حجية خبر الواحد الصحيح إذا خالف القياس
تحرير محل النزاع في هذه المسألة :
الخلاف بين العلماء في حجية خبر الواحد الصحيح إذا خالف القياس الذي تكون علته مستنبطة من أصل قطعي ، وليس القياس مطلقا . عبد العزيز البخاري كشف الأسرار 2/377
وفيما يلي آراء العلماء في هذه المسألة :
1 - ذهب الشافعية والحنابلة وجمهور أئمة الحديث إلى ترجيح الخبر على القياس ، سواء كان الراوي عالما فقيها أو لم يكن ، بشرط أن يكون عدلا ضابطا . الآمدي الأحكام2/118 ابن النجار شرح الكوكب المنير 2/369
2 - وذهب الحنفية إلى أن خبر الواحد مقدم على القياس إذا كان راويه فقيها ، أما إذا كان راويه غير فقيه فالقياس عندهم مقدم على خبر الواحد . عبد العزيز البخاري كشف الأسرار 2/377
3 - وذهب المالكية إلى أن القياس مقدم على خبر الواحد مطلقا .القرافي شرح تنقيح الفصول ص387
وقد نفى ابن السمعاني أن يكون مذهب الإمام مالك تقديم القياس على خبر الواحد ، وقال بعد عزو هذا المذهب لمالك : " وهذا القول باطل سمج مستقبح وأنا أجلّ منزلة مالك عن مثل هذا القول ولا يدري ثبوته .
والراجح في هذه المسألة تقديم خبر الواحد على القياس لما يأتي :
1 - إن عمر بن الخطاب كان يقسم ديات الأصابع على قدر منافعها ، ثم تراجع عن ذلك لحديث الرسول عليه السلام هذه وهذه سواء يعني الخنصر والإبهام .
ولقوله عليه السلام : الأصابع سواء عشرة عشرة من الإبل .
2 - إن عمر بن الخطاب كان يرى أن الدية للعاقلة ، وأن المرأة لا ترث من دية زوجها بناء على أن الخراج بالضمان ، فكما أنها لا تسهم معه في دفع الدية إذا قتل غيره لا تأخذ من ديته إذا قُتِل ، ثم ترك رأيه رضي الله عنه عندما أرسل إليه الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وَرَّث امرأة أشيم الضبابي رضي الله عنه من دية زوجها .
3 - عن جابر أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ولكل واحدة منها زوج وولد ، فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة ، وبرأ زوجها وولدها ، قال : فقال عاقلة المقتولة : ميراثها لنا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، ميراثها لزوجها وولدها .
[ وعندما سمع عمر بن الخطاب بحديث الرسول هذا قال : " الله أكبر لو لم أسمع بهذا لقضينا بغير هذا" ] . رواه أبو داود في كتاب الديات باب دية الجنين 4/192 حديث رقم 4573
أي لقضى رضي الله عنه بالمعقول ولَقال : مَن يدفع الدية يأخذ التركة .
وقضاء عمر بما ثبت عن رسول الله بعد تراجعه عن رأيه وعدم إنكار ذلك من أحد من الصحابة يعد إجماعا منهم على تقديم الخبر الصحيح على المعقول والقياس .
4 - الخبر يقين بأصله ؛ لأن قول الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من الله ، لا احتمال للخطأ فيه وإنما الشبهة في نقل هذا الخبر ، أما القياس ففيه أكثر من شبهة ، فهو أولا يعتمد على الخبر غالبا ويحتمل خطأ المجتهد في إلحاق الفرع بالأصل ، ويحتمل خطأ المجتهد في معرفة العلة وغير ذلك . انظر أدلة تقديم خبر الواحد على القياس في : الشيرازي ، التبصرة ص317 - 318 . الرازي ، المحصول ج2 ق1 ، ص622 - 625 . الآمدي الأحكام 2 \ 119 - 120 . الشوكاني ، إرشاد الفحول ص56 .