مشاركة هذا الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي
-
الأبعاد السياسية للطاعنين في معاوية رضي الله تعالى عنه – الحلقة الأولى
الأبعاد السياسية للطاعنين في معاوية رضي الله تعالى عنه – الحلقة الأولى
عندما تُطلُّ الفتن برأسها يتفاوت الناس وتتفاوت موازينهم ومواقفهم، ولا يألو من يريد لتلك الفتن أن تستمر جهدًا في صب الوقود عليها والبحث عن مختلف الطرق التأجيجية، فإن استطاع بالتصريح والطرق المباشرة قفز إلى أعلى سلالمها، وإن حال دون ذلك حائل لجأ إلى التعريض والطرق غير المباشرة محاولاً الانتقال فيها من درجة إلى درجة للوصول إلى أهدافه.
وفي هذه الأيام نلاحظ تكالب جهات عدة تتواطأ على تكريس ثقافة الطعن في الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه والبراءة منه وتكفيره والتعريض بمحبيه المترضِّين عليه وعلى الصحابة أجمعين والتهجم عليهم.
إن هذا التكريس ليس وليد اليوم، ولكنَّه ورقة يلعب بها جهات عدة بغية الوصول إلى أهداف معينة، وقد صدر هذا التكريس العدائي ضد هذا الصحابي الجليل من عدة جهات في هذا الوقت:
الجهة الأولى: الشيعة.
الجهة الثانية: الممهدون للتشيع والذين هم كالبوابة له وممن يمثلهم: عدنان إبراهيم وأحمد الكبيسي.
الجهة الرابعة: بعض رموز الصوفية.
الجهة الخامسة: بعض رموز الإخوان المسلمين.
لقد التقت هذه الفئات كلها في أمور عدة، منها: الطعن في الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه.
وسنخصِّص هذه الحلقة بذكر بعض أقوال هؤلاء.
فأما طعون الشيعة في معاوية رضي الله عنه وأرضاه بل وطعونهم في الخلفاء الراشدين الثلاث وفي عموم الصحابة رضي الله عنهم أجمعين وتكفيرهم لهم فهي أمورٌ معلومة، ملؤوا بها كتبهم ومؤلفاتهم، وتنادوا بها جهارًا نهارًا، ولم يكتفوا بذلك حتى أضافوا إلى نزعة الكراهية والأحقاد هذه البراءة أيضًا من محبِّي الصحابة الكرام وتكفيرهم وكراهيتهم، كل ذلك عن طريق نصب عداء موهوم بين صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته، وبين عليٍّ رضي الله عنه والخلفاء من قبله رضي الله عنهم أجمعين، ومن ثم الانشغال بتفريق الناس إلى موالين للصحابة يجب البراءة منهم وموالين لآل البيت مبغضين للصحابة، والتنقُّل عبر سلسلة من المواقف الطائفية لا تخلو من لعن أهل السنة وتكفيرهم وإيغار الصدور عليهم والتعاون مع الآخرين ضدهم، كل هذه الأمور تنضح بها الأدبيات الشيعية والتاريخ الشيعي، وقد كانت هذه الثقافة العدائية التفريقية معولاً من المعاول الأولى لتمزيق الأمة وخطف أناس واستغلال عقولهم ومشاعرهم في صناعة البغضاء والشحناء.
ولئن كان هؤلاء يصرِّحون بمثل هذه الأدبيات ويريدون تغيير الخريطة بما يتوافق مع هذه الأيدلوجية كما يقول جعفر العلوي رئيس جمعية الرسالة الإسلامية في البحرين في لقاء معه على قناة أهل البيت:”كربلاء المقدسة ينبغي أن تتحول إلى مركز إشعاع حضاري للعالم، وهي ستكون بإذن الله عاصمة المستقبل”.
فلئن كان هؤلاء ينادون إلى أدبياتهم بطريقة مباشرة فإنَّ هناك فئة آثروا أن يجعلوا من أنفسهم بوابات وجسور إليها، وتشرَّبوا من بعض تلك الكؤوس الحاقدة حتى ظهر أثر ذلك عليهم في هجمات مغرضة على معاوية وعلى صحابة آخرين رضي الله عنهم أجمعين والهجوم على محبِّيهم، ومن هؤلاء كما سبق: عدنان إبراهيم وأحمد الكبيسي.
