فإن قال قائل: إحداث ذلك بدعة؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يشرع إلا أذاناً واحداً، والأذان عبادة لا يمكن شرعها إلا بإذن من الشارع؟.
فالجواب على ذلك من وجهين:
الأول: أن هذا من سنة الخلفاء الراشدين؛ لأن عثمان ـ رضي الله عنه ـ منهم، وللخلفاء الراشدين سنة متبعة بسنة الرسول صلّى الله عليه وسلّم فقد قال: «عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي» (2) .
الثاني: أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ لم يسنه إلا لسبب لم يكن موجوداً في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهو سعة المدينة وتباعد الناس، فلا يقال: إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يشرعه؛ لأنه في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن هناك سعة يحتاج الناس معها إلى أن ينادوا للصلاة، وقد علم أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم شرع أذاناً في آخر الليل ليس لصلاة الفجر، بل من أجل إيقاظ النائم، وإرجاع القائم، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «إن بلالاً يؤذن بليل ليوقظ نائمكم ويرجع قائمكم،
فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم» (1) .
إذاً فقد شرع النبي صلّى الله عليه وسلّم أذاناً في آخر الليل لا من أجل وقت صلاة، ولكن من أجل أن يستعد الناس للسحور، قد يكون الداعي إلى مشروعية الأذان الأول يوم الجمعة أقوى من ذلك، فعلى هذا تكون هذه السنة التي سنها أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ سنة شرعية نحن مأمورون باتباعها.
وبهذا يعرف غرور بعض الأغرار الصغار من طلاب العلم الذين ينتسبون إلى علم الحديث، فيضللون أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ ويقولون: إنه مبتدع ـ نسأل الله العافية ـ وهم إذا قالوا: إن عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ مبتدع، لزم من ذلك أن يكون جميع الصحابة الذين أدركوا عهده مبتدعة؛ لأنهم أقروا البدعة، وهذا مبدأ خطير ينبئ عن غرور وإعجاب بالنفس ـ والعياذ بالله ـ وعدم اكتراث بما كان عليه السلف الصالح، ووالله إن علم السلف الصالح أقرب إلى الصواب من علم المتأخرين، وأهدى سبيلاً، وهذا شيء معلوم، حتى إن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ كان يأمر باتباع هدي الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ويقول: «إنهم أعمق علوماً، وأبر قلوباً»، فإذا اجتمع بِرُّ القلب وعمق العلم، تبين أن من بعدهم خَلْفٌ وليسوا أماماً، وإني أحذر إخواني طلبة العلم من ركوب مثل هذا الصعب، وأقول: لا ترتقوا مرتقًى صعباً، عليكم بسنة الخلفاء الراشدين كما أمركم نبيكم صلّى الله عليه وسلّم (2) ، وإياكم أن تطلقوا ألسنتكم عليهم بمثل هذا الكلام السخيف، أيقال لأمير المؤمنين عثمان بن عفان ثالث الخلفاء
الراشدين: إنه مبتدع؟!! أو يقال لمن أدرك زمنه من الصحابة: إنهم مقرُّون للبدعة؟!! من أنت أيها الصبي؟ من أنت أيها الغر؟ اعرف قدر نفسك حتى تعرف قدر الناس، نسأل الله السلامة.
إذاً النداء الأول للجمعة إذا وقع البيع والشراء بعده فلا بأس؛ لأنه لا نهي فيه.))
الشرح الممتع على زاد المستقنع-كتاب البيوع-صفحة(187-189)