مَعْنَى الْبِدْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْبِدْعَةِ الْإِضَافِيَّةِ‏ للإمام الشاطبي-رحمه الله تعالى-


وَلَا بُدَّ قَبْلَ النَّظَرِ فِي ذَلِكَ مِنْ تَفْسِيرِ الْبِدْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَالْإِضَافِيَّةِ فَنَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ‏:‏
إِنَّ الْبِدْعَةَ الْحَقِيقِيَّةَ‏:‏ هِيَ الَّتِي لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ؛ لَا مِنْ كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا إِجْمَاعٍ، وَلَا قِيَاسٍ، وَلَا اسْتِدْلَالٍ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لَا فِي الْجُمْلَةِ وَلَا فِي التَّفْصِيلِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ بِدْعَةً- كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ-؛لِأَنَّهَا شَىْءٌ مُخْتَرَعٌ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ‏.‏

وَإِنْ كَانَ الْمُبْتَدِعُ يَأْبَى أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ الْخُرُوجُ عَنِ الشَّرْعِ، إِذْ هُوَ مُدَّعٍ أَنَّهُ دَاخِلٌ بِمَا اسْتَنْبَطَ تَحْتَ مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ، لَكِنَّ تِلْكَ الدَّعْوَى غَيْرُ صَحِيحَةٍ، لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، أَمَّا بِحَسَبَ نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَبِالْعَرْضِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ؛ فَإِنَّ أَدِلَّتَهُ شُبَهٌ لَيْسَتْ بِأَدِلَّةٍ إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ، وَإِلَّا فَالْأَمْرُ وَاضِحٌ‏.‏

وَأَمَّا الْبِدْعَةُ الْإِضَافِيَّةُ؛ فَهِيَ الَّتِي لَهَا شَائِبَتَانِ‏:‏

إِحْدَاهُمَا‏:‏ لَهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ مُتَعَلِّقٌ، فَلَا تَكُونُ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ بِدْعَةً‏.‏

وَالْأُخْرَى‏:‏ لَيْسَ لَهَا مُتَعَلِّقٌ إِلَّا مِثْلَ مَا لِلْبِدْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ‏.‏

فَلَمَّا كَانَ الْعَمَلُ الَّذِي لَهُ شَائِبَتَانِ لَمْ يَتَخَلَّصْ لِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ؛ وَضَعْنَا لَهُ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ، وَهِيَ ‏"‏ الْبِدْعَةُ الْإِضَافِيَّةُ ‏"‏‏.

أَيْ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ سُنَّةٌ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إِلَى دَلِيلٍ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجِهَةِ الْأُخْرَى بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَنِدَةٌ إِلَى شُبْهَةٍ لَا إِلَى دَلِيلٍ، أَوْ غَيْرِ مُسْتَنِدَةٍ إِلَى شَيْءٍ‏.‏

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى‏:‏ أَنَّ الدَّلِيلَ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الْأَصْلِ قَائِمٌ، وَمِنْ جِهَةِ الْكَيْفِيَّاتِ أَوِ الْأَحْوَالِ أَوِ التَّفَاصِيلِ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهَا، مَعَ أَنَّهَا مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُقُوعُهَا فِي التَّعَبُدِيَّاتِ لَا فِي الْعَادِيَّاتِ الْمَحْضَةِ؛ كَمَا سَيَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏


لإتمام الفائدة عليك بقراءة ما يلي كلامه هذا فقد فصل فيه تفصيلا جميلا .

الإعتصام للشاطبي .