لقد أبدى عدنان إبراهيم كراهية منقطعة النَّظير للصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه، وبلغ به الحقد والغل أن يقول في اتصال معه من غرفة الغدير الشيعية:”لو أن الله الكريم تبارك وتعالى وجل مجده خيَّرني أو خيَّر أي رجل عاقل من المسلمين والمسلمات أن يمحو شخصا من التاريخ لن أمحو جنكيز خان، معاذ الله، لن أمحو هولاكو معاذ الله، لماذا؟ لأنه لولا معاوية ما كان جنكيز خان ولا هولاكو”!
ويقول:”إذا أمكن ألا تُخلَق هذه الشخصية لتمنيت ألا تُخلق”!
وجاهر بهذه الهجمات الشرسة المتشنِّجة في مواضع عديدة على رؤوس الأشهاد، كما جاهر بالطعن في أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها والطعن في جملةٍ من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.
وقال متهجِّمًا على المذهب الذي يترضَّى أهلُه على عليٍّ ومعاوية رضي الله عنهما وهو مذهب أهل السنة:”مذهب يعزز التناقض والمشروخية في شخصية المسلم”.
وفي مقابل ذلك الحقد المتأجِّج على معاوية رضي الله عنه يقول عن محمد باقر الصدر مادحًا ممجِّدًا:”أكبر عقل فلسفي عربي في القرن العشرين على الإطلاق، ومرجع شيعي أعظم”.
ولم يكن أحمد الكبيسي بأقل منه في الطعن في معاوية رضي الله عنه، وقد حصر فضيلة الصُّحبة في بعض الصحابة دون بعض، وتَهجَّم بكل عدوانية وشراسة على معاوية رضي الله تعالى عنه وعرَّض بتكفيره والحكم عليه بالنَّار، وبلغ به الانفعال أن يقول لأحد المتداخلين معه:”اللهم احشرني مع علي، وأنت إن شاء الله الله يحشرك مع معاوية”!
فهذه الفئة إن لم يكن بعض من فيها شيعة متستِّرون فهم قنطرة واضحة إلى التشيع وطريق ممهّد إليه، وهم ورقة رابحة لاختطاف الناس إلى الأدبيات الشيعية المورِّثة للبغضاء والشحناء، والعجب أنَّه في الوقت الذي يزعم فيه عدنان إبراهيم أنه يريد التحرر من العقل الجمعي إذا به يمشي في خطوات متسارعة متلاحقة إلى العقل الجمعي الشيعي.
وأمَّا الفئة الثالثة وهم الصوفية فهم قنطرة أخرى لا تقل خطورة للتشيع، وقد بيَّن ابن خلدون في مقدِّمته العلاقة الوثقى بين التشيع والتصوف.
يقول ابن خلدون في معرض ذلك:”ثم حدث أيضًا عند المتأخرين من الصوفية الكلام في الكشف وفيما وراء الحس، وظهر من كثير منهم القول على الإطلاق بالحلول والوحدة، فشاركوا فيها الإمامية والرافضة لقولهم بألوهية الأئمة وحلول الإله فيهم، وظهر منهم أيضًا القول بالقطب والأبدال، وكأنه يحاكي مذهب الرافضة في الإمام والنقباء، وأشربوا أقوال الشيعة، وتوغلوا في الديانة بمذاهبهم، حتى لقد جعلوا مستند طريقهم في لبس الخرقة أن عليًّا رضي الله عنه ألبسها الحسن البصري وأخذ عليه العهد بالتزام الطريقة، واتصل ذلك عنهم بالجنيد من شيوخهم، ولا يُعلم هذا عن علي من وجه صحيح، ولم تكن هذه الطريقة خاصة بعلي كرم الله وجهه، بل الصحابة كلهم أسوة في طرق الهدى، وفي تخصيص هذا بعلي دونهم رائحة من التشيع قوية، يفهم منها ومن غيرها مما تقدم دخولهم في التشيع وانخراطهم في سلكه” إلخ.
وقد كُتِبتْ رسائل عدة في العلاقة بين التصوف والتشيع.
ومن رموز الصوفية في هذا العصر من الطاعنين في معاوية رضي الله عنه أحمد صديق الغماري وأخواه عبد الله وعبد الحي.
يقول أحمد بن الصديق الغماري في كتابه (البحر العميق):”ومن تعظيم جنابهم (أي: الصحابة) الأقدس وحماهم الأطهر تنزيههم عن إدخال المنافقين والفجرة فيهم وعدهم من زمرتهم مثل معاوية وأبيه وابنه الحكم بن العاص وأضرابهم قبحهم الله ولعنهم، فإن عدَّ هؤلاء من جملة الصحابة بعد تكذيب خبر الله ورسوله بكفرهم ونفاقهم حطٌّ من قدر الصحابة رضي الله تعالى عنهم … وعلم سيرة الفاجر اللعين معاوية ومعاندته لله ورسوله واستخفافه بأمرها واستهزائه بالشريعة المحمدية وسفكه الدماء البريئة”.
وقال عنه في كتاب (الجواب المفيد للسائل المستفيد):”منافق كافر”.
وطعن فيه أيضًا في كتابه (جؤنة العطار) بأنواعٍ من الطعون من قبيل الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وشرب الخمر وأنه من أهل النار، وقال عنه:”قبحه الله”، و”معاوية اللعين”.
كما وصف أخوه عبد الحي بن الصديق الغماري معاوية رضي الله عنه بالفاجر الظالم.
وهكذا عبد الله بن الصديق الغماري طعن في معاوية رضي الله عنه في كتابه (القول المسموع في الهجر المشروع) وفي كتابه (الحاوي في الفتاوي) واتهمه بأنه لم يحسن إسلامه، وقال:”وليس كل صحابي فاضلاً، بل فيهم منحرفون عن الجادة مثل سمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة وعمرو بن العاص وجرير بن عبد الله البجلي”.
وهو ممن تقوَّى به عدنان إبراهيم وقال عنه في معرض ذلك:”الحافظ الغماري قدس الله سره”.
ومن الصوفية الطاعنين في معاوية رضي الله عنه أيضًا محمد بن عقيل بن عبد الله باعلوي حيث ألف كتابًا سماه (النصائح الكافية لمن يتولى معاوية) قرَّر فيه وجوب بغض معاوية رضي الله عنه وجواز لعنه ومنع الترضي عنه.
ونسب هذه العقيدة العدائية إلى كثير من الصوفية العلويين فقال في الكتاب المذكور:”وكقول الكثير منهم (أي: من الصوفية العلويين) بانتفاء عدالة معاوية وأشباهه وبغضهم في الله ومنع تسويدهم والترضي عنهم، على أنهم لا يخوضون في هذه المسألة إلا في مجالسهم الخاصة بهم”.
وكذا فعل أيضًا في مقدمة كتابه (العتب الجميل) حيث وصف معاوية وأباه رضي الله عنهما بكهف المنافقين، وقال:” وأمه آكلة الأكباد، وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وسمرة بن جندب وأبا الأعور السلمي والوليد بن عقبة وأضرابهم ممن لو مزجت مياه البحار بذرة من كبائر فظائعهم لأنتنت”!
ومنهم أيضًا محمود سعيد ممدوح أحد المتصوفة حيث قال مادحًا هذا الرجل ومؤلفاته التي تطعن في معاوية رضي الله عنه:”سيدي محمد بن عقيل بن يحيى آل با علوي، صاحب المصنفات الجليلة التي فرح لها المحبون، وكمد لها النواصب المنافقون من شيعة كهف النفاق، أما المحبون لآل بيت الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم استقبلوها قيامًا، ودعوا لمصنفها سيدي محمد بن عقيل رحمه الله تعالى، فأُكرِمنا بالنصائح الكافية لمن يتولى معاوية، وأُكرمنا بكتابه العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل”!
ومن المتصوفة الطَّاعنين في معاوية رضي الله عنه أيضًا عبد السلام ياسين المرشد العام لجماعة العدل والإحسان ذات المنهجية الصوفية حيث طعن في معاوية رضي الله عنه في غير موضع من كتابه (الشوى والديمقراطية) واتهمه بأنه خرج بالسيف والبطش والقوة وأنه نقض أعلى عرى الإسلام ووصفه بالاستكبار القبلي وبشيخ العصبية القبلية الأموية القرشية واتهمه بالإكراه والعنف والكذب والاستبداد والنفاق وشراء الدين.
