سم الله الرحمن الرحيم



قال فضيلة الشيخ أحمد بازمول حفظه الله :


وممن لا يؤخذ عنه العلم : أهل الرأي المحض المجرد عن الدليل :


قال عمر بن الخطاب :" إن أصحاب الرأي أعداء السنة ، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها ، وتفلتت منهم فلم يعوها ، واستحيوا حين سئلوا أن يقولوا لا علم لنا ، فعارضوا السنن برأيهم ! إياك وإياهم ".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" ردوا الجهالات إلى السنة ".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :" اتقوا الرأي في دينكم ".
قال سحنون :" يعني : البدع " .
وقال عطاء :" ليس الدين بالرأي ولكنه السمع ".
وقال أبو الزناد :" أدركنا أهل الفضل والفقه من خيار أولية الناس يعيبون أهل الجدل والتنقيب ، والأخذ بالرأي أشد العيب ، وينهوننا عن لقائهم ومجالستهم ، وحذرونا مقاربتهم أشد التحذير ، ويخبرونا أنهم على ضلال ، وتحريف لتأويل كتاب الله وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى كره المسائل والتنقيب عن الأمور ، وزجر عن ذلك ، وحذره المسلمين في غير موضع ، حتى كان من قول النبي صلى الله عليه وسلم في كراهية ذلك أن قال :" ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك الذين من قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ".
فأي امرئ أكب على التنقيب لم يعقل من هذا ، ولم يبلغ الناس يوم قيل لهم هذا القول من الكشف عن الأمور جزءا من مائة جزء مما بلغوا اليوم ، فهل هلك أهل الأهواء ، وخالفوا الحق إلا بأخذهم بالجدل والتفكير في دينهم ؟
فهم كل يوم على دين ضلالة وشبهة جديدة ، لا يقيمون على دين وإن أعجبهم إلا نقلهم الجدل والتفكير إلى دين سواه ، ولو لزموا السنن وأمر المسلمين وتركوا الجدل لقطعوا عنهم الشك، وأخذوا بالأثر الذي حضهم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
وقال مالك :" قبض رسول الله وقد تم هذا الأمر واستكمل ، فإنما ينبغي أن نتبع آثار رسول الله وأصحابه ولا نتبع الرأي ، وإنه من اتبع الرأي جاء رجل أقوى منك في الرأي فاتبعته ، فأنت كلما جاء رجل غلبك اتبعته أرى هذا الأمر لا يتم ".
وقال عصام بن يوسف :" عليكم بالآثار ، وإياكم والرأي ".
وقال الإمام أحمد بن حنبل :" لا تكاد ترى أحدا نظرفي هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل ".
وقال أبوبكر بن أبي داود :" أهل الرأي : هم أهل البدع ".
وقال البربهاري :" اعلم أن من قال في دين الله برأيه وقياسه وتأويله من غير حجة من السنة والجماعة ، فقد قال على الله ما لا يعلم ، ومن قال على الله ما لا يعلم فهو من المتكلفين ."
والحق ما جاء من عند الله عزوجل ، والسنة : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والجماعة ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ، ومن اقتصر على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه والجماعة فلج على أهل البدع كلها ".
قال أبو عمر بن عبد البر :" اختلف العلماء في الرأي المقصود إليه بالذم والعيب في الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضي الله عنهم وعن التابعين لهم بإحسان :
فقالت طائفة : الرأي المذموم هو البدع المخالفة للسنن في الاعتقاد كرأي جهم وسائر مذاهب أهل الكلام ، لأنهم قوم قياسهم وآراؤهم في رد الأحاديث ، وردوا السنن في ذلك كله برأيهم وقياسهم ، فلهذا قال أكثر أهل العلم : إن الرأي المذموم المعيب المهجور الذي لا يحل النظر فيه ولا الاشتغال به الرأي المبتدع وشبهه من ضروب البدع .
وقال آخرون وهم جمهور أهل العلم: الرأي المذموم المذكور في الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه والتابعين هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون ، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات ، ورد الفروع والنوازل بعضها على بعض قياسا دون ردها على أصولها والنظر في عللها واعتبارها ، فاستعمل فيها الرأي قبل أن تنزل ، وفرعت وشققت قبل أن تقع ، وتكلم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن .
قالوا : ففي الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل للسنن ، والبعث على جهلها وترك الوقوف على ما يلزم الوقوف عليها منها ومن كتاب الله عزوجل ومعانيه ".
قال محمد بازمول :" الرأي يطلق عند السلف على معنيين :
الأول : الرأي بمعنى الرجوع إلى العقل وتقديمه على النص .
الثاني : الرأي بمعنى الرجوع إلى العقل مع تقديم نصوص الشرع عليه ، فهو القياس الصحيح والمعاني والعلل الصحيحة التي علق الشارع بها الأحكام وجعلها مؤثرة فيها طردا وعكسا .
والرأي بالمعنى الأول مذموم ، إذ يقدم فيه العقل على النص فيما جاء فيه النص ، أو يقاس بالعقل دون الرجوع إلى أصل .
وبتأمل هذه النصوص وما في معناها يتبين أن الرأي المذموم في كلام السلف يطلق على أنواع ،وهي التالية :
1 ـ الرأي المخالف للنص ، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الاسلام فساده وبطلانه ، ولا تحل الفتيا به ولا القضاء ، وإن وقع فيه من وقع بنوع تأويل وتقليد .
2 ـ الكلام في الدين بالخرص والظن مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها ، فإن من جهلها وقاس برأيه فيما سئل عنه بغير علم بل لمجرد قدر جامع بين الشيئين ألحق أحدهما بالآخر ، أو لمجرد قدر فارق يراه بينهما يفرق بينهما في الحكم من غير نظر إلى النصوص والآثار ، فقد وقع في الرأي المذموم الباطل .
3 ـ الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال من الجهمية والمعتزلة والقدرية ومن ضاهاهم ، حيث استعمل أهله قياساتهم الفاسدة وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة ، فردوا لأجلها ألفاظ النصوص التي وجدوا السبيل إلى تكذيب رواتها وتخطئتهم ، ومعاني النصوص التي لم يجدوا إلى رد ألفاظها سبيلا فقابلوا النوع الأول بالتكذيب ، والنوع الثاني بالتحريف والتأويل .
4 ـ الرأي الذي أحدثت به البدع ، وغيرت به السنن وعم به البلاء ، وتربى عليه الصغير ، وهرم فيه الكبير .
5 ـ القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون ، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات ، ورد الفروع بعضها على بعض قياسا ، دون ردها على أصولها والنظر في عللها واعتبارها ، فاستعمل فيها الرأي قبل أن ينزل وفرعت وشققت قبل أن تقع ، وتكلم فيها قبل أن تكون بالرأي المضارع للظن .
كما يتبين أن الرأي المحمود في كلامهم يطلق على الأنواع التالية :
1 ـ رأي الصحابة .
2 ـ الرأي الذي يفسر النصوص ويبين وجه الدلالة منها ويقررها ويوضح محاسنها ويسهل طريق الاستنباط منها .
3 ـ ما تواطأت الأمة عليه وتلقاه خلفهم عن سلفهم ، فإن تواطؤ الأمة لا يكون إلا صوابا .
4 ـ الاجتهاد في الواقعة بعد طلب علمها من القرآن والسنة ،وما جاء عن الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ فإنه ينظر إلى أقرب ذلك من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقضية أصحابه ".
وذكر الإمام أحمد حيل أصحاب الرأي فقال :" يحتالون لنقض سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

نفس المصدر