كتاب الصيام
الصيام في اللغة: كل إمساك، فيدخل فيه الإمساك عن الأكل والشرب والكلام وغير ذلك، وفي الشرع: إمساك مخصوص، وهو: الإمساك عن الأكل والشرب وسائر المفطرات، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
قوله [صوم رمضان أحد أركان الإسلام، وفرض في السنة الثانية من الهجرة، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات].
قال الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾، وقال عز وجل: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاَّ الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان» رواه البخاري (8) ومسلم (113)، وفي حديث جبريل قال صلى الله عليه وسلم: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلاَّ الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً» رواه مسلم (93) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قوله [ويستحب ترائي الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، ويجب صوم رمضان برؤية هلاله، فإن لم يُر مع الصحو أكملوا ثلاثين يوماً، ثم صاموا من غير خلاف].
يستحب ترائي الهلال، لأن الصيام والإفطار أنيطا برؤيته لقوله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين» رواه مسلم (2516) ومثله عن أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري (1909)، إلاَّ أنه قال: «فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين»، وإن لم يُر الهلال مع الصحو، أكملوا ثلاثين، وكذلك مع الغيم، لحديث أبي هريرة المذكور، ويدل لترائي الهلال حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه» رواه أبو داود (2342) بإسناد صحيح.

قوله [وإذا رأى الهلال كبّر ثلاثاً وقال: «اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحب وترضى، ربي وربك الله، هلال خير ورشد»].
روى الترمذي في جامعه (3451) عن طلحة بن عبيد الله أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال قال: «اللهم أهلَّه علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله» وقال: هذا حديث حسن غريب. وفي إسناده سليمان بن سفيان، وبلال بن يحيى بن طلحة، وفيهما ضعف، لكنه حسن لغيره بما رواه الدارمي (2/3) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: «الله أكبر، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام والتوفيق لما يحب ربنا ويرضى، ربنا وربك الله» وفي إسناده عبد الرحمن بن عثمان الحاطبي، وأبوه، وفيهما ضعف، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني (1816).

قوله [ويقبل فيه قول واحد عدل، حكاه الترمذي عن أكثر العلماء، وإن رآه وحده ورُدت شهادته لزمه الصوم، ولا يفطر إلاَّ مع الناس، وإذا رأى هلال شوال لم يفطر].
1- يدل لقبول قول الواحد العدل في رؤية الهلال حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقد تقدم قريباً.
2- والقول الثاني أن من رأى هلال رمضان، ورُدّت شهادته، أنه لا يصوم، كما أنه إذا رأى هلال شوال لا يفطر، ويدل للمسألتين حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون» رواه الترمذي (697) وغيره، وقال: حديث حسن غريب.

قوله [والمسافر يفطر إذا فارق بيوت قريته والأفضل له الصوم، خروجاً من خلاف أكثر العلماء، والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما، أو ولديهما أبيح لهما الفطر، فإن خافتا على ولديهما فقط أطعمتا عن كل يوم مسكيناً].
1- يدل لإفطار المسافر إذا فارق بلده قول الله عز وجل: ﴿وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ﴾، فإنه قيد الترخّص بالقصر بالضرب في الأرض وهو بدء السفر، ومثله الإفطار، وقد جاء في جامع الترمذي (4799) بإسناد صحيح عن محمد بن كعب قال: «أتيت أنس بن مالك في رمضان وهو يريد سفراً، وقد رُحلت له راحلته، ولبس ثياب السفر، فدعا بطعام فأكل، فقلت: سنة؟ قال: سنة، ثم ركب».
2- الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا، وليس عليهما فدية، لأنهما شبيهتان بالمريض، والمريض ليس عليه إلاَّ القضاء، وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً مع القضاء، لما روى أبو داود في سننه (2318) بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قال: كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ويطعما مكان كل يوم مسكيناً، والحبلى والمرضع إذا خافتا» قال أبو داود: يعني على أولادهما أفطرتا وأطعمتا.

قوله [والمريض إذا خاف ضرراً كره صومه للآية، ومن عجز عن الصوم لكبر، أو مرض لا يُرجى برؤه أفطر، وأطعم عن كل يوم مسكيناً].
1- المريض إذا خاف على نفسه ضرراً بالصيام، لا يصوم لقول الله عز وجل: ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾.
2- من عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه، أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً، لما في صحيح البخاري (4505) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾: «ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فليطعما مكان كل يوم مسكيناً».

قوله [وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار، أو دخل إلى حلقه ماء بلا قصد لم يفطر].
من حصل له شيء من ذلك، لم يفطر، لأنَّه لم يكن باختياره، وقد قال الله عز وجل: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾.

قوله [ولا يصح الصوم الواجب إلاَّ بنية من الليل، ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده].
يدل لذلك حديث حفصة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» رواه أبو داود (2454) بإسناد صحيح.
ومن لم يبلغه خبر دخول شهر رمضان إلاَّ بعد الفجر فإنه يمسك بقية يومه ويقضي مكان ذلك اليوم، لأنَّه لم يحصل منه الصيام عند طلوع الفجر.
ويدل لكون صيام النفل لا يلزم فيه تبييت النية من الليل، حديث عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: «هل عندكم شيء» قلنا: لا، قال: «فإني إذن صائم» ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله! أهدي لنا حيس، فقال: «أرينيه، فلقد أصبحت صائماً» فأكل. رواه مسلم (2714).