ومن الصوفية الطاعنين في معاوية رضي الله عنه علاء أبو العزائم شيخ الطريقة العزمية الصوفية.
ومن الصوفية الذين لم يجرؤوا على الطعن الصريح العلني في معاوية رضي الله عنه وإنَّما سلكوا سياسة أخرى وهي سياسة الحط والانتقاص من المدافعين عنه؛ علي الجفري.
ففي الوقت الذي انبرى فيه الكُتَّاب والمثقفون وأبناء هذا البلد للتصدي لهجوم الكبيسي على معاوية رضي الله عنه سلك علي الجفري مسلكًا من نوعٍ آخر، فانتهج سياسة الحط والانتقاص من هؤلاء المدافعين من الكُتَّاب والمثقَّفين وغيرهم، واعتبر تصدِّيهم ودفاعهم لا يمت للأخلاق والإسلام بصلة! مما يؤكد لنا وبكل وضوح على وجود نقاط التقاء في تكريس الثقافة العدائية لمعاوية رضي الله عنه.
وكان يتحتَّم على علي الجفري – لو كان الأمر عنده على خلاف هذا – من مقتضى الغيرة على هذا الصحابي الجليل ومن مقتضى العرفان بالجميل وهو يعيش على هذه الدولة وما يمثله تعدِّي الكبيسي وتعريضه بنظام الملك من هجوم على الدولة ونظامها وقيادتها أن يقف مع المتصدِّين الشرفاء في ذلكم الوقت.
ولكنَّ الجفري لم يحرِّك ساكنًا، بل آثر الهجوم على هؤلاء الشُّرفاء بدلاً من أيِّ أمرٍ آخر.
وحينئذٍ لقائل أن يقول: ألم يكن الأليق بالجفري أن يقول للكبيسي: (إن هجومك لا يمت للأخلاق والإسلام بصلة) بدلاً من أن يقول هذه العبارة نفسها لمن كان في موقف دفاع أمام تعدِّي الكبيسي؟!
وقد سبق في كلام محمد بن عقيل باعلوي الصوفي تقسيمه للصوفية الطاعنين في معاوية رضي الله عنه إلى متستِّرين لا يطعنون في معاوية إلا في مجالسهم الخاصة، وإلى مُجاهرين به مُعلنين.
وأما الفئة الرابعة فهم بعض رموز الإخوان المسلمين، وهو سيد قطب حيث قال في كتابه (كتب وشخصيات):”إن معاوية و زميله عمرًا لم يغلبا عليًّا لأنهما أعرف منه بدخائل النفوس، وأخبر منه بالتصرف النافع في الظرف المناسب، ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح، و هو مقيد بأخلاقه في اختيار وسائل الصراع، و حين يركن معاوية و زميله الى الكذب والغش والخديعة والنفاق الرشوة وشراء الذمم لا يملك علي أن يتدلى الى هذا الدرك الأسفل، فلا عجب ينجحان ويفشل، وإنه لفشل أشرف من كل نجاح”!
هكذا تكالب هؤلاء وتواطؤوا على الطعن في خال المؤمنين معاوية رضي الله عنه وأرضاه والطعن في جملة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم أجمعين لأهداف ومآرب.
فما هي هذه الأهداف والمآرب؟
ما هو السر وراء تخندق هؤلاء في الطعن والانتقاص من معاوية رضي الله عنه؟
ما هي أبعاد هذه الطعونات وماذا يُراد منها؟
وما خطر ذلك على دول الخليج على وجه الخصوص؟
هاذا ما سنقف عليه في الحلقات القادمة بإذن الله.
يتبع …
كاتب إماراتي
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة محمد ربيع بوسبول في المنتدى منبر العلوم الشرعية
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 20-Jun-2015, 07:55 PM
-
بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 03-Dec-2012, 12:19 AM
-
بواسطة أبو عثمان زين الدين الباتني في المنتدى منبر الرد على أهل الفتن والبدع والفكر الإرهابي
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 02-Dec-2012, 04:21 PM
-
بواسطة أبو أسماء سليم الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 04-Oct-2011, 01:04 AM
-
بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 02-Feb-2010, 05:22 PM
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى