الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
إن هذا الكلام مجمل ، والمتكلم به لم يفصح عن مراده ، ولا السائل عنه لم يسقه في صيغته كاملة التي ورد فيها ، وهذه المسألة التي يدور حولها الكلام لها أوجه كثيرة ومتعلقات أخرى تتضمنها ولكن سأتناولها من ثلاثة أوجه أو أربعة وهي، والوجه الأول : حب الخير للغير من إخواننا المؤمنين كما نحبه لأنفسنا ، والوجه الثاني : الدفاع عنه ، ورد الشر عنه في وجه من يقع فيه أو يعيره بذلك والوجه الثالث : الستر على المسلم فيما كان أو يكون منه من خطيئة أو ذنب يخصه في نفسه ، والوجه الرابع : نصحه أو دوام النصح له ...فأسأل الله تعالى أن يفقنا لما يحبه ويرضاه .
والأصل في الوجه الأول قول اللهتباركوتعالى : ]لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ...( [ لمجادلة : 22].
ووجه الدلالة منها أنه إذا كان لا يجوز للمؤمن أن يوالي ويوادد من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب قريب؛ فإنه لا يجوز له أن يعادي من كان يؤمن بالله ورسوله إيمانا حقيقيا صحيحا، بل ينبغي أن يحبه ويواليه كما يحب لنفسه أن يحبه
المؤمنون ويوالوه لأن الله كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ،وهذه لاتكون إلا لمن كملت فيهم صفات الإيمان والتقوى والأخوة والمحبة فاستحقوا بذلك دخول الجنان ورضا الرحمن، لأنهم من حزب الله الواحدالمتحد المتحابب المتوادد،المتناصح المتراحم المتماسك كالبنيان المرصوص مماسبب لهم الفوزوالفلاح، ولاشك أنهاعلى درجات فليس كل المؤمنين على درجة واحدة بالنسبة للمؤمن، ولكن على العموم أن يحب لهم مايحب لنفسه .
قال الشيخ السعدي – رحمه الله - في تفسيره : يقول تعالى: { لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي: لا يجتمع هذا .. وهذا، فلا يكون العبد مؤمنا بالله واليوم الآخر حقيقة ، إلا كان عاملا على مقتضى الإيمان ولوازمه ، من محبة من قام بالإيمان وموالاته ، وبغض من لم يقم به ومعاداته ، ولو كان أقرب الناس إليه.وهذا هو الإيمان على الحقيقة ، الذي وجدت ثمرته والمقصود منه ، وأهل هذا الوصف هم الذين كتب الله في قلوبهم الإيمان أي: رسمه وثبته وغرسه غرسا، لا يتزلزل، ولا تؤثر فيه الشبه والشكوك.وهم الذين قواهم الله بروح منه أي: بوحيه، ومعونته، ومدده الإلهي وإحسانه الرباني. فكانوا حزبا واحدا متحدا متآخ يوالي بعضه بعضا ويعادي على ذلك ويوالي عليه .انتهي بتصرف يسير .
أخي إن مجامع الأخلاق، ولب المحاسن والفضائل التي تدل على كمال الإيمان ويترتب عليهادخول الجنان أن يحب المرء لأخيه مايحبه لنفسه، وفي الصحيحين عن المعصومe قال : << لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ >>[1 ] .هذا الحديث العظيم هو أحد الأحاديث التي يدور عليه الإسلام كما قاله أبو داود صاحب السنن وقد بوب عليه البخاري – رحمه الله - بَابٌ مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِه.ثم ساقه بسنده عَنْ أَنَسٍ ، t، عَنِ النَّبِيِّ eالحديث ...>>.وفيه من الفوائد أنه يحمل ربع الإسلام من الخير ..قال ابن بطال - رحمه الله - في شرح البخاري (1/65) : معناه : لا يؤمن أحدكم الإيمان التام ، حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه . وقال أبو الزناد : ظاهره التساوي وحقيقته التفضيل ، لأن الإنسان يحب أن يكون أفضل الناس ، فإذا أحب لأخيه مثله ، فقد دخل هو في جملة المفضولين ، ألا ترى أن الإنسان يحب أن ينتصف من حقه ومظلمته ، فإذا كمل إيمانه وكانت لأخيه عنده مظلمة أو حق ، بادر إلى إنصافه من نفسه ، وآثر الحق ، وإن كان عليه فيه بعض المشقة ...وقال بعض الناس : المراد بهذا الحديث كف الأذى والمكروه عن الناس ، ويشبه معناه قول الأحنف بن قيس ، قال : كنت إذا كرهت شيئًا من غيري لم أفعل بأحد مثله .اه قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الفتح (1/41) وإنما يحب الرجل لأخيه ما يحب لنفسه إذا سلم من الحسد والغل والغش والحقد ، وذلك واجب كما قال النبي e: << .. لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ... >> (2) فالمؤمن أخو المؤمن يحب له ما يحب لنفسه ويحزنه ما يحزنه كما قال e:<< مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالحمى والسهر >> (3).فإذا أحب المؤمن لنفسه فضيلة من دين أو غيره أحب أن يكون لأخيه نظيرها من غير أن تزول عنه كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: إني لأمر بالآية من القرآن فأفهمها فأود أن الناس كلهم فهموا منها ما أفهم .وقال الشافعي – رحمه الله - : وددت أن الناس كلهم تعلموا هذا العلم ولم ينسب إلي منه شيء .اهقال القاضي عياض - رحمه الله - في إكمال المعلم شرح صحيح مسلم (1/205)في شرحه للحديث : أي لا يتم إيمانه حتى يكون بهذه الصفة للمؤمنين ، من كفه الأذى عنهم ، وبذله المعروف لهم ومودته الخير لجميعهم وصرف الضر عنهم .اهوقال أبو العباس القرطبي - رحمه الله - في المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم(1/139): وقوله : الْمُسْلِمُ : مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ، أي : مَنْ كانتْ هذه حالَهُ ، كان أحقَّ بهذا الاسمِ وأمكنَهُمْ فيه.ويبيِّن ذلك : أنَّه لا ينتهي الإنسانُ إلى هذا،حتَّى يتمكَّنَ خوفُ عقابِ الله سبحانه وتعالى مِنْ قلبه، ورجاءُ ثوابه ، فيُكْسِبُهُ ذلك وَرَعًا يحمله على ضَبْطِ لسانه ويده ، فلا يتكلَّمُ إلاَّ بما يعنيه ، ولا يفعلُ إلاَّ ما يَسْلَمُ فيه ؛ ومَنْ كان كذلك ، فهو المسلمُ الكامل ، والمتَّقي الفاضل. ويقرُبُ من هذا المعنى بل يزيدُ عليه : قولُهُ ِe:<< لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ >> ؛ إذْ معناه : أَنَّهُ لاَ يتمُّ إيمانُ أحدٍ الإيمانَ التامَّ الكامل ، حتَّى يَضُمَّ إلى إسلامه سلامةَ النَّاسِ منه ، وإرادةَ الخيرِ لهم ، والنُّصْحَ لجميعهم فيما يحاوله معهم.وقال – رحمه الله - في (1/143) وقوله e:<< لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأِخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ >> أي : لا يكمُلُ إيمانه ؛ كما تقدَّم ؛ إذْ مَنْ يَغُشُّ المسلمَ ولا ينصحُهُ مرتكبٌ كبيرةً ، ولا يكونُ كافرًا بذلك ؛ كما قد بيَّنَّاه غير مرَّة. وعلى هذا : فمعنى الحديث : أنَّ الموصوفَ بالإيمانِ الكامل : مَنْ كان في معاملته للناس ناصحًا لهم ، مريدًا لهم ما يريده لنفسه وكارهًا لهم ما يكرهه لنفسه.وقال – رحمه الله - (12/100)وقوله e: << وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه >> (4) ؛ أي : يجيء إلى الناس بحقوقهم ؛ من النصح ، والنيّة الحسنة ، بمثل الذي يحبُّ أن يُجَاءَ إليه به . وهذا مِثْلُ قوله e: << لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه >>. والنَّاسُ هنا : الأئمة والأمراء . فيجب عليه لهم من السمع ، والطاعة ، والنُّصرة ، والنَّصيحة مثل ما لو كان هو الأمير ؛ لكان يحب أن يُجاءَ له به .وقال النووي – رحمه الله - في شرح مسلم (1/126)( 64) قَوْله e: << لَا يُؤْمِن أَحَدكُمْ حَتَّى يُحِبّ لِأَخِيهِ أَوْ قَالَ لِجَارِهِ مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ >>.هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِم لِأَخِيهِ أَوْ لِجَارِهِ عَلَى الشَّكِّ ، وَكَذَا هُوَ فِي مُسْنَد عَبْد بْن حُمَيْدٍ عَلَى الشَّكِّ ، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْره ( لِأَخِيهِ ) مِنْ غَيْر شَكٍّ . قَالَ الْعُلَمَاء - رَحِمَهُمْ اللَّه- : مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِن الْإِيمَان التَّامّ ، وَإِلَّا فَأَصْلُ الْإِيمَان يَحْصُل لِمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَة . وَالْمُرَاد يُحِبّ لِأَخِيهِ مِنْ الطَّاعَات وَالْأَشْيَاء الْمُبَاحَات وَيَدُلّ عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيث << حَتَّى يُحِبّ لِأَخِيهِ مِنْ الْخَيْر مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ >>.
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَمْرو بْن الصَّلَاح : وَهَذَا قَدْ يُعَدُّ مِنْ الصَّعْب الْمُمْتَنِع ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، إِذْ مَعْنَاهُ لَا يَكْمُل إِيمَان أَحَدكُمْ حَتَّى يُحِبّ لِأَخِيهِ فِي الْإِسْلَام مِثْل مَا يُحِبّ لِنَفْسِهِ ، وَالْقِيَام بِذَلِكَ يَحْصُل بِأَنْ يُحِبّ لَهُ حُصُول مِثْل ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ لَا يُزَاحِمهُ فِيهَا ، بِحَيْثُ لَا تَنْقُص النِّعْمَة عَلَى أَخِيهِ شَيْئًا مِنْ النِّعْمَة عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ سَهْل عَلَى الْقَلْب السَّلِيم ، إِنَّمَا يَعْسُرُ عَلَى الْقَلْب الدَّغِل . عَافَانَا اللَّه وَإِخْوَانَنَا أَجْمَعِينَ . وَاَللَّه أَعْلَم .
وقال الحافظ ابن رجب – رحمه الله - في جامع العلوم والحكم (ج1/302-309): والمقصودُ أنَّ مِن جملة خِصال الإيمانِ الواجبةِ أنْ يُحِبَّ المرءُ لأخيه المؤمن ما يحبُّ لنفسه ، ويكره له ما يكرهه لنفسه ، فإذا زالَ ذلك عنه ، فقد نَقَصَ إيمانُهُ بذلك . وقد رُوِيَ أنَّ النَّبيَّ eقال لأبي هريرة : (( أَحِبَّ للنَّاسِ ما تُحبُّ لنفسِك تكن مسلماً )) خرَّجه الترمذي وابن ماجه.(5)
وقد رتَّب النَّبيُّ eدخولَ الجنَّة على هذه الخَصْلَةِ ؛ ففي مسند الإمام أحمد ( 4/70 ) وأخرجه : الحاكم (4/168) أيضا - عن يزيد بن أسدٍ القَسْري ، قال : قال لي رسول الله e : (( أتحبُّ الجنَّةَ )) قلت : نعم ، قال : (( فأحبَّ لأخيكَ ما تُحبُّ لنفسك )) .(6).وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النَّبيِّ eقال : << مَنْ أحبَّ أنْ يُزَحْزَحَ عن النَّارِ ويُدخَلَ الجنة فلتدركه منيَّتُه وهو يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ ، ويأتي إلى الناسِ الذي يحبُّ أنْ يُؤْتَى إليه >> (7).وفيه أيضاً عن أبي ذرٍّ ، قال : قال لي رسول الله e: << يا أبا ذرٍّ إني أراكَ ضعيفاً، وإني أحبُّ لك ما أُحبُّ لنفسي ، لا تَأَمَّرَنَّ على اثنين ، ولا تولَّينَّ مالَ يتيم >>(8).
وهذا يدلُّ على أنَّ المؤمنَ يسوؤه ما يسوءُ أخاه المؤمن ، ويُحزِنُه ما يُحزنه .وحديثُ أنس الذي نتكلَّمُ الآن فيه يدلُّ على أنَّ المؤمن يَسُرُّهُ ما يَسرُّ أخاه المؤمن ، ويُريد لأخيه المؤمن ما يُريده لنفسه من الخير ، وهذا كُلُّه إنَّما يأتي من كمالِ سلامةِ الصدر من الغلِّ والغشِّ والحسدِ ، فإنَّ الحسدَ يقتضي أنْ يكره الحاسدُ أنْ يَفوقَه أحدٌ في خير ، أو يُساوَيه فيه لأنَّه يُحبُّ أنْ يمتازَ على الناسِ بفضائله ، وينفرِدَ بها عنهم ، والإيمانُ يقتضي خلافَ ذلك ، وهو أنْ يَشْرَكَه المؤمنون كُلُّهم فيما أعطاه الله من الخير من غير أنْ ينقص عليه منه شيء...إلى أن قال : وفي الجملة : فينبغي للمؤمن أنْ يُحِبَّ للمؤمنينَ ما يُحبُّ لنفسه ، ويكره لهم ما يكره لِنفسه ، فإنْ رأى في أخيه المسلم نقصاً في دينه اجتهدَ في إصلاحه . قال بعضُ الصالحين مِن السَّلف : أهلُ المحبة لله نظروا بنور الله ، وعطَفُوا على أهلِ معاصي الله ، مَقَتُوا أعمالهم ، وعطفوا عليهم ليزيلوهُم بالمواعظ عن فِعالهم ، وأشفقوا على أبدانِهم من النار ، لا يكون المؤمنُ مؤمناً حقاً حتى يرضى للناسِ ما يرضاه لنفسه ، وإنْ رأى في غيره فضيلةً فاق بها عليه فيتمنى لنفسه مثلها ، فإنْ كانت تلك الفضيلةُ دينية ، كان حسناً ، وقد تمنى النَّبيُّ eلنفسه منْزلةَ الشَّهادة. اه (9).
وقدقيل المؤمـن يقول خيرا أوينمي خيرا، قلت : أويدفع عن نفسه وإخوانه ضرا، ومن رزق هذه الخصال وحياء مع قلة أذى، وصلاحا مع قلةكلام، وعملا مع قلة فضول فقد أوتي محاسن الأخلاق .
ومن أراد أن يجد حلاوة الإيمان فليحسن الظن بربـه وإخوانه، وليأتيهم مايحب أن يؤتى،قالe: << ثلاث من كن فيه، وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لايحبه إلالله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النّار>>[10] .
واعلم أخي أنه لايكمل إيمان المرء حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه، وأقل درجات الأخوة أن يعامل أخاه بمايحب أن يعامله به، ولاشك أنك تنتظر من أخيك أن يستر عليك عورتك وأن يسكت عن مساوئك، فلو ظهر لك منه ضد ذلك اشتد عليك وحز في نفسك فكيف تنتظـر منه مالاتعزم أنت عليه لـه،فهذا ليس من شيم أهل الإسلام، ولامن أخلاق أهل ولاية الله الذين ينتظرون دخول الجنة ومتى التمست من الإنصاف من الناس ماترضى لنفسك ولم تنصفهم دخلت في قوله تعالى :]الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ &وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ( [المطففين : 2/ 3].
