تفريغ محاضرة صوتية قيمة


لفضيلة الشيخ :


عادل بن منصور


(أبو العباس)


بعنوان


(بهذا يهدم الإسلام ؟)


(2)



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله الأمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

فيسرنا في هذه الليلة المباركة إن شاء الله تعالى ، ليلة الثلاثاء السابع من شهر ربيع الآخر لعام واحد وثلاثين وأربعمائة وألف من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم ، أن نستضيف عبر الهاتف الشيخ عادل بن منصور المكنى ( بأبي العباس ) ، في تتمة لمحاضرة سابقة له في شرح أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( بهذا يهدم الإسلام ) ، نسأل الله عز وجل أن يجزي الشيخ خير الجزاء وأن يبارك في علمه وعمله ، فليتفضل الشيخ مشكوراً مأجورا .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله نحمده تعالى ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه و على آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين .

أما بعد :

فاستكمالاً لما تقدم أوسبق الحديث فيه في اللقاء الماضي ، حول أثر الفاروق أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين ، الذي رواه عنه الإمام الدارمي وغيره ( يهدم الإسلام زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وحكم الأئمة المضلون ) .
وسبق أيها الأخوة شيء من المذاكرة حول الأمر الأول وهو زلة العالم ، وقد تقدم الحديث عنها بما أرجوا أن ينفعني الله سبحانه وتعالى وسامعيه .
وإضافة على ما تقدم فيما يتعلق بزلة العالم أحب أن ألحق نقلين الأول لشيخ الإسلام ابن تيمية وما أكثر كلامه في هذا ، إذ يقول في مجموع فتاويه رحمه الله : ( وليس لأحد أن يتبع زلات العلماء ) ، والثاني ما أخرجه الخلال رحمه الله في كتابه الأمر بالمعروف عن سليمان التيمي رحمه الله تعالى وغفر له قال : ( لو أخذت برخصة كل عالم أو زلة كل عالم اجتمع فيك الشر كله ) .
وفي هذه الجلسة من المذاكرة معكم عبر الهاتف ، أتطرق إلى الخصلتين المتبقيتين من كلام عمر وبعض شواهدهما ، من القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أي ما يشهد بصحة هذه المقولة العظيمة .
وكذلك إلحاق به ما ذكره جمع من السلف منهم يوسف بن أسباط كما رواه اللالكائي والفضيل بن عياض كما رواه كذلك ابن نعيم بسند صحيح عنه قوله : ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) ، نسأل الله الإعانة على إكمال الكلام حول هذه الثلاث الخصال المتبقية بما ييسره ويفتح به جل وعلا ويوفق إليه ، فهو المعين ونعم المولى ونعم النصير سبحانه وتعالى .
الخصلة الثانية التي ذكرها عمر رضي الله تعالى عنه ، ( جدال المنافق بالقرآن ) ، والمنافق والنفاق كثير الحديث عنه في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم تحذيراً منه ومن شره ، وذكراً لصفات أهله ووخيم عاقبتهم في الدنيا والآخرة وأمراً بجهادهم بالحجة والبيان ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) ( 73 التوبة ) .
وإذا كان في أوائل سورة البقرة فإن الله جل وعلا ذكر في أوائلها أربع آيات في صفات أهل الإيمان وخصالهم ، وذكر آيتين في صفات الكفار وخصالهم والحديث عنهم ، وذكر ما تبقى من الآيات في صفات المنافقين ، وذكر ما تبقى من الآيات سبحانه وتعالى في صفات المنافقين ، وذلك لعظيم شرهم وعظيم خطرهم في داخل صفوف هذه الأمة ، وهكذا سور كثيرة منها سورة المنافقون وكذلك سورة براءة التي كانت تسمى الفاضحة ، لكثير من خبايا ونوايا وخطط وأساليب وصفات وتلونات وألاعيب المنافقين في صف هذه الأمة ، وسعيهم في إنهاكها وإضعافها وفي زحزحتها عن دينها واتخاذهم في ذلك أساليب مختلفة ، فكان خطرهم وضررهم عظيم لأنهم يتلبسون بالإسلام وبأحكام أهل الإسلام ، فيحتاجون إلى جهاد عظيم في الحجة والبيان ، في فضح أساليبهم وتحريفهم لكتاب رب العالمين ومجادلتهم بالقرآن الكريم .
وقد جاءت النصوص الكثيرة في سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، بالتحذير من النفاق وأهله وكذلك في بيان شرهم ، وهذه خلاصة ذكرها الفاروق لفهمه في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو فهم عظيم جليل أوتيه رضي الله عنه فهو المحدث الملهم .
أن المنافقين جدالهم بالقرآن مما يهدم الإسلام ، لأن كثيرين من العامة ومن ضحيلي العلم والتحصيل ومن دهماء المسلمين تنطلي عليهم شبه المنافقين ، وتنطلي عليهم محاججتهم بمتشابه القرآن وهم أصحاب فتنة وأهل أهواء ، وربنا جل و علا يقول : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) ( 7 آل عمران ) .
والنفاق كم هو متقرر عند أهل السنة مخالفين بذلك أهل البدع ، النفاق نفاقان : نفاق أكبر اعتقادي مخرج من الملة ، أهله الذين قال الله فيهم حاكماً عليهم يوم القيامة : ( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ) ( 140 النساء ) ، وأن القسم الثاني نفاق عملي أصغر لا يخرج صاحبه من الملة ، وإن كان يلحقه بالوعيد الشديد ويضعه تحت التهديد واستحقاق العذاب ، وهذا الذي ورد فيه صفات كثيرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ، ومن كانت فيه خصلة واحدة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ) ، هذا حديث عبد الله عمر في الصحيح ، وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : ( ثلاث من كن فيه كان منافقاً خالصا ) ، أو ( ثلاث من علامات النفاق ) ، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أيضاً في البخاري وغيره ،وكثير هي الأحاديث يذكر فيها وينص فيها على أن هذا من صفات المنافقين ، وهذا من أعمال المنافقين وغير ذلك من الأمور .
والنفاق العملي لا يوجب خروجاً من الإسلام ، وأكثر ما يوجد في صفوف أهل الأهواء والبدع ، بل إن كثيراً من أهل العلم نزلوا في حديث جدال المنافق بالقرآن على أهل الأهواء والبدع ومجادلتهم بالقرآن الكريم ، كما قال الفاروق : ( إن أهل الأهواء يجادلونكم بالقرآن فخذوهم بالسنن ، فإن أصحاب الحديث والسنن أعلم بكتاب الله جل وعلا وإن القرآن الكريم حمال وجوه ) أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه .
ولهذا فقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخاف على أمته ، خاف على أمته من منافق يكون عليم اللسان كما جاء ذلك من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكذلك من حديث عمران بن حصين عند الطبراني والبيهقي في الشعب ، ومن حديث عمر بن الخطاب وقد صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة برقم ألف وثلاثة عشر ، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( إن أخوف) كذلك عندما خطب عمر رضي الله تعالى عنه في الجابيَّة ، قال يعني وقفت هذا الموقف وقد وقفه النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه ثم ذكر : ( وإن أخوف ما أخاف على أمتي ) أخوف ما أخاف على أمتي ( كل منافق عليم اللسان ) كل منافق عليم اللسان .
وقال المباركفوري رحمه الله في المرقاة من مفاتيح شرح المشكاة في شرح حديث عمر ( يهدم الإسلام ثلاثة ) قال: ( يهدم الإسلام أي يزيل عزته ، زلة عالم أي عثرته أي بتقصير منه ، وجدال المنافق الذي يظهر السنة ويبطن البدعة بالقرآن وإنما خص أي القرآن( لأن الجدال به أقبح وهو يؤدي إلى الكفر وذلك لإفساده الدين ) .
وقال الطيبي : ( المراد بهدم الإسلام تعطيل أركانه ، وتعطيله إنما يحصل من زلة العالم ) إلى أن قال : ( وتعطيله إنما يحصل بزلة العالم ، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإتباع الهوى ، ومن جدال المبتدعة وغلوهم بإقامة البدع بالتمسك بتأويلاتهم الزائفة ، ومن ظهور ظلم الأئمة المضلين ، وإنما قدمت زلة العالم لأنها هي السبب في الخصلتين الأخيرتين ) .
فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد خاف على أمته منافق عليم اللسان ، المنافق عليم اللسان كما قال المناوي في الفيض : ( أي عالم للعلم منطلق اللسان به لكنه جاهل القلب والعمل فاسد العقيدة ، يغر الناس بشقشقة لسانه فيقع بسبب إتباعه خلق كثير في الزلل ) .
فمن أول ما يدخل في ما يخشى من جدال المنافق بالقرآن جدال أهل البدع وبثهم الشبه والضلالات ، وكذلك جدال المتسترين بالإسلام وهم يحملون أفكاراً تخالف وتناقض أصول الإسلام ، ويجبنون عن إظهار الكفر الأكبر والنفاق الأكبر فيتترسون ببث الشبه في أوساط المسلمين .
واليوم قد قامت سوق هذه الثلاث الخصال وراجت ، من إتباع زلات العلماء ومن جدال المنافقين بالقرآن الكريم فلا يرجعون إلى السنة ، ومن جادل من أهل الأهواء بالسنة إتباعاً لشبهاته فلا يرجع إلى الميزان الصحيح الذي به يوزن الاستقلال من القرآن والسنة ، وذلكم الميزان هو فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
فأهل الأهواء والبدع لهم شبهات في باب توحيد العبادة ، توحيد القصد والطلب توحيد الإلهية ، شبهات نقليه وشبهات عقلية نظرية ، ولهم في باب الأسماء والصفات شبهات ، ولهم في باب الحكم بالشريعة شبهات ، ولهم في باب إتباع الدليل وترك التقليد شبهات ، ولهم في كل ما يذهبون إليه مخالفين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومنهج الصحابة الكرام لهم شبهات في ذلك .
ولقد قام أئمة السنة قديماً بالوقوف أمام هذه الشبهات وأمام جدال المجادلين بالقرآن والمتأولين فيه بغير تأويله ، وبغير ما أراد الله وأراد رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديثه ، وقفوا وقفة عظيمة وردوا شبهات أهل الباطل .
وهكذا نجد إلى أئمة الدعوة رحمهم الله وقفوا في رد شبهات أهل الباطل شبهاتهم النقلية والعقلية بمصنفات كثيرة ، إلى أئمة السنة وأعلامها في هذا العصر ، وإن كان الواحد يشاهد جزراً وانكماشاً في باب رد الباطل وتأويلات أهل الباطل ، ومجادلة أهل النفاق العملي بالقرآن الكريم وتلبيسهم وإلباسهم باطلهم لباس أهل الحق ، وتعمية الحق على دهماء الناس وأنصاف المتعلمين والمثقفين من الرجال والنساء .
فاليوم نلاحظ أن الجهد المبذول لا يرقى إلى كثرة الشبه وكثرة أهل الباطل ، ومع قلة الجهد المبذول فإن هذا الجهد لم يترك يسري في الناس ويصل نوره ليقشع تلك الظلمات ، ظلمات أهل الباطل والمجادلين بغير حق ، بل وقف بعض الناس في وجه هذه الردود ، فتارة ينفرون عنها بأنها تُقَسّْي القلوب ، وتارة بأنها تفرق الأمة ، وتارة بأنها تصد عن العلم ، ولا أدري متى كانت ردود أهل السنة خالية من العلم ؟ ، ومتى كانت تسترق ؟ ، والعلم بل إنها والعلم سدى ، ردود أهل السنة سداها ولحمتها العلم قائمة عليه منطلقة منه مستضيئة بنوره محتجة ببرهانه ، فلذلك قمع الله بها أهل البدع .
لكن للأسف اليوم يشاهد أن هذا الباب على قلة ما يكتب فيه من نوادر علمائنا ، الذين جاهدوا من أمر الله بجهادهم من أهل التحريف لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالقلم والبيان والكتاب ، ما ترك هذه الجهود على قلتها ، لم تترك تنتشر في الناس إلا قليلا ووقف أمامها وصد أمامها من كثير من المسلمين ، إما جهلاً وإما نصرة للبدع وأهلها أو تقليداً لمن نصر البدعة وأهلها .
إذاً السلف وقفوا أمام هذه التحريفات والتأويلات ، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، حتى ندرك تماماً ونفهم أنه يدخل في جدال المنافق شبه أهل البدع والأهواء وأنها تهدم الإسلام ، النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر في الحديث ، وورد عن جمع من الصحابة عن عبد الله بن عمر وعقبة بن عامر وعبد الله بن عباس وعصمة بن مالك ، وصححه الألباني رحمه الله بطرقه في الصحيحة برقم خمسين وسبعمائة ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( أكثر منافقي أمتي قُراءها ) ، القُراء الذين يحملون القرآن ويقرؤون القرآن ويُقْرِئونه ، فذكر أنهم أكثر منافقي هذه الأمة ، لأنهم يقولون ما لا يفعلون ، ولأنهم يفعلون ما لا يؤمرون ، وعلى هذا عدَّ جمع من أهل العلم كثير من أهل البدع كالخوارج ، بل إن من أئمة العلم من ألف في فضائل القرآن ، كالإمام الفريابي جعفر بن محمد وفي خاتمة كتابه ذكر باباً في التحذير من الخوارج ، وأنهم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، والتحذير من صفاتهم وذكر صفاتهم تحذيراً منهم ، وهكذا صنع الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في كتابه فضائل القرآن ، عقد فصولاً مهمة ، أنصح إخواني طلبة العلم السلفيين أن يعنوا بهذا الكتاب ، وذكر الذين يتأكَّلون بالقرآن وذكر الخوارج وذكر الذين يستغلون القرآن كأنما يحكي واقع كثير من هذه الجماعات الموجودة اليوم .
فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يذكر أن أكثر منافقي أمته في قُرّْاءها ، ويذكر أنه يخاف على أمته كل منافق عليم اللسان ، وذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث عقبة بن عامر في مسند أحمد وحسنه الألباني وغيره ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( هلاك أمتي في الكتاب واللبن ) قالوا : ما الكتاب يا رسول الله وما اللبن ؟ قال : ( أما الكتاب فقوم يقرؤون القرآن يتأولونه على غير ما أراد الله عز وجل ، وأما اللبن فقوم يبدون ويتركون الجمع والجماعات بحثاً عن اللبن ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام .
وكما عرف عنه وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال ( إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلنا على تنزيله ) ، فهذه طوائف مسلمة من أهل الإسلام تتأول كتاب الله عز وجل على غير ما أراد الله ابتغاءً للفتنة ، وتحريفاً للحق وإيقاعاً للناس في اللبس وفي الباطل ، فيحتاجون إلى من يتصدى لشبهاتهم ومن يكشف عوارهم ومن يرد عليهم باطلهم ، وإن هذا الثغر العظيم يشكوا اليوم من قلة الواقفين والمرابطين في هذا الثغر ، إننا نلاحظ قلة وندرة في الواقفين والمرابطين في ثغر الذب عن القرآن الكريم وعن السنة النبوية من حيث التحريف لدلالتهما .( إن منكم من يقاتل على تأويله ) أي على تفسيره وبيان معانيه ، ( كما قاتلنا على تنزيله ) أي كما قاتل المشركين الذين كانوا لا يقرون بتنزيل القرآن من رب العالمين سبحانه وتعالى .
فهذه أحاديث وغيرها مما لم يحضرني كثير في بيان خطر النفاق ، وخطر القُرَّاء الذين يقرؤون القرآن ويتأولونه على غير مراد الله عز وجل ، وأن بهم يهدم الإسلام ، وأن بهم هلاك الأمة ، وأن بهم يتربص الأعداء ويتمكن الأعداء مما لا يقدرون على التمكن منه ، لولا وجود هؤلاء الذين يتأولون القرآن على غير ما أراد الله تبارك وتعالى وتقدس بكلامه جل و علا .
فهذا الذي يجادل بالقرآن من المنافقين ويلبس على الناس أمر دينهم هذا مما يهدم الإسلام ، الواجب أن نحذر مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن قوله : ( إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ) يجعلنا نخاف مما خاف منه النبي صلى الله عليه وسلم ، ويجعلنا نتلمس صفات هؤلاء ، ونعد العدة العلمية الراسخة الثابتة المستقاة من المصادر العلمية السنية السلفية الأصيلة ، نعد العدة لردع هؤلاء الذين يُلَبِّسون على الناس أمر الدين .
اليوم كثير من دعاة الباطل القبورية يحتجون ببعض المتشابه من القرآن ، وأهل الباطل والمحاربين للأحكام الشرعية والدعاة لإنهاك أو لانتهاك الأعراض ، والدعوة إلى الاختلاط المخل الذي يترتب عليه آثاره العظيمة السيئة المدمرة ، كل هذا يتلمسون من هنا ومن هنا ، فيحتاجون إلى وقفة جادة من أتباع السنة وحملتها ، يكشفون بها ظلمات هذه المجادلات المبنية على إتباع المتشابه ، وترك المحكم الواضح البيِّن من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلام الصحابة والتابعين وغيرهم من أهل العلم .
أما الخصلة الثالثة فهي قوله رضوان الله تعالى عليه : ( وحكم الأئمة المضلين ) أو قال : ( وأئمة مضلون ) ، وعمر رضي الله عنه لما قال : ( أئمة مضلون ) أنهم ممن يهدم بهم الإسلام ، فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم قد خاف على أمته ذلك ، ففي حديث عمر رضي الله عنه وأرضاه وأصله في مسلم وزاد البرقاني رحمه الله في صحيحه من حديث ثوبان في مستخرجه ، قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأول الحديث : ( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض ) إلى أن قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( وإن ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ، ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي المشركين ، وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان ) ، الحديث .
قال العلامة الشيخ عبد الرحمن ابن حسن رحمه الله تعالى في كتابه فتح المجيد ، وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ( وإن ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين،أتى بإنما التي قد تأتي للحصر بياناً لشدة خوفه على أمته من أئمة الضلال ، وما وقع في خلد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك إلا لما أطلعه من غيبه أنه سيقع نظير ما في الحديث قبله من قوله : ( ستتبعون سنن من كان قبلكم ) ثم قال : وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنما أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) ، وعن ثوبان أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) رواه الدارمي .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله تعالى ، في قوله : ( إن ما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ) ، ( أي الأمراء والعلماء والعباد ) ، هذه ثلاثة أصناف خافهم النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من بعده ، علماء السوء والسلاطين المفسدون ، العباد المفسدون يغيرون بالعبادة ، والعلماء المفسدون يغيرون بالعقيدة ، والسلاطين المفسدون الأحكام ، هؤلاء الثلاثة خافهم النبي صلى الله عليه وسلم وأنهم أخطر على المسلمين من الحروب المدمرة لأن الحروب تقل الأبدان ، وهذه الأصناف الثلاثة تقتل الدين ، العباد هؤلاء أحدثوا لأنفسهم عبادات لم تكن موجودة في الكتاب ولا في السنة ،كالطرقية الصوفية المتنسكة الذين أحدثوا عبادات وأوراد وصلوات لم تثبت لم ترد لا في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعلها الصحابة رضي الله عنهم .
وكما هو معلوم أن العبادة توقيف ، قال جل وعلا : (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) ( 12 الشورى ) والقسم الثاني علماء السوء الذين يفسدون عقائد الناس ، كم أفسدوا علماء السنة بعلماء المعتزلة والأشاعرة والأتورودية ، كم أفسدوا علماء السوء من عقائد الناس ، كم أفسد علماء السوء من (**) ودعوا الناس ولبسوا عليهم ووقفوا في وجوه أهل التوحيد وبطنوا لهم الشرك الأكبر بل (***) ، وأضلوا الناس في باب البدع أمام الطائفية والقولية والعملية ، هؤلاء العلماء الأئمة المضلون من علماء أو أمراء خالفوا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو عباد .
تأمل ما جره على الأمة صنيعالمأمون العباسي لما ترجم كتب اليونان وكتب الفلسفة والمنطق ، وزاحم بهذه الكتب أهل الإسلام وكانوا في عافية ، وتأثر بكتبه المعتزلة واقتنع بعقيدتهم خلق القرآن ثم امتحن الأمة والأئمة ، وسوم على الإسلام وأهله من البلاء ومن الشر ، وعذب أئمة الإسلام ومحدثيه وفقهائه ، وحصل من فتنته ومحنته ما يندى له جبين أهل الحق ، صار له آثاره السيئة المدمرة إلى اليوم ، فجنى على الإسلام جناية عظيمة ، حتى قال بعض الأئمة وأظنه شيخ الإسلام ابن تيمية : ( ما أظن أن ينجوا المأمون مما صنعه بهذه الأمة ) .
فانظر إلى هذه الآثار الموجودة اليوم كم دمرت من عقائد ، وكم سببت في انكماش كثير من الناس عن نور الإسلام الصافي النقي وإقبالهم على ظلمات الشرك والبدع والخرافات ، وكم كانت هذه الكتب سبباً في تهيئة الناس لإنزال تلك العقوبات من سيطرات التتار والمغول ، وسقوط الدول الإسلامية في المشرق والمغرب .
فكتب علم الكلام وكتب البدعة ما دخلت بلداً إلا كانت سبباً في تمزيق أهلها وتسليط أعداءها عليها ، والتأريخ شاهد بذلك ، فلما تدخل كتب السحر وكتب البدعة وعلم الكلام وكتب الرفض وتنتشر في أوساط الناس ، يتسلط الكفار هذه حوادث التأريخ شاهدة بذلك ناطقة بصحة هذا الأمر ، كما قرره جمع من الأئمة من شيخ الإسلام رحمه الله في المجموع وغيره من أهل العلم .
فهذه الأصناف الثلاثة : عالم إذا زل والعلماء الضلالة علماء السوء وفسقة العلماء بهم يفسد الدين ، الأئمة المضلون العلماء السوء والسلاطين والعباد .
ومما يدخلونه بالنسبة للعباد أو علماء السوء ، أنهم كما تقدم يفسدون على الناس عقائدهم وعباداتهم ، وحكام السوء الذين يخالفون كتاب الله وسنة رسوله يفسدون على الناس أحكامهم ، ربما تبنوا البدعة ونشروها فيكونون أئمة ضلالة كما حصل من المأمون ومن ورثه في الامتحان الأمة على بدعته التي أغراه بها أستاذه من المعتزلة كأحمد ابن أبي دؤاد وغيره .
والنبي صلى الله عليه وسلم بالحديث الآخر الذي رواه الحاكم وغيره روي موقفاً ومرفوعاً من حديث عبد الله بن عمر وموقوف عن ابن عباس وحسنه الألباني رحمه الله تعالى في الصحيحة ( يا معشر المهاجرين خمس أعيذكم بالله أن تدركوهن ) ثم قال : ( وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ) ، وإذا جعل الله بأس أهل الإسلام بينهم ، فإن هذا يؤدي إلى انصرافهم عن تعلم الإسلام و عن تعليمه وعن العمل به والدعوة إليه ، ويكون سبباً في ظهور البدع والضلالات وفي غياب السنة وذلك بعينه هدم الإسلام ، كما سيأتي .
ولكن تأمل مع كونه صلى الله عليه وسلم أخبر أنهم يحكمون بغير ما أنزل الله إلا أنه قال أئمة ، ما زالوا أئمة للمسلمين ، قال : ( وما لم تحكم أئمتهم ) وقال بالحديث الآخر : ( خيار أئمتكم ) وقال : ( وشرار أئمتكم ) ، فمهما فإن أحدثوا أو غيروا ما لم يكن أو ما لم يصل إحداثهم أو تغيرهم إلى الكفر الأكبر المخرج من الملة ، فهم لا يزالون أئمة للمسلمين وإن كانوا أئمة جور ، فلا يجوز الخروج عليهم ولا التنظيمات السرية ولا الانقلابات ولا التهيج عليهم ، ولكن يجب رد الباطل الذي يخالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم و أرضاهم .
كما فعل أئمة الإسلام قديماً ، فهم جمعوا بين ما دلت عليه أصول السنة من السمع والطاعة وعدم الخروج ما لم تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان ، فأما في الصحيحين حديث عبادة بن الصامت وبين بيان الحق للخلق وبيان مقتضى كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
هذه الثلاثة ( أئمة مضلون ) الوارد في حديث عمر ، وأيضا ً من الأبيات المنسوبة لعبد الله بن المبارك :

وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها

وقال بعضهم

فساد كبير عالم متهتك وأكبر منهم جاهل يتنسك


هما فتنة للعالمين عظيمة لمن بهما في دينه يتمسك

فالعلماء والعباد إذا فسدوا ، لذا كان سفيان بن عيينة يقول : ( كان يقال من فسد من علماءنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى ) ، وقال بعض من تقدم : ( صنفان إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء ) .
نسأل الله جل وعلا أن يصلح ولاة أمر المسلمين أمراءهم وعلماءهم ، وأن يوفق الجميع للحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله وسلم ، وإتباع هدي الكتاب والسنة وإيثار الكتاب والسنة على كل رأي وكل فكرة وكل بدعة وكل سياسة وكل ذوق ، وأن يرزقنا وإياكم وإياهم تعظيم الكتاب والسنة وتقديمهما على كل ما يحدثه الناس وما يقررونه وما يرونه وما يفكرونه ، وأن يجعل إتباعنا صادقاً وأعمانا خالصة لوجهه سبحانه وتعالى .
وهذا اختصار في الحقيقة وإلا فالموضوع فيما يتعلق بأثر عمر والتنبيه كيف يدخل النقص وكيف يدخل الهدم للإسلام كثير ، ولكن اختصاراً للوقت ، بارك الله في الجميع .
كذلك من ما أحب أن أختم به وهي كلمة الفضيل بن عياض وغيره وقد رويت كما قلت لكم سابقاً رويت مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم من حديث معاذ ولا تصح مرفوعة والصواب صحته عن جمع من الأئمة رحمهم الله ، منهم يوسف بن أسباط والفضيل بن عياض و غيرهم ، ( من وقر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام ) والحقيقة أننا ما شهدنا في تأريخ الأمة الماضي ، عبر أربعة عشر قرناً ونحن في بداية الخامس عشر هجري ، ما شهدنا توقير أهل البدع يرفع عقيرته و تروج سوقه كما شهدناها في هذا الزمن ، الذي وجدت فيه الجماعات السياسية الإسلامية الحزبية الحركية ، وكان من أعظم وسائلها للوصول إلى أهدافها كالحكم ، أن سلكت مسلك الجمع لا مسلك الشرع ، وأكثر الناس من قرون وهم على بدع وضلالات ، ويتبعون طرائق مبتدعة منظمة سواءً كانوا في عقائد كلامية كالأشاعرة والماتورودية ، أو عقائد جمعت بين الكلامي والسلوكي المهلك الضال كالطرق الصوفية التي تملأ العالم الإسلامي ، أو كانت مللً مستقلة كالرفض ، أو غير ذلك مما تعج به الساحة من الضلال الذي أثقل كاهل هذه الأمة ولا يزال جاثماً على صدرها ، أراح الله الأمة من شر هذه البدع وطرائقها ودعاتها .
فلما قامت هذه الجماعات هي روجت لسوق توقير أهل البدعة حتى تضمن العدد ، وحتى تجمع أكبر قدر ممكن لتصل إلى أهدافها ، فسلكوا كما قلت مسلك الجمع لا مسلك الشرع ، الذي يقتضي بالحكم ببطلان الباطل وإحقاق الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( والأمر بالسنة والنهي عن البدعة (**) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) بل إن إنكار ما يخالف السنة هو سبب تحديث أبي سعيد رضي الله تعالى عنه بحديث : ( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) ، لما قدم الأمير مروان أمير المدينة آنذاك ، قدم الخطبة على الصلاة في يوم العيد فأنكر عليه رجل وقال : ( خالفت السنة )، قال أبو سعيد : ( أما هذا فقد أدى ما عليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ) ثم ذكر الحديث .
فإنكار البدع والضلالات هو أول ما يدخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وأما الجماعات السياسية المعاصرة لأهداف معروفة فحصرت فكرياً وعملياً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجانب الأخلاقي فحسب ، بل وفي بعض الجوانب الأخلاقية لا كل الجوانب الأخلاقية ، وهذا القسط يحتاج إلى وقت آخر إن شاء الله ، وقد وصف في بعض المواضع وبعض المحاضرات .
فإذاً في هذا الزمن اشتد هذا الشر وهو توقير أهل البدعة ، فإن سألت أيها الأخ الحريص على نجاته ، والحريص على سنته ، الصادق في سلفيته وحُق لك أن تسأل ، فقلت كيف يكون توقير صاحب البدعة هادماً للإسلام ؟ كيف يتأتى هذا ؟ يجيبك على ذلك الشاطبي رحمه الله في كتابه الاعتصام إذ قال : ( وأيضاً فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على الإسلام بالهدم .
إحداهما : التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير ، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس ، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره ، فيؤدي ذلك إلى إتباعه في بدعته دون إتباع أهل السنة على سنتهم .
والثانية : أنه إذا وقر من أجل بدعته ، صار ذلك كالحادي المحرض له على إنشاء الابتداع في كل شيء وعلى كل حال ، فتحيى البدع وتموت السنن وهو هدم الإسلام بعينه ) .
وهو هدم الإسلام بعينه ، ولهذا أخذنا بعض صور لتعظيم أهل البدعة ، وهذا في حد ذاته موضوع مستقل ، إن رأينا أن الوقت اليوم لم يسعفنا ولم يكفينا ، فإننا نحتاج إلى إفراده في كلمة مستقلة ، فتشاوروا فيما بينكم نظراً للوقت الذي حدد لهذه الكلمة واستعداد الأخوة ونشاطهم ، وأيضاً نظراً لموعد آخر أن يكون الحديث حول توقير أهل البدعة وآثاره السيئة على الأمة ، وأنواع التوقير وما يعد من التوقير وما لا يعد منه ، هذا بالحقيقة موضوع مهم غاية لأن هذا الشر وهو توقير أهل البدع الذي يؤدي إلى هدم الإسلام ، ما شوهد قوة وانتشاراً ودعوة إليه وتطبيقاً ، مثل ما شوهد الآن بسبب هذه الجماعات الذين تقدم الإشارة إلى مآربهم ومقاصدهم ، فتأملوا فيما بينكم وتشاوروا ، إن رأيتم إخواني أننا نؤجل إلى وقت آخر ولقاء آخر ، وأعددنا لها ما تيسر من المادة وآثار أهل العلم فعلنا ذلك ، فهل انتهى الوقت المحدد ؟ .
( والله تقريبا ً يا أبا العباس ) .
إذاً قرر أن نكتفي بهذا القدر ، وإن كتب لنا ولكم لقاء عبر الهاتف جعلناه يعني حول هذه المسألة ، ونشوف من البسط والتفصيل الذي قد نحتاج إليه والله ، أنا أرى أن الحاجة ماسة إلى مثل هذا الموضوع وكيف جر توقير أهل البدع على مدار التأريخ ، وخصوصاً في هذا الزمان ، وما أحدث من القواعد والحواجز الأمنية التي تصد أهل الحق عن رد أهل البدع وأهلها ، فأولاً يحجبونك بحاجز لا تتكلم بالبدعة وأهلها ، حافظ على حسناتك ، الرد على هؤلاء يفرق الأمة ، إذا حاكمت حكمت ، ستسأل عن كل كلمة تقولها ، كلام حق أرادوا به التخذيل ، كما قال الإمام العلامة فقيه العصر محمد بن صالح العثيمين ، يوم عرضت عليه بعض قواعد عدنان عرعور _ إذا حاكمت حوكمت ، وإذا دعوت أجرت ، وإذا سكتَّ سلمت _ ، قال مباشرة رحمه الله وهذا موجود بصوته ، قال : ( هذه قواعد تخذيل ) تخذيل ، فإذا قواك الله وتجاوزت هذا الحاجز قالوا لك : لا انقد الفكرة ودع المفكر ، وانقد البدعة وخلي الشخص ، وانقد القول واترك الذات .
فإن أعانك الله على هذا الحاجز الشيطاني بنور الرحمن ومدد إيماني فانتقلت وإلى المرحلة المتقدمة ، قالوا إذاً اسمع يقعدون لك في كل طريق ، إن كان ولا بد ستكتب فعليك أن توازن بين الحسنات والسيئات ، وإلا عليك أن تجمل عند ذكر المثالب فتقول : عنده مخالفات ولكن فَصِّل في المناقب ، فقل قد فعل و فعل و فعل و فعل ، و إلا فاحمل مجمله على مفصله ، فإذا أعانك الله ونجوت من هذه الشبكة الخطيرة وقفزت من هذا الحاجز الأمني والدرع الخطير الذي جعلوه أهل البدع ، وتجاوزت هذا وكتبت قالوا لك : اكتفي برد واحد لا تكثر الرد وانشره على بعض طلابك فقط ولا تكثر الرد على هذا الشخص ، وتجاهلوا كم تعددت ردود الأئمة على شخص واحد وعلى فكرة واحدة وعلى فرقة واحدة .
المهم أني أرى إن شاء الله أن هذا الموضوع لشدة الحاجة إليه ، لعله يؤجل إن شاء الله إلى لقاء قادم .
أسأل الله جل وعلا لي ولكم التوفيق والسداد ، وأن يصلح الله لنا ولكم الظاهر والباطن ، وأسأله الكريم جل وعلا بعلاه أن يمدنا وإياكم بنصره وتأيده ، وأن يؤهلنا ويجعلنا مستحقين لنصره بأن ننصر دين الله وكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأننذب عنهم ما بقيت الأرواح في الأجساد ، ونسأله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، و جزاكم الله خيراً وهذه إنما مذاكرة معكم لا أحبذ تكون يعني للنشر إنما هي مذاكرة مع إخواني الله يوفقنا وإياهم لما يحب ويرضى و يعفوا عنا وعنكم ويشملنا بستره وعفوه في الدنيا والبرزخ والآخرة إنه ولي ذلك والقادر عليه وهو الغفور الرحيم .

جزا الله الشيخ عادل منصور على ما قدم وأفاد وأسأل الله عز وجل أن يجعل ما قال في موازين حسناته يوم القيامة .


تم بحمد الله


قام بتفريغه أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد


الأحد الموافق : 19 / ربيع ثاني / 1431 للهجرة النبوية