بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للمصور الكريم ، الخالق المهيمن العظيم ، الحمد لله الذي كرم الإنسان فخلقه في أحسن تقويم ، فتبارك الله أحسن الخالقين ، الحمد لله الذي أعطى كل شيء خلقه مما يستحق من تسوية وجمال ، الحمد لله الذي زين وجوه الرجال باللحى ، والنساء بالذوائب ، وله في ذلك الحكمة البالغة سبحانه وتعالى ، ثم الصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا .
وبعد :
لقد ابتلي كثير من المسلمين بالتشبه بالكفار والتقليد لهم في أمور مخالفة لدينهم الحنيف الذي أكرمهم الله تعالى به ، وخاصة طائفة منهم يعدون القدوة لغيرهم ، فقد ابتلي كثير من أئمة هذا الزمان بحلق اللحى ، والتزين بزينة النسوان ، والتشبه بالمجوس الكفار ، وما علموا أن حلقها عند عامة النّاس قبيح وأقبح منه أن يحلقها من هو قدوة وإمام ، وإنيّ والله لأعجب لبعضهم يتقدم ليصلي بالنّاس ووراءه من عوام النّاس الكثير ممن أرخوا لحاهم وهو لا يستحي أن يصلي بهم وهو حليق يكاد يسلخ جلدة وجهه بالموسي وكأنه رومي أو مجوسي ، ويزيد الطين
بلة حين يجيبك وأنت تنهاه عن هذا الفعل القبيح بقوله : اللحية سنة يؤجر فاعلها ولا يأثم حالقها ، وهذا عذر أقبح من ذنب ، لأنه يزعم أنه طالب علم ومتعلم ، ولم يعلم أن السنة بالمعنى المستحب لا يقال في تركها حرام ، فلو كانت اللحية مجرد مستحب لا يقال في حلقها حرام ، والقول بكراهية حلقها، واستحباب تركها لم أجد له قائلا من السلف الماضين ومن المتأخرين ممن يعتد بخلافه ، وإنما هو قول ضعيف في مذهب الشافعية ، يعتمدون فيه على حديث ضعيف باطل لا يصح رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أما باقي الشافعية فهم مع الجمهور وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم حلقها ويتفق الأئمة الأربعة على ذلك .
قال النووي في شرح صحيح مسلم (3/ 151) وهو يحكي مذهب الشافعية : وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَفِّرُوا اللِّحَى فَحَصَلَ خَمْسُ رِوَايَاتٍ أَعْفُوا وَأَوْفُوا وَأَرْخُوا وَأَرْجُوا وَوَفِّرُوا وَمَعْنَاهَا كُلُّهَا تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أَلْفَاظُهُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ.
واللحية من السنن الواجبة وليست من المستحبة في شيء ، وقد ورد الأمر بها في كثير من الأحاديث ، والأمر عند الأصوليين يقتضي الوجوب إلا إذا دلت قرينة تصرفه من الوجوب إلى الاستحباب ، وهنا في الأمر بتوفير اللحية وإرخائها لا توجد أي قرينة لصرفها من الوجوب ؛ بل يوجد عكس ذلك تماما ، توجد قرينة تؤكد الوجوب وهي فعله صلى الله عليه وسلم ، فلم يثبت عنه أنه حلق لحيته ولو مرة واحدة لا في نسك ولا في غيره .. وكذلك إقراره ، فاجتمع في وجوبها الأمر والفعل والإقرار ، وعلى هذا الإجماع .
وكذلك خلفاؤه الراشدون ، وكذلك أصحابه وإنما وردت بعض الآثار عنهم في الأخذ منها إذا كانت طويلة ومشوشة ، ما زاد عن القبضة ، أما حلقها فلم يثبت عنهم في ذلك شيئا والخير كل الخير في اتباع من سلف ..
وحلق اللحية اجتمع فيه سبعة معاصي كلها من الكبائر ، بل إن حلقها أشد من تعاطي الدخان وشرب الخمر والزنا لأن تلك الذنوب يمكن أن يستتر بها صاحبها ، وهو يعلم أنها معاصي ، وأنه عاصي ..
أما حليق اللحية فلا يستطيع أن يستتر بها ففي حلقها مجاهرة بالمعصية وذلك فسق .
عن أبي هُرَيْرَةَ، قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ المُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَيَقُولَ: يَا فُلاَنُ، عَمِلْتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ )). البخاري (6069) ومسلم (2990).
هذا أولا وثانيا : أنه يعتقد أن حلقها لا إثم فيه ، ولا مؤاخذة في ذلك مع أن الأمر بالعكس تماما ؛ فلم يعلم صحابنا الحليق قيمة اللحية التي يجلس أمام المرآة ولسان حاله يقول لربه إن الصورة التي خلقتني عليها قبيحة ولا تليق بي فلا بدمن تغييرها وتحسين صورتي ، تلك اللحية التي حلقها ورمى بها في القمامة لو قام رجل آخر واعتدى عليه فحلق لحيته بالقوة بحيث لم تبنت بعدها لحكم عليه في الشرع بدفع دية إنسان كاملة .
هذه هي قيمة اللحية ،في شرع رب العالمين وهي من شعار أهل الإسلام وأهل الاستقامة ، ولا ننظر إلى من يرخيها ويرتكب المعاصي أنه غير مستقيم ، كلا ، بل هو مستقيم وإن فعل المنكرات لأنه غير معصوم ، ومن يرخيها ويقع في الذنوب والمعاصي خير ممن يحلقها ويقع حتما في المعاصي.
واللحية هي التي تميز الرجل من المرأة ، حيث أن الله تعالى زين وجوه الرجال باللحى ، فنسأل حليق اللحية هذا السؤال وننتظر منه الجواب ، لماذا يا أخي جعل الله الشعر في وجه الرجل دون المرأة ؟؟
وإذا كان جوابك أنك ترى أن وجودها يُقبح جمال وجهك ويشينك ، فاحلق أيضا شعر حاجبيك وشفر عينيك ورأسك ، احلق كل ذلك معا وانظر إلى صورتك بعدها وسترى الفارق وأنك لو خرجت أمام النّاس كذلك لعدوك مجنونا أو معتوها ...
وإليك أخي الكريم تلك المعاصي التي في حلق اللحية عساك أن تراجع نفسك وتقلع عن معصية ربك وترضيه ولو سخط عنك جميع الخلق ، فاعلم أن مرضاة النّاس كافة غاية لا تدرك ، وان مرضاة الله تعالى غاية تدرك فاسعى لما تدركه واترك عنك ما لا يدرك .
1 - مخالفة أمره -صلى الله عليه وسلم - وقد قال تعالى :{ فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم}.
وقال تعالى :{ وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } وقال صلى الله عليه وسلم : ((وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري )) علقه البخاري وأوصله الحافظ ابن حجر في تغليق التغليق بسند صحيح .
2- الحلق لها ، فالرسول يأمر بتوفيرها وإرخائها وإعفائها ويستنكر على من حلقها وهو يحلقها ، فهل هذا يحب النبي - صلى الله عليه وسلم - حبا صحيحا حقيقيا وهو يخالف أمره ويحلق لحيته ، وكذلك هو مخالف للاتفاق الذي عليه العلماء ..
فتوفير اللحية واجب وتركه حرام باتفاق ممن يعتد به من العلماء في الخلاف ، وقد نقل غير واحد من أهل العلم الإجماع على تحريم حلقها ...
وقبل الإجماع ورد الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم وتكرر في غير ما حديث وهو يفيد الوجوب ولا توجد قرينة تصرفه من الوجوب إلى الاستحباب .
3- الإصرار على الحلق ، فالإصرار على المعصية معصية أخرى كبيرة ، قال تعالى : { ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون } فالإصرار على الذنب ذنب آخر .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِيَّاكُمْ وَمُحَقَّرَاتِ الذُّنُوبِ، فَإِنَّهُنَّ يَجْتَمِعْنَ عَلَى الرَّجُلِ حَتَّى يُهْلِكْنَهُ " وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُنَّ مَثَلًا: كَمَثَلِ قَوْمٍ نَزَلُوا أَرْضَ فَلَاةٍ، فَحَضَرَ صَنِيعُ الْقَوْمِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْطَلِقُ، فَيَجِيءُ بِالْعُودِ، وَالرَّجُلُ يَجِيءُ بِالْعُودِ ، حَتَّى جَمَعُوا سَوَادًا، فَأَجَّجُوا نَارًا، وَأَنْضَجُوا مَا قَذَفُوا فِيهَا . وفي رواية ((وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه)).
أخرجه أحمد(3818) وغيره وهو حديث صحيح أنظر السلسلة الصحيحة (389و3102) وصحيح الجامع (2686-2687).
قال السندي: قوله: ومحقرات الذنوب: بفتح القاف المشددة، أي: صغائرها.
يهلكنه: إما لأن اعتيادها يؤدي إلى ارتكاب الكبائر، من حام حول الحمى يوشِك أن يقع فيه، فيكون الهلاك بالكبائر التي تؤدي إليها الصغائر.
وإما لأن تكفير الصغائرِ عند اجتناب الكبائر جائز لا واجب، كما ذكر كثير من أهل العلم، وإن كان ظاهر القرآن يقتضي خلافه، فبين الحديث أنهن إذا كثرن يخاف عدم المغفرة.
وإما لأن اعتيادها يؤدي إلى قِلةِ المبالاة بها، أو هو يوجب الهلاك.
