قوله [من أكل أو شرب، أو استعط بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه، أو احتقن، أو استقاء فقاء، أو حجم أو احتجم، فسد صومه، ولا يفطر ناس بشيء من ذلك].باب ما يفسد الصوم
الأكل والشرب يحصل بهما الإفطار إجماعاً، لقوله تعالى: ﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ﴾، وإذا استعط فوصل السعوط إلى حلقه أفطر، لحديث لقيط ابن صبرة رضي الله عنه وفيه: «وبالغ في الاستنشاق إلاَّ أن تكون صائماً» رواه أبو داود (142) بإسناد صحيح.
ويدل لإفطار من استقاء، حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن استقاء فليقض» رواه أبو داود (2380) بإسناد صحيح.
ويدل لحصول الإفطار بالحجامة، حديث ثوبان وشداد بن أوس رضي الله عنهما عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «أفطر الحاجم والمحجوم» أخرجهما أبو داود (2367) (2369) بأسانيد صحيحة.
وإفطار المحجوم بسبب خروج الدم منه بالحجامة، وأما الحاجم فلكونه يمص المحاجم، فيطير إلى حلقه شيء من الدم، وإذا حصلت الحجامة بدون مص، فإن الحاجم لا يفطر.
وحصول هذه المفطرات نسيانا لا يحصل به الإفطار، لقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا﴾، وقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه» رواه البخاري (1933) ومسلم (2716) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأما الإبر التي يدخل بواسطتها سائل في جسم الإنسان فإن كان ذلك السائل مغذياً حصل به الإفطار لأن المشاهد أن المغمى عليه يتغذى به عدة سنين، فإن كان غير مغذ فهو محل نظر، والأولى للإنسان أن يستعمل ذلك في الليل إذا تمكن من ذلك.
قوله [وله الأكل والشرب مع شك في طلوع الفجر، لقوله تعالى: ﴿وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾].
لمن أراد الصيام الأكل والشرب مع الشك في طلوع الفجر، لأن الإمساك أنيط بتبين الخيط الأبيض من الأسود من الفجر في الآية، والأصل بقاء الليل حتى يتبين طلوع الفجر.
قوله [ومن أفطر بالجماع فعليه كفارة ظهار مع القضاء، وتكره القُبلة لمن تتحرك شهوته].
المجامع في نهار رمضان يجب عليه كفارة مثل كفارة الظهار التي ذكرها الله عز وجل في أول سورة المجادلة، ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بينما نحن جلوس عند النَّبِي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا...» الحديث، رواه البخاري (1936) ومسلم (2595)، ويجب عليه مع الكفارة قضاء ذلك اليوم الذي أفسده بالجماع. ولا يقبّل من تتحرك شهوته بالتقبيل، لئلاّ يعرض صيامه للإفساد.
قوله [ويجب اجتناب كذب، وغيبة، وشتم، ونميمة كل وقت، لكن للصائم آكد، ويسن كفه عما يُكره، وإن شتمه أحد فليقل: إني صائم].
هذه الأمور محرمة في كل وقت وحين، ولكن حرمتها تتأكد في حال الصيام، يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» رواه البخاري (1903) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة «والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم» رواه البخاري (1904) ومسلم (2706).
قوله [ويسن تعجيل الفطر إذا تحقق الغروب، وله الفطر بغلبة الظن، ويسن تأخير السحور، ما لم يخش طلوع الفجر، وتحصل فضيلة السحور بأكل أو شرب، وإن قلّ، ويفطر على رطب، فإن لم يجد فعلى التمر، فإن لم يجد فعلى الماء، ويدعو عند فطره، ومن فطّر صائماً فله مثل أجره].
1- يستحب تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس، وإذا كان الجو غائماً مثلاً، وغلب على ظنه أن الشمس غابت، فله الفطر، ويدل لاستحباب تعجيل الإفطار قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» رواه البخاري (1957) ومسلم (2554).
2- ويدل لتأخير السحور حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: «تسحرنا مع النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية» رواه البخاري (1921) ومسلم (2252)، والمراد بالأذان في الحديث: الإقامة، والمعنى: أنهم أخروا السحور مع النَّبِي صلى الله عليه وسلم، فكان بين الإمساك الذي عند الأذان لطلوع الفجر وبين الإقامة قدر قراءة خمسين آية.
3- يستحب السحور وتحصل فضيلته بأكل وشرب وإن قلَّ، لقوله صلى الله عليه وسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة» رواه البخاري (1923) ومسلم (2549) عن أنس رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر» رواه مسلم (2550) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
4- يدل لما يكون به الإفطار حديث أنس رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء» رواه أبو داود (2356) بإسناد صحيح.
5- يدل لفضل من فطّر صائماً حديث زيد بن خالد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فطّر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً» رواه الترمذي (807) وقال: حديث حسن صحيح.
قوله [ويستحب الإكثار من قراءة القرآن في رمضان، والذكر، والصدقة].
يدل لذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان النَّبِي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه النَّبِي صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة» رواه البخاري (1902) ومسلم (6009).
قوله [وأفضل صيام التطوع صيام يوم وإفطار يوم، ويسن صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأيام البيض أفضل، ويسن صوم يوم الخميس والاثنين، وستة أيام من شوال ولو متفرقة، وصوم تسع ذي الحجة، وآكدها التاسع وهو يوم عرفة، وصوم المحرّم، وأفضله التاسع والعاشر، ويسن الجمع بينهما، وكل ما ذكر في يوم عاشوراء من الأعمال غير الصيام فلا أصل له، بل هو بدعة].
1- يدل لفضل صيام يوم وإفطار يوم حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام، وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوماً» رواه البخاري (1131) ومسلم (2739).
2- يدل لفضل صيام ثلاثة أيام من كل شهر حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام» رواه البخاري (1981) ومسلم (1672).
3- يدل لصيام أيام البيض وهي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، حديث قتادة بن ملحان القيسي رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة، قال: وقال: هن كهيئة الدهر» رواه أبو داود (2449) وفي سنده عبد الملك بن قتادة، قال عنه الحافظ في التقريب: مقبول، وله شاهد عند الترمذي (761) عن أبي ذر وحسّنه، والنسائي (2422)، وفي إسناده يحيى بن سام، وهو مقبول، فيكون الحديث بهذا الشاهد حسناً لغيره.
4- يدل لفضل صيام الاثنين والخميس حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النَّبِي صلى الله عليه وسلم يتحرى صوم الاثنين والخميس» رواه الترمذي (745) بإسناد صحيح، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم» رواه الترمذي (747) وفي إسناده محمد بن رفاعة، وفيه مقال، وله شاهد يقوى به عن أسامة ابن زيد، أخرجه أبو داود (2436).
5- يدل لفضل صيام ست من شوال حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر» رواه مسلم (2758) ويجوز أن تكون متتابعة، ويجوز أن تكون متفرقة لإطلاق الحديث.
6- يدل لفضل صيام تسع ذي الحجة حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» يعني العشر، قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلاَّ رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» رواه البخاري (969) وأبو داود (2438) واللفظ له، والعمل الصالح في الحديث يدخل فيه الصيام.
7- يدل لفضل صيام يوم عرفة حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة؟ قال: «يكفر السنة الماضية والباقية» رواه مسلم (2747).
8- يدل لفضل صيام المحرم حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل» رواه مسلم (2755).
9- يدل لفضل صيام العاشر والتاسع من شهر المحرم حديث أبي قتادة رضي الله عنه أنَّ رسول الله سئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: «يكفر السنة الماضية» رواه مسلم (2747)، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع» رواه مسلم (2667).
قوله [ويكره إفراد رجب بالصوم، وكل حديث في فضل صومه والصلاة فيه فهو كذب، ويكره إفراد الجمعة بالصوم، ويكره تقدم رمضان بيوم أو يومين، ويكره الوصال، ويحرم صوم العيدين وأيام التشريق، ويكره صوم الدهر].
1- لا يجوز تخصيص شهر رجب بصيام أو صلاة لأن التخصيص بأيام معلومة أو بشهر معلوم يحتاج إلى دليل، ولا دليل على شيء من ذلك.
2- يدل لعدم جواز إفراد الجمعة بالصوم حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلاَّ يوماً قبله أو بعده» رواه البخاري (1985) ومسلم (2683)، وحديث جويرية رضي الله عنها أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: «أصمتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غداً؟ قالت: لا، قال: فأفطري» رواه البخاري (1986).
3- يدل لعدم جواز تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلاَّ رجل كان يصوم صوماً، فليصمه» رواه البخاري (1914) ومسلم (2518) واللفظ له.
4- يدل للنهي عن الوصال حديث أنس رضي الله عنه عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تواصلوا، قالوا: إنك تواصل، قال: لست كأحد منكم، إني أطعم وأسقى، أو إني أبيت أطعم وأسقى» رواه البخاري (1961) ومسلم (2571)، ورواه البخاري (1964) ومسلم (2572) عن عائشة رضي الله عنها، ورواه البخاري (1962) ومسلم (2564) عن ابن عمر رضي الله عنهما، ورواه البخاري (1965) ومسلم (2566) عن أبي هريرة رضي الله عنه، وروى البخاري (1963) عن أبي سعيد رضي الله عنه أنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر. قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: إني لست كهيأتكم، إني أبيت لي مُطعم يطعمني، وساق يسقين».
5- يدل لتحريم صوم العيدين حديث أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: «هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم» رواه البخاري (1990) ومسلم (2671)، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والنحر...» الحديث، رواه البخاري (1991) ومسلم (2674).
6- يدل لتحريم صيام أيام التشريق إلاَّ لمن لم يجد الهدي حديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب» رواه مسلم (2677) وفي لفظ (2768) «أيام أكل وشرب وذكر الله»، وحديث كعب بن مالك رضي الله عنه وفيه «وأيام منى أيام أكل وشرب» رواه مسلم (2679)، وحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم قالا: «لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلاَّ لمن لم يجد الهدي» رواه البخاري (1997-1998).
7- يدل للنهي عن صوم الدهر حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت، فقلت له: قد قلته بأبي أنت وأمي، قال: «فإنك لا تستطيع ذلك، فصم وأفطر، وقم ونم، وصم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوماً وأفطر يومين، قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: فصم يوماً وأفطر يوماً، فذلك صيام داود عليه السلام، وذلك أفضل الصيام، فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك، فقال النَّبِي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك» رواه البخاري (1976) ومسلم (2779)، وحديثه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الله بن عمرو، بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل، فلا تفعل، فإن لجسدك عليك حظاً، ولعينك عليك حظاً، وإن لزوجك عليك حظاً، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر. قلت: يا رسول الله! إنَّ بي قوة، قال: فصُم صوم داود عليه السلام، صم يوماً وأفطر يوماً» فكان يقول: يا ليتني أخذت بالرخصة. رواه مسلم (2743).




رد مع اقتباس
