بسم الله الرحمن الرحيم :
* قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أفضل الصدقة صدقة في رمضان ) (أخرجه الترمذي عن أنس).
************************************************** ************************************************** *******

الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى، وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا، لا يَغيب عن بصرِه صغيرُ النَّمْل في الليل إِذَا سَرى، ولا يَعْزُبُ عن علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولاَ في السَّماء، {لَهُ مَا فِي السَّمَـوَتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى } [طه: 6 8]، خَلَقَ آدَمَ فابتلاه ثم اجْتَبَاهُ فتاب عليه وهَدَى، وبَعَثَ نُوحاً فصنَع الفُلْكَ بأمر الله وجَرَى، ونَجَّى الخَليلَ من النَّارِ فصار حَرُّها بَرْداً وسلاماً عليه فاعتَبِرُوا بِمَا جَرَى، وآتَى مُوسى تسعَ آياتٍ فَمَا ادَّكَرَ فِرْعَوْنُ وما ارْعَوَى، وأيَّدَ عيسى بآياتٍ تَبْهَرُ الوَرى، وأنْزلَ الكتابَ على محمد فيه البيَّناتُ والهُدَى، أحْمَدُه على نعمه التي لا تَزَالُ تَتْرَى، وأصلِّي وأسَلِّم على نبيِّه محمدٍ المبْعُوثِ في أُمِ القُرَى، صلَّى الله عليه وعلى صاحِبِهِ في الْغارِ أبي بكرٍ بلا مِرَا، وعلى عُمَرَ الْمُلْهَمِ في رأيه فهُو بِنُورِ الله يَرَى، وعلى عثمانَ زوجِ ابْنَتَيْهِ ما كان حديثاً يُفْتَرَى، وعلى ابن عمِّهِ عليٍّ بَحْرِ العلومِ وأسَدِ الشَّرى، وعلى بَقيَةِ آله وأصحابِه الذين انتَشَرَ فضلُهُمْ في الوَرَىَ، وسَلَّمَ تسليماً.
إخواني: لقد أظَلَّنَا شهرٌ كريم، وموسمٌ عظيم، يُعَظِّمُ اللهُ فيه الأجرَ ويُجْزلُ المواهبَ، ويَفْتَحُ أبوابَ الخيرِ فيه لكلِ راغب، شَهْرُ في فضل شهر رمضانالخَيْراتِ والبركاتِ، شَهْرُ المِنَح والْهِبَات، {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 185]، شهرٌ مَحْفُوفٌ بالرحمةِ والمغفرة والعتقِ من النارِ، أوَّلُهُ رحمة، وأوْسطُه مغفرةٌ، وآخِرُه عِتق من النار. اشْتَهَرت بفضلِهِ الأخبار، وتَوَاتَرَت فيه الاثار، ففِي الصحِيْحَيْنِ: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «إِذَا جَاءَ رمضانُ فُتِّحَت أبوابُ الجنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النار، وصُفِّدتِ الشَّياطينُ». وإنما تُفْتَّحُ أبوابُ الجنة في هذا الشهرِ لِكَثْرَةِ الأعمالِ الصَالِحَةِ وتَرْغِيباً للعَاملِينْ، وتُغَلَّقُ أبوابُ النار لقلَّة المعاصِي من أهل الإِيْمان، وتُصَفَّدُ الشياطينُ فَتُغَلُّ فلا يَخْلُصونُ إلى ما يَخْلُصون إليه في غيرِه.
(1)
************************************************** **********************
(...ثم أما بعد فإن الحق جل ثناؤه جعل كرماً منه ومنةً طاعاته سبباً في نيل مرضاته ورفع الدرجات عنده، كما أنها سبب في تكفير السيئات ومضاعفة الحسنات
..
وهو سبحانه وتعالى من حكمته الباهرة البالغة أن جعل لعباده مواسم مختلفة تضاعف فيها الحسنات زيادة على غيرها من الأزمنة، ومن تلك المواسم والأوقات التي شرع الله سبحانه وتعالى فيها ما يتقرب به العباد إليه ودعاهم فيها إلى أن يجتهدوا في أعمال الطاعات هذا الشهر شهر رمضان..
والخلاصة أن الرب جل جلاله دعا عباده إلى التقرب إليه في كل زمان ومكان، لكنه جعل لبعض الأزمنة والأمكنة مزية خاصة، ورمضان منها..
قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيماناَ واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، وفي الحديث الآخر: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"، فكلا الحديثين متفق على الاجتهاد في الطاعة في رمضان وذلك بصيام نهاره وقيام ليله، هذا أولا
وثانيا: الحض على الإيمان والاحتساب، فالإيمان هو اعتقاد أن هذه الطاعات هي شرع الله والقرب التي أمر الله العباد أن يتقربوا إليه بها، والاحتساب هو الامتثال وطلب الأجر عند الله سبحانه وتعالى
فالمسلم موعود على صيام هذا الشهر على صيام أيامه بمغفرة الذنوب، كما أنه موعود على قيام لياليه كذلك، وهذا فضل الله سبحانه وتعالى..
