ولذا يا إخوة أحببتُ أن أَذكر شيئا يسيرا من فقه الفتن وأذكر الرسوخ في هذا.
وأعظم أصول الفتن جمعها النبي –صلى الله عليه وسلم- في وصية، وما أعظم الوصية عندما تكون ممن تحب، فكيف إذا كانت الوصية من أعظم من تحب من البشر؟ كيف إذا كانت الوصية ممن تحبه أعظم من محبتك لنفسك والناس أجمعين؟ كيف إذا كانت الوصية ممن تعلم أنه بك رؤوف رحيم –صلى الله عليه وسلم-؟ النبي –صلى الله عليه وسلم- لمّا وَعَظَ الصحابة موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقالوا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودّع فأوصنا، قال ماذا؟ قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد فإنّ من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإنّ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)).
هذه الأصول الثلاثة أعظم أصول فقه الفتن.
-الأصل الأول: تقوى الله.
-والأصل الثاني: السمع والطاعة لمن ولاه الله أمرنا ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم.
-والأصل الثالث: لزوم السنة والحذر من البدعة.
أما الأصل الأول وهو تقوى الله فلا إله إلا الله ما أعظم هذه الكلمة، قليلة المبنى لكنها عظيمة المعنى، ما من خير في الدنيا والآخرة إلا وهو تحت راية التقوى، لكنّ مرادي هنا أيها الإخوة أن أتكلم عن علاقة التقوى بالسلامة من الفتن.
الله –عز وجل- يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}[الطلاق:2] يقول ابن عباس –رضي الله عنهما-: يجعل له مخرجا من كل ضيق في الدنيا والآخرة. فالذي يتق الله على وجه الحقيقة يجعل الله له مخرجا من المضايق، ومن تلك المضايق مضايق الفتن.
وتقوى الله: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
وأضرب لكم مثالا واحدا أُبيّن فيه كيف أنّ تقوى الله –عز وجل- مخرج من الفتن. لنأخذ مثالا فتنة التكفير وإطلاق اللسان في تكفير المسلمين في خاصتهم من الأمراء والحكام والعلماء أو في عموم المسلمين.
المسلم إذا اتقى الله في إخوانه واتقى الله في لسانه يكون ذلك عونا له –بإذن الله- على السلامة من هذه الفتنة العظيمة. فالمسلم إذا سمع إنّ أخاه المسلم -سواء كان حاكما أو فردا من الناس- قال كفرا أو فعل كفرا؛ لا يفرح بهذا الكلام وينشره ويُظهِره بل يتق الله في أخيه، فيتثبَّت أولا هل صدر هذا الفعل من هذا الرجل؟ وهل صدر هذا القول من هذا الرجل؟ ولا يخلو الأمر من ثلاث أحوال:
-إما أن يثبت أنه لم يصدر منه.
-وإما أن يكون محل شك.
-وإما أن يثبت أنه صدر منه.
فإن ثبت أنه لم يصدر منه قال: الحمد لله الذي نجّا أخي من هذا الأمر العظيم، وفرح بهذا.
وإن شك، فالأصل في المسلم الإسلام وعند الشك يعاد إلى الأصل فيقال: الأصل أنه لم يقل ولم يفعل.
طيب إن ثبت أنه قال هذا القول أو هذا الفعل هل يبادر بتكفيره؟ الجواب: لا، بل يتق الله في أخيه وفي دينه هنا، فينظر هل هذا القول عند العلماء مكفِّر؟ وهل هذا الفعل عند العلماء مكفِّر؟ لأنه ليس كل ما قال الناس أنه مكفر يكون مكفرا، بل لابد من الرجوع إلى كلام أهل العلم في المسألة، فإن قال العلماء إنه ليس مكفرا فإنه في هذه الحال يقول: الحمد لله الذي لم يجعل أخي يقع في الكفر، وإن ثبت أنه مكفر هل يسارع بتكفير أخيه؟ لا، بل يتمسك بتقوى الله في أخيه وفي ديانته فينظر هل هذا الفعل المكفر أو القول المكفر الذي صدر منه تجتمع في حقه الشروط وتنتفي الموانع أو لا؟ فإذا وجد أنّ الشروط لا تنطبق عليه وأنّ فيه موانع فإنه يتق الله فيه ولا يكفره، لِمَ؟ لأنّ العلماء يا الإخوة يقولون: فرقٌ بين وَصْف الكفر وبين وَصْف الفاعل بالكفر، قد يوصَف الفعل بالكفر لكن لا يوصَف الفاعل بالكفر؛ لوجود مانع.
ولهذا صور كثيرة، ومن ذلك نذكر شيئا واحدا أو اثنين، من ذلك مثلا: قصة الرجل الذي كان من الأمم التي كانت قبلنا، فظلم نفسه وأسرف على نفسه بالذنوب، ثم لمّا حضرته الوفاة ماذا قال؟ قال لأبنائه: إن أنا مت فحرِّقوني ثم دقوني ثم ذُرّوني في الهواء، لماذا؟ يقول: فوالله لئن قدر الله عليّ ليعذّبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين، يقول: أنا أسرفت على نفسي بالذنوب فأحرقوني فإذا بقي مني شيئا فلا تتركوه بل دقوه ثم ذرُّوه حتى يتفرق، قال: فوالله لئن قدر الله عليّ- كأنه ظن أنّ الله لن يقدر عليه إذا فُعِل به هذا- فوالله لئن قدر الله عليّ ليعذّبني عذابا ما عذبه أحدا من العالمين، فبعثه الله –عز وجل- فسأله عما حمله على هذا؟ فقال: خوفك يا ربي، ذُهِل، فأدخله الله الجنة. ولو كان كافرا ما رأى الجنة قط ولكنه في هذه الحال قال العلماء: غلب الخوف على عقله فلم يدرك حقيقة ما يقول.
ولذلك أذكر لكم الصورة الثانية: قبل تحريم الخمر كان حمزة –رضي الله عنه- مع بعض أصحابه في بيت وشربوا الخمر، وكانت هناك راحلتان لعلي –رضي الله عنه-، ولم يكن في البيت سوى التمر ونحو هذا ولم يكن هنالك لحم، فقال بعض القوم لحمزة: أنأكل من هذا الطعام ورواحلكم عند الباب؟ فذهب حمزة ونحر الراحلة وأطعم القوم، فذهب علي –رضي الله عنه- إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- واشتكى، فجاء النبي –صلى الله عليه وسلم- فدخل على حمزة –رضي الله عنه- ومعه أصحابه وقد ثَمِل وكلمه في الأمر فماذا قال حمزة –رضي الله عنه-؟ قال: وهل أنتم إلا أَعْبُدٌ لأبي؟ يخاطب النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: من أنت حتى تكلمني؟ هل أنت إلا عبد عند أبي؟ هذا سب للنبي –صلى الله عليه وسلم-، قال الراوي: فعلم أنه ثَمِل فتركه وخرج، ولم يرتِّب عليه شيئا –صلى الله عليه وسلم-.
هب أنّ المسلم ثبت عنده أنّ هذا المسلم قال أو فعل وأنّ هذا مكفِّر وظهر له بعينه هو أنّ الشروط مجتمعة والموانع منتفية هل يبادر بتكفيره؟ نقول: لا، تحجزه تقوى الله عن هذا، فيحيل الأمر إلى أهله، يحيل الأمر إلى العلماء ويصدر عن رأي العلماء، ولا يسخر من العلماء ولا يطعن في العلماء ولا يستهزأ بالعلماء بل يحيل الأمر إلى أهله؛ لأنّ هذا الأمر العظيم إنما يعاد إلى أهل العلم.
فهذا مثال لأسلوب تقوى الله –عز وجل- في السلامة من الفتن. فالمؤمن إذا اتقى الله –عز وجل- لا يصدر عن هواه ولا يصدر عن عواطفه وإنما يصدر عن ماذا؟ عن مقتضى الحكم الشرعي.
وأما الأصل الثاني: فهو السمع والطاعة لولي الأمر ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم؛ لأنّ النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، فإنّ من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعَضوا عليها بالنواجذ)).
ولذلك يقول العلماء: من أصول السلامة من الفتن: أن يطيع العبد مَن ولّاه الله أمرَه في غير معصية الله مهما كان حاله"، مادام لم يأمر بمعصية الله، لِمَ؟ لأنّ النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمَر بمعصية فإن أُمِر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
يا إخوة.. ثبت في الصحيح أنّ رجلا قام للنبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: (يا رسول الله! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعوننا حقنا، فما تأمرنا؟ ) انظروا كيف السؤال: (أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم) السمع والطاعة (ويمنعوننا حقنا، فما تأمرنا؟) فأعرض عنه النبي –صلى الله عليه وسلم-، فسأل الرجلُ ثانية فأعرض عنه النبي –صلى الله عليه وسلم-، فسأل ثالثة فقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((اتقوا الله واسمعوا وأطيعوا))، ثم جاءت القاعدة التي يستصحبها المسلم فيسلم من الوقوع في الفتن: ((فإنّ عليهم ما حمِّلوا وعليكم ما حمِّلتم))، كل إنسان يشتغل بما حمّله الله إياه.
