السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
وهذه تتممة للموضوع قال الشيخ أبو بكر يوسف لعويسي ـ وفقه الله تعالى ـ:((بارك الله فيكم شيخنا الفاضل عبيد الجابري على توضيح هذه المسألة ، ولكن بقي هناك بعض الشبه يطرحها البعض في رؤية ليلة القدر بالعين المجردة وفي اليقظة ، فقد سمعت خطيبا عندنا يذكر ذلك وينسبه إلى شيخ الإسلام ابن تيمية فلما ناقشته ذكر لي هذه الشبه وهو ينقل بعضا منها عن غيره وهي :
1 - أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها ، ومادام أن النبي صلى الله عليه وسلم رآها فرؤيتها ممكنة وما المانع من رؤيتها لغيره ولم تثبت الخصوصية له في ذلك ؟؟
2 - وإذا كانت رؤية علاماتها كرامة فما المانع من رؤيتها بالعين المجردة وهي كرامة أيضا ، والتفريق بين هاتين الكرامتين يحتاج إلى دليل ولم يأت من الأدلة ما يمنع من رؤيتها ..
3 – في حديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت : (( يا رسول الله، أرأيت إن وافقت ليلة القدر، ماذا أدعو به؟)) يقول : والموافقة تكون بالعلم والرؤية ، فالموافقة ليست قاصرة على العلم والمعرفة.
4- أورد علي كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية يقول فيه [لَيْلَة الْقَدْرِ]
352 - 22 - وَسُئِلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، رَضِيَ اللَّهُ وَأَرْضَاهُ - عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَهُوَ مُعْتَقَلٌ بِالْقَلْعَةِ قَلْعَةِ الْجَبَلِ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِمِائَةٍ.
فَأَجَابَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ. لَيْلَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَكَذَا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «هِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ» . وَتَكُونُ فِي الْوِتْرِ مِنْهَا.
لَكِنَّ الْوِتْرَ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الْمَاضِي، فَتُطْلَبُ لَيْلَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةَ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، وَلَيْلَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ.
وَيَكُونُ بِاعْتِبَارِ مَا بَقِيَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لِتَاسِعَةٍ تَبْقَى، لِسَابِعَةٍ تَبْقَى، لِخَامِسَةٍ تَبْقَى، لِثَالِثَةٍ تَبْقَى» . فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ يَكُونُ ذَلِكَ لَيَالِي الْأَشْفَاعِ. وَتَكُونُ الِاثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ تَاسِعَةً تَبْقَى، وَلَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَابِعَةً تَبْقَى. وَهَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. وَهَكَذَا أَقَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشَّهْرِ.
وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ، كَانَ التَّارِيخُ بِالْبَاقِي. كَالتَّارِيخِ الْمَاضِي.
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ هَكَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَحَرَّاهَا الْمُؤْمِنُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ جَمِيعِهِ. كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «تَحَرُّوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ» وَتَكُونُ فِي السَّبْعِ الْأَوَاخِرِ أَكْثَرَ، وَأَكْثَرُ مَا تَكُونُ لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ كَمَا كَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ يَحْلِفُ أَنَّهَا لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ. فَقِيلَ لَهُ: بِأَيِّ شَيْءٍ عَلِمْت ذَلِكَ؟ فَقَالَ بِالْآيَةِ الَّتِي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ. «أَخْبَرَنَا أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ صُبْحَةَ صَبِيحَتِهَا كَالطَّشْتِ، لَا شُعَاعَ لَهَا» .
فَهَذِهِ الْعَلَامَةُ الَّتِي رَوَاهَا أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَشْهَرِ الْعَلَامَاتِ فِي الْحَدِيثِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي عَلَامَاتِهَا: «أَنَّهَا لَيْلَةٌ بَلْجَةٌ مُنِيرَةٌ» وَهِيَ سَاكِنَةٌ لَا قَوِيَّةُ الْحَرِّ، وَلَا قَوِيَّةُ الْبَرْدِ، وَقَدْ يَكْشِفُهَا اللَّهُ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي الْمَنَامِ، أَوْ الْيَقِظَةِ. فَيَرَى أَنْوَارَهَا، أَوْ يَرَى مَنْ يَقُولُ لَهُ هَذِهِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ، وَقَدْ يُفْتَحُ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْأَمْرُ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.مجموع الفتاوى (25/248).
فلما راجعت كلام شيخ الإسلام الآنف وجدت فيه أنه يشير إلى أنه من الممكن أن ترى في اليقظة لمن وفقه الله تعالى كما نقلتم في بحثكم عن الشيخ ابن باز رحمه الله
فأرجو تنفيذ هذه الشبه وإن كنت أعتقد أن جوابها هو بالرجوع للصاحبة رضوان الله عليهم هل ثبت عن بعضهم أنه رآها وأخبر بذلك فإذا لم يثبت عنهم ولم أكرم الخلق على الله وأهل لكل كرامة فغيرهم من باب أولى ، ولكن صاحبي مازال متمسكا بتلك الشبه فأرجو التوضيح- بارك الله فيكم - ونفع الأمة بعلمكم ..))ـــــــــــــــــــــــ فأجاب العلامة عبيد الجابري ـ حفظه الله تعالى ـ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
دفع تعقب المتعقب:
من عبيد الجابري إلى الأخ في الله أبي بكر يوسف لعويسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهوبعد
فقد نظرت وتأملت جيدا ما نقلتموه عن المعترض على مقالنا "إسعاف ذوي البصيرة والبصر بالتحذير من أمر خطير يشاع حول ليلة القدر" وبعد النظر رأيت اختصارا للحديث أن يكون جوابنا على ذلك التعقب من وجهين:
أحدهما مجمل، والأخر مفصل.
أما المجمل: فإن ما نقله صاحبك عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هو مجرد استنباط واجتهاد من شيخ الإسلام غير مستندٍ على نصٍ، أو نقل عن الصحابة، فالمعوَّل عليه والواجب اعتباره عند أهل التحقيق هو النص، لا مجرد الاجتهاد، ومن المأثور عن الأئمة " لا اجتهاد مع النص"، ويقولون أحيانا "ليس لأحد قول بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وأما المفصل: يتضمن خمسة أمور:
· أحدها: من مميزات أهل السنة والجماعة عرض ما يرِد عليهم من الأقوال والأعمال على ميزانين وهما النص والإجماع، فما وافق نصًا أو إجماعًا من الأقوال والأعمال قُبل، وما خالف نصًا أو إجماعًا رُدَ على من جاء به كائنًا من كان.
ثم إن كان هذا المخالف صاحب سنة حُفظت كرامته، وصين عرضه، وقيل في تلك المخالفة هي زلة عالم.
· الثاني: ليعلم كل مسلم أن الأصل في النصوص هو إرادة الظاهر المتبادر إلى الذهن منها عند الإطلاق وفق اللسان العربي.
وإيضاح ذلك في الأمثلة الآتية:
- الأصل في الأمر الوجوب ما لم يصرفه صارف.
- والأصل في النهي التحريم ما لم يصرفه صارف.
- والأصل في العموم عمومه حتى يأتي المخصص.
- والأصل في المطلق بقاءه على إطلاقه حتى يأتي مقيده.
يفقه ذلك من كانت له معرفة بعلم الأصول.
· الثالث: في حديث أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي العَشْرِ الأَوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ، فَاعْتَكَفَ عَامًا، حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنَ اعْتِكَافِهِ، قَالَ: «مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي، فَلْيَعْتَكِفِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ، وَالتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ»، فَمَطَرَتِ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ وَكَانَ المَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ، فَوَكَفَ المَسْجِدُ، فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ المَاءِ وَالطِّينِ، مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ([1]).
فانظر يا رعاك الله إلى قوله صلى الله عليه وسلم " وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا"، أليس هذا نصًا صريحًا بأن الله سبحانه وتعالى أخفى رؤية هذه الليلة عن رسوله صلى الله عليه وسلم بما أنساه إياها، والأمة تبع له قطعا.
وما هذا سبيله من الأخبار لا يمكن الوصول إليه إلا بحجة يجب التسليم لها، وتلك الحجة إما أية صريحة من الكتاب الكريم أو حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بمجرد الاجتهاد والاستنباط.
· الرابع: لو قال قائل يعترض عليكم بما قاله الألباني جوابا على سؤال:
[ذلك أمر وجداني يشعر به كل من أنعم الله تبارك وتعالى عليه برؤية ليلة القدر، لأن الإنسان في هذه الليلة يكون مقبلا على عبادة الله عز وجل وعلى ذكره والصلاة له، فيتجلى الله عز وجل على بعض عباده بشعور ليس يعتاده حتى الصالحون لا يعتادونه في سائر أوقاتهم.
فهذا الشعور هو الذي يمكن الاعتماد عليه بأن صاحبه يرى ليلة القدر والسيدة عائشة رضي الله عنها قد سألت الرسول صلى الله عليه وسلم سؤالاً ينبئ عن إن كان شعور الإنسان برؤيته ليلة القدر حينما توجهت بسؤالها للنبي عليه الصلاة والسلام]([2]) فذكر الحديث إلخ...
- فالجواب: عن هذا أن ما ذكره المحدث الألباني رحمه الله ليس ببعيد عما نقله المتعقب قبل عن الإمام ابن تيمية رحمه الله، وقد مضى الجواب عنه.
· الخامس: لو كانت رؤية ليلة القدر ممكنة لذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذ لم يذكره مع قيام المقتضي عُلم أنه لا يمكن رؤيتها، ومن القواعد المقررة في علم الأصول (لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة) فهل ثمة حاجة أعظم من قيام المقتضي لذكر رؤية هذه الليلة.
فبلغ صاحبك مني السلام، ووصيتي له أن يهتم بالنصوص ومعرفة فقهها، وما أشكل عليه من ذلك فليسأل أهل العلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتبه
عبيد بن عبد الله بن سليمان الجابري
المدرس بالجامعة الإسلامية سابقا
وحرر
صباح الثلاثاء الرابع والعشرين من شهر رمضان عام خمسة وثلاثين وأربعمئة وألف
وكان ذلك بالمدينة النبوية
([1]) متفق عليه: البخاري كتاب الاعتكاف باب الاعتكاف في العشر الأواخر، والاعتكاف في المساجد كلها برقم (2027)، مسلم كتاب الصيام باب استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعا لرمضان برقم (1167).
([2]) شرح كتاب الصيام من بلوغ المرام شريط مفرغ من موقع الشيخ رحمه الله.
م:سحاب السلفية .