وإما لأن الإصرار على الصغيرة كبيرة، وهو محمل الحديث.
والأقرب أن الحديث يدل على أن الإصرار على نوع الصغيرة أيضاً كبيرة، وإن لم يصر على صغيرة واحدة بعينها، وهذا هو ظاهر المثل المذكور.انتهى كلامه
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: " الْغِرَّةُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُصِرَّ الْعَبْدُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَيَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ..." الزهد لابن المبارك .
4- المجاهرة بها ، حيث لا يمكن أن يستتر عن أعين النّاس بهذه المعصية ،عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : (( كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من المجانة أن يعمل الرجل عملا بالليل ثم يصبح وقد ستره الله. فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه )). متفق عليه
5- تغيير خلق الله ، وذلك من عمل الشيطان ووحيه أخبرنا تعالى أنه قال لربه : { وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا }(119)النساء.
فهذا نص صريح في أن تغيير خلق الله دون إذن منه تعالى إطاعة لأمر الشيطان وعصيان للرحمن جل جلاله .
6- التشبه بالكفار والمجوس ، فهذه عادة وردت إلينا من الكفار ولم يكن يعرف في سلف أمتنا حلق اللحية إلى عهد قريب والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : (( من تشبه بقوم فهو منهم ))أنظر له الإرواء(1229) فقد حكم عليه بالصحة وكذلك هو صحيح الجامع (2831).
فقد دخل رجلان من المجوس على النبي صلى الله عليه وسلم وهما قد حلق لحاهما وترك شاربهما فلما رآهما اعرض عنهما .
ففي تاريخ الطبري(2/ 296) حديث طويل وفيه (( ...وَكَانَا قَدْ دَخَلا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ حَلَقَا لِحَاهُمَا وَأَعْفَيَا شَوَارِبَهُمَا - " فَكَرِهَ النَّظَرَ إِلَيْهِمَا , وَقَالَ: ((وَيْلَكُمَا ، مَنْ أَمَرَكُمَا بِهَذَا؟ ))، قَالا: أَمَرَنَا بِهَذَا رَبُّنَا -يَعْنِيَانِ كِسْرَى- فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( لَكِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي بِإِعْفَاءِ لِحْيَتِي ، وَقَصِّ شَارِبِي )) وحسنه الألباني في فقه السيرة (ص359).
7- التشبه بالنساء فلحق اللحية مع الشارب هي زينة النسوان ، فالله تعالى كرم الرجل وجعل في وجهه شعرا فرق به بينه وبينة المرأة وزينه به وكانت العرب تعد الأمرد الذي لا شعر على وجهه ناقص الرجولة فاللحية من سمات الرجولة يذهب الواحد باختيار ودون إكراه من أحد فيرم رجولته في القمامة ويخرج للناس متشبها بالنّساء والطامة أنه يؤم النّاس ولا يستحي وكان بعض العلماء يرى عدم جواز الصلاة وراء حليق اللحية فهل ينتهي هؤلاء الأئمة القدوة للنّاس ، كان المفروض هم من يدعون العوام إلى توفير لحاهم
وإعفائها ولكن للأسف نرى العكس ثم تمسع الواحد منهم يقول : أيها الناس خافوا الله في ذكر الله في بيت الوضوء مع أن هذه المسألة أجازها رسول الله فالمتوضئ لما ينتهي من وضوئه يذكر الله هناك ، وأيضا إذا أراد أن يدخل الخلاء ذكر الله ودعا بالمأثور فيه ، فما هو وجه التفريق بينه وبين الاستجابة للمؤذن أو الآذان في الجوال ؟؟
وتسمع الكثير منهم يقول في دعائه في دروسه أو خطبه : اللهم اجعلني ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وهو أول من يرمي بالأمر ولا يتسمع القول المأمور به ولا يتبع أحسنه بل يتبع أشينه بمعصيته للنبي صلى الله عليه وسلم ومخالفة أمره ..
فحلق اللحية -للرجل- حرام بإجماع من يُعتد بخلافه من أهل العلم، لأن في خلقها تغييرًا لخلق الله، وطاعة للشيطان، ومخالفة لأمره - صلى الله عليه وسلم بإعفائها وإرخائها، ومشابهة للكفار، ومشابهة للنساء، وهذه كلها آثام بعضها فوق بعض ..
ولو كان هؤلاء يحبون النبي صلى الله عليه وسلم لكانوا أحرص النّاس على سنته حتى لو كانت مستحبة ،لأن فيها الأجر والثواب ، والقرب منه يوم الحساب ، وربما كانت سببا في رجحان ميزان حسناته على سيئاته نسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا وأن يبصرنا بعيوبنا وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إن ربي سميع قريب مجيب .