الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد :
(.....ولهذا قال تعالى :( والذين ءامنوا أشد حبا لله). فالمؤمنون أشد حبا لربهم ومعبودهم تعالى من كل محب لكل محبوب .هذا مقتصى عقد الإيمان الذي لايتم إلابه .
وليست هذه المسألة من المسائل التي للعبد عنها غنى أو منها بد ,كدقائق العلم والمسائل التي يختص بها بغض الناس دون بعض .بل هذه أفرص مسألة على العبد ,وهي أصل عقد الإيمان الذي لايدخل فيه الداخل إلا بها ,ولافلاح للعبد ولانجاة له من عذاب الله إلا بها ,فليشغل بها العبد أو ليعرض عنها .
ومن لم يتحقق بها علما و حالا وعملا لم يتحقق بشهادة أن لاإله إلا الله ,فإنها سر ها وحقيقتها ومعناها ,وإن أبى الجاحدون ,وقصر عن علمه الجاهلون .فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهه القلوب بحبها ,وتخضع له ,وتذل له ,وتخافه ,وتنيب إليه في شدائدها ,وتدعوه في مهماتها ,وتتوكل عليه في مصالحها ,وتلجأ إليه ,وتطمئن بذكره ,وتسكن إلى حبه .وليس ذلك إلا لله وحده .ولهذا كانت أصدق الكلام ,وكان أهلها أهل الله وحزبه ,والمنكرون لها أعداءه وأهل غضبه ونقمته .
فهذه المسألة قطب رحى الدين الذي عليه مداره ,و إذا صحت صح بها كل مسألة وحال وذوق ,وإذا لم يصححها العبد فالفساد لازم له في علومه وأعماله , وأحواله ,و أقواله .ولاحول ولا قوة إلابالله.


ابن القيم رحمه الله من طريق الهجرتين ص 694-695