وقفات مع مقال توجيهات ونصائح للمرأة المسلمة للدكتورة رقية المحارب

الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وآله وصحبه أجمعين
أمَّا بعد :
فقد وقفت على توجيهات للدكتورة رقية المحارب وجهتها بخاصة لكل امرأة داعية ، وجعلتها في ثمانية نقاط ... لا زيادة فيها ولا نقصان .
وكما هو معلومٌ أنَّ أمر الدَّعوة إلى الله -عزوجل- غاية محمودة شرعاً وحساً قال سبحانه وتعالى :
{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَى إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينْ } .
قال شيخ الإسلام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- :(( هذه الآية شديدة على كل داعية )).
وقال -سبحانه وتعالى- :
{ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُواْ إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينْ } .
فبيَّن -سبحانه وتعالى- أن الدعوة إليه تكون على بصيرة ، والبصيرة : هي العلم .
وقد كان من جملة ما ذكرته هذه الأخت تذكيرَ الداعية بالصبر والتحمل للمشاق والصعاب و إيثار الحلم ومكارم الأخلاق في التوجيه والنُّصح وهو أمرٌ معقول ومحمودٌ لا ينكره إلا كلُّ مخبول لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً .

قال عليه الصلاة والسلام :(( حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره )) كما في صحيح مسلم ، ولكن ممَّا كان ينبغي التَّنبيه عليه وجعله في أول بُند قبل كلِّ ما تطرقت إليه ( تذكير الدُّعاة ) بالبدء بما بدء به أنبياء الله -عزَّوجل- ، ألا وهو إفراد الله -عزَّوجل- بالقصد والطلب وبتوحيد العبادة وإخلاصها له .
فمن لدن نوح عليه الصلاة والسلام إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلم كان شغلهم الشاغل دعوة الناس إلى عبادة الله -عزوجل- وحده لا شريك له ، كما قال - سبحانه وتعالى- :
{ ولقد بعثنا في كلِّ أمة رسولاً أن اعبدواْ الله واجتنبواْ الطاغوت } فها هو نبي الله نوح عليه الصلاة والسلام مكث في قومه ألف عام إلا خمسين يدعوهم إلى توحيد الله وحده لا شريك له وترك عبادة ود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا وهي صور صورها آبائهم فلما ماتواْ أتاهم الشيطان وألقى في نفوسهم شبهة التذكر للأباء وأنه أدعى وأنشط في العبادة فلما هلكواْ جاء الشيطان لأبنائهم و زيَّن لهم عبادة هذه التماثيل من دون الله فأرسل الله -عزوجل- نبيه ورسوله نوحاً عليه الصلاة والسلام يحذرهم ما صنعواْ.
وهذا خاتم الأنبياء والمُرسلين محمَّد عليه أفضل الصَّلاة وأزكى السلام نُبأ باقرأ وأُرسل بالمُدثر بلده مكَّة وهاجر إلى المدينة ، فكان يدعو إلى التوحيد في مكة عشر سنين وبعدها عرج به إلى السماء الدنيا وفرضت عليه الصلوات الخمس ، وصلَّى في مكة ثلاث سنين وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة '' لو لا أن قومكي أخرجوني منك ما خرجت '' وهاجر إلى المدينة .
هذا على إيجاز وقد كان يدعواْ إلى التَّوحيد وتأسيس العقيدة وتصحيحها في كلا الحقبتين صلوات الله وسلامه عليه بل إلى آخر حياته ، قال عليه الصلاة والسلام :(( لعن الله اليهود والنصارى اتخذواْ قبور أنبيائهم مساجد )) .
فهكذا كانت دعوة الأنبياء والمرسلين صابرين متحملين ، قال عليه الصلاة والسلام :(( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصَّالحون ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى المرء على قدر دينه )) .
هذا هو الأمر الأول الذي أحببت التنبيه عليه والتذكير به لنفسي أولا، ثم لهذه الأخت ثانيا و أرجوا أن يتسع صدرها للتوجيه .
عِلاوة إلى ما أسلفت الذكر قريباً أمر العلم والدعوة إلى الله -عزَّ وجل- على بصيرة ، فلا يصلح أن يكون الجاهل داعية بل لابد له من العلم قال الله تعالى :{وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا }[الإسراء:36] .
قال الشيخ العلامة عبد العزيز بن بازٍ عليه رحمة الله تعالى إجابة منه على استفسـارٍ:

أودُّ من سماحة الشيخ أن يفسر هذه الآية: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36]؟

