السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سؤال وجيه و جَّهــــه أحد إخواننا طلبة العلم على العلامة السلفي الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله و غفر له بخصوص كلام الأقران في بعضهم ، و هل يُردّ مطلقا أم فيه تفصيل ، فما كان من الشيخ رحمه الله إلا الجواب المفصل كعادته، و بين مدى استغلال الجهال و أهل البدع لهذه القاعدة لــرد تجريح أهل العلم لهم أو الدفاع عن أهل البدع .. و تضليل الناس عن الحق.

فكل هذا و أكثر منه تجده في هذه الفتوى المباركة مع تعليقات
أبي رواحة السلفي المضيئة التي تزيد في إضاءة هذه الفتوى إضاءةً، و في وضوحها وضوحًا، و عسى أن يعظم بذلك و قعُها
و يعم نفعها، و الله الهادي إلى سواء السبيل.


الســــــؤال:

هل كلام الأقران في بعضهم يُردُّ مطلقًا ؟!

الـــجـــــــــواب:

القوم يَبْغُونَ بعد أن يموتوا يُتَكلَّم فيهم، قد شَبِعُوا و لعبوا و عبثوا بأموال النَّاس، سهل حينئذٍ لو تكلّم فيهم بعد موتهم، فما يُحبّون أن يسمعوا التّجريح فيهم و هم أحياء، من أجل هذا يقولون: كلام الأقران.

مع أنَّ كلام الأقران أبلغ و أعرف و أعلم من كلام من أتى بعدهم بقََرنين.

فالذي هو معاصر يعرف صدق الرّاوي من كذبه ، و يعرف أيضًا ماهو عليه من الضعف ومن سوء الحفظ.

و أمّا الذي هو متأخِّر ، فكيف يفعل ؟ إن وجد له سند إلى ذلك الرَّاوي و إلاّ جمع أحاديث الرّاوي و عرضها على أحاديث الحفّاظ، فإن وافقت أحاديث الحفّاظ قبله ووثَّقه، و إن لم توافق أحاديث الحفاظ ضعّفه و ردّها.

فالمهم أنّ جَرْح الأقران هو أَبْلَغُ، و الذي يُردّ هو النادر، إذا علم أنّ هناك بينهم عداوة من أجل التنافس، أو من أجل الدُّنيا، أو من أجل أيِّ عداوة، فهذا ربّما يقال عنه: إنه من رواية الأقران، كما حصل لأبي نُعيم(1)، و ابن منده(2)، و غير واحد من العلماء، و يقول الحافظ الذهبي : ((هو من رواية الأقران لا يلتفت إليه))(3)

أمّا أن نقول :
كلام يحيى بن معين في عمر بن هارون البَلْخِي: (ليس بصحيح).(4)
و نقول : كلام الإمام أحمد في يحيى بن عبد الحميد الحمَّاني إنَّه كان يكذب جهارًا) ليس بصحيح (5). (فهذا كله باطل).

اقْرَءوا، اقرءوا –يا إخوان- كتبَ التراجم تجدونهم يقول أحده ( قدمت إليه فوجدته يحدّث بأحاديث لم يسمعها فضربت على حديثه).

و بعضهم يقول : (فلم أسمع منه).

فالمهم أنَّ الإخوان المفلسين، و أصحاب (جمعية الحكمة) و ( جمعية الإصلاح)، و كذلك (جمعية الإحسان) ليسوا من أهل هذا الفنِّ، إذا قدحوا في عالم فهم يقدحون فيه من أجل الدُّنيا.

أمَّا أهل العلم إذا قدحوا فيهم، فكلامهم فيهم مؤثِّر بحمد الله، و الله المستعان.
و أنا أقول لكم : لو يمكن أن يشتروا سكوتنا بالملايين لفعلوا؛ و لكن هيهات هيهات أن نسكت على باطل(6).

فقد كان ابن الجوزي و غيره يقول : (لا يتسنَّى لكم الكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا حيٌّ)(7). اهـ

***9679;مُداخلة (1) :
إذن فكلامهم في أهل العلم من الكلام المردود؛ لأنّهم تكلّموا لشيئ في نفوسهم.

***9679; فقال الشيخ ، رحمه الله :
نعم ، كلامهم مردود؛ لأنّهم يريدون أن يدفعوا أن يدفعوا كلام أهل العلم لشيئ في نفوسهم حتّى لا يقبل كلام أهل العلم فيهم.
***9679;مداخلة (2):

و هل يعتبرون من أقران أهل العلم أصلاً؟(8)
***9679;فقال الشيخ ، رحمه الله:
هم يعتبرون من أقران أهل الدرهم و الدينار، من أهل التجار و التلبيسات و غيرهم، و إلا فليسوا أهلاً؛ لأن يقبل كلامهم، و هو مردود –يا إخوان- ماله أثر ؛ و لكن الأسئلة تتكرَّر في هذا ، و إلا فنحمد الله ، قد أعطيناهم قسطهم ، و قد عرفهم النّاس من بريطانيا، و من أمريكا و من فرنسا، و من ألمانيا، قد عرفوهم أنهم مبتدعة، و عرفوا أهل السنة و الله المستعان.

[الرد الوجيه على أهل بيت الفقيه للشيخ مقبل –رحمه الله-
باعتناء أبي رواحة صفحة:36]

-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-*-

الحواشي:
(1):هو الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن إسحاق الأصفهاني الصُّوفي صاحب الحلية ترجمه الذهبي في (السِّير) من الطبقة الثالثة و العشرين برقم (4194).

(2) : و هو الإمام الحافظ الجوَّال محدِّث الإسلام أبو عبد الله محمد بن إسحاق، ترجكته في (السير) (17 /28).

(3) : قال الذَّهبي، رحمه الله : ( أقذعَ الحافظ أبو نعيم في جرحه؛ لما بينهما من الوحشة، و نال منه و اتّهمه فلم يلتفت إليه؛ لما بينهما من العظائم، نسأل الله العفوَ، فلقد نال ابن منده من أبي نُعيم و أسرف أيضًا) اهـ من ترجمة ابن منده من (الميزانِ).
و في (السِّير) (17 /34) بعد أن ساق الذهبيُّ كلامَ أبي نُعيم المقذِع قي أبي عبد الله ابن مندَه، قال : ( لا نَعبأُ بقولك في خصمك للعداوة السَّائرة، كما لا نسمع أيضًا قوله فيك، فلقد رأيت لابن منده حَطًّا مُقْذِعًا على أبي نعيم و تبديعًا، و ما لا أحبُّ ذكره، و كلٌّ منهم فصدوق في نفسه، غير متَّهم في نقله، بحمد الله). اهـ
قلتُ – أبو رواحة- : لأنَّ مثل ما بينهم من كلام الأقران الذي يطوى و لا يُرْوَى.

(4) : فقد تنوَّع جرح ابن معين له؛ ومن ذلك قوله فيه : ( ليس بشيئ، ليس بثقة، ضعيف، كذّاب، كان يكذب ...) إلخ، كما في (تهذيب الكَمَال) و (سِيَر أعلام النبلاء) (9 /272).

قلت –أبو رواحة-: لم يتفرد ابن معين بتضعيفه؛ بل ضعَّفه جماعة منهم : أبو نعيم، و ابن المديني، و الدّارقطني، و غيرهم كما في (السِّير).

(5) : قال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي: ( إن ابني أبي شيبة يقدمون بغداد فما ترى فيهم؟ فقال : جاء ابن الحماني إلى هاهنا فاجتمع عليه الناس و كان يكذب جِهاراً ...) [(السير) (10 / 530)].

(6) : و مقالته – رحمه الله- تذكّرني بمقالة شيخ الإسلام أبي إسماعيل الهَروي، حين قال (عُرضتُ علي السَّيف خمس مرَّات، لا يقال لي : ارجع عن مذهبك؛ لكن يقال لي : اسكت عمَّن خالفك، فأقول: لا أسكت) اهـ [(السيّر)، (18 / 503)].

(7) : لم أرهُ من قول ابن الجوزي، و إنّما الذي رأيته بمعناه من قول الدارقطني: (يا أهل بغداد، لا تظنُّوا أنَّ أحدًا يقدر أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه و سلم و أنا حيُّ). اهـ [من (فتح المغيث) للسّخاوي (1 / 260)].

(8) : و إن تعجب فَعَجَبٌ أكبر أن تعلم أنَّ صاحب هذه المداخلة هو أحمد بن منصور العديني، الذي كان يرى أنَّ كلام أصحاب الجمعيات و أهل البدع لا يعتبر من كلام الأقران للعلماء، ثمّ لو فتّشت عن حاله الآن وجدته واحدًا من ألئك الذين جعلىا أنفسهم من أقران العلماء في فتنة أبي الحسن من أجل الدِّينار و الدِّرهم، فتغيرت أقوالهم و أحوالهم، و ساءت مقاصدهم و مناهجهم، نسأل الله العافية
.

نقلا من سحاب