5. هل الاحتفال بالمولد بدعة أو سنة ؟ ومتى عرف هذا الاحتفال ، متى بدأ ؟يجيبك الشيخ محمد أمان الجامي
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 12-Feb-2011, 11:52 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •