أيها الإخوة والأخوات:
لقد كان لصيام رمضان أثر كبير على نفس سيد ولد آدم أجمعين في الإكثار من الأعمال الصالحة، لا سيما الجود والبذل والإحسان والإنفاق في وجوه البر، ودفع ضيق المحتاجين والمعوزين.
حيث قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه و سلم أجود بالخير من الريح المرسلة )) رواه البخاري (6) واللفظ له، ومسلم (2308).
قال الشافعي ـ رحمه الله ـ كما في "مختصر المزني"(9/68مع كتاب الأم):
وأحب للرجل الزيادة بالجود في شهر رمضان اقتداء به صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.اهـ
فاقتدوا ـ بارك الله لكم في أموالكم ـ بأجود الناس صلى الله عليه وسلم، فجودوا على إخوانكم وأخواتكم من المسلمين، في هذا الشهر الكريم، والزمن الفاضل الشريف، وازدادوا جوداً، وكونوا من الكرماء، وأذهبوا عن أنفسكم لهف الدرهم والدينار، وتعلقها بالريال والدولار، وتخوفها من الفقر والفاقة، فإن الشحيح لا يضر إلا نفسه، ولا يكدر إلا ماله، وقد قال الله ـ عز وجل ـ معاتباً وموبخاً لمن هذا حاله: { هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ }.
ولا تحتقروا القليل من البذل والعطاء، لا تحتقروا قليل الصدقة، ولا تجعلوها تردكم أو تضعفكم عن الإنفاق في وجوه البر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له، ثم ليقولن له: ألم أوتك مالاً؟ فليقولن: بلى، ثم ليقولن: ألم أرسل إليك رسولاً؟ فليقولن: بلى، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار، فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة )) رواه البخاري (1347) ومسلم (1016).
ومن الجود بالخير في شهر رمضان تفطير الصائمين من القرابة والجيران والأصحاب والفقراء.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال مرغباً في فعله، وحاثاً عليه، ومبيناً لعظيم أجره، وكبير فضله، وحسن عائده على فاعله: (( من فطر صائماً كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً )) رواه أحمد (17033) والترمذي (807) وابن ماجه (1746) وغيرهم.