ومن المزايا التي اختص الله بها هذا الشهر كثرة الإنفاق، فالإنفاق مندوب إليه - الإنفاق في وجوه الخيرات من الصدقة على المعوزين ومعونة المعسرين وإغاثة الملهوفين والمساكين - المسلم مندوب إلى ذلك وموعود عليه بالخلف في رمضان وفي غيره، ففي الحديث الصحيح: "ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان؛ يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا "، وفي الحديث الصحيح الآخر الذي رواه أحمد وغيره عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"
هذان الحديثان بعمومهما يفيدان الحض على الإنفاق في وجوه الخير تقرباً إلى الله عز وجل في رمضان وفي غيره، وأما ما يخص رمضان فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه في حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جواد وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، قال: فلهو صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة...)
(2)
************************************************** **********************
السؤال: عندما أذهب إلى بلدي في الإجازة آخذ معي بعض المصاحف، وآخذ فرشاً للمسجد، هل هذا يعتبرصدقة جارية، وأيضاً أرجو أن تحدثوني كثيراً عن الصدقة الجارية ابتغاء مرضاة الله -سبحانه وتعالى-؟
الجواب: المصاحف والكتب العلمية وفرش المسجد من الصدقات الجارية ما دامتينتفع بها، وهكذا بناء المساجد من الصدقات الجارية، وبناء المدارس لتدريس العلمالشرعي من الصدقات الجارية، وإصلاح الطرق للمسلمين من الصدقة الجارية، وهكذا توزيعالكتب بين الناس، النافعة المفيدة من الصدقة الجارية، وهكذا إيقاف الأوقاف الشرعيةفي وجوه الخير يوقف بيتاً توقف غلته في فقراء المسلمين أو في عمارة المساجد، أو فيتوزيع الكتب المفيدة والمصاحف كله من الصدقات الجارية، فالصدقة الجارية تشمل الصدقةبالمال، وإيجاد الأوقاف الشرعية النافعة، وبناء المساجد، وجميع ما يبقى نفعهللمسلم، كله يسمى صدقة جارية تكون هذه الصدقة باقية ما دام النفع، ما دام الانتفاعحاصلاً، ما دام الفراش ينتفع به, ما دام الكتاب ينتفع به, ما دام المصحف ينتفع به, ما دام المسجد ينتفع به، وهكذا كله صدقة جارية، والمال الذي يبذل في سبيل الله منغلة الوقف من الصدقات الجارية.
(3)
************************************************** ********************
- السؤال: ما هي منزلة الصدقة في رمضان ؟
الجواب: الصدقة في رمضان أفضل من الصدقة في غيره؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه شهر المواساة وكان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون بالخير من الرِّيح المُرْسَلَة.
وقال عليه الصلاة والسلام: "
مَنْ فَطَّر فِيه صَائِماً كَانَ كَفَّارة لِذُنُوبه وَعِتْق رَقَبَتهِ مِن النَّار وَكَانَ لَهُ من الأَجْرِ مثل أَجْرِ الصَّائم من غيْر أَن يُنْقِص من أَجْرِه شَيْئاً".
فهذا دليل على فضل الصدقة في شهر رمضان لا سيما وأنه شهر الصيام ويحصل للمحتاجين فيه جوع وعطش مع قلة ما بأيديهم، فإذا جاد عليهم المُحْسِنُون في هذا الشهر كان في ذلك إعانة لهم على طاعة الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر، إضافة إلى أن الطاعات عموماً تضاعف في الزمان الفاضل والمكان الفاضل؛ فتضاعف الأعمال لشرف الزمان، كما أن الأعمال تضاعف لشرف المكان، كما في مِسْجدي مكة والمدينة فإن الصلاة في مسجد مكة عن مئة ألف صلاة فيما سواه.
والصلاة في مسجد النَّبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة عن ألف صلاة فيما سواه. وذلك لشرف المكان، وكذلك شرف الزمان تضاعف فيه الحسنات. وأعظم ذلك شهر رمضان الذي جعله الله موسماً للخيرات وفعل الطاعات ورفعة الدرجات.
- السؤال: ما هي الأعمال الخيرية المَرْغوب فيها في شهر رمضان المبارك ؟
الجواب: الأعمال الخيرية المرغوب فيها في رمضان كثيرة، أهمها: المحافظة على أداء ما فرضه الله في رمضان وغيره من الصلاة والصيام، ثم الإِكثار بعد ذلك من النوافل؛ من تلاوة القرآن، وصلاة التراويح، والتهجد والصدقة، والاعتكاف، والإِكثار من الذكر والتسبيح والتهليل والتكبير والجلوس في المساجد للعبادة فيها، وحفظ الصَّوم عما يبطله أو يخل به من الأقوال والأعمال المحرمة والمكروهة.
(4)
************************************************
(1) (مجالس شهر رمضان) المجلس الأول فضل شهر رمضان / الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ
(2) الأجتهاد في الطاعات فيشهر رمضان .جزء مفرغ / الشيخ عبيد الجابري ـ حفظه الله ـ
(3) ( موقع ) الشيخ عبد العزيز ابن باز ـ رحمه الله ـ
(4) (كتاب فتاوى رمضان ) الشيخ صالح الفوزان ـ حفظه الله ـ