فإذا ثبت ذلك وثبت بينهما المحبة والأخوة والولاية وجب الدفاع عن عرض المسلم والردعلى الواقع فيه وهو الوجه الثاني :
والأصل في هذه المسألة: قول الله تعالى:]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ..([التوبة : (71).قال ابن جرير الطبري إمام المفسرين – رحمه الله - (14/347): وهم المصدقون بالله ورسوله وآيات كتابه، فإن صفتهم: أن بعضهم أنصارُ بعض وأعوانهم .وقال الطبراني :{بعضهـمأولياءبعض } في المحبة والموالاة ، والانتماء والنصرة.وقَوْلُهُ تَعَالَى : ]إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُواْ( ( الحج :38) هذا إخبار ووعد وبشارة من الله، للذين آمنوا، أن الله يدافع عنهم كل مكروه ، ويدفع عنهم كل شر - بسبب إيمانهم وصدق طاعتكم - من شر الكفار، وشر وسوسة الشيطان، وشرور أنفسهم، وسيئات أعمالهم ، فإن اللهَ يدفعُ عنهم غَائِلَةِ المشركينَ وأذاهُم وينصرهم عليهم ، ويحمل عنهم عند نزول المكاره، ما لا يتحملون، فيخفف عنهم غاية التخفيف. كل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقل ومستكثر. من تفسير السعدي بتصرف .وتمام الآية ]إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ( أي لا يحبُّ كلَّ مُظْهِرٍ للنصيحة مُضْمِرٍ للغشِّ والنِّفاقِ كافر بالله وبنعمتهِ. من تفسير الطبراني المنسوب إليه .فإذا كان الله يدافع عن الذين آمنوا غوائل الكفار ومكرهم ، فإنه سبحانه يدافع عن المظلومين وينتصر لهم من الظالمين المعتدين ويستجيب دعواتهم ، ويعلن الحرب على من آذى مؤمنا تقيا ..كما جاء في الحديث القدسي . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ e: << إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ>>.(11) .
وإذا كان الله يدافع بنفسه عن المظلومين من عباده ، فلا شك أنه يحب ذلك الخُلق ممن يقوم به ويكون خلصة له ، فلا يسيء إلى أولياء الله سبحانه لأنه يكره مساءتهم ، فعلى الناصح لنفسه أن يتصف بهذه الصفة من صفات الله ، وهي الدفاع عن إخوانه ، وأولياءه وأن يسوءه ما يسوؤهم ، فيرد الوقيعة في عرض أخيه الذي اعتبره الله بعضا منه ووليا له ، وكأنه يرد عن نفسه فإن المؤمنين جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .كما جاء في الحديث قال e:<< تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى>> (12). وقوله تعالى : ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ...(الحجرات : ( 10).
فهذه من القواعد التي ينبغي أن يكون عليها الأخوة المؤمنون، وإن دفع وشاية الواشي المفسد، ومقالة المغرض المتعمد، دون بغي ولا عدوان يعتبر إصلاحا بين المؤمنين. وإن السماح بانتشار الشائعات، والأخبار الكاذبة، وقبول الوشاية، وكل خبر، وعدم التروي والتأني في قبول ذلك حتى يثبت، ليولد سوء الظن ويدفع إلى التحسس وينبت التجسس، ويجر إلى تتبع العورات، والتطلع على السوءات، ذلكم أن الباطل إذا كثر ترديده وطال التفكير فيه انقلب عند أولي النهى ظنا راجحا، وعند النّاس في حكم الحق واليقين، وحينئذٍ تقع الواقعــة على المتهمين المظلومين، وما قصة الإفك إلا مثال ودليل واضح على هذا، وهنا يجب على من في قلبه أدنى غيرة على عرضه أن يرد ويدافع عن عرض أخيه، لأن عرضه هو عرضه ونفسه هي نفسه، وإن ذلك يكون سببا لرد النار عن وجهه يوم القيامة، فإذا خذله ولم ينتصر له كان ذلك أن يخذله الله في موطن يحب أن ينتصر فيه لأن الجزاء من جنس العمل، وقد جاء هذا في أحاديث معتبرة، وإليك طرفا منهالعلي وإياك ننتفع بها فنبادر إلى هذه الفضيلة التي نكون أحوج ما نكون إليها يوم القيامة وهي أن يرد الله عن وجوهنا النار ..أخرج الترمذي عن أم الدرداء عن أبي الدرداء - رضي الله عنهما- : عن النبي eقال : << من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة >> (13) قال أبو عيسى هذا حديث حسن ، وفي الباب عن أسماء بنت يزيد . قلت : وفي رواية عبد بن حميد (1/100): << كَانَ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ>>. وفي شرح السنة للبغوي بلفظ َ<< .. إِلا كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ >>. ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ : ((وَكانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنينَ)). وجاء تقييد الرد عن عرض الأخ وهو غائب عند الطبراني في الكبير(17/418) بلفظ: << من رد عن عرض أخيه بِالْمَغِيبِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ>>. وفي شرح السنة للبغوي (ح 3530)عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ eيَقُولُ :<< مَنِ اغْتِيبَ عِنْدَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ ، وَهُوَ يِقْدِرُ عَلَى نَصْرِهِ ، فَنَصَرَهُ ، نَصَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ >>.وكل ذلك من إرادة الخير للظالم والمظلوم .وفيه (3532): عن يَحْيَى بْنُ سُلَيْمِ بْنِ زَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّه eأَنَّهُ سَمِعَ إِسْمَاعِيلَ بْنَ بَشِيرٍ مَوْلَى بَنِي مَغَالَةَ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ ، وَأَبَا طَلْحَةَ بْنَ سَهْلٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَقُولانِ : قَالَ رَسُولُ اللهِ e:<< مَا مِنِ امْرِئٍ يَخْذُلُ مُسْلِمًا فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ ، وَمَا مِنِ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ>>.(14). أخي: إن من حق المؤمن على أخيه المؤمن أن يحمي ظهره وعرضه، وأن يصون كرامته، كما يحب ذلك لنفسه، لأنه بمثابة نفسه، فعرضه هو عرضك، وكرامته هي كرامتك، إلى أن يتبين بوضوح لا غبار عليه ما يستحق عليه المساءلة والمؤاخذة، فإن أمر المسلم في الأصل قائم على الستر وحسن الظن به، ما لم يكن مجاهرا بذلك، معلنا عنه دون حياء ولا حشمة. فقد بوب أبو داود في سننه : باب الرجل يذب عن عرض أخيه، أو يرمي مؤمنا بما هو منه برئ، وبسنده إلى معاذ بن أنس الجهني tعن النبي eقال :<< من حمى مؤمنا من منافق أراه قال : يعيّن الله ملكا يحمي لحمـه يوم القيامة من نار جهنم، ومن رمى مسلما بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى يخرج مما قال>> (15).قال شمس الدين آبادي-رحمه الله – في عون المعبود[ج13 / ص155 ]:قوله : { من حمى } : يعني من الحماية أي حرس وحفظ{ مؤمنا} أي عرضه من منافق، أي مغتاب واشٍ، وإنما سمي منافقا لأنه لا يظهر عيب أخيه عنده ليتدارك، بل يظهر عنده خلاف ذلك أو لأنه يظهر له النصيحة ويبطن له الفضيحة، وقوله : {يحمي لحمه} يعني أن ذلك يحمي لحم حامي المؤمن من المنافق المغتاب. ومن رمى مسلما بشيء، أي قذفه بشيء من العيوب يريد شينـه، وتحقيره عند الآخـرين، حبسه الله على جسر جهنم يذيقه من ردعة الخبال فيتعذب بذلك في ذلك الذنب حتى ينقيه من ذنبه ذلك بالنّار، والله أعلم بالمدة التي يبقى محبوسا فيها فلا يخرج منها حتى يرضى خصمه، أو يؤخذ جزاءه بتعذيبــه، أو يتجاوز عنه أرحم الراحمين. ومن هنا كان لزاما على المؤمن الستر على أخيه المسلم المسيء والنهي عن تتبع عورته وإشاعتها لغير ضرورة ولا موجب وهو الوجه الثالث : ودليل ذلك قوله سبحانه : (( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ))النور : 19 ] .قال ابن كثير – رحمه الله - في تفسيره لهذه الآية : وهذا تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكلام السيئ، فقام بذهنه منه شيء، وتكلم به، فلا يكثر منه ويشيعه ويذيعه، فقد قال تعالى : ]إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا( أي: يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح، ]لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا( أي: بالحد، وفي الآخرة بالعذاب ، ]وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ( أي: فردوا الأمور إليه تَرْشُدُوا.وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بكر، حدثنا ميمون بن أبي محمد المَرَئيّ، حدثنا محمد بن عَبّاد المخزومي، عن ثَوْبَان، عن النبي eقال: << لا تُؤذوا عِبادَ الله ولا تُعيِّروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم، طلب الله عورته، حتى يفضحه في بيته>> (16).وقال السعدي -رحمه الله - قوله تعالى { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ } أي: الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة { فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : موجع للقلب والبدن ، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين ، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم ، فإذا كان هذا الوعيد ، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة ، واستحلاء ذلك بالقلب ، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره ، ونقله؟ وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة.وكل هذا من - رحمة الله - بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم ، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه. { وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } .ومن الأدلة أيضا على هذه القاعدة قول الله سبحانه وتعالى: (( وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)) النساء : 112 ] .ووجه الدلالة منها أنه اقترف إثما ثم رمى به بريئا وأشاعه عنه وحقه أن لا يفعل ذلك في إخوانه الذين لهم الولاية والنصرة ، والأخوة والمحبة والرحمة الموجبة للستر والنصح ..قال أبو جعفر بن جرير – رحمه الله - : يعني بذلك جل ثناؤه: ومن يعمل خطيئة، وهي الذنب أو إثمًا، وهو ما لا يحلّ من المعصية. وإنما فرق بين الخطيئة والإثم ، لأن الخطيئة ، قد تكون من قبل العَمْد وغير العمد، والإثم لا يكون إلا من العَمْد، ففصل جل ثناؤه لذلك بينهما فقال : ومن يأت خطيئة على غير عمد منه لها أو إثمًا على عمد منه ، ثم يرم به بريئًا، يعني : ثم يُضيف ماله من خطئه أو إثمه الذي تعمده بريئًا مما أضافه إليه ونحله إياه فقد احتمل بُهتانًا وإثمًا مبينًا ، يقول : فقد تحمّل بفعله ذلك فريَة وكذبًا وإثمًا عظيمًا يعني ، وجُرْمًا عظيمًا، على علم منه وعمدٍ لما أتى من معصيته وذنبه.وقال الشيح السعدي – رحمه الله - في تفسيره لها وقوله تعالى : { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً } أي: ذنبا كبيرا { أَوْإِثْمًا } ما دون ذلك. { ثُمَّ يَرْمِ بِهِ } أي: يتهم بذنبه { بَرِيئًا } من ذلك الذنب ، وإن كان مذنبا. { فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } أي : فقد حمل فوق ظهره بهتا للبريء ؛ وإثمًا ظاهرًا بينًا، وهذا يدل على أن ذلك من كبائر الذنوب وموبقاتها، فإنه قد جمع عدة مفاسد: كسب الخطيئة والإثم ، ثم رَمْي مَن لم يفعلها بفعلها ، ثم الكذب الشنيع بتبرئة نفسه واتهام البريء ، ثم ما يترتب على ذلك من العقوبة الدنيوية ، تندفع عمن وجبت عليه ، وتقام على من لا يستحقها.ثم ما يترتب على ذلك أيضا من كلام الناس في البريء إلى غير ذلك من المفاسد التي نسأل الله العافية منها ومن كل شر.ومن السنة ما جاء في حديث أبي هريرة tأن النبي eقال :<< من ستر أخاه المسلم ستره الله في الدنيا والآخرة ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه>> (17). أيها المؤمن إنك إنا تبعت عورات النّاس أفسدتهـم أوكدت تفسدهــم، وأن الاشتغال بالطعن في النّاس وذكر نقائصهم ،دون موجب لذلك، والتسلي بالخوض في معائبهم، وإفشائها بينهم يعتبر إفشاء للفاحشة، وذلك من طبائع النفوس الفاسدة، والصدور الحاقدة، مما يجلب سوء الظن، وينبت العداوة بين المؤمنين الأحبة . وعن علي بن أبي طالب tوأرضاه قال : <<القائل الفاحشة والذي يشيعها في الإثم سواء>> [18].وأخرج أبو داود عن معاوية tقال : سمعت رسول الله eيقول : << إنك إن اتبعت عورات النّاس أفسدتهم أو كدت تفسدهم>> فقال أبو الدرداء t : كلمة سمعها معاوية من رسول الله نفعه الله بها [19] .وأخرج أيضا عن أبي أمامة tعن النبي eقال :<< إن الأمير إذا ابتغى الريبـة في النّاس أفسدهم>>( 20).قال المناوي : ومقصود الحديث حـث الإمام على التغافل وعدم تتبع العورات .وعن عقبة بن عامر tعن النبي eقال : << من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة >> [21].




رد مع اقتباس