على ظاهرها فالله ينهى عن كون الإنسان يتكلم فيما لا يعلم {وَلاَ تَقْفُ} يعني: لا تقل في شيء ليس لك به علم، بل تثبت، {إِنَّ السَّمْعَ} يقول: سمعت كذا، وهو ما سمع {وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}: الإنسان مسؤول عن سمعه وقلبه وبصره، فالواجب عليه أن لا يقول: سمعت كذا إلا عن بصيرة، ولا يقول: نظرت كذا إلا عن بصيرة، ولا يعتقد بقلبه شيء إلى عن بصيرة، لا بد، فهو مسئول، فالواجب عليه أن يتثبت وأن يعتني حتى لا يتكلم إلا عن علم، ولا يفعل إلا عن علم، ولا يعتقد إلا عن علم، ولهذا قال جل وعلا: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} ، فالإنسان يتثبت في الأمور والله يقول -جل وعلا-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33] فجعل القول على الله بغير العلم فوق هذه الأشياء كلها، فالواجب على الإنسان يتعلم حتى يكون على علم، ويتبصر فلا يقول: سمعت، ولا يقول: رأيت، ولا يقول: كذا وكذا إلا عن بصيرة عن علم .اهـ

وكذلك قال الشيخ العلامة صالح بن فوزان آلفوزان -حفظه الله- : الذي يدعو بالجهل يفسد أكثر مما يُصلح.
وكذلك قال -حفظه الله- كما في الأجوبة المفيدة لمن سأل عن المناهج الجديدة :
 س 14 : من المعلوم أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى العلم الشرعي؛ فهل هذا العلم هو حفظ الكتاب والسنة ؟ وهل يكفي العلم الذي يُدرس في المدارس والجامعات للدعوة إلى الله ؟

جـ/ العلم هو حفـظ النصوص وفهم معـانيها؛ فلا يكفي حفظ النصوص فقط، لا يكفي أن الإنسان يحفظ نصوص القرآن والأحاديث، لا بد من معرفة معانيها الصحيحة، أما مجرد حفظ النصوص بدون فهم لمعانيها؛ فهذا لا يؤهل للدَّعوة إلى الله .
أمَّا ما يدرَّس في المدارس إذا كان فيه حفظ للنصوص وفهم لمعانيها؛ فهو كافٍ .
أما إذا كان حفظاً للنصوص دون فهم للمعاني؛ فهذا لا يُؤهل للدَّعوة، لكن بإمكان هذا أن يُحَفِّظ الناس النصوص التي حفظها، ويلقِّنهم إيَّاها دون شرح لمعانيها، أو يقرأها عليهم، ويُسمعهم إياها .اهـ (ص:39 ـ 40 ) .

وهذا من باب الإنصاف تطرَّقَت إليه في التَّوجيه الثامن، ولكن أحببت أن أُنبه فيه إلى نبذ طريقة جماعة الدَّعوة والتبليغ التي أسَّسها محمد إلياس وهي الفرقة تتدعي أنها هي الطائفة المنصورة والفرقة الناجية خداعاً وغشاً للمُسلمين ولهم عقائد فاسدة مفسدة ومنهجهم خرابٌ يباب ولا أدلَّ عليه من بدعتهم التي اشتهرواْ بها '' الخروج في سبيل الله ''وكذلك الفصل بين النفي والإثبات في كلمة الإخلاص ضمن أحدِ أورادهم الهالكة وليس هذا موضع بسط ما عندهم لكن يُراجع في كتاب التحذير البليغ من جماعة التبليغ للشيخ العلامة حمود التوجري -رحمه الله- .
وكذلك رسالة السِّراج المنير للشيخ العلامة محمد تقي الدين الهلالي المغربي -رحمه الله- وغيرها من الرسائل العلمية التي بينت عوار منهج القوم ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ .
وأخيراً : أنبِّه على التوجيه ما قبل الأخير الَّذي تطرَّقت له ألا وهو قولها :
سابعاً: ليس الهدف من الدَّعوة هو تحطيم أشخاص معينين أو إسقاطهم، فلم يكن هم موسى عليه السَّلام القضاء على فرعون ... .
هذا الكلام مُجمل يُفضي إلى أمرٍ فيه نظر ألا وهو عدم التصدي للمخالف بعد النصح والتوجيه وهو خطأ محض وغلط صرف ، لكن يقال تكون الدعوة للمخالف بحسب حاله فإن كان جاهلاً فإنه يُعلم ويوجه وإن كان عالما مكابراً فإنه يناصح فإن أبى وكابر وبقي على غيِّه فإنه يحذَّرُ منه
ولكلُّ مقام مقالٍ ...

هذا وما كان فيه من صواب فمن الله -عزَّوجل- وحده وما كان فيه من خطإ فمن نفسي والشيطان والله من وراء القصد وصلى الله على نبيِّنا محمد وآله وصحبه .