بعض الناس الذي يقوده للوقوع في الفتن: أنه يشتغل بما لم يُحمَّل، يشتغل بسياسة الدولة، يشتغل بما كلف الله به ولي الأمر، أنت لم يكلفك الله بهذا، ولذلك يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((فإنّ عليهم ما حمِّلوا وعليكم ما حمِّلتم)).
بل اسمع، ثبت في الصحيح أنّ النبي –صلى الله عليه وسلم يقول: ((يكون فيكم أمراء لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنتي، يقوم فيهم أناس قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس))، رأيتم الوصف هذا يا إخوة؟ هذا الوصف مَن يصفه؟ الرسول –صلى الله عليه وسلم-، (( أمراء لا يهتدون بهداي ولا يستنّون بسنتي)) ما بطانتهم؟ ((يقوم فيهم أناس قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس))، فيقول حذيفة –رضي الله عنه-: فما تأمرني يا رسول الله إن أدركتُ هذا؟ فماذا يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-؟ ((تسمع وتطيع للأمير وإن ضُرِب ظهرك وأُخِذ مالك)) أيّ أمير هذا يا إخوة؟ الذي وصفه النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه لا يهتدي بهداه ولا يستن بسنته وبطانته بطانة سوء. طبعا وهذا مقيّد بما ذكرناه سابقا في الحديث وهو: ما لم يأمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فإنه لا سمع له ولا طاعة في هذه المعصية.
ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم رأس الخير للإنسان، فلا جماعة إلا بإمام والفُرقة رأس الشر.
جاء عن حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه- قال: (كان الناس يسألون الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن الخير وكنتُ أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني، فقلتُ: يا رسول! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم))، فقلتُ: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم وفيه دَخَن))، قلت: وما دخنه؟ قال: ((قوم يستنّون بغير سنتي ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)) فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: ((نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها))، فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا، قال: ((نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)) فقلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني هذا؟ -ما هي النجاة؟- قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((تلزم جماعة المؤمنين وإمامهم)) -ما دام أن هناك جماعة قائمة ولو في قطر من الأقطار ولهم إمام تلزم جماعة المسلمين وإمامهم- فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ -يعني لا توجد لهم جماعة مطلقا ولا إمام، ما العمل؟- فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ((فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تَعَض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)).
وهذا ما عمل به السلف الصالح –رضوان الله عليهم-، وسأذكر لكم مثالا واحدا لهذا لضيق الوقت: يقول ابن عمر –رضي الله عنهما-: (خطب معاوية –رضي الله عنه- قال: "مَن كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليُطلِع لنا قرنه -يعني من كان يريد أن يتكلم في أمر الخلافة فليُطلِع لنا قرنه؛ فليتكلم- فلنحن أحق به منه ومن أبيه"، هذا قول معاوية –رضي الله عنه-، قال حبيب بن مَسلَمة لابن عمر –رضي الله عنه وعنهما-: فهلّا أجبته؟ قال عبد الله: فحَللتُ حُبْوَتي وهممتُ أن أقول: أحق بهذا الأمر منك مَن قاتلك وأباك على الإسلام -يعني الجواب يمكن أن يجيب لكن ما الذي منعه؟- قال: فخشيتُ أن أقول كلمة تفرِّق بين الجمع وتسفك الدم ويُحمَل عني غير ذلك فذكرتُ ما أعدّ الله في الجنان، فقال له حبيب: حُفِظتَ وعُصِمت. ما الذي رد ابن عمر –رضي الله عنه – أن يرد على معاوية؟ خشية تفريق الكلمة، فصبر ولم يجب؛ جمعا للكلمة على إمام المسلمين، وجمعا للكلمة على أمير المؤمنين. وهذا فيه كلام طويل للسلف.
ولذا يا إخوة من أصول الفتن: أنّ الفتنة إذا وقعت يلزم الإنسان إمام المسلمين وجماعة المسلمين.
الأصل الثالث الذي بيّنه النبي –صلى الله عليه وسلم-: لزوم السنة والحذر من البدعة.
فإذا جاءنا أمر أيها الإخوة فلننظر هل هو عتيق؟ هل هو قديم؟ هل كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وتناقله الأخيار بسلسلة من نور؟ أو هو حادث مخالِف للقديم؟ فإن وجدتَه قديما كان عليه النبي –صلى الله عليه وسلم – وأصحابه وسلف الأمة: فالزمه؛ فإنّ الخير هناك، وإن وجدته حادثا مبتدعا مخالفا لما كان عليه أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- وسلف الأمة: فاحذره؛ فإنّ الشر فيه، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- كما سمعنا في الوصية: ((فإنّ من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا))، وكلٌّ يقول: الحق عندي والخير عندي والسلامة عندي هلمّ إليَ، اليوم نرى أناسا متفرقين وكلٌّ يدعو إلى شيء يقول الحق عندي، ما هي السلامة؟ بيّنها النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها)) ثم قال الرسول –صلى الله عليه وسلم- كلمة عجيبة قال: ((وعَضوا عليها بالنواجذ)) النواجذ: داخلة الأسنان، لِمَ قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((عضوا عليها بالنواجذ))؟ قال العلماء: لتعلم يا عبد أنك إن تمسكت بالسنة فهناك من يجذبك عنها ويريد أن تترك السنة؛ فلا تطعه بل تمسك بها، فالإنسان إذا كان هناك شيء يُسحَب منه يعض عليه بأسنانه حتى لا يؤخَذ منه، ومعنى هذا: أُثبُتْ يا عبد الله على السنة مهما اتُّهِمتْ ومهما حاول المزخرِفون أن يصرفوك عن السنة، هذا ما بيّنه النبي –صلى الله عليه وسلم- ثم قال: ((وإياكم ومحدَثات الأمور فإنّ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)).
في هذا الباب روى أبو داود أنّ معاذ بن جبل كان لا يجلس مجلسا للذكر حين يجلس إلا قال: (الله حكم قسط، هلك المرتابون، هلك المرتابون)، ثم قال معاذ بن جبل يوما: (إنّ وراءكم فتنًا يكثر فيها الباد، ويُفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر، فيوشك قائل أن يقول: مالِ الناس لا يتبعوني؟) لِمَ لا أكون إماما بين الناس وأنا حافظ للقرآن؟ لِمَ لا أصبح إماما والناس تتبعني؟ هذا معنى قول معاذ –رضي الله عنه- (فيوشك قائل أن يقول: مالِ الناس لا يتبعوني وقد قرأتُ القرآن، ما هم متبعيَّ حتى أبتدع لهم غيره) يعني لن أكون إماما إلا إذا ابتدعتُ لهم شيئا، قال: (فإياكم وما ابتُدِع، فإنّ ما ابتُدِع ضلالة، وأُحذِّركم زَيغة الحكيم فإنّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم).
ولذا يا إخوة.. يتواصى السلف بلزوم السنة والحذر من البدعة.
هذه الأصول الثلاثة يا إخوة أعظم أصول فقه الفتن على الإطلاق:
1-تقوى الله.
2-لزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والسمع والطاعة للإمام في غير معصية الله.
3- ولزوم السنة والحذر من البدعة.
وهذا إنما يكون إذا لزم الإنسان العلم والعلماء وصَدَرَ عن كلام أهل العلم الأثبات، فإنّ العلم الصحيح المبني على كتاب الله وعلى سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- فيه الخير كله.
ولذا الإمام السعدي –رحمه الله- يقول:
اعلم هُدِيتَ أنّ أَفضل المِنَنْ علمٌ يُزيل الشك عنك والدَّرَنْ
اعلم أيها المؤمن أنّ أعظم نعم الله عليك بعد الإسلام: علم، ما فائدة العلم؟ يزيل الشك عنك، فيزيل عنك الشبهات، والدرن: يعني وسخ المعاصي والذنوب.
فينبغي أيها الإخوة أن نلزم هذه الأصول وأن نتفقه فيها.
والباب في الحقيقة واسع وهناك أصول كثيرة قد أخذتها وأعددتها من لسان أهل العلم لكن هذه الأصول التي ذكرتها هي أصول الأصول، والوقت كفى لإيرادها، فلعلي أكتفي بما ذكرته منها.
وأوصي نفسي وإخواني بتقوى الله –عز وجل- وألا نصدر عن العواطف العواصف؛ فإنّ الله ما كلّفنا بهذه العواطف؛ وإنما كلّفنا بما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم-، فنلزم ما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم- وإن زخرفت لنا أنفسنا الأمّارة بالسوء غير هذا، وإن زخرف لنا المبطِلون غير هذا، وإن قيل لنا إنّ الخير والحق والنصرة والعزة في غير هذا، فوالله الذي لا إله إلا هو إنه لا خير ولا نصرة ولا عزة ولا فخر ولا قوة إلا بالتمسك بما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم- كما فهمه خير الأمة، وصدق الإمام مالك –رحمه الله- حيث يقول: "إنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أَصلح أولها".
أسأل الله –عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجمع قلوب المسلمين على الهدى والسنة، وأن يكفيهم شر الفرقة والفتنة، وأن يبارك في هذا الكلام وفي قائله وفي سامعه وفي المكان الذي قيل فيه وفي البلد الذي قيل فيه.
والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.