النتائج 1 إلى 2 من 2
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Dec 2009
    الدولة
    في إحدى الدول
    المشاركات
    4,888

    افتراضي الرّوح هَل تَمُوت أم الْمَوْت للبدن وَحده ؟

    الرّوح هَل تَمُوت أم الْمَوْت للبدن وَحده

    اختلف النَّاس فِي هَذَا فَقَالَت طَائِفَة تَمُوت الرّوح وتذوق الْمَوْت لِأَنَّهَا نفس وكل نفس ذائقة الْمَوْت قَالُوا وَقد دلّت الْأَدِلَّة على أَنه لَا يبْقى إِلَّا الله وَحده قَالَ تَعَالَى (كل من عَلَيْهَا فان وَيبقى وَجه رَبك ذُو الْجلَال وَالْإِكْرَام) وَقَالَ تَعَالَى (كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه) قَالُوا وَإِذا كَانَت الْمَلَائِكَة تَمُوت فالنفوس البشرية أولى بِالْمَوْتِ قَالُوا وَقد قَالَ تَعَالَى عَن أهل النَّار أَنهم قَالُوا (رَبنَا أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ) فالموتة الأولى هَذِه المشهودة وَهِي للبدن وَالْأُخْرَى للروح .
    وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَمُوت الْأَرْوَاح فَإِنَّهَا خلقت للبقاء وَإِنَّمَا تَمُوت الْأَبدَان قَالُوا وَقد دلّت على هَذَا الْأَحَادِيث الدَّالَّة على نعيم الْأَرْوَاح وعذابها بعد الْمُفَارقَة إِلَى أَن يرجعها الله فِي أجسادها وَلَو مَاتَت الْأَرْوَاح لانقطع عَنْهَا النَّعيم وَالْعَذَاب وَقد قَالَ تَعَالَى (وَلَا تحسبن الَّذين قتلوا فِي سَبِيل الله أَمْوَاتًا بل أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين بِمَا آتَاهُم الله من فَضله ويستبشرون بالذين لم يلْحقُوا بهم من خَلفهم) هَذَا مَعَ الْقطع بِأَن أَرْوَاحهم قد فَارَقت أَجْسَادهم وَقد ذاقت الْمَوْت.
    وَالصَّوَاب أَن يُقَال موت النُّفُوس هُوَ مفارقتها لأجسادها وخروجها مِنْهَا فَإِن أُرِيد بموتها هَذَا الْقدر فَهِيَ ذائقة الْمَوْت وَإِن أُرِيد أَنَّهَا تعدم وتضمحل وَتصير عدما مَحْضا فهى لَا تَمُوت بِهَذَا الِاعْتِبَار بل هِيَ بَاقِيَة بعد خلقهَا فِي نعيم أَو فِي عَذَاب كَمَا سيأتى ان شَاءَ الله تَعَالَى بعد هَذَا وكما صرح بِهِ النَّص انها كَذَلِك حَتَّى يردهَا الله فِي جَسدهَا وَقد نظم أَحْمد بن الْحُسَيْن الكندى هَذَا الِاخْتِلَاف فِي قَوْله:
    تنَازع النَّاس حَتَّى لااتفاق لَهُم ... إِلَّا على شجب وَالْخلف فِي الشجب
    فَقيل تخلص نفس الْمَرْء سَالِمَة ... وَقيل تشرك جسم الْمَرْء فِي العطب
    فَإِن قيل فَعِنْدَ النفخ فِي الصُّور هَل تبقى الْأَرْوَاح حَيَّة كَمَا هِيَ أَو تَمُوت ثمَّ تحيا قيل قد قَالَ تَعَالَى وَنفخ فِي الصُّور فَصعِقَ من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله فقد اسْتثْنى الله سُبْحَانَهُ بعض من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض من هَذَا الصَّعق.
    فَقيل هم الشُّهَدَاء هَذَا قَول أَبى هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير.
    وَقيل هم جِبْرَائِيل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت وَهَذَا قَول مقَاتل وَغَيره.
    وَقيل هم الَّذين فِي الْجنَّة من الْحور الْعين وَغَيرهم وَمن فِي النَّار من أهل الْعَذَاب وخزنتها قَالَه أَبُو إِسْحَق بن شاقلا من أَصْحَابنَا.
    وَقد نَص الإِمَام أَحْمد على أَن الْحور الْعين والولدان لَا يمتن عِنْد النفخ فِي الصُّور وَقد أخبر سُبْحَانَهُ أَن أهل الْجنَّة (لَا يذوقون فِيهَا الْمَوْت إِلَّا الموتة الأولى) وَهَذَا نَص على أَنهم لَا يموتون غير تِلْكَ الموتة الأولى فَلَو مَاتُوا مرّة ثَانِيَة لكَانَتْ موتتان وَأما قَول أهل النَّار (رَبنَا أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ) فتفسير هَذِه الْآيَة الَّتِي فِي الْبَقَرَة وَهِي قَوْله تَعَالَى (كَيفَ تكفرون بِاللَّه وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ) فَكَانُوا أَمْوَاتًا وهم نطف فِي أصلاب آبَائِهِم وَفِي أَرْحَام أمهاتهم ثمَّ أحياهم بعد ذَلِك ثمَّ أماتهم ثمَّ يحييهم يَوْم النشور وَلَيْسَ فِي ذَلِك اماتة أَزوَاجهم قبل يَوْم الْقِيَامَة وَإِلَّا كَانَت ثَلَاث موتات وصعق الْأَرْوَاح عِنْد النفخ فِي الصُّور وَلَا يلْزم مِنْهُ مَوتهَا فَفِي الحَدِيث لصحيح ان النَّاس يصعقون يَوْم الْقِيَامَة فَأَكُون أول من يفِيق فَإِذا مُوسَى آخذ بقائمة الْعَرْش فَلَا أدرى افاق قبلى أم جوزى بصعقة يَوْم الطّور.
