شبكة الأمين السلفية - Powered by vBulletin
لا إلهَ إلاَّ اللَّه وحْدهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، لَهُ المُلْكُ، ولَهُ الحمْدُ، وَهُو عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ  |  لا حول ولا قوة إلا بالله  |  أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيومَ وأتوب إليه
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 25 من 26

الموضوع: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال / فتاوى ومسائل وفقه الإمام ابن عثيمين رحمه الله

    إنّ الحمدَ لله ؛ نحمده ، و نستعينه ، و نستغفره . و نعوذ بالله من شرورِ أنفسنا ، و من سيّئاتِ أعمالنا . مَن يهدِهِ اللهُ فلا مُضلّ له ، و مَن يُضلِل فلا هادي له ، و أشهدُ أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريكَ له، و أشهدُ أنّ محمّدًا عبده و رسوله .
    أمّا بعد :
    فقَالَ الله تَعَالَى :{ وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ }[فُصِّلَتْ: 37]
    قال الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ (( يَقُولُ تَعَالَى مُنَبِّهًا خَلْقَهُ عَلَى قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ وَأَنَّهُ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَأَنَّهُ عَلَى مَا يَشَاءُ قَادِرٌ وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ أَيْ أَنَّهُ خَلَقَ اللَّيْلَ بِظَلَامِهِ وَالنَّهَارَ بضيائه وهما متعاقبان لا يفترقان، وَالشَّمْسَ وَنُورَهَا وَإِشْرَاقَهَا وَالْقَمَرَ وَضِيَاءَهُ وَتَقْدِيرَ مَنَازِلِهِ فِي فَلَكِهِ وَاخْتِلَافَ سَيْرِهِ فِي سَمَائِهِ لِيُعْرَفَ بِاخْتِلَافِ سَيْرِهِ وَسَيْرِ الشَّمْسِ مَقَادِيرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْجُمَعُ وَالشُّهُورُ وَالْأَعْوَامُ، وَيَتَبَيَّنُ بِذَلِكَ حُلُولُ الْحُقُوقِ وَأَوْقَاتُ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ. )) ا.هـ ([1])
    فدلت هذه الآية الكريمة ، وما نبه إليه الإمام ابن كثير ـ رحمه الله ـ من أسرارها وكنوزها ، أن الله تعالى ما خلق الليل والنهار والشمس والقمر إلا ليعبد ويشكر ، و لنعتبر ونتفكر ما فيهم من الطاعات و المنافع والفوائد الدينية والدنيوية التي ترجع منفعتها على العبد في الدنيا والآخرة ، ومن ذلك أنه تعالى علق على الشمس أحكام اليوم من الصلاة والصيام، وقال عن الأهلة :{يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج }[البقرة: 189]، فأخبر أن الأهلة مواقيت للناس عموما، وخص الحج من بين ما يُوقت به، للاهتمام به، وجعل الله سبحانه وتعالى في كل يوم وليلة لعباده المؤمنين وظائف موظفة عليهم من وظائف طاعته ، فمنها ما هو مفترض كالصلوات الخمس، ومنها ما يندبون إليه من غير افتراض، كنوافل الصلاة والذكر وغير ذلك ، وجعل في شهور الأهلة وظائف موظفة أيضا على عباده، كالصيام، والزكاة، والحج ، فمنه فرض مفروض عليهم، كصيام رمضان، وحجة الإسلام ، ومنه ما هو مندوب، كصيام شعبان، وشوال، والشهر الحرم.
    وجعل الله سبحانه لبعض الشهور فضلا على بعض، كما قال تعالى:{منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم }[ التوبة: 36] ، وقال الله تعالى : { الحج أشهر معلومات } [البقرة: 197] ، وقال الله تعالى:{شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن } [البقرة: 185] ، كما جعل بعض الأيام والليالي أفضل من بعض، وجعل ليلة القدر خيرا من ألف شهر، وأقسم بالعشر، وهو عشر ذي الحجة على الصحيح .
    وما من هذه المواسم الفاضلة ، موسم إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعته، يتقرب بها إليه، ولله فيه لطيفة من لطائف نفحاته يصيب بها من يعود بفضله ورحمته عليه. فالسعيد من اغتنم مواسم الشهور والأيام والساعات، وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات، فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات، فيسعد بها سعادة يأمن بعدها النار وما فيها من اللفحات. ([2])، وليس للعبد طريقا لمعرفة ما جاء في هذه الساعات والأيام والمواسم من الطاعات والعبادات إلا أن يرجع إلى الكتاب والسنة فيقف على كنوزها ولطائفها وخيراتها ، فما أحوجه والحالة هذه إلى معلم ومرشد يدله ويرشده على ذلك ويوقفه على عمارة هذه الأيام والساعات ، إذ " الناس في حاجة إلى من يرشدهم ويبين لهم شريعة الله عز وجل في كل مناسبة، وقد كان من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتكلم في الناس بما يناسب الوقت وبما يناسب الحال([3]) ، ولهذا ينبغي لطلبة العلم بل يجب على طلبة العلم أن يبينوا للناس ما أنزل إليهم من ربهم في كل حال تقتضي ذلك، وفي كل مكان يقتضي ذلك، وفي كل زمان يقتضي ذلك ؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر من ميراثهم، ولا تحقرن شيئاً من العلم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بلغوا عني ولو آية". ([4]) .
    وإذا كان الأمر كذلك ، فها أناذا أشارك ـ ولو بشيء يسير ـ أهل العلم في تقريب وتبيين ونشر بعض ما بينوه من أحكام هذه الأيام والساعات ، وأخص بالذكر العشر من ذي الحجة وعيد الأضحى ، فأقدم للقراء الكرام ملخصا من أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من السنن والآداب ، مما ذكره وبينه وأفتى به الإمام الفقيه القدوة محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ في كتبه ورسائله ، فنسأل الله العون والسداد
    باب فضل عشر ذي الحجة وما جاء فيها من الأعمال
    كيفية إثبات دخول العشر من ذي الحجة
    سئل الشيخ ـ رحمه الله ـ : يشكل على كثير من الناس دخول شهر الحج حيث أنه ليس كشهر رمضان يتحرى له في أول يوم منه، فهل يعتمد على التقويم في دخوله، أو على الأحوط، أو بإكمال الشهر؟ أرجو التفصيل لأن هذا يشكل حتى في صيام أيام البيض وفي الكفارات؟ وجزاكم الله خيراً.
    فأجاب: الحمد لله رب العالمين لقد أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة نبني عليها، فقال: "إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين "، فإذا أشكل عليك الأمر فأكمل الشهر ثلاثين فمثلاً: إذا صار اليوم التاسع والعشرون من ذي القعدة فإن اليوم الثلاثين منه لا يعتبر من ذي الحجة بل هو من ذي القعدة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أكملوا العدة ثلاثين) فإذا أكملنا عدة ذي القعدة ثلاثين فلازم ذلك ألا نصوم إلا إذا أكملنا الثلاثين، وكذلك يقال بالنسبة لأيام البيض مع أن أيام البيض وقوعها في اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر على سبيل الأفضلية وإلا فإن أجرها يحصل سواء صامها الإنسان في هذه الأيام أو قبلها أو بعدها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من الشهر ثلاثين يوماً ولا يبالي من أي الشهر صامها من أوله أو وسطه أو آخره، والأمر فيها واسع.
    لكن بالنسبة لدخول شهر ذي الحجة، نقول: إذا لم يثبت دخوله ببينة فإننا نكمل عدة شهر ذي القعدة ثلاثين يوماً.([5])
    فضل أيام عشر ذي الحجة
    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
    أما بعد: فإننا نلتقي وإياكم في هذه الليلة ليلة الثلاثاء المتممة لشهر ذي القعدة عام (1409هـ) وهذا اللقاء سيكون موضوعه: الأضحية وما يتعلق بها، وربما نشير إلى شيء من فضائل عشر ذي الحجة، فنقول: إن هذه الأيام العشر -عشر ذي الحجة- من أفضل الأيام عند الله عز وجل، بل وقد ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر"، وفي رواية: " أفضل عند الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".
    وعلى هذا: ينبغي لنا أن ننتهز هذه الفرصة العظيمة وهذا الموسم العظيم لنعمل فيه العمل الصالح؛ لكونه أحب إلى الله عز وجل من أي عمل كان في يوم آخر، حتى إن العمل في هذه الأيام، أيام عشر ذي الحجة الأولى أفضل عند الله وأحب إلى الله من العمل في العشر الأواخر من رمضان ([6]) ، وهذا شيء غفل عنه الناس وأهملوه، حتى إن هذه العشر -عشر ذي الحجة- تمر بالناس وكأنها أيام عادية ليس لها فضل وليس للعمل فيها مزية ([7])
    ذِكْرُ اسْتِحْبَابِ الِاجْتِهَادِ فِي أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ([8])
    قال الشيخ :
    قد ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر"، وفي رواية: " أفضل عند الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلاً خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".
    وعلى هذا: ينبغي لنا أن ننتهز هذه الفرصة العظيمة وهذا الموسم العظيم لنعمل فيه العمل الصالح؛ لكونه أحب إلى الله عز وجل من أي عمل كان في يوم آخر، حتى إن العمل في هذه الأيام، أيام عشر ذي الحجة الأولى أفضل عند الله وأحب إلى الله من العمل في العشر الأواخر من رمضان ، وهذا شيء غفل عنه الناس وأهملوه، حتى إن هذه العشر -عشر ذي الحجة- تمر بالناس وكأنها أيام عادية ليس لها فضل وليس للعمل فيها مزية ، فلنكثر فيها من كل عمل صالح يقربنا إلى الله عز وجل؛ من الصلاة والذكر، والصدقة والصوم، وكذلك الإحسان إلى الخلق في الجاه والبدن وكل ما يقرب إلى الله سبحانه وتعالى .....
    ويكون الذكر على حسب ما جاء عن السلف: [الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد] أو التكبير ثلاثاً: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) يجهر بذلك الرجال في المساجد والأسواق والبيوت والمكاتب وغيرها، وتسر بها المرأة بقدر ما تسمع من إلى جانبها، من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق ، فتكون الأيام ثلاثة عشر يوماً، عشرة أيام آخرها العيد وثلاثة أيام وهي أيام التشريق.([9])
    وجاء في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(24/243 ـ 244)
    (( بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
    أخي المسلم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد:
    فمن نعمة الله عليك أن بلغك هذه العشر المباركة- عشر ذي الحجة- التي قال فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر "، قالوا، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء" .
    ومن شكر نعمة الله أن تستغل هذه الأيام بالأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله عز وجل، ومن هذه الأعمال:
    1- التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح لله عز وجل، يفعل ذلك الرجال جهراً في أسواقهم ومساجدهم وأماكنهم العامة، والنساء تفعل ذلك سراً.
    2- صيام هذه الأيام- إلا يوم العيد- وأخص هذه الأيام باستحباب الصوم فيها يوم عرفة، فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أن صيامه يكفر السنة الماضية والباقية .
    3- الحج، وهو من أفضل القربات إلى الله عز وجل في هذه الأيام، وهو من أسباب غفران الذنوب، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " .
    4- كثرة الدعاء، في كل وقت وخصوصاً في هذه الأيام الفاضلة فربك سبحانه قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة : 186] . وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الدعاء هو العبادة" .
    واعلم- بارك الله فيك- أن هذه الأيام محل لجميع الأعمال الصالحة، من قراءة القرآن، والصدقة، والصلاة النافلة، وصلة الرحم، وبر الوالدين، والإحسان إلى خلق الله، وغير ذلك، لعموم
    حديث ابن عباس المذكور.
    ولا يفوتني- أخي- أن أوصيك بتقوى الله عز وجل وباستغلال هذه الأيام فلعلك لا تدركها العام القادم، واحرص على الإخلاص لله والمتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في كل أقوالك وأفعالك تكن مقبولاً ، أسأل الله أن يتقبل منا جميعاً صالح الأعمال.
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
    بسم الله الرحمن الرحيم
    قرأت هذه المنشورة المتضمنة للحث على العمل الصالح في عشر ذي الحجة، فوجدتها صحيحة، ونشرها حسن، جزى الله كاتبها خيراً، ونفع بها.
    قال ذلك كاتبه: محمد الصالح العثيمين، في 24/11/1412 هـ. )) ا.هـ
    وقال : (( فإني أحث إخواني المسلمين على اغتنام هذه الفرصة العظيمة، وأن يكثروا في عشر ذي الحجة من الأعمال الصالحة، كقراءة القرآن والذكر بأنواعه: تكبير، وتهليل، وتحميد، وتسبيح، والصدقة والصيام، وكل الأعمال الصالحة.
    والعجب أن الناس غافلون عن هذه العشر تجدهم في عشر رمضان يجتهدون في العمل لكن في عشر ذي الحجة لا تكاد تجد أحداً فرق بينها وبين غيرها، ولكن إذا قام الإنسان بالعمل الصالح في هذا الأيام العشرة إحياء لما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الأعمال الصالحة. فإنه على خير عظيم. )) ا.هـ ([10])
    ما جاء في العشر من الحث على كثرة التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح لله عز وجل
    قال الشيخ : (( من شكر نعمة الله أن تستغل هذه الأيام بالأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله عز وجل، ومن هذه الأعمال:
    1- التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح لله عز وجل، يفعل ذلك الرجال جهراً في أسواقهم ومساجدهم وأماكنهم العامة، والنساء تفعل ذلك سراً.)) ا.هـ ([11])
    وقال : (( فلنكثر فيها من كل عمل صالح يقربنا إلى الله عز وجل؛ من الصلاة والذكر .....
    ويكون الذكر على حسب ما جاء عن السلف: [الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد] أو التكبير ثلاثاً: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد) يجهر بذلك الرجال في المساجد والأسواق والبيوت والمكاتب وغيرها، وتسر بها المرأة بقدر ما تسمع من إلى جانبها، من دخول شهر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق ، فتكون الأيام ثلاثة عشر يوماً، عشرة أيام آخرها العيد وثلاثة أيام وهي أيام التشريق. )) ا.هـ ([12])
    قلت ( بشير) : إن ما نبه عليه الإمام من إكثار الذكر في الأيام العشر ، هو الذي كان عليه عمل السلف .
    قال العلامة الصنعاني ـ رحمه الله ـ في (سبل السلام)(2/ 222)( ط : مكتبة المعارف / تعليق الإمام الألباني ) : (( وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ تَعْلِيقًا " أَنَّهُمَا كَانَا يَخْرُجَانِ إلَى السُّوقِ أَيَّامَ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا " وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ، وَالْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ قَالَ : الطَّحْاوِيُّ: كَانَ مَشَايِخُنَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ التَّكْبِيرِ أَيَّامَ الْعَشْرِ جَمِيعًا.)) ا.هـ
    وقال الإمام ابن باز ـ رحمه الله ـ : (( وهكذا يشرع فيها التكبير والتحميد والتهليل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد »([13]) وفق الله الجميع.)) ا.هـ ([14])
    صفة الذكر
    سئل الشيخ : هل التكبير في هذه الأيام مقيد أم مطلق؟ وهل يقدم على الأذكار الواردة
    بعد الصلوات نرجو التفصيل؟ وهل ورد دليل على الفرق فيها؟ وما وقتها من حيث الابتداء والانتهاء؟
    فأجاب ـ رحمه الله ـ : (( العلماء رحمهم الله تكلموا في هذه المسألة في المقيد والمطلق بكلام كثير، لكن ليس فيه شيء مأثور عن النبي عليه الصلاة والسلام، والمشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله أن التكبير المطلق أي: الذي في كل وقت من دخول شهر ذي الحجة إلى صلاة يوم العيد، وأما المقيد فهو من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق، وعلى هذا فتكون الأيام الثلاثة عشر بالنسبة للتكبير منقسمة إلى ثلاثة أقسام: قسم ليس فيه إلا مطلق، وقسم ليس فيه إلا مقيد، وقسم فيه مطلق ومقيد .
    القسم الأول: الذي ليس فيه إلا مطلق: من دخول شهر ذي الحجة إلى فجر يوم عرفة هذا مطلق، ومعنى (مطلق) أنه لا يشرع أدبار الصلوات بل تقدم أذكار الصلاة عليه.
    القسم الثاني: المقيد وهو: الذي ليس فيه مطلق من صلاة الظهر يوم النحر إلى صلاة العصر من آخر يوم من أيام التشريق، وهذه الأيام الأربعة فيها تكبير مقيد أي: يكون دبر الصلاة ولا يكون في بقية الأوقات.
    القسم الثالث: الجمع بين المطلق والمقيد من متى إلى متى؟ من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العيد، أي: أربعاً وعشرين ساعة تقريباً، ولكن الصحيح أن التكبير المطلق من هلال شهر ذي الحجة إلى غروب شمس آخر يوم من أيام التشريق.
    كل الأيام الثلاثة عشرة فيها تكبير مطلق، لكن من يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق فيها مقيد أيضاً، يذكر دبر الصلاة مع أذكار الصلوات، والمسألة هذه أمرها واسع، يعني لو أن الإنسان لم يكبر التكبير المقيد واكتفى بأذكار الصلوات لكفى، ولو كبر حتى في أيام المطلق دبر الصلوات لجاز ذلك، الأمر في هذا واسع، لأن الله تعالى قال في أدبار الصلوات: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء:103]، وقال: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج:34]، وقال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة:203] فكلها ذكر والأمر في هذا واسع، والمهم أن نعمر أوقات هذه العشر وأيام التشريق بالذكر. )) ا.هـ ([15])
    حكم التكبير الجماعي بعد أداء الصلوات عبر مكبر الصوت ومن منائر المساجد في عشر ذي الحجة
    سئل فضيلة الشيخ - رحمه الله تعالى -: عن حكم التكبير الجماعي بعد أداء الصلوات عبر مكبر الصوت ومن منائر المساجد في عشر ذي الحجة، وليلة عيد الفطر؟
    فأجاب فضيلته بقوله: التكبير في عشر ذي الحجة ليس مقيداً بأدبار الصلوات، وكذلك في ليلة العيد عيد الفطر ليس مقيداً بأدبار الصلوات فكونهم يقيدونه بأدبار الصلوات فيه نظر، ثم كونهم يجعلونه جماعياً فيه نظر أيضاً، لأنه خلاف عادة السلف، وكونهم يذكرونه على المنائر فيه نظر، فهذه ثلاثة أموركلها فيها نظر، والمشروع في أدبار الصلوات أن تأتي بالأذكار المعروفة المعهودة، ثم إذا فرغت كبر، وكذلك المشروع أن لا يكبر الناس جميعاً، بل كل يكبر وحده هذا هو المشروع كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحج، فمنهم المهلّ، ومنهم المكبر ولم يكونوا على حال واحد. )) ا.هـ ([16])
    يتبع إن شاء الله ......



    ([1]) (تفسير ابن كثير)(7/ 166)
    ([2]) (لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف)(ص 39 ـ 40)
    ([3]) فهذا مما ينبغي أن يتنبه إليه طلبة العلم والدعاة إلى الله ، من أن يحثوا أبناء الأمة على أن يقصروا نظرهم وجهودهم في عباداتهم الحاضرة ، وأن يأتوا بها على أكمل الوجوه وأتمها ، و أن يكونوا أبناء وقتهم .
    قال الإمام السعدي ـ رحمه الله ـ في (القواعد الحسان)(ص: 111 ـ 112)
    (( القاعدة الحادية والأربعون: قصر النظر على الحالة الحاضرة
    يرشد الله عباده في كتابه من جهة العمل إلى قصر نظرهم على الحالة الحاضرة التي هم فيها، ومن جهة الترغيب في الأمر والترهيب من ضده إلى ما يترتب عليها من المصالح، ومن جهة النعم إلى النظر إلى ضدها.
    وهذه القاعدة الجليلة دعا إليها القرآن في آيات عديدة، وهي من أعظم ما يدل على حكمة الله، ومن أعظم ما يرقى العاملين إلى كل خير ديني ودنيوي، فإن العامل إذا اشتغل بعمله الذي هو وظيفة وقته، فإن قصر فِكره وظاهره وباطنه عليه نجح، ويتم له الأمر بحسب حاله.
    وإن نظر وتشوقت نفسه إلى أعمال أخرى لم يحن وقتها بعدُ فترت عزيمته، وانحلت همته وصار نظره إلى الأعمال الأخرى ينقص من إتقان عمله الحاضر وجمع الهمة عليه.
    ثم إذا جاءت وظيفة العمل الآخر جاءه وقد ضعفت همته وقل نشاطه، وربما كان الثاني متوقفاً على الأول في حصوله أو تكميله، فيفوت الأول والثاني، بخلاف من جمع قلبه وقالبه، وصار أكبر همه هو القيام بعمله الذي هو وظيفة وقته؛ فإنه إذا جاء العمل الثاني فإذا هو قد استعد له بقوة ونشاط ويتلقاه بشوق، وصار قيامه بالأول معونة على قيامه بالثاني.
    ومن هذا: قوله تعالى مصرحاً بهذا المعنى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} ، [النساء: من الآية77]
    فانظر كيف حالهم الأولى وأمنيتهم وهم مأمورون بكف الأيدي، فلما جاء العمل الثاني ضعفوا عنه كل الضعف.
    ونظير هذا ما عاتب الله به أهل أُحد في قوله: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} ، [آل عمران: 143] ، وقد كشف هذا المعنى كل الكشف قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} ، [النساء: 66] ، لأن فيه تكميلاً للعمل الأول، وتثبيتاً من الله، وتمرناً على العمل الثاني.
    ونظيره قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ {75} فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ {76} فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِم} ، [التوبة: 75/77] ،. فالله أرشد العباد أن يكونوا أبناء وقتهم، وأن يقوموا بالعمل الحاضر ووظيفته، ثم إذا جاء العمل الآخر صار وظيفة ذلك الوقت، فاجتمعت الهمة والعزيمة الصادقة عليه، وصار القيام بالعمل الأول معيناً على الثاني، وهذا المعنى في القرآن كثير. )) ا.هـ
    ([4]) ( دروس الشيخ العثيمين) (1/ 2 ـ 3)
    [5])) (دروس الشيخ العثيمين)(1/ 13)
    ([6]) قال الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في ( زاد المعاد )(1/ 21)
    (( وَكَذَلِكَ تَفْضِيلُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ، فَإِنَّ أَيَّامَهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» ) ، وَهِيَ الْأَيَّامُ الْعَشْرُ الَّتِي أَقْسَمَ اللَّهُ بِهَا فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ: {وَالْفَجْرِ - وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1 - 2] [الْفَجْرِ: 1 - 2] وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْإِكْثَارُ مِنَ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ» ـ انظر تخريج هذا الحديث في ( إرواء الغليل )(3/ 398 ـ 400) ـ
    وَنِسْبَتُهَا إِلَى الْأَيَّامِ كَنِسْبَةِ مَوَاضِعِ الْمَنَاسِكِ فِي سَائِرِ الْبِقَاعِ.
    وَمِنْ ذَلِكَ تَفْضِيلُ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ، وَتَفْضِيلُ عَشْرِهِ الْأَخِيرِ عَلَى سَائِرِ اللَّيَالِي، وَتَفْضِيلُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى أَلْفِ شَهْرٍ.
    فَإِنْ قُلْتَ: أَيُّ الْعَشْرَيْنِ أَفْضَلُ؟ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ، أَوِ الْعَشْرُ الْأَخِيرُ مِنْ رَمَضَانَ؟ وَأَيُّ اللَّيْلَتَيْنِ أَفْضَلُ؟ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، أَوْ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ؟ .
    قُلْتُ: أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ فَالصَّوَابُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: لَيَالِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ لَيَالِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَيَّامُ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ رَمَضَانَ، وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَزُولُ الِاشْتِبَاهُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ لَيَالِيَ الْعَشْرِ مِنْ رَمَضَانَ إِنَّمَا فُضِّلَتْ بِاعْتِبَارِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَهِيَ مِنَ اللَّيَالِي، وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ إِنَّمَا فُضِّلَ بِاعْتِبَارِ أَيَّامِهِ، إِذْ فِيهِ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ. )) ا.هـ
    ([7]) (دروس الشيخ العثيمين)(5/ 2)
    ([8]) انظر إلى (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان)(2/ 30)
    ([9]) (دروس الشيخ العثيمين)(5/ 2)
    ([10]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(21/ 37)
    ([11]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(24/ 243)
    ([12]) (دروس الشيخ العثيمين)(5/ 2)
    ([13]) قال الإمام الألباني مبينا علة الحديث في (تمام المنة )(ص: 353)
    (( فإنه عند الطبراني في "المعجم الكبير" من طريق خالد - وهو ابن الحارث البصري أو ابن عبد الله الواسطي - عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس.
    ويزيد هذا هو الهاشمي مولاهم وإنما روى له مسلم مقرونا ولم يحتج به ثم إن فيه ضعفا قال الحافظ:
    "ضعيف كبر فتغير صار يتلقن".
    ومما يدل على ضعفه في هذا الحديث أنه اضطرب في روايته فمرة رواه هكذا: "عن مجاهد عن ابن عباس"
    ومرة قال: "عن مجاهد عن ابن عمر".
    أخرجه أحمد رقم 1154.
    وقد تابعه على هذا الوجه موسى بن أبي عائشة.
    رواه أبو عوانة يعني في "صحيحه" كما في "الفتح" وهذه متابعة قوية تدل على ان للحديث أصلا عن ابن عمر فهو شاهد قوي لحديث ابن عباس الذي في الكتاب قبل هذا لكن لينظر هل توجد في رواية ابن أبي عائشة هذه الزيادة التي في آخره: "فأكثروا فيهن"؟ فإن وجدت فهي صحيحة وإلا في ضعيفة لتفرد يزيد بن أبي زياد بها والظاهر من كلام الحافظ في "الفتح" الأول فإنه بعد أن ذكر هذه الرواية من طريق أبي عوانة قال بعد صفحتين في آخر شرحه للحديث:
    "وقد وقع في رواية ابن عمر من الزيادة في آخره: فأكثروا فيهن من التهليل والتحميد".
    فإن المتبادر منه أنه يعني تلك الرواية التي كان عزاها قبل لأبي عوانة ثم ذكر الحافظ أن هذه الزيادة رويت في بعض طرق حديث ابن عباس. ولكنه ضعفها. والله أعلم.)) ا.هـ
    وقال في (إرواء الغليل )(3/ 397 ـ 399) عند تخريج حديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ـ يعنى أيام العشر ـ قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد فى سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد فى سبيل الله إلا رجل خرج بماله ونفسه , ثم لم يرجع من ذلك بشىء "
    (( وللحديث طريقان آخران عن ابن عباس ))
    فذكر الأول ، ثم قال : (( والآخر: يرويه خالد عن يزيد بن أبى زياد عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من أيام العشر , فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل " ، أخرجه الطبرانى فى " المعجم الكبير " (3/110/1) وأبو طاهر الأنبارى فى " المشيخة " (ق 160/2 و161/1) وقال المنذرى: (2/124) : " وإسناده جيد ".
    قلت: يزيد بن أبى زياد , وهوالكوفى الهاشمى فيه ضعف.
    قال الحافظ فى " التقريب ": " ضعيف , كبر فتغير , صار يتلقن ".
    قلت: وقد اضطرب فى إسناده , فرواه تارة عن مجاهد عن ابن عباس , كما فى رواية خالد هذه , وتارة قال: عن مجاهد عن ابن عمر به ، أخرجه الطحاوى وأحمد (2/75 و131) وعبد بن حميد فى " المنتخب من المسند " (ق 88/1) والمخلص فى " الفوائد المنتقاة " (11/240/1) من طرق عن زياد به.
    وهذا هو الصواب عن مجاهد عن ابن عمر , فقد ذكر الحافظ (2/381 ـ 382) أنه رواه أبو عوانة من طريق موسى بن أبى عائشة عن مجاهد فقال: عن ابن عمر , يعنى مثل حديث ابن جبير عن ابن عباس.
    ولكنى وجدت لحديث يزيد شاهدا عن أبى هريرة رفعه: " ما من أيام أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر: التسبيح والتهليل والتكبير ".
    أخرجه أبو عثمان البحيرى فى "الفوائد " (31/1 ـ 2) من طريق أحمد بن نيزك الطوسى , حدثنا الأسود حدثنا الأسود بن عامر حدثنا صالح بن عمر الواسطى عن محمد بن عمرو عن أبى سلمة عن أبى هريرة.
    قلت: وهذا سند حسن لولا أنى لم أعرف ابن نيزك هذا. )) ا.هـ
    ([14]) (مجموع فتاوى ابن باز)(15/ 419 ـ 420)
    ([15]) (دروس الشيخ العثيمين)(5/ 9)
    ([16]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(16/ 260 ـ 261)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    ما جاء في صوم عشر ذي الحجة
    سئل رحمه الله : هل ورد في الحديث حديث صحيح صيام العشر من ذي الحجة؟
    فأجاب : (( صيام العشر من ذي الحجة من الأعمال الصالحة ولا شك، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " .
    فيكون الصيام داخلاً في عموم هذا الحديث، على أنه ورد حديث في السنن حسَّنه بعضهم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصوم هذه العشر، أي: ما عدا يوم العيد، وقد أخذ بها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وهو الصحيح أي: أن صيامها سنة. )) ([1])
    وقال في ( الشرح الممتع )(6/ 469 ـ 467) (( ويسن صوم تسع ذي الحجة ، وتسع ذي الحجة تبدأ من أول أيام ذي الحجة، وتنتهي باليوم التاسع، وهو يوم عرفة ، ودليل استحبابها قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» والصوم من العمل الصالح.
    وقد ورد حديثان متعارضان في هذه الأيام، أحدهما أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن يصوم هذه الأيام التسعة ([2]) ، والثاني أنه كان يصومها ([3])، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله في التعارض بين هذين الحديثين: إن المثبت مقدم على النافي، ورجح بعض العلماء النفي؛ لأن حديثه أصح من حديث الإثبات، لكن الإمام أحمد جعلهما ثابتين كليهما، وقال: إن المثبت مقدم على النافي))
    ـ وسئل ـ رحمه الله ـ فضيلة الشيخ: هل ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم صيام عشر ذي الحجة كاملة؟
    فأجاب : (( ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما هو أبلغ من أن يصومها، فقد حث على صيامها بقوله عليه الصلاة والسلام: " ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله؛ إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء " ، ومن المعلوم أن الصيام من أفضل الأعمال الصالحة، حتى إن الله تعالى قال في الحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له، والحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" ، فيدخل في عموم قوله: "ما من أيام العمل الصالح فيهن." إلخ.
    أما فعله هو بنفسه فقد جاء فيه حديثان: حديث عائشة، وحديث حفصة، أما حديث عائشة فقالت: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صام العشر قط" ، وأما حديث حفصة فإنها تقول : " إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدع صيامها " ، وإذا تعارض حديثان أحدهما يثبت والثاني ينفي فالمثبت مقدم على النافي، ولهذا قال الإمام أحمد: حديث حفصة مثبت وحديث عائشة نافي والمثبت مقدم على النافي.
    وأنا أريد أن أعطيك قاعدة: إذا جاءت السنة في اللفظ فخذ بما دل عليه اللفظ، أما العمل فليس في الشرط أن نعلم أن الرسول فعله أو فعله الصحابة، ولو أننا قلنا: لا نعمل بالدليل إلا إذا علمنا أن الصحابة عملوا به لفات علينا كثيرٌ من العبادات، ولكن أمامنا لفظ وهو حجة بالغة واصل إلينا يجب علينا أن نعمل بمدلوله سواء علمنا أن الناس عملوا به فيما سبق أم لم يعملوا به.)) ([4])
    وأيضا قال في ( لقاء الباب المفتوح)(199/ 21) لما سئل ك
    الله يحسن إليك! هل ثبت عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه صام عشر ذي الحجة؟
    أجاب ـ رحمه الله ـ : (( أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر " بلغك؟
    السائل: نعم.
    الشيخ: هل الصيام من العمل الصالح؟ نعم، ما الذي أخرجه من هذا العموم؟
    هل قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إلا الصيام فلا تصوموا؟
    السائل: لا.
    الشيخ: إذاً ما الذي أخرجه من العموم؟!
    حديث عائشة: "ما رأيته صائماً قط " هي ما رأت لكن غيرها رآه، ففي حديثٍ آخر لإحدى أمهات المؤمنين تقول: " إن الرسول كان لا يدع صيامها " ، قال الإمام أحمد: والمثبت مقدم على النافي.
    ثم لو فرض أنه ما وجد ما يثبت أن الرسول عليه الصلاة والسلام صامه، فتدخل في العموم: " ما من أيامٍ العمل الصالح " ، وإذا قدرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما صامها فهذه قضية عين قد يكون الرسول ما صامها لاشتغاله بما هو أهم.
    وهنا قاعدة يجب أن نعمل بها: إذا جاءت النصوص اللفظية عامة فلا تسأل: هل عمل بها الصحابة أم لا؟ لأن الأصل أنهم عملوا بها، وعدم العلم بعملهم ليس علماً بعدم عملهم، فالأصل أنهم عملوا به.
    ثم لو فرض -وهو فرضٌ محال- أنهم لم يعملوا بها، فهل نحن نُسأل عن عمل الصحابة، أو عن قول الرسول يوم القيامة؟ عن قول الرسول، كما قال عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] هل يمكن لأي إنسان أن يجد حجة إذا سئل يوم القيامة عن قول من أقوال الرسول عليه الصلاة والسلام عامة هل يمكن أن يقول: يا رب! لم يعمل بها الصحابة، أو لا أدري هل عملوا بها أم لا؟ لا يمكن أن تكون هذه حجة، لذلك نحن نأسف في بعض الناس الذين شككوا المسلمين في هذه القضية، وقالوا: إن صيامها ليس بسنة.
    سبحان الله! أنا أخشى أن يعاقبهم الله عز وجل يوم القيامة، كيف يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: " ما من أيامٍ العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر " وندع العمل الصالح الذي قال الله تعالى: " إنه لي وأنا أجزي به " ، سبحان الله!
    لذلك يجب أن نرد هذه الدعوة على أعقابها فتنقلب خاسئة، ونقول لهذا الرجل نفس هذه الأسئلة التي وجهت إليك: هل الصوم من العمل الصالح أم لا؟
    هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عنه أم لا؟
    سيقول: لا.
    وإن قال: نعم.
    نقول: هات الدليل.
    سيقول: إنها من العمل الصالح في الصوم، وسيقول: لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم النهي عنها.
    فنقول: إذاً يجب أن نعمل بها.
    وهذه في الحقيقة مصيبة أن يكون الناس قد عملوا على عملٍ ليس فيه إثم بل فيه أجر، ثم يذهب بعض الناس يخالف ليذكر، فيأتي بما يخالف العادة التي هي أقرب للحق مما قال، وهذه مشكلة. ))
    قلت ( بشير) : إن لأئمة الحديث والفقه تأويلات وترجيحات محققة قوية في ترجيح وإثبات ما أثبته الشيخ ابن عثمين ـ رحمهم الله ـ من صيام عشر ذي الحجة ، وبينوا أن حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ ليس فيه دلالة واضحة صريحة على إسقاط هذه السنة المستحبة ، ولا ينهض على إسقاطها
    قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في (المجموع شرح المهذب)(6/ 387)
    (( فقال العلماء هو متأول على أنها لم تره ولا يَلْزَمْ مِنْهُ تَرْكُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكُونُ عِنْدَهَا فِي يَوْمٍ مِنْ تِسْعَةِ أَيَّامٍ وَالْبَاقِي عِنْدَ بَاقِي أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَوْ لَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ يَصُومُ بَعْضَهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَكُلَّهُ فِي بَعْضِهَا وَيَتْرُكُهُ فِي بَعْضِهَا لِعَارِضِ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الأحاديث )) ا.هـ
    قال العلامة الزركشي في ( الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة)(ص: 169) : (( قَالَ بَعْضُ الحفاظ يَحْتَمِل أن تَكُوْن عَائِشَة لَمْ تعلم بصيامه عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ كَانَ يقسم لتسع نسوة فلعله لَمْ يتفق صيامه فِي يَوْمها )) ا.هـ
    قال العلامة الشوكاني ـ رحمه الله ـ في (نيل الأوطار)(4/ 283)
    (( فَقَالَ الْعُلَمَاءُ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهَا لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا، أَوْ أَنَّ عَدَمَ رُؤْيَتِهَا لَهُ صَائِمًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَمَ، عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ صَوْمِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَلَا يَقْدَحُ فِي ذَلِكَ عَدَمُ الْفِعْلُ.)) ا.هـ
    قال العلامة المباركفورى ـ رحمه الله ـ في (تحفة الأحوذي)(3/ 385)
    (( قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مَا لَفْظُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ قَالَ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ
    كَمَا رَوَاهُ الصَّحِيحَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا )) ا.هـ
    وجاء في (الروضة الندية والتعليقات الرضية)(2/ 30)( تعليق الإمام الألباني ) : (( [صيام تسع ذي الحجة] :
    (وتسع ذي الحجة) : لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث حفصة عند أحمد، والنسائي، قالت: أربع لم يكن يدعهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر.
    وأخرجه أبو داود بلفظ: كان يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل كل شهر، وأول اثنين من الشهر والخميس ([5]) .
    وقد أخرج مسلم عن عائشة، أنها قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صائما في العشر قط.
    وفي رواية: لم يصم العشر قط.
    وعدم رؤيتها وعلمها لا يستلزم العدم.
    وآكد التسع يوم عرفة. )) ا.هـ
    يتبع إن شاء الله
    ([1]) (لقاء الباب المفتوح)(24/ 21)
    ([2]) ذلك فيما أخرجه الإمام مسلم في (صحيحه)(2/ 833) : حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ - قَالَ إِسْحَاقُ: أَخْبَرَنَا، وَقَالَ الْآخَرَانِ: - حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ»
    ([3]) وذلك فيما أخرجه الإمام أبو داود في (السنن) (2/ 325)
    حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْحُرِّ بْنِ الصَّيَّاحِ، عَنْ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ امْرَأَتِهِ، عَنْ بَعْضِ، أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ، وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسَ»
    قال الإمام الألباني في (صحيح أبي داود)(7/ 196) : إسناده صحيح .
    ([4]) (لقاء الباب المفتوح)(92/ 12)
    ([5]) قال الألباني معلقا : هذا لفظ أبي داود، وأخرجه النسائي بلفظ: ثم الخميس، ثم الخميس؛ مرتين، وإسناده صحيح ، وقد وقع في إسناد هذا الحديث ومتنه اختلاف، بينته في " التعليقات الجياد "
    (4 / 38) ؛ ورجحت فيه ما علقته هنا من رواية النسائي.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    مسألة : حكم تخصيص بعض أيام العشر بالصيام ، وهل يلزم إتمام العشر .
    سئل الشيخ : ما حكم من يصوم يوماً ويفطر يوماً في عشر ذي الحجة، أو يصوم يوم السابع والثامن والتاسع فقط وينوي بها صيام ثلاثة أيام من الشهر؟ وهل يلزم من صام يوماً منها أن يصومها كلها فإن هذا يتناقله بعض العوام؟
    فأجاب :(( إذا صام يوماً وأفطر يوماً من عشر ذي الحجة لا باعتقاد أنه سنة فهذا لا بأس به، لأن الإنسان قد يكون له أشغال ويحب أن يفطر فيما بين صيامه لينشط على شغله، وأما إن اتخذ ذلك سنة فهذا لا يجوز؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا صيامها كاملة، وأما إذا صام الثلاثة الأخيرة من التسعة وهي السابع والثامن والتاسع بنية أنها عن ثلاثة أيام من كل شهر فهذا أيضاً لا بأس به.
    أما إذا صامها بالنية التي يقولها العوام وهو صيام ثلاث من ذي الحجة فهذا لا أصل له ولم يرد بما يتعلق بصيام عشر ذي الحجة إلا صيام الجميع أو صيام يوم عرفة، أما تخصيص ثلاثة أيام على أنها ثلاث ذي الحجة فهذا لا أصل له، فتخصيص ثلاثة أيام إذا كان الإنسان خصصها من أجل أن يجعلها عن الأيام الثلاثة من كل شهر فهذا لا بأس به؛ لأن ثلاثة أيام من كل شهر كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يبالي أن يصومها من أول الشهر أو وسطه أو آخره.
    وأما من صامها باعتقاد أن السابع والثامن والتاسع من هذا الشهر يسن صومه فهذا لا أصل له.
    وأما من صامها سنة من السنوات فلا يلزمه أن يصومها في المستقبل؛ لأن كل نفل قام به الإنسان في وقت فإنه لا يلزمه أن يقوم به في كل وقت لأنه نفل إن شاء فعله وإن شاء تركه، لكن ينبغي للإنسان إذا عمل عملاً أن يثبته وأن يستمر فيه، ولا يلزم من صام يوماً من العشر أن يصومها كلها، من صام يوماً وتركها فلا حرج عليه لأنه صيام نفل، والنفل -كما قلت- يجوز للإنسان أن يستمر فيه وأن يقطعه لأنه ليس بواجب. )) ا.هـ ([1])
    وسئل ـ رحمه الله ـ : امرأة كبيرة في السن تصوم العشر الأُوَل من ذي الحجة دائماً في كل سنة إلا هذه السنة، تقول: ما أنا بصائمة إلا ثلاثة أيام أو أربعة أيام، فهل عليها إثم؟
    فأجاب : (( المرأة التي كانت تعتاد أن تصوم العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة، وهذه السنة كان فيها ما يمنع من مرض، أو تعب، أو كِبَر في السن، أو ما أشبه ذلك، نقول لها: إن النوافل لا تُلْزِم الإنسان، حتى وإن كان صحيحاً، فلو كان من عادة الإنسان أن يصوم البيض -مثلاً- ولكن لم يتمكن هذا الشهر، أو كسل عنها، فلا حرج عليه أن يدعها؛ لأنها نافلة؛ لكن إذا ترك الإنسان هذه النافلة لعذر كُتب له أجرُها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن مرض أو سافر كُتِب له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً " )) ا.هـ ([2])



    يتبع إن شاء الله


    ([1]) (دروس الشيخ العثيمين)(5/ 26)

    ([2]) (لقاء الباب المفتوح)(3/ 15)


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    بَابُ الرَّجُلِ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ فِي الْعَشْرِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُضَحِّيَ ([1])
    إن مما ثبت في هذه العشر الفاضلة من الأعمال الجليلة والفضائل النبيلة ، غير ما ذكر ما جاء فيها من الحج والصيام والذكر وغير ذلك من الأعمال الصالحة الفاضلة ، أنه ثبت فيها أيضا أن الإنسان الذي يريد أن يضحي فإنه يحرم عليه أن يأخذ من شعره، و من ظفره، و من بشرته إلى أن يضحي .
    قال الإمام ابن عثيمين : (( هذه العشرة إذا دخلت والإنسان يريد أن يضحي فإنه لا يأخذ من شعره، ولا من ظفره، ولا من بشرته شيئاً، كل هذه لا يأخذ منها إذا كان يريد أن يضحي.
    فأما الذي يضحى عنه فلا حرج عليه، وعلى هذا فإذا أراد الإنسان أن يضحي عنه وعن أهل بيته بأضحية واحدة كما هي السنة، فإن أهل البيت لا يلزمهم أن يمسكوا عن الشعر، وعن الظفر، وعن البشرة، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإذا أراد أحدكمِ أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من بشرته ولا من ظفره شيئاً" فوجه الخطاب لمن يريد أن يضحي .)) ([2])
    وقال في (لقاء الباب المفتوح)(228/ 6)
    (( اعلم أنه إذا دخل العشر -أعني عشر ذي الحجة- وأنت تريد الأضحية، فقد نهاك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن تأخذ شيئاً من شعرك أو ظفرك أو بشرتك، البشرة ما هي يا أخي؟ المسئول: الجلد.
    الشيخ: هل الإنسان يأخذ من جلده؟
    المسئول: الشعر.
    الشيخ: لا.
    يقول: "لا يأخذ من شعره ولا من ظفره ولا من بشرته " .
    المسئول: لا أدري.
    الشيخ: النبي صلى الله عليه وسلم كلامه جد، فكيف قال: ولا من بشرته؟ من يعرف؟
    مسئول: تقصير شيء من جلده.
    الشيخ: كيف يقطع شيئاً من جلده.
    المسئول: إذا كان فيه ألم فيجوز قطعه.
    الشيخ: ما وصلنا إلى متى يجوز، لكن كيف يتصور أن يقطع جلده؟
    المسئول: يعني إذا أصابه شيء واحتاج إلى قطع.
    الشيخ: لا.
    إذا احتاج هذا فلا بأس جائز.
    المسئول: القشرة الزائدة على سطح الجلد.
    الشيخ: نعم.
    المسئول: بعض الناس حافة القدم يكون فيه جلد زائد، فيقشرونه ويأخذون الزائد.
    الشيخ: هو على كل حال أمر متصور، أحياناً كما قال الأخ: توجد قشرة منجرحة من قبل وجفت وصار عليها شيء متجمد لا تأخذه، هذه واحدة.
    الثاني: بعض الناس يكون في أقدامه ولا سيما في أعقابه شقوق فيبدأ يقشرها، فلا تفعل، أما لو انسلخ شيء من الجلد وآذاك فلا بأس أن تقص ما يؤذيك؛ لأن هذا لحاجة، وهذا الحكم أعني النهي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة خاص بمن يضحي فقط، أما من يضحى عنه فلا بأس أن يأخذ، وعلى هذا فعلى الإنسان إذا أراد أن يضحي عنه وعن أهل بيته فالحكم يتعلق به هو نفسه، أما أهل البيت فلا حرج عليهم أن يأخذوا من ذلك شيئاً، خلافاً لمن قال من العلماء: إن من يضحى عنه كمن يضحي، أي يتجنب الأخذ من هذه الأشياء، فإن هذا القول ضعيف لأن الحديث صريح: "إذا أراد أحدكم أن يضحي" ، ولم يقل: أو يضحى عنه.
    ثم إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يضحي عنه وعن أهل بيته ولم ينههم عن ذلك.)) ا.هـ
    حكم ترك الأخذ من الشعر والظفر والبشرة
    سئل الشيخ : بارك الله فيكم هذه رسالة من المستمع عبد الرحمن عبد الهادي العتيبي من البجادية يقول ما مدى صحة الحديث الذي معناه أن من أراد أن يضحي أو يضحى عنه فلا يأخذ من شعره أو ظفره شيئاً حتى يضحي وذلك من أول أيام عشر ذي الحجة ..، وهل هذا النهي يصل إلى درجة التحريم أم أنه للاستحباب ..؟
    فأجاب ـ رحمه الله تعالى ـ : (( هذا الحديث صحيح رواه مسلم ، وحكمه التحريم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من ظفره شيئاً " ، وفي روايةٍ :"ولا من بشره" ، والبشر الجلد ، يعني أنه لا ينتف شيئاً من جلده كما يفعله بعض الناس ينتف من عقبه من قدمه فهذه الثلاثة هي محل النهي الشعر والظفر والبشرة ، والأصل في نهي النبي صلى الله عليه وسلم التحريم حتى يرد دليلٌ يسقطه إلى الكراهة أو غيرها ، وعلى هذا فيحرم على من أراد أن يضحي أن يأخذ في العشر من بشرته أو شعره أو ظفره شيئاً حتى يضحي ، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده لأنه لما فات أهل المدن والقرى والأمصار لما فاتهم الحج والتعبد لله سبحانه وتعالى بترك الترفه شرع لمن في الأمصار هذا الأمر شرعه لهم ليشاركوا الحجاج في بعض ما يتعبدون لله تعالى بتركه .
    وإنما قلت ذلك لأنه لا يجوز لإنسان أن يتعبد بترك شيء أو بفعل شيء إلا بنصٍ من الشرع ، فلو أراد أحدٌ أن يتعبد لله تعالى في خلال عشر أيام بترك تقليم الأظفار أو الأخذ من شعره أو بشرته لو أراد أن يتعبد بدون دليل شرعي لكان مبتدعاً آثماً ، فإذا كان بمقتضى دليل شرعي كان مثاباً مأجوراً لأنه تعبد لله تعالى بهذا الترك ، وعلى هذا فاجتناب الإنسان الذي يريد أن يضحي الأخذ من شعره وبشرته وظفره يعتبر طاعةً لله ورسوله مثاباً عليها ، وهذه من نعمة الله بلا شك .
    وهذا الحكم إنما يختص بمن أراد أن يضحي فقط ، أما من يضحى عنه فلا حرج عليه أن يأخذ وذلك لأن الحديث إنما ورد لو أراد أحدكم أن يضحي فقط ، فيقتصر على ما جاء به النص ،
    ثم إنه قد علم أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل أنه كان ينهاهم عن أخذ شيء من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم ، فدل هذا على أن هذا الحكم خاصٌ بمن يريد
    أن يضحي )) ([3])
    وقال أيضا : (( ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال :" إذا دخلت العشر يعني عشر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذن من شعره ولا من ظفره شيئاً " ، وفي رواية " ولا من بشرته شيئاً " ، وهذا نهي والأصل في النهي التحريم حتى يقوم دليل على أنه لغير التحريم )) ا.هـ ([4])
    مسألة : القائم بالوصية والوكيل هل يشمله هذا الحكم ؟
    قال الإمام في نفس المصدر السابق : (( إن المراد ـ أي : بالترك الذي ورد في الحديث ـ من أراد أن يضحي عن نفسه لا من أراد أن يضحي وصيةً لآبائه أو أجداده أو أحدٍ من أقاربه ، فإن هذا ليس مضحياً في الحقيقة ، ولكنه وكيلٌ لغيره فلا يتعلق به حكم الأضحية ، ولهذا لا يثاب على هذه الأضحية ثواب المضحي إنما يثاب عليها ثواب المحسن الذي أحسن إلى أمواته وقام بتنفيذ وصاياهم .
    ثم إنه نسمع من كثيرٍ من الناس من العامة ، أن من أراد أن يضحي وأحب أن يأخذ من شعره
    أو من ظفره أو من بشرته شيئاً يوكل غيره في التضحية ، وتسمية الأضحية ويظن أن هذا يرفع عنه النهي وهذا خطأ ، فإن الإنسان الذي يريد أن يضحي ، ولو وكل غيره لا يحل له أن يأخذ شيئاً من شعره أو بشرته أو ظفره )) ا.هـ ([5])
    ـ وقال لما سئل فضيلته : هل يلزم الوكيل ما يلزم الموكل (صاحب الأضحية) من تجنب الأخذ من الشعر والظفر والبشرة؟
    فأجاب- رحمه الله- بقوله : (( أحكام الأضحية تتعلق بالموكِّل بمعنى أن الإنسان إذا وكل شخصا يذبح أضحيته فإن أحكام الضحية تكون متعلقة بالموكل لا بالوكيل، فلا يلزم الوكيل تجنب الأخذ من الشعر والظفر والبشرة. )) ([6])
    النهي عن الأخذ من الشعر والظفر والبشرة يشمل الرجال والنساء
    سئل ـ رحمه الله ـ : أسألك عن مشط شعر المرأة في أيام ذي الحجة؟
    الشيخ: تريد أن تُضَحِّي؟
    السائل: نعم.
    الشيخ: أو سيُضَحَّى عنها؟
    السائل: تُضَحِّي أو يُضَحَّى عنها.
    الشيخ: إن كانتِ تريد أن تُضَحِّي لا تمشط الشعر حتى لا يتساقط.
    السائل: لا تمشطه نهائياً؟
    الشيخ: أما إذا كانت سيُضَحَّى عنها فلا بأس أن تمشط.
    السائل: إن كانت سيُضَحِّي عنها زوجها أو أبوها أو أخوها؟
    الشيخ: لا بأس بذلك، تمشط ولا عليها.
    السائل: تمشط ولا عليها.
    الشيخ: إي نعم.
    السائل: وقص الأظافر؟
    الشيخ: مثل الشعر ، وهلمَّ جرَّا. ا.هـ ([7])
    وسئل : امرأة تريد أن تضحي ولكنها لا تستطيع ترك رأسها دون تسريح لمدة أيام، لأنه ربما تساقط معظمه، فهل يجوز لها تسريحه مع المحافظة أو المحاولة على عدم سقوطه، وأحياناً ربما يكون عليها غسل واجب؟
    فأجاب : نعم ، إذا كان يشق عليها أن تبقى بدون تسريح لمدة عشرة أيام فإن لها أن تسرحه لكن برفق، وإذ سقط شيء من التسريح بغير قصد فلا شيء عليها .
    ولكن تأتي مسألة تعدد الضحايا في البيت الواحد، هذه المرأة كيف تضحي وعندها قيم البيت؟!
    إذا كان عندها قيم في بيتها فإن أضحية القيم تجزئ عنها، لكن قد تكون أحياناً هي قيمة البيت ليس في البيت رجل، هي التي تقوم بالبيت، لأنه ليس عندها رجال فحينئذ تكون أضحيتها في محلها، ويلزمها أن تتجنب أخذ الشعر والظفر والبشرة ولكن لها أن تسرح شعرها إذا كان يشق عليها تركه ويكون التسريح برفق.)) ([8])
    وقال : (( أنبه إلى ما يظنه بعض الناس: أن المرأة إذا كدت رأسها في أيام العشر فلا أضحية لها، فهذا أيضًا غلط وليس بصحيح، المرأة إذا كانت تريد أن تضحي فلها أن تكد شعرها لكن برفق، وإذا سقط منه شيء بغير اختيار فلا شيء عليها، وإن كانت تخشى أنه لا يمكن كده إلا بسقوط شعر فلا تكده، ولكن تغسله بالماء وتعصره وتنظفه. )) ([9])
    مسألة :
    قال الإمام : (( إن بعض النساء في هذه الحال يسألن عمن طهرت في أثناء هذه المدة وهي تريد أن تضحي فماذا تصنع في رأسها نقول لها تصنع في رأسها أنها تنقضه وتغسله وترويه ولا حاجة إلى تسريحه وكده فإنه لا ضرورة إلى ذلك وإن كدته تكده برفق من أجل إصلاح الشعر )) ([10])
    الحكمة من ترك الأخذ من الشعر والظفر والبشرة في العشر
    قال الإمام : (( فإن قال قائل ما الحكمة من ترك الأخذ في العشر ؟
    قلنا الجواب على ذلك من وجهين :
    الوجه الأول : أن الحكمة هو نهي الرسول عليه الصلاة والسلام ولا شك أن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الشيء حكمة وأن أمره بالشيء حكمة وهذا كاف لكل مؤمن ولقوله تعالى :{ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا }، وفي الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن امرأة سألتها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة فقالت :" كان يصيبنا ذلك ـ يعني في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " ، وهذا الوجه هو الوجه الأَسَدُّ ، وهو الوجه الحازم الذي لا يمكن الاعتراض عليه ، وهو أن يقال في الأحكام الشرعية الحكمة فيها أن الله ورسوله أمر بها .
    أما الوجه الثاني : في النهي عن أخذ الشعر والظفر والبشرة في هذه الأيام العشر ، فلعله والله أعلم من أجل أن يكون للناس في الأمصار نوع من المشاركة مع المحرمين بالحج والعمرة في هذه الأيام لأن المحرم بحج أو عمرة يشرع له تجنب الأخذ من الشعر والظفر والله أعلم.)) ا.هـ [11]
    وقال : (( أهل البلاد الأخرى يشاركون الحجاج في الذكر في هذه الأيام العشر، فبينما الحجاج تعج أصواتهم بالتلبية تعج أصوات أهل البلاد الأخرى بالتهليل والتكبير.
    وبينما الحجاج والعمار يعظمون الله عز وجل بترك أخذ الشعور، نجد أن أهل البلاد الذين يضحون ويتقربون إلى الله بترك أخذ الشعور والأظفار والجلود، فمن دخل عليه العشر وأراد أن يضحي؛ فإنه لا يأخذ من شعره ولا من بشرته ولا من ظفره شيئاً حتى يضحي.
    أهل الحج يذبحون يوم العيد هداياهم، وأهل البلاد يذبحون يوم العيد ضحاياهم )) ([12] )
    وسئل فضيلته - رحمه الله-: ما الحكمة في عدم حلق الشعر وقص الأظفار للمضحي؟
    فأجاب بقوله: (( ذكر بعض العلماء أن من الحكمة أن يبقى كامل الأجزاء ليشمل العتق جميع بدنه.
    والحكمة الحقيقية التي لا تنتقض هي: امتثال أمر الله تعالى، ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكفى بها حكمة.)) ا.هـ ([13])
    مسألة : من تعمد الأخذ شيئا من شعره وبشرته وظفره هل تجزئ أضحيته ، وما حكمه ، وحكم من يحلق لحيته ؟
    قال الإمام : (( إذا أخذ شيئًا من ذلك عمدًا فهو عاص لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لكن الأضحية مجزئة، لأنه لا علاقة بين الأضحية والأخذ من الشعر أو الظفر أو البشرة.)) ا.هـ ([14])
    وقال : (( فلو أن الإنسان تعمد وأخذ من شعره وأظفاره وضحى، فإن الأضحية تجزئه لكن يكون
    آثماً بكونه أخذ من شعره وأظفاره لنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك)) ([15])
    ـ سئل فضيلته -: ما حكم من حلق يوم عيد الأضحى قبل ذهابه إلى الصلاة علمًا أنه نصح عن ذلك ولكنه أصر على الحلق قبل الصلاة؟
    فأجاب بقوله: (( حكمه أن عاص للرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره، ولا بشرته، ولا من ظفره شيئا"، فعليه أن يتوب إلى الله تعالى مما صنع.
    وأما بالنسبة للأضحية فإن هذا لا يؤثر عليها شيئًا، خلافًا لما يعتقده بعض العامة أن الإنسان إذا أخذ شيئًا من شعره أو ظفره في العشر فإنها تبطل أضحيته، فإن هذا ليس بصحيح. )) ([16])
    ـ و سئل فضيلته : من يحلق لحيته هل تجزئ أضحيته؟
    فأجاب بقوله: (( نصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله عز وجل سواء أرادوا الأضحية أو لا، فالواجب عليهم أن يتقوا الله وأن يمتثلوا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: "خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وحفوا الشارب" ([17]) ، وليعلموا أن إعفاء اللحية من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - وحلقها من هدي المشركين، ولو سألنا من يؤمن بالله ورسوله أتقدم هدي
    المشركين على هدي سيد المرسلين، لقال: لا.
    فإذا كان يقول: لا أقدم هدى المشركين أبداً، فلماذا لا يكون عنده عزيمة ويتقي الله؟!
    ولهذا كان من المؤسف جدًّا أنك تجد بعض الناس حريصًا على صلاة الجماعة أو الصيام- يصوم إما أيام البيض، أو يومًا بعد يوم، ويتصدق، وصاحب خير وخلق حسن، ومع ذلك ابتلي بحلق اللحية ، فصار حلق اللحية نقصًا في أخلاقه وفي دينه أيضًا.
    فالواجب تقوى الله عز وجل، ولعل امتناعه من حلق لحيته في العشر الأولى من ذي الحجة يكون سببًا في امتناعه من ذلك دائم الدهر؛ لأنه يعينه، إذ أن بقاء اللحية عشرة أيام لا تحلق سوف يكون لها أثر وتبين وتظهر، وحينئذ يسهل عليه أن يعفيها وألا يحلقها، لكن أقبح من ذلك أو بعض الناس يقول: لا أضحي، لأني لو نويت الأضحية امتنعت من حلق اللحية، فنعوذ بالله من هذا الفعل، يترك الخير من أجل فعل الشر، وهذا غلط عظيم، فنقول: ضح ولو عصيت الله بحلق اللحية، الأضحية شيء، وحلق اللحية شيء اَخر. )) ([18])
    مسألة : منْ لم ينو الأضحية إلا بعد دخول العشر وقد أخذ من شعره ، وكذا من قد نوى من أول الشهر ولكنه نسي فأخذ ، هل تجزئ أضحيته ؟
    سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: منْ لم ينو الأضحية إلا بعد دخول العشر وقد أخذ من شعره فهل تجزئ أضحيته؟
    فأجاب بقوله: (( أقول إن الإنسان إذا لم يطرأ عليه الأضحية إلا في أثناء العشر، وكان قد أخذ من شعره وأظفاره قبل ذلك، فلا حرج عليه أن يضحي، ولا يكون آثمًا بأخذ ما أخذ من أظفاره وشعره، لأنه قبل أن ينوي، وكذلك لو كان قد نوى من أول الشهر ولكنه نسي فأخذ من شعره وأظفاره فإن ذلك لا يمنعه من الأضحية، ولا ارتباط بين أخذ الشعر والأظفار والأضحية)) ([19])
    وقت الإباحة للأخذ من الشعر والظفر والبشرة في عشر ذي الحجة
    سئل الإمام : إلى متى يمتد النهي عن الأخذ من الشعر والظفر والبشرة في عشر ذي الحجة؟
    فأجاب بقوله: (( يمتد إلى أن يضحي، فإذ ضحى زال النهي.)) ([20])

    يتبع إن شاء الله




    ([1]) كذا جاء تبويبه في (سنن أبي داود)(3/ 94)

    ([2]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(21/ 37)

    ([3])(مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 139 ـ 140)

    ([4]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 141 ـ 142)

    ([5]) نفس المصدر (25/ 140)

    ([6]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 155)

    ([7]) (دروس الشيخ العثيمين)(9/ 47)

    ([8]) (دروس الشيخ العثيمين)(5/ 22)

    ([9]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 149)

    ([10])(مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 141)

    ([11]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 142 ـ 143)

    ([12]) (اللقاء الشهري)(10/ 9)

    ([13]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 143)

    ([14] ) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 146)

    ([15]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 150)

    ([16]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 151 ـ 152)

    ([17]) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب تقليم الأظفار، (5892) . ومسلم، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة، (258) .

    ([18]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 148 ـ 149)

    ([19]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 150)

    ([20]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 152)


  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    باب صيام يوم عرفة [1]

    حكمه
    قال في (الشرح الممتع)(6/ 470 ـ 471) عند شرح قول المصنف «وآكده يوم عرفة» : (( أي: آكد تسع ذي الحجة، صيام يوم عرفة لغير حاج بها، ويوم عرفة هو اليوم التاسع، وإنما كان آكد أيام العشر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال صلّى الله عليه وسلّم: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» ([2]) وعلى هذا فصوم يوم عرفة أفضل من صوم عاشوراء؛ لأن صوم عاشوراء قال فيه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله» فقط ... فالصواب أن صوم يوم عرفة للحاج مكروه، وأما لغير الحاج فهو سنة مؤكدة. )) ا.هـ
    ـ وسئل : ما حكم صيام يوم عرفة لغير الحاج والحاج؟
    فأجاب فضيلته بقوله: (( صيام يوم عرفة لغير الحاج سنة مؤكدة، فقد سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم يوم عرفة فقال: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» وفي رواية: «يكفر السنة الماضية والباقية»
    وأما الحاج فإنه لا يسن له صوم يوم عرفة، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مفطراً يوم عرفة في حجة الوداع، ففي صحيح البخاري عن ميمونة رضي الله عنها أن الناس شكوا في صيام النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم عرفة فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون.)) ([3])
    مسألة : إذا اختلفت مطالع الهلال بين المملكة العربية السعودية وبلد آخر، فعلى أي رؤية يصوم أهل هذا البلد الآخر يوم عرفة ؟
    سئل الإمام - رحمه الله تعالى -: إذا اختلف يوم عرفة نتيجة لاختلاف المناطق المختلفة في مطالع الهلال فهل نصوم تبع رؤية البلد التي نحن فيها أم نصوم تبع رؤية الحرمين؟
    فأجاب فضيلته بقوله: (( هذا يبنى على اختلاف أهل العلم: هل الهلال واحد في الدنيا كلها أم هو يختلف باختلاف المطالع؟
    والصواب أنه يختلف باختلاف المطالع، فمثلاً إذا كان الهلال قد رؤي بمكة، وكان هذا اليوم هو اليوم التاسع، ورؤي في بلد آخر قبل مكة بيوم وكان يوم عرفة عندهم اليوم العاشر ، فإنه لا يجوز لهم أن يصوموا هذا اليوم لأنه يوم عيد، وكذلك لو قدر أنه تأخرت الرؤية عن مكة وكان اليوم التاسع في مكة هو الثامن عندهم، فإنهم يصومون يوم التاسع عندهم الموافق ليوم العاشر في مكة، هذا هو القول الراجح، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: «إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا» وهؤلاء الذين لم يُر في جهتهم لم يكونوا يرونه، وكما أن الناس بالإجماع يعتبرون طلوع الفجر وغروب الشمس في كل منطقة بحسبها، فكذلك التوقيت الشهري يكون كالتوقيت اليومي .)) ([4])
    ـ وسئل ـ رحمه الله ـ : فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله تعالى
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
    فأسأل الله لكم العون ودوام التوفيق.
    وأفيد فضيلتكم بأنا من موظفي سفارة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تعالى في.... ونحن هنا نعاني بخصوص صيام شهر رمضان المبارك وصيام يوم عرفة، وقد انقسم الأخوة هناك إلى ثلاثة أقسام:
    1 قسم يقول: نصوم مع المملكة ونفطر مع المملكة.
    2 قسم يقول نصوم مع الدولة التي نحن فيها ونفطر معهم.
    3 قسم يقول: نصوم مع الدولة التي نحن فيها رمضان، أما يوم عرفة فمع المملكة.
    وعليه آمل من فضيلتكم الإجابة الشافية والمفصلة لصيام شهر رمضان المبارك، ويوم عرفة مع الإشارة إلى أن دولة ... وطوال الخمس سنوات الماضية لم يحدث وأن وافقت المملكة في الصيام لا في شهر رمضان ولا في يوم عرفة، حيث إنه يبدأ صيام شهر رمضان ويوم عرفة هنا في.... بعد إعلانه في المملكة بيوم أو يومين، وأحياناً ثلاثة أيام، حفظكم الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.؟
    فأجاب : بسم الله الرحمن الرحيم
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    اختلف العلماء رحمهم الله فيما إذا رؤي الهلال في مكان من بلاد المسلمين دون غيره، هل يلزم جميع المسلمين العمل به، أم لا يلزم إلا من رأوه ومن وافقهم في المطالع، أو من رأوه، ومن كان معهم تحت ولاية واحدة، على أقوال متعددة، وفيه خلاف آخر.
    والراجح أنه يرجع إلى أهل المعرفة، فإن اتفقت مطالع الهلال في البلدين صارا كالبلد الواحد، فإذا رؤي في أحدهما ثبت حكمه في الآخر، أما إذا اختلفت المطالع فلكل بلد حكم نفسه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وهو ظاهر الكتاب والسنة ومقتضى القياس:
    أما الكتاب : فقد قال الله تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فمفهوم الآية: أن من لم يشهده لم يلزمه الصوم.
    وأما السنة : فقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا» ، مفهوم الحديث إذا لم نره لم يلزم الصوم ولا الفطر.
    وأما القياس : فلأن الإمساك والإفطار يعتبران في كل بلد وحده وما وافقه في المطالع والمغارب، وهذا محل إجماع، فترى أهل شرق آسيا يمسكون قبل أهل غربها ويفطرون قبلهم، لأن الفجر يطلع على أولئك قبل هؤلاء، وكذلك الشمس تغرب على أولئك قبل هؤلاء، وإذا كان قد ثبت هذا في الإمساك والإفطار اليومي فليكن كذلك في الصوم والإفطار الشهري ولا فرق.
    ولكن إذا كان البلدان تحت حكم واحد وأمر حاكم البلاد بالصوم، أو الفطر وجب امتثال أمره؛ لأن المسألة خلافية، وحكم الحاكم يرفع الخلاف.
    وبناء على هذا صوموا وأفطروا كما يصوم ويفطر أهل البلد الذي أنتم فيه سواء وافق بلدكم الأصلي أو خالفه، وكذلك يوم عرفة اتبعوا البلد الذي أنتم فيه.
    كتبه محمد الصالح العثيمين في 28/8/1420 هـ.)) ([5])
    ـ وسئل : بسم الله الرحمن الرحيم
    سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظكم الله
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    فقد اطلعنا على فتوى سماحتكم في كتاب «فتاوى إسلامية» حول رؤية الهلال في بلد لا تلزم جميع البلاد بأحكامه ، فهل ينطبق هذا على رؤية هلال عيد الأضحى (شهر ذي الحجة) أفيدونا مأجورين.؟
    فأجاب : (( بسم الله الرحمن الرحيم
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    الهلال تختلف مطالعه بين أرض وأخرى في رمضان وغيره، والحكم واحد في الجميع، لكني أرى أن يتفق الناس على شيء واحد، وأن يتبعوا ما يقوله أمير الجالية الإسلامية في بلاد غير المسلمين؛ لأن الأمر في هذا واسع إن شاء الله، حيث إن بعض العلماء يقول: متى ثبتت رؤية الهلال في بلد الإسلام في أي قطر لزم الحكم جميع المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية. كتبه محمد الصالح العثيمين في 15/2/1421 هـ. )) ([6])
    مسألة:
    دخول شهر ذي الحجة لا يثبت إلا بشاهدين، فلو رآه شخص وحده لم يثبت دخول الشهر بشهادته؛ وعلى هذا فإذا وقف رجل بعرفة في اليوم التاسع عنده الذي هو الثامن عند الناس فإن ذلك لا يجزئه. وإن أراد أن يصوم اليوم التاسع عنده الذي هو عند الناس الثامن بنية أنه يوم عرفة، فإن ذلك لا يجزئه عن صوم يوم عرفة، ولو صام اليوم التاسع عند الناس الذي هو العاشر عنده، هل يجوز أن يصومه؟
    الجواب: نعم يجوز أن يصومه؛ لأنه وإن كان عنده حسب رؤيته العاشر فإنه عند الناس التاسع، فلم يثبت شرعاً دخول شهر ذي الحجة بشهادة هذا الرجل، وعلى هذا فإذا وقف في العاشر عنده، وهو التاسع عند الناس أجزأه الوقوف . ([7])
    قلت (بشير) : ما أشار إليه وبينه الشيخ بخصوص هذه المسألة هو الذي عليه أهل التحقيق من أئمة الإسلام وقدوة الأنام .
    سُئِلَ الإمام ابن تيمية ـ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -:([8]) عَنْ رَجُلٍ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ وَتَحَقَّقَ الرُّؤْيَةَ: فَهَلْ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَحْدَهُ؟ أَوْ يَصُومَ وَحْدَهُ؟ أَوْ مَعَ جُمْهُورِ النَّاسِ؟
    فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، إذَا رَأَى هِلَالَ الصَّوْمِ وَحْدَهُ أَوْ هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ فَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ؟
    أَوْ يُفْطِرَ بِرُؤْيَةِ نَفْسِهِ؟ أَمْ لَا يَصُومُ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ؟
    عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ هِيَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ أَحْمَد:
    أَحَدُهَا: أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ وَأَنْ يُفْطِرَ سِرًّا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ.
    وَالثَّانِي: يَصُومُ وَلَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ النَّاسِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبَ أَحْمَد وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
    وَالثَّالِثُ: يَصُومُ مَعَ النَّاسِ وَيُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَهَذَا أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنِ مَاجَه وَذَكَرَ الْفِطَرَ وَالْأَضْحَى فَقَطْ. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ المقبري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: {الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطَرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ} قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَالَ: وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ: إنَّمَا مَعْنَى هَذَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعُظْمِ النَّاسِ.... فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْهِلَالَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ إذَا اسْتَهَلَّ بِهِ النَّاسُ وَالشَّهْرُ بَيِّنٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هِلَالًا وَلَا شَهْرًا. وَأَصْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَّقَ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً بِمُسَمَّى الْهِلَالِ وَالشَّهْرِ: كَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَالنَّحْرِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} . فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ. قَالَ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} إلَى قَوْلِهِ: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ} أَنَّهُ أَوْجَبَ صَوْمَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَكِنَّ الَّذِي تَنَازَعَ النَّاسُ فِيهِ أَنَّ الْهِلَالَ. هَلْ هُوَ اسْمٌ لِمَا يَظْهَرُ فِي السَّمَاءِ؟ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ النَّاسُ؟ وَبِهِ يَدْخُلُ الشَّهْرُ أَوْ الْهِلَالُ اسْمٌ لِمَا يَسْتَهِلُّ بِهِ النَّاسُ وَالشَّهْرُ لِمَا اشْتَهَرَ بَيْنَهُمْ؟
    عَلَى قَوْلَيْنِ: فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ يَقُولُ: مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ فَقَدْ دَخَلَ مِيقَاتُ الصَّوْمِ وَدَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فِي حَقِّهِ وَتِلْكَ اللَّيْلَةُ هِيَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مِنْ رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ غَيْرُهُ.
    وَيَقُولُ مَنْ لَمْ يَرَهُ إذَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ طَالِعًا قَضَى الصَّوْمَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي شَهْرِ الْفِطْرِ وَفِي شَهْرِ النَّحْرِ لَكِنَّ شَهْرَ النَّحْرِ مَا عَلِمْت أَنَّ أَحَدًا قَالَ مَنْ رَآهُ يَقِفُ وَحْدَهُ دُونَ سَائِرِ الْحَاجِّ وَأَنَّهُ يَنْحَرُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَيَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَيَتَحَلَّلُ دُونَ سَائِرِ الْحَاجِّ.
    وَإِنَّمَا تَنَازَعُوا فِي الْفِطْرِ: فَالْأَكْثَرُونَ أَلْحَقُوهُ بِالنَّحْرِ وَقَالُوا لَا يُفْطِرُ إلَّا مَعَ الْمُسْلِمِينَ؛ وَآخَرُونَ قَالُوا بَلْ الْفِطْرُ كَالصَّوْمِ وَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ الْعِبَادَ بِصَوْمِ وَاحِدٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَتَنَاقُضُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ. وَحِينَئِذٍ فَشَرْطُ كَوْنِهِ هِلَالًا وَشَهْرًا شُهْرَتُهُ بَيْنَ النَّاسِ وَاسْتِهْلَالُ النَّاسِ بِهِ حَتَّى لَوْ رَآهُ عَشَرَةٌ وَلَمْ يَشْتَهِرْ ذَلِكَ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْبَلَدِ لِكَوْنِ شَهَادَتِهِمْ مَرْدُودَةً أَوْ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِهِ كَانَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَكَمَا لَا يَقِفُونَ وَلَا يَنْحَرُونَ وَلَا يُصَلُّونَ الْعِيدَ إلَّا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ لَا يَصُومُونَ إلَّا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: {صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ} . وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَد فِي رِوَايَتِهِ: يَصُومُ مَعَ الْإِمَامِ وَجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ. قَالَ أَحْمَد: يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ. وَعَلَى هَذَا تَفْتَرِقُ أَحْكَامُ الشَّهْرِ: هَلْ هُوَ شَهْرٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَلَدِ كُلِّهِمْ؟ أَوْ لَيْسَ شَهْرًا فِي حَقِّهِمْ كُلِّهِمْ؟ يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} فَإِنَّمَا أَمَرَ بِالصَّوْمِ مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ وَالشُّهُودُ لَا يَكُونُ إلَّا لِشَهْرٍ اشْتَهَرَ بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى يُتَصَوَّرَ شُهُودُهُ وَالْغَيْبَةُ عَنْهُ. {وقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا وَصُومُوا مِنْ الْوَضَحِ إلَى الْوَضَحِ} وَنَحْوُ ذَلِكَ خِطَابٌ لِلْجَمَاعَةِ لَكِنْ مَنْ كَانَ فِي مَكَانٍ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ إذَا رَآهُ صَامَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ غَيْرُهُ. وَعَلَى هَذَا فَلَوْ أَفْطَرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ رُئِيَ فِي مَكَانٍ آخَرَ أَوْ ثَبَتَ نِصْفَ النَّهَارِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ. وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَد. فَإِنَّهُ إنَّمَا صَارَ شَهْرًا فِي حَقِّهِمْ مِنْ حِينِ ظَهَرَ وَاشْتَهَرَ. وَمِنْ حِينَئِذٍ وَجَبَ الْإِمْسَاكُ كَأَهْلِ عَاشُورَاءَ: الَّذِينَ أُمِرُوا بِالصَّوْمِ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْقَضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَحَدِيثُ الْقَضَاءِ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. )) ا.هـ
    حكم صيام يوم عرفة إذا صادف يوم الجمعة أو السبت
    قال الإمام : (( صوم يوم الجمعة مكروه، لكن ليس على إطلاقه، فصوم يوم الجمعة مكروه لمن قصده وأفرده بالصوم، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تخصوا يوم الجمعة بصيام، ولا ليلتها بقيام» ، وأما إذا صام الإنسان يوم الجمعة من أجل أنه صادف صوماً كان يعتاده فإنه لا حرج عليه في ذلك، وكذلك إذا صام يوماً قبله أو يوماً بعده فلا حرج عليه في ذلك، ولا كراهة. مثال الأول: إذا كان من عادة الإنسان أن يصوم يوماً ويفطر يوماً فصادف يوم صومه الجمعة فلا بأس، وكذلك لو كان من عادته أن يصوم يوم عرفة فصادف يوم عرفة يوم الجمعة فإنه لا حرج عليه أن يصوم يوم الجمعة ويقتصر عليه؛ لأنه إنما أفرد هذا اليوم لا من أجل أنه يوم الجمعة، ولكن من أجل أنه يوم عرفة .)) ([9])
    وقال : ([10]) (( فدل هذا على أن صوم يوم السبت ليس بمكروه.
    والصواب أن يقال: إن صح الحديث فالمكروه إفراده فقط، وأما إذا جمع مع الجمعة أو صادف يوماً يسن صومه كما لو صادف يوم عرفه فإنه يصام وحده، لأن الإنسان إذا صامه وهو يوم عرفه لم يصمه لأنه يوم السبت ولكنه صامه لأنه يوم عرفة .))
    قلت ( بشير) : فهذا من اختيارات ومذهب الإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ، الذي ناصره في جمع من شروحاته وفتاويه ، ولكن يقول الإمام محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في شأن هذه المسألة في (السلسلة الصحيحة)(2/ 732 ـ 735) : (( فائدة هامة : واعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" ينبغي أن يفسر باللفظ الآتي في الحديث الذي بعده: ".. إلا وقبله يوم، أو بعده يوم"، وهو متفق عليه، وبالروايات الأخرى المذكورة تحته، فإنها تدل على أن يوم الجمعة لا يصام وحده، ويؤكد ذلك الشاهد المذكور هناك بلفظ: "لا تصوموا يوم الجمعة مفردًا"، ومعناه في "صحيح البخاري" من حديث جابر (1984) ، فقول الحافظ في "الفتح" (4/234) : "ويؤخذ من الاستثناء جواز صيامه لمن اتفق وقوعه في أيام له عادة يصومها؛ كمن يصوم أيام البيض، أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة"!
    فأقول: لا يخفى على الفقيه البصير أن الاستثناء المذكور فيه مخالفتان:
    الأولى: الإعراض عن الروايات المفسرة والمقيدة بجواز صيامه مقرونًا بيوم قبله أو بعده.
    والأخرى: النهي المطلق عن إفراد صوم يوم الجمعة، ومن المعلوم أن المطلق يجري على إطلاقه ما لم يأت ما يقيده، فإذا قيد بقيد لم يجز تعدّيه، ولا يصلح تقييد النهي هنا بما جاء من الفضل في صوم يوم معين -كعرفة أو عاشوراء أو أيام البيض- لمخالفته لقاعدة: الحاظر مقدم على المبيح، مثل صيام يوم الإثنين أو الخميس إذا اتفق مع يوم عيد الفطر أو أحد أيام الأضحى، فإنه لا يصام، لا لنهي خاص بهذه الصورة وإنما تطبيقًا للقاعدة المذكورة، وما نحن بصدده هو من هذا القبيل.
    كتبت هذا -بيانًا وأداءً للأمانة العلمية- بمناسبة أن الحكومة السعودية أعلنت أن يوم عرفة سيكون يوم الجمعة في موسم سنة (1411 هـ) ، فاضطرب الناس في صيامه، وتواردت عليّ الأسئلة من كل البلاد، وبخاصة من بعض طلاب العلم في الجزائر، فكنت أجيبهم بخلاصة ما تقدم، فراجعني في ذلك بعضهم بكلام الحافظ، ففصلت له القول تفصيلًا على هذا النحو، وذكرته ببعض الروايات التي ذكرها الحافظ نفسه، وأحدها بلفظ: ".. يوم الجمعة وحده، إلا في أيام معه". وفي شاهد له بلفظ: "إلا في أيام هو أحدها". فالجواز الذي ذكره الحافظ يخالف القاعدة والقيد المذكورين.
    وبهذه المناسبة أقول: إن هناك حديثًا آخر يشبه هذا الحديث من حيث الاشتراك في النهي مع استثناء فيه، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم.."، وهو حديث صحيح يقينًا، ومخرج في "الإرواء" (رقم 960) ، فأشكل هذا على كثير من الناس قديمًا وحديثًا، وقد لقيتُ مقاومة شديدة من بعض الخاصة، فضلًا عن العامة، وتخريجه عندي كحديث الجمعة، فلا يجوز أن نضيف إليه قيدًا آخر غير قيد "الفرضية" كقول بعضهم: "إلا لمن كانت له عادة من صيام، أو مفردًا"؛ فإنه يشبه الاستدراك على الشارع الحكيم، ولا يخفى قبحه.
    وقد جرت بيني وبين كثير من المشايخ والدكاترة والطلبة مناقشات عديدة حول هذا القول، فكنت أذكرهم بالقاعدة السابقة وبالمثال السابق، وهو صوم يوم الاثنين أو الخميس إذا وافق يوم عيد، فيقولون يوم العيد منهي عن صيامه، فأبين لهم أن موقفكم هذا هو تجاوب منكم مع القاعدة، فلماذا لا تتجاوبون معها في هذا الحديث الناهي عن صوم يوم السبت؟!
    فلا يُحيرون جوابًا؛ إلا قليلًا منهم فقد أنصفوا جزاهم الله خيرًا، وكنت أحيانًا أطمئنهم وأبشرهم بأنه ليس معنى ترك صيام يوم السبت في يوم عرفة أو عاشوراء مثلًا أنه من باب الزهد في فضائل الأعمال، بل هو من تمام الإِيمان والتجاوب مع قوله عليه الصلاة والسلام:"إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه". وهو مخرج في "الضعيفة" بسند صحيح تحت الحديث (رقم 5) .
    هذا؛ وقد كان بعض المناقشين عارض حديث السبت بحديث الجمعة هذا، فتأملت في ذلك، فبدا لي أن لا تعارض والحمد لله، وذلك بأن نقول: من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت، وهذا فرض عليه لينجو من إثم مخالفته الإِفراد ليوم الجمعة، فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث السبت: "إلا فيما افترض عليكم".
    ولكن هذا إنما هو لمن صام الجمعة وهو غافل عن النهي عن إفراده، ولم يكن صام الخميس معه كما ذكرنا، أما من كان على علم بالنهي؛ فليس له أن يصومه؛ لأنه في هذه الحالة يصوم ما لا يجب أو يفرض عليه، فلا يدخل -والحالة هذه- تحت العموم المذكور، ومنه يعرف الجواب عما إذا اتفق يوم الجمعة مع يوم فضيل، فلا يجوز إفراده كما تقدم، كما لو وافق ذلك يوم السبت؛ لأنه ليس ذلك فرضًا عليه.
    وأما حديث: "كان - صلى الله عليه وسلم - يكثر صيام يوم السبت"، فقد تبين أنه لا يصح من قبل إسناده، وقد توليت بيان ذلك في "الضعيفة" برقم (1099) من المجلد الثالث، فليراجعه من شاء الوقوف على الحقيقة. )) ا.هـ
    ولأخينا الشيخ الفاضل أبي معاذ رائد آل طاهر ـ حفظه الله ـ رسالة قيمة ماتعة فيما يخص البحث في هذه المسألة ، واستخراج الراجح ما قيل فيها ، وهي (القول الثبت في حكم صوم يوم السبت ) ، فليرجع إليها غير مأمور ، وقد نشرت في شبكة سحاب السلفية ، والله الموفق .
    فائدة : صيام يوم عرفة وقضاء رمضان بنية واحدة
    سئل الإمام - رحمه الله تعالى -: صيام القضاء مع صيام النافلة بنية واحدة مثل صيام يوم عرفة وقضاء رمضان بنية واحدة؟
    فأجاب فضيلته بقوله: (( إذا كان المقصود أن تصوم يوم عرفة مع القضاء، أو عاشوراء مع القضاء بمعنى أن تصوم يوم القضاء في يوم عرفة، أو في يوم عاشوراء فلا بأس بذلك ويحصل
    لك الأجر.)) ([11])
    ـ وسئل : صيام القضاء مع صيام النافلة بنية واحدة مثل صيام يوم عرفة وقضاء رمضان بنية واحدة؟
    فأجاب فضيلته بقوله: (( إذا كان المقصود أن تصوم يوم عرفة مع القضاء، أو عاشوراء مع القضاء بمعنى أن تصوم يوم القضاء في يوم عرفة، أو في يوم عاشوراء فلا بأس بذلك ويحصل
    لك الأجر.)) ([12])
    ـ وسئل فضيلته : هل يمكن الجمع في النية بين صيام الثلاثة أيام من الشهر وصيام يوم عرفة؟ وهل نأخذ الأجرين؟
    فأجاب بقوله: (( تداخل العبادات قسمان:
    قسم لا يصح: وهو فيما إذا كانت العبادة مقصودة بنفسها، أو متابعة لغيرها، فهذا لا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثال ذلك: إنسان فاتته سنة الفجر حتى طلعت الشمس، وجاء وقت صلاة الضحى، فهنا لا تجزىء سنة الفجر عن صلاة الضحى، ولا الضحى عن سنة الفجر، ولا الجمع بينهما أيضاً، لأن سنة الفجر مستقلة، وسنة الضحى مستقلة، فلا تجزىء إحداهما عن الأخرى، كذلك إذا كانت الأخرى تابعة لما قبلها، فإنها لا تداخل .
    فلو قال إنسان: أنا أريد أن أنوي بصلاة الفجر صلاة الفريضة والراتبة، قلنا: لا يصح هذا؛ لأن الراتبة تابعة للصلاة فلا تجزىء عنها.
    والقسم الثاني: أن يكون المقصود بالعبادة مجرد الفعل، والعبادة نفسها ليست مقصودة، فهذا يمكن أن تتداخل العبادات فيه، مثاله: رجل دخل المسجد والناس يصلون صلاة الفجر، فإن من المعلوم أن الإنسان إذا دخل المسجد لا يجلس حتى يصلي ركعتين، فإذا دخل مع الإمام في صلاة الفريضة أجزأت عنه الركعتين؛ لأن المقصود أن تصلي ركعتين عند دخول المسجد، وكذلك لو دخل الإنسان المسجد وقت الضحى وصلى ركعتين ينوي بهما صلاة الضحى، أجزأت عنه تحية المسجد، وإن نواهما جميعاً فأكمل، فهذا هو الضابط في تداخل العبادات، ومنه الصوم، فصوم يوم عرفة مثلاً المقصود أن يأتي عليك هذا اليوم وأنت صائم، سواء كنت نويته من الأيام الثلاثة التي تصام من كل شهر، أو نويته ليوم عرفة، لكن إذا نويته ليوم عرفة لم يجزىء عن صيام الأيام الثلاثة، وإن نويته يوماً من الأيام الثلاثة أجزأ عن يوم عرفة، وإن نويت الجميع كان أفضل. )) ([13])
    ـ وسئل : إذا اجتمع قضاء واجب ومستحب وافق وقت مستحب فهل يجوز للإنسان أن يفعل المستحب ويجعل قضاء الواجب فيما بعد أو يبدأ بالواجب أو لا مثال: يوم عاشوراء وافق قضاء من رمضان؟
    فأجاب فضيلته بقوله : (( بالنسبة للصيام الفريضة والنافلة لا شك أنه من المشروع والمعقول أن يبدأ بالفريضة قبل النافلة، لأن الفريضة دين واجب عليه، والنافلة تطوع إن تيسرت وإلا فلا حرج، وعلى هذا فنقول لمن عليه قضاء من رمضان: اقض ما عليك قبل أن تتطوع، فإن تطوع قبل أن يقضي ما عليه فالصحيح أن صيامه التطوع صحيح مادام في الوقت سعة، لأن قضاء رمضان يمتد إلى أن يكون بين الرجل وبين رمضان الثاني مقدار ما عليه، فمادام الأمر موسعاً فالنفل جائز، كصلاة الفريضة مثلاً إذا صلى الإنسان تطوعاً قبل الفريضة مع سعة الوقت كان جائزاً، فمن صام يوم عرفة، أو يوم عاشوراء وعليه قضاء من رمضان فصيامه صحيح، لكن لو نوى أن يصوم هذا اليوم عن قضاء رمضان حصل له الأجران: أجر يوم عرفة، وأجر يوم عاشوراء مع أجر القضاء، هذا بالنسبة لصوم التطوع المطلق الذي لا يرتبط برمضان، أما صيام ستة أيام من شوال فإنها مرتبطة برمضان ولا تكون إلا بعد قضائه، فلو صامها قبل القضاء لم يحصل على أجرها )) ([14])


    يتبع إن شاء ، بالرجوع إلى فقه كتاب الأضاحي ..




    [1] استدراك : يلحق هذا الباب بـ(ما جاء في صوم عشر ذي الحجة ) فما استذكرته إلا وأنا أباشر فقه كتاب الأضاحي ، نسأل الله تعالى الإعانة والتوفيق والسداد .

    ([2]) أخرجه مسلم في الصيام/ باب استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر (1162) عن أبي قتادة رضي الله عنه.

    ([3]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(20/ 46 ـ 47)

    ([4]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(20/ 47 ـ 48)

    ([5]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(19/ 39 ـ 41)

    ([6]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(19/ 43)

    ([7]) (الشرح الممتع)(6/ 320 ـ 321)

    ([8]) (مجموع الفتاوى)(25/114 ـ 118)
    وقد أحال على هذا المصدر الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ ، وأقره ، ونقل منه ، كما جاء ذلك عنه في ( تمام المنة)(ص 399)

    ([9]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(20/ 51)

    ([10]) (دروس الشيخ العثيمين)(11/ 200) ، وانظر أيضا (لقاء الباب المفتوح)(154/ 19)

    ([11]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(20/ 49)

    ([12]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(20/ 49)

    ([13]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(20/ 13 ـ 14)

    ([14]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(20/ 48)


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    كِتَابُ الأَضَاحِيِّ
    إن الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، وعبادة عظيمة قرنها الله تعالى في كتابه العظيم بالصلاة ، وجاءت السنة ببيان فضلها وأحكامها وآدابها ، وهي من الشعائر الإسلامية التي واظب عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، وحث عليها ، وقد اعتنى أئمة الحديث والسنن بجمع أدلتها في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها من كتب الحديث والأثر ، وبينوا أحكامها وآدابها في كتب الفقه ومجامع الفتاوى ، ومن أولئك الأئمة الجحاجحة الإمام القدوة محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ ، فقد برزت مؤلفاته وفتاويه في بيان معاني نصوص الكتاب والسنة ، واستخراج كنوزهما وأسرارهما ، وتبسيط الفقه الإسلامي للمسلمين ، فكتبه ورسائله وأشرطته ملأت الدنيا ، حتى أصبحت الأمة المحمدية صغيرها وكبيرها عيال على علمه وفقهه ، وأحوج إلى استنباطاته وفهمه السلفي ، ومما وضحه وكثر كلامه في بيانه ، فقه الأضاحي ، فقد ألف فيها كتابا مطولا ومختصرا ، وكتب فيها رسائل، وتوسع في شروح أدلتها وما جاء في أبوابها ، وأفتى فيها وتوسع ، فمما جاء عنه :

    يتبع إن شاء الله

  7. #7

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    جزاك الله خيراً

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    بارك الله فيك أخي

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    كِتَابُ الأَضَاحِيِّ

    باب تعريف الأضحية وحكمها
    تعريفها :
    الأضحية ما يذبح في أيام النحر تقرباً إلى الله ـ عزّ وجل ـ ، وسميت بذلك؛ لأنها تذبح ضحى، بعد صلاة العيد.([1]) ، وهي عبادة مالية من أفضل العبادات والشعائر.([2])
    حكمها
    هي من العبادات المشروعة في كتاب الله وسنة رسوله النبي صلى الله عليه وعلي آله وسلم وإجماع المسلمين.
    فأما كتاب الله: فقد الله تعالي: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر: 2] ، وقال تعالي:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}[الأنعام: 162، 163] ، وقال تعالى:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا}[الحج: 34].
    وهذه الآية تدل على أن الذبح تقرباً إلى الله تعالي مشروع في كل ملة لكل أمة، وهو برهان بيّن على أنه عباده ومصلحة في كل زمان ومكان وأمَة.
    وأما سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم: فقد ثبت مشروعية الأضحية فيها بقول النبي صلي الله عليه وسلم وفعله وإقراره، فاجتمعت فيها أنواع السنة الثلاثة: القول، والفعل، والتقرير.
    ففي: (الصحيحين) عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:
    "من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين" ([3]) .
    وفيهما أيضاً عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قسم بين أصحابه ضحايا، فصارت لعقبة جذعة، فقال: يا رسول الله؛ صارت لي جذعة. فقال :"ضح بها" ([4]) .
    وفي (الصحيحين) أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلي الله عليه وسلم بكبشين أملحين ذبحهما بيده، وسمي وكبر ووضع رجله على صفاحهما ([5]) .
    وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقام النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي. رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن ([6]) .
    وفي(الصحيحين) أيضاً عن جندب سفيان. البجلي قال: شهدت الأضحى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قضي صلاته بالناس نظر إلى غنم قد ذبحت فقال: "من ذبح قبل الصلاة فليذبح شاة مكانها، ومن لم يكن ذبح فليذبح على اسم الله" هذا لفظ مسلم ([7]) .
    وعن عطاء بن يسار قال: سألت أبا أيوب الأنصاري: كيف كانت الضحايا فيكم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته (الحديث) . رواه ابن ماجه والترمذي وصححه ([8]) .
    وأما إجماع المسلمين على مشروعية الأضحية : فقد نقله غير واحد من أهل العلم.([9])
    قال في(في المغني) : أجمع المسلمون على مشروعية الأضحية. وجاء في (فتح الباري شرح صحيح البخاري) : ولا خلاف في كونها من شرائع الدين.([10])
    وبعد إجماعهم على مشروعية الأضحية اختلفوا: أواجبة هي أم سنة مؤكدة؟ على قولين:
    القول الأول: أنها واجبة، وهو قول الأوزاعي، والليث، ومذهب أبي حنيفة، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، قال شيخ الإسلام: وهو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب مالك.
    القول الثاني: أنها سنة مؤكدة، وهو قول الجمهور، ومذهب الشافعي، ومالك، وأحمد في المشهور عنهما، لكن صرح كثير من أرباب هذا القول بأن تركها يكره للقادر، ذكره أصحابنا، نص الإمام أحمد وقطع به في الإقناع، وذكر في (جواهر الإكليل شرح مختصر خليل) . أنها إذا تركها أهل بلد قوتلوا عليها؛ لأنها من شعائر الإسلام.([11])
    قلت ( بشير) : قد توسع الإمام ابن عثيمين في كتابه (أحكام الأضحية والذكاة)(2 / 213 ـ 219) ، في سرد أدلة الطرفين وحججهم وردود بعضهم على البعض ، إلى أن قال في نهاية المطاف :(( هذه آراء العلماء وأدلتهم سقناها ليبين شأن الأضحية وأهميتها في الدين، والأدلة فيها تكاد تكون متكافئة، وسلوك سبيل الاحتياط أن لا يدعها مع القدرة عليها، لما فيها من تعظيم الله وذكره وبراءة الذمة بيقين.)) ا.هـ
    إلا أن المتأمل في جمع من فتاويه يجد أنه يميل إلى القول بأنها سنة مؤكدة يُكره للقادر تركها
    1 ـ سئل - رحمه الله-: ما حكم الأضحية؟
    فأجاب بقوله: الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها، فيضحي الإنسان عن نفسه وأهل بيته.([12])
    2 ـ سئل فضيلته: ما القول الصحيح في حكم الأضحية؟
    فأجاب بقوله:الذي يظهر لي أن الأضحية ليست بواجبة ولكنها سنة مؤكدة، يُكره للقادر تركها .([13])
    3 ـ سئل : ما حكم الأضحية ؟
    فأجاب : الأضحية سنة مؤكدة لمن كان قادراً عليها، حتى قال بعض أهل العلم: إنها واجبة، وممن قال بوجوبها أبو حنيفة وأصحابه- رحمهم الله- وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-، وعلى هذا فلا ينبغي للقادر أن يدع الأضحية .([14])
    4 ـ سئل : ما هو القول الصحيح في حكم الأضحية؟
    فأجاب : الذي يظهر لي أن الأضحية ليست بواجبة؛ ولكنها سنة مؤكدة يُكْرَه للقادر تركها.([15])
    5 ـ وقال في (لقاء الباب المفتوح :228) : الأضحية سنة مؤكدة . ([16])
    قلت (بشير) : وليعلم أن تاريخ هذا اللقاء كان كما قال الشيخ : (( فهذا هو اللقاء الثامن والعشرون بعد المائتين من لقاءات الباب المفتوح، التي تتم كل يوم خميس في كل أسبوع، وهذا الخميس هو الخامس والعشرون من شهر ذي القعدة عام : 1420هـ ))
    والشيخ ـ رحمه الله ـ توفي يوم الأربعاء الخامس عشر من شهر شوال لعام 1421هـ .
    فهذا مما يدل أن اختيار الشيخ في هذه المسألة ، هو أن الأضحية حكمها عنده أنها سنة مؤكدة ([17]) ، وهو في ذلك لم يغفل عن حجج الطرف الثاني ، وما هي عليه من القوة وحظ من النظر ، ولهذا كان كثيرا ما ينبه عليها في رسائله وفي فتاويه ، ومن ذلك ما جاء عنه في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 10) لما سئل عن حكم الأضحية؟
    فأجاب- رحمه الله- بقوله: (( الأضحية سنة مؤكدة، وقال بعض العلماء: إنها واجبة، ولكل قوم دليلٌ استدلوا به، والاحتياط ألا يدعها الغني الذي أغناه الله تبارك وتعالى، وأن يجعلها من نعمة الله عليه، حيث يشارك الحجاج في شيء من النسك، فإن الحجاج في أيام العيد يذبحون هداياهم، وأهل الأمصار يذبحون ضحاياهم، فمن رحمة الله تبارك وتعالى أن شرع لأهل الأمصار أن يضحوا في أيام الأضحية ليشاركوا الحجاج في شيء من النسك ,ولهذا نقول: القادر عليها لا ينبغي أن يدعها .)) ا.هـ
    وقال في (الشرح الممتع )(7/ 478 ـ 479) عند شرح قول المصنف « والأضْحِيَةُ سُنَّةٌ» :
    (( أي: سنة مؤكدة جداً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم داوم عليها وضحى عشر سنوات، وحث عليها حتى قال: «من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا» ([18]) ، وكان يظهرها على أنها شعيرة من شعائر الإسلام، حتى إنه يخرج بأضحيته إلى المصلى، ويذبحها بالمصلى، ولهذا اختلف العلماء هل هي سنة مؤكدة لا يكره تركها، أو سنة يكره تركها للقادر، أو واجبة؟
    فذهب أبو حنيفة ـ رحمه الله ـ وأصحابه إلى أنها واجبة، وأن القادر يأثم إذا لم يضح، ومال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ إلى هذا؛ لأنها شعيرة ظاهرة قرنها الله تعالى بالصلاة في قوله: {فَصَلِّ لِرَّبِكَ وأنحر }، وفي قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .
    والقول بالوجوب للقادر قوي؛ لكثرة الأدلة الدالة على عناية الشارع بها، واهتمامه بها فالقول بالوجوب قوي جداً، فلا ينبغي للإنسان إذا كان قادراً أن يدعها )) ا.هـ
    مسألة: إذا كانت الأضحية سنة مؤكدة يُكْرَه للقادر تركها ، بل واجبة على القول الثاني ، فهل يشرع لمن ليس عنده قيمتها في وقت العيد لكنه يأمل أن يحصل على قيمتها عن قُرب ، أن يستدين فيضحي ؟
    1 ـ سئل الإمام: هل يشرع للفقير أن يستدين لكي يضحي؟
    فأجاب بقوله: الفقير الذي ليس بيده شيء عند حلول عيد الأضحى لكنه يأمل أن يحصل، كإنسان له راتب شهري، أو أنه في يوم العيد ليس في يده شيء لكنه يستطيع أن يستقرض من صاحبه
    ويوفي إذا جاء الراتب فهذا يمكن أن نقول له: لك أن تستقرض إذن وتضحي ثم توفي، ْ أما إذا كان لا يأمل الوفاء عن قريب فإننا لا نستحب له أن يستقرض ليضحي؛ لأن هذا يستلزم إشغال ذمته بالدين ومنّ الناس عليه، ولا يدري هل يستطيع الوفاء أو لا يستطيع.
    2 ـ و سئل: هل يجوز شراء الأضحية بالدين؟
    فأجاب بقوله: إذا كان الرجل ليس عنده قيمة الأضحية في وقت العيد لكنه يأمل أن سيحصل على قيمتها عن قُرب، كرجل موظف ليس بيده شيء في وقت العيد، لكن يعلم إذا تسَلَّم راتبه سهل عليه تسليم القيمة فإنه في هذه الحال لا حرج عليه أن يستدين، وأما من لا يأمل الحصول على قيمتها من قرب فلا ينبغي أن يستدين للأضحية.([19])
    3 ـ وقال مرة لما سئل: ما حكم الأضحية ؟وهل يستدين الإنسان ليضحي؟
    فأجاب : الأضحية سنة مؤكدة لمن كان قادراً عليها، حتى قال بعض أهل العلم: إنها واجبة، وممن قال بوجوبها أبو حنيفة وأصحابه- رحمهم الله- وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل- رحمه الله- واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-، وعلى هذا فلا ينبغي للقادر أن يدع الأضحية.
    أما مَن ليس عنده فلوس فإنه لا ينبغي له أن يستدين ليضحي؛ لأنه سوف يشغل ذمته بالدين، ولا يدري أيقدر على وفائه أم لا، لكن من كان قادرًا فلا يدع الأضحية لأنها سنة )) ([20])
    مسألة : حكم الأضحية لمن كان عليه دين .
    سئل الإمام : ما حكم الأضحية لمن كان عليه دين ، وهل لابد من استئذان صاحب الدين؟
    فأجاب بقوله: أنا لا أرى أن يضحي الإنسان وعليه دين، إلا إذا كان الدين مؤجلاً، وهو يعلم
    من نفسه أنه إذا حل الدين يتمكن من وفائه فلا بأس أن يضحي، وإلا فليدخر الدراهم التي
    عنده للدين، والدين مهم فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم إليه رجل عليه
    دين ليصلي عليه ترك الصلاة عليه، حتى إنه في يوم من الأيام قدم إليه رجل من الأنصار
    ليصلي عليه فخطا خطوات ثم قال: "هل عليه دين؟ " قالوا: نعم، قال: "صلوا على صاحبكم"، ولم يصل عليه حتى قام أبو قتادة رضي الله عنه وقال: علي، فقال عليه الصلاة والسلام: "حق الغريم وبرئ منه الميت " قال: نعم يا رسول الله، فتقدم وصلى، ولما سئل عليه الصلاة والسلام عن الشهادة في سبيل الله، وأنها تكفر كل شيء قال: "إلا الدين" ، أي: أن الشهادة لا تكفر الدين، فالدين ليس بالأمر الهين، قد تصاب البلاد بمصيبة اقتصادية في المستقبل؛ لأن هؤلاء الذين يستدينون ويستهينون بالدين سيفلسون فيما بعد، ثم يفلس من ورائهم الذين أدانوهم، فالمسألة خطيرة للغاية، وما دام الله عز وجل يسر للعباد العبادات المالية ألاَّ يقوم بها الإنسان
    إلا إذا كان عن سعة فليحمد الله وليشكره.([21])
    أضحية واحدة في البيت تجزيء عن كل واحد في البيت
    1 ـ سئل الشيخ : فهل مطلوب من أهل البيت أن يضحي كل واحد منهم عن نفسه؟
    فأجاب :(( لا ، السنة أن يضحي رب البيت عمن في البيت، لا أن كل واحد من أهل البيت يضحي، ودليل ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بشاة واحدة عنه وعن أهل بيته، وقال أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه: "كان الرجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته" ، ولو كان مشروعاً لكل واحد من أهل البيت أن يضحي لكان ذلك ثابتاً في السنة، ومعلوم أن زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام لم تقم واحدة منهن تضحي اكتفاء بأضحية النبي صلى الله عليه وسلم.
    فإن قال قائل: لعل ذلك لفقرهم؟
    فالجواب: إن هذا احتمال وارد لكنه غير متعين، بل إنه جاءت الآثار بأن من أزواج الرسول عليه الصلاة والسلام من كانت غنية ، وها هي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها جاءت بريرة إليها تستعينها في قضاء دين كتابتها، بريرة أمة اشترت نفسها من أسيادها بتسع أواق من الفضة، والأوقية أربعون درهماً، فتكون التسع الأواق ثلاثمائة وستين درهماً، فجاءت تستعين أم المؤمنين عائشة قالت: أعينيني، فقالت: عائشة لها: "إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت" ، أي: أن أنقدها لهم نقداً وهذا يدل على أنها كان عندها مال.
    أتدرون كم نحصل من الغنم في ثلاثمائة وستين درهماً، كم نحصل؟ أي كم تساوي الشاة في ذلك الوقت؟ تساوي والله أعلم عشرة دراهم، ودليل ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الجبران في الزكاة قال: "إنه يعطي معها شاتين إن استيسرتا لها أو عشرين درهماً "، وهذا يدل على أن الشاة في ذلك الوقت تساوي عشرة دراهم، إذاً: فالحصول على الأضحية في ذلك الوقت متيسر ومع ذلك لم يكن كل واحد من أهل البيت يذبح أضحية.
    وفي عهدنا الآن لما أيسر الله على الناس صار بعض أصحاب البيوت يضحي كل فرد بأضحية، ولعلهم يظنون هذا من جنس زكاة الفطر؛ لأن زكاة الفطر فرض على كل واحد، فهم يظنون أن الأضحية -والله أعلم- تشبه زكاة الفطر مطلوبة من كل واحد، وليس كذلك.)) ([22])
    2 ـ وسئل : إذا كان لي أولاد ولي دخل ماليّ وأسكن مع والدي وترغب نفسي في الأضحية، فهل أكتفي بأضحية والدي وأحرم نفسي كما أشرتم أم ماذا أصنع؟ وهل هذا مقيد بمن تجب له النفقة على والده فقط؟ وجزاكم الله خيراً.
    فأجاب : السنة كما ذكرت أن الرجل يضحي عنه وعن أهل بيته، كل من في البيت من أولاد كبار أو صغار، ذكور أو إناث تكفيهم الأضحية الواحدة يقوم بها رب البيت، أما إذا كان الإنسان منفصلاً عن أبيه؛ هو في بيت وأبوه في بيت فلكل واحد منهما أضحية، الأب يضحي عنه وعن أهل بيته، والابن يضحي عنه وعن أهل بيته وإذا كان يسكن مع والده فالأضحية الواحدة تكفيهم، وهل هو مقيد بمن تجب عليه النفقة أي الأب؟ لا ، أبداً.
    هو يضحي عنه وعن أهل بيته، كل من في البيت يكفيهم أضحية واحدة.
    ولكن يجب أن تلاحظوا بارك الله فيكم أنا إذا قلنا هذه السنة ليس معناه أنه يحرم، لكن لا شك أن التمسك بالسنة خير من عدمه، وأضرب لكم مثالاً: رجلان أحدهما قام يصلي سنة الفجر لكن يخففها ، والثاني قام يصلي سنة الفجر لكن يطيل فيها، أيهما الأوفق للسنة؟
    الأول الذي يخفف، لكن الثاني لا يأثم وإن كان يطول ويفعل خلاف السنة ولكن لا يأثم، وإذا قلنا: إن السنة أن يقتصر أهل البيت على أضحية واحدة يقوم بها رب البيت فليس معنى ذلك أنهم لو ضحوا بأكثر من واحدة أنهم يأثمون، لا يأثمون لكن المحافظة على السنة أفضل من كثرة العمل، والله سبحانه وتعالى يقول: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم رجلين في حاجة فلم يجدا الماء فتيمما وصليا ثم وجدا الماء، أما أحدهم فتوضأ وأعاد الصلاة، وأما الآخر فلم يتوضأ ولم يعد الصلاة، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال للذي لم يعد: أصبت السنة، وقال للثاني: لك الأجر مرتين، فأيهما أفضل؟
    الذي أصاب السنة وإن كان هذا له الأجر مرتين، لأنه إنما كان له الأجر مرتين لأنه عمل عملين ينوي بهما التقرب إلى الله عز وجل، فكان له أجر عملين لكن ليس كالذي أصاب السنة.([23])
    3 ـ سئل هل تجوز أضحية واحدة لأخوين شقيقين في بيت واحد مع أولادهم أكلهم وشر بهم واحد؟
    فأجاب بقوله: (( نعم، يجوز أن يقتصر أهل البيت الواحد ولو كانوا عائلتين على أضحية واحدة، ويتعدى بذلك فضيلة الأضحية. )) ([24])
    4 ـ سئل عن ثلاثة أخوة في بيت، لهم رواتب، وكلهم متزوج، فهل تجزئهم أضحية واحدة أم لكل واحد أضحية؟
    فأجاب بقوله: (( إذا كان طعامهم واحدًا، وأكلهم واحدًا فإن الواحدة تكفيهم، يضحي الأكبر عنه وعمن في بيته، وأما إذا كان كل واحد له طعام خاص- يعني مطبخ خاص به- فهنا كل واحد منهم يضحي؛ لأنه لم يشارك الآخر في مأكله ومشربه ([25]) .)) ([26])
    5 ـ سئل فضيلته : عن ثلاثة إخوة يسكنون في سكن واحد، ويضحون بأضحية واحدة فهل
    تجزئ عنهم؟
    فأجاب بقوله: (( الظاهر لي أن الحكم في هذا أن أضحيتهم هذه مجزئة؟ لأن مالهم بمنزلة الواحد، فتجزئ عنهم الأضحية الواحدة؛ لأنهم في بيت واحد، وكان الصحابة رضي الله عنهم يضحون بالشاة عنهم وعن أهل بيتهم ... ، أما هؤلاء الجماعة فهم في بيت واحد، ومالهم واحد، فهم بمنزلة رجل واحد فتجزئ الشاة عنهم جميعَا )) ([27])
    6 ـ سئل : رجل متزوج بزوجتين الأولى عنده والأخرى عند أهلها هل يلزم أضحية أم أضحيتين؟
    فأجاب بقوله: (( الأضحية في البيت الذي هو فيه تكفي عنها أيضًا؛ لأنها من أهله، وإن كانت هي عند أهلها، فإذا قال: هذا عني وعن أهل بيتي، شملها وإن كانت عند أهلها.)) ([28])
    مسألة : من لم يضحِّ هل عليه كفارة ، وأنه آثم في تركه للأضحية ؟
    1 ـ سئل الإمام : عن رجل خارج بلده للعمل لمدة ثلاث سنوات، ولم يقم بالأضحية، ولم يوكل، فهل عليه كفارة؟
    فأجاب بقوله: (( الصحيح أن الأضحية ليست واجبة وأنها سنة، لكنه يكره للقادر أن يدعها، وهذا الأخ الغريب الذي ترك الأضحية لمدة ثلاث سنوات لا إثم عليه؛ لأنه لم يترك واجبًا، وإنما ترك أمرًا مطلوبًا إن تيسر له فعله، وإن لم يتيسر فلا حرج عليه، لكن مثل هؤلاء الغرباء ينبغي لهم أن يوكلوا أهليهم بأن يقوموا بالأضحية في بلادهم حتى يحصل لهم الفرح والسرور بأضحيته في بلاده.)) ([29])
    2 ـ سئل الشيخ- رحمه الله- عن رجل يضحي مع عائلته، وله أبناء في مدينة أخرى ليسوا متزوجين، ولم يضحوا فماذا عليهم؟
    فأجاب بقوله: إذا ضحوا فهو خير، وإن تركوا الأضحية فلا شيء عليهم، والأضحية لا تلزم أحدًا ، لأن الأضحية سنة مؤكدة من الأصل. ([30])

    يتبع إن شاء الله ...


    ([1]) (الشرح الممتع)(7/ 421) ،( أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 213) ، ( شرح بلوغ المرام)(6 /68)
    قال العلامة محمد الزرقاني ـ رحمه الله ـ معرفا لها ، هي :" اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ مِنَ النَّعَمِ تَقَرُّبَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَتَالِيَيْهِ، قَالَ عِيَاضٌ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُفْعَلُ فِي الضُّحَى وَهُوَ ارْتِفَاعُ النَّهَارِ فَسُمِّيَتْ بِزَمَنِ فِعْلِهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: ضَحَّى ذَبَحَ الْأُضْحِيَّةَ وَقْتَ الضُّحَى هَذَا أَصْلُهُ، ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ ضَحَّى فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. "(شرح الزرقاني على الموطأ)(3/ 106)

    ([2]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 26)

    ([3]) رواه البخاري، كتاب الأضاحي باب الذبح بعد الصلاة، (5560) ومسلم، كتاب الأضاحي باب وقتها، رقم (1961) .

    ([4]) رواه البخاري، كتاب الأضاحي، باب قسمة الإمام الأضاحي بين الناس، رقم (5547) ومسلم كتاب الأضاحي باب سن الأضحية، رقم (1965) .

    ([5]) رواه البخاري، كتاب الأضاحي، باب التكبير عند الذبح، رقم (5565) ومسلم، كتاب الأضاحي، باب استحباب الضحية وذبحها مباشرة (1966) .

    ([6]) رواه أحمد (28/2) والترمذي، كتاب الأضاحي، باب الدليل على أن الأضحية سنة رقم (1507)

    ([7]) رواه البخاري، كتاب الأضاحي، باب من ذبح قبل الصلاة أعاد، رقم (5562) ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، رقم (1960) .

    ([8]) رواه الترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت، رقم (1505) وابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب من ضحي بشاة عن أهله، رقم (3147) .

    ([9]) وممن نقل الإجماع أيضا، العلامة علي الملا القاري ـ رحمه الله ـ في ( مرقاة المفاتيح)(3/ 1077)
    حيث قال : (( وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ فِي أَصْلِ الشَّرْعِ بِالْإِجْمَاعِ )) ا.هـ

    ([10]) (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 213 ـ 214)

    ([11]) (أحكام الأضحية والذكاة)(2 / 213 ـ 215)

    ([12]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 10)

    ([13]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 15)

    ([14]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 17)

    ([15]) (لقاء الباب المفتوح)(3/ 32)

    ([16]) (لقاء الباب المفتوح (228/ 4)

    ([17]) وهذا الاختيار له وجهته وقوته من حيث الاعتبار والثبوت لما هو عليه من الأدلة القوية التي تدل عليه وتقيم حجته وترجحه، ومن ذلك ما ذكره العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني ـ رحمه الله ـ في (سبل السلام)(3/ 320) تعليق الإمام الألباني ، حيث قال : (( وَلِضَعْفِ أَدِلَّةِ الْوُجُوبِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، بَلْ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ لَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ.... وَأَفْعَالُ الصَّحَابَةِ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ الْإِيجَابِ. فَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ خَشْيَةَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِمَا )) ا.هـ
    وما ثبت عن أبي بكر وعمر قد ثبت أيضا عن أبى مسعود الأنصاري ـ رضي الله عنهم ـ
    قال العلامة الألباني في ( إرواء الغليل)(4/ 354 ـ 355) : ((1139 - روى عن أبى بكر وعمر: " أنهما كانا لا يضحيان عن أهلهما مخافة أن يرى ذلك واجبا " (ص 271) ، صحيح ، أخرجه البيهقى (6/295) من طريق جماعة عن أبي سريحة الغفاري قال: " ما أدركت أبا بكر , أو رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان ـ في بعض حديثهم ـ كراهية أن يقتدي بهما ".
    وقال: " أبو سريحة الغفاري هو حذيفة بن أسيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
    قلت: والسند إليه صحيح.
    ثم روى عن أبى مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: " إني لأدع الأضحى , وإني لموسر , مخافة أن يرى جيراني أنه حتم علي " ، قلت: وإسناده صحيح أيضا.)) ا.هـ
    فترك الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ للأضحية ، يدل على أنها ليست بواجبة ، وهذا منهم تعليم وتنبيه للأمة أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحية ، هو عدم الوجوب ، وفي هذا يقول العلامة المعلمي ـ رحمه الله ـ في (التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل)(2/ 23) ، تعليق الإمام الألباني :(( وقد كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ربما يدع الأمر المستحب كراهية المشقة كما كان يعجل صلاة العشاء إذا جمعوا وأبطأ بها ليلة ثم خرج فصلى وقال: «إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي» وإما أن يكونا سواء والمصلى مخير بينهما، وإما أن يكون التطبيق مندوباً أيضاً وإن كان الأخذ بالركب أفضل، وقد علم ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان ربما يدع ما هو في الأصل مندوب ليبين للناس أنه ليس بواجب وربما يفعل ما هو في الأصل مكروه ليبين للناس أنه ليس بحرام، وكان أبو بكر وابن عباس لا يضحون، كانوا يدعون التضحية ليبينوا للناس أنها ليست بواجبة )) ا.هـ

    ([18]) صحيح ، انظر إلى (صحيح الجامع الصغير وزيادته)(2/ 1106)

    ([19]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 109 ـ 110)

    ([20]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 18)
    قلت ( بشير) : هذه الفتوى تحمل على قوله السابق : من لا يأمل الحصول على قيمتها من قرب فلا ينبغي أن يستدين للأضحية ، والله أعلم .

    ([21]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 127)

    ([22]) (دروس الشيخ العثيمين)(5/ 5)

    ([23]) (دروس الشيخ العثيمين)(5/ 13)

    ([24]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 36)

    ([25]) قلت : هذا تنبيه من الإمام مهم ، والأمة بحاجة إلى مثل هذه التنبيهات والإرشادات ، لأنه كثير من الناس من حالهم مثل ما ذكر الشيخ يغفل عن مثل هذا الحكم ، وقد سئل فضيلته عن أب يسكن معه في بيته ثلاثة أبناء متزوجون، ولكل واحد منهم جزء مستقل في البيت فهل تجزئ أضحية واحدة عنهم؟
    فأجاب بقوله: (( الذي أرى أن على كل بيت أضحية ، لأن لكل بيت مستقل.))
    (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 38)

    ([26]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 41)

    ([27]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 43 ـ 44)

    ([28]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 43)

    ([29]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 63)

    ([30]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 24)


  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    فصل : حكم الاشتراك في قيمة الأضحية ، وبيان ما يجوز فيها من الاشتراك .

    1 ـ قال الإمام : (( لو اشترك ثلاثة جيران في أضحية واحدة فإن ذلك لا يجزئ، ولا تكون الشاة هذه شاة أضحية بل هي شاة لحم، لأن من شروط الأضحية أن تكون على وفق الشرع ولم يرد في الشريعة اشتراك اثنين فأكثر في شاة واحدة، وإنما كان الاشتراك في الإبل والبقر، يشترك السبعة في بعير أو بقرة، ومن المعلوم أن من شروط العمل الصالح أن يكون على وفق الشريعة، فمن عمل عملاَ ليس عليه أمر الله ورسوله فهو مردود عليه، كما ثبت ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" .)) ([1] )
    2 ـ سئل الشيخ هل يمكن أن يشترك الرجل وزوجته في أضحية واحدة من هذا نصف ومن هذا نصف، وعلى أيهما يكون الإنسان؟
    فأجاب : (( أما إذا اشترك الإنسان وزوجته في قيمة شاة فإن هذا لا يصح؛ لأنه لا يشترك اثنان في القيمة في شاة واحدة، وإنما الاشتراك المتعدد في الإبل والبقر، يكون البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة،أما الغنم فلا يمكن أن يشترك اثنان على الشيوع أبدًا، أما الثواب فليس له حصر، لا بأس أن يقول: اللهم هذا عني وعن زوجتي، أو عني وعن أهلي، وأما أن كل واحد منهما يبذل نصف القيمة ويشتري أضحية واحدة من الغنم فهذا لا يصح. )) ([2])
    3 ـ سئل فضيلته : أيهما أفضل: أن يدفع رب البيت قيمة الأضحية لوحده، أو يشرك معه من يستطيع من أفراد عائلته بقيمة الأضحية، خاصة إذا كان في هذا تطييباً لنفوسهم؟ وجزاكم الله خيراً.
    فأجاب : الأفضل أن يقوم بها وحده كما في الحديث أنه:" كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته" ، وأما لتطييب نفوسهم، فبأن يقال لهم: السنة هي التي فيها طيب النفس، والناس إذا عودوا على الشيء اعتادوا عليه وسهل عليهم، لا شك أن الناس الآن اعتادوا أن كل واحد يضحي ولكن إذا قيل لهم: السنة أن يكون المضحي رب البيت وأنتم إذا كان لديكم وفرة من المال فتصدقوا بها، تصدقوا بها على من شئتم من الناس، ومع هذا لا نمنعكم من أن تضحوا، لو أنكم ضحيتم ليس عليكم إثم، ولكن المحافظة على السنة وعلى ما كان عليه الصحابة لا شك أنه أولى.)) ([3])
    قلت ( بشير) : قد أجاد وأفاد ، وتوسع الإمام ـ رحمه الله ـ في كتابه (أحكام الأضحية والذكاة) في بيان هذا الفصل وأحكامه ، حيث بيان فيه ما يجوز الاشتراك فيه من الأضحية ثوابا وعددا ونوعا .
    قال : (( فصل : وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد، ويجزئ سبع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: " نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة ". رواه مسلم ، وفي رواية قال : " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر، كل سبعة منا في بدنة" .
    ففي هذا دليل على أن سبع البعير أو البقرة قائم مقام الواحدة من الغنم، ومجزئ عما تجزئ عنه؛ لأن الواجب في الإحصار والتمتع هدي على كل واحد، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة فدل على أن سبعها يحل محل الواحدة من الغنم ويكون بدلا عنها والبدل له حكم المبدل.
    فأما اشترك عدد في واحدة من الغنم أو في سبع بعير أو بقرة؛ فعلى وجهين:
    الوجه الأول: الاشتراك في الثواب، بأن يكون مالك الأضحية واحد ويشرك معه غيره من المسلمين في ثوابها فهذا جائز مهما كثر الأشخاص فإن فضل الله واسع، وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها في قصة أضحيته بكبش قال لها: "يا عائشة، هلمي المدية" ـ يعني السكين ـ ، ثم قال:
    " اشحذيها بحجر " ، ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ، ثم قال : "بسم الله، اللهم تقبل من محمد ومن آل محمد ومن أمة محمد"، ثم ضحي به .
    وفي مسند الإمام أحمد من حديث عائشة وأبي رافع رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين: أحدهما عنه وعن آله، والآخر عن أمته جميعا ، ومن حديث جابر وأبي سعيد رضي الله عنهما يضحي بكبش عنه وعمن لم يضح من أمته ([4]) ، وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون، رواه ابن ماجه والترمذي وصححه .
    فإذا ضحى الرجل بالشاة عنه وعن أهل بيته أو من شاء من المسلمين صح ذلك، وإذا ضحى بسبع البعير أو البقرة عنه وعن أهل بيته أو من شاء من المسلمين صح ذلك، لما سبق من أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل السبع منهما قائما مقام الشاة في الهدي، فكذلك في الأضحية ولا فرق.
    ومن تراجم صاحب (المنتقى) : باب أن البدنة من الإبل والبقر عن سبع شياه وبالعكس.
    وقال في كتابه المحرر: ويجزئ عن الشاة سبع من بدنة، وعن البدنة بقرة، وقال في(الكافي) في تعليل له: لأن كل سبع مقام شاة
    الوجه الثاني: الاشتراك في الملك، بأن يشترك شخصان فأكثر في ملك أضحية ويضحيا بها، فهذا لا يجوز، ولا يصح أضحية إلا في الإبل والبقر إلى سبعة فقط، وذلك لأن الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى، فلا يجوز إيقاعها ولا التعبد بها إلا على الوجه المشروع زمناً وعدداً وكيفية.
    فإن قيل: لماذا لا يصح وقد قال الله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ}[الزلزلة: 7] .
    وكما لو اشتركا في شراء لحم فتصدقا به ولكل منهما من الأجر بحسبه؟
    فالجواب: أنه ليس المقصود من الأضحية مجرد اللحم للانتفاع أو الصدقة به، وإنما المقصود بالأضحية إقامة شعيرة من شعائر الله على الوجه الذي شرعه الله ورسوله، فوجب تقييدها بحسب ما جاء به الشرع، ولذلك فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين شاة اللحم وشاة النسك حيث قال :
    "من ذبح قبل الصلاة فشاته شاة اللحم أو فهو لحم قدمه لأهله، ومن ذبح بعد الصلاة؛ فقد أصاب النسك ـ أو قال: فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين" ، كما فرق صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر بين ما دفع قبل الصلاة وما دفع بعدها، فالأول زكاة مقبولة، والثاني صدقة من الصدقات، مع أن كلا منهما صاع من طعام، لكن لما كان المدفوع قبل الصلاة على وفق الحدود الشرعية؛ كان زكاة مقبولة، ولما كان المدفوع بعدها على غير وفق الحدود الشرعية؛ لم يكن زكاة مقبولة، وهذه هي القاعدة العامة الشرعية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ، أي: مردود على صاحبه، وإن كانت نيته حسنة؛ لعموم الحديث.
    ولو كان التشريك في الملك جائزا في الأضحية بغير الإبل والبقر؛ لفعله الصحابة رضي الله عنهم؛ لقوة المقتضى لفعله فيهم، فإنهم كانوا أحرص الناس على الخير، وفيهم فقراء كثيرون قد لا يستطيعون ثمن الأضحية كاملة، ولو فعلوه لنقل عنهم؛ لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله لحاجة الأمة إليه ، ولا أعلم في ذلك حديثا إلا ما رواه الإمام أحمد من حديث أبي الأشد عن أبيه عن جده قال: كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرنا نجمع لكل واحد منا درهماً فاشترينا أضحية بسبعة دراهم فقلنا: يا رسول الله، لقد أغلينا بها فقال: "إن أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها" ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رجل برجل، ورجل برجل، ورجل بيد، ورجل بيد، ورجل بقرن، ورجل بقرن، وذبحها السابع وكبرنا عليها جميعا .
    قال الهيثمي: أبو الأشد لم أجد من وثقه ولا من جرحه، وكذلك أبوه. اه،.
    وقال في (بلوغ الأماني شرح ترتيب المسند) : والظاهر أن هذه الأضحية كانت من البقر؛ لأن الكبش لا يجزئ عن سبعة، والبعير لا قرون له، والبقرة هي التي تجزئ عن سبعة ولها قرون، فتعين أن تكون من البقر والله أعلم.
    وما استظهره ظاهر، ويؤيده أن الكبش لا يحتاج أن يمسك به السبعة، وفي إمساكهم به عسر وضيق، ويكفي في إمساكه واحد، اللهم إلا أن يقال: إن تكلف إمساكهم به ليس من أجل استعصائه؛ بل من أجل أن يحصل اشتراك الجميع في ذبحه، والله أعلم.
    ونزل ابن القيم هذا الحديث على معنى آخر وهو أن هؤلاء السبعة كانوا رفقة واحدة فنزلهم النبي صلى الله عليه وسلم منزلة أهل البيت الواحد في إجزاء الشاة عنهم.
    قلت: وفيه شيء؛ لأن أهل البيت لا يشتركون في الأضحية اشتراك ملك، وإنما يضحي الرجل عنه، وعن أهل بيته من ماله وحده فيتأدى به شعار الأضحية عن الجميع. ([5])
    وقد صرح الشافعية بمنع التشريك في الملك دون الثواب فقال النووي في(المنهاج وشرحه) : لو اشترك اثنان في شاة لم تجز، والأحاديث كذلك كحديث: " اللهم هذا عن محمد، وآل محمد" ، على أن المراد التشريك في الثواب لا الأضحية. ا.هـ.
    وفي(شرح المهذب) : لو اشترك اثنان في شاتين للتضحية لم تجزئهما في أصح الوجهين، ولا يجزئ بعض شاة بلا خلاف بكل حال. ا.هـ.
    وحمل حديث: " اللهم هذا عن محمد، وآل محمد" ، محمولة على أن المراد التشريك في الثواب متعين وظاهر؛ فإن آل محمد صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يشاركونه في شرائها، وقد سبق في حديث أبي رافع قوله: فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤونة برسول الله صلى الله عليه وسلم والغرم.
    وعلى هذا فإذا وجد وصايا لجماعة، كل واحد موص بأضحية ولم يكف المغل كل واحد منهم لأضحيته التي أوصى بها؛ فإنه لا يجوز جمع هذه الوصايا في أضحية واحدة لما عرفت من أنه لا يجوز اشتراك اثنين فأكثر اشتراك ملك في الأضحية إلا في الإبل والبقر. )) ([6])
    مسألة : اشترك جماعة من أشخاص في واحدة من الغنم أو في سبع من بعير أو بقرة ليضحوا بها عن شخص واحد .
    قال الإمام في (أحكام الأضحية والذكاة)(2/233) : (( لو اشترك شخصان فأكثر في واحدة من الغنم أو في سبع من بعير أو بقرة ليضحيا به عن شخص واحد؛ فالظاهر الجواز، فلو اشترى اثنان شاة أو كانا يملكانها بإرث أو هبة أو نحوهما ثم ضحيا بها عن أمهما أو عن أبيهما جاز، لأن الأضحية هنا لم تكن عن أكثر من واحد، وكما دفعا ثمنها إلى أمهما أو أبيهما فاشترى به أضحية فضحى بها؛ فهو جائز بلا ريب.
    وكذلك لو تعدد الموصون بالأضحية واتحد الموصى له بها ولم تكف غلة كل منهما لأضحيته؛ فالظاهر جواز جمع وصيتيهما مثل أن يوصي أخوان كل واحد منهما بأضحية لوالدتهما ثم لا تكفي غلة كل واحد منهما لأضحية كاملة فتجمع الوصيتان في أضحية واحدة قياسا على ما لو اشتركا في أضحية لها حال الحياة، وهذا ما ظهر لي في هذين الفرعين، والعلم عند الله سبحانه وتعالى. )) ا.هـ
    باب ما جاء في الأضحية عن الميت وتنفيذ وصيته .
    لقد بيّن ووضح الإمام ابن عثيمين هذا الباب أيما بيان في جمع من رسائله وفتاويه ، وفصل أقسامه ، وبيان الفاضل والمفضول منه نصيحة للمسلمين أحياء وأمواتا ، فلتقريب علم الشيخ للأمة ، وتوضيح تلك الأقسام التي جاءت في هذا الباب مما ذكرها ، استحسنت أن أجمع ما جاء عنه في ذلك ، مع تقطيع كلامه واستجماعه على حسب تلك الأقسام .
    قال ـ رحمه الله ـ ([7]) : الأصل في الأضحية أنها للحي كما كان النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه يضحون عن أنفسهم وأهليهم خلافا لما يظنه بعض العامة أنها للأموات فقط ، وأما الأضحية عن الأموات؛ فهي ثلاثة أقسام:
    القسم الأول : أن تكون تبعا للأحياء : كما لو ضحى الإنسان عن نفسه وأهله وفيهم أموات ، فهذا جائز ويحصل للميت به أجر، وقد جاءت بمثله السنة فقد ضحى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكبشين، أحدهما عنه وعن آله، والثاني عن أمته وهو شامل للحي والميت عن آله وأمته ، وكان يقول صلى الله عليه وسلم :" اللهم هذا عن محمد وعن آل محمد " ([8])
    القسم الثاني: أن يضحي عن الميت استقلالا تبرعا بدون وصية منه : (( مثل أن يضحي الإنسان عن أبيه وأمه، أو ابنه، أو أخيه، أو غيرهم من المسلمين فلا أعلم لذلك أصلاً من السنة إلا ما جاء في بعض روايات مسلم لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه في قصة أبي بردة بن نيار رضي الله عنه أنه قال: "يا رسول الله قد نسكت عن ابن لي".
    فإن صحت هذه الزيادة فقد يتمسك بها من يثبت جواز الأضحية عن الميت وحده حيث لم يسأله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ابنه أحيّ أم ميت ، ولو كان الحكم يختلف بين الحي والميت لاستفصل منه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لكن في هذا نظر؛ لأن المعهود أن الأضحية كانت في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الأحياء، والأموات تبع لهم ولا نعلم أنه ضحى عن الميت وحده في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذلك اعتمد من يجيزون الأضحية عن الميت وحده بدون وصية منه على قياس الأضحية على الصدقة حيث إن الكل عبادة مالية، قال ابن العربي المالكي في شرح صحيح الترمذي (ص 092 ج 6) :" اختلف أهل العلم هل يضحى عن الميت مع اتفاقهم على أنه يتصدق عنه، والضحية ضرب من الصدقة، لأنها عبادة مالية وليست كالصلاة والصيام " ا.هـ
    والخلاصة: أن الأضحية عن الميت وحده بدون وصية منه لا أعلم فيها نصًّا صريحاً بعينها، لكن إذا فعلت فأرجو أن لا يكون بها بأس، إلا أن الأفضل والأحسن أن يجعل المضحي الأضحية عنه وعنه أهل بيته الأحياء والأموات اقتداء بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وفضل الله واسع يكون الأجر بذلك للجميع إن
    شاء الله تعالى.)) ([9])
    2 ـ وقال : (( وإن كانت بتبرع من الحي فليست من العمل المأثور عن السلف الصالح؛ لأن ذلك لم ينقل عنهم، وعدم النقل عنهم مع توافر الدواعي، وعدم المانع، دليل على أن ذلك ليس معروفًا بينهم، وقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - حين ذكر انقطاع عمل ابن آدم بموته إلى الدعاء له ، ولم يرشد إلى العمل له، مع أن سياق الحديث في ذكر الأعمال الجارية له بعد موته.
    وقد قرأت ما كتبته أنت أعلاه فأعجبني ورأيته صحيحَا. وفق الله الجميع للعمل بما يرضيه.
    لكن لا ننكر على من ضحى عن الميت، وإنما ننبه على ما كان يفعله غير من الناس سابقًا، فإن الواحد يضحي تبرعًا عن الأموات ولا يضحي عن نفسه وأهله، بل كان بعضهم لا يعرف أن الأضحية سنة إلا عن الأموات إما تبرعَا أو بوصية ، وهذا من الخطأ الذي يجب على أهل العلم بيانه ، كتبه محمد الصالح العثيمين حرر في 8/16/1419 هـ. )) ا.هـ ([10])
    3 ـ وقال في ( لقاء الباب المفتوح)(52/ 23) : (( فالمشروع أن الأضحية عن الأحياء فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، وأنت إذا ضحيت بالشاة عنك وعن أهل بيتك ونويت بها كل أهل بيتك وأقاربك الذين ماتوا فلا بأس؛ لأنهم يدخلون في العموم، وأما تخصيص الميت بأضحية تبرعاً من عندك فإن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم يضح النبي صلى الله عليه وسلم عن زوجته خديجة رضي الله عنها مع أنها من أحب النساء إليه، ولم يضح عن عمه حمزة رضي الله عنه مع أنه من أحب الناس إليه، ولم يضح عمن مات من أقاربه وبناته، فدل ذلك على أن هذا ليس بمشروع، ولكن
    لو أن إنساناً فعل فإننا لا نعيبه، بل نرشده إلى ما هو أفضل وهو الدعاء للميت. )) ا.هـ
    تنبيهات وتحذيرات مما وقع في هذا القسم من الأخطاء والمخالفات
    1 ـ قال الإمام : (( من الخطأ ما يفعله بعض الناس اليوم يضحون عن الأموات تبرعا أو بمقتضى وصاياهم، ثم لا يضحون عن أنفسهم وأهليهم الأحياء، فيتركون ما جاءت به السنة، ويحرمون أنفسهم فضيلة الأضحية، وهذا من الجهل، وإلا فلو علموا بأن السنة أن يضحي الإنسان عنه وعن أهل بيته فيشمل الأحياء والأموات، وفضل الله واسع.)) ا.هـ ([11])
    2 ـ وقال في (لقاء الباب المفتوح)(105/ 12) : (( .. الدعاء لهما أفضل من الصدقة لهما, وأفضل من الحج لهما, وأفضل من الأضحية لهما, وأفضل من كل عمل [12]؛ لأن هذا هو الذي دلنا عليه الرسول صلى الله عليه وسلم, ولا أظن أن أحداً يشك أن أعظم إنسان يدل على الخير هو الرسول صلى الله عليه وسلم, لا يمكن أن يحجب عنا الخير إطلاقاً, وقد قال: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية -أي: يعمل لنفسه عملاً يكون صدقة جارية له خلال حياته- أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له "،ولا يعمل له ، يدعو له، مع أن سياق الحديث في العمل, فلو كان العمل للميت أمراً مشروعاً لقال: أو ولد صالح يعمل له, أو يصلي أو يزكي أو ما أشبه ذلك لكن المشكلة أن العوام يقولون: لا, ويصرون على أن يتصدق أحدهم أو يعتمر لوالده أو يحج وما أشبه ذلك، ولو فتشت ما وجدته يدعو إلا قليلاً لوالده, وهذا لا شك أنه اختيار المرجوح على الراجح, نقول: يا أخي! اذهب واعتمر لنفسك وادع لأبيك في الطواف وفي السعي وفي الصلاة, أما أن تجعل عباداتك التي أنت ستحتاج إليها يوماً من الدهر تجعلها لهؤلاء الأموات الذين انقطع عملهم وتترك ما أرشدك إليه الرسول عليه الصلاة والسلام؟ هذا خطأ.
    لقد أسمعت لو ناديت حياً ... ولكن لا حياة لمن تنادي
    إلا أن الناس الآن -الحمد لله- يسرنا كثيراً أنهم بدءوا ينتبهون, كنا نعهد سابقاً أنه لا أضحية إلا لميت, حتى لو قعدت أضحي لنفسي قالوا: باسم الله عليك! أنت ميت؟ الأضحية للميت, لا يعرفون أن الأضحية للحي, لكن الآن -الحمد لله- انتبهوا وصاروا يعرفون أن الأضاحي للأحياء, والأموات يدخلون تبعاً إذا قلت: اللهم إن هذه عني وعن أهل بيتي وفيهم ميت يدخل تبعاً, أو لهم وصايا هم أوصوا بها نعم يضحى لهم بها. )) ا.هـ
    3 ـ وقال : (( إن بعض الناس يضحي بأضحية عن الميت أول سنة من موته يسمونها: أضحية الحفرة، أو أضحية الدفنة، وهذا من البدع؟ لأن تخصيص الميت بأضحية بهذا الاسم في أول سنة يموت لم يرد عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه، فيكون من البدع التي ابتدعها الناس، وكل بدعة ضلالة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم )) ([13])
    4 ـ سئل - رحمه الله-: يقوم البعض بذبح الذبائح عند دخول شهر ذي الحجة، ويقولون: اللهم اجعلها
    لأرواح موتانا فهل يصح فعلهم؟
    فأجاب بقوله: (( هذا ليس بصحيح، بل. هو بدعة ولا يتقرب بالذبح لله إلا فيما وردت به السنة وهي
    ثلاثة أمور:
    الأول: الأضاحي.
    الثاني: الهدايا للبيت الحرام.
    والثالث: العقيقة.
    هذه هي الذبائح المشروعة، وأما ما عداها فليس بمشروع، ثم إن زعمهم أن هذا حج الأموات ليس بصحيح، فالأموات انقطعت أعمالهم، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له" ، وهذا ليس من الصدقة الجارية؛ لأن معنى الصدقة الجارية أن الإنسان يوقف شيئًا ينتفع الناس به بعد موته، والعلم الذي ينتفع به من بعده إذا علم أحدًا علمًا نافعًا فعملوا به بعد موته، أو علموه، انتفع به، والولد الصالح الذي يدعو له الذكر أو الأنثى من أولاده إذا دعا له انتفع به.)) ([14])
    القسم الثالث: أن يضحي عن الميت بموجب وصية منه تنفيذا لوصيته : فتنفذ كما أوصى بدون زيادة ولا نقص، والأصل في ذلك قوله تعالى في الوصية:{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: 181] ، والأضحية ليست جنفاً ولا إثماً، بل هي عبادة مالية من أفضل العبادات والشعائر ، وروي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه ضحى بكبشين وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني أن أضحي عنه فأنا أضحي عنه. رواه أبو داود، ورواه بنحوه الترمذي وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك . ا.هـ.
    قلت: وفي إسناده مقال ، وقال مرة : لكن الحديث سنده ضعيف عند أهل العلم، وعلى كل حال فالعمدة على آية الوصية. ([15])
    حكم تنفيذها
    قال الإمام : (( الأضحية عن الميت إن كانت بوصية منه مما أوصى به وجب تنفيذها؛ لأنها من عمله وليست جنفاً ولا إثماً.)) ([16])
    تنبيهات وفوائد مما تخص هذا القسم
    قال الإمام في (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 222 ـ 223) :
    1 ـ إذا كانت الوصية بأضاحي متعددة ولم يكف المغل لتنفيذها مثل أن يوصي شخص بأربع ضحايا: واحدة لأمه، وواحدة لأبيه وواحدة لأولاده، وواحد لأجداده وجداته، ولم يكف المغل إلا لواحدة فإن تبرع الوصي بتكميل الضحايا الأربع من عنده فنرجو أن يكون حسنا، وإن لم يتبرع جمع الجميع في أضحية واحدة كما لو ضحى عنهم في حياته.
    2 ـ إن كانت الوصية في أضحية واحدة ولم يكف المغل لها فإن تبرع الوصي بتكميلها من عنده فنرجو أن يكون حسنا، وإن لم يتبرع أبقى المغل إلى السنة الثانية والثالثة حتى يكفي الأضحية فيضحي به، فإن كان المغل ضئيلا لا يكفي لأضحية إلا بعد سنوات يخشى من ضياعه في إبقائه إليها، أو من أن تزايد قيم الأضاحي فإن الوصي يتصدق بالمغل في عشر ذي الحجة ولا يبقيه؛ لأنه عرضة لتلفه، وربما تتزايد قيم الأضاحي كل عام، فلا يبلغ قيمة الأضحية مهما جمعه، فالصدقة به خير.
    واخترنا أن يتصدق به في عشر ذي الحجة؛ لأنه الزمن الذي عين الموصي تنفيذ وصيته فيه، ولأن العشر أيام فاضلة، والعمل الصالح فيها محبوب إلى الله عز وجل، قال النبي صلي الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها محبوب إلى الله من هذه الأيام العشر"، وقالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال:" ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء" .
    3 ـ يذكر بعض الموصين في وصيته قدراً معيناً للموصي به مثل أن يقول: يضحي عني ولو بلغت الأضحية ريالا. يقصد المغالاة في ثمنها؛ لأنها في وقت وصيته بربع ريال أو نحوه، فيقوم بعض من لا يخشى الله من الأوصياء فيعطل الوصية بحجة أن الريال لا يمكن أن يبلغ ثمن الأضحية الآن، وهذا حرام عليه، وهو آثم بذلك، ويجب تنفيذ الوصية بالأضحية، وإن بلغت آلاف الريالات مادام المغل يكفي لذلك؛ لأن مقصود الموصي معلوم، وهو المبالغة في قيمة الأضحية مهما زادت، وذكره الريال على سبيل التمثيل، لا على سبيل التحديد. ا.هـ
    4 ـ سئل رحمه الله-: رجل يقول: عمتي قد أوصت بأضحية وعشاء في رمضان، وعندي لها ما يقرب من عشرين ألف ريال، وهذا المبلغ لا أستطيع أن أشتري به عقارًا أنفذ الوصية من ..، فهل يمكن أن أشتري به أسهَما من شركة الكهرباء مثلاً، وأنفذ الوصية من ربح هذه الأسهم؟
    فأجاب بقوله: نعم يمكن ذلك؛ لأن فيه مصلحة. كتبه محمد الصالح العثيمين في 6/9/1408هـ. ([17])
    5 ـ سئل فضيلته: إذا أوصى الميت بأضحية، ثم قال أحد الأقارب أو الأولاد أنا أضحي عن الميت من جيبي، فهل يجوز للوكيل مثلا أن يقبل ولا يضحي من دراهم الميت، وإذا وقع ذلك فما الحكم؟
    فأجاب بقوله: الواجب على الوكيل أن ينفذ الوصية التي وكلت إليه، ومن أراد أن يضحي عن الميت فإنه
    لا يمنع، ولكن الوصية لابد من تنفيذها ، وأنا قلت كلمة (الوكيل) مجاراة للسؤال، وإلا فالصواب: (الوصي) ؛ لأن المتولي لغيره إن كان الغير حيًّا فهو (وكيل) ، وإن كان ميتًا فهو (وصي) ، وإن كان على مال يتيم ونحوه فهو (ولي) ، وإن كان على وقف فهو (ناظر) . قاله كاتبه: محمد الصالح العثيمين في 18/12/1390هـ. ([18])
    6 ـ سئل الشيخ : إذا أوصى بأضحية، فهل الورثة مخيرون بين ذبح شاة وبين الاشتراك في سبع بدنة أم لا؟
    فأجاب : إذا أوصى الميت بأضحية فإن الواجب على الوصي أن يختار ما هو أفضل وأكمل، ومعلوم أن الشاة أفضل من سبع البدنة أو البقرة لكن إذا كانت الوصية قليلة لا تكفي للواحدة من الضأن أو الماعز وتكفي للسبع من البدنة أو البقرة فحينئذ يشتري سبع بدنة أو بقرة.([19])
    يتبع إن شاء الله ..


    ([1]) مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (25/ 43 ـ 44)

    ([2]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 45 ـ 46)

    ([3]) (دروس الشيخ العثيمين)(5/ 15)

    ([4]) رواه الترمذي، كتاب الأضاحي باب رقم (20) حديث رقم (1521) وأحمد (3/8، 3/356) .

    ([5]) ما بينه الإمام ابن عثيمين هنا ، قد أيضا استظهره الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) (4/ 174 ـ 175) حيث قال : (( 1678 - " إن أفضل الضحايا أغلاها وأسمنها " ، ضعيف.
    أخرجه الإمام أحمد (3 / 424) وأبو العباس الأصم في " حديثه " (1 / 140 / 1) ومن طريقه الحاكم (4 / 231) وكذا البيهقي (9 / 168) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (3 / 197 / 1) من طريق عثمان بن زفر الجهني: حدثني أبو الأشد (وقال الأصم: أبو الأسد) السلمي عن أبيه عن جده قال: " كنت سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فأمرنا أن نجمع لكل رجل منا درهما، فاشترينا أضحية بسبعة دراهم، فقلنا: يا رسول الله! لقد أغلينا بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ رجل برجل، ورجل برجل، ورجل بيد، ورجل بيد، ورجل بقرن، ورجل بقرن، وذبحها السابع، وكبرنا عليها جميعا ". سكت عليه الحاكم، وأما الذهبي فقال في " تلخيصه ": " قلت: عثمان ثقة "! فوهم، وأوهم!! أما الوهم، فإن عثمان هذا ليس بثقة، بل هو مجهول كما قال الحافظ في " التقريب "، ولم يوثقه أحد غير ابن حبان! ولعل الذهبي توهم أنه عثمان بن زفر التيمي، فهذا ثقة، ولكنه آخر دون هذا في الطبقة، من شيوخ أبي حاتم وأبي زرعة وغيرهما. وأما الإيهام، فهو بسبب توثيقه لعثمان، وسكوته عمن فوقه، فإنه بذلك يوهم أنه ليس فيهم من يعل به الحديث، وليس كذلك، فإن أبا الأشد مجهول أيضا، وبه أعله الهيثمي فقال في " المجمع " (4 / 21) : " رواه أحمد، وأبو الأشد، لم أجد من وثقه ولا جرحه، وكذلك أبوه، وقيل: إن جده عمرو بن عبس ". وأورده الحافظ في " التعجيل "، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.
    والحديث أورده البيهقي في " باب الرجل يضحي عن نفسه وعن أهل بيته "! وقال ابن القيم في " إعلام الموقعين "(3 / 502) : " نزل هؤلاء النفر منزلة أهل البيت الواحد في إجزاء الشاة عنهم، لأنهم كانوا رفقة واحدة ".
    وأقره في " عون المعبود " (3 / 57) ، وفيه نظر من وجهين: الأول: أن الحديث لا يصح لما عرفت.
    والثاني: أنه لو صح لكان دليلا على جواز الاشتراك في الشاة الواحدة من سبعة نفر، كما هو الشأن في البقرة، ولو كانوا من غير بيت واحد، على أن الحديث لم ينص فيه على الشاة، فيحتمل أن الأضحية كانت بقرة، ولو أن هذا فيه بعد. والله أعلم. )) ا.هـ ( ب)

    ([6]) (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 230 ـ 233)

    ([7]) (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 221)

    ([8]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(17/ 270) ، (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 221 ـ 223)

    ([9]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(17/ 270)

    ([10]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 115 ـ 116)

    ([11]) (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 222)

    ([12]) قلت ( بشير) : للإمام الألباني ـ رحمه الله ـ كلام قوي متين في تحقيق هذه المسألة ، فلقوته أحببت أن أتحف القراء الكرام به ، وأنقله لهم بحروفه وطوله لنفاسته وللاحتياج إليه ، قال في كتابه الفذ ( أحكام الجنائز وبدعها / ط مكتبة المعارف)(219 ـ 223) : ((قال الشوكاني في (نيل الاوطار) (4/ 79): (وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما، ويصل إليهما ثوابها، فيخصص بهذه الأحاديث عموم قوله تعالى "وأن ليس للانسان إلا ما سعى" ، ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد، وقد ثبت أن ولد الإنسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص، وأما من غير الولد فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت، فيوقف عليها، حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصها).
    قلت: وهذا هو الحق الذي تقضيه القواعد العلمية، أن الآية على عمومها وأن ثواب الصدقة وغيرها يصل من الولد إلى الوالد لأنه من سعيه بخلاف غير الولد، لكن قد نقل النووي وغيره الإجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصله ثوابها، هكذا قالوا (الميت) فأطلقوه ولم يقيدوه بالوالد، فإن صح هذا الإجماع كان مخصصا للعمومات التي أشار إليها الشوكاني فيها يتعلق بالصدقة، ويظل ما عداها داخلا في العموم كالصيام وقراءة القرآن ونحوهما من العبادات، ولكنني في شك كبير من صحة الإجماع المذكور، وذلك لأمرين:
    الأول: أن الإجماع بالمعنى الأصولي لا يمكن تحققه في غير المسائل التي علمت من الدين بالضرورة، كما حقق ذلك العلماء الفحول، كابن حزم في (أصول الأحكام) والشوكاني في (إرشاد الفحول) والأستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه (أصول الفقه) وغيرهم، وقد أشار إلى ذلك الإمام أحمد في كلمته المشهورة في الرد على من أدعى الإجماع - ورواها عنه أبنه عبد الله بن أحمد في (المسائل).
    الثاني: أنني سبرت كثيرا من المسائل التي نقلوا الإجماع فيها، فوجدت الخلاف فيها معروفا! بل رأيت مذهب الجمهور على خلاف دعوى الإجماع فيها، ولو شئت أن أورد الأمثلة على ذلك لطال الكلام وخرجنا به عما نحن بصدده... وذهب بعضهم إلى قياس غير الوالد على الوالد، وهو قياس باطل من وجوه:
    الأول: أنه مخالف العموميات القرآنية كقوله تعالى {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} [فاطر: 18] وغيرها من الآيات التي علقت الفلاح ودخول الجنة بالأعمال الصالحة، ولا شك أن الوالد يزكي نفسه بتربيته لولده وقيامه على فكان له أجره بخلاف غيره.
    الثاني: أنه قياس مع الفارق إذا تذكرت إن الشرع جعل الولد من كسب الوالد كما سبق في حديث عائشة فليس هو كسبا لغيره، والله عز وجل يقول: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38] ويقول {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].
    وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله عز وجل {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39]: (أي كما لا يحمل عليه وزر غيره، كذلك لا يحصل من الأجر إلا ما كسب هو لنفسه.
    ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل أهداه ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته، ولا حثهم عليه، ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء) .
    وقال العز بن عبد السلام في (الفتاوى) (24/ 2 - عام 1692): (ومن فعل طاعة الله تعالى، ثم أهدى ثوابها إلى حي أو ميت، لم ينتقل ثوابها إليه، إذ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}، فإن شرع في الطاعة ناويا أن يقع عن الميت لم يقع عنه، إلا فيما استثناه الشرع كالصدقة والصوم والحج).
    وما ذكره ابن كثير عن الشافعي رحمه الله تعالى هو قول أكثر العلماء وجماعة من، الحنفية كما نقله الزبيدي في (شرح الإحياء) (10/ 369).
    الثالث: أن هذا القياس لو كان صحيحا، لكان من مقتضاه استحباب إهداء الثواب إلى الموتى ولو كان كذلك لفعله السلف، لأنهم أحرس على الثواب منا بلا ريب، ولم يفعلوا ذلك كما سبق في كلام ابن كثير، فدل هذا على أن القياس المذكور غير صحيح، وهو المراد.
    وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (الاختيارات العلمية) (ص 54): (ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا أو صاموا تطوعا أو حجوا تطوعا، أو قروؤا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل).
    وللشيخ رحمه الله تعالى قول آخر في المسألة، خالف فيه ما ذكره آنفا عن السلف، فذهب إلى أن الميت ينتفع بجميع العبادات من غيره!.
    وتبنى هذا القول وانتصر له ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (الروح) بما لا ينهض من القياس الذي سبق بيان بطلانه قريبا، وذلك على خلاف ما عهدناه منه رحمه الله من ترك التوسع في القياس في الأمور التعبدية المحضة لا سيما ما كان عنه على خلاف ما جرى عليه السلف الصالح رضي الله عنهم ....
    وقد استغل هذا القول كثير من المبتدعة، واتخذوه ذريعة في محاربة السنة، واحتجوا بالشيخ وتلميذه على أنصار السنة وأتباعها، وجهل أولئك المبتدعة أو تجاهلوا أن أنصار السنة، لا يقلدون في دين الله تعالى رجلا بعينة كما يفعل أولئك! ولا يؤثرون على الحق الذي تبين لهم قول أحد من العلماء مهما كان اعتقادهم حسنا في علمه وصلاحه، وأنهم إنما ينظرون إلى القول لا إلى القائل، وإلى الدليل، وليس إلى التقليد، جاعلين نصب أعينهم قول إمام دار الهجرة (ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر)! وقال: (كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر).
    وإذا كان من المسلم به عند أهل العلم أن لكل عقيدة أو رأى يتبناه في هذه الحياة أثرا في سلوكه إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، فإن من المسلم به أيضا، أن الأثر يدل على المؤثر، وأن أحدهما مرتبط بالأخر، خيرا أو شرا كما ذكرنا، وعلى هذا فلسنا نشك أن لهذا القول أثرا سيئا في من يحمله أو يتبناه، من ذلك مثلا أن صاحبه يتكل في تحصيل الثواب والدرجات العاليات على غيره، لعلمه أن الناس يهدون الحسنات مئات المرات في اليوم الواحد إلى جميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، وهو واحد منهم، فلماذا لا يستغني حينئذ بعمل غيره عن سعيه وكسبه!
    ألست ترى مثلا أن بعض المشايخ الذين يعيشون على كسب بعض تلامذتهم، لا يسعون بأنفسهم ليحصلوا على قوت يومهم بعرق جبينهم وكد يمينهم! وما السبب في ذلك إلا أنهم استغنوا عن ذلك بكسب غيرهم! فاعتمدوا عليه وتركوا العمل، هذا أمر مشاهد في الماديات، معقول في المعنويات كما هو الشأن في هذه المسألة.
    وليت أن ذلك وقف عندها، ولم يتعدها إلى ما هو أخطر منها، فهناك قول بجواز الحج عن الغير ولو كان غير معذور كأكثر الأغنياء التاركين للواجبات فهذا القول يحملهم على التساهل في الحج والتقاعس عنه، لأنه يتعلل به ويقول في باطنه: يحجون عني بعد موتي! بل إن ثمة ما هو أضر من ذلك، وهو القول بوجوب إسقاط الصلاة، عن الميت التارك لها! فإنه من العوامل الكبيرة على ترك بعض المسلمين للصلاة، لأنه يتعلل بأن الناس يسقطونها عنه بعد وفاته!
    إلى غير ذلك من الأقوال التي لا يخفى سوء أثرها علي المجتمع، فمن الواجب على العالم الذي يريد الإصلاح أن ينبذ هذه الأقوال لمخالفتها نصوص الشريعة ومقاصدها الحسنة.
    وقابل أثر هذه الأقوال بأثر قول الواقفين عند النصوص لا يخرجون عنها بتأويل أو قياس تجد الفرق كالشمس. فإن من لم يأخذ بمثل الأقوال المشار إليها لا يعقل أن يتكل على غيره في العمل والثواب، لأنه يرى أنه لا ينجيه إلا عمله، ولا ثواب له إلا ما سعى إليه هو بنفسه، بل المفروض فيه أن يسعى ما أمكنه إلى أن يخلف من بعده أثرا حسنا يأتيه أجره، وهو وحيد في قبره، بدل تلك الحسنات الموهومة، وهذا من الأسباب الكثيرة في تقدم السلف وتأخرنا، ونصر الله إياهم، وخذلانه إيانا، نسأل الله تعالى أن يهدينا كما هداهم، وينصرنا كما نصرهم.)) ا.هـ

    ([13]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 25)

    ([14]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 122 ـ 123)

    ([15]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/26 ـ 27) ، (أحكام الأضحية والذكاة)(2/222)

    ([16]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(17/ 244)

    ([17]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 46)

    ([18]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 47)

    ([19]) (دروس الشيخ العثيمين)(5/ 18)

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,499

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    احسن الله اليك ونفع الله بك

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Mar 2013
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    85

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    جزاكم الله خيراً

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    بارك الله فيكما

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    باب ما جاء في جنس ما يضحى به

    قال الإمام في (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 229 ـ 230)
    (( الجنس الذي يضحى به: بهيمة الأنعام فقط لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى
    مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}[الحج: 34].
    وبهيمة الأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم من ضأن ومعز، جزم به ابن كثير وقال: قاله الحسن وقتادة وغير واحد، قال ابن جرير: وكذلك هو عند العرب. ا.هـ.
    ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن" . رواه مسلم ، والمسنة: الثنية فما فوقها من الإبل والبقر والغنم، قاله أهل العلم رحمهم الله.
    ولأن الأضحية عبادة كالهدي، فلا يشرع منها إلا ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه أهدى أو ضحى بغير الإبل والبقر والغنم.)) ا.هـ
    أفضل الضحايا
    قال الإمام في (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 229)
    (( الأفضل منها:الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم سبع البعير ثم سبع البقرة.
    والأفضل من كل جنس أسمنه، وأكثره لحما، وأكمله خلقة، وأحسنه منظراً، في(صحيح البخاري) عن أنس
    بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين .
    والأملح ما خالط بياضه سواد.
    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد، وينظر في سواد، ويمشي في سواد. أخرجه الأربعة. وقال الترمذي: حسن صحيح .
    وعن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين، وفي لفظ: موجوأين يعنى خصيين. رواه أحمد
    فالفحل أفضل من الخصي من حيث كمال الخلقة؛ لأن جميع أعضائه لم يفقد منها شيء، والخصي أفضل من حيث أنه أطيب لحما في الغالب.))
    ومما جاء عنه من الفتاوى في هذا الباب أنه سئل ـ رحمه الله ـ : أيهما أفضل في الأضحية كبيرة الحجم كثيرة الشحم واللحم أم غالية الثمن؟
    فأجاب بقوله: (( هذه مسألة هل الأفضل في الأضحية رفيعة القيمة أو السمينة الكبيرة؟
    الغالب أنهما متلازمان وأن الكبيرة ذات اللحم الكثير تكون أفضل، لكن أحيانًا يكون بالعكس، فإذا نظرنا إلى منفعة الأضحية قلنا الكبيرة أفضل، وإن قلَّت قيمتها، وإن نظرنا إلى صدق التعبد لله عز وجل قلنا كثيرة الثمن أفضل ، لأن بذل الإنسان المال الكثير تعبدًا لله يدل على كمال عبادته وصدق عبادته .
    والجواب أن نقول: انظر ما هو أصلح لقلبك فافعله ما دام المصلحتان قد تعارضتا، فانظر ما هو أصلح لقلبك، فإن رأيت أن النفس يزداد إيمانها وذلها لله عز وجل ببذل الثمن فابذل الثمن الكثير. )) ([1])
    2 ـ سئل فضيلته : ورد في كلامكم في فضل الأضحية أنها كلما كانت أكمل كلما كانت أفضل مع أن الثنية من الضأن أفضل لحمًا وأقل ثمنًا عند الناس من التي أكبر منها فأيهما أفضل؟
    فأجاب بقوله: (( الأفضل ما كانت أكثر لحمًا وأنفع للفقراء، وإن كان بعض العلماء يقول ما كانت أكثر ثمنًا، فالمسألة فيها خلاف بين العلماء إذا كان الأمر بين أن تكون أكثر ثمنًا أو أكثر لحمًا وأنفع، فمن العلماء من يرجح ما كانت أكثر ثمنًا ، لأن كون الإنسان يبذل المال الأكثر في مرضاة الله هذه درجة عالية، ومنهم من يقول: إذا كان القصد نفع الفقراء، ونفع الأهل والأكل فإن الأفضل ما كان أكثر لحمًا، فكل من العلماء نظر إلى ناحية، ولكن الذي يظهر أن الأفضل ما كان أنفع للفقراء وأكثر للحم لتكثر الهدية والصدقة والأكل، اللهم إلا أن يمتاز الأقل بفضل آخر أو بميزة أخرى، مثل أن يكون أطيب لحمًا وأشهى للناس، ويكون الناس في زمن الرفاهية لا يأكلون من اللحوم إلا ما كان غضًا طريًا فهنا يرجح. )) ([2])
    فائدة :جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة)(11/ 398)
    (( السؤال الأول من الفتوى رقم (1149) : أيهما أفضل في الأضحية: الكبش أم البقر؟
    الجواب : أفضل الأضاحي البدنة، ثم البقرة، ثم الشاة، ثم شرك في بدنة -ناقة أوبقرة-؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الجمعة: «من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة» ووجه الدلالة من ذلك: وجود المفاضلة في التقرب إلى الله بين الإبل والبقر والغنم، ولا شك أن الأضحية من أعظم القرب إلى الله تعالى، ولأن البدنة أكثر ثمنا ولحما ونفعا، وبهذا قال الأئمة الثلاثة أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد ، وقال مالك: الأفضل الجذع من الضأن، ثم البقرة، ثم البدنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا الأفضل.
    والجواب عن ذلك: أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم قد يختار غير الأولى رفقا بالأمة؛ لأنهم يتأسون به، ولا يحب صلى الله عليه وسلم أن يشق عليهم، وقد بين فضل البدنة على البقر والغنم كما سبق. والله أعلم.
    وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
    عبد الله بن منيع ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز)) ا.هـ
    وجاء عنها أيضا (11/ 415)
    (( السؤال الخامس من الفتوى رقم (5637) : يقول كثير من الناس: إن الضبع يضحى به عن سبعة أنفار.
    الجواب : لا يضحى بالضبع لا عن واحد ولا عن سبعة؛ لأن الضحية الشرعية إنما تكون من الإبل والبقر والغنم ، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز )) ا.هـ
    باب ما جاء في شروط ما يضحى به، وبيان العيوب المانعة من الإجزاء
    قال الإمام في (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 235)
    (( الأضحية عبادة وقربة إلى الله تعالى فلا تصح إلا بما يرضاه سبحانه، ولا يرضى الله من العبادات إلا ما جمع شرطين:
    أحدهما: الإخلاص لله تعالى، بأن يخلص النية له، فلا يقصد رياء ولا سمعة ولا رئاسة ولا جاهاً، ولا عرضاً من أعراض الدنيا، ولا تقربا إلى مخلوق.
    الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}[البينة: 5]، فإن لم تكن خالصة لله؛ فهي غير مقبولة، قال الله تعالى في الحديث القدسي:" أنا أغنى الشركاء عن الشرك، ومن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" .
    وكذلك إن لم تكن على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي مردودة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"، وفي رواية:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه
    فهو رد" ، أي مردود .
    ولا تكن الأضحية على أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا باجتماع شروطها وانتفاء موانعها.
    وشروطها أنواع: منها ما يعود للوقت، ومنها ما يعود لعدد المضحين بها، وسبق تفصيل القول فيهما، ومنها ما يعود للمضحي به وهي أربعة:
    الأول: أن يكون ملكا للمضحي غير متعلق به حق غيره، فلا تصح الأضحية بما لا يملكه؛ كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه؛ لأن الأضحية قربة إلى الله عز وجل، وأكل مال الغير بغير حق معصية، ولا يصح التقرب إلى الله بمعصية، ولا تصح الأضحية أيضا بما تعلق به حق الغير كالمرهون إلا برضا من له الحق، ونقل في(المغني) عن أبي حنيفة فيمن غصب شاة فذبحها عن الواجب عليه تجزئه إن رضي مالكها، ووجهه أنه إنما منع منها لحق الغير، فإذا علم رضاه بذلك زال المانع.
    الثاني: أن يكون من الجنس الذي عينه الشارع، وهو الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها، وسبق بيان ذلك .([3])
    الثالث: بلوغ السن المعتبر شرعا، بأن تكون ثنيا إن كان من الإبل أو البقر أو المعز، وجذعا إن كان من الضأن؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن " رواه مسلم .
    وظاهره لا تجزئ الجذعة من الضأن إلا عند تعسر المسنة، ولكن حمله الجمهور على أن هذا على سبيل الأفضلية وقالوا: تجزئ الجذعة من الضأن ولو مع وجود الثنية وتيسرها، واستدلوا بحديث أم بلال ـ امرأة من أسلم ـ عن أبيها هلال عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجوز الجذع من الضأن ضحية " ، رواه أحمد وابن ماجه ، وله شواهد منها :
    حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجذع من الضأن، رواه النسائي ، قال في (نيل الأوطار) : إسناد رجاله ثقات.
    ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن "، رواه أحمد والترمذي .
    وفي (الصحيحين) عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة، فقال يا رسول الله، صارت لي جذعة، فقال: (ضح بها) .
    فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر ما تم له سنتان، والثني من الغنم ضأنها ومعزها ما تم له سنة، والجذع من الضأن: ما تم له نصف سنة . ([4])
    قلت ( بشير) : إن ما استظهره الإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ هنا من الشرطية المعتبرة في سن الأضحية شرعا ، وما يجزيء فيها ، مع تدليله على ذلك بحديث :" لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن " رواه مسلم .
    ثم قال : (( ظاهره لا تجزئ الجذعة من الضأن إلا عند تعسر المسنة، ولكن حمله الجمهور على أن هذا على سبيل الأفضلية وقالوا: تجزئ الجذعة من الضأن ولو مع وجود الثنية وتيسرها، واستدلوا بحديث أم بلال ـ امرأة من أسلم ـ عن أبيها هلال عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجوز الجذع من الضأن ضحية " )) وذكر شواهده ، حملني على معرفة مخارج كلام الشيخ والنظر في علة تلك الشواهد على شيء من توسع وإطناب ، معتمدا في ذلك على تخريجات وتحقيقات الإمام الألباني، فانتهى بي المطاف إلى ما ذكره ونبه عليه الإمام الألباني ، فلفائدته وغزارة مادته ونفاسة بحثه وخلاصته ، جادت نفسي على نقله للقراء وطلبة العلم الكرام ليتأملوا ويتفكروا في فقهه ونفاسة علمه ، فيكون حافزا لهم على زيادة البحث والتحقيق في هذه المسألة واستخراج كنوزها وأسرارها ، وبيان الراجح فيها ، وقد وسع الكلام فيها الحافظ النووي في ( شرح مسلم)(13/ 117) ، والحافظ العراقي في (طرح التثريب في شرح التقريب)(5/ 191 ) ، والحافظ ابن حجر في (فتح الباري)(10/ 13) ، فليرجع إليهم ، أما في جمعي هذا ، فلا أبخل على إخواني بنقل كلام وبحث الإمام الألباني في هذه المسألة :
    قال في (سلسلة الأحاديث الضعيفة)(1/ 157 ـ 165) عند بيان علة حديث " يجوز الجذع من الضأن أضحية " ((ضعيف ، أخرجه ابن ماجه (2 / 275) والبيهقي وأحمد (6 / 338) من طريق محمد بن أبي يحيى مولى الأسلميين عن أمه عن أم بلال بنت هلال عن أبيها مرفوعا، وهذا سند ضعيف من أجل أم محمد بن أبي يحيى فإنها مجهولة كما قال ابن حزم (7 / 365) وقال: وأم بلال مجهولة، ولا ندري لها صحبة أم لا، قال السندي ، قال الدميري: أصاب ابن حزم في الأول، وأخطأ في الثاني، فقد ذكر أم بلال في الصحابة ابن منده وأبو نعيم ، وابن عبد البر، ثم قال الذهبي في" الميزان ": إنها لا تعرف ووثقها العجلي.
    قلت: الحق ما قاله ابن حزم فيها، فإنها لا تعرف إلا في هذا الحديث، ومع أنه ليس فيه التصريح بصحبتها ففي الإسناد إليها جهالة كما علمت فأنى ثبوت الصحبة لها؟ ! ثم من الغرائب أن يسكت الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 217 - 218) على هذا الحديث مع ثبوت ضعفه! وفي الباب أحاديث أخرى أوردها ابن حزم في " المحلى " (7 / 364 - 365) وضعفها كلها، وقد أصاب إلا في تضعيفه لحديث عقبة بن عامر قال: ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بجذع من الضأن.
    أخرجه النسائي (2 / 204) والبيهقي (9 / 270) من طريق بكير بن الأشج عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عنه، وهذا إسناد جيد رجاله ثقات، وإعلال بن حزم له بقوله: ابن خبيب هذا مجهول، غير مقبول، فإن معاذا هذا وثقه ابن معين وأبو داود وابن حبان وقال الدارقطني: ليس بذاك ولهذا قال الحافظ في " الفتح " بعد أن عزاه للنسائي: سنده قوي، لكن رواه أحمد (4 / 152) من طريق أسامة بن زيد عن معاذ به بلفظ: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجذع؟ فقال: " ضح به، لا بأس به "، وإسناده حسن وهو يخالف الأول في أنه مطلق، وذاك خاص في الضأن، وعلى الأول فيمكن أن يراد به الجذع من المعز وتكون خصوصية لعقبة، لحديثه الآخر قال: قسم النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت: يا رسول الله صارت لي جذعة، وفي رواية عتود وهو الجذع من المعز قال: " ضح بها "، أخرجه البخاري (10 / 3 - 4 و9 - 10) والبيهقي (9 / 270) وزاد: " ولا أرخصه لأحد فيها بعد "، ويمكن أن يحمل المطلق على الضأن أيضا بدليل حديث أسامة وعليه يحتمل أن يكون ذلك خصوصية له أيضا، أو كان ذلك لعذر مثل تعذر المسنة من الغنم وغلاء سعرها وهذا هو الأقرب لحديث عاصم بن كليب عن أبيه قال: كنا نؤمر علينا في المغازي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وكنا بفارس، فغلت علينا يوم النحر المسان، فكنا نأخذ المسنة بالجذعين والثلاثة، فقام فينا رجل من مزينة فقال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبنا مثل هذا اليوم فكنا نأخذ المسنة بالجذعين والثلاثة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الجذع يوفي مما يوفي الثني "، أخرجه النسائي والحاكم (4 / 226) وأحمد (268) وقال الحاكم: حديث صحيح، وهو كما قال .
    وقال ابن حزم (7 / 267) : إنه في غاية الصحة، ورواه أبو داود (2 / 3) وابن ماجه (2 / 275) والبيهقي (9 / 270) مختصرا، وفي روايتهم تسمية الصحابي بمجاشع بن مسعود السلمي وهو رواية للحاكم، فهذا الحديث يدل بظاهره على أن الجذعة من الضأن إنما تجوز عند غلاء سعر المسان وتعسرها، ويؤيده حديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا: " لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن "، أخرجه مسلم (6 / 72) وأبو داود (2 / 3) (3 / 312، 327) وقال الحافظ في " الفتح ": إنه حديث صحيح.
    وخلاصة القول أن حديث الباب لا يصح، وكذا ما في معناه، وحديث جابر وعاصم ابن كليب على خلافها، فالواجب العمل بهما، وتأويلهما من أجل أحاديث الباب لا يسوغ لصحتهما وضعف معارضهما، والله أعلم....
    استدراك: ذلك ما كنت كتبته سابقا منذ نحو خمس سنوات، وكان محور اعتمادي في ذلك على حديث جابر المذكور من رواية مسلم عن أبي الزبير عنه مرفوعا: " لا تذبحوا إلا مسنة ... "، وتصحيح الحافظ ابن حجر إياه، ثم بدا لي أني كنت واهما في ذلك، تبعا للحافظ، وأن هذا الحديث الذي صححه هو وأخرجه مسلم كان الأحرى به أن يحشر في زمرة الأحاديث الضعيفة، لا أن تتأول به الأحاديث الصحيحة .
    ذلك لأن أبا الزبير هذا مدلس، وقد عنعنه، ومن المقرر في " علم المصطلح " أن المدلس لا يحتج بحديثه إذا لم يصرح بالتحديث، وهذا هو الذي صنعه أبو الزبير هنا، فعنعن، ولم يصرح، ولذلك انتقد المحققون من أهل العلم أحاديث يرويها أبو الزبير بهذا الإسناد أخرجها مسلم، اللهم إلا ما كان من رواية الليث بن سعد عنه، فإنه لم يروعنه إلا ما صرح فيه بالتحديث، فقال الحافظ الذهبي في ترجمة أبي الزبير - واسمه محمد بن مسلم بن تدرس بعد أن ذكر فيه طعن بعض الأئمة بما لا يقدح في عدالته: وأما أبو محمد بن حزم، فإنه يرد من حديثه ما يقول فيه عن جابر ونحوه لأنه عندهم ممن يدلس، فإذا قال: سمعت، وأخبرنا احتج به،
    ويحتج به ابن حزم إذا قال: عن مما رواه عنه الليث بن سعد خاصة، وذلك لأن سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا الليث قال: جئت أبا الزبير، فدفع إلى كتابين، فانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي: لو أننى عاودته ، فسألته أسمع هذا من جابر؟ فسألته، فقال: منه ما سمعت، ومنه ما حدثت به، فقلت: أعلم لي على ما سمعت منه، فأعلم لي على هذا الذي عندي، ثم قال الذهبي: وفي " صحيح مسلم " عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع من جابر، ولا هي من طريق الليث عنه، ففي القلب منها شيء، وقال الحافظ في ترجمته من " التقريب ": صدوق إلا أنه يدلس.
    وأورده في المرتبة الثالثة من كتابه " طبقات المدلسين (ص 15) وقال: مشهور بالتدليس، ووهم الحاكم في " كتاب علوم الحديث " ، فقال في سنده: وفيه رجال غير معروفين بالتدليس!
    وقد وصفه النسائي وغيره بالتدليس، وقال في مقدمة الكتاب في صدد شرح مراتبه: الثالثة من أكثر من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقا، ومنهم من قبلهم، كأبي الزبير المكي.
    قلت: والصواب من ذلك المذهب الأول وهو قبول ما صرحوا فيه بالسماع وعليه الجمهور خلافا لابن حزم فإنه يرد حديثهم مطلقا ولو صرحوا بالتحديث كما نص عليه في أول كتابه " الإحكام في أصول الأحكام " على ما أذكر، فإن يدي لا تطوله الآن وأرى أنه قد تناقض في أبي الزبير منهم خاصة، فقد علمت مما نقلته لك عن الذهبي آنفا أن ابن حزم يحتج به إذا قال: سمعت، وهذا ما صرح به في هذا الحديث ذاته فقال في" المحلى " في صدد الرد على المخالفين له (7 / 363 - 364) : هذا حجة على الحاضرين من المخالفين، لأنهم يجيزون الجذع من الضأن، مع وجود المسنات، فقد خالفوه، وهم يصححونه، وأما نحن فلا نصححه، لأن
    أبا الزبير مدلس ما لم يقل في الخبر أنه سمعه من جابر، هو أقر بذلك على نفسه، روينا ذلك عنه من طريق الليث بن سعد ، انظر "الإحكام" (1 / 139 - 140) ، ومقدمتي لـ"مختصر مسلم" (المكتبة الإسلامية) .
    وجملة القول: أن كل حديث يرويه أبو الزبير عن جابر أو غيره بصيغة عن ونحوها وليس من رواية الليث
    بن سعد عنه، فينبغي التوقف عن الاحتجاج به، حتى يتبين سماعه، أو ما يشهد له، ويعتضد به.
    هذه حقيقة يجب أن يعرفها كل محب للحق، فطالما غفل عنها عامة الناس، وقد كنت واحدا منهم، حتى تفضل الله علي فعرفني بها، فله الحمد والشكر، وكان من الواجب علي أن أنبه على ذلك، فقد فعلت، والله الموفق لا رب سواه.
    وإذا تبين هذا، فقد كنت ذكرت قبل حديث جابر هذا حديثين ثابتين في التضحية بالجذع من الضأن، أحدهما حديث عقبة بن عامر، والآخر حديث مجاشع بن مسعود السلمي وفيه: " أن الجذع يوفي مما يوفي الثني "، وكنت تأولتهما بما يخالف ظاهرهما توفيقا بينهما وبين حديث جابر، فإذ قد تبين ضعفه، وأنه غير صالح للاحتجاج به، ولتأويل ما صح من أجله، فقد رجعت عن ذلك، إلى دلالة الحديثين الظاهرة في جواز التضحية بالجذع من الضأن خاصة، وحديث مجاشع وإن كان بعمومه يشمل الجذع من المعز، فقد جاء ما يدل على أنه غير مراد وهو حديث البراء قال: ضحى خالي أبو بردة قبل الصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تلك شاة لحم "، فقال: يا رسول الله إن عندي جذعة من المعز، فقال: " ضح بها، ولا تصلح لغيرك " وفي رواية: " اذبحها، ولن تجزئ عن أحد بعدك " وفي أخرى:" ولا تجزيء جذعة عن أحد بعدك "، أخرجه مسلم (6 / 74 - 76) والبخاري نحوه ويبدو جليا من مجموع الروايات أن المراد بالجذعة في اللفظ الأخير الجذعة من المعز، فهو في ذلك كحديث عقبة المتقدم من رواية البخاري .
    وأما فهم ابن حزم من هذا اللفظ جذعة العموم فيشمل عنده الجذعة من الضأن فمن ظاهريته وجموده على اللفظ دون النظر إلى ما تدل عليه الروايات بمجموعها، والسياق والسباق، وهما من المقيدات، كما نص على ذلك ابن دقيق العيد وغيره من المحققين ، ذلك هو الجواب الصحيح عن حديث جابر رضي الله عنه .
    وأما قول الحافظ في " التلخيص " (ص 385) : تنبيه: ظاهر الحديث يقتضي أن الجذع من الضأن لا يجزئ إلا إذا عجز عن المسنة، والإجماع على خلافه، فيجب تأويله، بأن يحمل على الأفضل وتقديره: المستحب أن لا تذبحوا إلا مسنة.
    قلت: هذا الحمل بعيد جدا، ولو سلم فهو تأويل، والتأويل فرع التصحيح، والحديث ليس بصحيح كما عرفت فلا مسوغ لتأويله.
    وقد تأوله بعض الحنابلة بتأويل آخر لعله أقرب من تأويل الحافظ، ففسر المسنة بما إذا كانت من المعز! ويرد هذا ما في رواية لأبي يعلى في " مسنده " (ق 125 / 2) بلفظ: " إذا عز عليك المسان من الضأن، أجزأ الجذع من الضأن " ، وهو وإن كان ضعيف السند كما بينته في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " (رقم 1131) ، فمعناه هو الذي يتبادر من اللفظ الأول.
    ولعل الذي حمل الحافظ وغيره على ارتكاب مثل هذا التأويل البعيد هو الاعتقاد بأن الإجماع على خلاف ظاهر الحديث، وقد قاله الحافظ كما رأيت ، فينبغي أن يعلم أن بعض العلماء كثيرا ما يتساهلون في دعوى الإجماع في أمور الخلاف فيها معروف، وعذرهم في ذلك أنهم لم يعلموا بالخلاف، فينبغي التثبت في هذه الدعوى في مثل هذه المسألة التي لا يستطيع العالم أن يقطع بنفي الخلاف فيها كما أرشدنا الإمام أحمد رحمه الله بقوله : من ادعى الإجماع فهو كاذب، وما يدريه لعلهم اختلفوا، أو كما قال ، رواه ابنه عبد الله بن أحمد في " مسائله ".
    فمما يبطل الإجماع المزعوم في هذه المسألة ما روى مالك في " الموطأ " (2 /482 / 2) عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسن ورواه عبد الرزاق عن مالك عن نافع بن ابن عمر قال: " لا تجزيء إلا الثنية فصاعدا "، ذكره ابن حزم (7 / 361) وذكر بمعناه آثارا أخرى فليراجعها من شاء
    الزيادة.
    وختاما أقول: نستطيع أن نستخلص مما سبق من التحقيق: أن حديث هلال هذا:" نعمت الأضحية الجذع من الضأن "([5]) وكذا الذي قبله، وإن كان ضعيف المبنى، فهو صحيح المعنى، يشهد له حديث عقبة ومجاشع، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت، لما أوردتهما في هذه " السلسلة " ولأوردت بديلهما حديث جابر هذا، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا، ولله في خلقه شؤون. ))
    أما حديث " نعمت الأضحية الجذع من الضأن " الذي أشار إليه الشيخ هنا فقال في شأنه في نفس المصدر
    (1/ 155) : (( ضعيف ، أخرجه الترمذي (2 / 355) والبيهقي (9 / 271) وأحمد (2 / 444 - 445) من طريق عثمان بن واقد عن كدام بن عبد الرحمن عن أبي كباش قال: جلبت غنما جذعانا إلى المدينة فكسدت علي، فلقيت أبا هريرة فسألته؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث، قال: فانتهبه الناس، وقال الترمذي: حديث غريب يعني ضعيف، ولذا قال الحافظ في"الفتح"
    (10 / 12) : وفي سنده ضعف.
    وبين علته ابن حزم فقال في " المحلى " (7 / 365) : عثمان بن واقد مجهول، وكدام بن عبد الرحمن لا ندري من هو، عن أبي كباش الذي جلب الكباش الجذعة إلى المدينة فبارت عليه، هكذا نص حديثه، وهنا جاء ما جاء أبو كباش، وما أدراك ما أبو كباش، ما شاء الله كان!
    كأنه يتهم أبا كباش بهذا الحديث، وهو مجهول مثل الراوي عنه كدام، وقد صرح بذلك الحافظ في"التقريب"، وأما عثمان بن واقد فليس بمجهول فقد وثقه ابن معين وغيره، وقال أبو داود: ضعيف، وللحديث علة أخرى وهي الوقف فقال البيهقي عقبه: وبلغني عن أبي عيسى الترمذي قال: قال البخاري: رواه غير عثمان بن واقد عن أبي هريرة موقوفا، وله طريق آخر بلفظ: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى فقال: كيف رأيت نسكنا هذا؟ قال: لقد باهى به أهل السماء، واعلم يا محمد أن الجذع من الضأن خير من الثنية من الإبل والبقر ولو علم الله ذبحا أفضل منه لفدى به إبراهيم عليه السلام، وفيه إسحاق بن إبراهيم الحنيني، قال البيهقي: تفرد به وفي حديثه ضعف.
    قلت: وهو متفق على ضعفه، وقد أورده العقيلي في " الضعفاء " وساق له حديثا وقال: لا أصل له، ثم ساق له هذا الحديث، ثم قال: يروي عن زياد بن ميمون وكان يكذب عن أنس، ومن أوهى التعقب ما تعقب به ابن التركماني قول البيهقي المتقدم فقال: قلت: ذكر الحاكم في المستدرك هذا الحديث من طريق إسحاق المذكور ثم قال: صحيح الإسناد!
    قلت: وكل خبير بهذا العلم الشريف يعلم أن الحاكم متساهل في التوثيق والتصحيح ولذلك لا يلتفت إليه،
    ولا سيما إذا خالف، ولهذا لم يقره الذهبي في " تلخيصه " على تصحيحه بل قال (4 / 223) : قلت: إسحاق هالك، وهشام ليس بمعتمد، قال ابن عدي: مع ضعفه يكتبه حديثه .
    وليس يخفى هذا على مثل ابن التركماني لولا الهوى! فإن هذا الحديث يدل على جواز الجذع في الأضحية وهو مذهب الحنفية وابن التركماني منهم ولما كانت الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة لا يحتج بها أراد أن يقوي بعضها بالاعتماد على تصحيح الحاكم! ولو أن تصحيحه كان على خلاف ما يشتهيه مذهبه لبادر إلى
    رده متذرعا بما ذكرناه من التساهل! وهذا عيب كبير من مثل هذا العالم النحرير، وعندنا على ما نقول
    أمثلة أخرى كثيرة لا فائدة كبيرة من ذكرها.)) ا.هـ
    نصيحة وتحذير
    سئل الشيخ ـ رحمه الله ـ : كيف أعرف الإبل التي تجوز الأضحية بها من جهة السن؟ لأن أصحاب الإبل يقولون إنها تضحي لكي يسوِّقون بضاعتهم، فما الحكم؟
    فأجاب بقوله: (( لا تأخذ بقول البائع أنها بلغت السن الذي يجزئ إلا إذا كنت تعرفه شخصيًا أنه ثقة، وإلا فلا تأخذ بقوله؟ لأنه يريد أن يمشي سلعته، كذلك إذا كنت من يعرف الأسنان هل هي ثنية الآن أو جذعة.)) ([6])
    عودا على بدء في إتمام الشروط التي ذكرها الشيخ ، قال في (2/ 237)
    (( الرابع: السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء : وهي المذكورة في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أربع لا تجوز في الأضاحي ـ وفي رواية: لا تجزئ ـ: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسير التي لا تنقي" ، رواه الخمسة. وقال الترمذي: حسن صحيح .
    والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، وفي رواية للنسائي قلت: ـ يعني للبراء ـ فإني أكره أن يكون نقص في القرن، وفي أخري أكره أن يكون في القرن نقص، أو أن يكون في السن نقص، فقال ـ يعنى البراء ـ: ما كرهت فدعه ولا تحرمه على أحد ، وقد صحح النووي في(شرح المهذب) هذا الحديث وقال: قال أحمد بن حنبل: ما أحسنه من حديث، ورواه مالك في (الموطأ) عن البراء بن عازب بلفظ: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال: ((أربعا: العرجاء البين ظلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقي)) ، وذكرت العجفاء في رواية الترمذي وفي رواية النسائي بدلا عن الكسير.
    فهذه أربع منصوص على منع الأضحية بها وعدم إجزائها.
    الأولى: العوراء البين عورها، وهي التي انخسفت عينها أو برزت، فإن كانت لا تبصر بعينها ولكن عورها غير بين أجزأت، والسليمة من ذلك أولى.
    الثانية: المريضة البين مرضها، وهي التي ظهر عليه آثار المرض مثل الحمى التي تقعدها عن المرعى، ومثل الجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحتها، ونحو ذلك مما يعده الناس مرضا بينا، فإن كان فيها كسل أو فتور لا يمنعها من المرعى والأكل أجزأت لكن السلامة منه أولى.
    الثالثة: العرجاء البين ظلعها، وهي التي لا تستطيع معانقة السليمة في الممشى، فإن كان فيها عرج يسير لا يمنعها من معانقة السليمة أجزأت، والسلامة منه أولى.
    الرابعة: الكسيرة أو العجفاء (يعنى الهزيلة) التي لا تنقي، أي ليس فيها مخ، فإن كانت هزيلة فيها مخ أو كسيرة فيها مخ أجزأت إلا أن يكون فيها عرج بين، والسمينة السليمة أولى.
    هذه هي الأربع المنصوص عليها، وعليها أهل العلم، قال في (المغني) : لا نعلم خلافا في أنها تمنع الإجزاء. ا.هـ. ويلحق بهذه الأربع ما كان بمعناها أو أولى، فيلحق بها:
    العمياء: التي لا تبصر بعينها؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العوراء البين عورها.
    فأما العشواء : التي تبصر في النهار، ولا تبصر في الليل فصرح الشافعية بأنها تجزئ؛ لأن في ذلك ليس عورا بينا ولا عمى دائما يؤثر في رعيها ونموها، ولكن السلامة منه أولى.
    الثانية: المبشومة حتى تثلط؛ لأن البشم عارض خطير كالمرض البين، فإذا ثلطت زال خطرها وأجزأت إن لم يحدث لها بذلك مرض بين.
    الثالثة: ما أخذتها الولادة حتى تنجو؛ لأن ذلك خطر قد يودي بحياتها، فأشبه المرض البين، ويحتمل أن تجزئ إذا كانت ولادتها على العادة ولم يمض عليها زمن يتغير به اللحم ويفسد.
    الرابعة: ما أصابها سبب الموت كالمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع؛ لأن هذه أولى بعدم الإجزاء من المريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها.
    الخامسة: الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البين ظلعها.
    فأما العاجزة عن المشي لسمن فصرح المالكية بأنها تجزئ، لأنه لا عاهة فيها ولا نقص في لحمها.
    السادسة: مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين؛ لأنها أولى بعدم الإجزاء من العرجاء البين ظلعها، ولأنها ناقصة بعضو مقصود فأشبهت ما قطعت أليتها.
    هذه هي العيوب المانعة من الإجزاء وهي عشرة: أربعة منها بالنص وستة بالقياس، فمتى وجد واحد منها في بهيمة لم تجز التضحية بها؛ لفقد أحد الشروط وهو السلامة من العيوب المانعة من الإجزاء.
    ما جاء في العيوب المكروهة في الأضحية
    الأولى: العضباء : وهي مقطوعة القرن أو الأذن، لما روى قتادة عن جري بن كليب عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهي أن يضحي بأعضب الأذن والقرن. قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال: العضب: النصف فأكثر من ذلك. رواه الخمسة. وقال الترمذي: حسن صحيح.
    قلت: جري بن كليب قال عنه في(خلاصة التذهيب) : روى عنه قتادة فقط. وقال أبو حاتم: لا يحتج به . ولذلك قال في(الفروع) وفي صحة الخبر ـ يعنى خبر العضب ـ نظر.([7])
    فأما مفقودة القرن والأذن بأصل الخلقة فلا تكره، لكن غيرها أولى.
    الثانية: المقابلة: وهي التي شقت أذنها من الأمام عرضاً.
    الثالثة: المدابرة : وهي التي شقت أذنها من الخلف عرضاً.
    الرابعة: الشرقاء: وهي التي شقت أذنها طولا.
    الخامسة: الخرقاء: وهي التي خرقت أذنها.
    لحديث على رضي الله عنه، قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء. رواه الخمسة، وقال الترمذي: حسن صحيح .
    وأخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي والبزار ، وأعله الدارقطني، ونقل في (عون المعبود) عن البخاري أن هذا الحديث لم يثبت رفعه، والله أعلم.([8])
    السادسة : المصفرة : وهي التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها، وهكذا في الخبر، وفي(التلخيص) :
    أنها المهزولة، وذكرها في النهاية بقيل كذا وقيل كذا.
    السابعة: المستأصلة : وهي التي ذهب قرنها من أصله.
    الثامنة: البخقاء : وهي التي بخقت عينها، قال في(النهاية): والبخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة ، وفي (القاموس) : البخق أقبح العور وأكثره غمصا، وعلى هذا فإذا كان البخق عورا بينا لم تجز كما يدل عليه حديث البراء السابق.
    التاسعة: المشيعة : وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً وضعفا، تكون وراء الغنم كالمشيع للمسافر، وقيل بفتح الياء لحاجتها إلى من يشيعها لتلحق بالغنم، وهذه إن لم يكن فيها مخ فلا تجزئ لحديث البراء، وإن كان فيها مخ ولا تستطيع معانقة الغنم لم تجز أيضا؛ لأنها كالعرجاء البين ظلعها، وإن كانت تستطيع معانقة الغنم إذا زجرت فهي مكروهة؛ لحديث يزيد ذي مصر قال: أتيت عتبة بن عبد السلمي فقلت: يا أبا الوليد، إني خرجت ألتمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرماء فما تقول؟ . قال: ألا جئتني أضحي بها؟ قلت: سبحان الله، تجوز عنك ولا تجوز عني. قال نعم، إنك تشك ولا أشك، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة، والكسراء، فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها، والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله، والبخقاء التي تبخق عينها، والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفاء وضعفا، والكسراء التي لا تنقي،رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه،وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.([9]) وقوله: والكسراء التي لا تنفي سبق ذكرها في العيوب المانعة من الإجزاء.
    وإنما قلنا: هذه العيوب التسعة مكروهة لورود النهي أو الأمر بعدم التضحية بما عاب بها، ولم نقل: إنها مانعة من الإجزاء؛ لأن حديث البراء بن عازب رضي الله عنه خرج مخرج البيان والحصر؛ لأنه جواب سؤال، والظاهر أنه كان حال خطبة وإعلان، ولو كان غير العيوب المذكورة فيه مانعاً من الإجزاء؛ للزم ذكره لامتناع تأخير البيان عن وقت الحاجة، فالجمع بينه وبين هذه الأحاديث لا يتأتى إلا على هذا الوجه بأن نقول:
    العيوب المذكورة في حديث البراء مانعة من الإجزاء، والعيوب المذكورة في هذه الأحاديث موجبة للكراهة غير مانعة من الإجزاء لما يقتضيه سياق حديث البراء؛ ولأنها دون العيوب المذكورة فيه، وقد فهم الترمذي رحمه الله ذلك فترجم على حديث البراء: (باب ما لا يجوز من الأضاحي) وعلى حديث علي: (باب ما يكره من الأضاحي) .
    ويلحق بهذه العيوب المكروهة ما يأتي:
    الأولى: البتراء من الإبل والبقر والمعز : وهي التي قطع ذنبها، فتكره التضحية بها قياسا على العضباء؛ لأن في الذنب مصلحة كبيرة للحيوان ودفاعا عما يؤذيه، وجمالا لمؤخره، وفي قطعه فوات هذه الأمور.
    فأما البتراء بأصل الخلقة فلا تكره لكن غيرها أولى.
    وأما البتراء من الضأن وهي التي قطعت أليتها أو أكثرها فلا تجزئ؛ لأن ذلك نقص بين في جزء مقصود منها.
    فأما إن قطع من أليتها النصف فأقل فإنها تجزئ مع الكراهة قياسا على العضباء، قال الشافعية: إلا التطريف وهو قطع شي يسير من طرف الألية، فإنه لا يضر؛ لأن ذلك ينجبر بزيادة سمنها فأشبه الخصاء.
    وأما مفقودة الألية بأصل الخلقة فإن كانت من جنس لا ألية له في العادة أجزأت بدون كراهة؛ لأنها لا نقص فيها عن جنسها، وإن كانت من جنس له ألية في العادة لكن لم يخلق لها أجزأت، وفي الكراهة تردد؛ لأننا إذا نظرنا إليها باعتبار جنسها قلنا: إنها ناقصة بفقد جزء مقصود لكن لا يمنع الإجزاء لأنه بأصل الخلقة، وإذا نظرنا إليها باعتبار الخلقة قلنا: إنها ناقصة فلم تكره كالجماء. وعلى كل حال فغيرها أولى منها.
    الثانية: ما قطع ذكره : فتكره التضحية به قياسا على العضباء، فأما ما قطعت خصيتاه فلا تكره التضحية به لما سبق من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى به، ولأن الخصاء يزيد في سمنه وطيب لحمه.
    الثالثة: الهتماء: وهي التي سقط بعض أسنانها، فتكره التضحية بها قياسا على عضباء القرن، فإن في
    الأسنان جمالا ومنفعة، ففقد شيء منها يخل بذلك .
    فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره إلا أن يؤثر ذلك في اعتلافها.
    الرابعة: ما قطع شيء من حلمات ضرعها : فتكره التضحية بها قياساً على العضباء.
    فإن فقد شيء منها بأصل الخلقة لم تكره قياسا على المخلوقة بلا أذن.
    وإن توقف ضرعها عن الدر فنشف لبنها أجزأت بلا كراهة؛ لأنه لا نقص في لحمها ولا في خلقتها، واللبن غير مقصود في الأضحية، والأصل الإجزاء وعدم الكراهة حتى يقوم دليل على خلاف ذلك.
    هذه هي العيوب المكروهة التي يوجب وجودها في الأضحية كراهة التضحية بها، ولا يمنع من إجزائها وهي ثلاثة عشر: تسعة منها ورد بها النص، وأربعة منها رأيناها مقيسة على ما ورد به النص، وأسأل الله تعالى أن نكون فيها موفقين للصواب هداة مهتدين.([10])
    ومما جاء عنه من الفتاوى في هذا الباب أنه سئل فضيلته : ما حكم الأضحية بشاة فيها نوع من المرض يسمى بالطلوع وهل يعتبر عيبًا؟
    فأجاب بقوله : (( الطلوع إذا كان ظاهرًا فإنه يسال أهل الخبرة هل هذا من الأمراض الخطيرة؟
    إن قالوا: نعم. فهو مرض ظاهر لا يضحي بالشاة التي فيها طلع، وإن قالوا: ليس خطيرًا والشاة ليس فيها ضعف من جهة الصحة والنشاط والاكل فإنه يضحي بها إلا إذا قرر البياطرة أن في أكل لحمها ضرر فهنا لا يضحي بها.)) ([11])
    2 ـ سئل : قلنا في مسألة الأضحية: إن الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية التي لا تجزئ يُبَيِّن أربعة أشياء، وقسنا عليها بعض الأشياء التي إما أن تكون أَولى، أو تكون ظاهرة القياس للعلة بينها.
    طيب! يا شيخ، قد يقول قائل: أنى نقيس على بعض أركان الإسلام أموراً أخرى على ما هي محددة في الحديث، فما هو الضابط فيها؟
    فأجاب الشيخ : (( أولاً: العيوب التي نص عليها الشارع في الأضحية أربعة، لأنه سئل: "ماذا يُتَّقَى من الأضاحي؟ فقال: أربعاً، وأشار بيده: العوراء البيِّن عَوَرُها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن ضلعها، والعجفاء التي لا تنقى" .
    فهذه أربعة عيوب، ونحن نعلم أن الشريعة مبنية على الحكمة، فإذا نص الشارع على شيء كان نصاً عليه وعلى ما في معناه أو أَولى منه.
    أما مسألة أركان الإسلام، لو أراد أحد أن يقيس عملاً صالحاً على ركن من الأركان منعناه: أولاً: لأنه من باب فعل الأوامر، وليس من باب الأوصاف التي عُلِّقت بها الأحكام، ولا يمكن أن نثبت أمراً إلا بإذن من الشرع.
    ثانياً: أننا نقول لكل من أراد أن يلحق شيئاً من غير أركان الإسلام في أركان الإسلام: من قال لك: إن هذا الشيء الذي تريد إلحاقه يساوي عند الله ما يساويه الركن؟! لا يمكن، فلهذا يمتنع القياس بالأوامر، الأوامر لا يمكن أن تقيس عليها شيئاً، فتقول: إذا أمر الشارع بهذا أمر بهذا! أما مسألة العيوب أو الأحكام المعلقة بأوصاف: فمتى وجدت هذه الأوصاف في شيء أو ما هو أَولى منه ثبت فيه الحكم، أرأيت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "خمس من الدواب كلهن فواسق يُقْتَلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأر، والكلب العقور" ؟!
    هل نقول: إن الأسد لا يُقْتَل في الحرم؟! يُقْتَل، وهو أَولى من الكلب العقور بالقتل.
    هل نقول: إن الحية لا تُقْتَل في الحرم؟! لا نقول هذا، بل نقول: تُقْتَل؛ لأنه إذا نص على العقرب فالحية أشد ضرراً منها ، فإذا نص على شيء ثبت الحكم في مثله أو أَولى منه.
    السائل: تعني: وجود العلة يا شيخ؟
    الشيخ: نعم. )) ([12])

    يتبع إن شاء الله ...

    ([1]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 35)

    ([2]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 35 ـ 36)

    ([3]) قال النووي في (شرح مسلم)(13/ 117) : (( أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا تُجْزِي الضَّحِيَّةُ بِغَيْرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ))

    ([4]) قال الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة)(1/ 160) :
    (( فائدة : المسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم، وهي من الغنم والبقر ما دخل في السنة الثالثة، ومن الإبل ما دخل في السادسة والجذع من الضأن ما له سنة تامة على الأشهر عند أهل اللغة وجمهو ر أهل العلم كما قال الشوكاني وغيره . )) ا.هـ
    وقال الإمام النووي في (شرح صحيح مسلم)(13/ 118) :(( وَالْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ مَا لَهُ سَنَةٌ تَامَّةٌ هَذَا هو الأصح عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدِ أَهْلِ اللُّغَةِ وغيرهم))
    وقال في ( المجموع شرح المهذب)(8/ 393 ـ 394) : (( ثُمَّ الْجَذَعُ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَةً عَلَى أَصَحِّ الْأَوْجُهِ .. وَأَمَّا الثَّنِيُّ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا اسْتَكْمَلَتْ خَمْسَ سنين وَدَخَلَ فِي السَّادِسَةِ ، وَرَوَى حَرْمَلَةُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ الَّذِي اسْتَكْمَلَ سِتَّ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّابِعَةِ ، قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلَيْسَ هَذَا قَوْلًا آخَرَ لِلشَّافِعِيِّ وَإِنْ تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَكِنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ نِهَايَةِ سِنِّ الثَّنِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ هُوَ بَيَانٌ لِابْتِدَاءِ سَنَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
    وَأَمَّا الثَّنِيُّ مِنْ الْبَقَرِ فَهُوَ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ ، وَرَوَى حَرْمَلَةُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَا اسْتَكْمَلَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي الرَّابِعَةِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ )) ا.هـ
    وجاء في (طرح التثريب في شرح التقريب)(5/ 193 ـ 194) للحافظ العراقي : (( اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سِنِّ الْجَذَعِ الْمُجْزِئِ فِي الْأُضْحِيَّةِ إمَّا مِنْ الضَّأْنِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ أَوْ مِنْ الْمَعْزِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، عَلَى أَقْوَالٍ:
    (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مَا أَكْمَلَ سَنَةً وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ هَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ الْكِسَائِيّ وَالْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَابْنِ قُتَيْبَةَ ، قَالَ وَقَالَهُ الْعُدَيْسُ الْكِلَابِيُّ وَأَبُو فَقْعَسٍ الْأَسَدِيُّ وَهُمَا ثِقَتَانِ فِي اللُّغَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ .
    (الثَّانِي) سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فِي مَذْهَبِ الْفُقَهَاءِ.))
    وذكر الأقوال الأخرى ، وقد ذكر أيضا هذا الإمام ابن حجر ـ رحمه الله ـ في ( فتح الباري)(10/ 16)

    ([5]) الشيخ يشير إلى حديث هلال " يجوز الجذع من الضأن أضحية "، والذي قبله هو الذي ذكره هنا ، كأن في الكلام تقديم وتأخير أو سقط ، والله أعلم

    ([6]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 36)

    ([7]) قال الإمام الألباني في (إرواء الغليل)(4/ 361 ـ 364) : (( منكر ، أخرجه أبو داود (2805) والنسائى (2/402) والترمذى (1/284) وابن ماجه (3145) والطحاوى (2/297) والحاكم (4/224) والبيهقى (9/275) والطيالسى (97) وأحمد (1/83 , 101 , 127 , 129 , 137 , 150) وأبو يعلى فى " مسنده " (ق 18/1) من طريق قتادة قال: سمعت جرى بن كلب عن على بن أبى طالب به ، والسياق لابن ماجه وآخرين , وكلهم قدموا القرن على الأذن , سوى أبى داود , إلا أنه قال " بعضباء " , ولم يذكر النسائى " الأذن "! وزاد جمهورهم: " قال قتادة: سألت سعيد بن المسيب عن (العضب) ؟ قال: النصف فما زاد " ، وقال أبو داود: " جرى سدوسى بصرى , لم يحدث عنه إلا قتادة "، ونقل الذهبى فى" الميزان" مثله عن أبى حاتم وقال: " لا يحتج به " فتعقبه بقوله: " قلت: قد أثنى عليه قتادة ".
    وكأنه لذلك لما قال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وافقه الذهبى فى " تلخيصه "، وقال الترمذى: " حديث حسن صحيح ".
    قلت: ولعل ذلك لطرقه , وإلا فأحسن أحواله أن يبلغ رتبة الحسن.
    وقد رواه جابر عن عبد الله بن نجى عن على به ، أخرجه الطيالسى (97) وعنه البيهقى وأحمد (1/109) .
    وجابر هو ابن يزيد الجعفى وهو متروك.
    وقال البيهقى عقب هذه الرواية والتى قبلها: " كذا فى هاتين الروايتين , والأولى: مثلهما , والأخرى أضعفهما ; وقد روى عن على رضي الله عنه موقوفا خلاف ذلك فى القرن ".
    ثم ساق عن طريق سلمة بن كهيل عن حجية بن عدى قال: " كنا عند على رضى الله عنه , فأتاه رجل فقال: البقرة؟ فقال: عن سبعة , قال: القرن (وفى رواية: مكسورة القرن) ؟ قال: لا يضرك , قال: العرج , قال: إذا بلغت المنسك , أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن" ، وأخرجه الترمذى (1/284) والدارمى (2/77) وابن ماجه (3143) والطحاوى (2/297) والحاكم (4/225) وأحمد (1/985 , 105 , 125 , 152) . وقال الترمذى: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبى.
    قلت: هو على كل حال أحسن إسنادا من الأول , ولكنه لا يبلغ درجة الصحة فإن حجية هذا , وإن كان من كبار أصحاب على رضى الله عنه كما قال الحاكم , فقد أورده الذهبى فى " الميزان " وقال: " قال أبو حاتم: شبه مجهول , لا يحتج به. قلت: روى عنه الحكم وسلمة بن كهيل وأبو إسحاق , وهو صدوق إن شاء الله تعالى , قد قال فيه العجلى: ثقة "، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ".
    قلت: ويشهد لحديثه المرفوع ما روى زهير: أنبأنا أبو إسحاق عن شريح ابن النعمان ـ قال: وكان رجل صدق ـ عن على قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن , وأن لا نضحي بعوراء ولا مقابلة , ولا مدابرة , ولا شرقاء , ولا خرقاء ".
    قال زهير: فقلت لأبى إسحاق: أذكر عضباء؟ قال: لا , قال: قلت: ما المقابلة؟ قال: هى التى يقطع طرف أذنها , قلت: فما الدابرة؟ قال: التي يقطع مؤخر الأذن , قلت: ما الشرقاء؟ قال: التي يشق أذنها , قلت: فما الخرقاء؟ قال: التي تخرق أذنها السمة " ، أخرجه الإمام أحمد (1/108 , 149) وأبو داود (2804) والبيهقى عن زهير.
    ورواه الترمذى (1/283) وصححه والدارمى (2/77) وابن الجارود (906) والطحاوى والحاكم (4/224) والبيهقى أيضاً وأحمد (1/80 , 128) من طرق أخرى عن أبى إسحاق به دون ذكر " العضباء ".
    وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبى.
    وفيه نظر , فإن أبا إسحاق وهو عمرو بن عبد الله السبيعى كان اختلط , ثم هو مدلس وقد عنعنه , وروى الحاكم من طريق قيس بن الربيع قال: قلت لأبى إسحاق: سمعته من شريح؟ قال: حدثنى ابن أشوع عنه.
    قلت: وابن أشوع اسمه سعيد بن عمرو , وهو ثقة من رجال الشيخين , فإذا صح أنه هو الواسطة بين أبى إسحاق وشريح , فقد زالت شبهة التدليس , وبقيت علة الاختلاط.
    وله طريق أخرى عن على مختصرا قال: " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن فصاعدا ".
    أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (1/132) من طريق أبى إسحاق الهمدانى عن هبيرة بن يريم (بوزن عظيم , وفى الأصل: مريم وهو تصحيف) عن على.
    قلت: وهبيرة أورده الذهبى في " الضعفاء " وقال: " قال أبو حاتم: شبه المجهول " ، وبقية رجاله ثقات رجال مسلم , لكن أبو إسحاق الهمدانى وهو السبيعى فيه ما عرفت.
    وجملة القول: أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح , وذكر " القرن " فيه منكر عندى لتفرد جرى به , مع مخالفته لما رواه حجية عن على أنه لا بأس به. والطريق الأخرى لا غناء فيها لشدة ضعفها بسبب الجعفى , والله أعلم.
    (تنبيه) : عرفت مما سبق أن الطيالسى أخرج الحديث من الطريقين , فاعلم أنه وقع في النسخة المطبوعة منه سقط , فلم يذكر فيها إسناد الطريق الأولى ولا متنها المرفوع , وجعل سؤال قتادة لسعيد بن المسيب من تمام الطريق الأخرى , فيصحح ذلك من البيهقى , فقد أخرجهما كليهما عن الطيالسى , وقد وقعت الأولى في " ترتيبه " دون الأخرى!. )) ا.هـ

    ([8]) قد وقف القارئ الكريم أن الإمام الألباني قد نبه على علة هذا الحديث عند بيان علة الحديث السابق ، وأيضا مما جاء عنه في شأن هذا الحديث ما ذكره في ( ضعيف أبي داود)(2/ 378) ، فليرجع إليه والله الموفق .

    ([9]) قال الإمام الألباني في (ضعيف أبي داود)(2/ 376 ـ 377) : (( قلت: إسناده ضعيف؛ أبو حُميْد وشيخه
    يزيد مجْهُولان؛ كما قال ابن حزم وغيره .
    إسناده: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي. (ح) وحدثنا علي بن بحْر: ثنا عيسى عن ثور: حدثني أبو حميد الرعيْنِيُّ ...
    قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ أبو حُميْدٍ الرعيْنِيُّ وشيخه يزيد ذو مِصْر مجهولان؛ كما قال ابن حزم، ونقله ابن حجر في "التهذيب "، وأقره. وأما في "التقريب " فصرّح في الأول أنه مجهول. ومثله قول الذهبي: " لا يعرف ". وفي الآخر قال:" مقبول ". وكأنه لتوثيق ابن حبان إياه (3/292) .. ولا قيمة له؛ لما نبّهْنا عليه مراراً.
    وأشار الذهبي إلى ذلك هنا أيضاً؛ فقال: "وُثق ".
    وسكت المنذري عن الحديث! وهذا من تساهله الذي يجْهلُة كثير من المتأخرين.
    والحديث أخرجه البيهقي (9/275) عن المؤلف بإسناديه عن عيسى- وهو ابن يونس السّبيعي-.
    وأخرجه أحمد (4/185) : ثنا علي بن بحْر ... به ، ومن طريق اخر عن عيسى ... به ، والحاكم (4/225) من طريق علي بن بحر، لكن وقع في إسناده تحريفات في إسناده! وصححه! وسكت عنه الذهبي! )) ا.هـ

    ([10]) (أحكام الأضحية والذكاة)(2/235 ـ 244)

    ([11]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 52)

    ([12]) (لقاء الباب المفتوح)(3/ 13)

  15. #15

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    جزيت خيرا على هذا البحث القيم

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    جزاك الله خيرا

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    ما جاء فيما تتعين به الأضحية وأحكامه
    قال الإمام في (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 245 ـ 250)
    (( تتعين الأضحية أضحية بواحد من أمرين:
    أحدهما: اللفظ بتعيينها أضحية بأن يقول: هذه أضحية قاصدا بذلك إنشاء تعيينها.
    فأما إن قصد الإخبار عما سيصرفها إليه في المستقبل؛ فإنها لا تتعين بذلك؛ لأن هذا إخبار عما في نيته أن يفعل، وليس للتعيين.
    الثاني: ذبحها بنية الأضحية، فمتى ذبحها بنية الأضحية؛ ثبت لها حكم الأضحية، وإن لم يتلفظ بذلك قبل الذبح، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وهو مذهب الشافعي، أعني أن الأضحية تتعين بأحد هذين الأمرين، وزاد شيخ الإسلام ابن تيمية أمراً ثالثاً وهو: الشراء بنية الأضحية، فإذا اشتراها بنية الأضحية تعينت، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة.
    والأول أرجح كما لو اشترى عبداً يريد عتقه فإنه لا يعتق، وكما لو اشترى بيتا ليجعله وقفا؛ فإنه لا يصير وقفا بمجرد النية، وكما لو أخرج من جيبه دراهم ليتصدق بها؛ فإنها لا تتعين الصدقة بها بل هو بالخيار إن شاء أنفذها وإن شاء منعها.
    ويستثني من ذلك ما إذا اشترى أضحية بدلاً عن معينة فإنها تتعين بمجرد الشراء مع النية.
    وإذا تعينت أضحية تعلق بذلك أحكام:
    أحدها: أنه لا يجوز نقل الملك فيها ببيع ولا هبة ولا غيرهما إلا أن يبدلها بخير منها، أو يبيعها ليشتري خيراً منها فيضحي به.
    وإن مات من عينها لم يملك الورثة إبطال تعيينها، ولزمهم ذبحها أضحية، ويفرقون منها ويأكلون.
    الثاني: أنه لا يجوز أن يتصرف فيها تصرفا مطلقا، فلا يستعملها في حرث ونحوه، ولا يركبها بدون حاجة ولا مع ضرر، ولا يحلب من لبنها ما فيه نقص عليها أو يحتاجه ولدها المتعين معها. ولا يجز شيئا من صوفها ونحوه إلا أن يكون أنفع لها، وإذا جزه فليتصدق به أو ينتفع، والصدقة أفضل.
    الثالث: أنها إذا تعيبت عيباً يمنع الإجزاء فله حالان:
    الحال الأولى: أن يكون ذلك بدون فعل منه ولا تفريط؛ فيذبحها وتجزئه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين؛ لأنها أمانة عنده، فإذا تعيبت بدون فعل منه ولا تفريط فلا حرج عليه.
    مثال ذلك: أن يشتري شاةً فيعينها أضحية، ثم تعثر وتنكسر بدون سبب منه فيذبحها وتجزئه أضحية.
    فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين كما لو نذر أن يضحي ثم عين عن نذره شاة فتعيبت بدون فعل من ولا تفريط وجب عليه إبدالها بسليمة تجزئ عما في ذمته؛ لأن ذمته مشغولة بأضحية سليمة قبل أن يعينها، فلا يخرج من عهدة الواجب إلا بأضحية سليمة.
    الحال الثانية: أن يكون تعيبها بفعله أو تفريط؛ فيلزمه إبدالها بمثلها على كل حال، سواء كانت واجبة في ذمته قبل التعيين أم لا، وسواء كانت بقدر ما يجزئ في الأضحية أو أعلى منه.
    مثال ذلك: أن يشتري شاة سمينة فيعينها أضحية ثم يربطها برباط ضيق كان سببا في كسرها فتنكسر؛ فيلزمه إبدالها بشاة سمينة يضحي بها.
    وإذا ضحى بالبدل فهل يلزمه ذبح المتعيب أيضا، أو يعود ملكا له؟ على روايتين عن أحمد:
    إحداهما: يلزمه ذبح المتعيب، وهو المذهب المشهور عند الأصحاب لتعلق حق الفقراء فيه بتعيينه.
    الثانية: لا يلزمه ذبحه لبراءة ذمته بذبح بدله، فلم يضع حق الفقراء فيه، وهذا هو القول الراجح ، اختاره الموفق والشارح وغيرهما، وعلى هذا فيعود المتعيب ملكا له يصنع فيه ما شاء من أكل وبيع وهدية وصدقة وغير ذلك.
    الرابع: أنها ضلت (ضاعت) أو سرقت فثم حالان:
    الحال الأولى: أن يكون ذلك بدون تفريط منه فلا ضمان عليه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين؛ لأنها أمانة عنده، والأمين لا ضمان عليه إذا لم يفرط، لكن متى وجدها أو استنقذها من السارق؛ لزمه ذبحها ولو فات وقت الذبح، وإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين وجب عليه ذبح بدلها على أقل ما تبرأ به الذمة كما سبق، فإن وجدها أو استنقذها من السارق بعد ذبح بدلها لم يلزمه ذبحها لبراءة ذمته، وسقوط حق الفقراء بذبح البدل، لكن إن كان البدل الذي ذبحه أنقص لزمه الصدقة بأرش النقص؛ لتعلق حق الفقراء به، والله أعلم.
    الحال الثانية: أن يكون ذلك بتفريط منه فيلزمه إبدالها بمثلها على كل حال، أي سواء كانت واجبة في ذمته قبل التعيين أو لا، وسواء كانت بقدر ما يجزئ في الأضحية أم أعلى منه.
    مثال ذلك: اشترى شاة فعينها أضحية، ثم وضعها في مكان غير محرز فسرقت أو خرجت فضاعت؛ فيلزمه إبدالها بأضحية مثلها على صفتها، وإن شاء أعلى منها.
    وإذا ضحى بالبدل ثم وجدها أو استنقذها من السارق؛ عادت ملكا له يصنع بها ما شاء من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك؛ لأنه برئت ذمته بذبح بدلها، وسقط به حق الفقراء.
    الخامس: أنها إذا تلفت فلها ثلاث حالات:
    الحال الأولى: أن يكون تلفها بأمر لا صنع للآدمي فيه؛ كمرض أو آفة سماوية أو سبب تفعله هي، فلا يلزمه بدلها إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين؛ لأنها أمانة عنده، والأمين لا ضمان عليه في مثل ذلك، فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين؛ لزمه ذبح بدلها على أقل ما تبرأ به ذمته، وإن شاء أعلى منه.
    الحال الثانية: أن يكون تلفها بفعل مالكها، فيلزمه ذبح بدلها على صفتها بكل حال، أي سواء كانت واجبة في ذمته قبل التعيين أم لا، وسواء كانت بقدر ما يجزئ في الأضحية أم أعلى منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من ذبح قبل أن يصلى فليعد مكانها أخرى " وكما لو تعيبت بفعله فيلزمه بدلها على صفتها كما سبق.
    الحال الثالثة: أن يكون تلفها بفعل آدمي غير مالكها، فإن كان لا يمكن تضمينه كقطاع الطريق؛ فحكمه حكم تلفها بأمر لا صنع للآدمي فيه على ما سبق في الحال الأولى. وإن كان يمكن تضمينه كشخص معين ذبحها فأكلها، فإنه يلزمه ضمانها بمثلها يدفعه إلى مالكها ليضحي به، وقيل: يلزمه ضمانها بالقيمة، والأول أصح، فإن الحيوان يضمن بمثله على القول الراجح؛ لما روى البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه بعيرا ـ وفي رواية فأغلظ له ـ فهم به أصحابه فقال:" دعوه، فإن لصاحب الحق مقالاً، واشتروا له بعيرا فأعطوه إياه، وقالوا: لا نجد إلا أفضل من سنه، قال: اشتروا له وأعطوه إياه، فإن خيركم أحسنكم قضاء " ، ولمسلم نحوه ، ولو كان البدل الواجب في الحيوان قيمته لم يعدل النبي صلى الله عليه وسلم عنها، ولم يكلفهم الشراء له.
    السادس: أنها إذا ذبحت قبل وقت الذبح ولو بنية الأضحية؛ فحكمه حكم إتلافها على ما سبق، وإن ذبحت في وقت الذبح فإن كان الذابح صاحبها أو وكيله؛ فقد وقعت موقعها. وإن كان الذبح غير صاحبها ولا وكيله؛ فله ثلاث حالات:
    الحال الأولى: أن ينويها عن صاحبها، فإن رضي صاحبها بذلك أجزأت بلا ريب، وإن لم يرض أجزأت أيضا على المشهور من مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة، ونقل في المغني عن مالك أنها لا تجزئ، وعلى هذا فينبغي أن يلزم الذابح ضمانها بمثلها يدفعه إلى مالكها ليضحي به كالإتلاف، ويكون اللحم للذابح إلا أن يرضى صاحبها بأخذه مع الأرش وهو فرق ما بين قيمتها حية ومذبوحة، فيملكه ويذبح بدلها.
    الحال الثانية: أن ينويها عن نفسه لا عن صاحبها، فإن كان يعلم أنها أضحية غيره لم تجز عنه ولا عن صاحبها؛ لأنه غاضب معتد فلا يكون فعله قربة، ويلزمه ضمانها بمثلها يدفعه إلى صاحبها ليضحي به وقيل: تجزئ عن صاحبها إلغاء لنية الذابح دون فعله، وعلى هذا فلا يضمن إلا ما فرق من اللحم، وإن كان لا يعلم أنها أضحية غيره؛ أجزأت عن صاحبها بكل حال، وقيل: إن فرق لحمها لم تجز عن واحد منهما، والأول أظهر؛ لأن تفرقه اللحم لا أثر لها في الإجزاء وعدمه؛ بدليل ما لو ذبحها ثم سرقت قبل تفريقها فإنها تجزئ. نعم تفريق اللحم له أثر في الضمان وعدمه، فإنه إذا فرق اللحم؛ لزمه ضمانه لصاحبها ما لم يرض بتفريقه إياه.
    الحال الثالثة: أن يذبحها مع الإطلاق؛ فلا ينويها عن صاحبها ولا عن نفسه، فتجزئ عن صاحبها أيضا؛ لأنها معينة من قبله، وقيل: لا تجزئ عن واحد منهما.
    تنبيه : في حال إجزاء المذبوح عن صاحبه فيما سبق، إن كان اللحم باقيا أخذه صاحبه وفرقه أضحية، وإن كان الذابح قد فرقه تفريق أضحية ورضي به صاحبها، فقد وقع الموقع، وإن لم يرض ضمنه لصاحبه ليفرقه بنفسه.
    تنبيه ثان : محل ما ذكر من التفصيل إن قلنا بحل ما ذكاه الغير بغير إذن مالكه، وإلا فلا تجزئ بكل حال وعليه الضمان.
    تتمه : قال الأصحاب: وإن ضحى اثنان كل منهما بأضحية الآخر عن نفسه غلظاً كفتهما ولا ضمان، فإن فرقاً اللحم؛ فقد وقع موقعه وإلا تراداه ليفرق كل واحد منهما لحم أضحيته.
    فائدتان :
    الأولى : إذا تلفت بعد الذبح أو سرقت أو أخذها من لا تمكن مطالبته، ولم يفرط صاحبها فلا ضمان عليه، وإن فرط ضمن ما تجب به الصدقة منها قط.
    الثانية : إذا ولدت بعد التعيين فحكم ولدها حكمها في جميع ما تقدم سواء حملت به بعد التعيين أم قبله، وأما ما ولدته قبل التعيين فهو مستقل في حكم نفسه فلا يتبع أمه. )) ا.هـ
    ومما جاء عن الشيخ من الفتاوى في هذا الباب أنه سئل : فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين- حفظه الله- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    أرجو من فضيلتكم الإجابة على الأسئلة التالية وجزاكم الله خيرًا.
    السؤال الأول: ما حكم من عين الأضحية ثم ماتت قبل العيد بثلاثة أيام، ثم أخذ بدل، وفي يوم عرفة انكسرت الأضحية، ولم يجد بدل؛ لأنه في عيد، فما الحكم إذا ضحى بها، وهل تجزئ الأضحية؟
    وجزاكم الله خيرًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    فأجاب : (( وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم، يذبح البدل وإن انكسرت قبل الذبح إلا أن يكون الانكسار بتفريط من المضحي وذلك لأنها بدل عن معينة فتتعين بمجرد الشراء مع النية، والأضحية إذا تعيبت بعد التعيين بدون تفريط من المالك أجزأت عنه.
    جواب السؤال الثاني: الأضحية سنة مؤكدة لا ينبغي للقادر أن يتركها، وقيل: واجبة.
    كتبه محمد الصالح العثيمين في 27/6/1418هـ. )) ا.هـ ([1])
    2 ـ وسئل فضيلته : إذا اشترى إنسان ذبيحتين يقصد إحداهما للأضحية والأخرى لحما فهل يشترط أن يعين التي سيضحي بها بعينها ولا يجوز له تبديلها بالأخرى؟
    فأجاب بقوله: (( لا ليس بشرط، والذي ينبغي للإنسان ألاَّ يعين الأضحية إلا عند ذبحها لأجل أن يكون حرَّا في تبديلها وتغييرها، فإذا أراد أن يذبحها يقول: هذه أضحية فلان، أضحية عني وعن أهل بيتي، أو عن فلان الذي أوصى بها أو ما أشبه بذلك ، ماذا ([2]) تعينت فإنه يتعلق بها حكم الأضحية ويجب عليه تنفيذها، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه إذا أبدلها بخير منها فلا حرج. )) ا.هـ ([3])
    3 ـ وسئل : من اشترى الأضحية لتربيتها في الرعي، ثم مرضت أو انكسرت رجلها فهل يضحي بما؟
    فأجاب بقوله: (( يقول العلماء- رحمهم الله- من عيّن الأضحية وقال: هذه أضحيتي صارت أضحية، فإذا أصابها مرض أو كسر فإن كنت أنت السبب فإنها لا تجزئ، ويجب عليك أن تشتري بدلها مثلها أو أحسن منها، وإن لم تكن السبب فإنها تجزئ.
    ولهذا نقول: الأولى أن الإنسان يصبر في تعيينها فيشتريها مبكرًا من أجل أن يغذيها بغذاء طيب، ولكن لا يعينها، فإذا كان عند الذبح عينها وقال: اللهم هذا منك ولك، هذا عني وعن أهل بيتي. وهو إذا لم يعين يستفيد فائدة مهمة وهي: لو طرأ أن يدعها ويشتري غيرها فله ذلك؛ لأنه لم يعينها. )) ا.هـ
    4 ـ وسئل - رحمه الله-: ما حكم تعليم الأضحية بالحناء وبالقلائد؟
    فأجاب بقوله: (( الأضاحي لا حاجة لأن تعلم بالحناء ولا بقلائد؛ لأن الإنسان سيضحي بها في بيته، ويأكل منها هو وأهله، ويطعم الفقراء ويتصدق عليهم، ويطعم الأغنياء، وإنما التقليد يكون للهدي الذي يبعث به إلى مكة، حتى يعرف الفقراء أنه هدي فيتبعوه ليأكلوا منه .)) ا.هـ ([4])
    ومما جاء في هذا الباب عن (فتاوى اللجنة الدائمة)(11/ 402) :
    (( السؤال الثاني من الفتوى رقم (1734) : اشتريت شاة لأضحي بها فولدت قبل الذبح بمدة يسيرة، فماذا أفعل بولدها؟
    الجواب : الأضحية تتعين بشرائها بنية الأضحية أو بتعيينها، فإذا تعينت فولدت قبل وقت ذبحها فاذبح ولدها تبعا لها ، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... الرئيس
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز)) ا.هـ
    باب وقت الأضحية
    قال الشيخ في ( أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 225)
    (( الأضحية عبادة موقتة لا تجزئ قبل وقتها على كل حال، ولا تجزئ بعده إلا على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر.
    وأول وقتها بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان، أو بعد قدرها من يوم العيد لمن لا يصلون كالمسافرين وأهل البادية، فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم، وليست بأضحية ويجب عليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصلاة؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء"، وفيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين " .
    وفيه أيضا عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى " .
    والأفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبتان؛ لأن ذلك فعل النبي صل الله عليه وسلم، قال جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ثم خطب ثم ذبح. الحديث رواه البخاري .
    والأفضل أن لا يذبح حتى يذبح الإمام ([5]) إن كان الإمام يذبح في المصلى اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى . يعنى يبرز أضحيته عند المصلى العيد فيذبحها هناك؛ إظهاراً لشعائر الله، وليعلم الناس بالفعل كيفية ذبح الأضحية، وليسهل تناول الفقراء منها، وليس المعنى أنه يذبحها في نفس المصلى؛ لأنه مسجد، والمسجد لا يلوث بالدم والفرث.
    وفي صحيح البخاري أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب يوم عيد الأضحى قال: فانكفأ إلى كبشين ـ يعنى فذبحهما ـ ثم انكفأ الناس إلى غنيمة فذبحوها .
    وعن جابر رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد ومسلم .
    وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فيكون الذبح في أربعة أيام: يوم العيد، واليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر. وثلاث ليال: ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر.
    هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -في إحدى الروايتين عنه، قال ابن القيم: وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن البصري، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي، واختاره ابن المنذر.
    قلت: واختاره الشيخ تقي الدين بن تيميه وهو ظاهر ترجيح ابن القيم لقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}[الحج: 28].
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده .
    وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كل أيام التشريق ذبح " رواه أحمد، والبيهقي، وابن حبان في صحيحه ، وأعل بالانقطاع لكن يؤيده قوله صلى الله عليه وسلمً:"أيام التشريق أكل وشرب وذكر لله عز وجل " رواه مسلم .
    فجعل النبي صلى الله عليه وسلم باب هذه الأيام واحدا في كونها أيام ذكر لله عز وجل، وهذا يتناول الذكر المطلق والذكر المقيد على بهيمة الأنعام، ولأن هذه الأيام مشتركة في جميع الأحكام ما عدا محل النزاع، فكلها أيام منى، وأيام رمي للجمار، وأيام ذكر لله وصيامها حرام، فما الذي يخرج الذبح عن ذلك حتى يختص منها باليومين الأولين؟
    والذبح في النهار أفضل، ويجوز في الليل؛ لأن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي، ولذلك دخلت الليالي في الأيام في الذكر حيث كانت وقتا له كما كان النهار وقتا له، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار.
    ولا يكره الذبح في الليل؛ لأنه لا دليل على الكراهة، والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل.
    وأما ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح ليلا، فقال في (التلخيص) : فيه سليمان بن سلمة الخبائري، وهو متروك .
    وأما قول بعضهم: يكره الذبح ليلا خروجا من الخلاف؛ فالتعليل ليس حجة شرعية، قال شيخ الإسلام ابن تيمبة: تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر، فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام، فإنه وصف حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يسلكه من لم يكن عارفا بالأدلة الشرعية في نفس الأمر لطلب الاحتياط. ا.هـ.
    وكثير من المسائل الخلافية لم يراع فيها جانب الخلاف، ولم يؤثر الخلاف فيها شيئا، وها هو الخلاف هنا ثابت في امتداد وقت ذبح الأضحية إلى ما بعد يوم النحر. ولم يقل القائلون بامتداده أنه يكره الذبح فيما بعد يوم العيد، لكن إن قوي دليل المخالف بحيث يثير شبهة؛ كانت مراعاته من باب:" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .

    يتبع إن شاء الله ..

    ([1]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 104)

    ([2]) كذا الأصل ، و الصواب فيما يبدو أن هو ( متى)

    ([3]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 95)

    ([4]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 99 ـ 100)

    ([5]) ومما جاء في هذه المسألة عن (فتاوى اللجنة الدائمة)(11/ 410)
    (( السؤال الرابع من الفتوى رقم (5123) : هل صحيح أن من ذبح أضحيته قبل ذبح الإمام لا تجزئ عنه؟
    الجواب : الصحيح أن من ذبح بعد صلاة العيد أن ذبيحته تجزئه، ولو كان ذبحه قبل ذبح الإمام، أما من ذبح أضحيته
    قبل صلاة العيد فلا تجزئه أضحية، وإنما هي طعام عجله لأهله.
    وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز))


  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    ما جاء فيما تتعين به الأضحية وأحكامه

    قال الإمام في (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 245 ـ 250)
    (( تتعين الأضحية أضحية بواحد من أمرين:
    أحدهما: اللفظ بتعيينها أضحية بأن يقول: هذه أضحية قاصدا بذلك إنشاء تعيينها.
    فأما إن قصد الإخبار عما سيصرفها إليه في المستقبل؛ فإنها لا تتعين بذلك؛ لأن هذا إخبار عما في نيته أن يفعل، وليس للتعيين.
    الثاني: ذبحها بنية الأضحية، فمتى ذبحها بنية الأضحية؛ ثبت لها حكم الأضحية، وإن لم يتلفظ بذلك قبل الذبح، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد، وهو مذهب الشافعي، أعني أن الأضحية تتعين بأحد هذين الأمرين، وزاد شيخ الإسلام ابن تيمية أمراً ثالثاً وهو: الشراء بنية الأضحية، فإذا اشتراها بنية الأضحية تعينت، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة.
    والأول أرجح كما لو اشترى عبداً يريد عتقه فإنه لا يعتق، وكما لو اشترى بيتا ليجعله وقفا؛ فإنه لا يصير وقفا بمجرد النية، وكما لو أخرج من جيبه دراهم ليتصدق بها؛ فإنها لا تتعين الصدقة بها بل هو بالخيار إن شاء أنفذها وإن شاء منعها.
    ويستثني من ذلك ما إذا اشترى أضحية بدلاً عن معينة فإنها تتعين بمجرد الشراء مع النية.
    وإذا تعينت أضحية تعلق بذلك أحكام:
    أحدها: أنه لا يجوز نقل الملك فيها ببيع ولا هبة ولا غيرهما إلا أن يبدلها بخير منها، أو يبيعها ليشتري خيراً منها فيضحي به.
    وإن مات من عينها لم يملك الورثة إبطال تعيينها، ولزمهم ذبحها أضحية، ويفرقون منها ويأكلون.
    الثاني: أنه لا يجوز أن يتصرف فيها تصرفا مطلقا، فلا يستعملها في حرث ونحوه، ولا يركبها بدون حاجة ولا مع ضرر، ولا يحلب من لبنها ما فيه نقص عليها أو يحتاجه ولدها المتعين معها. ولا يجز شيئا من صوفها ونحوه إلا أن يكون أنفع لها، وإذا جزه فليتصدق به أو ينتفع، والصدقة أفضل.
    الثالث: أنها إذا تعيبت عيباً يمنع الإجزاء فله حالان:
    الحال الأولى: أن يكون ذلك بدون فعل منه ولا تفريط؛ فيذبحها وتجزئه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين؛ لأنها أمانة عنده، فإذا تعيبت بدون فعل منه ولا تفريط فلا حرج عليه.
    مثال ذلك: أن يشتري شاةً فيعينها أضحية، ثم تعثر وتنكسر بدون سبب منه فيذبحها وتجزئه أضحية.
    فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين كما لو نذر أن يضحي ثم عين عن نذره شاة فتعيبت بدون فعل من ولا تفريط وجب عليه إبدالها بسليمة تجزئ عما في ذمته؛ لأن ذمته مشغولة بأضحية سليمة قبل أن يعينها، فلا يخرج من عهدة الواجب إلا بأضحية سليمة.
    الحال الثانية: أن يكون تعيبها بفعله أو تفريط؛ فيلزمه إبدالها بمثلها على كل حال، سواء كانت واجبة في ذمته قبل التعيين أم لا، وسواء كانت بقدر ما يجزئ في الأضحية أو أعلى منه.
    مثال ذلك: أن يشتري شاة سمينة فيعينها أضحية ثم يربطها برباط ضيق كان سببا في كسرها فتنكسر؛ فيلزمه إبدالها بشاة سمينة يضحي بها.
    وإذا ضحى بالبدل فهل يلزمه ذبح المتعيب أيضا، أو يعود ملكا له؟ على روايتين عن أحمد:
    إحداهما: يلزمه ذبح المتعيب، وهو المذهب المشهور عند الأصحاب لتعلق حق الفقراء فيه بتعيينه.
    الثانية: لا يلزمه ذبحه لبراءة ذمته بذبح بدله، فلم يضع حق الفقراء فيه، وهذا هو القول الراجح ، اختاره الموفق والشارح وغيرهما، وعلى هذا فيعود المتعيب ملكا له يصنع فيه ما شاء من أكل وبيع وهدية وصدقة وغير ذلك.
    الرابع: أنها ضلت (ضاعت) أو سرقت فثم حالان:
    الحال الأولى: أن يكون ذلك بدون تفريط منه فلا ضمان عليه إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين؛ لأنها أمانة عنده، والأمين لا ضمان عليه إذا لم يفرط، لكن متى وجدها أو استنقذها من السارق؛ لزمه ذبحها ولو فات وقت الذبح، وإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين وجب عليه ذبح بدلها على أقل ما تبرأ به الذمة كما سبق، فإن وجدها أو استنقذها من السارق بعد ذبح بدلها لم يلزمه ذبحها لبراءة ذمته، وسقوط حق الفقراء بذبح البدل، لكن إن كان البدل الذي ذبحه أنقص لزمه الصدقة بأرش النقص؛ لتعلق حق الفقراء به، والله أعلم.
    الحال الثانية: أن يكون ذلك بتفريط منه فيلزمه إبدالها بمثلها على كل حال، أي سواء كانت واجبة في ذمته قبل التعيين أو لا، وسواء كانت بقدر ما يجزئ في الأضحية أم أعلى منه.
    مثال ذلك: اشترى شاة فعينها أضحية، ثم وضعها في مكان غير محرز فسرقت أو خرجت فضاعت؛ فيلزمه إبدالها بأضحية مثلها على صفتها، وإن شاء أعلى منها.
    وإذا ضحى بالبدل ثم وجدها أو استنقذها من السارق؛ عادت ملكا له يصنع بها ما شاء من بيع وهبة وصدقة وغير ذلك؛ لأنه برئت ذمته بذبح بدلها، وسقط به حق الفقراء.
    الخامس: أنها إذا تلفت فلها ثلاث حالات:
    الحال الأولى: أن يكون تلفها بأمر لا صنع للآدمي فيه؛ كمرض أو آفة سماوية أو سبب تفعله هي، فلا يلزمه بدلها إلا أن تكون واجبة في ذمته قبل التعيين؛ لأنها أمانة عنده، والأمين لا ضمان عليه في مثل ذلك، فإن كانت واجبة في ذمته قبل التعيين؛ لزمه ذبح بدلها على أقل ما تبرأ به ذمته، وإن شاء أعلى منه.
    الحال الثانية: أن يكون تلفها بفعل مالكها، فيلزمه ذبح بدلها على صفتها بكل حال، أي سواء كانت واجبة في ذمته قبل التعيين أم لا، وسواء كانت بقدر ما يجزئ في الأضحية أم أعلى منه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من ذبح قبل أن يصلى فليعد مكانها أخرى " وكما لو تعيبت بفعله فيلزمه بدلها على صفتها كما سبق.
    الحال الثالثة: أن يكون تلفها بفعل آدمي غير مالكها، فإن كان لا يمكن تضمينه كقطاع الطريق؛ فحكمه حكم تلفها بأمر لا صنع للآدمي فيه على ما سبق في الحال الأولى. وإن كان يمكن تضمينه كشخص معين ذبحها فأكلها، فإنه يلزمه ضمانها بمثلها يدفعه إلى مالكها ليضحي به، وقيل: يلزمه ضمانها بالقيمة، والأول أصح، فإن الحيوان يضمن بمثله على القول الراجح؛ لما روى البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه بعيرا ـ وفي رواية فأغلظ له ـ فهم به أصحابه فقال:" دعوه، فإن لصاحب الحق مقالاً، واشتروا له بعيرا فأعطوه إياه، وقالوا: لا نجد إلا أفضل من سنه، قال: اشتروا له وأعطوه إياه، فإن خيركم أحسنكم قضاء " ، ولمسلم نحوه ، ولو كان البدل الواجب في الحيوان قيمته لم يعدل النبي صلى الله عليه وسلم عنها، ولم يكلفهم الشراء له.
    السادس: أنها إذا ذبحت قبل وقت الذبح ولو بنية الأضحية؛ فحكمه حكم إتلافها على ما سبق، وإن ذبحت في وقت الذبح فإن كان الذابح صاحبها أو وكيله؛ فقد وقعت موقعها. وإن كان الذبح غير صاحبها ولا وكيله؛ فله ثلاث حالات:
    الحال الأولى: أن ينويها عن صاحبها، فإن رضي صاحبها بذلك أجزأت بلا ريب، وإن لم يرض أجزأت أيضا على المشهور من مذهب أحمد والشافعي وأبي حنيفة، ونقل في المغني عن مالك أنها لا تجزئ، وعلى هذا فينبغي أن يلزم الذابح ضمانها بمثلها يدفعه إلى مالكها ليضحي به كالإتلاف، ويكون اللحم للذابح إلا أن يرضى صاحبها بأخذه مع الأرش وهو فرق ما بين قيمتها حية ومذبوحة، فيملكه ويذبح بدلها.
    الحال الثانية: أن ينويها عن نفسه لا عن صاحبها، فإن كان يعلم أنها أضحية غيره لم تجز عنه ولا عن صاحبها؛ لأنه غاضب معتد فلا يكون فعله قربة، ويلزمه ضمانها بمثلها يدفعه إلى صاحبها ليضحي به وقيل: تجزئ عن صاحبها إلغاء لنية الذابح دون فعله، وعلى هذا فلا يضمن إلا ما فرق من اللحم، وإن كان لا يعلم أنها أضحية غيره؛ أجزأت عن صاحبها بكل حال، وقيل: إن فرق لحمها لم تجز عن واحد منهما، والأول أظهر؛ لأن تفرقه اللحم لا أثر لها في الإجزاء وعدمه؛ بدليل ما لو ذبحها ثم سرقت قبل تفريقها فإنها تجزئ. نعم تفريق اللحم له أثر في الضمان وعدمه، فإنه إذا فرق اللحم؛ لزمه ضمانه لصاحبها ما لم يرض بتفريقه إياه.
    الحال الثالثة: أن يذبحها مع الإطلاق؛ فلا ينويها عن صاحبها ولا عن نفسه، فتجزئ عن صاحبها أيضا؛ لأنها معينة من قبله، وقيل: لا تجزئ عن واحد منهما.
    تنبيه : في حال إجزاء المذبوح عن صاحبه فيما سبق، إن كان اللحم باقيا أخذه صاحبه وفرقه أضحية، وإن كان الذابح قد فرقه تفريق أضحية ورضي به صاحبها، فقد وقع الموقع، وإن لم يرض ضمنه لصاحبه ليفرقه بنفسه.
    تنبيه ثان : محل ما ذكر من التفصيل إن قلنا بحل ما ذكاه الغير بغير إذن مالكه، وإلا فلا تجزئ بكل حال وعليه الضمان.
    تتمه : قال الأصحاب: وإن ضحى اثنان كل منهما بأضحية الآخر عن نفسه غلظاً كفتهما ولا ضمان، فإن فرقاً اللحم؛ فقد وقع موقعه وإلا تراداه ليفرق كل واحد منهما لحم أضحيته.
    فائدتان :
    الأولى : إذا تلفت بعد الذبح أو سرقت أو أخذها من لا تمكن مطالبته، ولم يفرط صاحبها فلا ضمان عليه، وإن فرط ضمن ما تجب به الصدقة منها قط.
    الثانية : إذا ولدت بعد التعيين فحكم ولدها حكمها في جميع ما تقدم سواء حملت به بعد التعيين أم قبله، وأما ما ولدته قبل التعيين فهو مستقل في حكم نفسه فلا يتبع أمه. )) ا.هـ
    ومما جاء عن الشيخ من الفتاوى في هذا الباب أنه سئل : فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين- حفظه الله- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
    أرجو من فضيلتكم الإجابة على الأسئلة التالية وجزاكم الله خيرًا.
    السؤال الأول: ما حكم من عين الأضحية ثم ماتت قبل العيد بثلاثة أيام، ثم أخذ بدل، وفي يوم عرفة انكسرت الأضحية، ولم يجد بدل؛ لأنه في عيد، فما الحكم إذا ضحى بها، وهل تجزئ الأضحية؟
    وجزاكم الله خيرًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    فأجاب : (( وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بسم الله الرحمن الرحيم، يذبح البدل وإن انكسرت قبل الذبح إلا أن يكون الانكسار بتفريط من المضحي وذلك لأنها بدل عن معينة فتتعين بمجرد الشراء مع النية، والأضحية إذا تعيبت بعد التعيين بدون تفريط من المالك أجزأت عنه.
    جواب السؤال الثاني: الأضحية سنة مؤكدة لا ينبغي للقادر أن يتركها، وقيل: واجبة.
    كتبه محمد الصالح العثيمين في 27/6/1418هـ. )) ا.هـ ([1])
    2 ـ وسئل فضيلته : إذا اشترى إنسان ذبيحتين يقصد إحداهما للأضحية والأخرى لحما فهل يشترط أن يعين التي سيضحي بها بعينها ولا يجوز له تبديلها بالأخرى؟
    فأجاب بقوله: (( لا ليس بشرط، والذي ينبغي للإنسان ألاَّ يعين الأضحية إلا عند ذبحها لأجل أن يكون حرَّا في تبديلها وتغييرها، فإذا أراد أن يذبحها يقول: هذه أضحية فلان، أضحية عني وعن أهل بيتي، أو عن فلان الذي أوصى بها أو ما أشبه بذلك ، ماذا ([2]) تعينت فإنه يتعلق بها حكم الأضحية ويجب عليه تنفيذها، وقد ذكر بعض أهل العلم أنه إذا أبدلها بخير منها فلا حرج. )) ا.هـ ([3])
    3 ـ وسئل : من اشترى الأضحية لتربيتها في الرعي، ثم مرضت أو انكسرت رجلها فهل يضحي بما؟
    فأجاب بقوله: (( يقول العلماء- رحمهم الله- من عيّن الأضحية وقال: هذه أضحيتي صارت أضحية، فإذا أصابها مرض أو كسر فإن كنت أنت السبب فإنها لا تجزئ، ويجب عليك أن تشتري بدلها مثلها أو أحسن منها، وإن لم تكن السبب فإنها تجزئ.
    ولهذا نقول: الأولى أن الإنسان يصبر في تعيينها فيشتريها مبكرًا من أجل أن يغذيها بغذاء طيب، ولكن لا يعينها، فإذا كان عند الذبح عينها وقال: اللهم هذا منك ولك، هذا عني وعن أهل بيتي. وهو إذا لم يعين يستفيد فائدة مهمة وهي: لو طرأ أن يدعها ويشتري غيرها فله ذلك؛ لأنه لم يعينها. )) ا.هـ
    4 ـ وسئل - رحمه الله-: ما حكم تعليم الأضحية بالحناء وبالقلائد؟
    فأجاب بقوله: (( الأضاحي لا حاجة لأن تعلم بالحناء ولا بقلائد؛ لأن الإنسان سيضحي بها في بيته، ويأكل منها هو وأهله، ويطعم الفقراء ويتصدق عليهم، ويطعم الأغنياء، وإنما التقليد يكون للهدي الذي يبعث به إلى مكة، حتى يعرف الفقراء أنه هدي فيتبعوه ليأكلوا منه .)) ا.هـ ([4])
    ومما جاء في هذا الباب عن (فتاوى اللجنة الدائمة)(11/ 402) :
    (( السؤال الثاني من الفتوى رقم (1734) : اشتريت شاة لأضحي بها فولدت قبل الذبح بمدة يسيرة، فماذا أفعل بولدها؟
    الجواب : الأضحية تتعين بشرائها بنية الأضحية أو بتعيينها، فإذا تعينت فولدت قبل وقت ذبحها فاذبح ولدها تبعا لها ، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... الرئيس
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز)) ا.هـ
    باب وقت الأضحية
    قال الشيخ في ( أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 225)
    (( الأضحية عبادة موقتة لا تجزئ قبل وقتها على كل حال، ولا تجزئ بعده إلا على سبيل القضاء إذا أخرها لعذر.
    وأول وقتها بعد صلاة العيد لمن يصلون كأهل البلدان، أو بعد قدرها من يوم العيد لمن لا يصلون كالمسافرين وأهل البادية، فمن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم، وليست بأضحية ويجب عليه ذبح بدلها على صفتها بعد الصلاة؛ لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، وليس من النسك في شيء"، وفيه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين " .
    وفيه أيضا عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قال :" من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى " .
    والأفضل أن يؤخر الذبح حتى تنتهي الخطبتان؛ لأن ذلك فعل النبي صل الله عليه وسلم، قال جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه: صلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ثم خطب ثم ذبح. الحديث رواه البخاري .
    والأفضل أن لا يذبح حتى يذبح الإمام ([5]) إن كان الإمام يذبح في المصلى اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى . يعنى يبرز أضحيته عند المصلى العيد فيذبحها هناك؛ إظهاراً لشعائر الله، وليعلم الناس بالفعل كيفية ذبح الأضحية، وليسهل تناول الفقراء منها، وليس المعنى أنه يذبحها في نفس المصلى؛ لأنه مسجد، والمسجد لا يلوث بالدم والفرث.
    وفي صحيح البخاري أيضا عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب يوم عيد الأضحى قال: فانكفأ إلى كبشين ـ يعنى فذبحهما ـ ثم انكفأ الناس إلى غنيمة فذبحوها .
    وعن جابر رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم رواه أحمد ومسلم .
    وينتهي وقت الأضحية بغروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فيكون الذبح في أربعة أيام: يوم العيد، واليوم الحادي عشر، واليوم الثاني عشر، واليوم الثالث عشر. وثلاث ليال: ليلة الحادي عشر، وليلة الثاني عشر، وليلة الثالث عشر.
    هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم، وبه قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه -في إحدى الروايتين عنه، قال ابن القيم: وهو مذهب إمام أهل البصرة الحسن البصري، وإمام أهل الشام الأوزاعي، وإمام فقهاء أهل الحديث الشافعي، واختاره ابن المنذر.
    قلت: واختاره الشيخ تقي الدين بن تيميه وهو ظاهر ترجيح ابن القيم لقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}[الحج: 28].
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: الأيام المعلومات: يوم النحر، وثلاثة أيام بعده .
    وعن جبير بن مطعم رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كل أيام التشريق ذبح " رواه أحمد، والبيهقي، وابن حبان في صحيحه ، وأعل بالانقطاع لكن يؤيده قوله صلى الله عليه وسلمً:"أيام التشريق أكل وشرب وذكر لله عز وجل " رواه مسلم .
    فجعل النبي صلى الله عليه وسلم باب هذه الأيام واحدا في كونها أيام ذكر لله عز وجل، وهذا يتناول الذكر المطلق والذكر المقيد على بهيمة الأنعام، ولأن هذه الأيام مشتركة في جميع الأحكام ما عدا محل النزاع، فكلها أيام منى، وأيام رمي للجمار، وأيام ذكر لله وصيامها حرام، فما الذي يخرج الذبح عن ذلك حتى يختص منها باليومين الأولين؟
    والذبح في النهار أفضل، ويجوز في الليل؛ لأن الأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي، ولذلك دخلت الليالي في الأيام في الذكر حيث كانت وقتا له كما كان النهار وقتا له، فكذلك تدخل في الذبح فتكون وقتا له كالنهار.
    ولا يكره الذبح في الليل؛ لأنه لا دليل على الكراهة، والكراهة حكم شرعي يفتقر إلى دليل.
    وأما ما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح ليلا، فقال في (التلخيص) : فيه سليمان بن سلمة الخبائري، وهو متروك .
    وأما قول بعضهم: يكره الذبح ليلا خروجا من الخلاف؛ فالتعليل ليس حجة شرعية، قال شيخ الإسلام ابن تيمبة: تعليل الأحكام بالخلاف علة باطلة في نفس الأمر، فإن الخلاف ليس من الصفات التي يعلق الشارع بها الأحكام، فإنه وصف حادث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن يسلكه من لم يكن عارفا بالأدلة الشرعية في نفس الأمر لطلب الاحتياط. ا.هـ.
    وكثير من المسائل الخلافية لم يراع فيها جانب الخلاف، ولم يؤثر الخلاف فيها شيئا، وها هو الخلاف هنا ثابت في امتداد وقت ذبح الأضحية إلى ما بعد يوم النحر. ولم يقل القائلون بامتداده أنه يكره الذبح فيما بعد يوم العيد، لكن إن قوي دليل المخالف بحيث يثير شبهة؛ كانت مراعاته من باب:" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .

    يتبع إن شاء الله ..

    ([1]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 104)

    ([2]) كذا الأصل ، و الصواب فيما يبدو أن هو ( متى)

    ([3]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 95)

    ([4]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 99 ـ 100)

    ([5]) ومما جاء في هذه المسألة عن (فتاوى اللجنة الدائمة)(11/ 410)
    (( السؤال الرابع من الفتوى رقم (5123) : هل صحيح أن من ذبح أضحيته قبل ذبح الإمام لا تجزئ عنه؟
    الجواب : الصحيح أن من ذبح بعد صلاة العيد أن ذبيحته تجزئه، ولو كان ذبحه قبل ذبح الإمام، أما من ذبح أضحيته
    قبل صلاة العيد فلا تجزئه أضحية، وإنما هي طعام عجله لأهله.
    وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
    اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
    عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
    عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز))

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    باب ما جاء في الذكاة وشروطها
    تعريفها
    قال الإمام : الذكاة : يعني الذبح، وأصلها من الذكاء، وهو الحدة والنفوذ، ووجه الارتباط أن الذبح يكون بآلة حادة ونافذة، ومنه الذكاء؛ لأن الذكي يكون حاد الذهن، ونافذ البصيرة.
    أما في الشرع : فهو إنهار الدم من بهيمة تحل، إما في العنق إن كان مقدوراً عليها، أو في أي محل من بدنه إن كان غير مقدور عليها.
    والذكاة شرط لحل الحيوان المباح، فكل حيوان مباح فإنه لا يحل إلا بذكاة.
    مسألة : فلو أن إنساناً اضطُر إلى حمار فهل لا بد لحله من الذكاة؟
    الجواب: نعم، فلا نقول: إن هذا في الأصل حرام فيحل سواء ذكيته، أم خنقته، أم أصبته في أي موضع من بدنه، بل نقول: إنه لما أبيح للضرورة صار حكمه حكم ما أحل لغير ضرورة.([1])
    شروط الذكاة
    قال الإمام : يشترط لحل الحيوان بالذكاة شروط تسعة:
    الأول: أن يكون المذكي ممن يمكن منه قصد التذكية، وهو المميز العاقل، فلا يحل ما ذكاه صغير دون التمييز، ولا هرم ذهب تمييزه، والتمييز فهم الخطاب والجواب بالصواب.
    ولا يحل ما ذكاه مجنون وسكران ومبرسم ونحوهم؛ لعدم إمكان القصد من هؤلاء.
    وإنما اشترط إمكان القصد؛ لأن الله أضاف التذكية إلى المخاطبين في قوله:{إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة: 3]
    وهو ظاهر في إرادة الفعل، ومن لا يمكن منه القصد تمكن منه الإرادة.
    الشرط الثاني: أن يكون المذكي مسلما أو كتابيا، وهو من ينتسب لدين اليهود أو النصارى. فأما المسلم فيحل ما ذكاه وإن كان فاسقا أو مبتدعا ببدعة غير مكفرة، أو صبيا مميزاً، أو امرأة؛ لعموم الأدلة وعدم المخصص، قال في(المغني) عن ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة ذبيحة المرأة والصبي، قال: وقد روي أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فأدركتها فذكتها بحجر، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال :" كلوها" متفق عليه.
    قال: وفي هذا الحديث فوائد سبع:
    إحداها: إباحة ذبيحة المرأة.
    الثانية: إباحة ذبيحة الأمة.
    الثالثة: إباحة ذبيحة الحائض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل.
    الرابعة: إباحة الذبح بحجر.
    الخامسة: إباحة ذبح ما خيف عليه الموت.
    السادسة: حل ما يذبحه غير مالكه بغير أذنه.
    السابعة: إباحة ذبحه لغير مالكه عند الخوف عليه. اهـ.
    قلت: وفائدة ثامنة: وهي إباحة ذبح الجنب. وتاسعة: وهي أن الأصل في تصرفات من يصح تصرفه الحل والصحة حيث لم يسأل: أذكرت اسم الله عليها أم لا، وزاد في(شرح المنتهى) حل ذبيحة الفاسق والأقلف فتكون الفوائد إحدى عشرة.
    وقول الشيخ رحمه الله في (المغني) : السادسة: حل ما يذبحه غير مالكه بغير إذنه، إن كان مراده بالغير من كان أمينا عليه أو ذبحه لمصلحة مالكه فمسلم وواضح، وإن كان مراده ما يشمل الغاصب ونحوه؛ ففيه خلاف يأتي إن شاء الله، والحديث المذكور لا يدل على حل ما ذكاه ولا عدمه؛ لأن الذكاة فيه واقعة من الجارية التي ترعى الغنم وهي أمينة عليها، ثم إنها لمصلحة مالكها أيضا.
    وقوله: السابعة: إباحة ذبحه لغير مالكه عند الخوف عليه: إن أراد به الإباحة المطلقة التي تقتضي أن يكون مستوي الطرفين، ففيه نظر، وإن أراد الإباحة في المنع فلا تنافي الوجوب فمسلم، وذلك أن الأمين إذا رأى فيما اؤتمن عليه خوف ضياع أو تلف وجب عليه أن يتدارك ذلك؛ لأنه مؤتمن عليه، يجب عليه فعل الأصلح، ففي مثل هذه الصورة يجب على الراعي تذكيتها؛ لأنه أصلح الأمرين، وهو أمين مقبول قوله في خوف التلف، أما غير الأمين فلا يجب عليه ذلك إن خاف تبعة، والله أعلم.
    ومقتضى ما سبق حل ذكاة الأقلف بدون كراهة، وهو ظاهر النصوص وإطلاق كثير من أصحابنا منهم صاحب المنتهى، ونقل في المغني عن ابن عباس: لا تؤكل ذبيحة الأقلف، وأن عن الإمام أحمد مثله، قال في(الرعاية) : وعنه تكره ذبيحة الأقلف والجنب والحائض والنفساء، وجزم بكراهة ذكاة الأقلف في (الإقناع)
    وأما الكتابي: فيحل ما ذكاه بالكتاب والسنة والإجماع.
    أما الكتاب: فقوله ـ تعالى ـ:{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}[المائدة: 5]
    قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: طعامهم ذبائحهم، وروي ذلك عن مجاهد وسعيد والحسن وغيرهم.
    وأما السنة: ففي صحيح مسلم عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها. الحديث ، وفي مسند الإمام عن أنس أيضا أن يهوديا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأجابه .
    والإهالة السنخة: الشحم المذاب إذا تغيرت رائحته، وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن مغفل قال: كنا محاصرين قصر خيبر فرمى إنسان بجراب فيه شحم، وفي صحيح مسلم قال: فالتزمته فقلت: لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مبتسما .
    وأما الإجماع: فقد حكى إجماع المسلمين على حل ذبائح أهل الكتاب غير واحد من العلماء، منهم صاحب (المغني) وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير في تفسيره، قال شيخ الإسلام: ومن المعلوم أن حل ذبائحهم ونسائهم ثبت بالكتاب والسنة والإجماع، قال: وما زال المسلمون في كل عصر ومصر يأكلون ذبائحهم، فمن خالف ذلك؛ فقد أنكر إجماع المسلمين. ا.هـ. ([2])
    واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ: هل يشترط لحل ما ذكاه الكتابي أن يكون أبواه كتابيين، أو أن المعتبر هو بنفسه بقطع النظر عن أبويه؟
    فالمشهور من المذهب أن ذلك شرط، وأنه لا يحل ما ذكاه كتابي أبوه أو أمه من المجوس أو نحوهم، والصحيح أن ذلك ليس بشرط، وأن المعتبر هو بنفسه، فإذا كان كتابيا؛ حل ما ذكاه، وإن كان أبواه أو أحدهما من غير أهل الكتاب، قال شيخ الإسلام ابن تيميه: الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم يستفيده بنفسه لا بنسبه، فكل من تدين بدين أهل الكتاب؛ فهو منهم سواء كان أبوه أو جده داخلا في دينهم، أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك والمنصوص الصريح عن أحمد وإن كان في ذلك بين أصحابه نزاع معروف وهذا القول هو الثابت عن الصحابة، ـ رضي الله عنهم ـ ولا أعلم في ذلك بينهم نزاعا، وقد ذكر الطحاوى أن هذا إجماع قديم. ا.هـ.
    وأما غير الكتابي فلا يحل ما ذكاه؛ لمفهوم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}[المائدة: 5].
    قال الخازن في تفسيره: أجمعوا على تحريم ذبائح المجوس وسائر أهل الشرك من مشركي العرب وعبدة الأصنام ومن لا كتاب له، وقال الإمام أحمد: لا أعلم أحدا قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة.
    الشرط الثالث: أن يقصد التذكية، فإن لم يقصد التذكية؛ لم تحل الذبيحة، مثل أن تصول عليه بهيمة فيذبحها للدفاع عن نفسه فقط، أو يريد قطع شيء فتصيب السكين حلق بهيمة فلا تحل؛ لقوله ـ تعالى ـ:{إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة: 3] فأضاف الفعل إلى المخاطبين، وهو فعل خاص (تذكية) فيحتاج إلى نيته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ".
    وهل يشترط مع ذلك أن يقصد الأكل؟
    على قولين:
    أحدهما: لا يشترط فلو ذكاها لإراحتها أو تنفيذا ليمين حلف به كقوله: والله لأذبحن هذه الشاة، فذبحها لتنفيذ يمينه فقط حلت لعموم الأدلة.
    القول الثاني: أنه يشترط، اختاره الشيخ تقي الدين فقال: وإذا لم يقصد المذكي الأكل أو قصد حل يمينه لم تبح الذبيحة. ا.هـ.
    وفي (سنن النسائي) عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ما من إنسان قتل عصفوراً فما فوق بغير حقها إلا سأله الله عز وجل عنها " وفي رواية:"عنها يوم القيامة"، قيل يا رسول الله، فما حقها؟ قال :"حقها أن تذبحها فتأكلها، ولا تقطع رأسها فترمي بها "، وله من حديث عمرو
    بن الشريد عن أبيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"من قتل عصفوراً عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول: إن فلانا قتلني عبثا، ولم يقتلني لمنفعة" .
    ونقل صاحب الفروع عن صاحب الفنون وهو ابن عقيل الحنبلي أن بعض المالكية قال له: الصيد فرجة ونزهة ميتة لعدم قصد الأكل، قال: وما أحسن ما قال؛ لأنه عبث محرم، ولا أحد أحق بهذا من مذهب أحمد حيث جعل في إحدى الروايتين كل حظر في مقصود شرعي يمنع صحته. ا.هـ.
    الشرط الرابع: أن لا يذبح لغير الله، مثل أن يذبح تقربا لصنم أو وثن أو صاحب قبر، أو يذبح تعظيما لملك أو رئيس أو وزير أو وجيه أو والد أو غيرهم من المخلوقين، فإن ذبح لغير الله لم يحل وإن ذكر اسم الله عليه؛ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} إلى قوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}[المائدة: 3] وقول النبي صلى الله عليه وسلم :"لعن الله من ذبح لغير الله" . رواه مسلم من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه .
    الشرط الخامس: ألا يهل لغير الله به، بأن يذكر عليه اسم غير الله مثل أن يقول: باسم النبي، أو باسم جبريل، أو باسم الحزب الفلاني، أو الشعب الفلاني، أو الملك، أو الرئيس، أو نحو ذلك، فإن ذكر عليه اسم غير الله لم يحل وإن ذبح لله أو ذكر معه اسمه؛ لقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}[المائدة: 3] إلى قوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} ، وقد ذكر ابن كثير في تفسير الإجماع على تحريم ما أهل لغير الله به.
    الشرط السادس: أن يسمي الله عليها؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 118]، وقوله :{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}[الأنعام: 121] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم :"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا". أخرجه الجماعة واللفظ للبخاري .
    فشرط النبي صلى الله عليه وسلم للحل ذكر اسم الله عليه مع إنهار الدم.
    ويشترط أن تكون التسمية عند إرادة الذبح، فلو فصل بينهما وبين الذبح بفاصل كثير لم تنفع؛ لقوله ـ تعالى ـ: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام 18] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: "وذكر اسم الله عليه" ، وكلمة (عَلَيْهِ) تدل على حضوره وأن التسمية تكون عند الفعل، ولأن التسمية ذكر مشترط لفعل فاعتبر اقترانها به لتصح نسبتها إليه، لكن لو كان الفصل من أجل تهيئة الذبيحة كإضجاعها وأخذ السكين لم يضر ما دام يريد التسمية على الذبح لا على فعل التهيئة، قياسا على ما لو فصل بين أعضاء الوضوء لأمر يتعلق بالطهارة.
    ويشترط أن تكون بلفظ بسم الله، فلو قال بسم الرحمن أو باسم رب العالمين لم تجز، هذا هو المشهور من المذهب، والصواب أنه إذا أضاف التسمية إلى ما يختص بالله كالرحمن ورب العالمين ومنزل الكتاب وخالق الناس أو إلى ما يشركه فيه غيره وينصرف إليه تعالى عند الإطلاق ونواه به، كالمولى والعظيم ونحوهما مثل أن يقول: باسم الرحمن أو باسم العظيم وينوي به الله؛ فإنه يجزئ لحصول المقصود بذلك، والله أعلم.
    ويعتبر أن تكون التسمية على ما أراد ذبحه، فلو سمى على شاة ثم تركها إلى غيرها أعاد التسمية، وأما تغيير الآلة فلا يضر، فلو سمى وبيده سكين ثم ألقاه وذبح بغيرها فلا بأس.
    واختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ فيما إذا ترك التسمية على الذبيحة فهل تحل الذبيحة؟
    على ثلاثة أقوال:
    أحدها: أنها تحل سواء ترك التسمية عالما ذاكرا أم جاهلا ناسيا، وهو مذهب الشافعي بناء على أن التسمية سنة ، لا شرط.
    الثاني: أنها تحل إن تركها نسيانا، ولا تحل إن تركها عمدا ولو جاهلا، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه، وهنا فرقوا بين النسيان والجهل، فقالوا: إن ترك التسمية ناسياً حلت الذبيحة، وإن تركها جاهلا لم تحل، كما فرق أصحابنا بين الذبيحة والصيد، فقالوا في الذبيحة كما ترى، وقالوا في الصيد: إن ترك التسمية عليه لم يحل سواء تركها عالما ذاكرا أم جاهلاً ناسيا.
    القول الثالث: أنها لا تحل سواء ترك التسمية عالما ذاكرا أم جاهلا ناسيا، وهو إحدى الروايتين عن أحمد قدمه في الفروع، واختاره أبو الخطاب في خلافه وشيخ الإسلام ابن تيمية وقال: إنه قول غير واحد من السلف ، وهذا هو القول الصحيح؛ لقوله تعالى ـ: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام: 121] ، وهذا عام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :"ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا" ، فقرن بين إنهار الدم وذكر اسم الله على الذبيحة في شرط الحل، فكما أنه لو لم ينهر الدم ناسيا أو جاهلا لم تحل الذبيحة، فكذلك إذا لم يسم؛ لأنهما شرطان قرن بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في جملة واحدة، فلا يمكن التفريق بينهما إلا بدليل صحيح، ولأن التسمية شرط وجودي، والشرط الوجودي لا يسقط بالنسيان كما لو صلى بغير وضوء ناسيا، فإن صلاته لا تصح، وكما لو رمى صيدا بغير تسمية ناسيا، فإن الصيد لا يحل عند المفرقين بين الذبيحة والصيد، كما لو ذبح بغير تسمية جاهلا، فإن الذبيحة لا تحل عند المفرقين بين الجهل والنسيان، مع الجهل عذر مقرون بالنسيان في الكتاب والسنة ومساو له، وربما يكون أحق بكونه عذرا؛ كجهل حديث العهد بالإسلام الذي لم يمض عليه زمن يتمكن من العلم.
    فإن قيل: ما الجواب عن قوله تعالى:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}[البقرة: 286]، وقد فعل سبحانه وتعالى، وقوله تعالى:{وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُم}[الأحزاب: 5] والجاهل مخطئ، والناسي لم يتعمد قلبه، وقد رفع الله عنهما المؤاخذة والجناح.
    قلنا: الجواب: أننا نقول بمقتضى هاتين الآيتين الكريمتين ولا نعدو قول ربنا، فمن ترك التسمية على الذبيحة ناسيا أو جاهلا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح، لكن لا يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته، فإن حل ذبيحته أثر حكم تكليفي من شرطه الذكر والعلم، فلذلك انتفيا بانتفائهما.
    يوضح ذلك: أنه لو صلى بغير وضوء ناسيا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح، ولا يلزم من انتفائهما عنه صحة صلاته، فصلاته باطلة وإن كان ناسيا لفقد شرطها الوجودي وهو الوضوء.
    ويوضح ذلك أيضا: أنه لو ذبحها في غير محل الذبح ناسيا أو جاهلا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح، ولا يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته، فذبيحته حرام لفقد شرطها الوجودي، وهو إنهار الدم في محل الذبح.
    فإن قيل: ما الجواب عما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها: أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: " سموا عليه أنتم وكلوه"، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر .
    قلنا: الجواب: أننا نقول بمقتضى هذا الحديث، وأنه لو أتانا من تحل ذكاته من مسلم أو كتابي بلحم حل لنا أكله وإن كنا لا ندري هل ذكر اسم الله عليه أو لا، لأن الأصل في التصرفات الواقعة من أهلها الصحة حتى يقوم دليل الفساد، ولسنا مخاطبين بفعل غيرنا، وإنما نخاطب بفعلنا نحن، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حيث قال: " سموا عليه أنتم وكلوه" ، كأنه يقول: أنتم مخاطبون بالتسمية عند فعلكم وهو الأكل، فسموا عليه، وأما الذبح والتسمية عليه فمخاطب به غيركم، فعليكم ما حملتم وعليهم ما حملوا، وليس يعني أن تسميتكم هذه تغني عن التسمية على الذبح، وذلك لأن الذبح قد فات.
    وليس في الحديث دليل على سقوط التسمية بالجهل، ولا على أنها ليست بشرط لحل الذبيحة؛ لأنه ليس فيه أنهم تركوا التسمية فأحل لهم النبي صلى الله عليه وسلم اللحم، وإنما فيه أنهم لا يدرون أذكروا اسم الله عليه أم لا، والأصل أن الفعل وقع على الصحة، بل قد يقال: إن في الحديث دليلا على أن التسمية شرط لحل الذبيحة، وأنه لابد منها، وإلا لما أشكل حكم هذا اللحم على الصحابة حتى سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه، ثم لو كانت التسمية غير شرط أو كانت تسقط في مثل هذه الحال لقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: وما يضركم إذا تركوها أو نحو هذا الكلام؛ لأنه أبين وابلغ في إظهار الحكم وسقوط التسمية، ولم يرشدهم إلى ما ينبغي أن يعتنوا به وهو التسمية على فعلهم.
    فإن قيل: ما الجواب عن الآثار التي احتج بها من لا يرى أن التسمية شرط لحل الذبيحة أو أنها تسقط بالنسيان؟
    قلنا: الجواب: أن هذه الآثار لا تصح مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هي موقوفة على بعض الصحابة على ما في أسانيدها من مقال، فلا يعارض بها ظاهر الكتاب والسنة.
    فإن قيل: ما الجواب عما قاله ابن جرير رحمه الله من أن القول بتحريم ما لم يذكر اسم الله عليه نسيانا خارج عما عليه الحجة مجمعة من تحليله، يعني أن الإجماع على تحليل ما لم يذكر اسم الله عليه نسيانا؛ فالقول بتحريمه خارج عن الإجماع؟
    قلنا: الجواب عليه: أنه مدفوع بما نقله غيره من الخلاف فيه، فقد قال شيخ الإسلام: إن القول بالتحريم قول غير واحد من السلف، وقد قال ابن كثير: إنه مروي عن ابن عمر ونافع مولاه وعامر الشعبي ومحمد بن سيرين، وهو رواية عن الإمام مالك ورواية عن أحمد ابن حنبل، نصرها طائفة من أصحابه المتقدمين والمتأخرين، وهو اختيار أبي ثور وداود الظاهري، واختار ذلك أبو الفتوح محمد بن محمد بن على الطائي من متأخري الشافعية في كتابه (الأربعين) ، قال ابن الجوزي: وإلى هذا المعنى ذهب عبد الله بن يزيد الخطمي. قلت: واختاره ابن حزم وذكر أدلته، وأجاب عن الآثار المروية في الحل.
    فإن قيل: إن تحريمها إضاعة للمال، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال.
    فالجواب: أن الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها ليست بمال؛ لأنها ميتة حيث لم تذك ذكاة شرعية لفقد شرط من شروط الذكاة، فليس تحريمها بإضاعة للمال، وإنما هو امتثال وطاعة لله تعالى في قوله: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}[الأنعام: 121] على أن تحريم أكلها لا يمنع من الانتفاع بشحمها وودكها على وجه لا يتعدى كطلي السفن وإيقاد المصابيح " لو أخذتم إهابها "، فقالوا: إنها ميتة. قال: "يطهرها الماء والقرظ" أخرجه أبو داود النسائي ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا دبغ الإهاب فقد طهر" رواه مسلم . وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بشاة ميتة فقال: "هلا استمتعتم بإهابها"، قالوا: إنها ميتة. قال: "إنما حرم أكلها" . رواه البخاري .
    فإن قيل: إن في تحريمها حرجا وتضييقا على الناس حيث يكثر نسيان التسمية فيكثر ما يضيع عليهم من أموالهم، وقد نفى الله سبحانه الحرج في الدين فقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: 78].
    فالجواب: أننا نقول بمقتضى هذه الآية الكريمة، وأن دين الإسلام ليس فيه ـ ولله الحمد ـ حرج ولا ضيق، فكل شيء أمر الله به؛ فلا حرج في فعله، وكل شيء نهى الله عنه؛ فلا حرج في تركه لمن قويت عزيمته، وصحت رغبته في دين الله، وها هو الجهاد أمر الله به وهو من أشق شيء على النفوس من حيث طبيعتها لما فيه من عرض الرقاب للسيوف وترك الأموال والأولاد والمألوف، ومع هذا نفى بعد الأمر به أن يكون قد جعل علينا في الدين حرجاً فقال تعالى:{وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج: 78] ، وأي حرج في اجتناب ذبيحة لم يذكر اسم الله عليها يتركها طاعة لربه في قوله :{وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْه} ،وهو ليس مضطراً إليها، ولو اضطر إليها في مخمصة غير متجانف لإثم لو سعته رحمة ربه وحلت له.
    ثم إن في تحريم الذبيحة إذا لم يذكر اسم الله عليها نسيانا تقليلا للنسيان، فإن الإنسان إذا حرمها بعد أن ذبحها وتشوفت نفسه لها من أجل أنه لم يسم الله عليها؛ فسوف ينتبه في المستقبل ولا ينسى التسمية.
    وبعد، فإنما أطلنا الكلام في هذا لأهميته؛ ولأن الإنسان ربما لا يظن أن القول بتحريم الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها نسيانا يبلغ إلى هذا المكان من القوة، والله الموفق.
    تتمه : يشترط التلفظ بالتسمية إلا مع العجز عن النطق، فتكفي الإشارة.
    الشرط السابع: أن تكون الذكاة بمحدد ينهر الدم غير سن وظفر من حديد وحجر وخشب وزجاج وغيرها، لحديث رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سناً أو ظفراً، وسأحدثكم عن ذلك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة" رواه الجماعة . وقوله :"وسأحدثكم عن ذلك" إلى آخره زعم ابن القطان أنها مدرجة، نقله ابن حجر في (الدراية) وهذا الزعم مردود بما جاء في بعض روايات البخاري بلفظ:" غير السن والظفر، فإن السن عظم، والظفر مدى الحبشة"، وبأن الأصل عدم الإدراج، فلا يصار إليه إلا بدليل لفظي أو معنوي.
    فإن ذبحها بغير محدد مثل أن يقتلها بالخنق أو بالصعق الكهربائي أو غيره، أو بالصدم أو بضرب الرأس ونحوه حتى تموت لم تحل، وإن ذبحها بالسن أو بالظفر لم تحل وإن جرى دمها بذلك.
    وظاهر الحديث لا فرق في السن والظفر بين أن يكونا متصلين أو منفصلين من آدمي أو غيره للعموم، خلافا للحنفية حيث خصوه بالمتصل وقالوا: إنه الواقع من فعل الحبشة، وظاهر تعليلهم أنه خاص بظفر الآدمي، قال في(المغني) ردا عليهم: ولنا عموم حديث رافع، ولأن ما لم تجز الذكاة به متصلا لم تجز به منفصلا كغير المحدد. ا.هـ. وفي تشبيهه بغير المحدد غموض.
    وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم منع الذكاة بالسن بأنه عظم، فاختلف العلماء رحمهم الله هل الحكم خاص في محله وهو السن أو عام في جميع العظام لعموم علته على قولين:
    أحدهما: أنه خاص في محله وهو السن، وأما ما عداه من العظام فتحل الذكاة به، وهو مذهب أبي حنيفة والمشهور من مذهب أحمد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد العموم لقال غير العظم والظفر لكونه أخصر وأبين، والنبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم ومفاتيح البيان، ولأننا لا نعلم وجه الحكمة في تأثير العظم فكيف نعدي الحكم مع الجهل.
    الثاني: أن الحكم عام في جميع العظام، لعموم العلة، وهو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد؛ لأن النص على العلة يدل على أنها مناط الحكم، متى وجدت وجد الحكم، وتخصيص السن بالذكر قد يكون من أجل أنه عادة يرتكبها بعض الناس بالتذكية به، ثم أشار إلى عموم الحكم بذكر العلة، أو يقال: إن تعليله بكونه عظما يدل على أنه كان من المتقرر عندهم أن العظام لا يذكى بها، وهذا القول أحوط.
    وأما كوننا لا نعلم وجه الحكمة في تأثير العظم، فهذا لا يمنع من تعدية الحكم إلى ما ينطبق عليه اسم العظم؛ لأنه معلوم على أنه يمكن أن يقال: وجه الحكمة: أنه إن كان العظم طاهرا فهو طعام إخواننا من الجن، ففي الذبح به تلويث له بالنجاسة، وإن كان العظم نجسا فليس من الحكمة أن يكون وسيلة للذكاة التي بها تطهير الحيوان وطيبه للتضاد، والله أعلم.
    وأما الظفر: فعلله النبي صلى الله عليه وسلم بمدى الحبشة، وظاهر التعليل مشكل إن قلنا: أن الحكم عام بعموم علته؛ لأنه يقتضي منع الذكاة بما يختص به الحبشة من المدى ولو كان حديدا أو خشبا أو نحوهما مما تجوز الذكاة به.
    والأقرب عندي: أن الأصل في ذلك أن الحبشة كانوا يذبحون بأظافرهم، فنهى الشارع عن ذلك؛ لأنه يقتضي مخالفة الفطرة من وجهين:
    أحدهما: أنه يستلزم توفير الأظافر ليذبح بها، وهذا مخالف للفطرة التي هي تقليم الأظافر.
    الثاني: أن في القتل بالظفر مشابهة لسباع البهائم والطيور التي فضلنا عليها ونهينا عن التشبه به، ولذلك تجد الإنسان لا يشبه البهائم إلا في مقام الذم.
    الشرط الثامن: إنهار الدم، أي إجراؤه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل"، وله حالان:
    الحال الأولى: أن يكون المذكي غير مقدور عليه، مثل أن يهرب أو يسقط في بئر أو في مكان سحيق لا يمكن الوصول إليه، أو يدخل مقدمه في غار بحيث لا يمكن الوصول إلى رقبته أو نحو ذلك فيكفي في هذه الحال إنهار الدم في أي موضع كان من بدنه حتى يموت، والأولى أن يتحرى أسرع شيء في موته، وفي (الصحيحين) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة فأصابوا إبلاً وغنماً فند منها بعير فرماه رجل فحبسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن لهذه الإبل أوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا"، وفي لفظ لمسلم: فند علينا بعير منها فرميناه بالنبل حتى وهصناه. وهصناه : رميناه رميا شديدا حتى سقط على الأرض.
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما أعجزك من البهائم مما في يديك فهو كالصيد، وفي بعير تردى في بئر من حيث قدرت عليه فذكه. رواه البخاري تعليقا. قال: ورأى ذلك علي وابن عمر وعائشة .
    الحال الثانية: أن يكون مقدوراً عليه بحيث يكون حاضرا أو يمكن إحضاره بين يدي المذكي، فيشترط أن يكون الإنهار في موضع معين وهو الرقبة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: الذكاة في الحلق واللبة.
    وقال عطاء: لا ذبح ولا نحر إلا في المذبح والمنحر، ذكره البخاري عنهما تعليقا.
    وتمام ذلك بقطع أربعة أشياء وهي:
    1ـ الحلقوم، وهو مجرى النفس، وفي قطعه حبس النفس الذي لا بقاء للحيوان مع انحباسه.
    2ـ المريء، وهو مجرى الطعام والشراب، وفي قطعه منع وصول الغذاء إلى الحيوان من طريقه المعتاد.
    3، 4 ـ الودجان، وهما عرقان غليظان محيطان بالحلقوم والمريء، وفي قطعهما تفريغ الدم الذي به بقاء الحيوان حيا وتنقية الحيوان من انحباس الدم الضار فيه بعد الموت.
    فمتى قطعت هذه الأشياء الأربعة؛ حلت المذكاة بإجماع أهل العلم، ثم اختلفوا:
    فقال بعضهم: لابد من قطع الأربعة كلها، ونقله النووي عن الليث وداود وقال: اختاره ابن المنذر.
    قلت: هو رواية عن أحمد نقلها في (المغني) و (الإنصاف) وقال: اختاره أبو بكر وابن البناء، وجزم به في الروضة، واختاره أبو محمد الجوزي، قال في (الكافي) : الأولى قطع الجميع.
    القول الثاني: لابد من قطع ثلاثة معينة وهي إما (الحلقوم والودجان) كما هو مذهب مالك، ونقله في الإنصاف عن الإيضاح ، وإما (المريء والودجان) نقله في (الإنصاف) عن كتاب الإشارة.
    القول الثالث: لابد من قطع ثلاثة: اثنان منهما على التعيين وواحد غير معين، وهي الحلقوم والمريء وأحد الودجين وهو إحدى الروايات عن الإمام أحمد، وأحد القولين في مذهب أبي حنيفة.
    القول الرابع: لابد من قطع ثلاثة بدون تعيين وهي: إما (الحلقوم والودجان) ، وإما (المريء والودجان) ، وإما (الحلقوم والمريء وأحد الودجين) وهو المشهور من مذهب أبي حنيفة، وأحد الوجهين في مذهب أحمد، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: إن قطع الودجين أبلغ من قطع الحلقوم وأبلغ في إنهار الدم.
    القول الخامس: لابد من قطع اثنين على التعيين وهما: إما (الحلقوم والمريء) وهو المشهور من مذهب أحمد والشافعي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وعلى هذا فقطع أحد الودجين والحلقوم أولى بالإباحة من قطع الحلقوم والمريء. وإما (الودجان) فقط وهو إحدى الروايات عن أحمد ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، ونقل عن مالك، والمشهور عنه ما سبق، وذكره في (الإنصاف) عن (الرعاية) و(الكافي) .
    قلت: عبارة (الكافي) : وإن قطع الأوداج وحدها فينبغي أن تحل استدلالا بالحديث والمعنى. ا.هـ.
    ويعني بالحديث ما رواه أبو داود في النهي عن شريطة الشيطان، وسنذكره إن شاء الله، ويعني بالمعنى ما قطع في الأوداج من إنهار الدم المنصوص على اعتباره.
    فهذه أراء العلماء فيما يشترط قطعه في محل الذكاة، ثم اختلفوا أيضا فيما يشترط قطعه من ذلك، هل يشترط فيه تمام القطع بحيث ينفصل المقطوع بعضه عن بعض أولا يشترط؟ على قولين:
    أحدهما: لا يشترط، فلو قطع بعض ما يجب قطعه؛ حلت الذبيحة وإن لم ينفصل بعض المقطوع عن بعض، وهو المشهور من مذهب أحمد، وظاهر مذهب أبي حنيفة، وهو الصواب إذا حصل إنهار الدم بذلك لحصول المقصود.
    الثاني: يشترط، فيجب أن تستوعب القطع ما يجب قطعه بحيث ينفصل بعض المقطوع عن بعض، وهو قول مالك والشافعي وبعض أصحاب أحمد.
    واختلفوا أيضا هل يشترط أن يكون القطع من ناحية الحلق أو لا يشترط؟ على قولين:
    أحدهما: لا يشترط، فلو ذكاها من قفا الرقبة حلت إن وصل إلى محل الذكاة قبل أن تموت، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد، وهو الصواب لحصول الذكاة بذلك.
    الثاني: يشترط فلو ذبحها من قفا الرقبة لم تحل، وهو مذهب مالك.
    وسبب اختلاف العلماء فيما يشترط قطعه في الذكاة وفي كيفيته أنه ليس في النصوص الواردة ذكر ما يقطع، وإنما فيها اعتبار إنهار الدم، وفيها أيضا تعيين الأوداج بالقطع فيما رواه أبو داود عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شريطة الشيطان، وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج، ثم تترك حتى تموت ، وفيما رواه ابن أبي شيبة عن رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الذبح بالليطة ، فقال: "كل ما أفرى الأوداج إلا سناً أو ظفراً" ، وفيما أخرجه الطبراني عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كل ما أفرى الأوداج ما لم يكن قرض سن أو حز ظفر" ، وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة لا تقوم بها الحجة بمفردها إلا أنها تعضد بمعنى ما ثبت في الصحيحين من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ما لم يكن سنا أو ظفر" ، فعلق الحكم على إنهار الدم، ومن المعلوم أن أبلغ ما يكون به الإنهار قطع الودجين.
    وعلى هذا فيشترط لحل الذبيحة بالذكاة قطع الودجين، فلو ذبحها ولم يقطعهما لم تحل، ولو قطعهما حلت وإن لم يقطع الحلقوم أو المريء.
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل ما أفرى الأوداج غير مترد، ذكره عنه في (المحلى) قال: وعن النخعي والشعبي وجابر بن زيد ويحيى بن يعمر كذلك ، وقال عطاء: الذبح قطع الأوداج ، وقال سفيان الثوري: إن قطع الودجين فقط؛ حل أكله.
    وليس في اشتراط قطع الحلقوم والمريء نص يجب المصير إليه، قال ابن رشد في(بداية المجتهد) : وأما من اشترط قطع الحلقوم والمريء فليس له حجة من السماع، وأكثر من ذلك من اشتراط المريء والحلقوم دون الودجين. ا.هـ.
    والرقبة كلها محل للذكاة، فلو ذكى من أعلى الرقبة أو أسفلها أو وسطها حلت الذبيحة، لكن الأفضل نحر الإبل وذبح ما سواها.
    والنحر: يكون في أسفل الرقبة مما يلى الصدر في الوهدة التي بين الصدر وأصل العنق.
    والذبح: يكون فيما فوق ذلك إلى اللحيين، فلو ذبحها من فوق الجوزة وهي العقدة الناتئة في أعلى الحلقوم، وصارت العقدة تبع الرقبة؛ حلت الذبيحة على القول الصحيح؛ لأن ذلك من الرقبة وهي محل الذكاة.
    وإن قطع الرأس مرة واحدة؛ حلت لحصول الذكاة بذلك، وقد روى ابن حزم من طريق ابن أبي شيبة عن على بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن رجل ضرب عنق بعير بالسيف، وذكر اسم الله فقطعه، فقال علي رضي الله عنه: ذكاة وحية أي سريعة، وقال ابن عمر وابن عباس وانس رضي الله عنهم: إذا قطع الرأس فلا بأس، ذكره البخاري تعليقا.
    وإن شرع يذبحها فرأى في السكين خللا فألقاها وأخذ غيرها ثم أتم الذكاة قبل موت الذبيحة حلت، وكذلك لو رفع يده بعد أن شرع في ذبحها ليستمكن منها ثم أتم الذكاة قبل موتها حلت؛ لحصول المقصود بذلك، وليست بأقل حالا مما أكل السبع فأدركناه حيا وذكيناه فإنه حلال بنص القرآن.
    وإذا حصلت الذكاة لما أصابها سبب الموت؛ حلت إذا أدركها وفيها حياة، لقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}[المائدة: 3] ، فالمنخنقة المنحبس نفسها، والموقوذة المضروبة بعصا ونحوها حتى تدهور حياتها، والمتردية الهاوية من جبل أو في بئر ونحوه، والنطيحة التي نطحتها أختها حتى أردتها، وما أكل السبع ما أكلها ذئب ونحوه، فكل هذه الخمس إذا ذكيت قبل أن تموت؛ فهي حلال، ويعرف عدم موتها بأحد أمرين:
    الأول: الحركة، فمتى تحركت بعد ذكاتها بحركة قليلة أو كثيرة بيد أو رجل أو عين أو أذن أو ذنب حلت.
    قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} إن مصعت بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها فكل، وقال نحوه غير واحد من السلف، ولأن الحركة دليل بين على بقاء الروح فيها إذ الميت لا يتحرك.
    الأمر الثاني: جريان الدم بقوة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل" . فمتى ذكيت فجرى منها الدم الأحمر الذي يخرج من المذكى المذبوح عادة حلت وإن لم تتحرك، قاله شيخ الإسلام ابن تيمية، قال: والناس يفرقون بين دم ما كان حياً ودم ما كان ميتاً، فإن الميت يجمد دمه ويسود. قلت: ولذلك يكون باردا بطيئا.
    وإذا شك في وجود ما يعرف به عدم الموت بأن شك في حركتها أو في حمرة الدم وجريانه كما يجري دم المذبوح عادة ـ لم تحل الذبيحة؛ لقوله تعالى: " إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ" وما شككنا في بقاء حياته ـ لم تتحقق ذكاته.
    فإن قيل: الأصل بقاء الحياة فلنحكم به فتحل الذبيحة إلا أن نتيقن الموت.
    الجواب: الأصل بقاء الحياة لكن عارضه ظاهر أقوى منه وهو السبب المفضي إلى الموت، فأنيط الحكم به ما لم نتحقق بقاء حياته.
    تنبيه: المنفصل من أكيلة السبع ونحوها قبل ذكاتها ليس بحلال؛ لأنه بائن من حي، وما بان من حي فهو كميته، فإن انفصل شيء من المذكاة قبل موتها فهو حلال، لكن الواجب الانتظار في قطعه حتى تموت.
    الشرط التاسع: أن يكون المذكي مأذونا في ذكاته شرعاً، فإن كان غير مأذون فيها شرعاً ـ فهو على قسمين:
    القسم الأول: أن يكون ممنوعاً منه لحق الله تعالى كالصيد في الحرم، أو حال الإحرام بحج أو عمرة، فمتى صاد صيدا فذبحه وهو محرم، أو ذبح صيداً داخل حدود الحرم؛ فهو حرام؛ لقوله تعالى:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[المائدة: 1]، وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}[المائدة: 95] ، وقوله سبحانه:{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً}[المائدة: 96]، قال في المغني: ولا خلاف في تحريم الصيد على المحرم إذا صاده أو ذبحه. ثم قال بعد فصول: وإذا ذبحه صار ميتة يحرم أكله على جميع الناس، وهذا قول الحسن، والقاسم، والشافعي، وإسحاق، والأوزاعي، وأصحاب الرأي، قال: كذلك الحكم في صيد الحرم إذا ذبحه الحلال. ا.هـ.
    القسم الثاني: أن يكون ممنوعاً منه لحق الآدمي، وهو ما ليس ملكا له، ولا يملك ذبحه بوكالة أو نحوها؛ كالمغصوب يذبحه الغاصب، والمسروق يذبحه السارق ونحو ذلك، ففي حله قولان لأهل العلم:
    أحدهما: لا يحل، وهو قول إسحاق، وأهل الظاهر، وإحدى الروايتين عن أحمد، اختارها أبو بكر من أصحابنا، وإليه ميل البخاري، قال في(صحيحه) : باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنما أو إبلا بغير أمر أصحابها لم تؤكل؛ لحديث رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر حديث رافع بسنده وفيه: وتقدم سرعان الناس فأصابوا من الغنائم والنبي صلى الله عليه وسلم في آخر الناس فنصبوا قدورا، فأمر بها فأكفئت فقسم بينهم وعدل بعيراً بعشرة شياه .
    وروى أبو داود من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس حاجة شديد وجهد، فأصابوا غنما فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: " إن النهبة ليست بأحل من الميتة، أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة". قال أبو داود: الشك من هناد ـ يعني أحد رواته.
    القول الثاني: أنه يحل، وهو المشهور من مذهب أحمد وقول جمهور العلماء لما روى أحمد وأبو داود من حديث جابر رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة، فلما رجع استقبله داعي امرأة ـ وفي لفظ لأحمد داعي امرأة من قريش ـ فقال يا رسول الله، إن فلانة تدعوك ومن معك إلى طعام فانصرف، فانصرفنا معه فجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم أيديهم، فنظر آباؤنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال: " أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها " ، فأرسلت المرأة ـ وفي رواية: قامت ـ فقالت: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع من يشتري لي شاة فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها، فلم أجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أطعميه الأسارى " .
    هذا ما استدل به الجمهور، ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإطعامه الأسارى، ولو كان حراما ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإطعامهم إياه.
    وأجابوا عن دليلي القائلين بعدم الحل بأن إكفاء القدور على سبيل التعزير والمبالغة في الزجر، وهو جواب قوي لكن يعكر عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن النهبة ليست بأحل من الميتة " إلا أن يقال: المراد بيان حكم أصل النهبة، وأن من انتهب شيئا بغير حق ـ كان حراما عليه كالميتة وإن لم يكن من شرطه الذكاة، وأنه ليس المراد أن ذبح المنهوب لا يحله فيكون ميتة، والله أعلم.
    وأما حديث جابر الذي استدل به الجمهور على الحل؛ فليس بظاهر الدلالة إذ ليس أخذ المرأة للشاة عدواناً محضاً، فإنما أخذتها مضمونة بالثمن من امرأة المالك، وقد جرت العادة بالسماح في مثل ذلك غالبا لاسيما وهي مقدمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهو من المشتبه الذي ينبغي التنزه عنه عند عدم الحاجة إليه ولذا تنزه عنه النبي صلى الله عليه وسلم لعدم حاجته إليه، وأمر بإطعامه الأسارى لحاجتهم إليه غالبا.
    وإذا تبين ألا دلالة للجمهور فيما استدلوا به ولا لمخالفيهم؛ وجب الرجوع إلى القواعد الشرعية العامة.
    فنقول: المغصوب ونحوه مما أخذ بغير رضا صاحبه حرام على الغاصب ونحوه، وعلى كل من علم به، سواء أكان مما يشترط بحله في الأصل الذكاة أم لا، حتى لو غصب لحماً كان حراماً عليه وعلى من علم به وأما ذكاة الغاصب ونحوه؛ فهي ذكاة من مسلم أهل ذكر اسم الله عليها بما ينهر الدم، فكانت مبيحة للمذكى كغير الغاصب، والله أعلم بالصواب. ([3])
    باب ما جاء في آداب الذكاة ومكروهاتها
    قال الإمام : للزكاة شروط تجب مراعاتها، ولا تحل المذكاة بدونها، وتقدم الكلام عليها في الفصل السابق، ولها آداب ينبغي مراعاتها وتحل المذكاة بدونها، فمن آدابها:
    1ـ استقبال القبلة بالذبيحة عند الذبح؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: ضحى النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بكبشين فقال حين وجههما ... (الحديث) . رواه أبو داود وابن ماجه ، وفي إسناد مقال.
    2ـ الإحسان إلى الذبيحة بعمل كل ما يريحها عند الذكاة، بأن تكون الذكاة بآلة حادة، وأن يمرها على محل الذكاة بقوة وسرعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم؛ فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم؛ فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" رواه مسلم .
    قال الشيخ تقي الدين شيخ الإسلام ابن تيمية: في هذا الحديث أن الإحسان واجب على كل حال حتى في حال إزهاق النفوس ناطقها وبهيمها، فعليه أن يحسن القتلة للآدميين والذبحة للبهائم. وذكر في(الإنصاف) استحباب الرفق بالذبيحة، والحمل على الآلة بقوة وإسراعه بالشحط، قال: وفي كلام الشيخ تقي الدين إيماء إلى وجوب ذلك.
    3ـ أن ينحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى؛ لقوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافّ}[الحج: 36]
    قال ابن عباس رضي الله عنهما: قياما على ثلاث قوائم معقولة يدها اليسرى، وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدن معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها. رواه أبو داود ، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها فقال: ابعثها قياماً مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وسلم. متفق عليه .
    فإن لم يتيسر له نحرها قائمة؛ جاز له نحرها باركة إذا أتى بما يجب في الذكاة لحصول المقصود بذلك.
    4ـ أن يذبح غير الإبل مضجعة على جنبها، ويضع رجله على صفحة عنقها ليتمكن منها؛ لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين ـ وفي رواية: أقرنين ـ فرأيته واضعاً قدمه على صفاحهما يسمى ويكبر فذبحهما بيده. رواه البخاري .
    ويكون الإضجاع على الجنب الأيسر، لأنه أسهل للذبح، فإن كان الذابح أعسر وهو الأشدف الذي يعمل بيده اليسرى عمل اليد اليمني، وكان اليسر له أن يضجعها على الجنب الأيمن، فلا بأس أن يضجعها عليه؛ لأن المهم راحة الذبيحة.
    وينبغي أن يمسك برأسها ويرفعه قليلاً ليبين محل الذبح، وأما الإمساك بيدي الذبيحة ورجليها عند ذبحها لئلا تتحرك، فظاهر حديث أنس السابق أنه لا يستحب؛ لأنه لم يذكر أن أحداً امسك بها عندما ذبحها النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان مشروعاً لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقل عنه لأهميته كما نقل عنه وضع قدمه على صفاحهما، بل صرح النووي في شرح المهذب أنه يستحب أن لا يمسكها بعد الذبح مانعاً لها من الاضطراب، إلا أنه ذكر استحباب شد قوائهما الثلاث وترك الرجل اليميني ولم يذكر له دليلاً، وابدي بعض المعاصرين حكمة في إرسال قوائمها وعدم إمساكها بأن من فوائد إطلاقها وعدم إمساكها أن حركتها تزيد في إنهار الدم وإفراغه من الجسم، ولا أعلم للإمساك بيدي الذبيحة ورجليها عند ذبحها أصلاً سوى ما سبق من حديث أبي الأشد عن أبيه عن جده في السبعة الذين اشتركوا في أضحية وتقدم ما فيه، وأما لي يد الذبيحة من وراء عنقها كما يفعله بعض العامة فلا أصل له، ولا ينبغي فعله؛ لأنه تعذيب للبهيمة بلا فائدة ولا حاجة.
    5- استكمال قطع الحلقوم والمريء والودجين، وسبق الكلام على ما يشترط قطعه من هذه الأربعة، ولا يتجاوز قطع هذه الأربعة.
    6- عرض الماء عليها عند الذبح، ذكره بعض الشافعية ولم يذكروا دليله، ولا أعلم له أصلاً، لكن لو علم منها طلب الماء مثل أن تري الماء فتحاول الذهاب إليه فلا ينبغي منعها منه حينئذ.
    7- أن يواري عنها السكين، يعني يسترها عنها بحيث لا تراها إلا ساعة ذبحها، قال الإمام أحمد رحمه الله: تقاد إلى الذبح قوداً رفيقاً، وتوارى السكين عنها، ولا يظهر السكين إلا عند الذبح، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك أن توارى الشفار. اهـ. الشفار جمع شفرة وهي السكين. وفي مسند الإمام أحمد عن معاوية بن قرة عن أبيه أن رجلاً قال: يا رسول الله؛ إني لأذبح الشاة وأنا ارحمها أو قال: إني لأرحم الشاة أن أذبحها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والشاة إن رحمتها رحمك الله" .
    وفي الصحيحين عن أسامة ابن زيد رضي الله عنه في قصة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنما يرحم الله من عباده الرحماء" .
    وفي صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالسا، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " من لا يرحم لا يرحم " .
    8ـ زيادة التكبير بعد التسمية فيقول: بسم الله والله أكبر؛ لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين يسمي ويكبر. متفق عليه ، وعموم كلام الأصحاب أن زيادة التكبير سنة في ذبيحة القربان وذبيحة اللحم. ولا تسن الزيادة في الذكر على التسمية والتكبير لعدم وروده، ولا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هنا؛ لأنه غير لائق بالمقام، وذكر في (شرح المهذب) عن القاضي عياض أنه نقل عن مالك وسائر العلماء كراهة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: ولا يذكر عند الذبح إلا الله وحده.
    9ـ أن يسمي عند ذبح الأضحية أو العقيقة من هي له؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى، فلما انصرف أتى بكبش فذبحه فقال: " بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي " . رواه أحمد وأبو داود والترمذي . وعن أبي رافع في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين قال: فإذا صلى وخطب أتى بأحدهما فذبحه بنفسه ثم يقول: " اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ " الحديث؛ رواه أحمد . قال الهيثمي: إسناده حسن. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبش أقرن وقال: " هذا عني وعمن لم يضح من أمتي " . رواه أحمد .
    وإذا ذبحها ونوى من هي له بدون تسمية أجزأت النية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " .
    والتسمية المشروعة هي ما ذكرناه من تسمية من هي له حال الذبح، وأما ما يفعله بعض العامة من مسح ظهر الأضحية مرددين اسم من هي له، فلا أعلم له أصلا، ولا ينبغي فعله؛ لأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وقد علمت كيفية تسميته.
    10ـ أن يدعو عند ذبح الأضحية بالقبول؛ لحديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به فقال لها: " يا عائشة، هلمي المدية "، ثم قال: " اشحذيها بحجر "، ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: " بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد " رواه أحمد ومسلم . وقولها: ثم ذبحه ثم قال: بسم الله متأول بمعنى: ثم شرع في ذبحه أو هيأه للذبح أو بأنه على التقديم والتأخير، والله أعلم.
    مكروهات الذكاة
    1ـ أن يذكيها بآلة كالة؛ لمخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإحداد الشفرة ولما فيه من تعذيب الحيوان، وقيل: يحرم ذلك.
    2ـ أن يحد السكين والبهيمة تنظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تحد الشفار، وأن توارى عن البهائم. رواه أحمد وابن ماجه ، ورأى رجلا أضجع شاة وهو يحد شفرته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد أردت أن تميتها موتان، هلا حددتها قبل أن تضجعها " . رواه الحاكم والطبراني. ولأن حد الشفرة وهي تنظر يوجب إزعاجها وذعرها، وهو ينافي الرحمة المطلوبة.
    3ـ أن يذكيها والأخرى تنظر إليها، هكذا قال أهل العلم، وذلك؛ لأنها تنزعج إذا رأت أختها تذكى بنحر أو ذبح، فإنها تشعر بذلك كما هو مشاهد، فإنك ترى القطيع أو الذود ينفر إذا نفرت منه واحدة وإن لم ير السبب الذي نفرت منه.
    4ـ أن لا يفعل ما يؤلمها قبل زهوق نفسها، مثل أن يكسر عنقها، أو يبدأ بسلخها، أو يقطع شيئا من أعضائها قبل أن تموت، وقيل: يحرم ذلك، وهو الصحيح لما فيه من الألم الشديد عليها بدون فائدة أو حاجة، وعلى هذا فلو شرع في سلخها ثم تحركت وجب عليه أن يمسك حتى يتيقن موتها.
    5ـ أن يوجهها إلى غير القبلة عند الذبح، ذكره الأصحاب ولم يذكروا دليلا يوجب الكراهة، والأصل عدمها، وترك المستحب لا يلزم منه الكراهة؛ لأن الكراهة حكم وجودي يحتاج إلى دليل وإلا لقلنا: إن كل من ترك شيئا من المستحبات لزم أن يكون فاعلا مكروها، ولا شك أن الأولى توجيه الذبيحة إلى القبلة لاسيما الذبح الذي يتقرب به إلى الله كالأضحية. ([4])
    ومما جاء عنه من الفتاوى في هذا الباب
    1 ـ سئل - رحمه الله-: هل يشترط أن يذكر عند ذبح الأضحية أنها عن فلان؟
    فأجاب بقوله: (( إن ذكر أنها عن فلان فهو أفضل، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عن محمد وآل محمد" ، وإن لم يذكره كفت النية، ولكن الأفضل الذكر، ثم إن تسمية المضحى عنه تكون عند الذبح يقول: بسم الله، الله أكبر، اللهم هذا منك عن محمدٍ أو عن فلان وفلان ويسميه، وأما ما يفعله بعض العامة إذا كان ليلة العيد ذهب إلى المواشي ليسمي من هي له، وجعل يمسحها من مقدم الرأس إلى الذيل، ويكرر التسمية، فهذا، بدعة لا أصل لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.)) ([5])
    2 ـ سئل : يشكل علي يا فضيلة الشيخ النطق بالنية إذا قال الحاج: لبيك عمرةً مثلا، أو قول المضحي: هذه عن فلان أي: تسمية صاحب الأضحية عند الذبح، فأرجو رفع الإشكال؟
    فأجاب : (( لا إشكال في ذلك؛ لأن قول المضحي: هذه عني وعن أهل بيتي إخبار عما في قلبه، فهو لم يقل: اللهم إني أريد أن أضحي كما يقوله من ينطق بالنية، بل أظهر ما في قلبه فقط وإلا فإن النية سابقة من حين أن أتى بالأضحية وأضجعها وذبحها فقد نوى، وكذلك يقال في النسك: لبيك حجاً لبيك عمرة، ليس هذا من باب ابتداء النية؛ لأن الناس قد نووا من قبل، ولهذا لا يشرع أن تقول: اللهم إني أريد العمرة اللهم إني أريد الحج، لا، انو بقلبك ولبِّ بلسانك، وأما التكلم بالنية في غير الحج والعمرة والأضحية فهذا أمر من المعلوم أنه ليس بالمشروع، فلا يسن للإنسان إذا أراد أن يتوضأ أن يقول: اللهم إني أريد أن أتوضأ، أو اللهم إني نويت أن أتوضأ، أو بالصلاة اللهم إني أريد أن أصلي، اللهم إني نويت أن أصلي، كل هذا غير مشروع، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.)) ([6])
    3 ـ فضيلة الشيخ رجل ذبح أضحيته ونسي التسمية، فماذا يترتب على هذا؟ وهل يفرق بين ما إذا كان الشخص متبرعاً بالذبح أم صاحبها؟
    فأجاب : (( إذا نسي التسمية فليس عليه إثم لقول الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] ولكن هل يحل لنا أن نأكل من هذه الذبيحة؟ ننظر، قال الله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:121] فأمامنا الآن فعلان: فعل الذابح وفعل الآكل، أما الذابح فمعفو عنه لماذا؟ لأنه ناسٍ، وقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] وأما الآكل فنقول: لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، ولأن التسمية على الذبيحة شرط والشرط لا يسقط بالسهو والجهل، نظير ذلك: لو أن الإنسان صلى بغير وضوء ناسياً هل يأثم؟ لا يأثم لقوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] لكن هل تبرأ ذمته؟ لا ، لا بد أن يتوضأ ويصلي.
    ونحن إذا قلنا بهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو ظاهر النصوص -إذا قلنا به- فإن الناس لن ينسوا التسمية على الذبيحة أبداً، الإنسان يكون متذكراً، ولهذا لما أورد بعض الناس قال: إذا قلتم بأن من ذبح ناسياً التسمية فالذبيحة حرام ويجب جرها للكلاب، أتلفتم أموال الناس؛ لأن النسيان كثير ماذا نقول؟ نقول: بالعكس نحن حفظنا أموال الناس؛ لأننا إذا قلنا لهذا الرجل الذي نسي التسمية: الذبيحة حرام ولا يجوز أن نأكل منها فإنه لا يمكن أن ينسى في المستقبل، بل يجعل على باله التسمية ولا يمكن أن ينسى.
    ولا فرق بين المتبرع وغير المتبرع، الذبيحة الآن لا تحل، لكن يبقى: هل يضمن الذابح لصاحب البهيمة؛ لأنه هو الذي كان سبباً في تحريمها أو لا يضمن؟ قد يقال: إنه إذا كان محسناً فلا ضمان عليه لقول الله تبارك وتعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة:91] ولأن النسيان يقع كثيراً، وقد نقول بالضمان ولو كان محسناً؛ لأنه أتلف المال على صاحبه، وإتلاف المال على صاحبه مضمون.
    على كل حال: حتى لو كان الإنسان ناسياً فإنه يضمن، لو أن إنساناً نسي وأكل طعام أخيه يضمنه أو لا يضمنه؟ يضمنه، لكن الأول أصح، والأرجح أن المتبرع المحسن إذا نسي التسمية فلا ضمان عليه لكن الذبيحة لا تحل.)) ([7])
    4 ـ سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: هل يشترط أن يذبح الإنسان أضحيته بنفسه أو يحضر عند ذبح الوكيل للأضحية؟
    فأجاب بقوله: (( الأفضل للإنسان أن يتولى ذبح الهدي بنفسه حتى يكون مطمئنًا عليه، ومستحضرًا؛ لأنه في عبادة يتقرب بها إلى الله )) ([8])
    5 ـ سئل : هل يجوز أن تقوم المرأة بذبح الأضحية؟
    فأجاب بقوله: (( نعم المرأة يجوز أن تذبح الأضحية وغيرها؛ لأن الأصل تشارك الرجال والنساء في العبادات وغيرها، إلا بدليل، على أنه قد ثبت في قصة الجارية التي كانت ترع غنمًا بسلع فأصاب الذئب منها شاة، فأخذت حجرًا فذبحتها، وذلك في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم – فأمرهم النبي بأكلها )) ([9])
    6 ـ سئل : فضيلة الشيخ ذكرت شروط الذبح وسننه، ولم تذكر استقبال القبلة في الذبح، فما حكمه؟
    فأجاب : (( استقبال القبلة للذبح ليس بواجب، والذبيحة تذبح وإن لم يكن الإنسان مستقبل القبلة، لكن العلماء رحمهم الله قالوا: الأفضل أن يستقبل بها القبلة؛ لأنها عبادة، ولكنهم لم يقولوا أنها شرط، فلو أن الإنسان ذبحها على اتجاه غير القبلة فهي حلال وليست مكروهة، وليس بها بأس خلافاً للعامة، بعض العامة يقولون: لا بد أن تستقبل القبلة، وهذا غير صحيح.)) ([10])
    7 ـ سئل : فضيلة الشيخ ، هل ذبيحة الذي لا يصلي تؤكل؟
    فأجاب رحمه الله :(( ذبيحة من لا يصلي لا تؤكل؛ لأنه كافر، ولا يؤكل من ذبائح الكفار إلا اليهود والنصارى، فإن ذبائحهم حلال؛ لقول الله تبارك وتعالى:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ}[المائدة:5] )) ([11])
    8 ـ سئل - رحمه الله-: وهل ما يفعله الناس من المسح على ظهر الأضحية عند تسميتها له أصل من السنة أو من كلام أهل العلم؟
    فأجاب بقوله :((.. أما ما يفعله الناس من المسح على الظهر فلا أعلم له أصلاً في السنة، ولا في كلام أهل العلم.)) ([12])
    9 ـ وسئل : هل يصح مسح ظهر الأضحية قبل ذبحها؟
    فأجاب بقوله: (( رأينا أن مسح الظهر عند ذبح الأضحية من أجل تعيينها لا أصل له، وليس بمشروع، ومن فعله تقربًا إلى الله فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه.)) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 58 ـ 59)
    10 ـ وقال ـ رحمه الله ـ : (( وأما ما يفعله بعض العامة إذا كان ليلة العيد ذهب إلى المواشي ليسمي من هي له، وجعل يمسحها من مقدم الرأس إلى الذيل، ويكرر التسمية، فهذا، بدعة لا أصل لها عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.)) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 59 ـ 60)


    يتبع إن شاء الله ...

    ([1]) (الشرح الممتع)(15/ 53)

    ([2]) قال الإمام صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ في (الأطعمة وأحكام الصيد والذبائح)(102 ـ 103)
    (( والحكمة في إباحة ذبائح أهل الكتاب: "أنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه تعالى وتقدس... فهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم وهم متعبدون بذلك ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ومن شابههم لأنهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة بل يأكلون الميتة بخلاف أهل الكتابين" ، لأنهم ينتسبون إلى الأنبياء والكتب، وقد اتفق الرسل كلهم على تحريم الذبح لغير الله لأنه شرك فاليهود والنصارى يتدينون بتحريم الذبح لغير الله فلذلك أبيحت ذبائح الكتابين دون غيرهم ، هذا ما ذكره بعض العلماء في الحكمة في إباحة ذبائح الكتابين فإن صح فذاك.
    وإلا فالله قد أباح ذبائحهم دون غيرهم وعلينا الاستسلام لحكمه سبحانه عرفنا الحكمة أم لم نعرفها والله أعلم. ))

    ([3]) (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 259 ـ 279)

    ([4]) (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 283 ـ 288)

    ([5]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 59 ـ 60)

    ([6]) (اللقاء الشهري)(34/ 29)

    ([7]) (اللقاء الشهري)(43/ 20)

    ([8]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 60)

    ([9]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 81)

    ([10]) (اللقاء الشهري)(43/ 36)

    ([11]) (لقاء الباب المفتوح)(91/ 9)

    ([12]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 56)

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    بَابُ النَّحْرِ وَالذَّبْحِ بِالْمُصَلَّى يَوْمَ النَّحْرِ([1])
    سئل الإمام - رحمه الله-: ما حكم ذبح الأضحية في مصلى العيد؟
    فأجاب بقوله: (( ذبح الأضاحي في مصلى العيد من السنة، لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكن الناس الآن اعتادوا أن يذبحوا في بيوتهم؟ لئلا تتلوث البقاع حول مصليات العيد.)) ([2])
    وقال في (اللقاء الشهري)(34/ 3)
    (( وأما السنة فقد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله وفعله حتى إنه كان صلى الله عليه وسلم يذبح ضحاياه في مصلى العيد إظهاراً لهذه الشعيرة، وكان الناس يفعلون هذا، لكن لما طال الزمن وتغيرت الأحوال صار الناس يذبحون ضحاياهم في بيوتهم.))
    وقال في (أحكام الأضحية والذكاة)(2/ 225)
    (( والأفضل أن لا يذبح حتى يذبح الإمام إن كان الإمام يذبح في المصلى اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذبح وينحر بالمصلى . يعنى يبرز أضحيته عند المصلى العيد فيذبحها هناك؛ إظهاراً لشعائر الله، وليعلم الناس بالفعل كيفية ذبح الأضحية، وليسهل تناول الفقراء منها، وليس المعنى أنه يذبحها في نفس المصلى؛ لأنه مسجد، والمسجد لا يلوث بالدم والفرث. ))
    قلت (بشير) : قال العلامة العظيم آبادي ـ رحمه الله ـ في (عون المعبود شرح سنن أبي داود،)(8/ 6) عند شرحه حديث نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ بِالْمُصَلَّى» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ
    (( فِيهِ اسْتِحْبَابُ أَنْ يَكُونَ الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ بِالْمُصَلَّى وَهُوَ الْجَبَّانَةُ ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِمَرْأَى مِنَ الْفُقَرَاءِ فَيُصِيبُونَ مِنْ لَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ ذَكَرَهُ فِي النَّيْلِ ، قَالَ الحافظ في الفتح قال بن بَطَّالٍ :"هُوَ سُنَّةٌ لِلْإِمَامِ خَاصَّةً عِنْدَ مَالِكٍ" ا.هـ، قال مالك فيما رواه بن وَهْبٍ :" إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَذْبَحَ أَحَدٌ قَبْلَهَ" .
    زَادَ الْمُهَلَّبُ " وَلِيَذْبَحُوا بَعْدَهُ عَلَى يَقِينٍ وَلِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُ صِفَةَ الذَّبْحِ" ا.هـ ، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه البخاري والنسائي وابن ماجه بنحوه))

    يتبع إن شاء الله ...
    ([1]) كذا بوب له الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في صحيحه

    ([2]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 94 ـ 95)


  21. #21
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    باب ما جاء في الأكل من لحوم الضحايا والإطعام والادخار
    قال الإمام في (أحكام الأضحية والذكاة)(2/251 ـ 255)
    (( قال الله تعالى:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}[الحج: 28]، وقال تعالى:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}[الحج: 34] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :" كلوا وادخروا وتصدقوا " رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلوا وأطعموا وادخروا" . رواه البخاري من حديث سلمة بن الأكوع ، وهو أعم من الأول؛ لأن الإطعام يشمل الصدقة على الفقراء والهدية للأغنياء، وقال أبو بردة للنبي صلى الله عليه وسلم: إني عجلت نسيكتي لأطعم أهلي وجيراني وأهل داري ـ أي أهل محلتي .
    وليس في هذه الآية والأحاديث نص في مقدار ما يؤكل ويتصدق به ويهدى، ولذلك اختلف العلماء ـ رحمهم الله ـ في مقدار ذلك، فقال الإمام أحمد:" نحن نذهب إلى حديث عبد الله: يأكل هو الثلث، ويطعم من أراد الثلث، ويتصدق بالثلث على المساكين "، وقال الشافعي:" أحب أن لا يتجاوز بالأكل والادخار الثلث، وأن يهدي الثلث، ويتصدق بالثلث " .
    ويعني الإمام أحمد بحديث عبد الله ما ذكره علقمة قال بعث معي عبد الله ـ يعني ابن مسعود ـ بهدية فأمرني أن آكل ثلثا، وأن أرسل إلى أهل أخيه عتبة بثلث، وأن أتصدق بثلث ، وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: الضحايا والهدايا: ثلث لك، وثلث لأهلك، وثلث للمساكين. ومراده بالأهل: الأقارب الذين لا تعولهم، نقل هذين الأثرين في(المغني) ثم قال: ولنا ما روي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال: ويطعم أهل بيته الثلث، ويطعم فقراء جيرانه الثلث، ويتصدق على السؤال بالثلث. رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال: حديث حسن؛ ولأنه قول ابن مسعود وابن عمر، ولم نعرف لهما مخالفا في الصحابة فكان إجماع. ا.هـ.
    والقول القديم للشافعي يأكل النصف، ويتصدق بالنصف؛ لقوله تعالى: {ِفَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: من الآية28] فجعلها بين اثنين فدل على أنها بينهما نصفين ، قال في(المغني) : والأمر في ذلك واسع، فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز، وإن أكلها إلا أوقية تصدق بها جاز. وقال أصحاب الشافعي: يجوز أكلها كلها ا.هـ.
    وما ذكرناه من الأكل والإهداء؛ فعلى سبيل الاستحباب لا الوجوب، وذهب بعض العلماء إلى وجوب الأكل منها، ومنع الصدقة بجميعها لظاهر الآية والأحاديث، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر في حجة الوداع من كل بدنة ببضعة، فجعلت في قدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها. رواه مسلم من حديث جابر .
    ويجوز ادخار ما يجوز أكله منها؛ لأن النهي عن الادخار منها فوق ثلاث منسوخ على قول الجمهور، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: بل حكمه باق عند وجود سببه وهو المجاعة؛ لحديث سلمة بن الأكوع ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء" ، فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله، نفعل كما فعلنا في العام الماضي، فقال صلى الله عليه وسلم:"كلوا وأطعموا وادخروا، فإن ذلك العام كان الناس في جهد فأردت أن تعينوا فيها" . متفق عليه .
    فإذا كان في الناس مجاعة زمن الأضحى؛ حرم الادخار فوق ثلاث وإلا فلا بأس به.
    ولا فرق فيما سبق من الأكل والصدقة والإهداء من لحوم الأضاحي بين الأضحية الواجبة والتطوع، ولا بين الأضحية عن الميت أو الحي، ولا بين الأضحية التي ذبحها من عنده أو التي ذبحها لغيره بوصية، فإن الموصى إليه يقوم مقام الموصي في الأكل والإهداء والصدقة، فأما الوكيل عن الحي ، فإن أذن له الموكل في ذلك أو دلت القرينة أو العرف عليه فعله، وإلا سلمها للموكل كاملة وهو الذي يقوم بتوزيعها.
    ويحرم أن يبيع شيئا منها من لحم أو شحم أو دهن أو جلد أو غيره؛ لأنها مال أخرجه لله فلا يجوز الرجوع فيه كالصدقة، ولا يعطي الجازر شيئا منها في مقابلة أجرته أو بعضها؛ لأن ذلك بمعنى البيع.
    فأما من أهدي له شيء منها أو تصدق به عليه فله أن يتصرف فيه بما شاء من بيع وغيره؛ لأنه ملكه ملكا تاما فجاز له التصرف فيه، وفي(الصحيحين) عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيته فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألم أر البرمة فيها لحم؟" ، قالوا: بلى، ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة وأنت لا تأكل الصدقة، قال : "عليها صدقة ولنا هدية " ، وفي لفظ البخاري: "ولكنه لحم تصدق به على بريرة فأهدته لنا " ، ولمسلم: " هو عليها صدقة، وهو منها لنا هدية" .
    لكن لا يشتريه من أهداه أو تصدق به؛ لأنه نوع من الرجوع في الهبة والصدقة، وفي (الصحيحين)
    عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال: حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان عنده فأردت أن أشتريه منه وظننت أنه بائعه برخص، فسألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال :"لا تشتره وإن أعطاكه بدرهم، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه"
    فإن عاد إلى من أهداه أو تصدق به بإرث مثل أن يهدي إلى قريب له أو يتصدق عليه ثم يموت فيرثه من أهداه أو تصدق به، فإنه يعود إليه ملكا تاما يتصرف فيه كما شاء على وجه مباح؛ لما رواه مسلم عن بريدة ـ رضي الله عنه ـ أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وجب أجرك وردها عليك الميراث " .)) ا.هـ
    ومما جاء عن الإمام من الفتاوى في هذا الباب .
    1 ـ سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: هل يصح ذبح ذبحيتين: واحدة بنية الأضحية، والثانية بنية توزيع اللحم؟
    فأجاب بقوله: (( هذا سؤال طيب.
    أما بالنسبة للمسألة الأولى فالسنة أن يضحي الإنسان بواحدة عنه وعن آل بيته، كما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يفعل، ونحن نعلم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أكرم الخلق، ولكن اقتصر على واحدة، فالسنة خير، لكن لو زدت بهذا للغرض الذي ذكرت فلا بأس إن شاء الله.)) ([1])
    2 ـ سئل فضيلته : هل يجوز للمضحي أن يعطي الكافر من لحم أضحيته؟ وهل للمضحي أن يفطر من أضحيته؟
    فأجاب بقوله: (( يجوز للإنسان أن يُعطي الكافر من لحم أضحيته صدقة بشرط: ألا يكون هذا الكافر ممن يقتلون المسلمين، فإن كان ممن يقتلونهم فلا يعطي شيئًا، لقوله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ الله عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}
    أما إفطار الإنسان من أضحيته فنعم إذا صلى الإنسان العيد وذبح أضحيته وأكل منها قبل أن يأكل من غيرها فلا بأس، بل إن العلماء يقولون: هذا أفضل.)) ([2])
    3 ـ سئل فضيلته : يكون عمل بعض الناس في توزيع الأضاحي حسب المجاملات والمحاباة وإعطاء من يعطيني، فما نصيحتكم؟ وهل يجمع لحم الأضاحي ثم يوزع على الفقراء ولو تأخر عن يوم العيد؟
    فأجاب بقوله: (( أما الشق الأول من السؤال وهي: أن لحوم الأضاحي صارت يحابى فيها ويجامل، وأعطني وأعطيك فلا شك أن هذا خلاف المشروع، هذا اللحم لحم تعبد بذبح البهيمة لله عز وجل، فينبغي أن يكون على مراد الله يأكل الإنسان ما شاء، ويهدي ما شاء، ويتصدق بما شاء، واختار بعض العلماء أن يكون أثلاثا: يأكل ثلثًا، ويهدي ثلثا، ويتصدق بثلث ، حتى ينفع نفسه بما يأكل، وينفع الفقراء بما يتصدق عليهم، ويجلب المودة بينه وبين الناس فيما أهداه إليهم هذا هو الأفضل، ومع ذلك ليس بلازم أن يكون التوزيع هكذا ثلثًا وثلثًا، وثلثًا، بل لو أكل النصف، وأهدى الباقي، أو أهدى وتصدق بالباقي فلا بأس، أو أكل النصف وتصدق بالباقي فلا بأس، إنما اختار أكثر العلماء أن يجعلها أثلاثًا.
    أمما الشق الثاني وهو: أن تجمع لحوم الصدقة من الأضاحي ثم تعطي الفقراء على حسب حاجتهم فهذا لا بأس به، المهم أن تذبح في وقت الذبح أما أكل اللحم وتوزيعه فلا حد له. )) ([3])


    يتبع إن شاء الله ....

    ([1]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 39)

    ([2]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 133)

    ([3]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 136)


  22. #22
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    مسألة : حكم إرسال الأضاحي إلى أماكن آخر
    1 ـ سئل الإمام في الرسالة التالية : فضيلة الشيخ/محمد بن صالح العثيمين- حفظه الله-
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد
    هذه الرسالة المرفقة وردتنا اليوم 6/11/1410هـ من لجنة الإغاثة في خارج المملكة بدون توضيح معها، والظاهر أنهم يريدون منا نشرها بين الناس لدعم مشروع الأضحية، أي جمع الأموال باسم قيمة الأضاحي؛ لتؤمن وتذبح هناك وتوزع على المهاجرين من الأفغان، والسؤال هو: هل ترون فضيلتكم جواز هذا العمل ببعث قيمة الأضاحي إلى هذه اللجنة لتتولى شراء ذبائح الأضاحي وذبحها وتوزيعها على مخيمات المهاجرين من الأفغان؟ وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    فأجاب : بسم الله الرحمن الرحيم
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
    لا أرى جواز بعث قيمة الأضاحي إلى هذه اللجنة لتتولى شراء الأضاحي في بلد آخر، لأن هذا يؤدي إلى تعطيل شعيرة الأضاحي في البلاد الإسلامية، والشرع الحكيم له نظر في أن تنتشر شعائر
    الإسلام في بلاد الإسلام، ولهذا شرع للحجاج الهدي، وشرع لغيرهم الأضاحي في بلادهم؟ ولأن إرسال قيمة الأضحية إلى بلاد أخرى؛ ليضحي بها يعطل قول الله عز وجل:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}
    وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب الآكل من الأضحية بنفسه، كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذبح أضحيته بنفسه .
    وأما توكيله علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يذبح بقية هديه في منى، فلأن الحاجة داعية إلى ذلك؛ لأن ما أهداه النبي - صلى الله عليه وسلم - مئة بعير، والناس في حاجة إلى تفرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - لهم، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يؤخذ من كل بعير قطعة، فجعلت في قدر وطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها، وهذا يدل على تأكد أكل الإنسان مما تقرب إلى الله بذبحه، وهذا يفوت إذا أرسلت القيمة إلى بلد آخر، ولأن الأضاحي إذا كانت وصايا فإن الموصين يحبون أن يضحي بها ذريتهم ويذكروهم بها، وهذا يفوت بإرسال القيمة إلى بلاد أخرى.
    وبناء على ما سبق فلا أرى نشر الدعاية لإرسال قيمة الأضحية إلى بلاد أخرى، والله الموفق.
    كتبه محمد الصالح العثيمين في 7/11/1410هـ. )) ([1])
    2 ـ وقال في (لقاء الباب المفتوح)(24/ 34) لما سئل هل الأفضل في هذا الزمان دفع الأضاحي إلى البلاد الفقيرة أم ذبحها هنا؟
    فأجاب ـ رحمه الله ـ : (( هذا سؤال مهم وهو دفع قيمة الأضاحي إلى بلاد فقيرة ليُضَحَّى بها هناك، فإن بعض الناس يفعل هذا، بل يزيد على ذلك أنه يضع دعايةً في الصحف أو غير الصحف لحث الناس على بعث الأضاحي إلى بلاد أخرى، وهذا يصدر في الغالب عن جهل بمقاصد الشريعة، وعن جهل بالحكم الشرعي.
    المقصود بالأضحية: المقصود الأول: هو التقرب إلى الله تعالى بذبحها: فإن الذبح من أكبر العبادات، بل قرنه الله عزَّ وجلَّ بالصلاة: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر:2] ، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] على القول بأن النسك هنا: الذبح.
    فالذبح نفسه عبادة؛ لا يمكن أبداً أن تحصل هذه العبادة إذا ما أرسلت الدراهم إلى بلاد أخرى ثمناً لأضحيةٍ، وذُبِحَت هذه الأضحيةُ عنك، وقد قال الله تعالى في كتابه: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] .
    المقصود الثاني: أن الإنسان إذا أرسلها إلى بلاد أخرى فإنه يفوته ذكرُ اسمِ الله عليها: وقد قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ} [الحج:34] فجعل ذكرَ اسمِ الله عِلَّةً لهذه المناسك التي جعلها الله عزَّ وجلَّ، وهذا الذكر سيفوته إن كان الذبح هناك، وربما يذبحها من لا يسمِّي أصلاً.
    المقصود الثالث: أنه إذا أرسلها إلى الخارج يفوته الأكل منها: وقد قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] والأمر بالأكل منها للوجوب على رأي كثير من العلماء، فإذا أرسلتَها إلى الخارج فاتك القيام بهذا الأمر، سواء كان واجباً أم مستحباً.
    المقصود الرابع: أنه إذا أرسلها إلى الخارج خَفِيَت الشعيرةُ العظيمة التي جعلها الله تعالى في بلاد المسلمين عوضاً عن الشعيرة العظيمة التي جعلها الله تعالى في مكة، فالشعيرة التي تكون في مكة هي: الهدي، والشعيرة التي تكون في بلاد المسلمين الأخرى هي: الأضحية، فالله سبحانه وتعالى جعل هذه الشعائر؛ ذبح الهدي في مكة، وذبح الأضحية في البلاد الأخرى لِتُقام الشعائر في بلاد الإسلام كلها، ولهذا جعل الله سبحانه وتعالى لمن أراد الأضحية شيئاً من خصائص الإحرام، كتجنب الأخذ من الشعر مثلاً.
    المقصود الخامس: أن هذه الشعيرة ربما تموت بالنسبة لأبنائنا وبناتنا: فإذا كانت الأضحية في البيت فإن الأهل كلهم يشعرون بها، ويشعرون أنهم على طاعة، فإذا أُرْسِلَت دراهم فما الذي يُدْرِيهم بها، فتفوت هذه الشعيرة.
    فنقول: من الخطأ الواضح أن ترسَل قيم الأضاحي إلى خارج البلاد ليُضَحَّى بها هناك؛ لأن كل هذه المصالح وربما أشياء أخرى لا تحضرني الآن كلها تفوت بهذا الأمر.
    المقصود السادس: أن الناس يبدءون ينظرون إلى الأضحية نظرةً ماديةً فقط، وهي: إطعام الجائع: وهذا أيضاً ضرر، وقد قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وإذا كنت صادقاً في أن تتعبد لله في الأضحية، وأن تنفع إخوانك المسلمين فضحِّ في بلدك، وأرسل الدراهم والأطعمة والأكسية إلى البلاد الأخرى.
    ما الذي يمنعك؟! لهذا أرجو منكم -بارك الله فيكم- أن تبينوا للناس أن هذا خطأ، وأن لا يصرفوا قيمة ضحاياهم إلى البلاد الأخرى، بل يضحوا في بيوتهم.
    ولا يرد على هذا أن الرسول عليه الصلاة والسلام وكَّلَ علي بن أبي طالب في ذبح هديه، أو أنه بعث بالهدي من المدينة إلى مكة؛ لأن بعثَه بالهدي من المدينة إلى مكة ضروري، إذْ لا هدي إلا في مكة، فلو ذبحه في المدينة لم يكن هدياً.
    وأما توكيل علي بن أبي طالب فالرسول عليه الصلاة والسلام وكَّله؛ لأنه مشغول بأمور الناس، فالناس في حاجة إلى أن يتفرغ لهم، ومع ذلك أمَرَ مِن كل بعير بقطعة، فجُعِلَت في قدر فطُبِخَت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها؛ فهو لم يترك الأكل منها.
    فنرجو -بارك الله فيكم- أن تحرصوا على توعية الناس، وأن تقولوا: إن المسألة ليست مسألة أن الفقير ينتفع من اللحم، بل أهمُّ شيء هو التقرُّب إلى الله في الذبح الذي جعله الله قرين الصلاة، وأنت لا تُمْنَع من نفع إخوانك، فتُرسل لهم دراهم، لا مانع من ذلك .
    نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم، وإلى اللقاء القادم إن شاء الله. )) ا.هـ
    3 ـ سئل الشيخ : أرجو أن توضحوا لنا عما كثر الكلام فيه من إرسال قيمة الأضاحي إلى البلاد الإسلامية الفقيرة، ليشترى بها أضحية ويضحي بها هناك، نرجو إفتاءنا بما ترون مأجورين؟
    فأجاب : إن إرسال قيمة الأضاحي إلى بلاد أخرى من البلاد الإسلامية ليضحي بها هناك تفوت به مصالح كثيرة منها:
    1- ظهور شعائر الله تعالى في البلاد الإسلامية، فإن الناس إذا أرسلوا قيمة ضحاياهم لبلاد أخرى خليت بلادهم من هذه الشعيرة وفات ظهورها في بلادهم، وتعميم ظهور شعائر الله تعالى في بلاد
    الإسلام مقصود شرعي؛ ولهذا لما شرع الهدي للحجاج في مكة، شرع لغيرهم الأضاحي في البلاد الأخرى؛ لتظهر شعيرة الذبح في جميع البلاد الإسلامية.
    2- مباشرة المضحي ذبح أضحيته بنفسه، فإن المشروع أن يباشر المضحي ذبح أضحيته بنفسه كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك ، فإذا أرسلت القيمة إلى بلاد أخرى فاتت هذه السنة، وقد قال أهل العلم: إن المضحي إذا كان لا يحسن الذبح فالأفضل أن يحضر ذبحها.
    3- التعبد لله تعالى بذكر اسمه على الذبيحة، وهذا عبادة أمر الله بها في قوله:{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ الله لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَيْهَا صَوَافَّ}، وجعله تعالى الغاية في هذه القربان حيث قال:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ الله عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} ، فإذا أرسلت القيمة ليضحي في بلاد أخرى فات على المضحي أن يتعبد لله تعالى بذكر اسمه على أضحيته.
    4- التعبد لله تعالى بالأكل من الأضحية، فإن الآكل من الأضحية عبادة أمر الله تعالى بها في قوله:{فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ}، وقال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}، وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب الآكل منها، فإذا أرسلت القيمة إلى بلاد أخرى ليضحي بها هناك فات هذا التعبد ويكون المضحي آثماً على قول من يقول بوجوب الآكل، ولكن الصحيح: عدم وجوب الآكل، فلا يكون آثماً من لم يأكل، ولكن أكله أفضل.
    فهذه المصالح الأربع كلها تفوت بإرسال قيمة الأضاحي إلى بلاد أخرى ليضحي بها هناك.
    فإن قال قائل: أليس قد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث بالهدي إلى مكة فيذبح هناك والنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، وهذا يدل على جواز بعث النسيكة إلى بلد آخر.
    الجواب: بلى قد كان ذلك، ولكن الهدي خاص بمكة فلابد من البعث به إليها، بخلاف الأضحية فإنها في كل البلاد فلا حاجة إلى نقلها لبلد آخر بل نقلها يفوت به ما سبق من المصالح.
    فإن قائل قائل: أليس قد وكل النبي - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب لينحر ما بقي من هديه في حجة الوداع مع حضور النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا يدل على جواز التوكيل في ذبح النسيكة؟
    فالجواب: بلى، ولكن كان ذلك في البلد الذي كان فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحاجة داعية إليه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد أهدى مئة بعير، ونحر منها ثلاثًا وستين، وأعطى عليّا الباقي لينحره، وكان قد أشركه في هديه، والناس في حاجة إلى تفرغ النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمورهم، وقد أمر النبي من كل بدنة ببضعه، فجعلت في قدر فطبخت، فأكل من لحمها وشرب من مرقها.
    فإن قال قائل: إخواننا في البلاد الإسلامية أو بعضها في حاجة لمثل هذا اللحم؟
    فالجواب: أنه بالإمكان أن تدفع حاجتهم بغير ذلك بإرسال الدراهم والثياب والأطعمة والفرش ونحوها، ويحصل جمها المقصود، ولا تفوت المصالح المترتبة على ذبح الضحايا في بلاد المضحين.
    هذا ما يتعلق بالجواب وإنما بسطت القول فيه لكثرة السؤال عنه. والله أسأل أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لما فيه رضاه ونفع عباده، إنه سميع مجيب الدعوات.
    كتبه محمد الصالح العثيمين في 27/12/1411هـ. )) ([2])
    4 ـ سئل - رحمه الله-: ذكرتم بأنه لا يدفع الإنسان أضحيته لمن في الخارج وأن عليه أن يذبحها بنفسه، فهل الهدي كذلك، فماذا تقولون لبعض الشركات التي تقبل الهدي والأضحية فهل ندفع لهم ذلك؟
    فأجاب بقوله: (( أما الأضحية فلا تدفعوها للشركات ضحوا في بلادكم، وأما الهدي فمعلوم أن الذين يذهبون إلى مكة إذا ذبحوا الهدي صعب عليهم أن يفرقوه على مستحقيه فإذا أعطوه من يقبل ذلك فلا بأس، وهؤلاء الذين يتقبلونه بإذن من الحكومة، ويكون قبضهم للهدي كقبض الفقير فيكون الذي يسلمه إلى الحكومة كأنه سلمه إلى الفقير تمامَا ولا حرج فيه للحاجة، ومع ذلك نقول: إذا كنت قادرَا على أن تذبح هديك بنفسك، أو توكل عليه أحدَا في مكة، فلا تعطه الشركات، كلما صار لديك مندوحة عن إعطاء الشركات بالهدي فلا تعطهم.
    أما الأضاحي فقد علمتم أنه لا يعطيها أحد إطلاقَا؛ لأن الأضاحي كل إنسان يمكنه أن يضحي في بيته، ويأكل من لحمها ويوزع على حسب الحال. )) ([3])
    5 ـ جاء في (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 78)
    (( رسالة : الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
    فضيلة شيخنا ووالدنا محمد بن صالح العثيمين- حفظه الله ورعاه-
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    يسر مشروع (الهُدَى للهدي والأضاحي والصدقة والفدى)
    التقدم لفضيلتكم بهذا السؤال الهام الذي ينبني على جوابه كل عملنا في هذا المشروع، لنكون على بصيرة شرعية من أمرنا معتبرين هذا العمل مساهمة جادة في تنظيم ذبح النسك، والاستفادة القصوى من لحومها لصالح الفقراء، وعدم تركها للمحارق تخلصًا منها، ولا حول ولا قوة إلا بالته والسؤال هو:
    هل يجوز لنا أن نكون وكلاء عن الحاج في شراء وذبح نسكه، وذلك بثمن شامل ومعلوم للحاج، علمًا أننا نبين نوع الذبيحة- النسك- ونعينها لكل حاج باسمه قبل الذبح ويدخل في هذا الثمن
    قيمة الذبح والسلخ والتنظيف وتوزيع اللحم على مستحقيه من فقراء الحرم، كما إنه يدخل في القيمة أتعابنا وأتعاب العاملين معنا في المشروع؟
    أفتونا مأجورين، وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء.
    فأجاب : بسم الله الرحمن الرحيم
    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
    نعم: يجوز لكم ذلك؛ لأنه ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه وكَّل علياًّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- أن ينحر ما بقي من هديه ، وكان يبعث بالهدي من المدينة إلى - صلى الله عليه وسلم - ويذبح هناك ، لكن الأضاحي دعوها لأهلها يضحون بها في بلادهم في دورهم؛ لأن هذا هو المشروع؛ ولهذا أرى أن يحذف من شعاركم اسم الأضاحي، وفق الله الجميع للهدى والصلاح.
    كتبه محمد الصالح العثيمين في 22/11/1415هـ ))
    6 ـ قال في(لقاء الباب المفتوح)(2/ 40) لما سئل : مسألة إرسال الأضحية إلى المجاهدين، البعض يقول: الأفضل أن ترسل إلى المجاهدين وتذبح عندهم، والبعض الآخر يقول: لا بل الأفضل أن تذبح هنا، فما توجيه سماحتكم جزاكم الله خيراً؟
    فأجاب : (( القائل: بأن الإرسال إلى هناك أفضل مخطئ في هذا القول؛ لأن الأضحية من شعائر الإسلام الظاهرة، وليس المراد بها شيئاً مادياً وهو الانتفاع باللحم، كما قال تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:37] وأهم مقصود منها: هو التقرب إلى الله بالذبح، حتى تكون شعيرة ونُسُكاً، ودليل ذلك: أن الأضحية لها أحكام خاصة: منها: أن تكون في وقت معين.
    ومنها: أن تكون من جنس معين.
    ومنها: أن تكون على وصف معين.
    ومنها: أن تخلو من العيوب.
    ولو كان المقصود مجرد اللحم لجازت في كل وقت، ومن كل جنس، وعلى أي وصف، ومعيبة أو غير معيبة، فمثلاً: الأضحية لا تكون إلا في أيام الذبح، يوم عيد الأضحى وثلاثة أيام بعدهن.
    وأيضاً: الأضحية لا بد أن تكون في يوم العيد من بعد الصلاة.
    ولا بد أن تكون من جنس معين، وهي بهيمة الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم، فلو ذبحتَ فرساً وتصدقت به على أنه أضحية لم يجزئ.
    ولا بد أن تكون من سن معين، وهي: أن تكون جذعة من الضأن، أو ثنياً مما سواه، ولو كان المقصود اللحم لجازت في الفرس، ولجازت بما دون هذا السن.
    ولا بد أن تكون سليمة من العيوب التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " أربع لا تُجَوِّز الأضاحي: العوراءُ البَيِّنٌ عَوَرُها، والمريضةُ البَيِّنٌ مَرَضُها، والعرجاءُ البَيِّنٌ ضَلْعُها، والعجفاء -أي: الهزيلة- التي لا تنقي وليس فيها نقي " أي: ليس فيها مخ.
    ولو كان المقصود بها اللحم لجازت مع هذا العيب؛ لأن العوراء لا يؤثر عَوَرُها على لحمها.
    فإذا علمت ذلك تبين لك أن الأضحية عبادة مشروعة بذاتها، لا أنها مجرد تصدُّق باللحم، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين شاة اللحم وشاة الأضحية، فقال: " مَن ذبح قبل الصلاة فشاته شاة لحم ولا نسك له" ، وهذا واضح من أنه ليس المقصود به مجرد اللحم، وإذا كان كذلك فإننا نرى أن لا يُبْعَث بالأضاحي إلى أفغانستان، ولا إلى غيرها من البلاد الإسلامية الفقيرة؛ لأن ذلك مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم: فإن مِن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يذبح الإنسان الأضحية بيده، فإن لم يُحسن وكَّل مَن يضحي.
    ومِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يشهد الأضحية.
    ومِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر الله به: أن يأكل منها، كما قال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] كلوا منها، والأصل في الأمر الوجوب، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى وجوب أكل المضحي من أضحيته، وكيف يتأتى الأكل وهي في الشرق أو في الغرب؟!
    ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأضحية: أن يسمي عليها، فيقول: "باسم الله والله أكبر، هذا منك ولك، عني وعن أهل بيتي "، وكيف يمكن هذا وهي في الشرق أو في الغرب؟! ولا شك أننا لو قلنا بإرسال الأضحية إلى بلاد أخرى لعطلنا البلاد الإسلامية من هذه الشعيرة؛ لأن كل الناس يحبون الأفضل.
    فإذا قيل لَهُم: الأفضل أن تبعثوا بأضحياتكم إلى المكان الفلاني، تعطلت البلاد الإسلامية من هذه الشعيرة الإسلامية.
    ثم إن الأضاحي من أحكامها: أنه إذا دخل العشر فإن الإنسان يُنْهَى أن يأخذ شيئاً من شعره، أو بشرته، أو ظفره، حتى يضحي، وإذا أرسلتها يميناً أو شمالاً فلا تدري متى يضحون! فهذه الفتوى لا شك أنها خطأ، ومن أراد أن ينفع المسلمين فليفعل؛ لكن بغير الشعيرة الإسلامية، فالشعائر تبقى، ونفع المسلمين يحصل من باب آخر. ))
    7 ـ وقال أيضا في (لقاء الباب المفتوح)(88/ 27) لما سئل : فضيلة الشيخ بالنسبة للأضاحي بعض الجهات كهيئة الإغاثة وغيرها، تقول: لدينا مثل القسائم تدفع مبلغاً من المال ونحن نؤدي الأضحية في أي جهة من دول العالم الفقيرة، فهل تنصح بذلك، أم لا؟
    فأجاب : أنا أنصح بعدم ذلك، وأقول: إن هذا من الخطأ أن الإنسان يوكل أحداً يضحي عنه؛ لأن هذا فيه عدة محاظير:
    المحظور الأول: أن شعيرة النسك في هذا البلد لا تتم إذا أعطينا دراهم يضحى بها في مكان آخر.
    وثانياً: أن المقصود بالأضحية التعبد لله بذبحها، وهذا -أيضاً- يفوت إذا ذبحت بمكان آخر، فهو لا يباشر الذبح ولا يحضره.
    ثالثاً: أن فيها تركاً لما أمر الله به من الأكل منها، فقد قال الله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج:28] ، {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:36] ومعلوم أنها إذا ذبحت في محل آخر فلا يستطيع الأكل منها.
    الرابع: أننا لا ندري من الذي يتولى الذبح، قد يتولى الذبح من لا يحسن الذبح، أو من ليس من أهل الذبح، أو من يتهاون في الذبح بترك التسمية -مثلاً- أو ما أشبه ذلك.
    الوجه الخامس: أننا لا ندري -أيضاً- هل تذبح في وقتها، أو قبل الوقت، أو يتهاونون في تأخير الذبح.
    فيحصل في ذلك هذه المحاذير وربما يحصل غيرها أيضاً.
    فالذي أنصح به إخواننا المسلمين ألا يفعلوا ذلك، أي: ألا يعطوا هيئة الإغاثة ولا غيرها شيئاً يشترون به ضحايا في محلات أخرى ويذبحونها.
    فإن قال قائل: أليس النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث بالهدي من المدينة إلى مكة؟
    الجواب: بلى.
    لكن الهدي خاص بـ مكة لا يمكن ذبحه في المدينة وهو هدي يهدى إلى الكعبة، فليس مثل الذي يبعث بدراهمه إلى البوسنة والهرسك والجهات الأخرى ليُضحى بها عنه.
    فأنصح إخواننا المسلمين ألا يفعلوا ذلك، وأنصح طلبة العلم -أيضاً- أن يبينوا للعوام؛ لأن كثيراً من الناس يظنون أن الأضاحي ليس المقصود منها إلا اللحم، وهذا خطأ، قال الله تعالى: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى} [الحج:37] .
    السائل: هل له أن يتصدق يا شيخ! بعد أن يكمل الأضحية يعني: بعد أن يؤدي الأضحية يتصدق بمائة ريال، بمائة وخمسين، بمائتي ريال؟ الشيخ: هذا ليس فيه شيء، يعني: إذا كان يريد أن ينفع الجهة هذه يعطيهم دراهم ويجعل الأضحية عنده في بلده. )) ا.هـ


    يتبع إن شاء الله ...

    ([1]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 61 ـ 62)

    ([2]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 66 ـ 72)

    ([3]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 75)


  23. #23
    تاريخ التسجيل
    Aug 2012
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    حكم اجتماع الأضحية والعقيقة
    قال الإمام ـ رحمه الله ـ : (( بسم الله الرحمن الرحيم
    من محبكم/محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم/ ... حفظه الله
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    كتابكم الكريم وصل، سرنا صحتكم، الحمد لله على ذلك، ونرجو المعذرة عن عدم المبادرة إلى رده، والعذرْ كرام الناس مقبول، وأنتم منهم- إن شاء الله- ولله الحمد، وفقكم الله لمكارم الأخلاق وأحاسن الأعمال.
    سؤالكم هل يجوز جعل الضحايا وليمة للعرس. تعيينها؟
    الجواب : لا يجوز ذلك؛ لأنه لما عينها للأضحية لها، فلا يجوز صرفها في غيرها، بل ولا إبدالها بغيرها، أن يبدلها بخير منها. وكذلك لو لم يعين الأضحية وأراد أن يجمع في شاة واحدة أضحية ووليمة فلا يجوز ذلك،
    وإن كان قياس كلام ابن القيم جواز ذلك، حيث أجاز- رحمه الله- الجمع بين نية الأضحية والعقيقة في شاة واحدة، وفي كلامه نظر، لاختلاف الحكم بين الأضحية والعقيقة، واختلاف السبب أيضا، فالصحيح عدم الجواز في الجمع بين نية الأضحية والعقيقة، وكذلك بين نية الأضحية والوليمة ، وهذا الكلام كله فيما إذا كان الأضحية من عنده، أما إذا كانت وصية فمعلوم أنه لا يجوز من باب أولى .
    هذا ما لزم وشرفونا بما يلزم، بلغوا سلامنا كل عزيز لديكم، والله يحفظكم.
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته / حرر في 18/10/1390هـ. )) ([1])
    قلت (بشير) : مما جاء عن الإمام الألباني ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة أنه قال : (( الجمع بين العقيقة والأضحية عرفنا أن هذا لا يجوز لأنه فريضة لا تقوم عن فريضة ، هذا السؤال إن كان مقصود أن نجمع بين نيتين في عملية واحدة في فريضة ؟
    الجواب : لا ، أما إذا كان المقصود ، وهذا هو الغالب في مثل هذا السؤال ، مثلا رجل دخل المسجد ، وكان توضأ ، فهنا يشرع في حقه سنة الوضوء ، وعندنا سنة الوقت ، سنة الظهر مثلا ، وعندنا كذلك تحية المسجد ، فممكن الإنسان يصلي ركعتين وينوي في هذه الركعتين ثِلث نوايا ، هي : تحية المسجد ، هي سنة الوضوء ، هي سنة الوقت ، نقول نعم يمكن هذا ، ولكن الأفضل أن يعطي كل نية عملها ، لماذا ؟
    لأن هذا الذي صلى ركعتين بثلاث نيات ، فأقل الأجر كما جاء في الحديث الصحيح ، يقول الله عز وجل لملائكته :" إذا هم عبدي بحسنة ، فعملها ، فاكتبوها له عشر حسنات "، فهذا الذي صلى ركعتين أقل الشيء يكتب له عشر حسنات ، ربما يكتب له مئة ، ربما يكتب له سبع مئة ، على حسب إتقانه للصلاة ، وخشوعه فيها ونحو ذلك ، فنحن نأخذ الآن كتقريب الموضوع ، أقل ما يكتب لمن أتى بعبادة ، إنما هو عشر حسنات ، فالذي صلى ركعتين بثلاث نيات ، سوف يكتب له عشر حسنات زائد حسنة واحدة مقابل نية ، زائد حسنة ثانية مقابل نيتين ، لأنه صلى ركعتين بثلاث نوايا ، النية الأولى تحية المسجد ، كتب له عشر حسنات ، لأنه نية مقرونة بعمل ركعتين ، كتب له كما قلنا أقل الشيء عشر حسنات ، بقيت نيتين بدون عمل ، كل نية بحسنة لأنه من تمام الحديث السابق :" إذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة "
    فإذاً هذا ما عمل بالنيتين وهي نية مثلا الوضوء ونية الوقت ، أما نية التحية فأدى لها ركعتين ، إذاً هذا يكتب له عشر حسنات زائد حسنتين مقابل نيتين ، لكن قلنا آنفا الأفضل كما لا يخفى على الجميع أن يعطي لكل نية عملها ، يصلي ركعتين تحية المسجد ، يصلي ركعتين سنة الوضوء ، يصلي ركعتين سنة الوقت ، حينئذ سوف يكتب له على أقل عشر زائد عشر زائد عشر ، يساوي ثلاثين ))
    هذا آخر ما يسر الله لي جمعه وترتيبه في فقه الأضحية وعشر ذي الحجة ، مما جاء عن الإمام ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ولنا في أيام قادمة إن شاء الله جمع ما جاء عنه في أحكام العيد وآدابه مما يلحق بهذا الجمع نسأل الله أن يطيل لنا في عمرنا ويرزقنا السداد والتوفيق والصحة لإكمال هذا المشروع
    وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

    ([1]) (مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)(25/ 107 ـ 108)


  24. #24

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    جزاك الله خيرا

  25. #25
    تاريخ التسجيل
    Apr 2010
    الدولة
    الجزائر
    المشاركات
    6,499

    افتراضي رد: أحكام الأضحية ، وما جاء في عشر ذي الحجة من الفضائل والأعمال للإمام محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

    أحسن الله اليك اخي الفاضل ونفع الله بك

    هذه ملفات رفعتها على موقع نور اليقين
    حمل من هنا


    http://www.up.noor-alyaqeen.com/ucp.php?go=fileuser



معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. بعض أحكام الأضحية ومشروعيتها :.. للشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22-Sep-2015, 10:25 AM
  2. مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 05-Oct-2013, 10:28 PM
  3. " أحكام العيد وسننه " للشيخ محمد ين صالح العثيمين رحمه الله
    بواسطة أبو عبد المحسن زهير التلمساني في المنتدى منبر العلوم الشرعية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-Nov-2011, 05:49 PM
  4. مطوية - عشر ذي الحجة - قرأها الشيخ محمد بن صالح العثيمين
    بواسطة محبة المنهج السلفي في المنتدى مـنــبر الأســـرة المـــســلـــمـــة
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16-Oct-2011, 02:23 PM
  5. أحكام العيد وسننه ...... للشيخ محمد ين صالح العثيمين
    بواسطة أبو خالد الوليد خالد الصبحي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 24-Mar-2010, 07:44 PM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •