قلت معلقا :
بارك الله في الشيخ المفضال صالح السحيمي ونفع الله به أهل الإسلام

وحق ما وصف به القوم الفسقة ، فقد وفق وأجاد وأفاد وأصاب في وصفهم بما يستحقون وينطبق على أخلاقهم وأعمالهم وتصرفاتهم لغة وواقعا .
فأفعالهم وتصرفاتهم أشبه بالحمار الوحشي وأليق بإلحاقهم به في الاسم والوصف ، ومما يؤكد ذلك ـ وهذا أعجب ما يكون ـ اشتراكهما في لفظ الفنان ، وكما هو معلوم عند أرباب اللغة وفقهائها ، أنه هناك علاقة بين اللفظ ومعناه ، فالألفاظ قوالب للمعاني ، والأسماء أَقْوَال المسميات
وَقل إِن أَبْصرت عَيْنَاك ذَا لقب ... إِلَّا وَمَعْنَاهُ إِن فَكرت فِي لقبه ([1])
والذي يوضح ذلك ويبينه :
الوجه الأول :الفنان هو الذي يتفنن في حركاته وأساليبه وكلامه ويزين صوته ويحسنه ويبدع صنعته ويظهر مهارته فيها ليثير المشاعر والعواطف ، فلو رجعنا إلى مادة ( ف ن ن ) لوجدناها تدل على هذه المعاني ، وترجع إليها ، فالأساليب التحسينية هذه و إن كانت يحسن بها المشاريع والأعمال الخيرية ، فهي أيضا مما يحسن بها أهل الشر والفساد فسادهم وباطلهم من الرسامين والمغنيين والممثلين .
الثاني : الحمار الوحشي من أسمائه المسحل : وهو الَّذِي يَسْحَل نُهاقَه كَأَنَّهُ يحسِّنه ([2])
وجاء في (تهذيب اللغة)(4/ 178) :
(( قَالَ اللَّيْث: المِسْحَلُ: الْحمار الوَحْشِي وسَحِيلُه: أَشَدُّ نَهِيقِه.))
وجاء في ( شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم)(5/ 2998)
(( المِسْحَل: حمار مِسْحل: أي نَهّاق.))
فعلو صوت الفنان وارتفاعه وحركته لا يخرج عن حركة ونهيق الحمار الذي ذمه الله تعالى في قوله :{ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}
قال الإمام ابن كثير في ( تفسيره)(6/ 303)
((وَقَوْلُهُ {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أَيْ لَا تُبَالِغْ فِي الْكَلَامِ وَلَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَلِهَذَا قال إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّ أَقْبَحَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ، أَيْ غَايَةُ مَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ أَنَّهُ يُشَبَّهُ بِالْحَمِيرِ فِي عُلُوِّهِ وَرَفْعِهِ، وَمَعَ هَذَا هُوَ بَغِيضٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا التَّشْبِيهُ فِي هَذَا بِالْحَمِيرِ، يَقْتَضِي تَحْرِيمَهُ وَذَمَّهُ غَايَةَ الذَّمِّ))
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في (جامع المسائل)(1/ 88 ـ 89)
(( فمن سلك مسلكَ المبتدعين الضالّين لم يكن من أولياء الله المتقين وحزبِه المفلحين وعبادِه الصالحين ... مثل الرقص على الغناء والمزامير، ورفع الأصوات بالخُوار كما يخور الثور، وقد قال تعالى: {واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} ، وهؤلاء الضُّلاَّل الغُواة حزبُ الشيطان لا يقصدون في مشيهم، ولا يغضّون من أصواتهم، بل يرفعون الأصوات المنكرات، ويرقصون كرقص الدِّباب ونحوها من الحيوانات، ويُعرِضون عن كتاب الله وسنة رسوله، فلا يرغبون في سماع كلامِ الله وكلامِ رسوله وكلامِ الصحابة كما يرغبون في سماع مزامير الشيطان، بل سماع مزامير الشيطان أحبُّ إليهم من سماع كلام الملك الرحمن. ))
فبهذا تبينت العلاقة والمناسبة بين الحمار الوحشي والحمار المغني من حيث الأفاعيل والصفات المشتركة فيما بينهما .
وكما قال الشيخ : (( والله الحمير خيرٌ منهم ، والله الذي لا إله غيره إن الحمير خير ٌ منهم ))
فهم يستفاد بهم قضاء حوائج دنيوية بل ودينية ، بل أصواتهم تذكر بالطاعة لقوله صلى الله عليه وسلم ك «إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكا وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا» (صحيح) ([3]) ، أما صوت المغنيين فهو يصد عن ذكر الله ويفسد قلوب عباد الله ، والحمد لله رب العالمين



([1]) (تحفة المودود بأحكام المولود)(ص 51) للإمام ابن القيم
وانظر ( الدراسات اللغوية والنحوية في مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية)(ص 60)

([2]) (جمهرة اللغة)(3/ 1312)

([3]) (صحيح الجامع )(1/ 166)