    فَهَذَا صعق فِي موقف الْقِيَامَة إِذا جَاءَ الله تَعَالَى لفصل الْقَضَاء وأشرقت الأَرْض بنوره فَحِينَئِذٍ تصعق الْخَلَائق كلهم قَالَ تَعَالَى (فذرهم حَتَّى يلاقوا يومهم الَّذِي فِيهِ يصعقون) وَلَو كَانَ هَذَا الصَّعق موتا لكَانَتْ موتَة أُخْرَى وَقد تنبه لهَذَا جمَاعَة من الْفُضَلَاء فَقَالَ أَبُو عبد الله القرطبى ظَاهر هَذَا الحَدِيث ان هَذِه صعقة غشى تكون يَوْم الْقِيَامَة لاصعقة الْمَوْت الْحَادِثَة عَن نفخ الصُّور قَالَ وَقد قَالَ شَيخنَا أَحْمد بن عَمْرو وَظَاهر حَدِيث النَّبِي يدل على أَن هَذِه الصعقة إِنَّمَا هِيَ بعد النفخة الثَّانِيَة نفخة الْبَعْث وَنَصّ الْقُرْآن يقتضى أَن ذَلِك الِاسْتِثْنَاء إِنَّمَا هُوَ بعد نفخة الصَّعق وَلما كَانَ هَذَا قَالَ بعض الْعلمَاء يحْتَمل أَن يكون مُوسَى مِمَّن لم يمت من الْأَنْبِيَاء وَهَذَا بَاطِل وَقَالَ القَاضِي عِيَاض يحْتَمل أَن يكون المُرَاد بِهَذِهِ صعقة فزع بعد النشور حِين تَنْشَق السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ فتستقل الْأَحَادِيث والْآثَار ورد عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاس القرطبى فَقَالَ يرد هَذَا قَوْله فِي الحَدِيث الصَّحِيح أَنه حِين يخرج من قَبره يلقى مُوسَى آخِذا بقائمة الْعَرْش قَالَ وَهَذَا إِنَّمَا عِنْد نفخة الْفَزع قَالَ أَبُو عبد الله وَقَالَ شَيخنَا أَحْمد بن عَمْرو الَّذِي يزيح هَذَا الاشكال إِن شَاءَ الله تَعَالَى ان الْمَوْت لَيْسَ بِعَدَمِ مَحْض وَإِنَّمَا هُوَ انْتِقَال من حَال إِلَى حَال وَيدل على ذَلِك أَن الشُّهَدَاء بعد قَتلهمْ وموتهم أَحيَاء عِنْد رَبهم يرْزقُونَ فرحين مستبشرين وَهَذِه صفة الْأَحْيَاء فِي الدُّنْيَا وَإِذا كَانَ هَذَا فِي الشُّهَدَاء كَانَ الْأَنْبِيَاء بذلك أَحَق وَأولى مَعَ أَنه قد صَحَّ عَن النَّبِي أَن الأَرْض لَا تَأْكُل أجساد الْأَنْبِيَاء وَأَنه اجْتمع بالأنبياء لَيْلَة الْإِسْرَاء فِي بَيت الْمُقَدّس وَفِي السَّمَاء وخصوصا بمُوسَى وَقد أخبر بِأَنَّهُ مَا من مُسلم يسلم عَلَيْهِ إِلَّا رد الله عَلَيْهِ روحه حَتَّى يرد عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يحصل من جملَته الْقطع بِأَن أَمُوت لأنبياء إِنَّمَا هُوَ رَاجع إِلَى أَن غَيَّبُوا عَنَّا بِحَيْثُ لَا ندركهم وَإِن كَانُوا موجودين جَاءُوا ذَلِك كالحال فِي الْمَلَائِكَة فَإِنَّهُم أَحيَاء موجودون وَلَا تراهم وَإِذا تقرر أَنهم أَحيَاء فَإِذا نفخ فِي الصُّور نفخة الصَّعق صعق كل من فِي السَّمَوَات وَمن فِي الأَرْض إِلَّا من شَاءَ الله فَأَما صعق غير الْأَنْبِيَاء فموت وَأما صعق الْأَنْبِيَاء فَالْأَظْهر أَنه غشية فَإِذا نفخ فِي الصُّور نفخة الْبَعْث فَمن مَاتَ حى وَمن غشى عَلَيْهِ أَفَاق وَلذَلِك قَالَ فِي الحَدِيث الْمُتَّفق على صِحَّته فَأَكُون أول من يفِيق فنبينا أول من يخرج من قَبره قبل جَمِيع النَّاس إِلَّا مُوسَى فَإِنَّهُ حصل فِيهِ تردد هَل بعث قبله من غَشيته أَو بقى على الْحَالة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قبل نفخة الصَّعق مفيقا لِأَنَّهُ حُوسِبَ بصعقة يَوْم الطّور وَهَذِه فَضِيلَة عَظِيمَة لمُوسَى وَلَا يلْزم من فَضِيلَة وَاحِدَة أفضليته على نَبينَا مُطلقًا لِأَن الشَّيْء الجزئي لَا يُوجب أمرا كليا انْتهى.
    قَالَ أَبُو عبد الله الْقُرْطُبِيّ ان حمل الحَدِيث على صعقة الْخلق يَوْم الْقِيَامَة فَلَا إِشْكَال وَإِن حمل على صعقة الْمَوْت عِنْد النفخ فِي الصُّور فَيكون ذكر يَوْم الْقِيَامَة يُرَاد بِهِ أَوَائِله فَالْمَعْنى إِذا نفخ فِي الصُّور نفخة الْبَعْث كنت أول من يرفع رَأسه فَإِذا مُوسَى آخذ بقائمة من قَوَائِم الْعَرْش فَلَا أدرى أَفَاق قبلى أم جوزى بصعقة الطّور.
    قلت وَحمل الحَدِيث ع لى هَذَا لَا يَصح لِأَنَّهُ ترد هَل أَفَاق مُوسَى قبله أم لم يصعق بل جوزى بصعقة الطّور فَالْمَعْنى لَا أدرى أصعق أم لم يصعق وَقد قَالَ فِي الحَدِيث فَأَكُون أول من يفِيق وَهَذَا يدل على أَنه يصعق فِيمَن يصعق وان التَّرَدُّد حصل فِي مُوسَى هَل صعق وأفاق قبله من صعقته أم لم يصعق وَلَو كَانَ المُرَاد بِهِ الصعقة الأولى وَهِي صعقة الْمَوْت لَكَانَ قد جزم بِمَوْتِهِ وَتردد هَل مَاتَ مُوسَى أم لم يمت وَهَذَا بَاطِل لوجوه كَثِيرَة فَعلم أَنَّهَا صعقة فزع لاصعقة موت وَحِينَئِذٍ فَلَا تدل الْآيَة على أَن الْأَرْوَاح كلهَا تَمُوت عِنْد النفخة الأولى نعم تدل على أَن موت الْخَلَائق عِنْد النفخة الأولى وكل من لم يذقْ الْمَوْت قبلهَا فَإِنَّهُ يذوقه حِينَئِذٍ وَأما من ذاق الْمَوْت أَو من لم يكْتب عَلَيْهِ الْمَوْت فَلَا تدل الْآيَة على أَنه يَمُوت موتَة ثَانِيَة وَالله أعلم.
    [الروح لإبن القيم طيب الله ثراه]
    قال أبو الدرداء -رضي الله عنه - : إني لآمركم بالأمر و ما أفعله ، ولكن لعلّ الله يأجرني فيه .
    سير أعلام النبلاء4/19.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Apr 2011
    الدولة
    شرق بلاد الجزائر الحبيبة
    المشاركات
    1,851

    افتراضي رد: الرّوح هَل تَمُوت أم الْمَوْت للبدن وَحده ؟

    جزاك الله خيرا على التوجيه والنقل لهده الفؤاد أخي أبوخالد...
    ثبتنا الله وإياك ورزقنا حسن الخاتمة ...أمين .


معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. [مقتطف] البيت سكن للبدن والزوجة سكن للنفس
    بواسطة أبو العز الكوني الليبي في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 04-Oct-2022, 08:04 AM
  2. المعصية والذنب تجلب الوهن والضعف للبدن
    بواسطة عزالدين بن سالم أبوزخار في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 16-Jul-2019, 09:08 AM
  3. ((القول الجاد في بيان مجازفات إبراهيم الشّمّري وشيخه الحداد)) الشيخ أبو عبد الأعلى خالد المصري ـ حفظه الله ـ
    بواسطة أبو هنيدة ياسين الطارفي في المنتدى منبر الرد على أهل الفتن والبدع والفكر الإرهابي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-Apr-2014, 12:36 PM
  4. فؤائد قيمة......من حديث شداد بن أوس رضى الله عنه..وصححه الألباني رحمه الله وغفر له
    بواسطة عبد الرحمن أبوإسحاق السلفي في المنتدى منبر العلوم الشرعية
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 23-Nov-2013, 12:24 PM
  5. قال ابن أبي العزِّ الحنفي رحمه الله تعالى: “القلب له حياة وموت، ومرض وشفاء، وذلك أعظم مما للبدن
    بواسطة أبو عبد المصور مصطفى الجزائري في المنتدى المنبــر الإسلامي العــام
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 05-Jul-2012, 11:06 AM

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •