الفوائد المستنبطة من الآية الكريمة

ففي هذه الآية فوائد ، منها: أن عيسى عليه الصلاة والسلام آخر الأنبياء ، لقوله: (( وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم )) وليس بعده نبي يقفوه إلا محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي عليه الصلاة والسلام . من فوائد هذه الآية الكريمة: أن من ليس له أب ينسب إلى أمه ، لأن الله تعالى ينسب إلى أمه لأنه ليس له أب . فإن قال قائل: ما مثال الذي ليس له أب ؟ قلنا له أمثلة منها: أن يزني رجل بامرأة فتأتي منه بولد ، فهنا الولد ليس للزاني، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( للعاهر الحجر ) فلا ينسب إلى الزاني ولا يرث منه ولا يرثه الزاني ولا يتحمل عنه العقد ولا غير ذلك ، المهم أن هذا ليس له أب . ومنها: أن يلاعن الرجل امرأته لاتهامه إياها بالزنا وينتفي من ولدها فيقول ليس الولد منه ، فحينئذ يكون له أم وليس له أب . واختلف العلماء رحمهم الله فيما لو استلحق الزاني الولد المخلوق من مائه وليس له معارض هل يلحق به أو لا ؟ فمنهم من قال إنه لا يلحق به لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: ( وللعاهر الحجر ) ومنهم من قال بل يلحق به إذا لم يكن له منازح لأنه ولده قدرا وليس له منازح شرعا فيلحق به شرعا كما هو منه قدرا ، وهذا هو القول الراجح، وأن الزاني إذا استلحق الولد الذي خلق من مائه وليس له منازح فإنه يلحق به، ولا ينافي هذا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) لأن الحديث صريح في أن هناك نزاعا بين صاحب الفراش والزاني ولهذا قال: ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) فإذا كانت امرأة بكرا زنى بحرج هل هناك فراش ؟ لا ، ليس هناك فراش واستلحق الولد الزاني فإنه لا مانع أن يلحق به ، لكن جمهور العلماء على أن ولد الزنا لا يلحق الزاني ولو استلحقه ، وكما علمتم أنهم استدلوا بعموم ( للعاهر الحجر ) ، وأن القول الثاني أنه إذا استلحقه الزاني ولا معارض له فإنه يلحقه وأجيب عن هذا الحديث بأن الحديث ظاهر في أنه عند التنازع يكون الولد للفراش وللعاهر الحجر . من فوائد هذه الآية الكريمة: أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يصدق بعضهم بعضا ، لقوله: (( مصدقا لما بين يديه من التوراة )) . ومن فوائدها: ثبوت نزول التوراة وأنها حق ، لأنه شهد بها أحد الرسل أولي العزم بأنها حق . ومن فوائد هذه الآية الكريمة: أن عيسى عليه الصلاة والسلام أنزل عليه الكتاب وهو الإنجيل ، وهو صريح قوله تعالى: (( وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس )) . فإن قال قائل: هل الإنجيل الموجود الآن في أيدي النصارى هو الإنجيل الذي نزل على عيسى؟ فالجواب: لا ، فيه ما فيه ، لأن النصارى وكذا اليهود ـ وهم أخبث من النصارى في الجرأة على الله ـ حرفوا في التوراة والإنجيل وكما قال عزوجل: (( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا )) .
العلامة محمد ابن صالح العثيمين -رحمه الله-